الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع قيمة الكتاب العلمية
حسبك كتاب يقول فيه الحافظ قطب الدين الحلبي: إنه لم يتكلم على الحديث من عهد الصحابة إلى زماننا مثل ابن دقيق العيد، ومن أراد معرفة ذلك، فعليه بالنظر في القطعة التي شرح فيها "الإلمام"، فإن من جملة ما فيها: أنه أورد حديث البراء بن عازب: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع"، واشتمل على أربع مئة فائدة (1).
حسبك هذا أن يكون هذا الشرح فريداً في بابه، بل لعله لم يُصنَّفْ في الإسلام مثلُه.
وقال عنه الذهبي: وشرح بعض "الإلمام" شرحاً عظيماً (2).
وقال الحافظ ابن حجر: وصنف "الإلمام في أحاديث الأحكام"، وشرع في شرحه، فخرج منه أحاديث يسيرة في مجلدين، أتى فيهما بالعجائب الدالة على سعة دائرته في العلوم، خصوصًا في الاستنباط (3).
(1) انظر: "رفع الإصر" لابن حجر (ص: 395).
(2)
انظر: "تذكرة الحفاظ" للذهبي (4/ 1482).
(3)
انظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر (5/ 348).
وقال عنه الأُدفُوي وهو يعدد مؤلفات الإمام ابن دقيق: فكيف بـ "شرح الإلمام"، وما تضمنه من الأحكام، وما اشتمل عليه من الفوائد النقلية، والقواعد العقلية، والأنواع الأدبية، والنكت الخلافية، والمباحث المنطقية، واللطائف البيانية، والمواد اللغوية، والأبحاث النحوية، والعلوم الحديثية، والمُلَح التاريخية (1).
إن كتاباً أربت مواردُه على المئتين والثلاثين كتاباً من أمهات كتب الإسلام، اعتمد مؤلفُه عليها في أواخر القرن السابع الهجري، لجديرٌ أن يُوقَفَ عنده، وأن ينظر إلى ما حواه، وأن يُنعم النظر في فحواه.
وإن كتاباً بلغت فوائده ومباحثه الحديثية والأصولية والفقهية واللغوية كثر من ثلاثة آلاف، كلُّ هذا من النظر في خمس وخمسين حديثاً، لشهادة عظمى بعلو كعب هذا الإمام، وتقدم شرحه هذا على غيره من كتب الشروح والأحكام.
ثم إن قيمته الكبرى تبرز في المنهج الذي سار عليه المؤلف في الاستدلال والاستنباط والمناقشة، والذي يعد منهجاً سليماً قوياً؛ إذ يربِّي في نفوس طلبة العلم ملكة الاستدلال والاستنباط في فهم نصوص الكتاب والسنة.
(1) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 575).
ويعطيهم الطريقة المثلى في اختيار النصوص الصحيحة للاحتجاج والاستشهاد.
وتغذي فيهم الملكات الأدبية.
وتنمِّي عندهم الشخصية الجامعة بين العلم والعمل، والرواية والدراية (1).
* * *
(1) ومن هنا أدعو أهل العلم إلى عدم الاتكال على الحفظ والرواية فقط، روى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (ص: 439 - من القسم المتمم) عن مطرف بن عبد الله قال: قال رجل لمالك: قد سمعت مئة ألف حديث، فقال مالك: مئة ألف حديث!! أنت حاطب ليل تجمع القشعة، فقال: ما القشعة؟ قال: الحطب يجمعه الإنسان بالليل، فربما أخذ معه الأفعى فتنهشه.
فلابد من الاعتماد على الرواية الصحيحة، والدراية السليمة اللتين تقودان إلى اعتقاب وعمل موافِقين مقبولَين.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة"(ص: 19): والناس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصَّا واستنباطا، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يُدرك خير إلا بعونه، فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصاً واستدلالًا، ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرَّيَب، ونُوَّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضعَ الإمامة.