الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ النِّيَّةِ
وَهِيَ الشَّرْطُ السَّادِسُ لِلصَّلَاةِ، عَلَى كُلِّ حَالٍ.
ــ
بابُ النِّيَّةِ
قوله: وهي الشَّرْطُ السَّادِسُ. الصَّحِيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحاب، وقطع به كثيرٌ منهم، أنَّ النِّيَّةَ شرْطٌ لصِحَّةِ الصَّلاةِ. وعنه، فرْضٌ. وهو قوْلٌ في «الفُروعِ» ، ووَجْهٌ في «المُذْهَب» وغيرِه. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ». قال في «المُسْتَوْعِبِ»: وقال القاضي، وغيره مِن أصحابِنا: شَرائِطُها خمْسَةٌ. فنقصُوا منها النِّيَّة وعدُّوها رُكْنًا. وقال
وَيَجِبُ أنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ بعَيْنِهَا إِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، وَإِلَّا أجْزَأتْهُ نِيَّةُ الصَّلَاةِ.
ــ
الشَّيخُ عبْدُ القادِرِ: وهي قبلَ الصَّلاةِ شَرْطٌ، وفيها رُكْنٌ. قال في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: فيَلزَمُهم مِثْلُه في بَقِيَّة الشُّروطِ. ذكرَه في أركانِ الصَّلاةِ. قوله: ويجبُ أنْ يَنْوِيَ الصَّلاةَ بعَيْنِها، إنْ كانت مُعَيَّنةً، وإلَّا أجْزَأتُه نِيَّة الصَّلاةِ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يجبُ تَعْيِينُ النِّيَّة لصلاه الفَرْضِ والنَّفْلِ المُعَيَّنِ. وهو المشْهورُ والمعْمولُ به عندَ الأصحاب، وقطَع به كثيرٌ منهم. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا منْصوصُ أحمدَ وعامَّةِ الأصحابِ في صلاةِ الفَرْضِ. وعنه، لا يجِبُ التَّعْيِينُ لهما، ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ. وأبْطَلَه المَجْدُ بما لو كانت عليه صلَواتٌ فصلَّى أرْبَعًا ينْوِيها ممَّا عليه، فإنَّه لا يُجْزِئُه إجْماعًا، فلوْلا اشْتِراطُ التَّعْيينِ، أجْزَأه كما في الزَّكاةِ؛ فإنَّه لو كان عليه شِيَاهٌ عن إِبلٍ أو غَنمٍ، أو آصُعُ طَعامٍ مِن عُشْرٍ وزكاةِ فِطْرٍ، فأخْرَجَ سْاةً أو صاعًا ينْوِيه ممَّا عليه، أجْزأه، لمَّا لم يكنِ التَّعْيِينُ شَرْطًا. انتهى. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. قال: وظاهرُ كلام غيرِه لا فَرْقَ. وهو مُتوَجِّهٌ إنْ لم يَصِحَّ بينَهما فرقٌ. انتهى. وقال في «التَّرغِيبِ» :
وَهَلْ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ في الْفَائِتَةِ، وَنِيِّةُ الْفَرْضِيَّةِ في الْفَرْضِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
يجِبُ التَّعْيِينُ للفَرْض، فلا يجِبُ في نَفْلٍ مُعَيَّنٍ. انتهى. وقيل: متى نوَى فَرْض الوَقْتِ، أو كانتْ عليه صلاةٌ لا يعْلَمُ هل هي ظُهْرٌ أو عصْرٌ؛ فصلَّى أرْبَعًا يَنْوِي الواجِبةَ عليه مِن غيرِ تَعْيِين، أجْزأه. وقد أوْمَأَ إليه. ذكرَه ابن تَميمٍ، ويَحْتمِلُه كلامُ الخِرَقيِّ أَيضًا. قالَه الزَّرْكَشِي، واخْتارَه القاضي.
قوله: وإلَّا أجْزَأتْه الصَّلاةُ. يعْنى، وإنْ لم تكُنِ الصَّلاةُ مُعَيَّنُة، مثلَ النَّفْلِ المُطلَقِ، فإنَّه يُجْزِئُ نِيَّة الصَّلاة، ولا يجب تَعْيِينها. وهذا بلا نِزاعٍ أعْلَمُه.
قوله: وهل تُشْتَرَط نِيَّةُ القَضاءِ في الفائتَةِ، ونيَّةُ الفَرْضِيَّةِ في الفَرْضِ؛ على وَجْهيْن. عندَ الأكْثَرِ. وهما رِوايَتان في «الفُروعِ». وقال ابن تَميمٍ: وَجْهَان. وقيل: رِوايَتان. أمَّا اشْتِراطُ نِيَّةِ القَضاءِ في الفائتَةِ؛ فأطْلَقَ المُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْن. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «شَرْحِ المَجْدِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابن مُنَجَّى» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «الحاوِي الكَبيرِ» ؛ أحدُهما، يُشْتَرَطُ. وهو المذهبُ. اخْتارَه بنُ حامِدٍ، قالَه في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. قال في «الفُروعِ»: وتجِبُ نِيَّةُ القَضاء في الفائِتَةِ، على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصَحِّ. وجزَم به في «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الإفَاداتِ» . قال ابنُ نَصْرِ اللهِ، في «حَواشِيه»: ما قالَه في «الفُروعِ» خِلاف المذهبِ في المَسائل الثَّلَائةِ، وإنَّما المذهبُ عدَمُ الوُجوبِ. والوَجْهُ الثَّانِي، لا تُشْترطُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الفائقِ» ، و «ابنِ تَمِيمٍ» . واختارَه في «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وجَزم به في «الوَجيزِ» «والمُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِي الصَّغِيرِ» ، و «إدْرَاكِ الغايَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» . فعلى المذهبِ؛ لو كان عليه ظُهْران، حاضِرَةٌ وفائِتَةِ، فصَلَّاهُما، ثم ذكرَ أنَّه ترَك شرْطًا في إحْدَاهما لا يعْلَمُ عَيْنَها، لَزِمَه طهْران، حاضِرَةٌ ومَقْضِيَّة، كما كان عليه ابتداءُ. وعلى الوَجْهِ الثَّانِي، يُجْزِئُه ظُهْرْ واحِدَةٌ، ينْوِي بها ما عليه.
فوائد؛ الأُولَى، لو نوَى مَن عليه ظُهْران فائتَتان ظُهْرًا منهما، لم يُجْزِئْه عن إحْدَاهما حتَّى يُعَيِّنَ السَّابِقَةَ لأجْلِ التَّرْتيبِ. وقيل: لا يُجْزِيْه، كصَلَاتَيْ نَذرٍ، لأنَّه مُخَيَّرْ هنا في التَّرْتيبِ، كإخْراجِ نِصْفِ دينارٍ عن أحَدِ نِصابَيْن، أو كفَّارَةٍ عن إحْدَى أيْمانٍ حنِث فيها. قال في «الفُروعِ»: ويتوَجَّهُ تخْريجٌ واحْتِمالٌ، يُعَيِّنُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السَّابِقَةَ. الثَّانيةُ، لو ظَنَّ أنَّ عليه ظُهْرًا فائتةً فقَضاها في وَقْتِ ظُهْرِ اليَوْمِ، ثم بان أنَّه لا قضاءَ عليه، لم يُجْزِئْه عنِ الحاضِرَةِ، في أصَحِّ الوَجْهيْن. صحَّحه ابنُ تَميمٍ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وجزَم به في «الحاوِي الكبِيرِ». وقيل: يُجْزِئْه. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» وأطْلقهما في «الشَّرَحِ» الثَّالثةُ، لو نوَى ظُهْرَ اليَوْمِ في وَقْتِها، وعليه فائتَةٌ، لم يُجْزِيْه عنها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فىَ «المُغنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «ابن رَزِينٍ» . وقدِّمه في «الفُروعِ» . وخرج المُصَنِّفُ ومَن تَبِعَه فيها كالتى قبلَها. وجعلَها ابنُ تَميمٍ كالتى قبلَها. وتقدَّم في آخرِ شُروطِ الصَّلاةِ، إذا نَسِيَ صلاةً مِن يومٍ، وجهل عَيْنَها، أو نَسِيَ ظُهْرًا وعصْرًا مِن يوْمَيْن. الرَّابعة، يصِحُّ القَضاءُ بِنيَّةِ الأداءِ وعكسِه، إذا بانَ خِلافُ ظَنِّه. قالَه الأصحابُ. قاله في «الفُروعِ». قال المُصَنِّفُ وغيرُه: لا يخْتَلِفُ المذهبُ في ذلك. وقال ابنُ تَمِيمٍ: فلا إعادةَ، وَجْهًا واحِدًا. قالَه بعضُ الأصحابِ. وذكرَ ابن أبي موسى، أنَّ القَضاءَ لا يصِحُّ بِنيَّةِ الأداءِ، ولا بالعكْس. انتهى. وقال الأصحابُ: لا يصِحُّ القَضاءُ بِنيَّةِ الأداءِ وعكسِه مع العِلْمِ. وأمَّا اشْتِراط نِيَّةِ الفَرْضِيَّةِ في الفَرْضِ، فأطْلَقَ المُصَنِّف فيه الوَجْهَيْن، وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «ابن تَمِيمٍ» ، و «الشَّرَحِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ؛ إحْدَاهما، تُشْتَرَطُ. وهو المذهبُ. اختاره ابن حامِدٍ. قال في «الفُروعِ»: وتجِبُ نِيَّةُ الفرْضِيَّةِ للفَرْضِ، على الأصَحِّ. قال في «الخُلاصَةِ»: ويَنْوِي الصَّلاة الحاضِرةَ فَرْضًا. والوَجْهُ
وَيَأتِي بِالنِّيَّةِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإحْرَامِ،
ــ
الثَّاني، لا تُشْترَطُ. وعليه الجمهورُ. قال في «الكافِي»: وقال غيرُ ابنِ حامدٍ: لا تلْزَمُه. قال المَجْدُ في «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الحاوِي الكَبِيرِ»: وأمَّا نِيَّةُ الفَرْض للمَكْتوبةِ، فلا [تُشْتَرَطُ إذا أَتَى] (1) بِنِيَّة التَّعْيِينِ عندَ أكْثرِ أصحابِنا. وقالَا: هو أوْلَى. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكبْرى» ، و «الفائقِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، [وجزَم به في «الوَجيزِ»، و «المُنَوِّرِ»](2). وقدَّمه في «الهِديَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرِّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «تَجْريدِ العِناية» ، وابن رَزِينٍ في «شَرحِه» وغيْرِهم. قلتُ: الأوْلَى أنْ يكونَ هذا هو المذهبَ.
فائدتان؛ إحْدَاهما، اشْتِراطُ نِيَّةِ الأداءِ للحاضِرَةِ، كاشْتِراطِ نِيَّةِ الأداءِ لقَضاء الفائِتَةِ ونِيَّةِ الفَرْضِيَّةِ للفَرْض، خِلافًا ومذهبًا. الثَّانيةُ، لا يُشْترطُ في النِّيَّةِ إضافَةَ الفِعْلِ إلى اللهِ تعالى في العِباداتِ كلِّها. على الصَّحيح منَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. قال ابنُ تَميمٍ: ولم يَشْتَرِط أصحابُنا في النِّيَّةِ إضافةَ الفِعْل إلى اللهِ تعالَى
(1) في م: «يشترط أداء إلَّا.
(2)
زيادة من: ش.
فَإن تَقَدَّمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ جَازَ.
ــ
في سائرِ العِباداتِ. وقال أبو الفَرجِ ابنُ أبي الفَهمِ: الأشْبَهُ اشْتِراطُه. قلت: وجزَم به في «الفائقِ» . وقيل: يُشْتَرَطُ في الصَّلاةِ والصَّوْمِ ونحوِهما، دُونَ الطَّهارةِ والتَّيَمُّمَ.
قوله: فإنْ تَقدَّمَتْ قبلَ ذلك بالزَّمَنِ اليَسيرِ جازَ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وحمَلْ القاضي كلامَ الخِرَقِيِّ عليه، وقال في «التَّبْصِرَةِ»: يجوز، ما لم يتكلَّمْ. وقيل. يجوزُ بزَمَنٍ طويل أَيضًا، ما لم يَفْسَخْها. نقَل أبو طالِبٍ وغيرُه، إذا خرج مِن بَيتِه يريدُ الصَّلاةَ، فهو نِيَّةٌ، أتُراهُ كبَّرَ وهو لا ينْوِي الصَّلاةَ؟ وهذا مُقْتضَى كلام الخِرَقِيِّ. واخْتارَه الآمِدِيُّ، والشَّيْخ تقِيُّ الدِّين، في «شَرْحِ العُمْدَةِ». وقالَ الآجُرِّيُّ: لا يجوزُ تقْديمُها مُطْلَقًا. قلتُ: وفيه حرَجٌ ومشَقَّةٌ. فعلى القوْلِ بالتَّقْديمِ، لو تكلْمَ بعدَها وقبل التَّكْبيرِ، لم تَبْطُلْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: تَبْطُلُ كما لو كفَر.
تنبيه: اشْتَرَطَ الخِرَقِيِّ في التَّقْديِمِ أنْ يكونَ بعدَ دُخولِ الوْقتِ، وعليه شَرح ابنُ الزاَّغُونِيِّ وغيرُه. وقالَه القاضي أبو يَعْلَى ووَلَدُه أبو الحَسَن، وصاحِبُ «المُذْهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِييْن» ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وأكْثَرُ الأصحابِ لا يَشْتَرِطونَ ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو ظاهر كلامِ المُصَنِّفِ هنا وغيرِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: إمَّا لإهْمالِهِم له، أو اعْتِمادًا على الغالِبِ. وظاهرُ ما قدَّمه في «الفروعِ» ، لا يُشْتَرَطُ ذلك. قالَه في «الفائِق» بعدَ حِكايَةِ الخِلافِ. قال القاضي: وقبلَ الوَقْتُ لا يجوز. انتهى. قلتُ: المسْألةُ تَحْتَمِل وَجَهْين؛ اخْتِيارُ القاضي وغيره عدَمُ الجَوازِ، وظاهرُ كلام غيرِهم الجواز، لكنْ لم أرَ بالجَوازِ تَصْريحًا.
فائدتان؛ إحْدَاهما، يَشْترَط لصحَّة تقَدُّمِها عدَمُ فسْخِها وبقاءُ إسْلامه. قال القاضي في «التَّعْليقِ» ، و «الوَسِيلَةِ» ، والمَجْدُ، وصاحِبُ «الحاوِي» ، وغيرُهم: أو يشْتَغِلُ بعَمَلٍ كثيرٍ، مثلَ عمَلِ مَن سَلَّمَ عن نقْصٍ، أو نَسِيَ سُجْودَ السَّهْوِ، على ما يأتي. قاله القاضي في «الرِّعايَةِ» ، أو أعْرَضَ عنها بما يُلْهِيه، وقطْع جماعةٍ، أو بتعمُّدِ حَدَثٍ. وتقدِّم كلامُ صاحِبِ «التَّبْصِرَةِ» . الثَّانيةُ، تصِحُّ نِيَّةُ: الفَرْض مِنَ القاعدِ، على الصَّحيحِ مِن المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقال في «التَّلْخِيصِ» ؛ لو نوَى فرْضًا وهو قاعِدٌ، مع القُدْرَةِ على القِيامِ، لم يَنْعَقِدْ فَرْضًا ولا نَفْلًا. وقال في «الرِّعايَةِ الكبْرى»: قلتُ: ويَحْتَمِلُ أنْ يصِيرَ نَفْلًا.
وَيَجِبُ أنْ يَسْتَصْحِبَ حُكْمَهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ،
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَإنْ قَطَعَهَا في أثْنَائِهَا، بَطَلَتِ الصَّلَاةُ، وَإنْ تَرَددَ في قَطْعِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
قوله: فإنْ قطعَها في أَثْنائها، بطَلت الصَّلاةُ. وهو المذهب، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطع به أكثرهم. وقيل: إنْ نوى قريبًا، لم تَبْطُلْ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وهو بعيدٌ.
قوله: وإنْ تَرَدَّدَ في قَطْعها، فعلى وَجْهَيْنِ. وأطْلقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحَاوِيَيْنِ» ، و «ابن تَميمٍ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنَايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ العُمْدَةِ» للشَّيْخِ تقِيِّ الدِّين وغيرِهم؛ أحدُهما، تَبْطُلُ. وهو المذهبُ، اخْتارَه القاضي. ونصَره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، والمَجْدُ في «شَرْحِه» . وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، وابنُ نَصْرِ اللهِ، في «حَواشِي الفُروعِ» . وجزم به في «الوَجيزِ» ، و «الإفَاداتِ» ، و «المنْتَخَبِ» . والوَجْهُ الثَّانى، لا تَبطُلُ. وهو ظاهرُ كلام الخِرَقِيِّ. واخْتَارَه ابنُ حامِدٍ، وجزَم به في «المُنَورِ» . وقدِّمه ابن رَزِينٍ في «شَرْحِه» .
فائدة: لو عزَم على فَسْخِها، فهو كما لو ترَدَّد في قَطْعِها، خِلافًا ومذهبًا، على الصَّحيحِ. وقيل: تَبْطُلُ بالعَزْمِ وإنْ لم تَبْطُلْ بالتردُّدِ وجزَم به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِي». وقال في «الكُبْرى»: إنْ عزَم على قَطْعِها أو ترَدَّد، فأوْجُهُ؛ الثَّالِث، تَبْطُلُ مع الغزْمِ دُونَ التَّردُّدِ. وقال في بابِ صفَةِ الصَّلاةِ: وإنْ قطَعها أو عزَم على قَطْعِها عاجِلًا، بطَلتْ، وإنْ تَرَدَّدَ فيه، أو توَقَّفَ أو نوَى أنَّه سَيَقْطَعُها، أو علق قطْعَها على شَرْطٍ، فوَجْهان. والوَجْهان أَيضًا؛ إذا شك هل نوَى فعمِل عنه، أيْ مع الشَّكِّ، عمَلًا، ثم ذكره فقالَ ابنُ حامِدٍ: يبْنِي؛ لأنَّ الشَّكِّ لا يُزِيل حُكْمَ النِّيَّةِ، فجازَ له البِنَاءُ؛ لو لم يُحْدِثْ عمَلًا. وقال القاضي: تَبْطُلُ، لخُلُوِّهِ عن نِيَّةِ مُعْتَبَرةٍ. وهو ظاهِر ما قدَّمَه الشَّارِحُ. وقال المَجْدُ أَيضًا: إنْ كان العمَلُ قولًا، لم تَبْطُلْ؛ لتَعَمُّدِ زِيادَتِه، ولا يُعْتَدُّ به، وإنْ كان فِعْلًا، بطَلتْ، لعدَمِ جَوازِه، كَتَعمُّدِه في غيرِ مَوْضِعِه. وقال في «مَجْمَعِ البَحْرَين»: إنَّما قال الأصحابُ: عمَلًا. والقِراءَة ليستْ عمَلًا على أصْلِنا، ولهذا لو نوَى قَطْعَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِراءةِ، ولم يَقْطَعْها، لم تَبْطُلْ، قولًا واحِدًا. قال الآمِديُّ: وإنْ قطعها، بطَلتْ بقطْعِه لا بِنِيَّتِه، لأنَّ القِراءةَ لا تحْتاجُ إلى نِيَّةٍ. قال في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: ولو كان عمَلًا لاحْتاجَتْ إلي نِيَّةٍ كسائرِ أعْمالِ العِباداتِ. قال صاحِبُ «الفُروعِ» : وما ذكره النَّاظِمُ خِلاف كلامِ الأصحاب، والقِراءَةُ عِبادَةْ تُعْتَبرُ لها النِّيَّة. قال الأصحابُ: وكذا شَكُّه هل أحْرَمَ بظُهْرٍ أو عَصْرٍ، وذكرَ فيها، يَعْنِي هل تَبْطُلُ أو لا؟ وقيل: يُتِمُّها نَفْلًا، كما لو أحْرَمَ بفَرْضٍ فَبانَ قبلَ وَقْتِه. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، كشَكِّه هلَا أحْرَمَ بفَرْضٍ أو نَفْلٍ؟ فإنَّ الإمامَ أحمدَ سُئِلَ عن إمامٍ صلَّى بقَوْم العَصْرَ، فظَنَّها الظُّهْرَ فطَوَّل القِراءةَ، ثم ذكَر، فقال: يُعيدُ، وإعادَتُهم على اقْتِداءِ مُفْتَرِضٍ بمُتَنَفِّلٍ. قال المُصَنِّفُ، والمَجْدُ، والشَّارِحُ: وإنْ شَكَّ هل نوَى فَرْضًا أو نَفْلًا؟ أتَمَّها نَفْلًا، إلَّا أنْ يَذْكرَ أنَّه نوَى الفَرْضَ قبلَ أنْ يُحدِثَ عمَلًا، فيُتِمَّها فَرْضًا، وإنْ ذكرَه بعدَ أنْ أحْدَثَ عمَلًا، خُرِّجَ فيه الوَجْهان. انتهى. قال المَجْدُ: والصِّحيحُ بُطْلانُ فَرْضِه. قال في
وَإِنْ أحْرَمَ بِفَرْضٍ، فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ، انْقَلَبَ نَفْلًا،
ــ
«الفُروع» : إنْ أحْرَمَ بفَرْض رُباعِيَّةٍ، ثم سلَّم مِن رَكْعَتَيْن يَظُنُّها جُمْعَةً أو فَجْرًا أو التَّراوِيحَ، ثم ذكرَ، بطَل فَرْضُه ولم يَبْنِ. نصَّ عليه، كما لو كان عالِمًا. قال: ويتَوَجَّهُ احْتِمالٌ وتَخْريجٌ، يَبْنى، كظَنِّه تَمامَ ما أحْرَمَ به. وقال الشّيْخَ تَقيُّ الدِّينِ: يحْرُمُ خروجُه بشَكِّه في النِّيَّةِ، للعِلْمِ بأنَّه ما دَخَل إلَّا بالنِّيَّةِ، وكشَكِّه هل أحْدَثَ أم لا؟.
قوله: فإنْ أحْرَمَ بفَرْضٍ، فَبان قبل وَقْتِه، انقَلبَ نَفْلًا. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ؛ لبَقاءِ أصلِ النِّيَّةِ. وعنه، لا تَنْعَقِدُ، لأنَّه لم يَنْوِه. [قال ابن تَميمٍ: وخرَّج الآمِدِيُّ رِوايةً؛ أنَّها لا تنْعْقِدُ أصْلًا. واخْتارَه بعضُ أصحابِنا] (1)، كما لو أحْرمَ به قبل وَقْتِه عالِمًا بذلك. على الصَّحيح مِنَ الوَجْهَيْن.
فائدة: مِثْل هذه لو أحْرَمَ بفائتَةٍ فلم تكنْ عليه، [أو أحْرَمَ قبلَ وقْتِه مع عِلْمِه، فالأشْبَهُ أَنَّها لا تنْعَقِدُ. قاله ابنُ تَمِيمٍ](1).
(1) زيادة من: ش.
وَإِنْ أحْرَمَ بِهِ في وَقْتِهِ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا، جَازَ. وَيَحْتَمِلُ أنْ لَا يَجُوزَ إلَّا لِعُذْرٍ، مِثْلَ أن يُحْرِمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ يُرِيدَ الصَّلَاةَ في جَمَاعَةٍ.
ــ
قوله: وإنْ أحْرَمَ به في وقْتِه، ثم قلَبه نفلًا، جاز. إذا أحْرَم بفَرْضٍ في وَقْتِه ثم قلَبه نَفْلًا، فتارةٌ يكونُ لغَرَضٍ صحيحٍ، وتارةً يكونُ لغيرِ ذلك؛ فإنْ كان لغيرِ غرضٍ صحيحٍ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يصِحُّ مع الكَراهَةِ. جزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخلاصَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «الحَاوِيَيْنِ» ، ويُحْتَمِل أنْ لا يجوزَ ولا يصِحَّ. وهو روايةٌ ذكرها في «الفروعِ». قال القاضي في موْضِعٍ: لا تصِحُّ، رِوايةً واحِدَةً. وقال في «الجامع»: يُخَرَّجُ على رِوايَتَيْن. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ، و «الفروعِ» . وأمَّا إذا قلَبه نَفلًا لغَرَض صحيحٍ، مثلَ أنْ يُحْرِمَ مُنْفَرِدًا ثم يريدَ الصَّلاةَ في جماعةٍ، فالصِّحيحُ مِن المذهب أنَّه يجوزُ وتصِحُّ. وعليه الأصحابُ، وأكثرُهم جزَم به، ولو صلَّى ثَلاثَةً مِن أربعَةٍ، أو رَكْعَتين مِنَ المَغْرِبِ. وعنه، لا تصِحُّ. ذكَرها القاضي ومَن بَعدَه، لكى قال المَجْدُ في «شَرْحِه»: على المذهبِ، إنْ كانت فَجْرًا أتمَّها فرِيضَةً؛ لأنَّه وَقتُ نَهْي عن النَّفْلِ. فعلَى المذهبِ، هل فِعْلُه أفْضَلُ أم ترْكُه؟ فيه رِوايتان؛ وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَمِيمٍ». قلتُ: الصَّوابُ أنَّ الأفْضَلَ فِعْلُه، ولو قيل بوُجوبِه، إذا قُلْنا بوُجوبِ الجماعَةِ، لَكان أوْلَى. وقدَّم في
وَإِنِ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ بَطَلَتِ الصَّلَاتَانِ.
ــ
«الرِّعَايَةِ الكبْرَى» الجوازَ مِن غيرِ فَضِيلَةٍ.
تنبيهان؛ أحدُهما، في قولِ المُصَنِّفِ: وإنِ انْتَقَلَ مِن فرضٍ إلى فرْضٍ، بطلتِ الصَّلاتان. تَساهُلٌ؛ إذِ الثَّانيةُ لم يدْخُلْ فيها حتَّى تبْطُلَ، بل لم تنْعَقِدْ بالكُلِّيَّةِ. الثَّانى، قال في «الفُروعِ»: وإنِ انَتَقلَ مِن فرْضٍ إلى فرْضٍ، بطَل فرْضُه. والمُرادُ، ولم يَنْوِ الثَّانِي مِن أولِه بتَكْبيرَةِ الإحْرامِ. والأصَحُّ الثَّانِي.
فائدة: إذا بطَل الفرْضُ الَّذي انْتقَلَ منهْ، ففي صِحةِ نَفْلِه الخِلاف المُتَقدِّمُ في مَن أحْرَمَ به في وَقْتِه ثم قلَبه نَفْلًا، على ما تقدَّم. وكذا حُكْمُ ما يُفْسِدُ الفَرْضَ فقط،
وَمِنْ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْإمَامُ وَالْمَأمُومُ حَالَهُمَا،
ــ
إذا وَجدَ فيه، كترْكِ القِيامِ، والصَّلاةِ في الكَعْبَةِ، والائْتِمامِ بمُتَنَفِّل، إذا قُلْنا: لا يصِحُّ الفَرْضُ. والائْتِمامُ بصَبِيٍّ إنِ اعْتَقدَ جوازَه، صحَّ نَفْلًا، في الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وإلَّا فالخِلافُ. وهي فائدةٌ حَسَنَةٌ. قوله: ومِن شَرطِ الجَماعَةِ أنْ يَنْوِيَ الإمامُ والمأمُومُ حالَهُما. أمَّا المأمُومُ، فَيُشْتَرَط أنْ يَنوِيَ حالَه، بلا نِزاعٍ. وكذا الإمامُ، على الصِّحِيحِ مِنَ المذهبِ مُطْلَقًا، وعليه جماهير الأصحاب، وقطَع به كثيرٌ منهم، وهو مِن المُفْرَداتِ. وعنه، لا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الإمامَةِ في الإمامِ في سِوَى الجُمُعَةِ. وعنه، يُشْتَرَطُ أنْ يَنْوِيَ الإمامُ حالَه في الفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ. وقيل: إنْ كان المأمومُ امرأةً، لم يصِحَّ ائتِمامُها به حتَّى يَنوِيَه؛ لأنَّ صلَاته تَفسُدُ إذا وقَفتْ بجَنْبِه. ونحن نَمْنَعُه، ولو سُلِّم، فالمأمومُ مِثْلُه، ولا يَنْوِي كوْنها معه في الجماعةِ، فلا عِبْرَةَ بالفَرْقِ، وعلى هذا لو نوَى الإِمامَةَ برَجُلٍ، صَحَّ ائتمام المرأةِ به، وإنْ لم ينوِها، كالعكس. وعلى روايةِ عَدَمِ اشْتِراطِ نِيَّةِ الإمامَةِ؛ لو صلَّى مُنْفَرِدًا، وصُلَّىَ خلْفَه، ونوَى مَن صلَّى خلفَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الائْتِمامَ، صحَّ وحصَلتْ فَضِيلَةُ الجماعةِ. فيُعايَى بها. فيقال: مُقْتَدٍ ومُقْتَدًى به، حصَلتْ فضِيلَة الجماعةِ للمُقْتدِي دُونَ المُقْتَدَى به؛ لأنَّ المُقْتدَى به نوَى مُنْفَرِدًا ولم يَنْوِ الإمامةَ، والمُقْتَدِي نوى الاقْتِداءَ. وقد صحَّحْناه على هذه الرِّوايَة. وعندَ أبي الفَرَجِ، يَنْوى المُنْفرِدُ حالَه.
فائدتان؛ إحْداهما، لو اعْتقَدَ كُلُّ واحدٍ منهما أنَّه إمامُ الآخَرِ، أو مأمُومُه، لم تصِحَّ مُطْلَقًا. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. نصَّ عليهما. وقيل: تصِحُّ فرادَى في المسْألتَيْن. وهو منَ المُفْرَداتِ. وقيل: تصِحُّ فرادَى إذا نوَى كل واحدٍ منهما أنَّه مأمومُ الآخَرِ فقط. جزَم به في «الفُصُولِ» . وقال ابنُ تَميمٍ: وفيه وَجْهٌ؛ إذا اعْتَقَدَ كلُّ واحدٍ أنَّه إمامُ الآخَرِ، فصَلاتُهما صحِيحَةٌ. وإنْ لم تُعْتَبر نِيَّةُ الإمامِ، صحَّتِ الصَّلاةُ فُرادَى فيما إذا نوَى كلُّ واحدٍ منهما أنَّه إمامُ الآخرِ. وكذا إذا نوَى إمامةَ مَن لا يصِحُّ أنْ يَؤُمِّه؛ كامْرأةٍ تَؤُمُّ رجُلًا، لا تصِحُّ صلاةُ الإمامِ، في الأشْهُرِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: تصِحُّ. وكذا الحُكْمُ إنْ أمَّ أمِّيٌّ قارئًا. الثَّانيةُ، لو شكَّ في كوْنِه إمامًا أو مأمُومًا، لم تصِحَّ؛ لعَدَم الجَزْمِ بالنِّيَّةِ. وقال القاضي في «المُجَرَّدِ»: لا تصِحُّ أَيضًا، ولو كان الشَّكُّ بعدَ الفَراغِ.
فَإنْ أحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ، لَمْ يَصِحَّ، في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
ــ
قوله: فإنْ أحْرَمَ مُنْفرِدًا ثم نوَى الائْتِمامَ، لم يصحَّ في أصحِّ الرِّوايتَيْن. وكذا في «الهِدايَةِ» ، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» وغيرهم. وصحَّحَه الشَّارِحُ وغيرُه. والثَّانية، تصِحُّ ويُكْرَهُ، على الصَّحيحِ. وأطْلَقَهما في «الكافى» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْنِ». وقال ابنُ تَميمٍ: وعنه، يصِحُّ. وفي الكراهَةِ رِوايَتان. فعلى هذه الرِّوايَةِ متى فرَغ قبلَ إمامِه، فارَقَه وسلَّم. نصَّ عليه. وإنِ انْتظَره ليُسَلِّمَ معه، جازَ.
وَإنْ نَوَى الْإمَامَةَ صَحَّ في النَّفْلِ وَلَمْ يَصِحَّ في الْفَرْضِ. وَيَحْتَمِلُ أنْ يَصِحَّ، وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي.
ــ
قوله: وإن نوَى الإمامَةَ صَحَّ في النَّفْلِ. يعْنى، اٍ ذا أحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثم نوَى الإمامَةَ، فإنَّه يصِحُّ في النَّفْلِ. وهذا إحْدَى الرِّوايتيْن. نصَّ عليه. واخْتاره المُصَنِّفُ، والشَّيخُ تقِيُّ الدِّين، والمَجْدُ في «شَرْحِه» . وجزَم به في «الشَّرحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الإفادات» ، و «شَرحِ ابن مُنَجَّى» قال في «الفُروعِ»: وهو المنْصوصُ. وعنه، لا يصِحُّ. وهو المذهبُ، وعليه الجمهورُ. قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكْثَر. قال المَجْدُ: اخْتارَه القاضي، وأكْثَرُ أصحابنا.، قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الهِدايَةِ» ، والمَجْدُ في «شرحِه» . وهو مِن المُفْرَداتِ. وأطْلَقَهما في «الرِّعايتَيْنِ» ، و «الحاويَيْنِ» ، و «ابنِ تَمِيمٍ» .
قوله: ولم يَصِحَّ في الفَرْضِ. وهو المذهبُ، وعليه الجمهورُ. قال في «الفُروعَ» ، و «المَجْدِ»: اخْتارَه الأكْثَرُ. وجزَم عنه في «الوجيزِ» وغيرِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الشَّرْحِ» ، والمَجْدُ في «شَرْحِه» ، وغيرهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو مِنَ المُفْرداتِ. قال المُصَنِّفُ: ويَحْتَمِل أنْ يصِحَّ، وهو أَصَحُّ عندِي. وهو رِوايةٌ عن أحمدَ. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّيْخ تقِيُّ الدِّينِ. وأطْلقهما في الرِّعايتَيْن»، و «الحاوِيَيْن» ، و «الكافِي» ، و «ابنِ تَمِيمٍ». وقال ابنُ عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ: يصِحُّ في حَقِّ مَن له عادةٌ بالإمامَةِ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : وإنْ نوَى المُنْفرِدُ المُفْترِضُ إمامة مَن لَحِقَه قبلَ رُكوعِه، فوَجْهان في الصِّحَّةِ. وقيل: رِوايَتَان. وعنه، يصِحُّ في النَّفْلِ فقط. نصَّ عليه. وعنه، إنْ رَضِي المُفْتَرِضُ مَجئَ مَن يُصَلِّي معه أوَّلَ رَكْعَةٍ، فجاءَ وركَع معه، صَحِّ. نصَّ عليه، وإلَّا فلا يصِحُّ. وقيل: إنْ صلَّى وحدَه رَكْعَةً، لم يصِلِّي، وإن أدْرَكه أحدٌ قبلَ رُكوعِه، فرِوايَتَان. وقيل: إنْ لم يَرْكعْ معه أحدٌ، وإلا صلَّى وحدَه. وقيل: يصِحُّ ذلك ممَّنْ عادَته الإمامَةُ. انتهى.
فوائد؛ الأُولَى، لو نوَى الإمامةَ ظَانًّا حُضور مأمومٍ، صحَّ، وإنْ شكَّ، لم يصِحُّ، فلو ظَنَّ حضُورَه فلم يحْضُر، أو أحْرمَ بحاضِرٍ فانْصَرَفَ قبلَ إحْرامِهِ، أو عيَّنَ إمامًا أو مأمومًا، وقيلَ: إنْ ظَنَّهما، وقلْنا: لا يجِبُ تَعْيينُهما في الأصَحِّ. فأخْطأ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه لا يصِحُّ. وقيل: يصيحُّ مُنْفرِدًا، كانْصِرافِ الحاضِر بعدَ دخُولِه معه. قال بعضُ الأصحابِ: وإنْ عَيَّن جِنازَةً فأخْطأَ،
فَإنْ أحْرَمَ مَأْمُومًا، ثُمَّ نَوَى الِانفِرَادَ لِعُذْرٍ جَازَ،
ــ
فوَجْهان. قال الشَّيْخ تقِيُّ الدِّين: إنْ عيَّن وقصده خلف مَن حضَر، وعلى مَن حضَر، صَحَّ، وإلَّا فلا. الثَّانيةُ، إذا بطَلتْ صلاة المأموم، أتَمَّها إمامُه مُنْفَرِدًا، لأنَّها لا هي منها ولا مُتعَلِّقَةٌ بها، بدَليلِ السَّهْوِ، وعِلْمِه بحدَثِه. وعنه، تَبْطُلُ. وذكرها المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» قِياسَ المذهبِ (1). الثَّالثةُ تَبْطُلُ صلاة المأمُومِ ببُطْلانِ صلاةِ إمامِه لعذْرٍ أو غيرِه. على الصِّحيحِ مِنَ المذهب، وعليه الجمهورُ. قال في «الفُروعِ» ، والمَجْدُ في «شرحِه»: اخْتاره الأكْثَرُ. وعنه، لا تَبْطُلُ. صحَّحَه ابنُ تَمِيمٍ، فعَلَيْها يُتِمُّونَها فُرادَى. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال: والأشْهَرُ، أو جماعة. وكذا جَمَاعَتَيْن. وقال القاضي: تَبْطُلُ بتَرْكِ فرْضٍ مِنَ الإمامِ، وفي منْهِيٍّ عنه، كحدَثٍ منه، رِوايَتان. وقال المُصَنِّف: تَبْطُلُ بتَرْكِ شَرْطٍ مِنَ الإمام أو رُكْنٍ، أو تَعَمُّدٍ مُفْسِدٍ، وإلَّا فلا. على أصَحِّ الرِّوايتَيْن.
قوله: فإنْ أَحْرَم مأمومًا، ثم نوَى الانْفِرادَ لِعُذْرٍ، جاز. بلا نِزاعٍ، لكن اسْتَثْنَى ابنُ عَقِيلٍ في «الفصُولِ» مسْألَةً؛ وصُورَتُها ما إذا كان الإمامُ يُعَجِّلُ في
(1) المغني 2/ 511.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّلاةِ، ولا يَتَمَيَّزُ انْفِرادُه عنه بنَوْعِ تَعْجيلٍ، فإنِّه لا يجوزُ انْفِرادُ المأْمومِ والحالةُ هذه، وإنِّما يَمْلِكُ الانْفِرادَ إذا اسْتَفادَ به تَعْجِيلَ لحُوقِه لحاجَتِه. قال في «الفُروع»: ولم أجِدْ خِلافَه، فيُعايَى بما. قلت: الَّذي يَظْهَرُ أنَّ هذه المسْألَةَ ليست داخِلَةً في كلامِهم؛ لأنَّهم قالوا: لعُذْرٍ. وهنا ليس هذا بعُذرٍ، فلا يجوزُ الانفِرادُ.
فائدة: العُذْرُ مِثْلُ تَطْويلِ إمامِه، أو مَرَضٍ أو خَوْفِ نُعاسٍ، أو شيءٍ يُفْسِدُ صلَاته، أو على مالٍ، أو أهْلٍ، أو فَراتِ رُفْقَةٍ ونحوِه. قال في «الفُروعِ» وغيرُه
وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
ــ
منَ الأصحابِ: العُذْرُ ما يُبِيحُ تَرْكَ الجماعَةِ.
قوله: وإنْ كان لغيرِ عُذْرٍ، لم يَجُزْ في إحْدَى الرِّوايتيْن. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . قال في «الهِدايَةِ» ، و «ابنِ تَمِيمٍ»: لم يَجُزْ في أصَحِّ الرِّوايتَيْن. وجزَم به في «الوَجيز» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الكافِي» ، والمَجْدُ في «شرْحِه» ، ونصَره. والرِّواية الثَّانِيَةُ، يجوزُ. وإليها مَيْلُ الشَّارِح، وأطْلَقَهما في «الرِّعايتيْن» ، و «الحاوِيَيْنِ» ، و «النَّظْمِ» ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» .
فوائد؛ منها، متى زالَ العُذْرُ، وهو في الصَّلاةِ، فلَه الدُّخولُ مع الإمامِ. ومها، لو كان فارقه في القِيامِ، أَتَى ببَقِيَّةِ القراءَةِ، وإنْ كان قد قَرَأ الفاتِحةَ، فلَه أنْ يرْكَعَ في الحالِ، وإنْ ظَنَّ في صلاة السِّرَّ أنَّ الإمامَ قرَأ، لم يقْرأ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. واخْتارَ المَجْدُ وغيرُه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يقْرأ؛ لأنَّه لم يُدْرِكْ معه الرُّكُوعَ. ومنها، لو فارَقَه لعُذْرٍ، وقد صلَّى معه ركْعَةً في الجُمُعَةِ، أتمَّها جُمْعَةً برَكْعَةٍ أخْرْى، كَمَسْبوقٍ، وإنْ فارقَه في الرَّكْعَةِ الأُولَى، فقال في «الفُروعِ» ، والمَجْدْ في «شَرحِه»: فحُكْمُه حكمُ المرْحُومِ في الجُمُعَةِ حتَّى تَفوتَه الرَّكْعتان. على ما يأتِي في بابِها. وإنْ قُلْنا: لا يصِحُّ الظُّهْرُ قبلَ الجُمُعَةِ أَتَمَّ نَفْلًا فقط. قال ابنُ تَميمٍ: وإنْ فارقَه في الأُولَى، فوَجْهان؛ أحَدُهما، يُتِمُّها
وَإنْ نَوَى الْإمَامَةَ لِاسْتِخْلَافِ الإِمَامِ لَهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، صَحَّ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
ــ
جُمْعَةً. والثَّانِي، يُصَلِّيها ظُهْرًا. وهل يسْتَأنِف أو يَبْنِي؟ على وَجْهَيْن. وعلى قولِ أبي بَكْرٍ، لا يصِحُّ الظُّهْر قبَل الجُمُعَةِ فيهما، فيُتِمُّها نَفْلًا، سواءٌ فارَقَه في الأُولَى أو بعدَها. انتهى. وقدَّم في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الحاوِي الكَبيرِ» ، أنَّه إذا فارَقَه في الأُولَى لعُذْرٍ، يُتِمُّها جُمُعَةً.
قوله: وإن نوَى الإمامةَ لاسْتِخلافِ الإمام له إذا سبَقه الحدَثُ، صَحَّ في ظاهرِ المذهبِ. اعلمْ أنَّ الإمامَ إذا سَبَقه الحدَثُ تَبْطُلُ صلاتُه، على الصَّحيح مِنَ المذهبِ، كتَعَمُّدِه. وعنه، تَبْطُلُ إذا سَبَقه الحَدَث مِن السَّبيلَيْن، ويَبْنِي إذا سَبَقَه الحدَثُ مِن غيرِهما. وعنه، لا تَبْطُلُ مُطْلَقًا، فيَبْنِي إذا تَطَهَّر. اختارَه الآجُرِّيُّ. وذكرَ ابنُ الجَوْزِيُّ وغيره رِوايةٌ؛ أنَّه يُخيَّرُ بين البِنَاءِ والاسْتِئْنافِ. وأمَّا المأمُومُ، فَتَبْطُلُ صلاتُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. وعنه، لا تَبْطُلُ، اخْتارَه ابنُ تَميمٍ. وتقدَّم ذلك. فحيث قُلْنا بالصِّحَّةِ، فلَه أنْ يَسْتَخلِفَ، على الصَّحِيحِ مِنَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ، وعليه الجمهورُ. وهو ظاهِر المذهبِ، كما قال المُصَنِّفُ. وعنه، لا يصِحُّ الاسْتِخْلافُ. وأطْلقَهما في «الحاوِي» . وحيث قُلْنا بالبُطْلانِ وصِحَّةِ صلاةِ المأمومِ، فحُكْمُه في الاسْتِخْلافِ حُكْمُ المسْأَلةِ التي قبلَها، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: وعلى صِحَّتِها والأَشْهَرِ، وبُطْلَانِها نقله صالِحٌ، وابنُ مَنْصُورٍ، وابن هانِئ. وقالَه القاضي، وغيرُه، وذكره في «الكافِي» ، و «المَذْهَبِ». واخْتارَ المَجْدُ له أنْ يَسْتَخْلِف على الأصَحِّ. قال في «مُخْتَصَرِ ابنِ تَمِيمٍ»: هذا الأشْهَرُ. قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. وقيلَ: ليس له أنْ يسْتخْلِفَ هنا، وإنْ جاز الاسْتِخْلافُ في التي قبلَها؛ وهي ما إذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْنا: لا تَبْطُلُ صلاتُه. واخْتارَه الآمِدِيُّ وغيرُه. وحيثُ قلْنا: يَسْتَخْلِفُ. فاسْتَخلَفَ، ثم توَضَّأ وحضَر، ثم صارَ إمَامًا، فعنه، يصِحُّ. وعنه، لا يصِحُّ. وعنه، يَسْتأنِفُ. وأطْلَقَهنَّ في «الفُروعِ» ، في باب صلاةِ الجماعَةِ. قلتُ: الصَّوابُ الصِّحَّةُ، قِياسًا على ما إذا أحرَم لغيْبَةِ إمامِ الحَيِّ، ثم حضَر، على ما يأتِي قريبًا. قال ابنُ تَميمٍ: وإنْ تَطهَّر، يعْنِي الإمام، قريبًا، ثم عادَ فائتَمَّ بهم، جازَ. ولم يَحْكِ خِلافًا. قال في «الرِّعايَةِ الكبْرى»: صَحَّ في المذهبِ.
فوائد؛ الأُولَى، المذهبُ المنْصوصُ عن أحمدَ، أنَّ له أنْ يَسْتَخْلِفَ مَسْبوقًا، ويحْتَمِلُه كلام المُصَنِّفِ هنا. وقيل: لا يصِحُّ اسْتِخلافُ المسْبوقِ. واخْتارَه المُصَنِّف. فعلى المذهبِ، الأُوْلَى له أن يَستخْلِفَ مَن يُسَلِّمُ بهم، ثم يقوم، فيَأتِي بما عليه. فتكونُ هذه الصَّلاةُ بثَلاثَةِ أئمَّةٍ. قال المَجْدُ، وابن تَمِيمٍ، وغيرهما: فإنْ لم يَسْتَخْلِفْ، وسَلَّموا مُنْفَرِدين أوِ انَتَظروه حتَّى سلَّم بهم، جازَ. نصَّ عليه كلِّه. وقال القاضي في موضع مِن «المُجَرَّدِ»: يُسْتَحَبُّ انْتِظارُه حتَّى يُسَلِّمَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: لا يجوز سلامُهم قبلَه. والمذهبُ المنْصوصُ أَيضًا عن أحمدَ، أنَّ له أنْ يسْتَخْلِفَ مَن لم يكنْ دخَل معه أَيضًا، سواءٌ كان في الرَّكْعَةِ الأُولَى أو غيرِها. قال في «الفُروعِ»: وظاهِرُ «الانْتِصارِ» وغيره، يسْتخْلِف أُمِّيًّا في تَشَهُّدٍ أخيرٍ. وقيلَ: لا يجوزُ أنْ يَسْتخْلِفَ هنا. إذا علِمْتَ ذلك، فعلى المنصوصِ في المسْألَتَيْن، يَبْنِي على ما مضىَ مِن صلاةِ الإمامِ مُرَتِّبًا، على الصَّحيحِ مِن المذهب، فإنْ أدْرَكَه في الثَّانيةِ واستخْلَفَه فيها، جلَس عَقيبَها. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفائقِ» ، و «ابن تَمِيمٍ» . وعنْه، يُخَيَّرُ بينَ تَرْتيبِ إمامِه، وبينَ أنْ يَبْنِيَ على تَرْتيبِ نَفْسِه، فيَجْلِسَ عَقِيبَ رَكْعَتيْن مِن صلاتِه، وهي ثالِثَةٌ للمأمُومِينَ ويَتبعونَه في ذلك. وأطْلَقَهما المَجْدُ في «شَرْحِه» . واخْتارَه المَجْدُ في الثَّانيةِ، وهي اسْتِخْلافُ مَن لم يكنْ دخل معه. قلتُ: فيُعايَى بها. وأطْلقَهما المَجْدُ في «شرْحِه» في المَسْبُوقِ الَّذي دخَل معه. وقال في الَّذي لم يَدْخُلْ معه: الأظْهَرُ فيه التَّخْيِيرُ، لأنَّه لم يَلْتَزِم المُتَابَعَة ابْتِداءً. الثَّانية، يَبْنِي الخلِيفَةُ في المسْألَةِ الأُولَى على صلاةِ الإمامِ قبلَه مِن حيث بلَغ، وأمَّا الخلِيفَةُ في المْسألةِ الثَّانيةِ، إذا قُلْنا: يَبْنِي على ترتيب الأوَّلِ، فإنَّه يأخُذُ في القِراءَةِ مِن حيثُ بلَغ الأوَّل. على الصَّحيح مِن المذهبِ. نصَّ عليه. وقدَّمه المَجْدُ في «شَرحِه» ، وابنُ تَميمٍ، وابنُ حمْدانَ في «رِعايِتِه». وقال بعضُ الأصحابِ: لابُدَّ مِن قراءة ما فاتَه مِنَ الفاتِحَةِ سِرًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجزم به في «الفُروعِ» . وهي عجيبٌ منه. قال المَجْدُ في «شَرْحِ الهِدايَةِ» : والصَّحيحُ عندِي، أنَّه يقْرَأ سِرًّا ما فاتَه مِن فَرْضِ القِراءَةِ؛ لِئَلَّا تفوتَه الرَّكْعْةُ، ثم يَبْنِي على قراءةِ الأوَّلِ جَهْرًا إنْ كانت صلاةَ جَهْرٍ. وقال عن المنْصوصِ: لا وَجهَ له عندِي، إلَّا أنْ يقولَ معه بأنَّ هذه الرَّكْعَةَ لا يُعْتَدُّ له بها؛ لأنَّه لم يَأتِ فيها بفَرْضِ القراءةِ، ولم يُوجَدْ ما يُسْقِطُه عنه؛ لأنَّه لم يَصِرْ مأمومًا بحالٍ أو يقول: إنَّ الفاتِحَةَ لا تَتَعيَّنُ. فيَسْقُطُ فرْضُ القِراءةِ بما يقْرَأه. انتهى. وقال الشَّارِحُ: وَيَنْبَغِي أنْ تجِبَ عليه قِراءَةُ الفاتِحَةِ.، ولا يَبْنِي على قِراءَةِ الإمامِ، لاُنَّ الإمامَ لم يَتَحَمَّل القراءةَ هنا. الثَّالثة، مَنِ اسْتَخْلَف فيما لا يُعْتدُّ له به، اعتدَّ به للمأمومِ. ذكَره بعضُ الأصحابِ. وهو ظاهرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ». وقدَّمه في «الرِّعايَةِ». وقال ابنُ تَميمٍ: لوِ اسْتَخْلَف مسْبُوقًا في الرُّكوع، لغَتّ تلك الرَّكْعة. وقالَه جماعةٌ كثيرةٌ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» أَيضًا. وقال ابن حامِدٍ: إنِ اسْتخْلَفَه في الرُّكوعِ أو بعدَه، قرأ لنَفْسِه وانْتَظَرَه المأمومُ ثم ركَع ولحِق المأمومُ. الرَّابعة، لو أدى الإمامُ جُزْءًا مِن صَلاتِه بعدَ حَدَثِه؛ مثْلَ أن يُحْدِثَ راكِعًا، فرفَع رأسَه، وقال: سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَه. أو أحدَث ساجِدًا، فرفَع، وقال: اللهُ أكْبَرُ. ولم تَبْطُلْ صلاتُه، إنْ قُلْنا: يَبْنِي. ظاهرُ كلامِهم يَبْطُلُ، ولو لم يُرِدْ أداءَ رُكْنٍ. قالَه في «الفُروعِ» . واشْتبَهَتِ المسْألَةُ على بعضِهم، فزادَ ونقَص. الخامسةُ، لو لم يَستخْلِفِ الإمامُ،
وَإنْ سُبِقَ اثْنَانِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ، فَائْتَمَّ أحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ في قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ،
ــ
وصَلَّوا وُحْدَانًا، صَحَّ. واحْتجَّ الإمامُ أحمدُ بأنَّ مُعاوِيَةَ لمَّا طُعِنَ، صلَّى النَّاسُ وُحْدانًا. وإنِ اسْتخْلَفوا لأنْفسِهم، صَحَّ. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه. وعنه، لا يصِحُّ. وإنِ اسْتَخْلَفَ كلُّ طائفةٍ رجُلًا، أوِ استَخلَفَ بعضُهم. وصلَّى الباقون فُرادَى، فلا بأسَ. السَّادسة، حُكْمُ مَن حصَل له مَرَضٌ، أو خَوْفٌ، أو حُصِرَ عنِ القراءةِ الواجِبَةِ، أو قصَّرَ، ونحوُه. قال في «الفُروعِ»: وظاهرُه، وجنونٌ وإغْمَاءٌ. وصرَّح به القاضي وغيره في الإغْماءِ، والمَوْتِ، والمُتيمِّمِ إذا رأى الماءَ. وقال في «التَّرغيبِ» وغيرِه: أو بلا عُذْرٍ. حُكْمُ مَن سبَقه الحَدْث في الاسْتِخْلافِ، على ما تقدَّم.
قوله: وإنْ سُبِقَ اثْنَان ببَعض الصَّلاة فائْتَمَّ أحَدُهما بصاحِبِه في قَضاءِ ما فَاتَهما، فعلى وجْهَيْن. وحكَى بعضُهم الخِلافَ رِوايتَيْن؛ منهم ابنُ تَميمٍ. وأطْلَقهما في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ؛ أحدُهما، يجوز ذلك. وهو المذهبُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» وغيرهم، لمَّا حكوا الخِلاف هنا، بِناء على الاسْتِخْلافِ. وتقدَّم جواز الاسْتِخلافِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وجزَم بالجواز هنا في «الوَجيزِ» ، و «الإفَاداتِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وصَحَّحه في «التَّصْحِيح» ، و «النَّظْمِ» ، و «التَّصْحيح المُحَرَّرِ» . وقدَّمه في
وَإنْ كَانَ لِغيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَصِحَّ.
ــ
«الهِدايَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «ابن تَمِيمٍ». قال المَجْدُ في «شَرْحه»: هذا ظاهرُ روايَةِ مُهَنَّا. والوَجْهُ الثَّانِي، لا يجوزُ. قال المَجْدُ في «شرحِه»: هذا منْصوصٌ أحمدَ في رواية صالحٍ. وعنه، لا يجوزُ هنا، وإنْ جَوَّزنا الاسْتِخْلاف. اخْتارَه المَجْدُ في «شَرْحِه» . وفرِّق بينَها وبينَ مسْألَةِ الاسْتِخْلافِ من وَجْهَيْن.
فائدة: وكذا الحُكْمُ والخِلافُ والمذهبُ، لو أمَّ مُقِيمٌ مِثْلَه إذا سلَّم مُسافِرٌ. ذكَره في «الفُروعِ» وغيرِه.
تنبيه: يُسْتَثْنَى مِن كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه ممَّن أطْلقَ، المَسْبوقُ في الجُمُعَةِ. فإنَّه لا يجور ائتِمامُ مَسْبُوقٍ بمَسْبُوقٍ فيها. تطَع به الجمهورُ؛ لأنَّها إذا أُقِيمَت بمَسْجدٍ مرَّةً، لم تَقُمْ فيه ثانِيَةً. وذكَر ابنُ البَنَّا في «شَرْحِ المُجَرَّدِ» ، أنَّ الخِلافَ جارٍ في الجُمُعَةِ أَيضًا. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ وغيرِه.
قوله: وإنْ كان لغيرِ عُذرٍ، لم يَصِحَّ. قال في «الفُروعِ»: وبلا عُذْرِ السَّبْقِ كاسْتِخْلافِ الإمام بلا عُذْرٍ. قال في «النُّكَتِ» : صرَّح في «المُغنِي» (1) بأنَّ هذه المسْألةَ تُخَرَّجُ على مسْألَةِ الاسْتِخْلافِ. قال: وعلى هذا يكونُ كلامُه في
(1) انظر: المغني 2/ 510، 511.
إنْ أحْرَمَ إمَامًا لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ، ثُمَّ حَضَرَ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، فَأحرْمَ بِهِمْ وَبَنَى عَلَى صَلَاةِ خَلِيفَتِهِ، وَصَارَ الإِمَامُ مَأمُومًا، فَهَلْ يَصحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
«المُقْنِعِ» عَقِيبَ هذه المسْألَة، وإنْ كان لغيرِ عُذْرٍ، لم يصِحَّ في هذه المسْألَةِ، ومسْألَةِ الاسْتِخْلافِ؛ لأنَّ المسْألَتَيْن في «المُغْنِي» واحِدَةٌ. ذكَرَه المَجْدُ في «شرْحِه». وذكر بعضُهم في الاسْتِخْلافِ لغيرِ عُذْرٍ رِوايتَيْن. انتهى. وقال الشَّارِحُ: وإنْ كان لغيرِ عُذْرٍ، لم يصِحَّ إذا انْتقَل عن إمامِه إلى إمامٍ آخَر فائْتمَّ به، أو صار المأمومُ إمامًا لغيرِه عِن غيرِ عُذرٍ.
قوله: وإنْ أحرَم إمَامًا لغيبةِ إمامِ الحيِّ، ثم حضَر في أثناء الصَّلاةِ فأحرم بهم، وبنى على صلاة خليفته، فصار الإمامُ مأمومًا فهل يصحُّ؛ على وَجْهَيْن. وأطْلَقَهما في «المذْهَبِ» ، و «الكافي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرحِ المَجْدِ» ، و «شرحِ ابن مُنَجَّى» ، و «الفائقِ» ؛ أحَدُهما، يصِحُّ. وهو المذهبُ، نصَّ عليه في رِوايَةِ أبِي الحارِثِ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الإفَاداتِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُنَوِّرِ» . وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . واخْتارَه ابن عَبْدوسٍ في «تذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «الفائقِ» . قال ابنُ رزِينٍ في «شَرْحه» : وهو أظْهَرُ. والثَّانِي، لا يصِحُّ. قال في «الفائق»: هو الأصَحُّ عنْدَ شَيْخِنا أبي يَعْلَى. قال المَجْدُ: وهو مذهبُ أكثر العُلَماءِ. وعنه، يصِحُّ مِن الإمامِ الأعْظَمِ دُونَ غيرِه. وأطْلَقَهُنَّ في «المغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «النَّظْمِ» .
تنبيه: حكَى المُصَنِّف الخِلافَ هنا أوْجُهُا. وكذا حكَاه في «الشَّرْحِ» ، و «الكافِي» ، و «شرح المُجْدِ» ، وابنُ مُنَجَّى، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِي الصَّغيرِ» . وقدَّمه في «الرِّعالة الكُبرَي» . وحكَاه رِواياتٍ في «المغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» في باب صلاة؛ الجمَاعَةِ، و «مَجْمَع البَحْرَيْنِ» ، و «الحاوِي الكَبِيرِ» ، و «ابن تَميمٍ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال: في ذلك رِواياتٌ منْصوصَةٌ. وتقدَّم، إذا سَبَقه الحَدْث فاسْتَخْلَف، ثم صارَ إمامًا.
فائدتان؛ إحْدَاهما، الخلافُ في الجَواز كالخِلافِ في الصِّحَّةِ. الثَّانيةُ، قال «المَجدُ» في «شرحِه» ، وابنُ تَميمٍ، وصاحِبُ «مَجْمَع البَحْرَيْنِ»: لا تَخْتلِف الرِّواياتِ في الإمام أحمدَ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا خرَج مِن مَرضيه، بعدَ دُخُولِ أبي بَكْرٍ في الصَّلاةِ، أنَّه كانَ إمامًا لأبِي بكْرٍ، وأبو بَكْرٍ كان إمامًا للنَّاسِ. وفي جَوازِ ذلك ثلاث رِوَاياتٍ، فكانَتِ الصَّلاة بإمامَيْن. وصرَّح ابنُ رَجَب في «شَرْحِ البُخَاريِّ» بذلك. قال في «مَجْمَع البحْرَيْن»: وصَح الرِّواياتِ أنَّ ذلك خاصٌّ به، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلام. واخْتارَه أبو بَكرٍ وغيرُه. وقال في «الرِّعايَة الكُبْرى»: وقيلَ: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إمَام أبي بَكْرٍ، وأبو بَكْرٍ إمامَ النَّاس. وقيل: كان أبو بَكْر إمامًا، والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن يَسارِ أبي بَكْرٍ؛ لأنّ وَراءَهما صَفًّا. وفي جَوازِه وَجْهان. انتهى. ويأْتِي الخِلافُ إذا كان عن يَسارِ الإِمامِ وخلْفَه صَفٌّ في الموْقِفِ.