المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌كتَابُ الجَنائِزِ ــ كتَابُ الجَنائِزِ فائدة: الجَنائزُ، بفَتْحِ الجيمِ، جَمْعُ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٦

[المرداوي]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌كتَابُ الجَنائِزِ ــ كتَابُ الجَنائِزِ فائدة: الجَنائزُ، بفَتْحِ الجيمِ، جَمْعُ

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كتَابُ الجَنائِزِ

ــ

كتَابُ الجَنائِزِ

فائدة: الجَنائزُ، بفَتْحِ الجيمِ، جَمْعُ جِنازَةٍ، بالكَسْرِ، والفَتْحُ لُغَةٌ. ويقالُ: بالفَتْحِ؛ للمَيِّتِ، وبالكَسْرِ، للنَّعْشِ عليه المَيِّتُ. ويقال: عَكْسُه. ذكرَه صاحِبُ «المَشَارِقِ» (1). وإذا لم يكُن، المَيِّتُ على السَّريرِ، لا يقالُ له: جِنازَةٌ، ولا نَعْشٌ. وإنَّما يقالُ له: سَرِيرٌ.

(1) انظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضى عياض 1/ 156.

ص: 5

تُسْتَحَبُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَتَذْكِيرُهُ التَّوْبَةَ وَالْوَصِيَّةَ،

ــ

قوله: وتُسْتَحَبُّ عِيادَةُ المريضِ. يعْنى، مِن حينِ شُروعِه فى المَرَضِ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: يُسْتَحَبُّ عِيادَتُه بعدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ. وجزَم به ابنُ تَميمٍ. وقال فى «المُبْهِجِ» : تجِبُ العِيادةُ. واخْتارَه الآجُرِّىُّ. وقال فى «الفُروعِ» : والمُرادُ مرَّةً. وقال فى أوَاخِرِ «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : عِيادَةُ المريضِ

ص: 7

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فرْضُ كِفايَةٍ. قال الشَّيْخُ تقِىُّ الدِّينِ: والذى يقْتَضِيه النَّصُّ. وصوَّب ذلك. فيقالُ: هو واجِبٌ على الكِفَايَةِ. واخْتارَه فى «الفائقِ» . وقال أبو حَفْصٍ العُكْبَرِىُّ: السَّنَّةُ عِيادَةُ المرِيضِ مرةً واحدةً. وما زادَ، نافِلَةٌ.

فوائد؛ الأُولَى، قال أبو المَعالِى ابنُ مُنَجَّى: ثلاثَةٌ لا تُعادُ، ولا يُسَمَّى صاحِبُها مرِيضًا؛ وَجَعُ الضِّرْسِ، والرَّمَدُ، والدُّمَّل. واحْتَجَّ بقوْلِه، عليه الصلاة والسلام:«ثَلَاَثَةٌ لَا تُعَادُ» (1)، فذكَرَه. رَواه النَّجَّادُ عن أبى هُرَيْرَةَ مَرْفوعًا. واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ». وقال فى «الآدَابِ»: وظاهرُ كلامِ الأصحابِ يدُلُّ على خِلافِ هذا. وكذا ظاهرُ الأحاديثِ. والخَبَرُ المذْكورُ لا تُعْرفُ صِحَّتُه، بل هو ضعيفٌ. وذكَرَه ابنُ الجَوْزِىِّ فى المَوْضُوعاتِ. ورَوَاه الحاكِمُ فى «تَارِيخِه» بإسْنادٍ جيِّدٍ، عن يَحْيى بنِ أبِى كَثِيرٍ قوْلَه. وعن زَيْدِ بنِ أرْقَمَ، قال: عادَنِى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، مِن وَجَعِ عَيْنِى. انتهى. الثَّانيةُ، لا يُطِيلُ الجُلوسَ عندَ المريضِ. وعنه، قدْرُه، كما بينَ خُطْبَتَى الجُمُعَةِ. قال فى

(1) رواه ابن الجوزى، فى: الموضوعات 3/ 208، 209. وابن عدى، فى: الكامل 6/ 2314.

وقال الهيثمى: رواه الطبرانى فى الأوسط، وفيه مسلمة بن على وهو ضعيف. المجمع 2/ 300.

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ اخْتِلافُه باخْتِلافِ النَّاسِ، والعمَلِ بالقَرائنِ وظاهرِ الحالِ، ومُرادُهم فى الجُمْلَةِ. انتهى. وهو الصَّوابُ. ثم رأَيْتُ النَّاظِمَ قطع به. الثَّالثةُ، قال الإِمامُ أحمدُ: يعودُ المرِيضَ بُكْرَةً وعَشِيًّا. وقال عن قُرْبِ وَسَطِ النَّهارِ: ليس هذا وَقْتَ عِيادَةٍ. فقال بعضُ الأصحابِ: يُكْرَهُ إذَنْ. نصَّ عليه. قال المَجْدُ: لا بأْسَ به فى آخِرِ النَّهارِ. ونصَّ الإِمامُ أحمدُ على أنَّ العِيادَةَ فى رَمضانَ ليْلًا. قال جماعةٌ مِنَ الأصحابِ: وتكونُ العِيادَةُ غِبًّا. قال فى «الفُروعِ» : وظاهرُ إطْلاقِ جماعَةٍ، خِلافُ ذلك. قال: ويتَوجَّهُ اخْتِلافُه باخْتِلافِ النَّاسِ، والعمَلِ بالقَرائنِ وظاهرِ الحالِ. قال: ومُرادُهم فى ذلك كلِّه فى الجُمْلَةِ. الرَّابعةُ، نصَّ الإِمامُ أحمدُ، أنَّ المُبْتَدِعَ لا يُعادُ. وقال فى «النَّوَادِرِ»: تحْرُمُ عِيادَتُه. وعنه، لا يُعادُ الدَّاعِيَةُ

ص: 9

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فقط. واعْتَبَرَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، المَصْلَحَةَ فى ذلك. وأمَّا مَن جهَر بالمَعْصِيَةِ مُطْلَقًا مع بَقاءِ إسْلامِه، فهل يُسَنُّ هجْرُه؟ وهو الصَّحيحُ. قدَّمه ابنُ عَبْدِ القَوِىِّ (1) فى «آدَابِهِ» ، و «الآدَابِ الكُبْرى» ، و «الوُسْطى» لابنِ مُفْلِحٍ، أو يجِبُ إنِ ارْتدَع، أم يجِبُ مُطْلَقًا إلًّا مِنَ السَّلامِ، أو تركُ السَّلامِ فرْضُ كِفايَةٍ، ويُكْرَهُ لبَقِيَّةِ النَّاسِ؟ فيه أوْجُهٌ للأصحابِ. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . وترْكُ العِيادَةِ مِنَ الهَجْرِ. الخامسةُ، تُكْرَهُ عِيادَةُ الذِّمِّىِّ. وعنه، تُباحُ. قال فى «الرِّعايَةِ»: قلتُ: ويجوزُ الدُّعاءُ له بالبَقاءِ والكثْرَةِ لأجْلِ الجِزْيَةِ. السَّادسةُ، يُحْسِنُ المريضُ ظنَّه بربِّه. قال القاضى: يجِبُ ذلك. قال المَجْدُ: يَنْبَغِى أنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ باللَّهِ تعالى. وتَبِعَه فى «مَجْمعِ البَحْرَيْن» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُغَلِّبُ رَجاءَه على خوْفِه. وقال فى «النَّصِيحَةِ»: يُغَلِّبُ الخوْفَ. ونصَّ أحمدُ، يَنْبَغِى للمُؤْمِنِ أنْ يكونَ رَجاؤُه وخوْفُه واحِدًا. زادَ فى روايَةٍ، فأَيُّهما غلَب صاحِبُه هلَك. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: هذا هو العَدْلُ. السَّابعةُ، تَرْكُ الدَّواءِ أفْضَلُ. ونصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. واخْتارَ القاضى، وابنُ عَقِيلٍ، وابنُ الجَوْزِىِّ، وغيرُهم، فِعْلُه أفْضَلُ. وجزَم به فى «الإفْصَاحِ». وقيل: يجِبُ. زادَ

(1) هو محمد بن عبد القوى بن بدران، تقدمت ترجمته فى 1/ 18.

ص: 10

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعضُهم، إنْ ظنَّ نفْعَه. ويحْرُمُ بمُحَرَّمٍ مأْكُولٍ وغيرِه، وصَوْتِ مَلْهاةٍ وغيرِه، ويجوزُ التَّداوِى ببَوْلِ الإبِلِ فقط. ذكَره جماعةٌ. نصَّ عليه. وظاهرُ كلامِه في مَوْضِعٍ، لا يجوزُ. وهو ظاهِرُ «التَّبْصِرَةِ» وغيرِها. قال: وكذا كلُّ مأْكولٍ مُسْتَخْبَثٍ، كبَوْلِ مأْكُولٍ أو غيرِه، وكلُّ مائعٍ نَجِسٍ. ونَقَلَه أبو طالِبٍ، والمَرُّوذِىُّ، وابنُ هَانِيَّ، وغيرُهم. ويجوزُ ببَوْلِ ما أُكِلَ لَحْمُه. وفي «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّرْغِيبِ» ، يجوزُ بدِفْلَى (1) ونحوِه لا تضُرُّ. نقَل ابنُ هانِىَّ، والفَضْلُ، في حَشِيشَةٍ تُسْكِرُ، تُسْخَقُ وتُطْرَحُ مع دَواءٍ، لا بأْسَ إلَّا مع الماءِ فلا.

وذكَر غيرُ واحدٍ، أنَّ الدَّواءَ المَسْمومَ إنْ غَلَبَتْ منه السَّلامَةُ -زادَ بعضُهم، وهو مَعْنَى كلامِ غيرِه- ورُجِى نفْعُه، أُبِيحَ شُرْبُه؛ لدَفْعِ ما هو أعْظَمُ منه، كغيرِه مِنَ الأدْوِيَةِ. وقيل: لا. وفي «البُلْغَةِ» ، لا يجوزُ التَّدَاوِى بخَمْرٍ في مرَضٍ. وكذا

(1) الدفلى: شجرة مُرَّة، وهي من السموم. تهذيب اللغة 14/ 126.

ص: 11

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بنَجاسَةٍ أكْلًا وشُرْبًا. وظاهِرُه، يجوزُ بغيرِ أكْلٍ وشُرْبٍ، وأنَّه يجوزُ بطاهرٍ. وفي «الغُنْيَةِ» ، يحْرُمُ بمُحَرَّمٍ؛ كخَمْرٍ وشَىْءٍ (1) نَجِسٍ. ونقَل الشَّالَنْجِىُّ، لا بأْسَ بجَعْلِ المِسْكِ في الدَّواءِ، ويُشْرَبُ. وذكَر أبو المَعَالِى، يجوزُ اكْتِحالُه بمِيلِ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ. وذكَره الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وقال: لأنَّها حاجَةٌ. وفي «الإيضاحِ» ، يجوزُ بتِرْياقٍ. انتهى. ولا بأْسَ بالحِمْيَةِ. نقلَه حَنْبَلٌ. الثَّامنةُ، يُكْرَهُ الأَنِينُ على أصحِّ الرِّوايتَيْن، والمذهبِ منهما.

تنبيه: ظاهر قوله-: وتَذْكيرُه التَّوْبَةَ والوَصِيَّةَ. أنَّه سواءٌ كان مرَضُه مَخُوفًا أو لا. وهو ظاهرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. وصرَّح به كثيرٌ منهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» . قلتُ: وهو الصَّوابُ.، خُصوصًا التَّوْبَةَ، فإنَّها مَطْلوبَةٌ في كلِّ وَقْتٍ، وتَتَأَكَّدُ فى المَرَضِ. وقال أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ»: هذا في المَرَضِ

(1) في النسخ: «مَنِى» . والمثبت كما في الغنية 1/ 41.

ص: 12

فَإِذَا نَزَلَ بِهِ، تَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَنَدَّى [38 و] شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ، وَلَقَّنَهُ قَوْلَ: لَا إلهَ إِلَّا اللهُ. مَرَّةً،

ــ

المَخُوفِ. وجزَم به في «الخُلاصَةِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الحَواشِى» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» فى الوَصِيَّةِ. قلتُ: وهو ضعيفٌ جدًّا في التَّوْبَةِ.

قوله: فإذا نَزَلَ به، تعاهَدَ بَلَّ حَلْقِه بماءٍ أو شَرابٍ، وندَّى شَفَتَيْه بقُطْنَةٍ. بلا نِزاعٍ.

وقوله: ولَقَّنه قَوْلَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ. مَرةً، ولم يَزِدْ على ثلاثٍ، إلَّا أنْ يتَكَلَّمَ بعدَه، فَيُعِيدُ تَلْقِينَه بلُطفٍ ومُداراةٍ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُلَقَّنُ ثلاثًا، ويُجْزِىُّ مرَّةٌ، ما لم يَتَكَلَّمْ. قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. ونقَل مُهَنَّا، وأبو طالِبٍ، يُلَقَّنُ مرَّةً. قدَّمه في «الفُروعِ» ، وِفاقًا للأئمَّةِ الثَّلَاثةِ. قال في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: المنْصُوصُ أنَّه لا يزيدُ على مرَّةٍ، ما لم يتَكَلَّمْ، وإنَّما اسْتُحِبَّ تَكْرارُ الثَّلاثِ، إذا لم يُجِبْ أوَّلًا؛ لجَوازِ أنْ يكونَ ساهِيًا أو غافِلًا، وإذا كرَّر الثَّلاثَ، عُلِمَ أنَّ ثَمَّ مانِعًا.

فائدة: قال أبو المَعالِى: يُكْرَهُ تلْقِينُ الوَرَثَةِ للمُحْتَضِرِ بلا عُذْرٍ.

ص: 13

وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ، إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ، فَيُعِيدَ تَلْقِينَهُ بِلُطْفٍ وَمُدَارَاةٍ.

ــ

تنبيه: قولُه: ولقَّنه قوْلَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ. قال الأصحابُ: لأنَّ إقْرارَه بها إقْرارٌ بالأُخْرَى. قال في «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ احْتِمالٌ بأنْ يلَقِّنَه الشَّهادتَيْن. كما ذكَره

ص: 14

وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةَ يس،

ــ

جماعةٌ مِنَ الحَنَفِيَّةِ والشَّافِعِيَّةِ؛ لأنَّ الثَّانيةَ تَبَعٌ، فلِهذا اقْتَصَرَ في الخَبَرِ على الأولَى.

قوله: ويقرأُ عندَ سورَةَ يس. قال الأصحابُ: وكذا يقْرَأُ عندَه سُورةَ

ص: 15

وَيُوجِّهُهُ إِلى الْقِبْلَةَ،

ــ

الفاتحةِ. ونصَّ عليهما، واقْتَصَرَ الأكثرُ على ذلك. وقيل: يقْرأُ أيضًا سُورةَ تَبارَكَ.

وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» .

قوله: ويُوَجِّهُه إلى القِبْلَةِ. وهذا ممَّا لا نِزاعَ فيه، لكنَّ أكثرَ النُّصوصِ عنِ الإمامِ أحمدَ، على أنْ يُجْعَلَ على جَنْبِه الأيمَنِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال فى

ص: 16

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفائقِ» : وهو الأفْضَلُ. قال المَجْدُ: وهو المشْهورُ عنه، وهو أصحُّ. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: نقَلَه الأكثرُ. وقدَّمه ابنُ تَميمٍ، و «الرِّعايَةِ» . وعنه، مُسْتَلْقٍ على قَفاه أفْضَلُ. وعليها أكثرُ الأصحابِ. قال في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والشَّيْخُ، يعْنى به المُصَنِّفَ، وعليها الأصحابُ. قال في «الفُروعِ»: واخْتارَه الأكثرُ. قال أبو المَعالِى: اخْتارَه أصحابُنا. قلتُ: وهذا المعْمولُ به، بل رُبَّما شقَّ جعْلُه على جَنْبِه الأيْمَنِ. وزادَ جماعةٌ على هذه الرِّوايَةِ، يرْفَعُ رأْسَه قليلًا، ليَصِيرَ وَجْهُه إلى القِبْلَةِ دُونَ السَّماءِ؛ منهم ابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وعنه، هما سواءٌ. قطَع به في «المُحَرَّرِ». وقال القاضى: إنْ كان الموْضِعُ واسِعًا، فعلى جَنْبِه، وإلَّا فعلَى ظهْرِه. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» .

تنبيه: ظاهرُ قولِه: وإذا نَزَلَ به (1)، فعَل كذا ويُوَجِّهُه. أنَّه لا يوَجِّهُه قبلَ النُّزولِ به، وتَيقُّنِ موْتِه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الأوْلَى التَّوْجِيهُ قبلَ ذلك. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المشْهورُ في المذهبِ.

فائدة: اسْتحَبَّ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، تطْهيرَ ثِيابِه قُبَيْلَ موْتِه.

(1) زيادة عن: ا.

ص: 17

فَإِذَا مَاتَ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ، وَشَدَّ لَحْيَيْهِ، وَلَيَّنَ مَفَاصِلَهُ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَسَجَّاهُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُهُ، وَجَعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً أَوْ نَحْوَهَا، وَوَضَعَهُ عَلَى سَرِيرِ غَسْلِهِ، مُتَوَجِّهًا، مُنْحَدِرًا نَحْوَ رِجْلَيْهِ.

ــ

تنبيه: قوله: فإذا ماتَ أَغَمَضَ عَيْنَيه. هذا صحيحٌ؛ فلِلْرَّجلِ أنْ يُغَمِّضَ ذاتَ محارمِه، وللمرْأةِ أنْ تُغمِّضَ ذا محْرَمِها. وقال الإمامُ أحمدُ: يُكْرَهُ أنْ يُغَمِّضَه جُنُبٌ، أو حائضٌ، أو يقْرَباه. ويُسْتَحَبُّ أنْ يقولَ عندَ تغميضِه: بِاسْمِ اللهِ،

ص: 18

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعلى مِلَّةِ رسولِ اللهِ. نصَّ عليه.

قوله: وجعَل على بَطْنِه مِرآةً أو نحوَها. يعْنِي، مِنَ الحديدِ، أو الطِّينِ، ونحوِه.

قال ابنُ عَقِيلٍ: هذا لا يُتَصوَّرُ إلَّا وهو على ظهْرِه. قال: فيُجْعَلُ تحتَ رأْسِه شئٌ عالٍ؛ ليُجْعلَ مُسْتَقْبِلًا بوَجْهِه القِبْلَةَ.

ص: 19

وَيُسَارِعُ فِي قَضَاء دَيْنِهِ،

ــ

تنبيه: قوله: ويُسارِعُ في قَضاءِ دَيْنِه. وكذا قال الأصحابُ. قال في «الفُروعِ» : والمُرادُ، واللهُ أعلمُ، يجِبُ ذلك.

ص: 20

وَتَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ، وَتَجْهِيزِهِ إِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ،

ــ

قوله: وتجْهيزِه. قال في «الفُروعِ» : قال الأصحابُ: يُسْتَحَبُّ أنْ يُسْرَعَ

ص: 21

بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ، وَمَيْلِ أَنْفِه، وَانْفِصَالِ كَفَّيْهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ.

ــ

فى تجْهيزِه. واحْتجُّوا بقولِه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ:«لا يَنْبَغِي لجِيفَةِ مُسْلِمٍ أنْ تُحْبَسَ بينَ ظَهْرَانَىْ أهْلِهِ» . قال: و «لا يَنْبَغِى» للتَّحْريمِ.

واحْتجَّ بعضُهم باسْتِعمالِ الشَّارِعِ، كقولِه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، في الحريرِ:«لا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقين» (1). واعلمْ أنَّ موْتَه تارةً يكونُ فَجْأَةً، وتارةً يكونُ غيرَ فَجْأَةٍ. فإنْ كان غيرَ فجأَةٍ، بأنْ يكونَ عن مرَضٍ ونحوِه، فيُسْتَحَبُّ المُسارَعَةُ فى تجْهيزِه، إذا تُيقِّن موْتُه، ولا بأْسَ أنْ ينْتظِرَ به مَن يحْضُرُه، إنْ كان قريبًا، ولم يُخْشَ عليه، أو يشُقَّ على الحاضِرين. نصَّ عليه في رِوايَةِ حَنْبَلٍ؛ لما يُرْجَى له بكَثْرَةِ الجَمْعِ، ولا بأْسَ أيضًا أنْ ينْتَظِرَ وَلِيَّه. جزَم به فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «ابنِ تَميمٍ». وهو أحَدُ الوَجْهَيْن. وقيل: لا ينْتظرُ. وأطْلقَ أحمدُ تعْجِيلَه في رِوايَةٍ عنه. وأطْلقَهما في «الفُروعِ» . وإنْ كان موتُه فجأَةً؛

(1) أخرجه البخاري، في: باب القباء وفروج حرير. . . .، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 7/ 186.

ومسلم، في: باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة. . . .، من كتاب اللباس. صحيح مسلم 3/ 1646.

والنسائى. فى: كتاب الصلاة فى الحرير، من كتاب القبلة. المجتبى 2/ 56. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 143، 149، 150.

ص: 22

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كالموتِ بالصَّعْقَةِ، والهَدْمِ، والغرَقِ، ونحوِ ذلك، فينْتظرُ به حتى يُعْلمَ موْتُه.

قدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ». قال فى «الفائقِ»: ساغَ تأْخِيرُه قليلًا. وعنه، يُنْتظَرُ يوْمٌ. قال الإمامُ أحمدُ: يُتْرَكُ يوْمًا. وقال أيضًا: يتْركُ مِن غُدْوةٍ إلى اللَّيْلِ. وقيل: يُتْركُ يوْمَيْن ما لم يُخَفْ عليه. قال الآمِدِىُّ: أمَّا المَصْعوقُ، والخائفُ، ونحوُه، فيُتَرَبَّصُ به، وإنْ ظهرَ علامَةُ المَوْتِ، يومًا أو يوْمَيْن. وقال: إنْ لم يَطُلْ مرَضُه، بُودِرَ به عندَ ظُهورِ علاماتِ الموْتِ. وقال القاضى: يُتْركُ يوْمَيْن أو ثلاثةً، ما لم يُخَفْ فَسادُه.

قوله: إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُه، بانْخِسافِ صُدْغَيْه، ومَيلِ أنْفِه، وانْفِصالِ كَفَّيْه، واسْتِرخاءِ رِجْلَيْه. هكذا قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وزادَ فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، وغيرِهم، وامْتدَّت جلْدَةُ وَجْهِه. ولم يذْكُرْ فى «الخُلاصَةِ» انْفِصالَ كَفَّيْه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ موْتَه يُتَيقَّنُ بانْخِسافِ صُدْغَيْه، ومَيلِ أنْفِه. جزَم به في «المُذْهَبِ» ، وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وغيرِه.

ص: 23

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبْيهان؛ أحدُهما، ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ ذلك يُعْتبَرُ فى كلِّ ميِّتٍ، والأصحابُ إنَّما ذكَروا ذلك فى موْتِ الفُجاءَةِ ونحوِه، إذا شكَّ فيه. قلتُ: ويُعْلَمُ الموْتُ بذلك في غيرِ المَوتِ فَجْأةً بطريقٍ أوْلَى. الثَّانى، قوله: إذا تُيُقِّنَ مَوْتُه: راجِعٌ إلى المُسارعَةِ في تجْهيزِه فقط، فى ظاهرِ كلامِ السَّامَرِّىِّ، وصاحِبِ «التَّلْخيصِ». قالَه فى «الحَواشِى». قال: وظاهرُ كلامِ ابنِ تَميم، أنَّه راجعٌ إلى قولِه: ولين مَفاصِلِه. وما بعدَه. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» : هو راجِعٌ إلى قَضاءِ الدَّيْنِ، وتفْريقِ الوَصِيَّةِ، والتَّجْهيزِ. قال: وهذا ظاهرُ كلامِه فى المذهبِ.

فوائد؛ الأولَى، قال الآجُرىُّ فى مَن ماتَ عشِيَّةً: يُكْرَهُ ترْكُه فى بيْتٍ وحدَه، بل يبِيتُ معه أهلُه. انتهى. ولا بأْسَ بتَقْبيلِ المَيِّتِ، والنَّظَرِ إليه، ولو بعدَ تكْفينِه.

نصَّ عليه. الثَّانيةُ، لا يُسْتَحَبُّ النَّعْىُ؛ وهو النِّداءُ بموْتِه، بل يُكْرَهُ. نصَّ عليه.

ونقَل صالِحٌ، لا يُعْجِبُنِي. وعنه، يُكْرَهُ إعْلامُ غيرِ قريبٍ، أو صديقٍ. ونقَل حَنْبَلٌ، أو جارٍ. وعنه، أو أهلِ دِينٍ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ اسْتِحْبابُه.

قال: ولعَلَّ المُرادَ لإعْلامِه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، أصحابَه بالنَّجاشِىِّ.

وقوْلُه عن الذي كان يَقُمُّ المَسْجدَ: «أَلا آذَنْتُمونِى» (1). انتهى. الثَّالثةُ، إذا ماتَ له أقارِبُ فى دَفْعَةٍ واحدَةٍ، كهَدْمٍ ونحوِه، ولم يُمْكِنْ تجْهيزُهم دَفْعَةً واحدةً،

(1) سيأتى تخريجه فى صفحة 178.

ص: 24

فَصْلٌ فِى غَسْلِ الْمَيِّتِ: غَسْلُ الْمَيِّتِ، وَتَكْفِينُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

ــ

بَدَأ بالأَخْوَفِ فالأَخْوَفِ، فإنِ اسْتَوَوْا بَدَأ بالأبِ، ثم بالابنِ، ثم بالأقْرَبِ فالأقْرَبِ. فإنِ اسْتَوَوْا، كالإخْوَةِ والأعْمامِ، قدَّم أفْضَلَهم. جزَم به فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». وقيل: يُقَدِّمُ الأسَنَّ. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . وأطْلَقَ الآجُرِّىُّ، أنَّه يقَدِّمُ الأخْوَفَ، ثم الفَقِيرَ، ثم مَن سبَق. فعلى المذهبِ، لو اسْتَوَوْا فى

الأفْضَلِيَّةِ، قُدِّمَ أسَنُّهم، فإنِ اسْتَوَوْا فى السِّنِّ، قُدِّمَ أحدُهم بالقُرْعَةِ.

فوائد؛ قوله: غَسْلُ المَيِّتِ فَرْضُ كِفايَةٍ. اعلمْ أنَّه يُشْتَرَطُ لغَسْلِه شُروطٌ؛ منها، أنْ يكونَ بماءٍ طَهُورٍ. ومنها، أنْ يكونَ الغاسِلُ مُسْلِمًا، فلا يصِحُّ غَسْلُ كافرٍ لمُسْلمٍ، إنِ اعْتُبِرَتْ له النِّيَّةُ، وإنْ لم تُعْتَبَرْ له النِّيَّةُ، صحَّ. قالَه فى «الفُروعِ» .

وقال ابنُ تَميمٍ: ولا يُغَسِّلُ الكافِرُ مسْلِمًا. نصَّ عليه. وفيه وَجْهٌ، يجوزُ إذا لم تُعْتَبَرِ النِّيَّةُ. وهو تخْرِيجٌ للمَجْدِ. وكذا قال فى «الرِّعايَةِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». قلتُ: الصَّحيحُ ما قدَّمه ابنُ تَميمٍ. وهو المنْصوصُ، سواءٌ اعْتَبَرْنا له النِّيَّةَ أم لا. وأمَّا إذا حضَرْ مسْلِمٌ، وأمرَ كافِرًا بمُباشَرَةِ غَسْلِه، فغَسَّله نائبًا عنه، صحَّ غَسْلُه. قدَّمه فى «الفُروعِ». قال المَجْدُ: يحْتَمِلُ عنْدِى أنْ يصِحَّ الغَسْلُ هنا؛ لوُجودِ النِّيَّةِ مِن أهلِ الغَسْلِ، فيصِحُّ، كالحَىِّ إذا نوَى رفْعَ الحَدَثِ، فأمَرَ كافِرًا بغَسْلِ أعْضائِه. وكذا الأُضْحِيَةُ إذا باشرَها ذِمِّىٌّ على المشْهورِ، اعْتِمادًا على نِيَّةِ المُسْلِمَ. انتهى. وظاهِرُ كلامِ الإمامَ أحمدَ، أنَّه لا يصِحُّ. وهو رِوايةٌ فى «الفُروعِ». ووَجْهٌ فى «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ». وأطْلَقَهما هو وصاحِبُ «الرِّعايَةِ الكُبْرى». قال فى «الفُروعِ»: والمُرادُ إنْ صحَّ غَسْلُ الكافرِ، يَنْبَغِى

ص: 25

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنْ لا يُمَكَّنَ. قال فى «الرِّعايَةِ» : فإنْ غَسَّلَه الكافِرُ، وقلنا: يصِحُّ، يمَّمَه معه مسْلِمٌ. ويأْتِى غَسْلُ المسْلِمِ الكافِرَ فى كلامِ المُصَنِّفِ. ومِنَ الشُّروطِ، كوْنُ الغاسِلِ عاقِلًا. ويجوزُ كوْنُه جُنُبًا وحائضًا مِن غيرِ كراهَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وعنه، يُكْرَهُ فيهما. وجزَم به في «الرِّعايَةَ الصُّغْرى» .

وقدَّمه فى «الكُبْرى» . وعنه، في الحائض، لا يُعْجِبُنِي، والجُنُبُ أيْسَرُ. وقيل: المُحْدِثُ مثْلُهما. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . ويجوزُ أنْ يُغَسِّلَ حَلالٌ مُحْرِمًا، وعكْسُه. قال المَجْدُ وغيرُه: الأفْضَلُ أنْ يكونَ ثقَةً عارِفًا بأحْكامِ الَغَسْلِ. وقال أبو المَعالِى: يجِبُ ذلك. نقَل حَنْبَلٌ: لا يَنْبَغِي إلَّا ذلك.

وقيل: تُعْتَبرُ المعْرِفَةُ. وقيل: تُعْتَبَرُ العَدَالةُ. ويصِحُّ غَسْلُ المُمَيِّزِ للمَيِّتِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «الفائقِ» ، و «ابنِ تَميمٍ»: ويجوزُ مِن مُمَيِّزٍ فى أصحِّ الوَجْهَيْن. وصحَّحه النَّاظِمُ. قال فى «القَواعِدِ الأُصولِيَّةِ» : والصَّحيحُ السُّقوطُ. وقدَّمه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، وغيرِهم. قال فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى»: يُكْرَهُ أنْ يكونَ الغاسِلُ مُمَيِّزًا. واقْتَصَرَ عليه. وعنه، لا يصِحُّ غَسْلُ المُمَيِّزِ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». وقال: كأذانِه. وقال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» بعدَ أنْ قدَّم الصِّحَّةَ: قال المَجْدُ: ويتَخَرَّجُ أنَّه إذا اسْتَقَلَّ بغَسْلِه، لم يعْتَدَّ به، كما لو يعْتَدَّ بأذانِه؛ لأنَّه ليس أهْلًا لأداءِ الفرْضِ، بل يقَعُ فِعْلُه نفْلًا. انتهى. وقال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: حكَى بعضُهم فى جوازِ كوْنِه غاسِلًا للمَيِّتِ، ويسْقُطُ به الفرْضُ، رِوايتَيْن. وطائفةٌ وَجْهَيْن. قال: والصَّحيحُ السُّقوطُ كما تقدَّم. قال فى

ص: 26

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» : وفى مُمَيِّزٍ رِوايَتَان كأَذانِه. فدَلَّ أنَّه لا يكْفِى مِنَ المَلائكَةِ. وهو

ظاهرُ كلامِ الأكْثرِ. وقال فى «الانْتِصارِ» : يكْفِى إنْ علِمَ. وكذا قال القاضى فى «التَّعْليِق» . وذكَر ابنُ شِهَابٍ معْنَى كلامِ القاضى، ويتَوَجَّهُ فى مُسْلِمى الجنِّ كذلك وأوْلَى؛ لتَكْليفِهم. انتهى كلامُ صاحِبِ «الفُروعِ» . وتأْتِى الَنِّيَّةُ والتَّسْمِيَةُ فى كلام المُصَنِّفِ. ويأْتِى كذلك هناك أيضًا، هل يُشْتَرَطُ العقْلُ؟ قوله: غَسْلُ الميِّتِ، وتَكْفينُه، والصَّلاةُ عليه، ودَفْنُه، فَرْضُ كِفايَةٍ. بلا نِزاعٍ.

فلو دُفِنَ قبلَ الغَسْلِ مَن أمْكَن غَسْلُه، لَزِمَ نبْشُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، وغيرِه. وأطْلقَه بعضُهم. وجزَم جماعةٌ مِنَ الأصحاب، أنَّه يجِبُ نَبْشُه، إذا لم يُخْشَ تفَسُّخُه. زادَ بعضُهم، أو تغَيُّرُه. وقيل: يحْرُمُ نبْشُه مُطْلَقًا. ومثْلُه مَن دُفِنَ غيرَ مُتَوَجِّهٍ إلى القِبْلةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال ابنُ عَقِيلٍ: قال أصحابُنا: يُنْبَشُ، إلَّا أنْ

ص: 27

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يخافَ أنْ يتفَسَّخَ. وقيل: يَحْرُمُ نَبْشُه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقدَّم ابنُ تَميمٍ، أنَّه يُسْتَحَبُّ نَبْشُه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ أيضًا. ولو دُفِنَ قبلَ تكْفينِه، فقيلَ: حُكْمُه حُكْمُ مَن دُفِنَ قبلَ الغَسْلِ، على ما تقدَّم. وقال فى «الوَسِيلَةِ»: نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ» . وقيل: لا، كَستْرِهِ بلا تُرابٍ. وصحَّحه فى «الحاوِى الكَبِير» ، و «النَّاظِمِ» . وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ» ، و «الفُصولِ» ، و «المُغْنى» ، و «الشَرْحِ». وفى «المُنْتَخَبِ» فيه رِوايَتان. وقال فى «الرِّعايَةِ»: وقيل: ولو بَلِىَ. قال فى «الفُروعِ» : كذا

قال. فمع تفَسُّخِه لا يُنْبَشُ، فإذا بَلِىَ كلُّه فأوْلَى أنْ لا يُنْبَشَ. ولو كُفِّن بحريرٍ، فذكَر ابنُ الجَوْزِىِّ فى نَبْشِه وَجْهَيْن، وتَبِعَه فى «الفُروعِ». قلتُ: الأوْلَى عدَمُ نَبْشِه. ولو دُفِنَ قبلَ الصَّلاةِ عليه، فكالغَسْلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما تقدَّم. نصَّ عليه؛ ليُوجَدَ شَرْطُ الصَّلاةِ، وهو عدَمُ الحائلِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ.

وقال ابنُ شِهَابٍ، والقاضى: لا يُنْبَشُ، ويُصلَّى على القَبْرِ. وهو مذهَبُ الأئمَّةِ الثَّلاثَةِ؛ لإمْكانِها عليه. وعنه، يُخَيَّرُ. قال بعضُهم: فكذا غيرُها. ويجوزُ نبْشُه لغَرَضٍ صحيحٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ، كتَحْسينِ كفَنِه، ودَفْنِه فى بُقْعَةٍ خَيْرٍ مِن بُقْعتِه، ودَفْنِه لعُذْرٍ بلا غَسْلٍ ولا حَنُوطٍ، وكإفْرادِه؛ لإفْرادِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ لأبِيه. وقيل: لا يجوزُ. قال القاضى فى «أحْكامِه» : يُمْنَعُ مِن نقْلِ المَوْتَى مِن قُبورِهم إذا دُفِنوا فى مُباحٍ. ويأْتِى إذا وقَع فى القَبْرِ مالَه قِيمَةٌ، أو كُفِّنَ بغَصْبٍ، أو بلَع مالَ غيرِه، هل يُنْبَشُ؟ وهل يجوزُ نقْلُه لغرَضٍ صحيحٍ؟

ص: 28

وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَصِيُّهُ، ثُمَّ أَبُوهُ، ثُمَّ جَدُّهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَاتِهِ، ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ، إِلَّا الصَّلَاةَ؛ فَإِنَّ الْأَمِيرَ أَحَقُّ بِهَا بَعْدَ وَصِيّهِ.

ــ

قوله: وأوْلَى النَّاسِ به وصِيُّه. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وهو مِن مُفْردَاتِ المذهبِ. وقيل: لا يُقَدَّمُ الوصِىُّ على الوَلِىِّ. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ.

تنبيه: أفادَنَا المُصَنِّفُ صِحَّةَ الوَصِيَّةِ بالغَسْلِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ.

وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: لا تصِحُّ الوَصِيَّةُ به. وقيل: لا تصِحُّ الوَصِيَّةُ به ولو صحَّحْنا الوَصيَّةَ بالصَّلاةِ.

فائدة: حيثُ قُلْنا: يُغَسِّلُ الوَصِىُّ. فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ عدْلًا، وعليه الأكثرُ. وقيل: لا تُشْتَرَطُ العَدالَةُ.

ص: 29

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ثمَّ أبُوه. بلا نِزاعٍ بينَ الأصحابِ. ووَجَّهْ فى «الفُروعِ» تخْريجًا مِنَ النِّكاحِ بتَقْديمِ الابنِ على الأبِ.

قوله: ثم جَدُّه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يقدَّمُ الابنُ على الجَدِّ فقط. وعنه، يقدَّمُ الأخُ وبَنُوه على الجَدِّ. حَكاها الآمِدِىُّ، وغيرُه. وعنه، هما سواءٌ.

قوله: ثم الأقْرَبُ فالأقْرَبُ مِن عَصَباتِه. نسَبًا ونعْمَةً، فيُقَدَّمُ الأخُ مِنَ الأبَوَيْن على الأخِ مِنَ الأبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. وقال القاضى: إذا قُلْنا: هما سواءٌ فى وِلاية النِّكاحِ. فكذا هنا. وحكَاه الآمِدِىُّ رِوايةً، واخْتارَها. وقدَّمه ناظِمُ المُفْرَداتِ. وهو منها. ذكَرَه فى كتابِ النَّكاحِ. قلتُ: ويَنْبَغِى أنْ يكونَ

العَمُّ مِنَ الأبوَين ومِنَ الأبِ كذلك. وكذلك أعمامُ الأبِ ونحوُه، وبنُو الِإخْوَةِ مِنَ الأبوَيْن أو الأبِ. ثم وَجَدْتُ المُصَنِّفَ والشَّارِحَ وغيرَهما، ذكَروا ذلك.

قولهَ: ثم ذَوُو أرْحامِه. كالمِيراثِ فى التَّرْتيبِ. ثم مِن بعدِهم الأجانِبُ.

قالَه ابنُ تَميمٍ، وغيرُه. وقال فى «الفُروعِ»: قال صاحبُ «المُحَرَّرِ» ، أو صاحِبُ «النَّظْمِ»: ثم بعدَ ذَوِى الأرْحامِ صدِيقُه. ووَجَّهَ فى «الفُروعِ» عن هذا القوْلِ تقْديمَ الجارِ على الأجْنَبِىِّ. قال: وفى تقْديمِه على الصَّديقِ نظَرٌ. انتهى. وقال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» : ثم ذَوِى رَحِمه الأقْرَبِ فالأقْرَبِ، ثم أصْدقائِه مِنَ الأجانبِ، ثم غيرِهم، الأدْيَنِ الأعْرَفِ، الأوْلَى فالأوْلَى.

تنبيه: محَلُّ هذا كلِّه في الأحْرارِ. أمَّا الرَّقيقُ، فإنَّ سيِّدَه أحقُّ بغَسْلِ عبْدِه بلا

ص: 30

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نِزاعٍ. وقال أبو المَعالِى: لا حقَّ للقاتلِ فى المَقْتولِ إنْ لم يَرِثْه؛ لمُبالغَتِه فى قَطيعَةِ الرَّحمِ. قال فى «الفُروعِ» : ولم أجِدْ أحدًا ذكَرَه غيرَه، ولا يتَّجِهُ فى قَتْلٍ لا يأْثَمُ فيه. انتهى.

ص: 31

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: إلَّا الصَّلاةَ عليه؛ فإنَّ الأمِيرَ أحَقُّ بها بعدَ وَصِيِّه. هذا الذي ذكَرْناه قبلَ ذلك، مِنَ الأوْلَوِيَّةِ والتَّرْتيبِ فى التَّقْديمِ، إنَّما هو فى غَسْلِه. أمَّا الصَّلاةُ عليه، فأحقُّ النَّاسِ بها وَصِيُّه، كما قالَه المُصَنِّفُ، ثم الأميرُ، كما قال. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الحاوِى» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وغيرِه. وقيل: يُقَدَّمُ الأميرُ على الوَصِىِّ. اخْتارَه الآجُرِّىُّ. وقيل: يقدَّمُ الأبُ على الوَصِىِّ. ذكَره القاضى عنِ ابنِ أحمدَ. نقَلَه ابنُ تَميمٍ. وعنه، يقدَّمُ الوَلِىُّ على السُّلْطانِ. جزَم به ابنُ عَقِيلٍ

ص: 32

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «التَّذْكِرَةِ» .

تنبيه: أفادَنا المُصَنِّفُ، رحمه الله، صِحَّةَ الوَصِيَّةِ بالصَّلاةِ عليه. وهو صَحيحٌ. واعلمْ أنَّ صِحَّةَ الوَصِيَّةِ بالصَّلاةِ عليه، حُكْمُها حُكمُ الوَصِيَّةِ إليه بالنِّكاحِ، على ما يأْتى فى أثْناءِ بابِ أرْكانِ النِّكاحِ، وإبْخَاسُ الأبِ لا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ.

ص: 33

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، صِحَّةُ وصِيَّتِه إلى فاسِقٍ يَنْبَنِي على صِحَّةِ إمامَتِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال أبو المَعالِى، وغيرُه: لا تصِحُّ وَصِيَّتُه إليه، وإنْ صحَّحْنا إمامتَه. وهو ظاهِرُ ما جزَم به الزَّرْكَشِىُّ. الثَّانيةُ، لو وَصَّى بالصَّلاةِ عليه إلى اثْنَين، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، صِحَّةُ الوَصِيَّةِ. وقيل:

لا تصِحُّ فى هذه الصُّورَةِ. فعلى المذهبِ، قيل: يصلِّيان معًا صلاةً واحدةً. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ» . وقال: فيه نظَرٌ. وقيل: يصلِّيان مُنْفَرِدَيْن. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . الثَّالثةُ، الظَّاهِرُ أنَّ مُرادَه بالأميرِ هنا، هو السُّلْطانُ، وهو الإمامُ

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأعْظَمُ أو نائِبُه. واعلمْ أنَّه إذا اجْتمَعَ السُّلْطانُ وغيرُه، قُدِّمَ السُّلْطانُ، فإنْ لم يحْضُرْ فأمِيرُ البَلَدِ، فإنْ لم يحْضُرْ أميرُ البلَدِ، فالحاكمُ. قالَه فى «الفُصُولِ» .

وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال: وذكَر غيرُ صاحبِ «الفُصولِ» ، إنْ لم يكُنِ الأميرُ، فالنَّائبُ مِن قِبَلِه في الإِمامَةِ، فإنْ لم يكُنْ، فالحاكمُ. الرَّابعةُ، ليس تقْديمُ الخَليفَةِ والسُّلْطانِ على سَبِيلِ الوُجوبِ. قالَه فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. إذا عَلِمْتَ ذلك، فبَعْدَ الوَصِىِّ والحاكمِ فى الصَّلاةِ عليه أبُوه، ثم جَدُّه، ثم أقْرَبُ العَصَبَةِ.

على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، على ما تقدَّم فى غَسْلِه. فيُقدَّمُ الأخُ والعَمُّ وعمُّ الأبِ وابنُ الأخِ مِنَ الأبَويْن على مَن كان لأبٍ منهم. وجعَلَهما القاضى فى التَّسْوِيَةِ كالنِّكاحِ. وقطَع به الزَّرْكَشِىُّ. وقال فى «الفُصُولِ»: فى تقْديمِ أخِ

ص: 35

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأبوَيْن على أخٍ لأبٍ، رِوايَتَان؛ إحْداهما، هما سواءٌ. قال: وهو الأشْبَهُ. وذكَر أبو المَعالِى، أنَّه قيلَ: فى التَّرْجيحِ بالأمُومَةِ وَجْهان، كنِكاحٍ وتحَمُّلِ عَقْلٍ؛ لأنَّه لا مدْخلَ لها فى وِلايَةِ الصَّلاةِ. وقال فى «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ»: يقدَّمُ بعدَ الأميرِ أقْرَبُ العَصَبَةِ. فيَحْتَمِلُ ما قالَ الأصحابُ، ويَحْتَمِلُ تقْديمُ الابنِ على الأَب. ولم أرَه هنا للأصحابِ. ثم الزَّوْجُ بعدَ العَصَبَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفروعِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وقالَا: أكثرُ الرِّواياتِ عن أحمدَ، تقْديمُ العَصَباتِ على الزَّوْجِ. قال فى «الكافِى»: هذا أشْهَرُ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. واخْتارَه الخَلَّالُ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. ونقَل ابنُ الحَكَمِ، يُقَدَّمُ الزَّوْجُ على العَصَبَةِ كغَسْلِها. وهى مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. اخْتارَه جماعةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم الآجُرِّىُّ، والقاضى فى «التَّعْليقِ» ، والآمِدِىُّ، وأبو الخَطَّابِ فى «الخِلافِ» ، وابنُ الزَّاغُونِىِّ، والمَجْدُ، وغيرُهم. قال ابنُ عَقِيلٍ: وهي أصَحُّ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : هذا أصَحُّ الرِّوايتَيْن. وصحَّحَه فى «النَّظْمِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وجزَم به ابنُ عبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه «ابنِ تَميمٍ» . وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» . وذكَر الشَّرِيفُ، يُقدَّمُ الزَّوْجُ على ابِنه. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . واقْتَصَرَ ابنُ تَميمٍ على كلامِ الشَّرِيفِ.

ص: 36

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأبْطَلَه أبو المَعالِى بتَقْديمِ أبٍ على جَدٍّ. وفى بعضِ نُسَخِ «الخِلافِ» للقاضى، الزَّوْجُ أوْلَى مِنِ ابنِ المَيَّتَةِ منه. وفى بعضِ النُّسَخِ، أوْلَى مِن سائرِ العَصَباتِ فى إحْدَى الرِّوايتَيْن. وقاسَ عليه ابنَه منها. وقال فى «الفُروعِ»: ويتَخرَّجُ مِن تقْديمِ الزَّوْجِ، تقْديمُ المرأةِ على ذَواتِ قَرابَتِه. وعندَ الآجُرِّىِّ، يُقَدَّمُ السُّلْطانُ، ثم الوَصِىُّ، ثم الزَّوْجُ، ثم العصَبَةُ. فعلى المذهبِ، وهو تقْديمُ العَصَباتِ على الزَّوْجِ، يقَدَّمُ ذَوُو الأرْحامِ على الزَّوْجِ أيضًا. قال فى «الفُروعِ»: ثم السُّلْطانُ، ثم أقْرَبُ العَصَبَةِ، ثم ذَوُو الأرْحامِ. والمُرادُ ثمَّ الزَّوْجُ، إنْ لم يُقَدَّمْ على عصَبَةٍ. انتهى. فَبَيَّنَ أنَّ مُرادَ الأصحابِ، إذا قدَّمْنا العَصَبَةَ على الزَّوْجِ، يُقَدَّمُ عليه ذَوُو الأرْحامِ. وإذا قدَّمْناه على العَصَبَةِ، فيُقدَّمُ على ذَوِى الأرْحامِ بطَريقٍ أوْلَى.

تنييه: محَلُّ هذا الخِلافِ فى الأحْرارِ. وأمَّا لو كان المَيِّتُ رقِيقًا، فإنَّ سيِّدَه

ص: 37

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحقُّ بالصَّلاةِ عليه مِنَ السُّلْطانِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، السُّلْطانُ أحقُّ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وهو احْتِمالٌ فى «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ» .

فوائد؛ مَن قدَّمه الوَلِىُّ فهو بمَنْزِلَتِه. قالَه فى «الفُروعِ» . وقال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : ووَكِيلُ كلِّ يقومُ مقامَه في رُتْبَتِه، إذا كان ممَّن يصِحُّ مُباشَرتُه للفِعْلِ، كوِلايَةِ النِّكاحِ وأوْلَى. وقال أبو المَعالِى: فإنْ غابَ الأقْرَبُ بمَكانٍ تفُوتُ الصَّلاةُ بحُضورِه تحَوَّلَتْ للأبْعَدِ، فلَه مَنْعُ مَن قَدِمَ بوَكالَةٍ ورِسالَةٍ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. ولو قدَّم الوَصِىُّ غيرَه فوَجْهان. وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ». قلتُ: الأوْلَى أنَّه ليس له ذلك، وينْتَقِلُ إلى مَن بعدَ الوَصِىِّ، أو يفْعَلُه الوَصِىُّ. ولو تَساوَى اثْنان فى الصِّفاتِ، فالصَّحيحُ مِنَ

ص: 38

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، يُقَدَّمُ الأوْلَى بالإِمامَةِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه، وغيرهم. وقيل: يقدَّمُ الأسَنُّ. قال القاضى: يَحْتَمِلُ تقْديمُ الأسَنِّ؛ لأنَّه أقْرَبُ إلى إجابَةِ الدُّعاءِ، وأعْظَمُ عندَ اللهِ قَدْرًا. جزَم به فى «البُلْغَةِ» . وقدَّمه فى «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِينِ» ، و «نَظْمِها» . وأطْلَقَهما فى «التَّلْخيصِ» ، و «ابنِ تَميمٍ». وقال: فإنِ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بينَهم. قال فى «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» : لو اجْتَمع اثْنان مِن أوْلِياءِ المَيِّتِ، واستَوَيا وتَشاحَّا فى الصَّلاةِ عليه، أُقْرِعَ بينَهما. ويقدَّمُ الحُرُّ البعيدُ على العَبْدِ القريبِ. ووَجَّه فى «الفُروعِ» احْتِمالًا بتَقْديمِ القَريبِ. ويقَدَّمُ العَبْدُ المُكلَّفُ على الصَّبِىِّ الحُرِّ والمرْأةِ. قالَه فى «الرِّعايَةِ» . ولو تقدَّم أجْنَبِىٌّ وصلَّى، فإنْ صلَّى الوَلِىُّ خلْفَه، صارَ إذْنًا. قال أبو المَعالِى: ويُشْبِهُ تصَرُّفَ الفضُولِىِّ إذا أُجِيزَ، وإلَّا فله أنْ يعيدَ الصَّلاةَ. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُه، لا يعيدُ غيرُ الوَلِىِّ. قال: وتَشْبِيهُه المَسْأَلَةَ بتَصرُّفِ الفُضولِىِّ يقْتَضِى مَنْعَ التَّقْديمِ بلا إذْنٍ. قال: ويتَوجَّهُ أنَّه كتَقْديمِ غيرِ صاحبِ البَيْتِ، وإمامِ المَسْجدِ بلا إذْنٍ، كما تقدَّم. ويَحْتَمِلُ المَنْعُ هنا؛ لمَنْعِ الصَّلاةِ ثانيًا، وكوْنِها نفْلًا عندَ كثيرٍ مِنَ العُلَماءِ. انتهى. وقال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: قلتُ: فلو صلَّى الأبْعَدُ، أو أجْنَبِىٌّ مع حُضورِ الأوْلَى بغيرِ إذْنِه، صحَّ، كصلاةِ غيرِ إمامِ المَسْجدِ الرَّاتِب، ولأنَّ مقْصودَ الصَّلاةِ الدُّعاءُ للمَيِّتِ، وقد حصَل، وليس فيها كَبِيرُ افْتِئاتٍ تشِحُّ به

ص: 39

وَغَسْلُ الْمَرْأَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ الْأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا.

ــ

الأنْفُسُ عادةً، بخِلافِ وِلاِيَة النِّكاحِ. ولو ماتَ بأرْضٍ فَلاةٍ، فقال فى «الفُصولِ»: يقدَّمُ أقْرَبُ أهلِ القَافِلَةِ إلى الخَيْرِ، والأشْفَقُ. قال فى «الفُروعِ»: والمُرادُ كالإِمامَةِ.

قوله: وغَسْلُ المَرأةِ أحَقُّ النَّاسِ به الأقربُ فالأقرَبُ مِن نسائِها. حُكْمُ غَسْلِ المرأةِ إذا أوْصَتْ، حُكْمُ الرَّجُلِ إذا أوْصَى، على ما سبَق. وأمَّا الأقارِبُ، فأحقُّ النَّاس بغَسْلِها، أمُّها، ثُمَّ أمَّهاتُها وإنْ علَتْ، ثم بِنْتُها وإنْ نزَلتْ، ثم القُرْبَى، كالمِيراثِ، وعمَّتُها وخالَتُها سواءٌ؛ لاسْتِوائِهما فى القُرْبِ والمَحْرَمِيَّةِ. وكذا

بِنْتُ أخِيها وبِنْتُ أخْتِها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ المَجْدِ». وقال فى «الهِدايَةِ»: يقَدَّمُ بَناتُ الأخِ على بَناتِ الأُخْتِ.

قال فى «الفُروعِ» : فدَلَّ أنَّ مَن كانتْ عَصَبَةً، ولو كانتْ ذكَرًا، فهى أوْلَى.

لكنَّه سوَّى بينَ العَمَّةِ والخالَةِ. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : وهو في غايَةِ الإشْكالِ.

قال: والضَّابِطُ فى ذلك، أنَّ أوْلَى النِّساءِ ذاتُ الرَّحِم المَحْرَمِ، ثم ذاتُ الَّرحِمِ غيرِ المَحْرَمِ. ويقدَّمُ الأقْرَب فالأَقْرَبُ، فإذا اسْتَوَيَتَا امْرأَتان فى القُرْبِ مع

ص: 40

وَلِكُلِّ واحدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غَسْلُ صَاحِبِهِ [38 ظ] ، فِى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ سُرِّيَّتِهِ.

ــ

المَحْرَمِيَّةِ فيهما، أو عدَمِها، فعندَنا هما سواءٌ، اعْتِبارًا بالقُرْبِ والمَحْرَمِيّةِ فقط.

وعندَ الشَّافِعِيَّةِ، مَن كانت فى محَلِّ العُصوبَةِ لو كانت ذكَرًا، فهى أوْلَى. وبه قال أبو الخَطَّابِ فى بِنْتَىِ الأخِ والأخْتِ دُونَ العَمَّةِ والخالَةِ. ولم يَحْضُرْنِي لتَفْرِقَتِه وَجْهٌ. انتهى. ويقدَّمُ مِنْهُنَّ مَن يقدَّمُ مِنَ الرِّجالِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ، فى الصَّلاةِ عليه: حتَّى وَالِيه وقاضِيه. ثم بعدَ أقارِبِها، الأجْنَبِيّاتُ، ثم الزَّوْجُ، أو السَّيِّدُ. على الصَّحيحِ، على ما يَأْتِي قرِيبًا.

قوله: ولِكُلِّ واحِدٍ مِنَ الزَّوْجَين غَسْلُ صَاحِبِه فى أصَحِّ الروايتَيْن. اعلمْ أنَّه يجوزُ للمرْأَةِ أنْ تُغَسِّلَ زوْجَها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وذكَره الامامُ أحمدُ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ إجْماعًا. وجزَم به المَجْدُ وغيرُه. ونفَى الخِلافَ فيه. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المنْصوصُ المشْهورُ الذى قطعَ به جمهورُ الأصحابِ. ولو كان قبلَ الدُّخولِ، أو بعدَ طَلاقٍ رَجْعِىٍّ، إنْ أُبِيحَتِ الرَّجْعِيَّةُ. قال فى «الرِّعايَةِ»: وقيل: أو حَرُمَتْ. وكذا لو وَلَدَتْ عَقِبَ

ص: 41

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

موْتِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وفيه وَجْهٌ، لا تُغَسِّلُه والحالَةُ هذه. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا تُغَسِّلُه مُطلَقًا، كالصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، فى مَن أبانَها فى مَرَضِه. وحُكِىَ عنه رِوايةٌ ثالثةٌ، تُغسِّلُه لعدَمِ مَن يُغسِّلُه فقط. فيَحْرُمُ عليها النَّظر إلى العَوْرَةِ. قال فى «الإفاداتَ»: ولأحَدِ الزَّوْجَيْن غَسْلُ الآخَرِ لضَرُورَةٍ.

فائدة: قال أبو المَعالِى: ولو وُطِئَتْ بشُبْهَةٍ بعدَ موْتِه، أو قَبَّلتْ ابنَه لشَهْوَةٍ، لم تُغَسِّلْه؛ لرَفْع ذلك حِلَّ النَّظَرِ واللَّمْسِ بعدَ الموْتِ. ولو وَطِئ أُخْتَها بشُبْهَةٍ، ثم ماتَ فى العِدَّةِ، لم تُغسِّلْه إلَّا أنْ تضَعَ عَقِيبَ موْتِه؛ لزَوالِ الحُرْمَةِ. واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعَ» .

ص: 42

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: أثْبَتَ الرِّوايَةَ الثَّانيةَ أبو الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ» ، وصاحِبُ «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. وحكَى المَجْدُ، أنَّ ابنَ حامِدٍ وغيرَه أثْبَتَها، ولم يُثْبِتْها المَجْدُ وجماعةٌ. قال فى «الفُروعِ»: وحُكِىَ عنه المَنْعُ مُطْلَقًا، فَذَكَرها بصِيغَةِ

ص: 43

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التَّمْريضِ. وأمَّا الرَّجُلُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يجوزُ له أنْ يُغَسِّلَ امْرأَتَه.

وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونقَله الجماعةُ عنِ الِإمامِ أحمدَ. وجزَم به فى «الجامِعِ الصَّغِيرِ» ، والشَّريفُ، وأبو الخَطَّابِ فى «خِلافَيْهِما» ، والشِّيرَازِىُّ فى «المُبْهِجِ» ، و «الإيضَاحِ» ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه

فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الشَّرْحِ». وقال: هو المشْهورُ عن أحمدَ. ونَصَرَه هو والمُصَنِّفُ وغيرُهما. وقال الزَّرْكَشِىُّ: هو المشْهورُ عندَ الأصحابِ. وعنه، لا يُغَسِّلُها مُطْلَقًا. وأطْلَقَهُما فى «الكافِى» . وعنه، يُغَسِّلُها عندَ الضَّرورَةِ. وهو ظاهِرُ كلامِه فى رِوايَةِ صالحٍ، وقد سُئِلَ، هل يُغَسِّلُ الرَّجُلُ زوْجتَه، والمرأَةُ زوْجَها؟ فقال: كِلاهُما واحِدٌ، إذا لم يكُنْ مَن يُغَسِّلُهما، فأرْجُو أنْ لا يكونَ به بأْسٌ. واخْتارَه الخِرَقِىُّ، وابنُ أبِى مُوسى. وجزَم به فى «الإفاداتِ» .

ص: 44

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: حمَل المُصَنِّفُ، ومَن تابعَه، كلامَ الخِرَقِيِّ على التَّنْزِيه. ونَفْىِ القَوْلِ بذلك. وحمَله ابنُ حامِدٍ، والقاضى على ظاهرِه. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو أوْفَقُ لنَصِّ أحمدَ.

قوله: وكذا السَّيِّدُ مع سُرِّيَّتِه. وهي معه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ للسَّيِّدِ غَسْلَ سُرِّيَّتِه. وكذا العكسُ.، لبَقاءِ المِلْكِ مِن وَجْهٍ؛ لأنَّه يَلْزَمُه تجْهِيزُها، أو أنَّ النَّفْىَ إذا انْتهَى تقَرَّر حُكْمُه. وعنه، لا يُغَسِّلُها ولا تُغَسِّلُه. وقيل: له تَغْسِيلُها دُونَها.

فائدتان؛ إحْداهما، أمُّ الوَلَدِ مع السَّيِّدِ وهو مَعَها، كالسَّيِّدِ مع أمَتِه وهي معه، على ما تقدَّم. هذا هو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وقيل بالمَنْعِ فى أمِّ الوَلَدِ، وإنْ جوَّزْناه للأمَةِ؛ لبَقاءِ المِلْكِ فى الأمَةِ مِن وَجْهٍ، كقَضاءِ دَيْنٍ ووَصِيَّةٍ. الثَّانيةُ، حيثُ جازَ الغَسْلُ، جازَ النَّظَرُ لكلٍّ منهما غيرَ العوْرَةِ. ذكَرَه جماعةٌ، وجوَّزَه فى «الانْتِصارِ» ، وغيرِه بلا لَذَّةٍ. وجوَّز فى «الانْتِصارِ» ، وغيرِه، اللَّمْسَ والخَلْوَةَ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّه ظاهِرُ كلامِ الإِمام أحمدَ، وكلامِ ابنِ شِهَابٍ. واخْتَلَفَ كلامُ القاضي فى نظَرِ الفَرْجِ؛ فمَرَّةً أجازَه بلَا لَذَّةٍ، ومرَّةً منَع.

قال: والمُعِينُ فى الغَسْلِ والقِيامِ عليه، كالغاسِلِ فى الخَلْوَةِ بها، والنَّظَرِ إليها. وقال

ص: 45

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابنُ تَميمٍ: ولكُلِّ واحدٍ مِنَ الزَّوْجَيْن النَّظَرُ إلى الآخَرِ بعدَ الموْتِ، ما عدَا الفَرْجَ.

قالَه أصحابُنا، وسُئِلَ الإمامُ أحمدُ عن ذلك، فقال: قد اخْتُلِفَ فى نظَرِ الرَّجُلِ إلى امْرأَتِه. وجزَم به فى «الفائقِ» وغيرِه.

فائدة: ترْكُ التَّغْسيلِ مِنَ الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ والسَّيِّدِ أوْلَى مِن فِعْلِه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الأجْنَبِيَّ يُقَدَّمُ على الزَّوْجَةِ. جزَم به ابنُ تَميمٍ وغيرُه. وصحَّحه فى «الرِّعايَةِ» وغيرِها. قال فى «الفُروعِ»: هو الأشْهَرُ. وقيل: لا يُقَدَّمُ عليها.

والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ أَيضًا، أنَّ المرأةَ الأجْنَبِيَّةَ، تُقَدَّمُ على الزَّوْجِ والسَّيِّدِ.

قال فى «الفُروعِ» : هذا الأشْهَرُ. وجزَم به ابنُ تَميمٍ وغيرُه. وقيل: لا تُقَدَّمُ عليهما. واخْتارَه القاضى فى السَّيِّدِ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الزَّوْجَةَ أوْلَى مِن أمِّ الوَلَدِ. واخْتارَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» . وقدَّمه ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ. وفيه وَجْهٌ، هما سواءٌ، فيُقْرَعُ بينَهما. قالَه ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ، وصاحِبُ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». وقال فى «الفُروعِ»: وفي تقْديمِ أمِّ الوَلدِ على زوْجَتِه وعكْسِه وَجْهان، فحكَى الخِلافَ فى أنَّ الزَّوْجةَ هل هى أوْلَى مِن أمِّ الولَدِ، أو أمَّ الوَلَدِ أوْلَى مِنَ الزَّوْجَةِ؟ وأطْلقَهما. وإنَّما الخِلافُ الذي رأيْناه، هل الزَّوْجَةُ أوْلَى، أو هما سواءٌ؟ فلعَلَّه اطَّلَع على نقْلٍ فى ذلك. وفي تقْديمِ زَوْجٍ على سَيِّدٍ وعكْسِه، وتَساوِيهما، فيُقْرَعُ، أوْجُهٌ. وأطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الحَواشِى». قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: الزَّوْجُ أوْلَى مِنَ السَّيِّدِ، فى أصحِّ الاحْتِمالَيْن. وظاهِرُ كلامِ أبِى الخَطَّابِ تَساوِيهما. قلتُ: الصَّوابُ ما صحَّحَه.

ص: 46

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: ظاهِرُ قولِه: وكذلك السَّيِّدُ مع سُرِّيَّتِه. أنَّه لا يُغَسِّلُ أمتَه المُزَوَّجَةَ ولا المُعْتَدَّةَ مِن زَوْجٍ. وقد قال فى «الفُروعِ» : ولا يُغَسِّلُ أمتَه المُزَوَّجَةَ والمُعْتَدَّةَ مِن زَوْجٍ، فإنْ كانتْ فى اسْتِبْراءٍ، فوَجْهان، ولا المُعْتَقَ بعضُها. انتهى. وهذا فيه إشْكالٌ، ووَجْهُه، أنَّ ظاهِرَ كلامِ الأصحابِ، جوازُ غَسْلِ السَّيِّدِ لأمَتِه.

وهو كالصَّريحِ مِن قولِهم: إذا اجْتَمَع سيِّدٌ وزَوْجٌ هل يُقَدَّمُ الزَّوْجُ أو السَّيِّدُ؟ كما تقدَّم. فلو لم يجَوِّزُوا للسَّيِّدِ غَسْلَهاِ، لَمَا تَأَتَّى الخِلافُ فى الأَوْلَوِيَّةِ بينَه وبينَ الزَّوْجِ، ولم يحْضُرْنِى عن ذلك جَوابٌ. ولعَلَّ هذا مِن كلامِ أبِي المَعالِى؛ فإنَّ هذه المسْأَلَةَ بعدَ كلامِ أبِي المَعالِى فى «الفُروعِ» ، فيكونُ مِن تَتِمَّةِ كلامِه،

ويكونُ قوْلًا لا تَفْرِيعَ عليه.

فائدة: للسَّيِّدِ غَسْلُ مُكاتَبَتِه مُطْلَقًا، وليس لها غَسْلُه إنْ لم يَشْتَرِطْ وَطْأَها.

ص: 47

وَللِرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ غَسْلُ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ. وَفِى ابْنِ السَّبْعِ وَجْهَانِ،

ــ

قوله: وللرَّجُلِ والمرْأَةِ غَسْلُ مَن له دونَ سَبْعِ سنِينَ. مِن ذَكَرٍ أو أُنْثَى، ولو كان دُونَها بلَحْظَةٍ. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» و «الفُروعِ» ، وغيرِهم: اخْتارَه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه فى «البُلْغَةِ» ، وغيرِها. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وعنه، التَّوَقُّفُ فى غَسْلِ الرَّجُلِ للجارِيَةِ. وقال: لا أجْتَرِئ عليه. وعنه، يُمْنَعُ مِن غَسْلِها. اخْتارَه المُصَنِّفُ، وقال: هو أوْلَى مِن قوْلِ الأصحابِ. وجزَم بهَ فى «الوَجيزِ» . وعنه، غَسْلُ ابْنَتِه الصَّغِيرَةِ. وقيل: يُكْرَه دُونَ سَبْعٍ إلى ثَلاثٍ.

وقال الخَلَّالُ: يُكْرَهُ للرَّجُلِ الغَريبِ غَسْلُ ابْنَةِ ثلاثِ سِنِين، والنَّظَرُ إليها. وحكَى ابنُ تَميمٍ وَجْهًا، للرَّجُلِ غَسْلُ بنْتِ خَمْسٍ فقط.

ص: 49

وَفِى غَسْلِ مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَجْهَانِ.

ــ

قوله: وفى غَسْلِ مَن له سَبْعٌ وجْهان. وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» و «الحاوِيَيْن» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، ليس له ذلك. وهو المذهبُ. وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، فى رِوايَةِ الأَثْرَمِ. واخْتارَه ابنُ حامِدٍ. وقال ابنُ تَميمٍ: اخْتارَه أبوَ بَكْرٍ، وابنُ حامِدٍ. فلعَلَّه اطَّلَع على قوْلٍ لأبِى بَكْرٍ. وهذا الوَجْهُ ظاهِرُ كلامِه فى «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِى» ، و «الهَادِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الإفاداتِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم؛ لاقْتِصارِهم على جَوازِ غَسْلِ مَن له دُونَ سَبْعِ سنِين. والوَجْهُ

ص: 50

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّانى، يجوزُ لها غَسْلُه. وجزَم به ابنُ رَزِين فى «نِهايَتِه» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم: اخْتارَه أبو بَكْرٍ. قال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» : وحكَى بعضُهم الجَوازَ قوْلَ أبِى بَكْرٍ.

انتهى. ولا يَبْعُدُ أنْ يكونَ له فيها قوْلَان. وقيل: يجوزُ للمَرْأةِ غَسْلُه دُونَ الرَّجُلِ.

جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ»؛ فقالَا: وللأُنْثَى غَسْلُ ذَكَرٍ له سبْعُ سِنِين ولا عكس. واخْتارَه المُصَنِّفُ. وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . فجَعَلَه الوَجْهَ الثَّانى مِنَ الوَجْهَيْن اللَّذين ذكَرَهُما المُصَنِّفُ. وأمَّا الشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، فإنَّما حكَيَا الوَجْهَيْن كما ذكَرْناهُما أوَّلًا. وهو أوْلَى.

ص: 51

وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ، أَوِ امْرَأَةٌ رِجَالٍ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ، يُمِّمَ فِى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِى الأُخْرَى، يُصَبُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ، وَلَا يُمَسُّ،

ــ

تنبيِه: مفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يجوزُ لهما غَسْلُ مَن له أكثرُ مِن سَبْعِ سِنِين، قولًا واحدًا. وهو صحيحٌ. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: صرَّح به أبو المَعالِى فى «النَّهايَةِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وهو ظاهرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ. وعنه، يجوزُ غَسْلُ مَن له سَبْعٌ إلى عشْرٍ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. وهو

احْتِمالٌ فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، أمْكَنَ الوَطْءُ أم لا. قالَه فى «الفُروعِ». وقال: فلا عَوْرَةَ إذَنْ. وقال ابنُ تَميمٍ: والصَّحيحُ، أنَّها لا تُغَسِّلُهُ إذا بلَغ عَشْرًا. وَجْهًا واحِدًا. انتهى. وقيل: تُحَدُّ الجارِيَةُ بتِسْعٍ. وقيل: يجوزُ لهما غَسْلُهما إلى البُلوغِ. وحَكاه أبو الخَطَّابِ رِوايةً.

قوله: وإنْ ماتَ رَجُلٌ بينَ نِساءٍ، أوِ امْرأةٌ بينَ رِجالٍ، أو خُنْثَى

ص: 52

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُشْكِلٌ، يُمِّم فى أصحِّ الرِّوايتَيْن. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. والرِّوايةُ الأُخْرَى، يُصَبُّ عليه الماءُ مِن فَوْقِ القَميصِ. وعنه، التَّيَمُّمُ وصَبُّ الماءِ سواءٌ.

فعلى المذهبِ، يكونُ التَّيَمُّمُ بحائلٍ على الصَّحيحِ. وقيل: أو بدونِ حائلٍ. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، لا يُمَسُّ على الصَّحيحِ. وقيل: يُمَسُّ بحائلٍ.

فائدة: يجوزُ أنْ يَلِىَ الخُنْثَى الرِّجالُ والنِّساءُ، والرِّجالُ أوْلَى مِنْهُنَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: هُنَّ أوْلَى منهم. وأطْلَقَهما فى «الرِّعايَةِ» .

ص: 53

وَلَا يُغْسِّلُ مُسْلِمٌ كَافِرًا، وَلَا يَدْفِنُهُ، إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُوَارِيهِ غَيْرَهُ.

ــ

قوله: ولا يُغَسِّلُ مُسْلمٌ كافِرًا، ولا يَدْفِنُه، وكذا لا يُكَفِّنُه، ولا يتْبَعُ جِنازَتَه.

وهذا المذهبُ فى ذلك كلِّه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، يجوزُ ذلك. اخْتارَه الآجُرِّىُّ، وأبو حَفْصٍ العُكْبَرِىُّ. قال أبو حَفْصٍ: رَوَاهُ الجَماعَةُ، ولعَلَّ ما رَواه ابنُ مُشَيْشٍ قولٌ قديمٌ، أو يكونُ قَرابَةً بعيدَةً، وإنَّما يُؤْمَرُ بذلك إذا كانتْ قرِيبَةً مثْلَ ما روَاه حَنْبَلٌ. انتهى. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. وعنه، يجوزُ فِعْلُ ذلك به دُونَ غَسْلِه. اخْتارَه المَجْدُ. قال فى «الرِّعايَةِ»: وهو أظْهَرُ. وقدَّمه ابنُ تَميمٍ.

قال المَجْدُ: وهو ظاهرُ كلامِ أحمدَ فى رِوايَةِ حَنْبَلٍ، لا بأْسَ أنْ يَلِىَ قَرابتَه الكافِرَ.

وعنه، يجوزُ دَفْنُه خاصَّةً. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: ذهَب إليه بعضُنا. قال فى «الفُروعِ» : ولعَلَّ المُرادَ، إذا غُسِّلَ، أنَّه كثَوْبٍ نَجِسٍ، فلا يُوَضَّأُ ولا يُنْوَى

ص: 54

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الغَسْلُ، ويُلْقَى فى حُفْرَةٍ. قلتُ: هذا مُتَعَيَّنٌ قَطْعًا. قال ابنُ عَقِيلٍ، وجماعةٌ مِنَ الأصحابِ: وإذا أَرادَ أنْ يَتْبَعَها، ركِب وسارَ أمامَها. قلتُ: قد روَى ذلك الطَّبَرَانِىُّ، والخَلَّالُ مِن حديثِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ، أنَّه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، أمرَ ثابِتَ بنَ قَيْسٍ بذلك، لمَّا ماتَت أمُّه، وهى نَصْرانِيَّةٌ. فيُعايَى بها.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ المُتقدِّمِ، إذا كان الكافرُ قَرابَةً أو زَوْجَةً أو أمَّ وَلَدٍ. فأمَّا إنْ كانتْ أجْنَبِيَّةً، فالصَّحيحُ، أنَّه يُمْنَعُ مِن فِعْلِ ذلك به، قولًا واحِدًا. وسَوَّى فى «التَّبْصِرَةِ» بينَ القَريبِ والأجْنَبِىِّ. قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. وأمَّا غَسْلُ الكافِرِ للمُسْلِمِ، فتَقدَّمَ حُكْمُه فى أوَّلِ الفَصْلِ.

قوله: إلَّا أنْ لا يجدَ مَن يُوارِيه غيرَه. فيَدْفِنَه. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، ومَن تابَعَه: إذا لم يكُنْ له أحَدٌ، لَزِمَنا دَفْنُه، ذِمِّيَّا كان أو حَرْبِيًّا أو مُرْتَدًّا، فى ظاهر كلامِ أصحابِنا. وقال أبو المَعالِى وغيرُه: لا يَلْزَمُنا ذلك. وقال أبو المَعالِى أَيضًا: مَن لا أمانَ له، كمُرْتَدٍّ، فَنَتْركُه طُعْمَةَ الكَلْبِ، وإنْ غَيَّبْناه فكَجِيفَةٍ.

ص: 55

وَإِذَا أَخَذَ فِى غَسْلِهِ، سَتَرَ عَوْرَتَهُ وَجَرَّدَهُ. وَقَالَ الْقَاضِى: يُغَسِّلُهُ فِى قَمِيصٍ خَفِيفٍ، وَاسِعِ الْكُمَّيْنِ،

ــ

قوله: وإذا أخَذ فى غَسْلِه، ستَر عَوْرَتَه. على ما تَقَدَّمَ فى حَدِّها. بلا نِزاعٍ، إلَّا أنْ يكونَ صَبِيًّا صغيرًا دُونَ سَبْعٍ، فإنَّه يُغَسَّلُ مجَردًا بغيرِ سُتْرَةٍ، ويجوزُ مَسُّ عوْرَتِه.

فائدة: يُسْتَحَبُّ أنْ يبدأَ فى الغَسْلِ بِمَن يخافُ عليه، ثمَّ الأقْرَبِ، ثم الأفْضَلِ بعدَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يُقدَّمُ عليه الأسَنُّ. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . وأطْلَقَ الآجُرِّىُّ، يُقَدَّمُ الأخْوَفُ، ثم الفَقِيرُ، ثم مَن سَبق.

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وجَرَّدَه. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. قال الخِرَقِىُّ: فإذا أخَذ فى غَسْلِه، ستَر مِن سُرَّتِه إلى رُكْبَتِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ،

و «المُحَرَّرِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «النَّظْمِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ،

ص: 57

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفائقِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصراه، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ أبِى مُوسى، والشِّيرازِىُّ، وأبو الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ». وقال القاضى: يُغَسَّلُ فى قَميصٍ وَاسِعِ الكُمَّيْن. جزَم به فى «الجامِعِ الصَّغِيرِ» ،

و «التَّعْليقِ» ، والشَّريفُ، وأبو الخَطَّابِ فى «خِلافَيْهما» ، وابنُ البَنَّا، وغيرُهم. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: اخْتارَه القاضى وسائرُ أصحابِه، والمجدُ فى

ص: 58

وَيُسْتَرُ الْمَيِّتُ عَنِ الْعُيُونِ. وَلَا يَحْضُرُهُ إِلَّا مَنْ يُعِينُ فِى غَسْلِهِ.

ــ

«شَرْحِه» ، وابنُ الجَوْزِىِّ. انتهى. وهو الذى ذكَره ابنُ هُبَيْرَةَ عنِ الِإمامِ أحمدَ (1).

وقال الإمامُ أحمدُ: يُعْجِبُنِى أنْ يُغَسِّلَ المَيِّتَ وعليه ثوْبٌ؛ يُدْخِلُ يَدَه مِن تحتِ الثَّوْبِ، فإنْ كان القَمِيصُ ضَيِّقَ الكُمَّيْن، فتَق الدَّخارِيصَ، فإنْ تَعَذَّرَ جَرَّدَه.

قال فى «الفُروعِ» : اخْتارَه جماعةٌ. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». قال فى «البُلْغَةِ»: ولا ينْزِعُ قَميصَه إلَّا أنْ لا يَتَمَكَّنَ، فيَفْتِقَ الكُمَّ، أو رأْسَ الدَّخارِيصِ، أو يُجَرِّدَه ويَسْتُرَ عَوْرَتَه. وأطْلَقَهما فى «المُذْهَبِ» .

قوله: ويُسْتَرُ الميِّتُ عنِ العُيونِ. فيكونُ تحتَ ستْرٍ، كَسَقْفٍ أو خَيْمَةٍ ونحوِ ذلك. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. ونقَل أبو داودَ، يُغَسَّلُ فى بَيْتٍ مُظْلِمٍ.

قوله: ولا يَحْضُرُهْ إلَّا مَن يُعِينُ فى غَسْلِه. ويُكْرَهُ لغيرِهم الحُضورُ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال القاضى، وابنُ عَقِيلٍ: لوَلِيِّه الدُّخولُ عليه كيفَ شاءَ. وما هو ببَعيدٍ.

(1) انظر: الإفصاح، لابن هبيرة 1/ 182.

ص: 59

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْدَاهما، لا يُغَطَّى وَجْهُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، ونقَله الجماعَةُ. وظاهِرُ كلامِ أبِى بَكْرٍ، أنَّه يُسَنُّ ذلك، وأوْمَأ إليه؛ لأنَّه رُبَّما تغَيَّرَ لدَمٍ، أو غيرِه، فيُظَنُّ به السُّوءُ. ونقَل حَنْبَلٌ، إنْ فَعَله أو ترَكه،

ص: 60

ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بِرِفْقٍ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الْجُلُوسِ، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيقًا، وَيُكْثِرُ صَبَّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ،

ــ

فلا بأْسَ. الثَّانيةُ، يُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُه فى كلِّ أحْوالِه. وكذا على مُغْتَسَلِه مُسْتَلْقيًا.

قالَه فى «الفُروعِ» . وقدَّمه، وقال: ونصوصُه، يكونُ كوقْتِ الاحْتِضارِ.

قوله: ثم يَرْفَعُ رَأسَه برِفْقٍ إلى قَريبٍ مِنَ الجلُوسِ، ويَعْصِرُ بَطْنَه عَصْرًا رَفِيقًا، ويُكْثِرُ صَبَّ الماءِ حينَئذٍ. يفْعَلُ به ذلك كلَّ غَسْلَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.

وعنه، لا يفْعلُه إلَّا فى الغَسْلَةِ الثَّانيةِ. وعنه، لا يفْعَلُه إلَّا فى الثَّالثةِ.

تنبيه: مُرادُ المُصَنِّفِ وغيرِه ممَّن أطْلَقَ، غيرُ الحامِلِ، فإَّنه لا يَعْصِرُ بَطْنَها؛

ص: 61

ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِه خِرْقَةً، فَيُنَجِّيهِ بِهَا. وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَتِه، وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَمَسَّ سَائِرَ بَدَنِهِ إِلَّا بِخِرْقَةٍ.

ــ

لئَلَّا يُؤْذِيَ الوَلَدَ. صرَّح به ابنُ تَميمٍ، وصاحِبُ «الحَواشِى» ، وغيرُهما.

قوله: ثم يَلُفُّ على يَدِه خِرْقَةً فَيُنَجِّيهِ. وصِفَتُه، أنْ يَلُفَّها على يَدِه، فيَغْسِلَ بها أحَدَ الفَرْجَيْن، ثم يُنَجِّيَه، ويأْخذَ أُخْرَى للفَرْجِ الآخَرِ. وفى «المُجَرَّدِ» ، يكْفِى خِرْقَةٌ واحدةٌ للفَرْجَيْن. وحُمِل على أنَّها غُسِلَتْ وأُعِيدَتْ.

تنبيه: قوله: ولا يحِلُّ مَسُّ عَوْرَتِه. ولا النَّظَرُ إليها. يعْنِى، إذا كان المَيِّتُ

ص: 62

ثُمَّ يَنْوِى غَسْلَهُ، وَيُسَمِّى،

ــ

كبيرًا، فإنْ كان صغيرًا فقد تقدَّم قرِيبًا.

قوله: ويُسْتَحَبُّ أنْ لا يمسَّ سائرَ بدَنِه إلَّا بخِرْقَةٍ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: بَدَنُه كلُّه عَوْرَةْ إكْرامًا له، مِن حيثُ وجَب سَتْرُ جَميعِه، فيَحْرُمُ نظره. ولم يَجُزْ أنْ يحْضُرهُ إلَّا مَن يُعِينُ على أمْرِه. وهو ظاهِرُ كلامِ أبِى بَكْرٍ. وقال فى «الغُنْيَةِ» كقولِ الأصحابِ، مع أنَّه قال: جميعُ بَدَنِه عورَةٌ؛ لوُجوبِ سَتْرِ جميعِه.

قوله: ثم يَنْوِى غَسْلَه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ النِّيَّةَ لغَسْلِه فَرْضٌ. قال فى «الفُروعِ»: فرْضٌ على الأصَحِّ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : فرْضٌ فى ظاهرِ

ص: 63

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، وعليه الجمهورُ. وصحَّحَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وابنُ تَميمٍ. وجزَم به فى «الكافِى» ، وغيرِه، وابنُ حَمْدانَ، وغيرُهم. وعنه، ليستْ بفَرْضٍ.

وذكَرها القاضى وَجْهًا. قال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» : اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ أبِى مُوسى. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ؛ لحُصولِ تَنْظيفِه بدُونِها، وهو المقْصودُ.

وأطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الفائقِ». وقيل: إنْ قُلْنا: يَنْجُسُ بمَوْتِه، صحَّ غَسْلُه بلا نِيَّةٍ. ذكَرَه فى «الرِّعايَةِ» .

فائدة: لا يُعْتَبَرُ نَفْسُ فِعْلِ الغَسْلِ فى أصحِّ الوَجْهَيْن. اخْتارَه المَجْدُ. وهو ظاهرُ ما قدَّمه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . قال فى «الحَواشِى» : وهو ظاهرُ ما ذكَرَه الشَّيْخُ وغيرُه. والوَجْهُ الثَّانِى، يُعْتَبَرُ. قال ابنُ تَميمٍ: وهو ظاهرُ كلامِه. قال فى «التَّلْخيصِ» : ولابُدَّ مِن إعادةِ غَسْلِ الغَريقِ على الأظْهَرِ. فظاهِرُه اعْتِبارُ الفِعْلِ.

قالَه فى «الحَواشِى» ، وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . فعلى الأوَّلِ، لو تُرِكَ المَيِّتُ تحتَ مِيزابٍ، أو أنْبُوبَةٍ، أو مطرٍ، أو كان غرِيقًا، فحَضَر مَن يصْلُحُ لغَسْلِه ونوَى غَسْلَه، إذا اشْتَرَطْناها، ومضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ غَسْلُه فيه، أجْزَأ ذلك. وعلى الثَّانِى، لا تُجْزِئُه. وإذا كان المَيِّتُ ماتَ بغَرَقٍ أو بمطرٍ، فقال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: يجِبُ تَغْسِيلُه، ولا يُجْزِئُ ما أصابَه مِنَ الماءِ. نصَّ عليه. قال المَجْدُ: هذا إنِ اعْتَبَرْنا الفِعْلَ أو لم يكُنْ

ص: 64

وَيُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ مَبْلُولَتَيْنِ بِالْمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفِى مَنْخَرَيْهِ فَيُنَظِّفُهُمَا، وَيُوَضِّئُهُ، وَلَا يُدْخِلُ الْمَاءَ فِى فِيهِ وَلَا أَنْفِه،

ــ

ثَمَّ مَنْ نَوَى غَسْلِه فى ظاهرِ المذهبِ. قال: ويتَخَرَّجُ أنْ لا حاجةَ إلى غَسْلِه إذا لم يُعْتَبَرِ الفِعْلُ ولا النِّيَّةُ. وقال فى «الفائقِ» : ويجِبُ غَسْلُ الغَريقِ، على أصحِّ الوَجْهَيْن.

ومأْخَذُهما وُجوبُ الفِعْلِ.

قوله: ويُسَمِّى. حُكْمُ التَّسْمِيَةِ هنا، فى الوُجوبِ وعدَمِه، حُكْمُها فى الوُضوءِ والغُسْلِ. على ما تقدَّمَ فى بَابِها.

قوله: ويُدْخِلُ إِصْبَعَيْه. مَبْلولَتَيْن بالماءِ بينَ شَفَتَيه، فيَمْسَحُ أسْنانَه، وفى مَنْخَرَيْه فيُنَظِّفُهما. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ

ص: 65

وَيَضْرِبُ السِّدْرَ، فيَغْسِلُ برَغْوَتِهِ رَأْسَه ولِحْيَتَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ،

ــ

منهم. وقيل: يفْعَلُ ذلك بخِرْقَةٍ خَشِنَةٍ مبْلولةٍ، أو بقُطْنَةٍ يَلُفُّها على الخِلالِ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: هذا الأوْلَى. نصَّ عليه، واقْتَصَرَ عليه. وكذا الزَّرْكَشِىُّ. وقال ابنُ أبِى مُوسى: يَصُبُّ الماءَ على فِيه وأنْفِه، ولا يُدْخِلُه فيهما.

فائدة: فعْلُ ذلك مُسْتَحَبٌّ لا واجِبٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قالَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، وغيرِه. قال الزَّرْكَشِىُّ: هو قوْلُ أحمدَ. وعامَّةِ أصحابِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه.

وصحَّحَه فى «الفائقِ» وغيرِه. وقيل: واجبٌ. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ فى «الخِلافِ» ، وكالمَضْمَضَةِ.

فائدة: يُسْتَحَبُّ أنْ يكونَ ذلك بخِرْقَةٍ. نصَّ عليه.

قوله: ويُوَضِّئُه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ وُضوءَه مُسْتَحَبٌّ لا واجِبٌ.

وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ لقِيامِ مُوجبِه، وهو زَوالُ عَقْلِه. وقيل: واجِبٌ. وهو ظاهِرُ كلامِ القاضى فى مَوْضِعٍ مِن «تَعْلِيقِه» ، وابنِ الزَّاغُونِىِّ.

قوله: ويَضْرِبُ السِّدْرَ، فيَغْسِلُ برَغْوَتِه رأسَه ولِحْيَتَه. بلا نِزاعٍ.

وقوله: وسائرَ بَدَنِه. هو اخْتِيارُ المُصَنِّفِ، وجماعَةٍ مِنَ الأصحابِ. وهو الذى ذكَره ابنُ هُبَيْرَةَ عن الإمامِ أحمدَ. وجزَم به فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ،

ص: 66

ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ الْأَيْسَرَ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا،

ــ

و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يغْسِلُ برَغْوَةِ السِّدْرِ إلَّا رأْسَه ولحْيَتَه فقط. واقْتَصَرَ عليه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما.

وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . واخْتارَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وإذا ضرَب السِّدْرَ وغسَل برَغْوَتِه رأْسَه ولحْيَتَه، أو رأْسَه ولحْيَتَه وسائرَ بَدَنِه، وأرادَ أنْ يُغَسِّلَه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يجْعَلُ السِّدْرَ فى كلِّ مرَّةٍ مِنَ الغَسَلاتِ. نصَّ عليه. قال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» (1)، والشَّارِحُ، والزَّرْكَشِىُّ: ومنْصوصُ أحمدَ،

والخِرَقِىِّ، أنَّ السِّدْرَ يكونُ فى الغَسَلاتِ الثَّلاثِ. وجزَم به الخِرَقِىُّ وغيرُه.

وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : وهو ظاهرُ كلامِ

(1) 3/ 375.

ص: 67

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّفِ هنا؛ لقولِه: يفْعَلُ ذلك ثلَاثًا. بعدَ ذِكْرِ السِّدْرِ وغيرِه. ونقَل حَنْبَلٌ، يُجْعَلُ السِّدْرُ فى أوَّلِ مرَّةٍ. اخْتارَه جماعةٌ؛ منهم أبو الخَطَّابِ. وعنه، يُجْعَلُ السِّدْرُ فى الأولَى والثَّانيةِ، فيكونُ فى الثَّالثةِ الكافورُ. ونقَل حَنْبلٌ أَيضًا، ثلَاثًا بسِدْرٍ، وآخِرُها بماءٍ. وقال بعضُ الأصحابِ: يُمَرِّخُ جسَدَه كلَّ مرَّةٍ بالسِّدْرِ، ثم

ص: 68

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يصُبُّ عليه الماءَ بعدَ ذلك ويُدَلِّكُ. قال فى «الفُروعِ» : ويُمَرِّخُ بسِدْرٍ مَضْروبٍ أوَّلًا. وأمَّا صِفَةُ السِّدْرِ مع الماءِ، فقال الخِرَقِىُّ: يكونُ فى كلِّ المياهِ شئٌ مِنَ السِّدْرِ. قال فى «المُغْنِى» (1)، و «الزَّرْكَشِىِّ»: هذا المنْصوصُ عن أحمدَ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، لا يُشْتَرَطُ كوْنُ السِّدْرِ يسِيرًا، ولا يجِبُ الماءُ القَراحُ بعدَ ذلك. قال: وهو ظاهرُ كلامِ أحمدَ فى الأوَّلِ، ونصُّه فى الثَّانِى.

قال فى «الفُروعِ» : وقيل: يُذَرُّ السِّدْرُ فيه وإنْ غَيَّرَه. وقال فى «المُغْنِى» (2): وذهَب كثيرٌ مِنَ المُتَأخِّرين مِن أصحابِنا، أنَّه لا يُتركُ مع الماءِ سِدْرٌ يُغَيِّرُه. ثم

(1) 3/ 375.

(2)

3/ 376.

ص: 69

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اخْتَلَفوا؛ فقالَ ابنُ حامِدٍ: يُطْرَحُ فى كلِّ الماءِ شئٌ يسِيرٌ مِنَ السِّدْرِ لا يغَيِّرُه.

وقال: الذى وَجدْتُ عليه أصحابَنا، أنَّه يكونُ فى الغَسْلَةِ وَزْنُ دِرْهَمٍ ونحوُه مِنَ

السِّدْرِ، فإنَّه إذا كان كثيرًا سلَبه الطُّهُورِيَّةَ. وقال القاضى، وأبو الخطَّابِ، وطائفةٌ ممَّن تبِعَهُما: يُغَسَّلُ أوَّلَ مرَّةٍ بثُفْلِ السِّدْرِ، ثم يُغَسَّلُ بعدَ ذلك بالماءِ القَراحِ، فيكونُ الجميعُ غَسْلَةً واحدةً، والاعْتِدادُ بالآخِرِ دُونَ الأوَّلِ، سواءٌ زالَ

ص: 70

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السِّدْرُ أو بَقِىَ منه شئٌ. وقال الآمِدِىُّ: لا يُعْتَدُّ بشئٍ مِنَ الغَسَلاتِ التى فيها

السِّدْرُ فى عَدَدِ الغَسَلاتِ.

فائدة: يقومُ الخِطْمِىُّ ونحوُه مقامَ السِّدْرِ.

قوله: ثم يَغْسِلُ شِقَّه الأيمنَ، ثم الأيسَرَ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وقيل: يبدَأْ فى غَسْلِ شِقِّه الأيْمنِ بصَفْحَةِ عُنُقِه، ثم بالكَتِفِ إلى الرِّجْلِ، ثم الأيْسَرِ كذلك، ثم يرْفَع جانِبَه الأيمنَ ويغْسِلُ ظهْرَه ووَرِكَه وفَخِذَه، ويفْعَلُ بجانبِه الأيسَرِ كذلك. ذكَره القاضى. وهو الذى فى «الكافِى» ، و «مُخْتَصرِ ابنِ تَميم» ، وغيرِهما. قال فى «الحَواشِى»: وهو أشْبَهُ بفِعْلِ الحَىِّ. وقال فى «الرِّعايَةِ» : وقيل: لا يغْسِلُ الأيْسَرَ قبلَ إكْمالِ غَسْلِ الأيمَنِ.

فائدة: يُقَلِّبُه على جَنْبِه مع غَسْلِ شِقَّيْه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. وقيل:

يُقَلِّبُه بعدَ غَسْلِهما.

قوله: يَفْعَلُ ذلك ثلاًثا. يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مُرادُه ذلك مع الوُضوءِ. وهو أحدُ

الوَجْهَيْن. قال فى «الفُروعِ» : وحُكِىَ روايةً. قال ابنُ تَميمٍ: وعنه، يُوَضَّأُ لكُلِّ غَسْلَةٍ. واخْتارَه ابنُ أبِى مُوسى. وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» . ويَحْتَمِلُ أنَّ

ص: 71

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُرادَه بالتَّثليثِ، غيرُ الوُضوءِ. وهو الوَجْهُ الثَّانِى، وهو المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحاب، فلا يُوَضَّأُ إلَّا أوَّلَ مرَّةٍ، إلَّا أنْ يخْرُجَ منه شئٌ، فيُعادَ

وُضُوءُه. قالَه الإِمامُ أحَمدُ.

فائدة: يُكْرَهُ الاقْتِصارُ فى غَسْلِه على مرَّةٍ واحدةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.

ص: 72

يُمِرُّ فِى كُلِّ مَرَّة يَدَهُ، فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِالثَّلَاث،. أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَىْءٌ، غَسَّلَهُ إِلَى خَمْسٍ، فَإِنْ زَادَ فَإِلَى سَبْعٍ،

ــ

وعنه، لا يُعْجِبُنِى ذلك.

قوله: ويُمِرُّ فى كلِّ مرةٍ يَدَه. وهو المذهبُ. جزَم به ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ،

و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم. وعنه، يفْعَلُ ذلك عَقِبَ الثَّانيةِ.

نقَله الجماعةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ؛ لأنَّه يلينُ فهو أمْكَنُ. وعنه، يفْعَلُ ذلك عَقِبَ

الثَّالثةِ. وقيلَ: هل يُمِرُّ يدَه ثلاًثا، أو مرَّتَيْن، أو مرَّةً؟ فيه ثلَاثةُ أوْجُهٍ.

قوله: فإنْ لم يُنَقَّ بالثَّلاثِ، أو خرَج مِنه شئٌ، غسَّله إلى خَمْسٍ، فإنْ زادَ فإلى

سَبْعٍ. ذكَر المُصَنِّفُ هنا مسْألتَيْن؛ إحْدَاهما، إذا يُنَقَّ بالثَّلاثِ، غُسِّلَ إلى

ص: 73

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خَمْسٍ، فإنْ لم يُنَقَّ بالخَمْسِ، غُسِّلَ إلى سَبْعٍ. فظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا

يُزادُ على سَبْعٍ. ونقَله الجماعةُ عنِ الإمامِ أحمدَ. قال فى «الفُروعِ» : وجزَم به

جماعةٌ. قال الزَّرْكَشِىُّ: نصَّ عليه أحمدُ، والأصحابُ. ونقَل أبو

طالِبٍ، لا تجوزُ الزِّيادةُ. ونقَل ابنُ وَاصِل، يُزادُ إلى خَمْسٍ. والصَّحيحُ مِنَ

المذهبِ، أنَّه يُزادُ على سَبْعٍ إلى أنْ يُنَقَّى. ويقْطَعُ على وِتْر. قدَّمه في «الفُروعِ» ،

وجزَم به فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» . وقال: إنَّما يذْكُرُ أصحابُنا ذلك لعدَمِ

ص: 74

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الاحْتِياجِ إليه غالِبًا، ولذلك لم يُسَمِّ عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، فوْقَها عَدَدًا.

وقولُ أحمدَ: لا يُزادُ على سَبْعٍ. محْمولٌ على ذلك، أو على ما إذا غُسِلَ غَسْلًا مُنْقِيًا إلى سَبْعٍ، ثم خرَجَتْ منه نَجاسَة. انتهى. قلتُ: قد ثبَت فى «صَحِيحِ

البُخارِيِّ»، فى بعضِ رِواياتِ حديثِ أمِّ عَطِيَّةَ: «اغْسِلْنَها ثَلاًثا، أو خَمْسًا، أو

سَبْعًا، أو أكْثَرَ مِن ذلك إنْ رَأيْتُنَّ ذَلِكَ». الثَّانيةُ، إذا خرَج منه شئٌ بعدَ الثَّلاثِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُغَسَّلُ إلى خَمْسٍ، فإنْ خرَج منه شئٌ بعدَ ذلك، فإلى سَبْعٍ. نصَّ عليه. قال المَجْدُ، وصاحبُ «مَجْمَع البَحْرَيْن» ،

و «الفُروعِ» : اخْتارَه الأكثرُ. قال الزَّرْكَشِىّ: وعليه الجمهورُ. وقدَّمه فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» . قال ابنُ عَقِيل فى «الفُصولِ» : لا يخْتلِفُ المذهبُ فيه؛ لأنَّ هذا الغَسْلَ وجَب لزَوالِ عقْلِه، فقد وجَب بما لا يوجبُ الغُسْلَ، فجازَ أنْ يبْطُلَ

بما تبْطُلُ به الطَّهارةُ الصُّغْرى، بخِلافِ غُسْلِ الجَنابَةِ؛ لأنَّه ليس بمُمْتنعٍ أنْ يبْطُلَ الغُسْلُ بما لا يوجبُ الغُسْلَ، كخَلْع الخُفِّ لا يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلِ، وتُنْقَضُ الطَّهارَةُ به. انتهى. مع أنَّ صاحبَ «الفُروعِ» وغيرَه قطَعوا، أنَّ غَسْلَ المَيِّتِ تعَبُّدِى لا يُعْقَلُ مَعْناه. وقال أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيل: لا تجِبُ إعادةُ غَسْلِه بعدَ الثَّلاثِ، بل تُغْسَلُ النَّجاسَةُ ويُوَضَّأُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . ويأْتِى إذا خرَج منه شئٌ بعدَ السَّبْع قرِيبًا.

فائدة: لو لمسَتْه أُنْثَى لشَهْوَةٍ، وانْتقَضَ طُهْرُ المَلْمُوس، غُسِّلَ على قوْلِ أبِى

ص: 75

وَيَجْعَلُ فِى الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ كَافُورًا.

ــ

الخَطَّابِ ومَن تابعَه. فيُعابَى بها. وعلى المذهبِ، يُوَضَّأُ فقط. ذكَرَه أبو المَعالِى.

فائدتان؛ إحْداهما، قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: لفْظُ المُصَنِّفِ وإطْلاقُه يعُمُّ الخارِجَ النَّاقِضَ مِن غيرِ السَّبِيلَيْن، وأنَّه يُوجِبُ إعادَةَ غَسْلِه. وقد نصَّ عليه فى رِوايَةِ الأَثْرَمِ. ونقَل عنه أبو داودَ، أنَّه قال: هو أسْهَلُ. فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ، لا يُعادُ الغَسْلُ مِن ذلك؛ لأنَّ فى، كوْنِه حدَثًا مِنَ الحَىِّ خِلافًا، فنَقَصَتْ رُتْبَتُه عن المُجْمَعِ عليه هنا. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ، لا يُعادُ الغَسْلُ مِن يسيرِه، كما يُنْقَضُ وُضوءُ الحَىِّ.

انتهى. وقدَّم الرِّوايةَ الأُولَى ابنُ تَميمٍ، والزَّرْكَشِيُّ. الثَّانيةُ، يجِبُ الغَسْلُ بمَوْتِه. وعلَّلَه ابنُ عَقِيلٍ بزَوالِ عقْلِه. وتجِبُ إعادَتُه إذا خرَج مِنَ السَّبِيلَيْن شئٌ.

وكذا لو خرَج مِن غيرِ السَّبِيلَيْن، على رِوايَةِ الأَثْرَمِ المُتقدِّمَةِ، وجميعُ ذلك مِن مُوجِباتِ الوُضوءِ لا غيرُ. فيُعابَي بهِنَّ.

قوله: ويَجْعَلُ فى الغَسْلَةِ الأخِيرَةِ كَافُورًا. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقيل: يجْعَلُ الكافُورَ فى كلِّ الغَسَلاتِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. فعلى المذهبِ، يكونُ مع الكافُورِ سِدْرٌ. على الصَّحيحِ. نَقَلَه الجماعةُ عَنِ الإِمامِ أحمدَ. قال الخَلَّالُ: وعليه العمَلُ. واخْتارَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» . وقيل: يُجْعَلُ

ص: 76

وَالْمَاءُ الْحَارُّ، وَالْخِلَالُ، وَالْأُشْنَانُ يُسْتَعْمَلُ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ.

ــ

وحدَه فى ماءٍ قَراحٍ. اخْتارَه القاضى. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمً» .

قوله: والماءُ الحارُّ، والخِلَالُ، والأُشْنَانُ، يُسْتَعْملُ إنِ احْتِيجَ إليه. إذا احْتِيجَ إلى شئٍ مِن ذلك، فإنَّه يُسْتَعْمَلُ مِن غيرِ خِلافٍ بلا كَراهَةٍ. ومَفْهومُه، أنَّه إذا لم يُحْتَجْ إليه أنَّه لا يسْتَعْمِلُه، فإنِ اسْتَعْمَلَه كُرِهَ فى الخِلالِ والأُشْنانِ بلا نِزاعٍ، ويكْرَهُ فى الماء الحارِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأنَّه مُوجبُه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، لا يُكْرَهُ. واسْتَحَبَّه ابنُ حامِدٍ.

ص: 77

وَيَقُصُّ شَارِبَهُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَلَا يُسَرِّحُ شَعَرَهُ، وَلَا لِحْيَتَهُ.

ــ

فائدة: لا بأْسَ بغَسْلِه فى الحَمَّامِ. نقَلَه مُهَنَّا.

فائدة: قوله: ويَقُصُّ شَارِبَه. بلا نِزاعٍ، وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وللشَّافِعِىِّ قوْلٌ كذلك.

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ويُقَلِّمُ أظْفَارَه. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، لا يُقَلِّمُها. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ. وأطْلقَهما فى «المُغْنِى» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوِيَيْن». وقيل: إنْ طالَتْ وفَحُشَتْ أُخِذَتْ، وإِلَّا فلا.

فوائد؛ إحْدَاها، يأْخُذُ شَعَرَ إِبِطَيْه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الفائقِ» وغيرِه. قدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يأْخُذُه. وقيل: إنْ فَحُشَ أخَذَه، وإلَّا فلا. الثَّانيةُ، لا يأْخُذُ شَعَرَ عانَتِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، والمُصَنِّفِ، وغيرِهما. وصحَّحَه المُصَنِّفُ في «المُغْنِى» ،

ص: 79

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. وعنه، يأْخُذُه. اخْتارَه القاضى فى «التَّعْليقِ» . وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «إدْرَاكِ الغَايَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه ابنُ تَميمٍ، و «الحاوِيَيْن». قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا اخْتِيارُ الجمهورِ. وأطْلَقَهمَا فى «الرِّعايتَيْن» ، و «النَّظْمِ» . وعنه، إنْ فَحُشَ أخَذَه، وإلَّا فلا. وقال أبو المَعالِى: ويأُخُذُ ما بينَ فَخِذَيْه. فعلى رِوايَةِ جَوازِ أخْذِه، يكونُ بنُورَةٍ؛ لتَحْريم النَّظَر. قال فى «الفُصولِ»: لأَنَّها أسْهَلُ مِنَ الحلْقِ بالحديدِ. واخْتارَه القاضى.

ص: 80

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: يُؤْخَذ بحلْقٍ أو قَصٍّ. قدَّمه ابنُ رَزِين فى «شَرْحِه» ، و «حَواشِى ابنِ مُفْلحٍ». وقال: نصَّ عليه. قلتُ: وهو المذهبُ؛ فإنَّ أحمدَ نصَّ عليه فى رِوايَةِ حَنْبَل، وعليه المُصَنِّفُ والشَّارِحُ. وأطْلَقَهما فى «الفُروِعِ» ، و «الرِّعايَةِ» .

وظاهِرُ «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، «والزَّرْكَشِىِّ» ، إطْلاقُ الخِلافِ.

وقيل: يُزالُ بأحَدِهما. قال ابنُ تَميمٍ: ويُزالُ شَعَرُ عانَتِه بالنُّورَةِ، أو بالحَلْقِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . وعلى كلِّ قوْلٍ، لا يُباشِرُ ذلك بيَدِه، بل يكونُ عليها حائلٌ. وكُلُّ ما أُخِذَ، فإنَّه يُجْعَلُ مع

المَيِّتِ، كما لو كان عُضْوًا سقَط منه، ويُعادُ غَسْلُ المَأْخُوذِ. نصَّ عليه؛ لأنَّه جُزْءٌ منه كعُضْوٍ. قال فى «الفُروعِ»: والمُرادُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُه. الثَّالثةُ، يحْرُمُ خَتْنُه.

بلا نِزاعٍ فى المذهبِ. الرَّابعةُ، يحْرُمُ حلْقُ رأْسِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «الرِّعايتَيْن»: ولا يحْلِقُ رأْسَه فى الأصحِّ. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، والمُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: ظاهرُ كلامِ جماعَةٍ، يُكْرَهُ. قال: وهو أظْهَرُ. قال المَرُّوذِىُّ: لا يُقَصُّ. وقيلَ:

ص: 81

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُحْلَقُ. وجزَم به فى «التَّبْصَرَةِ» . الخامسةُ، يُسْتَحَبُّ خِضَابُ شَعَرِ المَيِّتِ بحِنَّاءٍ. نصَّ عليه. وقيل: يُسْتَحَبُّ للشَّائبِ دُونَ غيرِه. اخْتارَه المَجْدُ، وحمَل نَصَّ أحمدَ عليه. وقال أبو المَعالِى: يُخَضَّبُ مَن كان عادَتُه الخِضَابَ فى الحَياةِ.

قوله: ولا يُسَرِّحُ شَعَرَه، ولا لِحْيَتَه. هكذا قال الِإمامُ أحمدُ. قال القاضى:

ص: 82

وَيُضْفَرُ شَعَرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وُيَسْدَلُ مِنْ وَرَائِهَا،

ــ

يُكْرَهُ ذلك. وقيل: لا يُسَرَّحُ الكَثِيفُ. واسْتَحَبَّ ابنُ حامِدٍ، يُمْشَطُ بمُشْطٍ واسِع الأسْنانِ.

تنبيه: محَلُّ ما تقدَّم مِن ذلك كلِّه، فى غيرِ المُحْرِمِ، فأمَّا المُحْرِمُ، فإنَّه لا يَأْخُذُ منه شيئًا ممَّا تقدَّم، على ما يأْتِى قريبًا.

قوله: ويُضْفَرُ شَعَرُ المَرْأةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، ويُسْدَلُ مِن وَرَائِها. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال أبو بَكْرٍ: يُسْدَلُ أمامَها.

ص: 83

ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ. فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَىْءٌ بَعْدَ السَّبْعِ حَشَاهُ بالْقُطْنِ،

ــ

قوله: ثم يُنَشِّفُه بِثَوْبٍ. لِئَلَّا يَبْتَلَّ كفَنُه. وقال فى «الوَاضِحِ» : لأنَّه سُنَّةٌ للحَىِّ فى رِوايَةِ. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال. وفى «الوَاضِحِ» أيضًا، لأَنَّه مِن كَمالِ غُسْلِ الحَىِّ. واعلمْ أنَّ تَنْشِيفَ المَيِّتِ مُسْتَحَبٌّ، وقطَع به الأكثرُ.

وذكرَ فى «الفُروعِ» ، فى أثْناءِ غَسْلِ المَيِّتِ، رِوايةً بكَراهَةِ تَنْشِيفِ الأعْضاءِ، كدَمِ الشَّهيدِ. وفى «الفُصولِ» ، فى تَعْليلِ المَسْألَةِ، ما يدُلُّ على الوُجوبِ.

فائدة: لايتَنَجَّسُ ما نُشِّفَ به. نصَّ عليه. وقيل: يَتَنَجَّسُ.

قوله: فإنْ خرَج مِنه شَئٌ بعدَ السَّبْعِ حَشَاه بِالقُطْنِ، فإنْ لم يَسْتَمْسِكْ فَبِالطِّينِ

ص: 84

فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَبِالطِّينِ الْحُرِّ، يُغْسَلُ الْمَحَلُّ، وَيُوَضَّأُ.

ــ

الحُرِّ. إذا خرَج منه بعدَ السَّبْعِ شئٌ، سَدَّ المَكانَ بالقُطْنِ والطِّينِ الحُرِّ، ولا يُكْرَهُ حَشْوُ المَحَلِّ إنْ لم يَسْتَمْسِكْ بذلك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعنه، يُكْرَهُ.

حَكاها ابنُ أبى مُوسى. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ.

قوله: ثم يُغْسَلُ المَحَلُّ، ويُوضَّأْ. ولا يُزادُ على السَّبْعِ، رِوايَةً واحدةً. لكنْ إنْ خرَج شئٌ غُسِلَ المَحَلُّ. قال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن»: قلتُ: فإنْ لم يَعْدُ الخارجُ موْضِعَ العادَةِ، فقِياسُ المذهبِ، أنَّه لا يُجْزِئُ فيه الاسْتِجْمارُ.

قوله: ويُوَضَّأُ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يُوَضَّأُ؛ للمَشَقَّةِ والخَوْفِ عليه. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وهما رِوايَتان منْصُوصَتان.

تنييه: قال ابنُ مَنَجَّى فى «شَرْحِه» : لم يتَعرَّضِ المُصَنِّفُ إلى أنَّه يُلْجْمُ المَحَلَّ بالقُطْنِ، فإنْ لم يمنَعْ، حشَاه به. قال: وصرَّح به أبو الخَطَّابِ، وصاحِبُ

ص: 85

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«النَّهايَةِ» فيها، يعْنِى به أبا المَعالِى، وجزَم به فى «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» .

قوله: وإنْ خرَج مِنه شَىْءٌ بعدَ وضْعِهِ فى أكْفَانِهِ، لَمْ يَعُدْ إلى الغَسْلِ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: هذا هو المشْهورُ عن أحمدَ، وهو أصحُّ. وعنه، يُعادُ غَسْلُه، ويُطَهَّرُ كفَنُه. وعنه، يُعادُ غَسْلُه، إنْ كان غُسِّلَ دُونَ سَبْعٍ. وعنه، يُعادُ غَسْلُه مِنَ الخارِجِ، إذا كان كثيرًا قبلَ تَكْفينِه وبعدَه. وصحَّحه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». قال الزَّرْكَشِىُّ: وهى أنَصُّها. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. وأطْلقَهما فى «المُحَرَّرِ» . وعنه، خرُوجُ الدَّمِ أيْسَرُ.

وتقدَّم الاحْتِمالُ فى ذلك.

ص: 86

وَيُغَسَّلُ الْمُحْرِمُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَلَا يُلْبَسُ الْمَخِيطَ، وَلَا يُخَمَّرُ رَأسُهُ، وَلَا يُقْرَبُ طِيبًا.

ــ

قوله: ويُغَسَّلُ المُحْرِمُ بِماءٍ وسِدْرٍ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يُصَبُّ عليه الماءُ ولا يُغَسَّلُ كالحَلَالِ؛ لِئَلَّا يَتَقَطَّعَ شَعَرُه.

ص: 87

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: مفْهومُ قولِه: ولا يُخَمَّرُ رأْسُه. أنَّه يُغَطَّى سائِرَ بَدَنِه، فيُغَطِّى رِجْلَيْه.

وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونقَل حَنْبَلٌ المَنْعَ مِن تَغْطِيَةِ رِجْلَيْه. جزَم به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «العُمْدَةِ» ، و «التَّلْخيصِ». قال الخَلَّالُ: هو وَهْمٌ مِن ناقِلِه. وقال: لا أعْرِفُ هذأ فى الأحاديثِ، ولا روَاه أحَدٌ عن أبِى عبدِ اللهِ غيرُ حَنْبَلٍ. وهو عندِى وَهْمٌ مِن حَنْبَلٍ. والعَمَلُ على أنَّه يغَطىِّ جميعَ بدَنِ المُحْرِمِ إلَّا رأْسَه؛ لأنَّ الإحْرامَ لا يتَعَلَّقُ بالرِّجْلَيْن، ولهذا لا يُمْنَعُ مِن تَغْطِيَتهما فى حَياتِه، فهكذا بعدَ ممَاتِه. وأطْلقَهما ابنُ تَميمٍ. قال الزَّرْكَشِيُّ: قلتُ: فلا يقالُ: كلامُ الخِرَقِيِّ خرَج على المُعْتادِ؛ إذْ فى الحديثِ، أنَّه يُكَفَّنُ فى ثَوْبَيْه، أى الإزَارُ والرِّداءُ.

ص: 88

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والعادةُ أنَّه لا يُغَطىِّ مِن سُرَّتِه إلى رِجْلَيْه. انتهى. وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : يمْكِنُ تَوْجِيهُ تَحْريمٍ، أنَّ الإحْرامَ يحرِّمُ تغْطِيَةَ قَدَمَىِ الحَيِّ بما جرَتْ به العادَةُ، كالخُفِّ والجَوْرَبِ والْجُمجُمِ ونحوِه، وقد اسْتَيْقَنَّا تحْريمَ ذلك بعدَ المَوْتِ، مع كوْنِه ليس بمُعْتادٍ فيه، وإنَّما المُعْتادُ فيه، سَتْرُهما بالكَفَنِ، فكان التَّحْرِيمُ أوْلَى.

انتهى. ومفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ أيضًا، أنَّه يغَطىِّ وَجْهَه وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، والمشْهورُ مِنَ الرِّوايتَيْن، بِناءً على أنَّه يجوزُ تَغْطِةُ وَجْهِه فى حالِ حَياتِه.

وعنه، لا يُغَطىَّ وَجْهُه. وأطْلَقَهما ابنُ تَميم.

فوائد؛ إحْدَاها، يُجَنَّبُ المُحْرِمُ المَيِّتُ ما يُجَنَّبُ فى حَياتِه لبَقَاءِ الإِحْرامِ، لكنْ لا يجِبُ الفِداءُ على الفاعِلِ به ما يُوجِبُ الفِدْيَةَ لو فَعَلَه حيًّا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: تجِبُ عليه الفِدْيَةُ. وقال فى «التَّبصِرَةِ» : يسْتُرُ على نفْسِه

ص: 89

وَالشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ، إِلَّا أنْ يَكُونَ جُنُبًا،

ــ

بشئٍ. الثَّانيةُ، قال فى «الفُروعِ»: وظاهرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، والأصحابِ، أنَّ بقِيَّةَ كفَنِه كحَلالٍ. وذكَر الخَلَّالُ عن أحمدَ، أنَّه يُكَفَّنُ فى ثَوْبَيْه لا يُزادُ عليهما.

واخْتارَه الخَلَّالُ. ولعَلَّ المُرادَ، يُسْتَحَبُّ ذلك، فيكونُ كما ذكَرَه صاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، وغيرُه. وذكَر فى «المُغْنِى» وغيرِه، الجوازَ. انتهى.

تنبيه: هذا كلُّه فى أحْكامِ المُحْرِمِ، فأمَّا إنْ كان المَيِّتُ امْرأَةً، فإنَّه يجوزُ إلْبَاسُها المَخِيطَ، وتُجنَّبُ ما سِوَاه، ولا يُغَطىَّ وَجْهُها، رِوايةً واحدةً. قالَه فى «مَجْمعِ البَحْرَيْن» . الثَّالثةُ، لا تُمْنَعُ المُعْتَدَّةُ إذا ماتَتْ مِنَ الطِّيبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: تُمْنَعُ.

قوله: والشَّهِيدُ لا يُغَسَّلُ. سواءٌ كان مُكَلَّفًا أو غيرَه. وكلامُ المُصَنِّفِ وغيرِه مِنَ الأصحابِ، يَحْتَمِلُ أنَّ غَسْلَه مُحَرَّمٌ، ويَحْتَمِلُ الكراهَةَ. قطع أبو المَعالِى

ص: 90

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالتَّحْريمِ. وحُكِىَ رِوايةً عن أحمدَ. وقال فى «التَّبْصِرَةِ» : لا يجوزُ غَسْلُه. وقال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» : قلتُ: لم. أَقِفْ على تَصْريحٍ لأصحابِنا، هل غَسْلُ الشَّهيدِ حَرامٌ أو مَكْروةٌ؟ فيَحْتَمِلُ الحُرْمَةَ؛ لمُخالَفَةِ الأمْرِ. انتهى.

ص: 91

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: إلَّا أنْ يَكُونَ جُنُبًا. يعْنِى، فيُغَسَّلُ. وهو المذهبُ، وعليه الجمهورُ.

وعنه، لا يُغَسَّلُ أيضًا.

فوائد؛ إحْدَاها، حُكْمُ مَن. طَهُرَتْ مِنَ الحَيْضِ والنِّفاسِ حُكْمُ الجُنُبِ، خِلافًا ومذهبًا. وكذا كلُّ غُسْل وجَب قبلَ القَتْلِ، كالكافرِ يُسْلِمُ ثم يُقْتَلُ. وقيلَ فى الكافرِ: لا يُغسَّلُ، وإنْ غُسِّلَ غيرُه. وصحَّحه ابنُ تَميمٍ. وقدَّمهْ فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قال فى «الفُروعِ»: ولا فَرْقَ بينَهم. وأمَّا إذا ماتَتْ فى أثْناءِ حيْضِها أو نِفاسِها، فقد سَبَقَتِ المَسْأَلةُ فى بابِ الغُسْلِ. فعلى المذهبِ فى أصْلِ المَسْألَةِ،

ص: 92

بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ السِّلَاحُ وَالْجُلُودُ، وَيُزَمَّلُ فِى ثِيَاْبِهِ،

ــ

لو ماتَ وعليه حدَثٌ أصْغَرُ، فهل يُوَضَّأُ؟ على وَجْهَيْن. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الحَواشِى». قلتُ:

الذى ظهَر أنَّه لا يُوَضَّأُ؛ لأنَّه تَبَعٌ للغَسْلِ، وهو ظاهِرُ الحديثِ. الثَّانيةُ، لو كانَ على الشَّهيدِ نَجاسَةٌ غيرُ الدَّمِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّها تُغْسَلُ. وعليه الأصحابُ. وفيه احْتِمالٌ ببَقائِها، كالدَّمِ. فعلى الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، لو لم تَزُلِ النَّجاسَةُ إلَّا بزَوالِ الدَّمِ، لم يَجُزْ إزَالَتُها. ذكَرَه أبو المَعالِى. قال فى «الفُروعِ»: وجزَم غيرُه بغَسْلِها؛ منهم صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ فى «رِعايَتِه». قلتُ: فيُعايَى بها. الثَّالثةُ، صرَّح المَجْدُ بوُجوبِ بَقاءِ دَمِ الشَّهيدِ. قال فى «الفُروعِ»: وهو ظاهِرُ كلامِهم. وذكَرُوا رِوايَةَ كَراهَةٍ تَنْشيفِ الأعْضاءِ، كدَمِ الشَّهيدِ.

ص: 93

وَإِنْ أَحَبَّ كَفَّنَهُ [39 ظ] بِغَيْرِهَا.

ــ

- قوله: وإنْ أحَبَّ كفَّنَه فى غيرِها. يعْنِى، إنْ أحَبَّ كفَّن الشَّهيدَ فى ثِيابٍ غيرِ الثِّيابِ التى قُتِلَ فيها. وهذا قوْلُ القاضى فى «المُجَرَّدِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: وشَذَّ القاضى فى «المُجَرَّدِ» ، فجعَل ذلك مُسْتَحَبُّا، وتَبِعَه على ذلك أبو محمدٍ. قلتُ: جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَرَاه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يجبُ دَفْنُه فى ثِيابِه التى قُتِلَ فيها. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو المنْصوصُ، - وعليه جمهورُ الأصحابِ؛ منهم القاضى في «الخِلافِ». قال فى «الفُروعِ»: ويجِبُ دَفْنُه فى بقِيَّه ثِيابِه فى المَنْصُوصِ. وأطْلقَهما ابنُ تَميمٍ. فلا يُزادُ على ثِيابِه، ولا يُنْقَصُ عنها بحسَبِ

ص: 94

وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فِى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

ــ

المَسْنُونِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا بأْسَ بالزِّيادَةِ أو النَّقْصِ ليَحْصُلَ المَسْنُونُ. ذكَرَه القاضى فى «التَّخْرِيجِ» . وجزَم به ابنُ تَميمٍ.

قوله: ولا يُصَلَّى عليه، فى أصَحِّ الرِّوايتَيْن. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: هذا أصحُّ الرِّواياتِ. وهو قوْلُ الخِرَقِىِّ، والقاضى. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المشْهورُ مِنَ الرِّواياتِ، واخْتِيارُ القاضى، وعامَّةِ أصحابِه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم.

ص: 95

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، تجِبُ الصَّلاةُ عليه. اخْتارَها جماعةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم الخَلَّالُ، وأبو بَكْرٍ عبدُ العزيزِ فى «التَّنبِيهِ» ، وأبو الخَطَّابِ. وحُكِىَ عنه، تحْرُمُ

ص: 96

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّلاةُ عليه. وعنه، إنْ شاءَ صَلَّى، وإنْ شاءَ لم يُصَلِّ. فعَلَيْها، الصَّلاةُ أفْضَلُ.

على الصَّحِيحِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «مَجْمَع البَحْرَيْن» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «ابنِ تَميم» . وعنه، ترْكُها أفْضَلُ. وظاهِرُ كلامِ القاضى فى «الخِلافِ» ، أنَّهما سواءٌ فى الأَفْضَلِيَّةِ.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ فى الشَّهيدِ الذى لا يُغَسَّلُ، فأمَّا الشَّهِيدُ الذى يُغَسَّلُ، فإنَّه يُصَلَّى عليه على سَبِيلِ الوُجوبِ، رِوايةً واحدةً.

فائدةٌ جليلةٌ: قيلَ: سُمِّىَ شَهِيدًا لأنَّه حَيٌّ. وقيل: لأنَّ الله وَمَلاِئِكَتَه يشْهَدون له بالجَنَّةِ. وقيل: لأنَّ المَلائكَةَ تَشْهَدُ له. وقيل: لِقِيامِه بشَهادَةِ الحقِّ حتى قُتِلَ.

ص: 97

وَإِنْ سَقَطَ منْ دَابَّتِهِ، أَوْ وُجدَ مَيَتًّا وَلَا أثَرَ بِهِ، أَوْ حُمِلَ فَأَكَلَ، أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.

ــ

وقيل: لأنَّه يشْهَدُ ما أُعِدَّ له مِنَ الكَرامَةِ بالقَتْلِ. وقيل: لأنَّه شَهِدَ للهِ بالوُجودِ والإلهِيَّةِ بالفِعْلِ، شهِدَ غيرُه بالقَوْلِ. وقيل: لسُقوطِه بالأرْضِ، وهى الشَّهادَةُ. وقيل: لأنَّه شُهِدَ له بوُجوبِ الجَنَّةِ. وقيل: مِن أجْلِ شاهِدِه، وهو دَمُه. وقيل: لأنَّه شُهِدَ له بالإيمانِ وبحُسْنِ الخَاتِمَةِ بظاهرِ حالِه. وقيل: لأنَّه يُشْهَدُ له بالأَمانِ مِنَ النَّارِ. وقيل: لأنَّ عليه شاهِدًا بكَوْنِه شهِيدًا. وقيل: لأنَّه لا يشْهَدُه عندَ موْتِه إلَّا مَلاِئِكَةُ الرَّحْمَةِ. وقيل: لأنَّه الذى يشْهَدُ يوْمَ القِيامَةِ بإبْلاغِ الرُّسُلٍ. فهذه أرْبَعَةَ عَشَرَ قوْلًا؛ ذكَر السَّبْعَةَ الأولَى، ابنُ الجَوْزِىِّ. والثَّلَاثةَ التى بعدَها، ابنُ قر قُولٍ (1) فى «المَطالِعِ» . والأرْبَعَةَ الباقِيَةَ، ابنُ حَجَرٍ فى «شَرْحِ البُخارِيِّ» (2) فى كتابِ الجِهادِ، وقال: وبعضُ هذا يخْتَصُّ بمَن قُتِلَ فى سبيلِ اللهِ، وبعضُها يَعُمُّ غيرَه. انتهى. ولا يخْلُو بعضُها مِن نوْعِ تَداخُلٍ.

قوله: وإنْ سقَط مِن دابَّتِهِ، أو وُجِدَ مَيِّتًا ولا أثَرَ به. يعْنِى، غُسِّلَ وصُلِّىَ

(1) هو إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم، الوهرانى، المعروف بابن قرقول، أبو إسحاق. الإمام العلامة، ولد بالأندلس، وكان رحالًا فى العلم، نقالا، فقيها. له كتاب «المطالع على الصحيح» . توفى سنة تسع وستين وخمسمائة. فتح أعلام النبلاء 20/ 520، 521.

(2)

انظر: فتح البارى 6/ 42، 43.

ص: 98

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه. وكذا لو سقَط مِن شاهِقٍ فماتَ، أو رَفَسَتْه دابَّةٌ فماتَ منها. قال الأصحابُ: وكذا لو ماتَ حَتْفَ أنْفِه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وكذا مَن عادَ عليه سَهْمُه فيها. نصَّ عليه. فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ فى ذلك كلِّه، أنَّه يُغَسَّلُ ويُصَلَّى عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. وقيل: لا يُغَسَّلُ ولا يُصَلَّى عليه، وحُكِىَ رِوايةً. واخْتارَه القاضى قديمًا فى مَن سقَط عن دابَّتِه، أو عادَ عليه سِلاحُه فماتَ، أو سقَط مِن شاهِقٍ، أو فى بئْرٍ، ولم يكُنْ ذلك بفِعْلِ العَدُوِّ. واخْتارَه القاضى أيضًا فى «شَرْحِ المُذْهَبِ» فى مَن وُجِدَ ميِّتًا، ولا أثَرَ به. قدَّمه الشَّيْخُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارِحُ، أنَّه إذا عادَ عليه سِلاحُه فقَتَله، لا يُغَسَّلُ، ولا يصَلَّى عليه، ونَصَراه.

تنبيه: قوله: وإنْ وُجِدَ مَيِّتًا ولا أثَرَ به. هكذا عبارةُ أكثرِ الأصحابِ. وزادَ أبو المَعالِى، ولا دَمَ فى أنْفِه ودُبُرِه، أو ذَكَرِه.

قوله: أو حُمِلَ فأكَل، أو طال بَقَاؤُه. يعْنِى، لو جُرِحَ فأكَل، فإنَّه يُغَسَّلُ، ويُصَلَّى عليه. وكذا لو جُرِحَ فشَرِبَ، أو نامَ، أو بالَ، أو تكَلَّم. زادَ جماعةٌ، أو

ص: 99

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عطَس. نصَّ عليه؛ منهم ابنُ تَميمٍ، وصاحِبُ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، وابنُ حَمْدانَ فى «رِعايَتِه الكُبْرى» . وهذا المذهبُ فى ذلك كلِّه، ولو لم يَطُلِ الفَصْلُ.

وجزَم به فى «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «مَجْمَع البَحْرَيْنْ» ، و «ابنِ تَميمٍ». وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وقيل: لا يُغَسَّلُ إلَّا إذا طالَ الفَصْلُ، أو أكلَ فقط. اخْتارَه المَجْدُ فى

ص: 100

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«شَرْحِه» ؛ فقال: الصَّحيحُ عندِى، التَّحْديدُ بطولِ الفَصْلِ أو الأكْلِ؛ لأنَّه عادَةُ ذوِى الحياةِ المُسْتقِرَّةِ، وطولُ الفَصْلِ دَليلٌ عليها. فأمَّا الشُّرْبُ والكلامُ، فيُوجَدان ممَّن هو فى السِّياقِ. قال ابنُ تَميمٍ: وهو أصحُّ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وصحَّحه المُصَنِّفُ. قلتُ: وهو- عَيْنُ الصَّوابِ. وعنه، يُغَسَّلُ فى ذلك كلِّه إلَّا مع جِراحَةٍ كثيرةٍ، ولو طالَ الفَصْلُ معها. قال فى «مَجْمَعِ البَحْريْن»: والأوْلَى أنَّه إنْ لم يتَطاوَلْ به ذلك، فهو كغيرِه مِنَ الشُّهَداءِ. واخْتارَه جماعةٌ مِن أصحابِنا. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن». وقيل: الاعْتِبارُ بتَقَضِّى الحرْبِ، فمتى ماتَ وهى قائمةٌ، لم يُغَسَّلْ، ولو وُجِدَ منه شئٌ مِن ذلك. وإنْ ماتَ بعدَ انْقِضائِها، غُسِّلَ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: قلتُ: وكذا نقَله ابنُ البَنَّا فى

ص: 101

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«العُقُودِ» عن مذهَبِنا. انتهى. قال الآمِدِىُّ: إذا خرَج المَجْروحُ مِنَ المعْركَةِ، ثم ماتَ بعدَ تَقَضِّى القِتالِ، فهو كغيرِه مِنَ المَوْتَى. قال ابنُ تَميمٍ: وظاهرُ كلامِ القاضى فى موْضعٍ، أنَّ الاعْتِبارَ بقِيامِ،. الحرْبِ، فإنْ ماتَ وهى قائمةٌ، لم يُغَسَّلْ، وإنِ انْقضتْ قبلَ موْتِه، غُسِّلَ. ولم يُعْتَبرْ خُروجُه مِنَ المعْركَةِ.

انتهى. قال فى «الفُروعِ» : نقَل الجماعةُ، إنَّما يُتْركُ غَسْلُ مَن قُتِلَ فى المعْركَةِ، وإنْ حُمِلَ وفيه روحٌ، غُسِّلَ.

تنبيه: قوله: أو طالَ بَقَاؤُه. قال فى «الفُروعِ» : والمُرادُ عُرْفًا.

ص: 102

وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا، فَهَلْ يُلْحَقُ بِالشَّهِيدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

ــ

قوله: ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا - كقتيلِ اللُّصوصِ ونحوِه - فهل يُلْحَقُ بالشَّهِيدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْن. وأطْلَقَهما فى «الفائقِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ؛ إحْدَاهما، يلْحَقُ بشَهيدِ المعْركَةِ. وهو المذهبُ. اخْتارَه أكثرُ الأصحابِ. قال فى «الفُروعِ»: ولا يُغَسَّلُ المقْتولُ ظُلْمًا على الأصحِّ. قال الزَّرْكَشِىُّ: اخْتارَه القاضى وعامَّةُ أصحابِه. وصحَّحه فى

ص: 104

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«مَجْمَع البَحْرَيْن» . وقدَّمه ابنُ تَميمٍ. الرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يلْحَقُ بشَهِيدِ المعْركةِ. اخْتارَه الخَلَّالُ، وصحَّحه فى «التَّصْحيحَ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» .

تنبيه: قدْ يقالُ: دخَل فى كلامِه، إذا قتَل البَاغِى العادِلَ، وهو أحَدُ الطرَّيقَتَيْن. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والقاضى. وقيل: بل حُكْمُه حُكْمُ قَتيلِ الكُفَّارِ.

وهو المنْصوصُ. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والمَجْدُ، وغيرُهم. وعنه، يلْحَقُ بشَهِيدِ المعْرَكَةِ إنْ قُتِلَ فى مُعْتَرَكٍ بينَ المُسْلِمين، كقَتِيلِ البُغاةِ والخَوارِجِ فى المعْركَةِ، أو قَتَلَه الكُفَّارُ صَبْرًا فى غيرِ حَرْبٍ، كخُبَيْبٍ (1)، وإلَّا فلا.

(1) خبيب بن عَدِى بن مالك الأنصارى، شهد بدرًا، وكان فى الرهط الذين غدرت بهم قبائل من المشركين فى سرية عاصم وباعوه إلى قريش، فصلبوه وقتلوه ثأرًا لمن كان قتل منهم يوم بدر. الإصابة 2/ 262 - 264.

ص: 105

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، قيل: إنَّما لم يُغَسَّلِ الشَّهيدُ دَفْعًا للحَرج والمَشَقَّةِ، لكَثْرَةِ لشُّهَداءِ فى المعْركَةِ. وقيل: لأنَّهم لمَّا لم يُصَلَّ عليهم، لم يُغَسَّلُوا. وقيل، وهو لصَّحيحُ: لِئَلَّا يزُولَ أثر العِبادَةِ المطْلوبِ بَقَاؤُها. وإنَّما لم يُصَلَّ عليهم، قيل: لأنَّهم أحْياءٌ عندَ رَبِّهم، والصَّلاةُ إنَما شُرِعَتْ فى حقِّ الموْتَى. وقيل: لِغِناهم عنِ الشَّفاعَةِ. الثَّانيةُ، قال فى «الفُروعِ»: الشَّهِيدُ غيرُ شَهِيدِ المعْركَةِ، بِضْعَةَ

ص: 106

وَإذَا وُلِدَ السِّقْطُ لأَكْثَرَ مِنْ أَربَعَةِ أَشْهُرٍ، غُسِّلَ وَصُلِّىَ عَلَيْهِ.

ــ

عَشَرَ، مُفَرقَةً فى الأخْبارِ، ومِن أغْرَبِها:«مَوْتُ الغَرِيب، شَهادَةٌ» (1) رَواه ابنُ ماجَه والخلَّالُ مرْفُوعًا، وأغْرَبُ منه:«مَن عَشِقَ وعَفَّ وكَتَمَ فَماتَ، ماتَ شَهِيدًا» (2). ذكرَه أبو المَعالِى، وابنُ مُنَجَّى. وقال بعضُ الأصحابِ المُتَأخِّرين: كوْنُ العِشْقِ شَهادَةً مُحالٌ. ورَدَّه فى «الفُروعِ» .

تنبيه: مفهوم قوله: وإذا وُلِدَ السِّقْطُ لأكْثَرَ مِن أرْبَعَةِ أشْهُرٍ، غُسِّلَ وصُلِّىَ عليه.

(1) أخرجه ابن ماجه، بلفظ «غربة» ، فى: باب ما جاء فيمن مات غريبا، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 515. وانظر: اللآلئ المصنوعة، للسيوطى 2/ 132، 133.

(2)

أخرجه الخطيب، فى: تاريخ بغداد 13/ 184. عن ابن عباس. وانظر: كنز العمال 3/ 372.

ص: 107

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه لو وُلِدَ لدُونِ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ، أنَّه لا يُغَسَّلُ ولا يصَلَّى عليه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. وهو ظاهِرُ كلامِه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه فى «الفُروع،» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». قال فى «الفُصُولِ»: لم يَجُزْ أنْ يصَلَّى عليه. وجزَم به فى «النَّظْمِ» ، و «ناظِمِ المُفْرَداتِ». فقال:

بعدَ ارْبَعِ الشُّهورِ سقْطٌ يُغسَلُ

وصَلِّ لو لم يَسْتَهِلَّ نَقَلُوا

ص: 108

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعنه، متى بانَ فيه خَلْقُ الِإنْسانِ، غُسِّلَ وصلِّىَ عليه. واخْتارَه أبو بكْرٍ فى

ص: 109

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«التَّنْبِيهِ» ، وابنُ أبِى مُوسى. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «التَلْخيصِ» .

وقال: وقد ضَبَطَه بعضُ الأصحابِ بأرْبَعَةِ أشْهُرٍ؛ لأنَّها مَظِنَّةُ الحَياةِ. وقدَّمه ابنُ تَميمٍ.

فوائد، إحْداها، يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ هذا المَوْلودِ. نصَّ عليه. واخْتارَه الخَلَّالُ وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وعنه، لا يُسَمَّى إلا بعدَ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ. نقَلَه

ص: 110

وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ يُمِّمَ.

ــ

الجماعةُ عنِ الإمامِ أحمدَ، قال القاضى وغيرُه: لأنَّه لا يُبْعَثُ قبلَها. وقال القاضى فى «المُعْتَمَدِ» : يُبْعَثُ قبلَها. وقال: هو ظاهرُ كلام الإمامِ أحمدَ. قال الشَّيْخُ تَقِى الدِّينِ: وهو قوْلُ كثيرٍ مِنَ الفُقَهاءِ. وقال فى «نِهايَةِ المُبْتَدِى» : لا يُقْطَعُ بإعادَتِه وعَدَمِها كالجَمادِ. وقال فى «الفُصولِ» : لا يجوزُ أنْ يُصَلَّى عليه كالعَلَقَةِ؛ لأنه لا يُعادُ ولا يُحاسَبُ. الثَّانيةُ، يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ مَن لم يَسْتَهِلَّ أيضًا.

وإنْ جُهِلَ ذكَرٌ أم أُنْثَى، سُمِّىَ باسْمٍ صالحٍ لهما، كطَلْحَةَ وهِبَةِ اللهِ. الثَّالثةُ، لو كان السِّقْطُ مِن كافرٍ، فإنْ حُكِمَ بإسْلامِه، فكَمُسْلم، وإلَّا فلا. ونَقَل حَنْبَلٌ، يصَلَّى على كلِّ موْلودٍ يُولَدُ على الفِطْرَةِ. الرَّابعةُ، مَن ماتَ فى سَفِينَةٍ، غُسِّلَ وصُلِّىَ عليه بعدَ تَكْفِينِه، وأُلقِىَ فى البَحْر سَلًّا، كإدْخالِه فى القَبْرِ مع خَوْفِ فَسادٍ أو حاجَةٍ. ونقَلَ عَبْدُ الله، يُثَقَّلُ بشئٍ. وذكَره فى «الفُصُولِ» عن أصحابِنا. قال: ولا موْضِعَ لنا، الماءُ فيه بَدَلٌ عنِ التُّرابِ إلَّا هنا. فيُعايىَ بها.

قوله: ومَن تعَذَّر غَسْلُه يُمِّمَ. وكُفِّنَ وصُلِّىَ عليه، مثلُ اللَّدِيغِ ونحوِه. وهذا

ص: 111

وَعَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا.

ــ

الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، لا يُيَمَّمُ؛ لأنَّ المقْصودَ التَّنْظيفُ. قلتُ: فيُعايَى بها. وذكَر ابنُ أبِى مُوسى، فى المُحْتَرِقِ ونحوِه، يُصَبُّ عليه الماءُ، كَمَن خِيفَ عليه بمَعْركَةٍ. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ رِوايةً، فى مَن خِيفَ تَلَاشِيه به، يُغَسَّلُ. وذكَرَ أبو المَعالِى، في مَن تعَذَّر خُروجُه مِن تحتِ هَدْمٍ، لا يُصلَّى عليه؛ لتَعذُّرِ الغَسْل كِمُحْتَرِقٍ.

قوله: وعلى الغاسِل سَتْرُ ما رآهُ إن لم يكُنْ حَسَنًا. شَمِلَ مسْألَتَيْن؛ إحْدَاهما، إذا رأى غيرَ الحسَنِ. الثَّانيةُ، إذا رأى حسَنًا. الأولَى صرِيحَة فى كلامِه، والثَّانيةُ مفْهومَةٌ مِن كلامِه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يجبُ عليه سَتْرُ غيرِ الحسَنِ. وهو ظاهِرُ قولِه: وعلى الغاسِلِ. لأنَّ «على» ظاهِرَةٌ فى الوُجوبِ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يجِبُ إظْهارُ الحسَنِ، بل يُسْتَحَبُّ. قال فى «الفُروعِ»: ويلْزَمُ

ص: 112

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الغاسِلَ سَتْرُ الشَّرِّ، لا إظْهارُ الخَيْرِ في الأشْهَرِ فيهما. نقَل ابنُ الحَكَمِ، لا يُحَدِّثُ به أحدًا. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والمُصَنفُ، وأكثرُ الأصحابِ. قال المَجْدُ: والصَّحيحُ، أنَّه واجِبٌ. والتَّحَدُّثُ به حَرامٌ. وقدَّمه فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» وغيرِه. وقطَع به أبو المَعالِى فى «شَرْحِه» وغيرِه. وقيل: لا يجِبُ سَتْرُ ما رآه مِن قَبِيحٍ، بل يُسْتَحَبُّ. واخْتارَه القاضى. وجزَم به ابنُ الجَوْزِىِّ وغيرُه. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ». وقيل: يجبُ إظْهارُ الحسَنِ. وقال جماعة. مِنَ الأصحابِ: إنْ كان المَيِّتُ معْرُوفًا ببِدْعَةٍ أو قِلةِ دينٍ أو فُحورٍ ونحوِه، فلا بأسَ بإظْهارِ الشَّرِّ عنه، وسَتْرِ الخَيْرِ عنه؛ لتُجْتنَبَ طرِيقتُه. وجزم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «مَجْمَع البَحْرَيْن» ، و «الكافِى» ، وأبو المعالِى، وابنُ تَميمٍ، وابنُ عَقِيلٍ؛ فقال: لا بأسَ عندِى بإظْهارِ الشَّرِّ عنه؛ لتُحْذَرَ طَرِيقتُه. انتهى. لكنْ هل يُسْتَحَبُّ ذلك أو

ص: 113

فَصْلٌ فِىِ الْكَفَنِ: وَيَجِبُ كَفَنُ الْمَيِّتِ فِى مَالِهِ، مُقَدَّمًا عَلَى الدَّيْنَ وَغيْرِهِ،

ــ

يُباحُ؟ قال فى «النُّكَتِ» : فيه خِلافٌ. قلتُ: الأوْلَى أنَّه يُسْتَحَبُّ. وظاهرُ تَعْليلِهم يدُلُّ على ذلك.

قوله: ويجِبُ كَفَنُ المَيِّتِ فى مالِه، مُقَدَّمًا على الدَّيْنِ وغيرِه. وهذا المذهبُ المقْطوعُ به عندَ أكثرِ الأصحابِ، واخْتارُوه. وقيل: لا يُقَدَّمُ على دَيْنِ الرَّهْنِ، وأرْشِ الجِنايَةِ ونحوِهما. وجزَم به فى «الحاوِى الصَّغِيرِ» فى أوَّلِ كتابِ الفَرائضِ.

ص: 114

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد، الأُولَى، الواجبُ لحَقِّ اللهِ تَعالَى، ثَوْبٌ واحدٌ بلا نِزاعٍ. فلو وَصَّى بأقَلَّ منه، لم تُسْمَعْ وَصِيَّتُه. وكذا لحَقِّ الرَّجُلِ والمرأةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: اخْتارَه جماعةٌ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المشْهورُ. اخْتارَه ابنُ عَقِيل،. وأبو محمدٍ. وقيل: ثَلَاثةٌ. اخْتارَه القاضى. وحُكِىَ رِوايَةً. قال المَجْدُ: وهو ظاهِرُ كلامِ الِإمامِ أحمدَ. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ. فلو أوْصَى أنْ يُكفَّنَ بثَوْبٍ واحدٍ، صحَّ. قال ابنُ تَميمٍ: قال بعضُ أصحابِنا: وَجْهًا واحِدًا. وقال فى «التَّلْخيصِ» : إذا قُلْنا: يجِبُ ثلَاثةُ أثْوابٍ. لم تصِحَّ الوَصِيَّةُ بأقَلَّ منها. انتهى. وقيل: يُقَدَّمُ الثَّلاثةُ على الإِرْثِ والوَصِيَّةِ، لا على الدَّيْنِ، اختارَه المَجْدُ فى «شَرحِه» . وجزَم به أبو المَعالِى، وابنُ تَميمٍ. وأطْلَقَ فى تقْديمِها على الدَّيْن، وَجْهَيْن. وقال أبو المَعالِى: إنْ كُفِّنَ مِن بَيْتِ المالِ، فثَوْبٌ واحدٌ، وفى الزَّائدِ للجَمالِ وَجْهان. وقيل: تجِبُ ثلَاثةٌ للرَّجُلِ، وخَمْسَةٌ للمَرْأَةِ. ويأتِى ذلك عندَ قوْلِه: والواجبُ مِن ذلك ثَوْبٌ يسْتُرُ جَمِيعَه. الثانية، يجِبُ مَلْبوسُ مثْلِه فى الجُمَعِ والأعْيادِ، إذا لم يُوصِ بدُونِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «الفُروعِ»: ذكَرَه غيرُ واحدٍ. وجزَم به المَجْدُ في «شَرْحِه» ، وابنُ تَميمٍ. وقال فى «الفُصُولِ»: يكونُ بحسَبِ حالِه كنَفَقَتِه فى حَياتِه. الثَّالثةُ، الجديدُ أفْضلُ مِنَ العَتيقِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ما لم يُوصِ بغيرِه. وقيل: العَتِيقُ الذى ليس بِبَالٍ، أفْضَلُ. قالَه ابنُ عَقِيل، وجزَم به فى «الفُصُولِ». وقيلَ لأحمدَ: يصَلِّى فيه، أو يُحْرِمُ فيه، ثم يَغْسِلُه ويضَعُه لكَفَنِه، فرآه حَسَنًا. وعنه، يُعْجِبُنِى جديدٌ أو

ص: 115

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غَسِيلٌ. وكَرِهَ لُبْسَه حتى يُدَنِّسَه. وقال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» (1): جَرَتِ العادَةُ بتَحْسِينِه، ولا يجِبُ. وكذا قال فى «الوَاضِحِ» وغيرِه: يُسْتَحَبُّ بما جرَتْ به عادةُ الحَيِّ. الرَّابعةُ، يُشْتَرَطُ فى الكفَنِ، أنْ لا يصِفَ البَشَرَةَ، ويُكْرَهُ إذا كان يحْكِى هَيْئَةَ البَدَنِ، وإنْ لم يَصِفِ البَشَرَةَ. نصَّ عليه. ويُكْرَهُ أيضًا بشَعَرٍ وصُوفٍ، ويحْرُمُ بجُلُودٍ، وكذا بحرِيرٍ للمَرْأةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ

عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . قال فى «الفُروعِ» : وجعَلَه المَجْدُ، ومَن تابَعَه، احْتِمالًا لابن عَقِيل. قلتُ: صرَّح به فى «الفُصُولِ» ، ولم يطَّلِعْ على النَّصِّ. وعنه، يُكْرَهُ ولا يحْرُمُ. قدَّمه فى «التَّلْخيصِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». وقيل: لا يُكْرَهُ. ويجوزُ التَكْفِينُ بالحَريرِ عندَ العدَمِ للضَّرُورَةِ، ويكونُ ثَوْبًا واحدًا، والمُذَهَّبُ مثلُ الحريرِ فيما تقدَّم مِنَ الأحْكامِ.

ويُكْرَهُ تكْفِينُها بمُزَعْفرٍ ومُعَصْفَرٍ. قال فى «الفُروعِ» : ويَتَوَجَّهُ فيه. كما سبَق فى سَتْرِ العَوْرَةِ، فيَجِئُ الخِلافُ، فلا يُكْرَهُ لها، لكنَّ البَياضَ أوْلَى. انتهى: وزادَ فى «المُسْتَوْعِبِ» ، يُكْرَهُ بما فيه النُّقُوشُ. وهو مَعْنَى ما فى «الفُصُولِ» . وجزَم به ابنُ تَميم وغيرُه. ويَحْرُمُ تَكْفِينُ الصَّبِىِّ بحَرِيرٍ، ولو قُلْنا بجَوازِ لُبْسِه فى حَياتِه.

قالَه فى «التَّلْخيِصِ» ، و «الفُروعِ» . الخامسةُ، لا يُكْرَهُ تَعْمِيمُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه ابنُ تَميمٍ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن». وقال بعضُ الأصحابِ: يُكْرَهُ. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ حَمْدَانَ» . السَّادسةُ، لو سُرِقَ كفَنُ المَيِّتِ كُفنَ ثانِيًا. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ، وابنُ حَمْدانَ. قال فى «الفُروعِ»: ثانِيًا، وثالِثًا فى المَنْصُوصِ، وسواءٌ قُسِّمَتِ التَّرِكَةُ أو لا، ما لم يُصْرَفْ فى دَيْنٍ أو وَصِيَّةٍ. ولو

(1) 3/ 386.

ص: 116

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، إِلَّا الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ.

ــ

جُبِىَ له كفَنٌ فما فضَل فلِرَبِّه، فإنْ جُهِلَ كُفِّنَ به آخَرُ. نَصَّ عليه، فإنْ تعَذَّر تُصُدِّقَ به. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الحاوِيَيْن» .

وقيل: تُصْرَفُ الفَضْلَةُ فى كفَنٍ آخَرَ، ولو عُلِمَ رَبُّها. جزَم به فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى». وقدَّمه فى «الكُبْرى». وقال: نصَّ عليه. وفى «مُنْتخَبِ ولَدِ الشِّيرَازِىِّ» ، هو كزَكاةٍ فى رِقابٍ أو غُرْمٍ. وجعَل المَجْدُ اخْتِلاطَه كجَهْلِ رَّبه.

قال فى «الفُروعِ» : وكلامُ غيرِه خِلافُه. وهو أظْهَرُ. انتهى. وقيل: الفَضْلَةُ لوَرَثَةِ المَيِّتِ. قال فى «الرِّعايَةِ» : وهو بعيدٌ. قال فى «الفُروعِ» : ولعَلَّ المُرادَ وَرَثَةُ رَبِّه. فهو إذَنْ واضِحٌ مُتَعيِّنٌ. [قالَا: لضَعْفٍ وسَهْوٍ](1). ولو أكَل المَيِّتَ سَبُعٌ، أو أخَذَه بكَفَنِه ترَكَه، وإنْ كان تَبَرَّعَ به أجْنَبِيٌّ، فهو له دُونَ الوَرَثَةِ. قطَع به ابنُ تَميم، و «الحاوِيَيْن». وقيل: للوَرَثَةِ. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . وأمَّا لو اسْتَغْنَى عنه قبلَ الدَّفْنِ، فإنَّه للأجنَبِيِّ إجْماعًا. قالَه فى «الحاوِيَيْن» . ويأْتِى بعضُ ذلك فى القَطْعِ والسَّرِقَةِ.

قوله: فإنْ لم يكُنْ له مالٌ، فعلى مَن تَلْزَمُه نَفَقَتُه. ثم فى بَيْتِ المالِ، فإنْ تَعَذَّر مِن بَيْتِ المالِ، فعلى كلِّ مُسْلمٍ عالمٍ. قال فى «الفُروعِ»: أطْلَقَه الأصحابُ.

قال فى «الفُنونِ» : قال حَنْبَلٌ (2): ويكونُ بثَمَنِه، كالمُضْطَرِّ. وذكَره أيضًا غيرُه. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ومَن ظَنَّ أنَّ غيرَه لا يقومُ به، تعَيَّن عليه.

(1) فى ط: «والإ فضعيف انتهى» .

(2)

فى الأصل، ط:«حنبلى» .

ص: 117

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لا يُكَفَّنُ ذِمِّيٌ مِن بَيْتِ المالِ للعُدْمِ كمُرْتَدٍّ. وقيل: يجِبُ كالمَخْمَصَةِ. وذكَر جماعةٌ لا يُنْفَقُ عليه، لكنْ للإِمامِ أنْ يُعْطِيَه. وجزَم به المَجْدُ، وابنُ تَميمٍ. زادَ بعضُهم، لمَصْلَحَتِنا.

فائدة: لو وُجِدَ ثَوْبٌ واحدٌ، ووُجِدَ جماعةٌ مِنَ الأمْواتِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُجْمَعُ فى الثَّوْبِ ما يُمْكِنُ جَمْعُه فيه منهم. قال فى «الفُروعِ»: هو الأشْهَرُ. وقدَّمه ابنُ تَميمٍ، وصاحِبُ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». وقال: قالَه أصحابُنا. وجزَم به فى «الإِفاداتِ» . قال ابنُ تَميمٍ: وقال شيخُنا: يُقَسَّمُ الكَفَنُ بينَهم ويُسْتَرُ بما يحْصُلُ لكُل واحدٍ منهم عوْرَتُه، ولا يُجْمَعُون فيه. وقال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» ، تفْرِيعًا على الأوَّلِ: قلتُ: فإنْ أمْكَنَ أنْ يُجْعَلَ بينَ كلِّ اثْنَيْن حاجِزٌ مِن عَسَبٍ ونحوِه، فلا بأْسَ. انتهى. قلتُ: يَنْبَغِى أنْ يُسْتَحَبَّ هذا. ولو لم يجِدْ ما يَسْتُرُ كلَّ المَيِّتِ، ستَر رأْسَه وباقِيه بحَشِيشٍ أو وَرَقٍ. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ» . وجزَمْ به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقيل: بل يسْتُرُ عوْرَتَه، وما فضل يسْتُرُ به رأْسَه، وما يَلِيه. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

وجزَم به فى «المُغْنىِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وجزَم به فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «النَّظْمِ» . وقدَّمه ابنُ تَميمٍ، و «الحَواشِى». وقال فى «الفُروعِ»: وهل يُقَدَّمُ سَتْرُ رأْسِه؛ لأنَّه أفْضَلُ مِن باقِيه بحَشِيشٍ، أو كَحَالِ الحياةِ؟ فيه وَجْهان. وقال فى «القاعِدَةِ السِّتِّين بعدَ المِائَةِ»: إذا اجْتَمَعَ مَيِّتَان فبُذِلَ لهما كَفَنان، وكان أحَدُ الكَفَنَيْن أجْوَدَ، ولم يُعَيِّنِ البَاذِلُ ما لكُلِّ واحدٍ منهما، فإنَّه يُقْرَعُ بينَهما. وقطَع به. وقال: فى كلام أحمدَ ما يُشْعِرُ بأنَّه أخَذ بالحديثِ الوارِدِ فى ذلك.

فائدة: يُقَدَّمُ الكَفَنُ على دَيْنِ الرَّهْنِ وأرْشِ الجِنايَةِ ونحوِهما. على الصَّحيحِ مِنَ

ص: 118

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ. وقيل: لا يُقَدَّمُ. وجزَم به فى «الحاوِى الصَّغِيرِ» فى أوَّلِ كتابِ الفَرائضِ.

قوله: إلَّا الزَّوجَ لا يَلْزَمُه كَفَنُ امْرَأتِه. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وهو

ص: 119

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: يَلْزَمُه. وحُكِىَ رِوايةً. وقيلَ: يلْزَمُه مع عدَمِ التَّرِكَةِ.

اخْتارَه الآمِدِىُّ. فعلى المذهبِ، إذا لم يكُنْ لها تَرِكَةٌ، فعلى مَن تجِبُ عليه نَفَقَتُها لو كانتْ خالِيَةً مِنَ الزَّوْجِ.

ص: 120

وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِى ثَلَاثِ لَفَائِفَ بيضٍ، يُبْسَطُ بَعْضُهَا فوْقَ بَعْضٍ بَعْدَ تجْمِيرِهَا،

ــ

قوله: ويُسْتحَبُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فى ثَلاثِ لَفَائفَ بِيضٍ، يُبْسَطُ بَعضُها فوقَ بَعض بعد تَجميرِها. بلا نِزاعٍ. زادَ غيرُ واحدٍ مِنَ الأصحابِ، منهم المُصَنِّفُ فى

ص: 121

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الكافِى» ، - يُجَمِّرُها ثَلاًثا. قال فى «الفروعِ»: والمُرادُ وِتْرًا، بعدَ رَشِّها بماءِ وَرْدٍ وغيرِه، ليَعْلَقَ بها البَخورُ.

فائدة: يُكْرَهُ زِيادَةُ الرَّجُلِ على ثَلَاثةِ أثْوابٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشرحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، وغيرِهَم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: لا يُكْرَهُ. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وصحَّحه. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» .

ص: 122

ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِيًا، وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ فِيمَا بَيْنَهَا، وَيُجْعَلُ مِنْهُ فِى قُطْنٍ يُجْعَلُ مِنْهُ بَيْنَ ألْيَتَيْهِ، وَيُشَدُّ فَوْقَهُ خِرْقَةٌ مَشْقُوقَة

الطَّرَفِ كَالتُّبَّانِ، تَجْمَعُ أَلْيتَيْهِ وَمثَانَتَهُ، ويجْعَلُ الْبَاقِى عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ، وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ، وَإنْ طُيِّبَ جَمِيعُ بَدَنِه كَانَ حَسَنًا،

ــ

قوله: ثم يُوضَعُ عليها مُسْتَلْقِيًا، ويُجْعَلُ الحَنُوطُ فيما بينَها. بلا نِزاعٍ. والمُسْتَحَبُّ أن يُذَرَّ بينَ اللَّفائفِ حتى على اللِّفافَةِ. ونصَّ عليه أحمدُ والأصحابُ.

فائدة: الحَنُوطُ والطِّيبُ مُسْتَحَبٌّ، ولا بَأْسَ بالمِسْكِ فيه.- نصَّ عليه.

وقيل: يجِبُ الحَنُوطُ والطِّيبُ.

قوله: ويُجْعَلُ منه فى قُطْنٍ يُجْعَلُ منه بينَ ألْيَتَيْه، ويُشَدُّ فوقَه خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الطَّرَفِ كالتُّبَّانِ، تَجْمَعُ ألْيَتَيْه ومَثانَتَه، ويُجْعَلُ الباقى على مَنافِذِ وَجْهِه، ومَوَاضِعِ سُجودِه.

قوله: وإنْ طُيِّبَ جميعُ بَدَنِه كان حَسنًا. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، لكنْ يُسْتَثْنَى داخِلُ عَيْنَيْه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. قال فى «الفُروعِ»: والمنْصوصُ يكونُ داخِلَ عَيْنَيْه. وجزَم به ابنُ تَميمٍ. وقيل: يُطَيَّبُ أيضًا داخِلُ عَيْنَيْه. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. وهو ظاهرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ» . وجزَم به الشَّارِحُ. وقيل: التَّطْيِيبُ وعدَمُه سواءٌ.

فائدتان؛ إحْداهما، لا يُوضَعُ فى عَيْنَيْه كافُورٌ. الثَّانيةُ، يُكْرَهُ الوَرْسُ والزَّعْفَرانُ فى الحَنُوطِ.

ص: 125

ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفُ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيُرَدُّ طَرَفُهَا الْآخَرُ فَوْقَهُ، ثُمَّ يُفْعَلُ [40 و] بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَذَلِكَ، وَيُجْعَلُ مَا عِنْدَ

رَأْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يَعْقِدُهَا،

ــ

قوله: ثم يُرَدُّ طَرَفُ اللِّفافَةِ العُلْيا على شِقِّه الأيمنِ، ويُرَدُّ طَرَفُها الآخَرُ فوقَه، ثم يفعلُ بالثَّانيةِ والثَّالثةِ كذلك. فظاهِرُه، أنَّ طَرَفَ اللِّفافَةِ التى مِن جانِبه الأيْسَرِ، تُرَدُّ على اللِّفافَةِ التى مِنَ الجانِبِ الأيمَنِ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» .

وقالَا: لِئَلَّا يسْقُطَ عنهْ الطرَفُ الأيمَنُ إذا وُضِع على يَمِينه فى القَبْرِ. وجزَم به فى «الحَواشِى» . وعلَّلَه بذلك. وزِادَ فقال: لأنَّ ذلك عادةُ الأحْياء فى لُبْسِ الأقْبِيَةِ

ص: 126

وَتُحَلُّ الْعُقَدُ فِى الْقَبْرِ، وَلَا يُخْرَقُ الْكَفَنُ.

ــ

والفَرَجِيَّاتِ (1). وعلَّلَه ابنُ مُنَجى فى «شَرْحِه» بالكَلام الأَخيرِ، وزادَ، والأرْدِيَةِ. قال فى «الفُروعَ»: جزَم به الشَّيْخُ وغيرُه. وقدَّمَ فى «الفُروعَ» ، أنَّه يُرَدُّ طَرَفُ اللِّفافَةِ العُلْيا مِنَ الجانبِ الأيسَرِ على شِقِّهِ الأيمَنِ، ثم طَرَفُها الأيمَنُ على الأيْسَرِ، ثم الثَّانيةُ والثَّالثةُ كذلك، عكْسُ الأُولَى. وقال: جزَم به جماعةٌ. قلتُ: منهم صاحِبُ «الفُصولِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ،

و «النَّظْمِ» ، و «المُنَوِّرِ». قال المَجْدُ: لأنَّه عادةً لُبْسُ الحَىِّ فى قباءٍ ورِدَاءٍ ونحوِهما. وقال فى «الفُروعِ» مِن عندِه: ويتَوجَّهُ احْتِمالٌ، أنَّهما سَواءٌ.

قوله: وتُحَلُّ العُقَدُ فى القبرِ- بلا نزاعٍ- ولا يُخْرَقُ الكَفَنُ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، كَراهَةُ تَخْرِيقِ الكفَنِ مُطْلَقًا. وكَرِهَه أحمدُ. وقال: فإنَّهم يتَزاوَرون فيها. وقال أبو المَعالِى: لا يُخرَقُ إلَّا لخَوْفِ نَبْشِه. قال أبو الوَفاءِ: ولو خِيفَ نَبْشُه لا يُخرَقُ. قال فى «الفُروعِ» : لا يُخْرَقُ إلَّا لخَوْفِ نَبْشِه، وهو ظاهِرُ كلامِ غيرِه.

(1) الفرجيات: ثوب واسع طويل الأكمام يتزيا به علماء الدين.

ص: 127

وَإنْ كُفِّنَ فِى قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَلِفَافَةٍ، جَازَ.

ــ

قوله: وإنْ كُفِّنَ فى قميصٍ ومِئْزَرٍ ولفافةٍ، جازَ. مِن غيرِ كَراهَةٍ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِى: وقال أبو الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ» : فإنْ تعَذرَتِ اللَّفائِفُ، كُفنَ فى مِئْزَرٍ وقَمِيصٍ ولفافةٍ، فظاهِرُه، الكَراهَةُ مع عَدَمِ التَّعَذُّرِ، أو لا يجوزُ.

ص: 128

وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِى خَمْسَةِ اثوَابٍ، إِزَارٍ، وَخِمَارٍ، وَقَمِيصٍ، وَلِفَافَتَيْنِ.

ــ

فائدتان؛ إحْدَاهما، يكونُ القَمِيصُ بكُمَّيْن ودَخارِيصَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقيل: لا. الثَّانيةُ، الِإزارُ؛ القَمِيصُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وهو قوْلُ الخِرَقِىِّ وغيرِه. وعنه، يُزَرُّ عليه.

قوله: وتُكَفَنُ المرأةُ فى خمسةِ أثوابٍ؛ إزارٍ، وخِمارٍ، وقميصٍ، ولِفافتَيْن.

هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشىُّ: اخْتارَه القاضى، وأكثرُ الأصحابِ. قال فى «المُغْنِي» (1): هذا الذى عليه أكثرُ أصحابِنا. وهو الصَّحيحُ.

وكذا قال الشَّارِحُ. قال الطُّوفِىُّ فى «شَرْحِ الخِرَقِى» : وهو أوْلَى وأظْهَرُ. قال ابنُ رَزينٍ: عليه أكثرُ الأشْياخِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «العُقُودِ» لابنِ البَنَّا، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الكافِى» ،

(1) 3/ 391، 392.

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ» . والمنْصوصُ عن أحمدَ، أن المرأةَ تُكَفَّنُ بخِرْقَةٍ يُشَدُّ بها فَخِذَاها، ثم مِئْزَرٍ، ثم قَمِيصٍ وخِمارٍ، ثم لِفافةٍ واحدةٍ. وجزَم به الخِرَقِىُّ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الِإفاداتِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» ، و «الفائقِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». وقال: هو الاخْتِيارُ. وأطْلقَهما ابنُ تَميمٍ. وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : وعندِى أنَّه يُشَدُّ فَخِذَاها بالِإزارِ تحتَ الدِّرْعِ، وتُلفُّ فوقَ الدِّرْعِ

والخِمارِ باللِّفَافَتَيْن، جَمْعًا بينَ الأحاديثِ. وقال فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن»: وتُكَفَّنُ المرأةُ فى قَميص وإزارٍ وخِمارٍ ولِفافَتَيْن، وما يَشدُّ فَخِذَيها. وهو قوْلٌ فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى». قال الزَّرْكَشِىُّ: وشَذَّ فى «الرِّعايَةِ

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصُّغْرى»، فزادَ على الخَمْسَةِ ما يَشُدُّ فَخِذَيها. انتهى. وقال بعضُ الأصحابِ: لا بأْسَ أنْ تُنَقَّبَ. وذكَر ابنُ الراغُونِى وَجْهًا، أَنَّها تُسْتَرُ بالخِرْقَةِ، وهو أنْ يُشَدَّ فى وَسَطِها، ثم تُؤْخَذُ اخْرَى فيُشَدُّ إِحْدَى طَرَفَيْها ممَّا يَلى ظَهْرَها، والأُخْرَى ممَّا يَلى السُرَّةَ، ويكونُ لِجَامُها على الفَرْجَيْن، ليُوقَنَ بذلك مِن عَدَمِ خُروجِ خارِجٍ. وقال: هو الأشْهَرُ عندَ الأصحابِ.

فائدة: يُكَفَّنُ الصَّغِيرُ فى ثَوْبٍ واحدٍ، ويجوزُ في ثَلَاثةٍ. نصَّ عليه. قال المَجْدُ: وإنْ وَرِثَه غيرُ مُكَلَّفٍ، لم تَجُزِ الزيادةُ على ثَوْبٍ؛ لأنَّه تَبَرُّعٌ. وتُكَفَّنُ الصَّغيرةُ فى قَمِيصٍ ولِفافَتَيْن إن كان لها دونَ تِسْعٍ، وكذا ابنَةُ تِسْعٍ إلى البُلوغِ.

على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . ونقَل الجماعةُ، أنَّها مِثْلُ البَالغَةِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وتُكَفَّنُ الجارِيَةُ التى لم تبْلُغْ فى لِفافَتَيْن وقَمِيصٍ. ثم اخْتُلِفَ

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى حَدِّ البُلوغِ؛ فقيلَ عنه: إنَّه البُلوغُ المُعْتادُ. وقيل، وهو الأكثرُ عنه: إنَّه بلُوغُ تِسْع سِنِين. انتهى. وحَكاهما فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» رِوايتَيْن، وأطْلَقَهما.

ص: 132

وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ ثَوْبٌ يَستُرُ جَمِيعَهُ.

ــ

قوله: والوَاجِبُ مِن ذلك ثوبٌ يَسْترُ جَميِعَه. يعْنِى، الذَّكَرَ والأُنْثَى، والكبِيرَ

ص: 133

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والصَّغِيرَ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: تجِبُ ثَلاثَةُ أثْوابٍ.

اخْتارَه القاضى. وهو ظاهرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ. وقيل: تجِبُ خَمْسَةٌ. ذكَره ابنُ تَميمٍ. وتقدَّم ذلك أوَّلَ الفَصْلِ بأتَمَّ مِن هذا وزِيادَةٍ.

ص: 134

فَصْلٌ فِى الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ:

ــ

فوائد؛ قوله: فَصْلٌ فى الصَّلاةِ على المَيِّتِ. تقَدَّم فى كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ الصَّلاةَ فرضٌ على الكِفَايَةِ. وتقدَّم مَن أوْلَى بالصَّلاةِ عليه، فى كلامِه أيضًا. وتُسَنُّ لها الجَماعَةُ بلا نِزاعٍ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنها تَسقُطُ بصَلاةِ رَجُلٍ أو امْرأةٍ.

قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «مَجْمَعِ

ص: 135

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البَحْرَيْن». وعنه، لا تسْقُطُ إلَّا بثَلَاثةٍ فصاعِدًا. وقيل: لا تَسْقُطُ إلَّا باثْنَيْن فصاعِدًا. اخْتارَه صاحِبُ «الرَّوْضَةِ» . وقيل: تسْقُطُ بنِساءٍ وخَناثَى عندَ عدَمِ الرِّجالِ، وإلَّا فلا. قال ابنُ تَميم: وهو ظاهِرُ كلامِ بعضِ أصحابِنا. وجزَم به فى «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ» . وقدَّم المَجْدُ سقُوطَ الفَرْضِ بفِعْلِ المُمَيَّزِ كغُسْلِه، وقدَّمه فى «مَجْمَع البَحْرَيْن». وقيل: لا تسْقُطُ؛ لأنَّها نَفْلٌ. جزَم به أبو المَعالِى. وأطْلَقَهما فى «الرعايَةِ» ، و «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ». ويأْتِى هل يُسَنُّ للنِّساءِ الصَّلاةُ على المَيِّتِ جماعةً؟ عندَ قوْلِه: وإنْ لم يحْضُره غيرُ النِّساءِ، صَلَّيْنَ عليه. مُسْتَوْفًى.

فائدتان؛ إحْدَاهما، يُستَحَبُّ أنْ لا تنْقُصَ الصُّفُوفُ عن ثَلاثةٍ. نصَّ عليه. فلو وقَف فيها فَذًّا، جازَ عندَ القاضى فى «التَعْليقِ» ، وابنِ عَقِيلٍ، وأبِى المَعالِى، وأنَّه أفْضَلُ أنْ يعيَّنَ صفًّا ثالثًا. وجزَم به فى «الِإفاداتِ». قال فى «الفُصُولِ»: فتكونُ مسْألَةَ مُعاياةٍ. انتهى. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، عدَمُ الصِّحَّةِ، كصلاةِ الفَرْضِ. وتقدَّم ذلك مُسْتَوْفًى فى صَلاةِ الجماعةِ؛ عندَ قولِه: وإنْ صلَّى رَكْعَةً فَذًّا، لم يصِحَّ. الثَّانيةُ، لم يُصَلَّ على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بإمامٍ، إجْماعًا. قالَه ابنُ عَبْدِ البَر؛ احتِرامًا له وتَعظيمًا. ورَوَى الطَّبَرانِىُّ، والبَزَّارُ، أنَّه [صلى الله عليه وسلم] (1) أوْصَى بذلك (2). قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: قلتُ: ولأنَّه لم يكُنْ قد اسْتَقَرَّ خَلِيفَةٌ بعدُ، فيُقَدَّمُ، فلو تَقَدَّم أحَدٌ رُبَّما أفْضَى إلى شَحْناءَ. انتهى. قلتُ: فيه نظَرٌ، والذى يظْهَرُ، أنَّ أبا

(1) زيادة من:.

(2)

ذكره الهيثمى فى: مجمع الزوائد 9/ 24.وقال: رواه البزار، والطبرانى فى الأوسط.

ص: 136

السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، ووَسَطِ الْمَرْأَةِ ،

ــ

بَكْرٍ تَولَّى الخِلافَةَ (1) قبلَ دَفْنِه.

قوله: السُّنَّةُ أنْ يَقُومَ الِإمامُ عندَ رَأْسِ الرَّجُلِ. هذا إحْدَى الرِّوايتَيْن. جزَم به فى «الكافِى» ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه». وقدَّمه فى «الشَّرحِ». وهو المشْهورُ فى حديثِ أنَسٍ. قال فى «مَجْمعِ البَحْرَيْن»: اخْتارَه المُصَنِّفُ.

والرِّوايةُ الثانيةُ، أنَّه يقِفُ عندَ صدْرِ الرَّجُلِ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونَقَلَها الأكثرُ أيضًا. قال فى «الفُروعِ»: نقَله واخْتارَه الأكثرُ.

قال الزَّرْكَشِىُّ: نَصَّ عليها فى رِوايَةِ عَشَرَةٍ مِن أصحابِه. قال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» (2): لا يخْتلِف المذهبُ أنَّه يقِفُ عندَ صَدْرِ الرَّجُلِ، وعندَ مَنْكِبَيْه. وجزَم به الخِرَقِىُّ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيص» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الإفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميم» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم:

(1) زيادة من: أ.

(2)

3/ 452.

ص: 137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وصحَّحه ابنُ هُبَيْرَةَ. قال المَجْدُ، والشَّارِحُ: القَوْلان مُتَقَارِبان؛ فإنَّ الواقِفَ عندَ أحَدِهما، يُمْكِنُ أنْ يكونَ عندَ الآخَرِ لتَقارُبِهما، فالظَّاهِرُ، أنَّه وَقَفَ بينَهما.

وأطْلَقَهما فى «تَجْريدِ العِنايةِ» . وقيل: يقومُ عندَ مَنْكِبَيْه. وتقدَّم فى كلامِه فى «المُغْنِى» .

قوله: ووَسَطِ المَرْأَةِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونقَله الأكثرُ عنِ الإمامِ أحمدَ. وعنه، يقِفُ عندَ صَدْرِ الرَّجُلِ والمرْأةِ. وهو قوْلٌ فى «الرِّعايَةِ» .

قال الخَلَّالُ: رِوايَةُ قِيامِه عندَ صَدْرِ المرأةِ سَهْوٌ، فيما حُكِىَ عنه، والعَمَلُ على ما

ص: 138

وَيُقَدَّمُ إِلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ، وَيُجْعَلُ وَسَطُ الْمَرْأَةِ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ. وَقَالَ الْقَاضِى: يُسَوَّى بَيْنَ رُءُوسِهِمْ.

ــ

رَوَاه الجماعةُ. وأطْلَقَهما فى «تَجْريدِ العِنايَةِ» . فعلى المذهبِ فى المَسْألَتَيْن، يقومُ مِنَ الخُنْثَى بينَ الصَّدْرِ والوَسَطِ، [وكذا لو اجْتَمَعَ رجُلٌ وامرأةٌ، على إحْدَى الرِّواياتِ. وهو ظاهرُ كلام الخِرَقِىِّ، واخْتِيارُ أبِى الخَطَابِ فى «خِلافِه» .

قال: والمنْصوصُ، وبها قطَعَ القاضى فى «التَّعْليقِ» ، و «الجامِعِ» ، والشَّرِيفُ، يُسوِّى بين رأسَيْهما، ويقِفُ حِذاءَ صَدْرِهما. وعنه، التَّخْيِيرُ، مع اخْتِيارِ التَّسويَةِ] (1).

قوله: ويُقَدَّمُ إلى الِإمامِ أفْضَلُهم. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ.

وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الرِّعايةِ» ، وغيرِهم.

(1) فى ط: «ويأتى الخلاف، فى محل الوقوف إذا اجتمع الرجال والنساء قريبا، وتحريره. فائدة: لم يذكر المصنف ولا غيره موقف المنفرد. قال ابن نصر الله: والظاهر، أنه كالإمام. انتهى. وهو كما قال.

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم به ابنُ تَميمٍ. وقيل: يُقَدَّمُ الأكبرُ. وقيل: يُقَدَّمُ الأدْيَنُ. وقيل: يُقَدَّمُ السَّابِقُ، إلَّا المرأةَ. جزَم به أبو المَعالِى. وقال: لا يجوزُ تقْديمُ النِّساءِ على الرِّجالِ.

انتهى. ثم القُرْعَةُ، ومع التساوِى يُقَدَّمُ مَنِ اتَّفَقَ.

فوائد؛ إحْدَاها، يُسْتَحَبُّ أنْ يُقَدَّمَ إلى الِإمامِ الرَّجُلُ الحُرُّ، ثم العَبْدُ البالِغُ، ثم الصَّبِىُّ الحُرُّ، ثم العَبْدُ، ثم الخُنْثَى، ثم المرأةُ الحُرَّةُ، ثم الأمَةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ونقَلَه الجماعةُ عنِ الإمامِ أحمدَ. وجزَم به فى «الإفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ». وقال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن»: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وصحَّحَه فى «البُلْغَةِ» . وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ،

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «ابنِ تَميم» ، و «الرعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الحَواشِى» ، و «الفائقِ» ، و «الشَّرحِ» ، وغيرِهم.

وعنه، تُقَدَّمُ المرأةُ على الصَّبِىِّ. وهو مِنَ المُفرَداتِ. واخْتارَها الخِرَقِىُّ، وأبو الوَفاءِ، ونَصَرها القاضى وغيرُه. وعنه، تُقَدَّمُ المرأةُ على الصَّبِىِّ والعَبْدِ. وهو خِلافُ ما ذكَره غيرُ واحدٍ إجْماعًا. وعنه، يُقَدَّمُ الصَّبِىُّ على العَبْدِ. اخْتارَها الخَلَّالُ. وعنه، يُقَدَّمُ العبْدُ على الحُرِّ إذا كان دُونَه. وقيل: هما سواءٌ. وتقدَّم

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك فى صَلاةِ الجماعةِ، عندَ قولِه: وكذلك يُفعَلُ بهم فى تقْديمِهم إلى الِإمامِ، إذا اجْتَمَعَتْ جَنائِزُهم. الثَّانيةُ، يُقَدَّمُ الأفْضَلُ أمَامَهما فى المَسيرِ. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه. الثَّالثةُ، قال فى «الحَواشِي»: قال غيرُ واحدٍ: والحُكْمُ فى التَّقْديمِ إذا دُفِنُوا فى قَبْرٍ واحدٍ، حُكْمُ التَّقْديمِ إلى الِإمامِ، على ما تقدَّم. وقطَع به ابنُ تَميمٍ.

الرَّابعةُ، جَمْعُ الموْتَى فى الصَّلاةِ أفْضَلُ مِنَ الصَّلاةِ عليهم مُنْفَرِدين. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقيل: عكْسُه. قال فى «المُذْهَبِ» : إذا اجْتمعَتْ جَنائزُ رِجالٍ ونِساءٍ، فإنْ أُمِنَ التَّغَيُّرُ عليهم، فالأفْضَلُ أنْ يصَلَّى على كلِّ جِنازَةٍ وحدَها. فإنْ خِيفَ عليهم التَّغَيُّرُ، وأمْكَنَ أنْ يُجعَلَ لكُلِّ واحدٍ إمامٌ، فعَل ذلك.

وإنْ لم يمْكِنْ ذلك، صُلِّىَ عليهم صَلاةٌ واحدةٌ. انتهى. ووَجَّه فى «الفُروعِ» احْتِمالًا بالتَّسْوِيةِ.

ص: 142

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ويُجْعَلُ وَسَطُ المَرأةِ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ. وهذا بِناءً منه على ما قالَه أوَّلًا؛ أنَّه يقومُ عندَ رأْسِ الرَّجُلِ ووَسَطِ المرأةِ. وتقدَّمَ أنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، أنَّه يقومُ عندَ صدْرِ الرَّجُلِ ووَسَطِ المرأةِ. فكذا يجعَلُ إذا اجْتَمَعُوا. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الهِدايَة» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وقدَّم المُصَنِّفُ هنا بأنَّه يُخالِفُ بينَ رُءُوسِهم عندَ الاجْتِماعِ. قال فى «المُغْنِى» (1): وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شرحِه» : هذا المذهبُ. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والشيرَازِىُّ. وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ،. و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الخُلاصَةِ». وهو ظاهِرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال القاضى: يُسَوِّى بينَ رُءوسِهم، ويقومُ مقامَه

(1) 3/ 454.

ص: 143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنَ الرِّجالِ. وهو رِوايةٌ عن أحمدَ، نقَلَها جماعةٌ. قال فى «الفُروعِ»: اختارَه جماعةٌ. قال الزَّركَشِىُّ: هى المنْصوصَةُ عن أحمدَ. واخْتارَها القاضى فى «الجامِعِ» ، و «التَّعْليقِ» ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ. وجزَم به فى «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الهَادِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الِإفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «الكافِى» ، و «الفائقِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، ونَصَرَه. وصحَّحه فى «النَّظْمِ» . وأطلَقَهما فى «الشَّرحِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «ابنِ تَميم» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» . وعنه، التَّخْيِيرُ مع

اخْتِيارِ التَّسْوِيَةِ. قال ابنُ عَقِيلٍ: إنْ جَعَل المرْأَةَ عندَ صَدْرِ الرَّجُلِ أو أسْفَلَه، فلا بأْسَ.

فائدتان؛ إحْدَاهما، لو اجْتَمَعَ رِجالٌ مَوْتَى فقط، أو نِساءٌ فقط، فالصَّحِيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُسَوَّى بينَ رُءوسِهم، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، يُجْعَلُون درَجًا؛ رأْسُ هذا عندَ رِجْلِ هذا، وأنَّ هذا والتَّسْوِيَةَ سواءٌ. قال الخَلَّالُ: على هذا ثَبَت قوْلُه. وأمَّا الخَناثَى إذا اجْتَمعوا، فإنَّه يُسَوَّى بينَ رُءوسِهم. الثَّانيةُ، إذا اجْتَمَعَ مَوْتَى، قُدِّمَ مِنَ الأوْلِياءِ للصَّلاةِ عليهم أوْلَاهُم بالإمامَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ

ص: 144

وَيُكَبِّرُ أرْبَعَ تَكْبِيراتٍ، يَقْرأُ فى الأولَى الْفَاتِحَةَ، ويُصَلِّى عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فى الثَّانِيَةِ ،

ــ

المذهبِ. جزَم به فى «المُذْهَبِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، ونَصَره، وغيرِهما. وقيل: يُقَدَّمُ وَلِىُّ أسْبَقِهم حُضورًا. اخْتارَه القاضى. وقيل: يُقَدَّمُ ولِىُّ أسْبَقِهم مَوْتًا. وقيل: يُقدَّم وَلِىُّ أسْبَقِهم غَسْلًا. وأطْلَقَهُنَّ ابنُ تَميمٍ. فإنْ تَساوَوْا، أُقْرِعَ. ولوَلىِّ كلِّ مَيِّتٍ أنْ يَنْفَرِدَ بصَلاِته على مَيِّتِه.

قوله: ويُكَبِّرُ أربعَ تَكْبيراتٍ؛ يَقْرَاُ فى الأولَى بالفاتِحَةِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا،

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يقْرَأُ الفاتِحَةَ إنْ صلَّى فى المَقْبَرَةِ. نصَّ عليه فى رِوايَةِ البُرزاطِىّ.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يزِيدُ على الفاتحةِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَعوا به، حتى قال ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُصولِ»: لا يقْرَأُ غيرَها بغيرِ خِلافٍ فى مَذْهَبِنا. وقال فى «التَّبْصِرَةِ» : يقْرَأُ الفاتحةَ وسُورَةً.

ص: 146

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْدَاهما، يَتَعَوَّذُ قبلَ قِراءةِ الفاتحةِ. علىِ الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.

وعنه، لا يَتَعَوَّذُ. قال القاضى: يُخَرَّجُ فى الاسْتِعاذةِ رِوايَتان. وأطْلَقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «التَّلْخيص» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الرعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. الثَّانيةُ، لا يَسْتَفْتِحُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ،

ص: 147

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وعنه، بلَى. اخْتارَه الخَلَّالُ. وجزَم به فى «التَّبْصِرَةِ» . وأطْلَقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» .

قوله: ويُصَلِّى على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فى الثَّانيَةِ. كما فى التَّشَهُدِ، ولا يزِيدُ عليه.

ص: 148

ويَدْعُو فِى الثَّالِثَةِ ،

ــ

وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم. واسْتَحَبَّ القاضى أنْ يقولَ، بعدَ الصَّلاةِ على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ صَلِّ على مَلائِكَتِك والمُقَرَّبِين، وأنْبِيائِك والمُرْسَلِين، وأهْلِ طاعَتِك أجْمَعِين. لأنَّ عَبْدَ اللهِ نقَل: يصَلِّى على

النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، والمَلائِكَةِ والمُقَرَّبِين (2). وقيل: لا تَتَعَيَّنُ الصَّلاةُ على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنْ تكونَ كالتى فى التَّشَهُّدِ. وهو ظاهرُ كلام المُصَنِّفِ هنا. وجَزم به فى «الكافِى» .

تنبيه: قوله: ويَدعُو فى الثَّالثةِ. يعْنِى، يُسْتَحَبُّ أنْ يدْعُوَ بما ورَد؛ وممَّا ورَد، ما قالَه المُصَنِّفُ. ووَرَد غيرُه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الدُّعاءَ يكونُ فى الثَّالثةِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. ونقَل جماعةٌ عن أحمدَ، يدْعُو للمَيِّتِ بعدَ

ص: 149

فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا؛ إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ

شَيْءٍ قَدِيرٌ ،اللَّهُمَّ مَنْ أحْيَيْتَهُ منَّا فَأحْيِهِ عَلى الإسْلامِ والسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا ، [40 ظ]

ــ

الرَّابعَةِ، وللمُسْلِمِين بعدَ الثَّالثةِ. اخْتارَه الخَلَاّلُ. واحْتَجَّ المَجْدُ فى ذلك، على أنَّه

ص: 150

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوْبِ وَالْخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأبيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَزَوْجًا خيْرًا مِنْ زَوْجهِ، وَأدْخِلْهُ الجَنَّةَ ،وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ ، وَافْسَحْ لَهُ فِى قَبْرِهِ ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ.

ــ

لا يتَعَيَّنُ الدُّعاءُ للمَيِّتِ فى الثَّالثةِ، بل يجوزُ فى الرَّابعَةِ، ولم يحْكِ خِلافًا. قال

ص: 151

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الزَّرْكَشِىُّ، بعدَ ذِكْرِ الرِّوايتَيْن هنا: قال الأصحابُ: لا تتَعَيَّنُ الثَّالثةُ للدُّعاءِ، بل

ص: 152

وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ ، وَفَرَطاً وَأَجْراً ،

ــ

لو أخَّر الدُّعاءَ للمَيِّتِ إلى الرَّابعَةِ، جازَ.

قوله: وإنْ كان صَبِيًّا قال: اللَّهُمَّ اجْعَلْه ذُخْرًا لِوَالِدَيْه، إلى آخره. وكذا يُقالُ

ص: 153

وَشِفِيعاً مُجَاباً. اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا ، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا ، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاجْعَلْهُ فِى كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ ، وَقِهِ

بِرَحْمَتِكَ عَذَاْبَ الْجَحِيمِ.

ــ

فى الأُنْثَى الصَّغيرَةِ، ولا يَزيدُ على ذلك. وذكَر فى «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه، إنْ كان صغِيرًا، زادَ الدُّعاءَ لوالِدَيْه بالمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ، للخَبَرِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» .

واقْتَصَرَ جماعةٌ مِنَ الأصحابِ علي الدُّعاءِ لوالِدَيْه بالمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ، للخَبَرِ، لكنْ زادَ، والدُّعاءَ له. وزادَ جماعةٌ، سُؤالَ المَغْفِرَةِ له. وفى «الخِلافِ» للقاضى وغيرِه، فى الصَّبِىِّ، الأشْبَهُ أنَّه يُخالِفُ الكبيرَ فى الدُّعاء له بالمَغْفِرَةِ، لأنَّه لا ذَنْبَ عليه. وكذا فى «الفُصولِ» ، أنَّه يدْعُو لوالِدَيْه؛ لأنَّه لا ذَنْبَ له، فالعُدولُ إلى الدُّعاءِ لوالِدَيْه هو الأشْبَهُ.

فوائد، إحْدَاها، إنْ لم يعْرِفْ إسْلامَ والِدَيْه، دَعا لمَوالِيه. قال فى «الفُروعِ»: ومُرادُهم فى مَن بلَغ مجْنونًا وماتَ، أنَّه كَصَغيرٍ. الثَّانيةُ، نقَل حَنْبَلٌ وغيرُه، أنَّه يُشِيرُ فى الدُّعاءِ بإصْبَعَيْه. ونقَل الأَثْرَمُ وغيرُه، لا بَأْسَ بذلك.

قال ابنُ تَميمٍ، و «الفائقِ»: لا بأْسَ بالإشارَةِ حالَ الدُّعاءِ للمَيِّتِ. نصَّ عليه.

ص: 154

وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلاً ، وَيُسَلِّمُ تَسْليمَةً واحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ ،

ــ

الثَالثةُ، يقولُ فى الصَّلاةِ على الخُنْثَى المُشْكلِ: إنْ كان هذا المَيِّتُ أو الشَّخْصُ، إلى آخِرِهِ. قالَه فى «الرِّعايةِ» وغيرِه. وقالَه ابنُ عَقِيلٍ، وأبو المَعالِى وغيرُهم.

ويقولُ فى الصَّلاةِ على المرْأةِ: إنَّ هذه أمَتُك بِنْتُ أمَتِك، إلى آخرِه.

قوله: ويَقِفُ بعدَ الرَّابِعَةِ قليلًا. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَعوا به. ولم يذْكُرْ جماعةٌ منهم الوُقوفَ بعدَ الرَّابعَةِ.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يدعو بشئٍ بعدَ الرَّابعَةِ. وهو صحيحٌ.

وإنَّما يقِفُ قلِيلاً بعدَها؛ ليُكَبِّرَ آخِرُ الصُّفوفِ، وهو المذهبُ. نقَله الجماعةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ. واخْتارَه الخِرَقِىُّ، وابنُ عَقِيل، والمُصَنِّفُ وغيرُهم. وقدَّمه فى «الفُروَعِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رزِين» . وهو ظاهِرُ كلامِه فى

ص: 155

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الوَجيزِ» ، و «إدْرَاكِ الغايَةِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» .

وعنه، يقِفُ ويدْعُو. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والآجُرِّىّ، وأبو الخَطَّابِ، والمَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» وغيرُهم. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الإفاداتِ» . وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» . قال

فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : هذا أظْهَرُ الرِّوايتَيْن. وأطْلَقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «الكافِى» ، و «ابن تَميمٍ» ، و «مَسْبُوكِ الذَهَبِ» . فعلى هذه الرِّوايَة، يُسْتَحَبُّ أنْ يقولَ: اللَّهُمَ رَبَّنا آتِنا فى الدُّنْيا حَسَنَةً، ؤفى الآخِرَةِ حسَنةً، وقِنَا عذَابَ النَّارِ. على الصَّحيحِ. اخْتارَه ابنُ أبِى مُوسى. وجزَم به فى «الهِدايَة» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحاوِيَيْن» . وحَكاه ابنُ الزَّاغُونِىِّ عنِ الأكْثَرِين. واخْتارَه المَجْدُ. وهو ظاهرُ نَصِّ الإمام أحمدَ. وقدَّمه فى

«الفُروعِ» ، و «الرعايتَيْن» ، و «مَجْمعِ البَحْرَيْن». وقيل: المُسْتحَبُّ أنْ

ص: 156

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يقولَ: اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنا أجْرَه، ولا تَفْتِنَّا بعْدَه، واغْفِرْ لَنا وله. اخْتارَه أبو بَكْرٍ.

قالَه ابنُ الزَّاغُونِىِّ. وقال أيضًا: كلٌّ حسَنٌ. وذكَر فى «الوَسِيلَةِ» رِوايةً، ويقولُ إيَّهما شاءَ. قال فى «الِإفاداتِ»: يقولُ: رَبَّنا آتِنَا فى الدُّنْيا حَسَنَةً، إلى آخِرِه. أو يدْعُو. وقال فى «البُلْغَةِ»: ويدْعُو بعَدَ الرَّابعَةِ دُعاءً يسِيرًا. وعنه، يُخْلِصُ الدُّعاءَ للمَيِّتِ فى الرَّابعَةِ. نصَّ عليه. واخْتارَه الخَلَّالُ. وتقدَّم ذلك قرِيبًا.

فائدة: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يتَشَهَّدُ بعدَ الرَّابعَةِ ولا يُسَبِّحُ مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَعوا به، ونصَّ عليه. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه واخْتارَ حَرْبٌ، مِن كِبارِ أئمَّةِ الأصحابِ، أنَّه يقولُ: السَّلامُ عَلَيْك أيُّها النَّبِىُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبرَكاتُه، السَّلامُ علينا، وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالِحِين، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشْهَدُ أنَّ محمدًا عبْدُه ورسُولُه.

قوله: ويُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً واحِدَةً. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. واسْتَحَبَّ القاضى أنْ يُسَلِّمَ تسْليمَةً ثانيةً عن يَسارِه. ذكَره الحَلْوانِىُّ وغيرُه رِوايةً. فعلى المذهبِ، يجوزُ الِإتيانُ بالثَّانيةِ مِن غيرِ اسْتِحْبابٍ. وقال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّ ظاهِرَ كلامِ أحمدَ يُكْرَهُ؛ لأنَّه لم يعْرِفْه.

ص: 157

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: عن يَمِينِه. بلا نِزاعٍ، ونصَّ عليه. ويجوزُ تِلقاءَ وَجْهِه. نصَّ عليه.

وجَعَله بعضُ الأصحابِ الأوْلَى. وتقدَّم فى صِفَةِ الصَّلاةِ، هل تجِبُ، ورَحْمَةُ اللهِ أم لا؟

ص: 158

وَيَرْفَعُ يَدَيهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ.

ــ

فائدة: قال فى «الفُروعِ» : ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ، أنَّ الإمامَ يجْهَرُ بالتَّسْليمِ، وظاهرُ كلامِ ابنِ الجَوْزِىِّ، أنَّه يُسِرُّ. انتهى. قلتُ: قال فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَهَبِ»: والهَيْئاتُ رَفْعُ اليَدَيْن مع كلِّ تكْبيرةٍ، والإخْفاتُ بالأذْكارِ ما عدَا التَّكْبيرةَ، والالْتِفاتُ فى التَّسْليمِ إلى اليَمِينِ. انتهى.

وقال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن»: ثم يُسَلِّمُ عن يَمينه. نصَّ عليه. وقيل:

ص: 159

وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ ، الْقِيَامُ ، والتَّكْبِيراتُ ، وَالْفَاتِحَةُ ، والصَّلاةُ عَلَى النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم ، وَأدْنَى دُعَاءٍ لِلميِّتِ ، وَالسَّلامُ.

ــ

يُسِرُّه.

قوله: والوَاجِبُ مِن ذلك، القِيَامُ. تبعَ فى ذلك أكثرَ الأصحابِ. ومُرادُه، إذا كانتِ الصَّلاةُ فرْضًا. قالَه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَة» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُه، ولو تكَرَّرَتْ أنَّ فِعْلَ

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّلاةِ الثَّانيةِ فرْضٌ. وقال في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : قلتُ: وقِياسُ جَوازِ صَلاةِ النَّافِلَةِ مِنَ القاعِدِ، وجَوازِ صَلاةِ الجِنازَةِ قاعِدًا، إذا كان قد صَلَّى عليه مَرَّةً.

انتهى. قلتُ: قد ذكَروا في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، الأرْكانَ، ولم يذْكُروا القِيامَ.

فظاهِرُهَ أنَّه غيرُ رُكْنٍ، ولم أرَ مَن صرَّح بذلك مُطْلَقًا.

قوله: والتَّكْبِيرَاتُ. بلا نِزاعٍ، لكنْ لو ترَك تكْبِيرةً عمْدًا، بَطَلَتِ الصَّلاةُ، وسَهْوًا يكَبِّرُها ما لم يَطُلِ الفَصْلُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يُعيدُها كما لو طالَ.

قوله: والفَاتِحَةُ. هذا المذهبُ، والصَّحيحُ مِنَ الرِّوايتَيْن، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، لا تجبُ. ولم يُوجِبِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ القِراءةَ، بل اسْتَحَبَّها. وهو ظاهِرُ نقْلِ أبَى طالبٍ. ونقَل ابنُ وَاصِلٍ (1) وغيرُه، لا بأْسَ. وعنه، لا يقْرأُ الفاتحةَ في المَقْبَرَةِ. وتقدَّمَتْ هذه الرِّوايَةُ.

قوله: والصَّلَاةُ على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. وهذا المذهبُ، وأطْلقَه أكثرُ الأصحابِ.

وجزَم به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم.

وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الحَواشِى». قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: في الأصحِّ. وقال المَجْدُ وغيرُه: يجِبُ إنْ وَجَبَتْ في الصَّلاةِ، وإلَّا فلا. وقطَع به ابنُ تَميمٍ، وصاحِبُ «الفائقِ» . وهو ظاهِرُ ما اخْتارَه في «النُّكَتِ» .

(1) هو محمد بن أحمد بن واصل المصري، أبو العباس. . عنده عند أبي عبد الله مسائل حسان. طبقات الحنابلة 1/ 263، 264.

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: والسَّلامُ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وُجوبُ التَّسْليمَةِ الواحدةِ، وهي الأوْلَى، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، ثِنْتَان. خرَّجَها أبو الحُسَيْنِ وغيرُه.

وهي مِنَ المُفْرَداتِ.

فائدة: قال في «الفُروعِ» ، بعدَ أنْ ذكَر الواجِبَ: ولعَلَّ ظاهِرَ ذلك، تعَيُّنُ القِراءةِ في الأُولَى، والصَّلاةِ في الثَّانيةِ، والدُّعاءِ في والثَّالثةِ، خِلافًا «للمُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى». ولم يسْتَدِلَّ في «الكافِى» لِمَا قال. وقالَه في «الوَاضِحِ» في القِراءَةِ في الأُولَى. وهو ظاهِرُ كلامِ أبِى المَعالِى وغيرِه. وسبَق كلامُ المَجْدِ. انتهي. قلتُ: صرَّح في «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» بالتَّعْيينِ.

فقال: وأقَلُّ ما يُجْزِئُّ في الصَّلاةِ سِتَّةُ أرْكانٍ؛ النِّيَّةُ، والتَّكْبِيراتُ الأرْبَعُ، والفاتحةُ بعدَ الأُولَى، والصَّلاةُ على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، بعدَ الثَّانيةِ، والدُّعاءُ للمَيِّتِ بعدَ الثَّالثةِ، والتَّسْلِيمَةُ مرَّةً واحدةً. انتهي.

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ يُشْتَرَطُ لصلاةِ الجِنازَةِ ما يُشْترطُ للصَّلاةِ المَكْتوبَةِ، على ما تقدَّم، إلَّا الوَقْتَ. قال المَجْدُ، وصاحِبُ «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، وابنُ تَميمٍ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم: ويُشْتَرَطُ أيضًا حُضورُ المَيِّتِ بينَ يَدَيْه، فلا تصِحُّ الصَّلَاةُ على جِنازَةٍ محْمولَةٍ. وصرَّح به جماعةٌ في المَسْبُوقِ. قال المَجْدُ وغيرُه: قُرْبُها مِنَ الإِمامِ مقْصودٌ، كقُرْبِ المأْمومِ مِنَ الإمامِ؛ لأنَّه يُسَنُّ الدُّنُوُّ منها. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: للصَّلاةِ على جِنازَةٍ مَحْمولَةٍ مأْخَذان؛ الأوَّلُ، اشْتِراطُ اسْتِقْرارِ المَحَلِّ، فقد يُخَرَّجُ فيه ما في الصَّلاةِ في السَّفينَةِ، وعلى الرَّاحِلَةِ مع اسْتِيفاءِ الفَرائضِ وإمْكانِ الانْتِقالِ. وفيه روايَتان. والثَّانِى، اشْتِراطُ مُحاذَاةِ المُصَلِّى للجنازَةِ، بحيثُ لو كانتْ أعْلَى مِن رَأْسِه، وهذا قد يُخَرَّجُ فيه ما في عُلُوِّ الإمامِ على المأمَومِ، فلو وُضِعَتْ على كُرْسِيٍّ عالٍ، أو مِنْبَرٍ، ارْتَفَعَ المَحْذورُ الأوَّلُ دونَ الثَّانِى. انتهى. وقال أبو المَعالِى أيضًا: لو صُلِّىَ على جِنازَةٍ وهي مَحْمولَةٌ على الأعْناقِ، أو على دابَّةٍ، أو صَغِيرٍ على يدَىْ رَجُلٍ، لم يَجُزْ؛ لأنَّ الجِنازَةَ بمَنْزِلَةِ الإمامِ. ولو صُلِّىَ عليها، وهي مِن وَرَاءِ جِدارٍ، لم يصِحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ

المذهبِ. وقال القاضي في «الخِلافِ» : صلاةُ الصَّفِّ الأخيرِ جائزةٌ، ولو حصَل بينَ الجِنازَةِ وبينَه مَسافَةٌ بعيدةٌ. ولو وقَف في مَوْضِع الصَّفِّ الأخيرِ بلا حاجَةٍ، لم يَجُزْ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: ولا تصِحُّ الصَّلاةُ على مَن في تَابوتٍ مُغَطَّى، وقيل: إنْ أمْكَنَ كشْفُه عادةً، ولا مِن وَرَاءِ جِدارٍ أو حائلٍ غيرِه. وقلتُ: يصِحُّ كالمكَبَّةِ. انتهى. وقال في «الرِّعايَةِ» أيضًا: ولا يجِبُ أنْ يُسامِتَ الإمامُ المَيِّتَ، فإنْ لم يُسامِتْه كُرِهَ، وصحَّتْ صَلاتُه. انتهى. ويُشْترَطُ أيضًا، تَطْهِيرُ المَيِّتِ بماءٍ، أو تيَمُّمٍ لعُذْرٍ أو عدَمٍ، فإنْ تعَذَّر صلَّى عليه. ويُشْتَرَطُ أيضًا، إسْلامُ المَيِّتِ. ولا يُشْترَطُ معْرِفَةُ عيْنِ المَيِّتِ، فيَنْوِى الصّلاةَ على الحاضرِ. على

ص: 164

وَإنْ كَبَّرَ الإمَامُ خَمْسًا كُبِّرَ بِتَكْبِيرِهِ. وَعَنْهُ، لَا يُتَابَعُ في زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ. وَعَنْهُ، يُتَابَعُ إِلَى سَبْعٍ.

ــ

الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: إنْ جَهِلَه نَوَى مَن يُصَلِّى عليه الامامُ. وقيل: لا.

فعلى المذهبِ، الأوْلَى معْرِفَةُ ذُكُوريَّتِه وأُنوثِيَّتِه، واسمِه، وتَسْمِيَتُه في دُعائِه. وإنْ نَوَى أحَدَ المَوْتَى، اعْتُبِرَ تَعْيِينُه، كتَزْويجِه إحْدَى مُولِيَتَيْه، فإنْ بانَ غيرُه، فجزَم أبو المَعالِى، أَنَّها لا تصِحُّ. وقال: إنْ نَوَى على هذا الرَّجُلِ، فَبَانَ امْرأةً، أو عكْسُه، فالقِياسُ الإِجْزاءُ، لقُوَّةِ التَّعْيين على الصِّفَةِ في الأيْمانِ وغيرِها. قال في «الفُروعِ»: وهو معْنَى كلامٍ غيرِه. وقال في «الرِّعايَةِ» : وإنْ نَوَى أحَدَ الموْتَى، عَيَنّهَ، فإنْ عَيَّن مَيِّتًا فَبَان غيرُه، احْتَمَلَ وَجْهَيْن.

قوله: وإنْ كبَّر خَمْسًا كُبِّرَ بتَكْبيرِه ولم يُتابَعْ على أزيدَ منها. وهذا إحْدَى الرِّواياتِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هي أشْهَرُ الرِّواياتِ. قال الشَّارِحُ: هذا ظاهِرُ المذهبِ. واخْتارَه الخِرَقِي، والمُصَنِّفُ. وقدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، و «النَّظْمِ» . وعنه، لا يُتابَعُ في زِيادَةٍ على أرْبَعٍ. قال أبو المَعالِى: هذا المذهبُ. قال في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : هي ظاهِرُ كلامِ أبِى

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخَطّابِ. وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِهِ» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ،

و «الحاوِيَيْن» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وعنه، يُتابَعُ إلى شَبْعٍ، وهي المذهبُ. نَقَلها الجماعةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ. واخْتارَها أبو بَكْرٍ

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخَلَّالُ، وأبو بَكْرٍ عبدُ العَزيزِ، وابنُ بَطَّةَ، وأبو حَفْصٍ، والقاضى، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ، وأبو الحُسَيْنِ، والمَجْدُ، وغيرُهم. قال الزَّرْكَشِىُّ:

ص: 167

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اخْتارَها عامَّةُ الأصحابِ. قال في «تَجْريدِ العِنايَةِ» : تُوبعَ على الأظْهَرِ إلى سَبْعٍ.

وجزَم به في «الإفاداتِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الفائقِ» . وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وأطْلَقَهُنَّ في «المُذْهَبِ» ،

و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وعلى الرِّواياتِ كلِّها، المُخْتارُ

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أرْبعًا. نصَّ عليه في رِوايَةِ الأثْرَمِ.

فوائد؛ إحْدَاها، لا يُتابَعُ الإِمامُ إذا زادَ على أرْبَعٍ، إذا عُلِمَ أو ظُنَّ بِدْعَتُه أو رَفْضُه لإظْهارِ شعارِهم. ذكَرَه ابنُ عَقِيل محَلَّ وفاقٍ. نقَلَه عنه في «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ» . فيكونُ مُسْتَثْنًى مِنَ الخِلافِ في كلامِ الأصحابِ، مع أنَّ ظاهِرَ كلامَ المُصَنِّفِ وغيرِه خِلافُ ذلك. الثَّانيةُ، قال المَجْدُ في

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«شَرْحِه» ، وتَبِعَه في «مَجْمَع البَحْرَيْن»: هل يدْعُو بعدَ الزِّيادَةِ؟ يَحْتَمِلُ أنْ يُخَرَّجَ على الروايتَيْن في الدُّعاءِ بعدَ الرَّابعَةِ. وهذا الصَّحيحُ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى». ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَدْعُوَ هنا. وإنْ قُلْنا: يدْعُو هناك. ويَحْتَمِلُ أنْ يدْعُوَ هنا فيما قبلَ الأخيرَةِ. وإنْ قُلْنا: لا يدْعُو هناك. وأطْلَقَهُنَّ ابن تَميمٍ. الثَّالثةُ، لو كبَّر، فجِئَ بجِنازَةٍ ثانيةٍ، أو أكْثرَ،

ص: 170

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فكَبَّر، ونَوَاها لهما، وقد بَقِىَ مِن تكْبيرِه أرْبَعٌ، جازَ على غيرِ الرِّوايَةِ الثَّانيةِ. نصَّ عليه. وخرَّج في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» عَدَمَ الجَوازِ بكُلِّ حالٍ. فعلى المنْصوصِ، يدْعُو عَقِيبَ كلِّ تكْبيرةٍ. اخْتارَه القاضي في «الخِلافِ». قال في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: وهو أصحُّ. وقيل: يُكَبِّرُ بعدَ التَّكْبيرةِ الرَّابعةِ مُتَتَابِعًا، كالمَسْبوقِ.

وهو احْتِمالٌ لابنِ عَقِيلٍ. وقيل: يقراُ في الخامسَةِ، ويصَلِّى على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، في السَّادسَةِ، ويدْعو في السَّابعَةِ. وهو المذهبُ. قدَّمه في «المُغْنِى» ، و «الشَّرَحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» وجزَم به في «الكافِى» وغيرِه. وأطْلَقَهُنَّ في «الفُروعِ» .

وأطْلَقَ القَوْلَيْن الأخِيرَيْن في «المُذْهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» .

وقال في «الرِّعايَةِ» : وقيلَ: يقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} . في الرَّابعَةِ، ويُصَلِّى

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، في الخامسَةِ، ويدْعُو للمَيِّتِ في السَّادِسَةِ، فيَحْصُلُ للرَّابعِ أَرْبَعُ تَكْبِيراتٍ. قال في «الفُروعِ»: وفى إعادةِ القراءةِ أو الصَّلاة للتى حضَرَتْ الوَجْهان. وأطْلَقَهما أيضًا ابنُ تَميمٍ، وابنُ حمْدانَ في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» .

والصَّوابُ، أنَّ القِراءةَ والصَّلاةَ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، على الجِنازَةِ لا تُشْرَعُ بعدَ التَّكْبيرةِ الثَّانيةِ. وهو مُرادُ صاحِب «الفُروعِ» . صرَّح به ابنُ حمْدانَ، وابنُ تَميمٍ.

والألِفُ في قوله: أو الصَّلاةِ. زائدةٌ. واللهُ أعلمُ.

فوائد، الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الصَّلاةَ لا تبْطُلُ بمُجاوزَةِ سَبْعِ تكْبِيراتٍ عَمْدًا. نصَّ عليه. وجزَم به في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» وغيرِها. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: تبْطُلُ. وذكَر ابنُ حامِدٍ وغيرُه، تبْطُلُ بمُجاوزَةِ أَرْبَعٍ عمْدًا، وبكُلِّ تَكْبيرةٍ لا يُتابَعُ عليها. فعلى المذهب، لا يجوزُ للمأْمومِ أنْ يُسَلِّمَ قبلَ الإِمامِ. نصَّ عليه. وجزَم به في «الرَّعايَةِ» وغيرِها. وقدَّمه في «الفُروع» . وذكَر أبو المَعالِى وَجْهًا، يَنْوِى مُفارَقَتَه ويسَلِّمُ. والمُنْفَرِدُ كالإِمامِ في الزِّيادَةِ. والمَسْبوقُ خلفَ الإمام المُجاوِزِ، إنْ شاءَ قَضَى ما فاتَه بعدَ سلامِ

الإمامِ، وإنْ شاءَ سلَّم معه. على الصًّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال بعضُ الأصحابِ.

والسَّلامُ معه أوْلَى. وقال في «الفُصولِ» : إنْ دخَل معه في الرَّابعَةِ، ثم كبَّر الإِمامُ

ص: 172

وَمَنْ فَاتَهُ شَىْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ [41 و]، قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ. وَقَالَ الْخِرَقِىُّ: يَقضِيهِ مُتَتَابعًا.

ــ

على الجِنازَةِ الرَّابعَةِ ثلاثًا، تمَّتْ للمَسْبوقِ صَلاةُ جِنازَةٍ، وهي الرَّابعَةُ، فإنْ أحَبَّ سلَّم معه، وإنْ أحَبَّ قَضَى ثلاثَ تَكْبيراتٍ لتَتِمَّ صلاتُه على الجميعِ. ويتَوجَّهُ احْتِمالٌ؛ تتِمُّ صلاتُه على الجميعِ وإنْ سلَّم معه؛ لتَمَامِ أرْبَع تكْبِيراتٍ للجميعِ.

والمَحْذورُ النَّقْصُ عن ثَلاثٍ، ومُجاوَزَةُ سَبْعٍ؛ ولهذا لو جِئَ بجِنازَةٍ خامسةٍ، لم يُكَبِّر عليها الخامِسَةَ. قالَه في «الفُروعِ» . ويجوزُ للمَسْبوقِ أنْ يدْخُلَ بينَ التكْبِيرتَيْن كالحاضرِ، إجْماعًا وكغيرِه. وعنه، ينْتَظِرُ تكْبِيرَه. وقال في «الفُصولِ»: إنْ شاءَ كَبَّر، وإنْ شاءَ انْتَظَرَ، وليس أحَدُهما أوْلَى مِنَ الآخَرِ، كسائرِ الصَّلَواتِ. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. ويقْطَعُ قِراءتَه للتَّكْبيرَةِ الثَّانيةِ، لأنَّها سُنَّةٌ. ويَتْبَعُه، كمَسْبوقٍ يرْكَعُ إمامُه. واخْتارَ المَجْدُ، يُتِمُّها ما لم يَخَفْ فَوْتَ الثَّانيةِ. وإذا كبَّر الإمامُ قبلَ فَراغِه أدْرَكَ التَّكْبِيرةَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كالحاضرِ، وكإدْراكِه راكِعًا. وذكَر أبو المَعالِى وَجْهًا، لا يدْرِكُ، ويدْخُلُ المَسْبوقُ بعدَ الرَّابعَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يدْخُلُ.

وقيل: يدْخُلُ إنْ قُلْنا: بعدَها ذِكْرٌ. وإلَّا فلا. ويقْضِى ثلاثَ تَكْبِيراتٍ. على الصَّحيحِ. وقيل: أَرْبَعًا.

قوله: ومَن فاتَه شَىْءٌ مِنَ التَّكْبِير، قَضَاه على صِفَتِه. هذا المذهبُ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وجزَم به في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الإِفاداتِ» ، و «تَذْكِرَةِ

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابنِ عَبْدُوسٍ»، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الشًرْحِ» . و «الفائقِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وقال الخِرَقِيُّ: يقضِيه مُتَتابِعًا. ونصَّ عليه. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ،

و «المُحَرِّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الزَرْكَشِىِّ» ، وقال: هو منْصوصُ أحمدَ.

وقال القاضي، وأبو الخَطَّابِ وغيرُهما: إنْ رُفِعَتِ الجنازَةُ قبلَ إتْمام التّكْبيرِ، قَضاه مُتَوالِيًا، وإنْ لم تُرْفَعْ، قَضاه على صِفَتِه. ذكَرَه الشَّارِحُ. وقال المَجْدُ، بعدَ أنْ حكَى القَوْلَيْن الأوَّلَيْن: ومحَلُّ الخِلافِ، فيما إذا خُشِىَ رفْعُ الجِنازَةِ. أمَّا إنْ

ص: 174

فَإِنْ سَلَّمَ وَلَمْ يَقْضِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ.

ــ

عُلِمَ، بعادَةٍ أو قرِينَةٍ، أنَّها تَنْزِلُ، فلا تردُّدَ أنَّه يَقْضِى التَّكْبيراتِ بذِكْرها، على مُقْتَضَى تعْليلِ أصحابِنا. انتهى. وأمَّا صاحِبُ «الفُروعِ» ، فقال: ويقْضِى ما فاتَه على صِفَتِه، فإنْ خَشِىَ رَفْعَها تابعَ، رُفِعَتْ أم لا. نصَّ عليه. وقيل: على صِفَتِه. والأصحُّ إلَّا أنْ تُرْفَعَ، فيُتابعَ. انتهى. قلتُ: وقطَع غالِبُ الأصحابِ بالمُتابعَةِ. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، إنْ رُفِعَتِ الجِنازَةُ، قطَعه على

الصَّحيحِ. وقيل: يُتِمُّه مُتَتَابِعًا.

قوله: فَإنْ سَلَّم ولم يَقْضِه، فعلى رِوايَتَيْن. وأطْلَقَهما في «المُسْتَوْعِبِ» ،

ص: 175

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «التَّلَخيصِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الحاوِيَيْن» ؛ إحْدَاهما، لا يجبُ القَضاءُ، بل يُسْتَحَبُّ. وهو المذهبُ المنْصوصُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قالَه في «الفرُوعِ» وغيرِه. قلتُ: منهم الخِرَقِىُّ، والقاضى، وأصحابُه، والمُصَنِّفُ، والمَجْدُ، وغيرُهم. وجزَم به في «المُحَرِّرِ» ، و «الإِفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «ناظِمِ المُفْرَداتِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «النَّظْمِ» ،

و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يجِبُ القَضاءُ.

اخْتارَها أبو بَكْرٍ، والآجُرِّىُّ، والحَلْوِانِىُّ، وابنُ عَقِيلٍ. وقال، اخْتارَه شيْخُنا.

وقال: ويقْضِيه بعدَ سلامِه، لا يأْتِى به ثم يتْبَعُ الإِمامَ في أصحِّ الرِّوايتَيْن.

فائدة: يُكْرَهُ لمَن صَلَّى عليها أنْ يُعيدَ الصَّلاةَ مرةً ثانيةً. على الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، وعليه الأكْثرُ، ونصَّ عليه. وقيل: يَحْرُمُ. وذكَرَه في «المُنْتَخَبِ» نصًّا. وفى كلامِ القاضي، الكَراهَةُ وعدَمُ الجَوازِ. وقال في «الفُصولِ»: لا يصَلِّيها مرَّتَيْن، كالعِيدِ. وقيل: يصَلِّى ثانيًا. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ في «الفُنونِ» ، والمَجْدُ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وقال أيضًا في موْضِع آخَرَ: ومَن صَلَّى على الجِنازَةِ، فلا يعيدُها إلَاّ لسَبَبٍ، مثْلَ أنْ يُعيدَ غيرُه الصَّلاةَ فيُعِيدَها معهم، أو يكونَ هو أحقُّ بالإمامَةِ مِنَ الطَّائفَةِ الثَّانيةِ، فيُصَلِّى بهم. وأطْلَقَ في «الوَسِيلَةِ» ،

ص: 176

وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ، صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ،

ــ

و «فُروعِ أبِى الحُسَيْن» ، عن ابنِ حامِدٍ، أنَّه يُصَلِّى ثانيًا؛ لأنَّه دُعاءٌ. واخْتارَ ابنُ حامِدٍ، والمَجْدُ، يصَلِّى عليها ثانِيًا تَبَعًا، لا اسْتِقلالًا إجْماعًا. ويأْتِى قرِيبًا اسْتِحْبابُ الصَّلاةِ لمَن لم يُصَلِّ. ويأْتِى أنَّه إذَا صَلَّى على الغائبِ، ثم حضَر، اسْتِحْبابُ الصَّلاةِ عليه، بعدَ قوْلِه: وإنْ كان في أحَدِ جانِبَىِ البَلَدِ، لم يُصَلَّ عليه.

فهو مُسْتَثْنًى مِنَ النُّصوصِ.

قوله: ومَن فاتَتْه الصَّلاةُ على الجِنازَةِ، صَلَّى على القَبْرِ إلى شَهْرٍ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الإفاداتِ» ،

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ،

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوِيَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائِقِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: يُصَلِّى عليها إلى سنَةٍ. وقيل: يصَلِّى عليها ما لم يَبْلَ. فعليه، لو شَكَّ في بِلَاه، صَلَّى. على الصَّحيحِ. وقيل: لا يصَلِّى. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ». وقيل: يصَلِّى عليه أبدًا. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. قال ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» : وهو أظْهَرُ - فعلى المذهبِ، ذكَر جماعةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ تَميمٍ، وغيرُهم، لا تضُرُّ الزِّيادةُ اليَسِيرَةُ. قال في «الفُروعِ»: ولعَلَّه مُرادُ الإمامِ أحمدَ. قال القاضي: كاليوْمِ واليَوْمَيْن.

فوائد؛ إحْدَاها، متى صَلَّى على القَبْرِ كان المَيِّتُ كالإِمامِ. قالَه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» وغيرِه. الثَانيةُ، حيثُ قُلْنا بالتَّوْقيتِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ أوَّلَ المُدَّةِ مِن وَقْتِ دَفْنِه. جزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «مَجْمَع البَحْرَيْن» ، و «الزَّرْكَشِى». وقال: هذا

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المشْهورُ. واخْتارَه ابنُ أبِى مُوسى. فعليه، لو لم يُدْفَنْ مدَّةً تزيدُ على شَهْرٍ، جازَ أنْ يصَلِّىَ عليه. وقيل: أوَّلُ المُدَّةِ مِن حينِ الموْتِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . الثَّالثةُ، وحيثُ قُلْنا بالتَّوْقيتِ أيضًا، فإنَّ الصَّلاةَ تحْرُمُ بَعدَه. نصَّ عليه. الرَّابعةُ، قوْلُه: صَلَّى على القَبْرِ. هذا ممَّا لا نِزاعَ فيه أعْلَمُه. يعْنِى، أَنَّه يصَلِّى على المَيِّتِ وهو في القَبْرِ. صرَّح به في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، فأمَّا الصَّلاةُ وهو خارِجُ القَبْرِ في المَقْبَرَةِ، فتَقَدَّم الخِلافُ فيه، في بابِ اجْتِنابِ النَّجاسَةِ. الخامسةُ، مَن شَكَّ في المُدَّةِ، صلَّى حتَّى يعْلَمَ فَراغَها.

قالَه الأصحابُ. وقال في «الفُروعِ» : ويتَوجَّهُ الوَجْهُ فى الشَّكِّ في بَقائِه.

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السَّادسةُ، حُكْمُ الصَّلاةِ على الغَريقِ ونحوِه فى مِقْدارِ المُدَّةِ، كحُكْمِ الصَّلاةِ على القَبْرِ. هذا هو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وقال القاضي في «تَخْريجِه»: إذا تَفَسَّخَ المَيِّتُ فلا صلاةَ. السَّابعةُ، لو فاتَتْه الصَّلاةُ مع الجماعَةِ، اسْتُحِبَّ له أنْ يصَلِّىَ عليها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به المُصَنِّفُ في «المُغْنِى» ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» وغيرُهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يصَلِّى مَن لم يصَلِّ إلى شَهْرٍ. وقيَّدَه ابنُ شِهابٍ. وقيل: لا تُجْزِئُه الصَّلاةُ بنِيَّةِ السُّنَّةِ. جزَم به أبو المَعالِى؛ لأنَّه لا يَتَنَفَّلُ بها ليَقْضِيَها بدُخولِه فيها. قال في «الفُروعِ» : كذا قال.

وذكَر الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، أنَّ بعضَ الأصحابِ ذكَر وَجْهًا، أنَّها فرْضُ كِفايَةٍ:، مع سقُوطِ الإثْمِ بالأَوْلَى. وقال أيضًا: فُروضُ الكِفاياتِ، إذا قامَ بها رجُلٌ،

ص: 181

وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ بالنِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَىِ الْبَلَدِ، لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

ــ

سَقَطَتْ، ثم إذا فَعَل الكُلُّ ذلك، كان كلُّه فرْضًا. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ محَلَّ وِفاقٍ، لكن لَعَلَّه إذا فعَلُوه جميعًا، فإنَّه لا خِلافَ فيه. وفى فِعْلِ البعضِ بعدَ البَعضِ، وَجْهان. الثَّامنةُ، لا تجوزُ الصَّلاةُ على المَيِّتِ مِن وَراءِ حائلٍ قبلَ الدَّفْنِ. نصَّ عليه، لعدَمِ الحاجَةِ. وَسَبَق أَنَّه كإمامٍ، فيَجِئُ الخِلافُ. قالَه في «الفُروعِ» . وصحَّحَ في «الرِّعايَةِ» الصِّحَّةَ كالمكَيَّةِ. وتقدَّم ذلك في شُروطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ عليها.

قوله: ويُصَلَّى على الغَائِبِ بالنِّيَّةِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وعنه، لا تجوزُ الصَّلاةُ عليه. وقيل: يصَلَّى عليه إنْ لم يكُن صُلِّىَ عليه، وإلَّا فلا. اخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وابنُ عَبْدِ القَوِيِّ، وصاحِبُ «النَّظْمِ» ، و «مَجْمَع البَحْرَيْن» .

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، صِحَّةُ الصَّلاةِ على الغائِبِ عنِ البَلَدِ، سواءٌ كان قرِيبًا أو بعيدًا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: لابدَّ أنْ يكونَ الغائِبُ مُنْفَصِلًا عنِ البَلَدِ بما يُعَدُّ الذَّهابُ إليه نوْعَ سفرٍ.

وقال: أقْرَبُ الحُدودِ، ما تجِبُ فيه الجُمُعَةُ. وقال القاضي: يكْفِى خَمْسونَ خُطْوَةً.

ص: 183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: مُدَّةُ جَوازِ الصَّلاةِ على الغائبِ، كمُدَّةِ جَوازِ الصَّلاةِ على القَبْرِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال القاضي في «الخِلافِ»: يصَلَّى على الغائبِ مُطْلَقًا. قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. وهو الواقِعُ في البِلادِ البعيدةِ.

قوله: وإنْ كان في أحَدِ جانِبَىِ البَلَدِ، لم يُصَلَّ عليه بالنِّيَّةِ، في أصَحِّ الوَجْهَيْن.

وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. والوَجْهُ الثَّانِى، يصَلَّى عليه للمَشَقَّةِ.

اخْتارَه ابنُ حامِدٍ. وأبطَلَه المَجْدُ بمَشَقَّةِ المَرَضِ والمطَرِ. قال في «الفُروعِ» : ويتَوجَّهُ فيها تخْرِيجٌ.

تنيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ الخِلافَ جارٍ، سواءٌ كانتِ البَلَدُ صغِيرةً أو كبيرةً. وهو ظاهِرُ إطْلاقِ بعضِهم. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ مَحَلَّ الخِلافِ في البَلَدِ الكبيرِ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ. وأمَّا البَلَدُ الصَّغِيرُ، فلا يصَلَّى على مَن في جانِبِه بالنِّيَّةِ، قوْلًا واحدًّا. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: القائِلُون بالجَوازِ قيَّدَ مُحَقِّقُوهم البَلَدَ بالكَبيرِ، ومنهم مَن أطْلقَ ولم يُقَيِّدْ. انتهي. قلتُ: الَّذي يظْهَرُ أنَّ مُرادَ مَن أطْلَقَ، البَلَدُ الكَبِيرُ.

ص: 184

وَلَا يُصَلِّى الإْمَامُ عَلَى الْغَالِّ، وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ.

ــ

فائدتان؛ إحْدَاهما، لو حضَر الغائِبُ الَّذي كان قد صُلِّىَ عليه، اسْتُحِبَّ أنْ يُصَلَّى عليه ثانِيًا. جزَم به ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ، واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ». قلتُ: فيُعايَى بها. وهي مُسْتَثْناةٌ مِن قوْلِهم: لا يُسْتَحَبُّ إعادةُ الصَّلاةِ عليه. على ما تقدَّم. الثَّانيةُ، لا يُصَلَّى مُطْلَقًا على المُفْتَرَسِ الماْكُولِ في بَطْنِ السَّبُعِ، والذي قد اسْتَحَالَ باحْتِراقِ النَّارِ ونحوِهما. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.

قال في «التَّلْخيصِ» : على الأظْهَرِ. قال في «الفُصولِ» : فأمَّا إنْ حصَل في بَطْنِ السَّبُعِ، لم يصَلَّ عليه مع مُشاهَدَةِ السَّبُعِ. وجزَم به في «المُذْهَبِ». وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقيل: يُصَلَّى عليهما. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» .

قوله: ولا يُصَلَّى الإِمَامُ على الغالِّ، ولا مَن قتلَ نَفْسَه. مُرادُه، لا يُسْتَحَبُّ.

وهذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: يَحْرُمُ. وهو وَجْهٌ حَكاه ابنُ تَميمٍ. وحكَى روايةً حَكاها في «الرِّعايَةَ» . وهذا ظاهِرُ ما قدَّمه الزَّرْكَشِىُّ. وقال: هذا المذهبُ المنْصوصُ بلا رَيْبٍ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ وغيرِه. وعنه، يُصَلِّى عليهما حتَّى على باغٍ ومُحارِبٍ. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ.

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ الأَوَّلُ، مفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، أَنَّه يُصلِّى على غيرِ الغالِّ ومَن قتَل نفْسَه، وذلك قِسْمان؛ أحدُهما، أهْلُ البِدَعِ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يصَلِّى عليهم. وعنه، يصَلِّى عليهم. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. الثَّانى، غيرُ أهْلِ البِدَعِ. فيُصَلِّى عليهم مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، لا يُصَلِّى على أهْلِ الكَبائرِ. وهي مِنَ المُفْرَداتِ. وجزَم بها في «التَّرغيبِ» وغيرِه. وقدَّمها في «التَّلْخيصِ» . واخْتارَ المَجْدُ، أَنَّه لا يصَلِّى على كلِّ مَن ماتَ على مَعْصِيَةٍ

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ظاهرةٍ بلا تَوْبَةٍ. قال في «الفُروعِ» : وهو مُتَّجَه. وعنه، ولا يُصَلِّى على مَن قُتِلَ في حَدٍّ. وقال في «التَّلْخيصِ»: لا يخْتلفُ المذهبُ، أَنَّه إذا ماتَ المَحْدودُ، أَنَّه يجوزُ للإِمامِ الصَّلاةُ عليه، فإنَّه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، صلَّى على الغَامِدِيَّةِ (1).

وجزَم في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، أنُّ الشَّارِبَ الَّذي لم يُحَدَّ كالغالِّ

(1) سيأتى تخريجه بعد قليل.

ص: 187

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقاتلِ النَّفْسِ. وذكرَه في «الكُبْرى» رِوايةً. وعنه، ولا مَن ماتَ وعليه دَينٌ، لم يُخْلِف وَفَاءً. وهي مِنَ المُفْرَداتِ. التنبيه الثانى، المُرادُ هنا بالإِمامِ، إمامُ القَرْيَةِ. وهو وَالِيها في القَضاءِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . وذكَرَه

ص: 188

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أبو بَكْرٍ. نقَل حَرْبٌ، إمامُ كلِّ قَرْيَةٍ وَالِيها. وخَطَّأَه الخَلَّالُ. قال المَجْدُ: والصَّوابُ تَسْوِيَتُه، فإنَّ أعْظَمَ مُتَوَلٍّ للإِمامةِ في كلِّ بلْدَةٍ، يحْصُلُ بامْتِناعِه الرَّدْعُ والزَّجْرُ. ونقَل الجماعةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، أنَّه الإمامُ الأعْظَمُ. واخْتارَه الخَلَّالُ.

وجزَم به في «التَّبْصِرَةِ» . وقدَّمه في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وقال: هو أشْهَرُ

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرِّوايتَيْن. وقيل: الإمامُ الأعْظَمُ أو نائبُه.

فائدة: إذا قُتِلَ البَاغِى، غُسِّلَ وصُلِّىَ عليه. وأمَّا قاطِعُ الطَّريقِ، فإنَّه يُقْتَلُ أوَّلًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. فعليه يُغَسَّلُ ويصَلَّى عليه، ثم يُصْلَبُ، على الصَّحيحِ. قدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، و «ابنِ تَميمٍ». وقيل: يُصْلَبُ عَقِيبَ القَتْلِ، ثم يُنْزَلُ فيُغَسَّلُ ويُصَلَّى عليه، ويُدْفَنُ. جَزَم به في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، في بابِ المُحارِبِين. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». وقيل: يُصْلَبُ قبلَ القَتْلِ.

ص: 190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويأْتِى هذا فى بابِ حَدِّ المُحارِبِين.

ص: 191

وَإنْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ، غُسِّلَ وَصُلِّىَ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ، لَا يُصَلَّى عَلَى الْجَوَارِحِ،

ــ

قوله: وإنْ وُجِدَ بعضُ الميِّتِ- يعْنِى، تَحْقيقًا- غُسِّلَ وصُلِّىَ عليه. يعْنِى، غيرَ شَعَرٍ وظُفْرٍ وسِنٍّ. وظاهِرُه، سواءٌ كان البعضُ الموْجودُ يعِيشُ معه، كَيَدٍ ورِجْلٍ ونحوِهما، أوْلا، كرأْسِ ونحوِه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، تَبَعًا للمَجْدِ فى «شَرْحِه»: هذا أصحُّ الرِّوايتَيْن. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الشَّرْحِ» ، وقال: هو المشْهورُ. قال فى «الوَجيزِ» : وبعضُ المَيِّتِ ككُلِّه. وعنه، لا يُصَلَّى على الجَوارِحِ. قال الخَلَّالُ: لعلَّه قوْل قديمٌ لأبِى عَبْدِ اللهِ، والذى اسْتَقَرَّ عليه قوْلُه هو الأوَّلُ. فعليها، الاعْتِبارُ بالأكْثَرِ منه، فإنْ وُجدَ الأكْثُر أوَّلًا، صُلِّىَ عليه. ولو وُجِدَ بعدَه الأقَلُّ، لم يصَلَّ عليه. وإنْ وُجِدَ الأقَلُّ أوَّلًا، لم يُصَلَّ عليه لفَقْدِ الأكْثَرِ. فظاهرُ كلامِ ابنِ أبِى مُوسى، أنَّ ما دُونَ العُضْوِ الكاملِ لا يُصَلَّى عليه. وقال فى «الرِّعايَةِ»: وقيل: ما دُونَ العُضْوِ القاتلِ لا يُصَلَّى عليه. وقالَه فى «الفُروعِ» . وهو فى بعضِ نُسَخِ ابنِ تَميمٍ.

قوله: وصُلِّىَ عليه. تحْريرُ المذهبِ، أنَّه إنْ عُلِمَ أنَّه لم يُصَلَّ عليه، وَجَبَتِ

ص: 192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّلاةُ عليه، قوْلًا واحدًا. وإنْ كان صُلِّىَ عليه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أَنَّه يُسْتَحَبُّ الصَّلاةُ عليه. قال المَجْدُ، وتَبِعَه ابنُ تَميمٍ: وهو الأصحُّ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». وقيل: يجِبُ أيضًا. اخْتارَه القاضى.

وصحَّحه فى «الرِّعايَةِ» . وحيثُ قُلْنا: يُصَلَّى. فإنَّه يَنْوِى على البَعضِ الموْجودِ فقط. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يَنْوِى الجُمْلةَ. واخْتارَه فى «التَّلْخيصِ» . وأمّا غَسْلُه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه واجِبٌ. قال ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ: رِوايةً واحدةً. وكذا تكْفِينُه ودَفْنُه. قال فى «الفُروعِ» :

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُغَسَّلُ ويُكَفَّنُ ويُدْفَنُ فى الأصحِّ. وقيل: لا يجِبُ ذلك كلُّه. وهو مِنَ المُفرَداتِ، وهو ضعيفٌ. قال ابنُ تَميمٍ: وحكَى الآمِدِىُّ سقُوطَ الغَسْلِ إنْ قُلْنا: لا يُصَلَّى عليها.

فائدتان؛ إحْدَاهما، إذا صُلِّىَ على البَعضِ، في وُجِدَ الأكثرُ، فقال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: احْتمَلَ أنْ لا تجِبَ الصَّلاةُ، واحْتَمَلَ أنْ تجِبَ، وإنْ تكَررَ الوُجوبُ، جَعْلًا للأكْثَرِ كالكُلِّ. وهو الصَّحيحُ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . وتَبعَ- المَجْدَ فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ». وقيل: لا يُصَلَّى على الأقَلِّ. وعنه، يصَلَّى. قال ابنُ تَميمٍ: وإذا وُجِدَتْ جارِحَةٌ مِن جُمْلَةٍ، لم يُصَلَّ عليها. وإنْ قُلْنا بالصَّلاةِ على الجَوارحِ، وجَب أنْ يصَلَّى عليها، ثم إذا وُجِدَ الجُمْلَةُ، فهل تجِبُ إعادةُ الصَّلاةِ؟ فيه وَجْهان

تقدَّما. وفيه وَجْهٌ ثالثٌ، يجِبُ هنا، وإنْ لم تجِبْ فيما إذا صلَّى على الأكْثَرِ، ثم وُجِدَتِ الجارحَةُ. وهل يُنْبَشُ ليُدْفَنَ معه أو بجَنْبِه؟ فيه وَجْهان، وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «ابنِ حمْدانَ» . قال فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ»: وإنْ وُجِدَ الجزءُ بعدَ دَفْنِ المَيِّتِ، غُسِّلَ وصُلِّىَ عليه ودُفِنَ إلى جانِبِ القَبْرِ، أو يُنْبَشُ بعضُ القَبْرِ ويدْفَنُ فيه. وقال ابنُ رَزِينٍ: دُفِنَ بجَنْبِه ولم يُنْبَشْ؛ لأنَّه مُثْلَةٌ. الثَّانيةُ، ما بَانَ مِن حىٍّ، كيَدٍ وساقٍ انفْصَلَ فى وَقْتٍ، لو وُجِدَتْ فيه الجُملَةُ، لم تُغَسَّلْ ولم يصَلَّ عليها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يصَلَّى عليها إنِ احْتَمَلَ موْتُه. قالَه فى «الفُروعِ» .

ص: 194

وَإنِ اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِمَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، صُلِّىَ عَلَى الْجَمِيعِ، يَنْوِى مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ.

ــ

قوله: وإنِ اخْتَلَطَ مَن يُصَلَّى عليه بِمَن لا يُصَلَّى عليه، صُلِّىَ على الجميعِ، يَنْوِى مَن يُصَلَّى عليه. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وكذا حُكْمُ غَسْلِهم وتكْفِيِهم، بلا نِزاعٍ. وعنه، إنِ اخْتلَطوا بدارِ الحرْبِ، فلا صلاةَ. وأمَّا

ص: 195

وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِى الْمَسْجِدِ.

ــ

دَفْنُهم، فقال الِإمامُ أحمدُ: إنْ قَدَروا دَفَنُوهم مُنْفَرِدين، وإلَّا فمع المُسْلِمين.

قوله: ولا بأْسَ بِالصَّلاةِ على الميَّت فى المسْجِدِ. يعْنِى، أنَّها لا تُكْرَهُ فيه. وهذا المذهبُ بلا رَيْبٍ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقيل: الصَّلاة فيه أفْضَلُ. قال الآجُرًىُّ: السُّنًةُ الصَّلاةُ عليه فيه وأنَه قوْلُ أحمدَ. وقيل: عدَمُ الصَّلاةِ فيه أفْضلُ.

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وخيَّرَه الِإمامُ أحمدُ فى الصَّلاةِ عليه فيه وعدَمِها.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا أُمِنَ تَلْوِيثُه، فأمَّا إذا لم يُؤْمَنْ تَلْوِيثُه، لم تَجُزِ الصَّلاةُ فيه. ذكَرَه أبو المَعالِى وغيرُه.

ص: 197

وِإنْ لَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ.

ــ

قوله: وإنْ لم يَحْضرْه غيرُ النِّساءِ صَلَّيْنَ عليه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُسَنُّ لهُنَّ الصَّلاةُ عليه جماعةً، إذا لم يصلِّ عليه رِجالٌ. نصَّ عليه؛ كالمَكْتوبَه.

وقيل: لا يُسَنُّ لهُنَّ جماعةٌ. بل الأفْضَلُ فُرادَى. اخْتارَه القاضى. وعلى كِلا القَوْلَيْن يسْقُطُ فرْضُ الصَّلاةِ بهِنَّ، ولو كانتْ واحدةً. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما تقدَّم فى أوَّلِ الفَصْلِ ويقدَّمُ مِنْهنَّ مَن يُقدَّمُ مِنَ الرِّجالِ. قال فى «الفُصولِ»: حتى ولو كان مِنْهُنً وَالِيةٌ وقاضِيَةٌ. فأمَّا إذا صلَّى الرِّجالُ، فإنَهُنَّ يصَلِّينَ فُرادَى. وهو ظاهرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ». وقيل: جماعةً. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ هنا. وأطْلَقهما ابنُ تَميمٍ، وابنُ حمْدانَ.

فائدة: له بصَلاةِ الجِنازَةِ قِيراطٌ. وهو أمْرٌ معْلومٌ عندَ اللهِ. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ أنَّه قِيراطٌ نِسْبَتُه مِن أجْرِ صاحِبِ المُصِيبَةِ، وله بتَمامِ دَفْنِها قِيراطٌ آخَرُ. وذكَر أبو المَعالِى وَجْهًا، أنَّ الثَّانِىَ بوَضْعِه فى قَبْرِه. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ احْتِمالٌ إذا سُتِرَ باللَّبِنِ.

فائدة: يُكْرَهُ أخْذُ الأجْرَةِ للحَمْلِ والحفْرِ والغَسْلِ ونحوِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الرعايتَيْن» . وصحَّحه فى «الحاوِى الصَّغِيرِ» . قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : ويجوزُ أخْذُ الأُجْرَةِ. وعنه، لا يُكْرَهُ. وعنه، يُكْرَهُ بلا

ص: 198

فَصْلٌ فِى حَمْلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ: يُسْتَحَبُّ التَّرْبِيعُ فِى حَمْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَنْتَقِلَ إِلَى الْمُؤَخِّرَةِ، ثُمَّ يَضَعِ قَائِمَتَهُ الْيُمْنَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَنْتَقِلَ إِلَى الْمُؤَخرَةِ،

ــ

حاجَةٍ. قدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» . قال ابنُ تَميمٍ: كَرِهَ أحمدُ أخْذَ أُجْرَةٍ، إلًا أنْ يكونَ مُحْتاجًا، فمِن بَيْتِ المالِ، فإنْ تعَذَّر أُعْطِىَ قَدْرَ عَمَلِه. وعنه، لا بأْسَ.

والصَّحيحُ، جَوازُ أخْذِها على مالا يُعْتَبَرُ أنْ يكونَ فاعِلُه مِن أهْلِ القُرْبَةِ. قالَه بعضُ أصحابِنا. انتهى. وأطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ». وقيل: يَحْرُمُ أخْذُ الأجْرَةِ. وقالَه الآمِدِىُّ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ.

قوله: يُسْتَحَبُ التَّرْبيعُ فى حَمْلِه. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطعَ به أكثرُهم. وقال أبو حَفْصٍ، والآجُرِّىُّ وغيرُهما: يُكْرَهُ التَّربِيعُ إنِ ازْدَحَموا عليه أيُّهم يحْمِلُه.

قوله: وهو أنْ يَضَعَ قائِمَةَ السَّرِيرِ اليُسْرَى المقَدَّمَةَ على كَتِفِه اليُمْنَى، ثم يَنْتَقِلَ إلى

ص: 199

وَإنْ حَمَلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَحَسَنٌ.

ــ

المؤخَّرةِ. مُرادُه بقائمةِ السَّريرِ اليُسْرَى، المُقَدَّمةُ التى مِن جِهةِ يمينِ المَيِّتِ.

قوله: ثم يَضَعَ قَائمَتَه اليُمْنَى المقَدَّمَةَ على كَتِفِه اليُسْرَى، ثم يَنْتَقِلَ إلى المؤخَّرةِ.

وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. ونقَلَه الجماعةُ عنِ الإمامِ أحمدَ، فتكونُ البَداءَةُ مِنَ الجانِبَيْن مِنْ عندِ رأْسِه، والخِتامُ مِن عندِ رِجْلَيْه. وعنه، يبْدَأُ بالمُؤَخَّرةِ وهى الثَّالثةُ، يجْعلُها على كَتفِه الأيْسَرِ، ثم المُقَدَّمةِ، فتكونُ البَداءةُ بالرَّأْسِ، والخِتامُ به. وأطْلقَهما فى «المُحَرَّرِ» .

قوله: وإنْ حمَل بينَ العُمودَيْن فَحَسَنٌ. يعْنِى، لا يُكْرهُ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه. وعنه، يُكْرهُ. وعنه، التَّربِيعُ والحمْلُ بينَ العَمودَيْن سواءٌ. فعليها، الجَمْعُ بينَهما أوْلَى. زادَ فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، إذا جمعَ وحملَ بينَ العَمُودَيْن، فمِن عندِ رأْسِه، ثم مِن عندِ رِجْلَيْه. وقال فى «المُذْهبِ»: مِن ناحِيَةٍ رِجْلَيْه لا يصِحُّ إلَّا التَّرْبِيعُ.

ص: 200

وَيُسْتَحَبُّ الإسْرَاعُ بِهَا،

ــ

فائدة: يُسْتَحَبُّ سَتْرُ نَعْشِ المرأةِ. ذكَره جماعةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم ابنُ حمْدانَ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . قال فى «المُسْتوْعِبِ» : يُسْتَرُ بالمكبةِ.

ومَعْناه فى «الفُصولِ» . قال بعضُ العُلَماءِ: أوَّلُ مَنِ اتُّخِذَ ذلك له زَيْنَبُ أمُّ المُؤمِنِين (1)، وماتَت سَنَةَ عِشْرِين. وقال فى «التَّلْخيصِ»: لا بأْسَ بجَعْلِ المكبة عليه وفوْقَها ثوبٌ. انتهى. ويكْرَهُ تغْطيَتُه بغيرِ البَياضِ، ويُسّنُّ به. وقال ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ الجَوْزِىِّ وغيرُهما: لا بأْسَ. بحَمْلِها فى تابُوتٍ. وكذا مَن لم يمْكِنْ ترْكُه على النَّعْشِ إلَّا بمِثْلِه، كالأحْدَبِ ونحوِه. قال فى «الفُصولِ»: المُقَطّعُ تُلَفَّقُ أعْضاؤُه بطينٍ حُرٍّ ويُغَطَّى حتى لا يتَبَيَّنَ تَشْوِيهُه. وقال أيضًا: الواجِبُ جَمْعُ أعْضائِه فى كفَنٍ واحد وقبرٍ واحدٍ. وقال أبو حَفْصٍ وغيره: يُسْتَحَبُّ شَدُّ النَّعْشِ بعِمامَةٍ. انتهى. ولا بأْسَ بحَمْلِ الطِّفْلِ بينَ يَدَيْه، ولا بأْسَ بحَمْلِ المَيِّتِ بأعْمِدَةٍ للحاجَةِ، وعلى داَّبةٍ لغَرَضٍ صحيحٍ، ويجوزُ لبُعْدِ قَبْرِه. وعنه، يُكْرَهُ.

قوله: ويُسْتَحَبُّ الإسْرَاعُ بِها. مُرادُه إذا لم يُخَفْ عليه بالإسْراعِ، فإن خِيفَ

(1) أخرج ابن سعد أنه لما ماتت زينب بنت جحش أشارت أسماء بنت عميس على عمر أن يجعل لها نعشاً ويغشيه =

ص: 201

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه، تأنَّى. قال: وإنْ لم يُخَفْ عليه، فنَصَّ الِإمامُ أحمدُ، أنَّه يسْرِعُ، ويكونُ دُونَ الخَبَبِ. وهو المذهبُ. قال المَجْدُ: يَمْشِى أعْلَى دَرجاتِ المَشْىِ المُعْتادِ. وقال فى «المُذْهبِ» : يُسْرِعُ فوقَ المَشْىِ ودُونَ الخَببِ. وقال القاضى: يُسْتَحَبُّ الِإسْراعُ بحيثُ لا يخْرُجُ عنِ المَشْىِ المُعْتادِ. وقال فى «الرِّعايَةِ» : يُسَنُّ الإسْراعُ بها يسِيرًا. قال فى «الكافِى» : لا يُفْرِطُ فى الِإسْراعِ فَيَمْخُضهَا ويُؤْذِىَ مُتَّبِعِيها.

= بثوب، وكانت أول من صنع لها ذلك. الطبقات 8/ 111. وتقدم فى صفحة 82 حكاية صاحب الشرح أن أول من صنع لها ذلك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 202

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انتهى. وكلامُهم مُتَقارِبٌ.

فائدة: يرُاعَى بالإسْراعِ الحاجَةُ. نصَّ عليه.

ص: 203

وَيَكُونُ الْمُشَاةُ أَمَامَهَا، وَالرُّكْبَانُ خَلْفَهَا [41 ظ]،

ــ

قوله: وأنْ يَكُونَ المُشاةُ أمامَها. يعْنِى، يُسْتَحَبُّ ذلك. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. واخْتارَ صاحِبُ «الرِّعايَةِ» ، يمْشِى حيثُ شاءَ. وقال المُصَنِّفُ فى «الكافِى»: حيثُ مشَى فحَسَنٌ. وعلى الأوَّلِ، لا يُكْرَهُ خلْفَها وحيثُ شاءَ. قالَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» .

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: والرُّكْبانُ خَلْفَها. يعْنِى، يُسْتَحَبُّ. وهذا بلا نِزاع. فلو رَكِبَ وكان

ص: 206

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أمامَها، كُرِهَ. قالَه المَجْدُ. ومُرادُ مَن قال: الرُّكْبانُ خلْفَها. إذا كانتْ جِنازَةَ مُسْلم. وأمَّا إذا كانتْ جِنازَةَ كافرٍ، فإنَّه يرْكبُ ويتقدَّمُها، على ما تقدَّم.

فائدتان؛ إحْدَاهما، يُكْرهُ الرُّكوبُ لمَن تَبِعَها بلا عُذْرٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يُكْرهُ، كرُكوبِه [1/ 186 او] فى عَوْدِه. قال القاضى فى «تَخْريجِه»: لا بأْسَ به، والمَشْىُ أفْضَلُ. الثَّانيةُ، فى راكبِ السَّفينةِ وَجْهان؛ أحَدُهما، هو كَراكبِ الدَّابَّةِ،. فيكونُ خلْفَها. وقدَّمه صاحِبُ «الفُروعِ» ، فى

ص: 207

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بابِ جامعِ الأيْمانِ، لو حلَف لا يرْكَبُ، حَنِثَ برُكوبِ سفِينَةٍ، فى المنْصُوصِ، تقْديمًا للشَّرْعِ واللُّغَةِ. فعلى هذا، يكونُ راكِبًا خلْفَها. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

والثَّانِى، يكونُ منها كالماشِى، فيكونُ أمامَها. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحَواشِى». قال بعضُ الأصحابِ: هذان الوَجْهان مَبْنِيَّان على أنَّ حُكْمَه كراكبِ الدَّابَّةِ، أو كالماشِى، وأنَّ عليهما يَنْبَنِى دَوَرَانُه فى الصَّلاةِ.

ص: 208

وَلَا يَجْلِسُ مَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ،

ــ

قوله: ولا يَجْلِسُ مَن تَبِعَها حتى تُوضَع. يعْنِى، يُكْرَهُ ذلك. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يُكْرَهُ الجُلوسُ، كمَن كان بعيدًا عنها.

تنبيه: قَوْلُه: حتى تُوضَعَ. يعْنِى، بالأرْضِ للدَّفْنِ. وهذا المذهبُ. نقَلَه الجماعةُ. وعنه، حتى تُوضَعَ للصَّلاةِ. وعنه، حتى تُوضَعَ فى اللَّحْدِ.

ص: 212

وَإنْ جَاءَتْ وَهُوَ جَالِسٌ لَمْ يَقُمْ لَهَا.

ــ

قوله: وإنْ جاءَت وهو جالِسٌ لم يَقُمْ لها. وهو المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وعنه، يُسْتَحَبُّ القِيامُ لها، ولو كانتْ كافِرَةً. نَصَرَه ابنُ أبِى مُوسى. واخْتارَهْ القاضى، وابنُ عَقِيل، والشَّيْخُ تَقِىُّ

ص: 213

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدِّينِ، وصاحِبُ «الفائقِ» فيه. وعنه، القِيامُ وعدَمُه سواءٌ. وعنه، يُسْتَحَبُّ القِيامُ حتى تَغِيبَ أو تُوضَعَ. وقالَه ابنُ أبى مُوسى. قال فى «الفُروعِ»: ولعَلَّ المُرادَ على هذا، يقومُ حينَ يَرَاها قبلَ وُصُولِها إليه؛ للخَبَرِ.

فوائد، إحْدَاها، كان الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، إذا صلَّى على جنازَةٍ، هو وَلِيُّها، لم يجْلِسْ حتى تُدْفَنَ. ونَقَل حَنْبَلٌ، لا بأسَ بقِيامِه على القَبرِ حتى تُدْفَنَ؛ جَبْرًا وإكْرامًا. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: - هذا حسَنٌ لا بأْسَ به. نصَّ عليه.

الثَّانيةُ، اتِّباعُ الجِنازَةِ سُنَّةٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال فى آخِرِ «الرِّعايَةِ»: اتِّباعُها فَرْضُ كِفايَةٍ. انتهى. وهو حَقٌّ له ولأهْلِه. وذكَر الآجُرِّىُّ، أنَّ مِنَ الخيْرِ أنْ يتْبَعَها لقَضاءِ حق أخِيه المُسْلمِ. الثَّالثةُ، يَحْرُمُ عليه أنْ يتْبَعَها ومعها مُنْكَرٌ عاجِزٌ عن مَنْعِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، نحوُ طَبْلٍ أو نَوْحٍ أو لَطْمِ نِسْوَةٍ، وتَصْفيقٍ ورَفْع أصواتِهِنَّ. وعنه، يتْبَعُها ويُنْكِرُ بحسْبِه، ويَلزَمُ

القادِرَ، فلو ظنَّ أنَّه إذا تَبِعَها أُزِيلَ المُنْكَرُ، لَزِمَه على الرِّوايتَيْن؛ لحُصُولِ المقْصُودَيْن. ذكَره المَجْدُ. وتَبِعَه فى «الفُروعِ». فيُعايىَ بها. وقيل فى العاجِزِ: كمَن دُعِىَ إلى غَسْل مَيِّتٍ، فسَمِعَ طَبْلًا أو نوْحًا، وفيه رِوايَتان. نقَل المَرُّوذِىُّ،

ص: 214

وَيُدْخَلُ قَبْرَهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ، إِنْ كَانَ أَسْهلَ عَلَيْهِم،

ــ

لا. ونقَل أبو الحارِثِ وأبو داودَ، يُغَسِّلُه ويَنْهاهُم. قلتُ: إنْ غلَب على ظَنِّه الزَّجْرُ، غَسَّلَهِ، وإلَّا ذهَب. الرَّابعةُ، يُكْرَهُ للمرأةِ اتِّباعُها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. رقيل: يُكرَهُ للأجنَبِيَّةِ. قال ابن أبِى مُوسى: قد رخَّص بعضُهم لها فى شُهودِ أبِيها ووَلَدِها وذِى قَرابَتِها، مع التَّحَفُّظِ والاسْتِحْياءِ والتَّسَتُّرِ. وقال الآجُرِّىُّ: يَحْرُمُ. وما هو ببعيدٍ فى زَمَنِنا هذا. قال أبو المَعالِى: يُمْنَعْنَ مِن اتِّباعِها. وقال أبو حَفْصٍ-: هو بِدْعَةٌ، يُطْرَدْنَ، فإنْ رَجَعْنَ، وإلَّا رجَع الرِّجالُ، بعدَ أنْ يَحْثُوا على أفْواهِهِنَّ التُّرابَ. قال: ورخَّص الإمامُ أحمدُ فى اتِّباعِ جنازَةٍ يتْبَعُها النِّساءُ. قال أبو حَفصٍ: ويَحْرُمُ بلُوغُ المرأةِ القَبْرَ.

قوله: ويُدْخَلُ قَبْرَه مِن عندِ رِجْلِ القَبْرِ، إنْ كان أسْهلَ عليهم. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: يبْدَأُ بإدْخالِ رِجْلَيْه مِن عندِ رأْسِه. ذكَره ابنُ الزَّاغُونِىِّ.

فوائد؛ إحْدَاها، إذا كان دُخوُله مِن عندِ رِجْلِ القَبْرِ يشُقُّ، أدْخَلَه مِن قبْلَتِه

ص: 215

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُعْتَرِضًا. قالَه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» وغيرهما. وقال فى «الفُروعِ»: لا يُدْخَلُ المَيِّتُ مُعْتَرِضًا مِن قبْلَتِه. ونقَل الجَماعَةُ، الأسْهَلُ، ثم سواءٌ. الثَّانيةُ، أوْلَى النَّاسِ بالتَّكْفِينِ والدَّفْنِ، أوْلَاهُم بالغَسْلِ، على ما تقدَّم. وقال فى «المُحَرَّر» وغيره: والسُّنَّةُ أنْ يَتَوَلَّى دَفْنَ المَيِّتِ غاسِلُه. انتهى. والأوْلَى لمَن هو أحقُّ بذلك أنْ يتَولَّاهُما بنَفْسِه، ثم بنَائِبه إنْ شاءَ، ثم بعدَهم الأوْلَى بالدَّفْنِ، الرِّجالُ الأجانِبُ، ثم مَحارِمُه مِنَ النِّساءِ، ثم الأجْنَبيَّاتُ، ومَحارِمُها مِنَ الرِّجالِ أوْلَى مِنَ

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأجانبِ، ومِن مَحَارِمِها النِّساءِ بِدَفْنِها. وهل يُقدَّمُ الزَّوْجُ على مَحارِمِها الرِّجالِ أم لا؟ فيه رِوايَتان وأطْلَقَهُما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «النُّكَتِ» ؛ إحْدَاهما، يقَدَّمُ المَحارِمُ على الزَّوْجِ. قال الخَلَّالُ: اسْتَفاضَتِ الرِّوايةُ عنِ الإمامِ أحمدَ، أنَّ الأوْلياءَ يقَدَّمونَ على الزَّوْجِ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، وظاهِرُ ما قدَّمه فى «المُغْنِى» . وقدَّمه فى «النَّظْمِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، الزَّوْجُ أحقُّ مِنَ الأوْلياءِ بذلك. اخْتارَه القاضى، وأبو المَعالِى. فإنْ عُدِمَ الزَّوْجُ ومَحارِمُها الرِّجالُ، فهل الأجانبُ أوْلَى، أو نِساءُ مَحارِمِها مع عدَمِ مَحْذُورٍ مِن تكَشُّفِهِنَّ بحَضْرَةِ الرِّجالِ أو غيره؟ قال المَجْدُ: أو اتِّباعهنَّ؟ فيه رِوايَتان، وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «ابن تَميم» ، و «النُّكَتِ» ؛ - إحْدَاهما، الأجانِبُ أوْلَى. وهو الصَّحيحُ. قال المُصَنِّفُ: هذا أصحُّ وأحْسَنُ. واخْتارَه المَجْدُ. وقدَّمه النَّاظِمُ. وقال: هو أشْهَرُ القَولَيْن. والثَّانيةُ، نِساءُ مَحارِمها أوْلَى. جزَم به الخِرَقِىُّ. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وأبو المَعالِى. وقدَّمه الزَّرْكَشِىُّ، وابنُ رَزِين فى «شَرْحِه». وقال: نصَّ عليه. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : هذه الرِّوايَةُ محْمولَةٌ عندِى على ما إذا لم يَكُنْ فى دَفْنِهِنَّ مَحْذُورٌ مِنِ اتِّباعِ الجِنازَةِ، أو التَّكَشُّفِ بحَضْرَةِ الأجانبِ أو غيرِه. فعلى هذه الرِّوايَةِ، يُقَدَّمُ الأقْرَبُ منهنَّ فالأقرَبُ، فى حقِّ الرِّجُلِ. وعلى كِلا الرِّوايتَيْن، لا يُكْرهُ دفْنُ الرِّجالِ للمرأةِ، وإنْ كان مَحْرَمُها حاضِراً. نصَّ عليه. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجهُ احْتِمالٌ،

يَحْمِلُها مِنَ المُغْتَسَلِ إلى النَّعْشِ. الثَّالثةُ، يُقَدَّمُ مِنَ الرِّجالِ الخَصِىُّ، ثم الشَّيْخُ،

ص: 217

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم الأفْضَلُ دينًا ومَعْرِفةً. ومَن بَعُدَ عهْدُه بجِماعٍ أوْلَى ممَّن قَرُبَ. الرَّابعةُ، يُسْتَحَبُّ تَعْمِيقُ القَبْرِ وتَوْسعَتُه مِن غيرِ حدٍّ على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وجزَم به فى «الكافِى». وقال أحمدُ أيضًا: إلى الصَّدْرِ. وقال أكثرُ الأصحابِ: قامَةٌ وبَسْطَة. قالَه فى «الفُروعِ» ، وذكَرَه غيرُ واحدٍ نصًّا عن أحمدَ. والبَسْطَةُ، البَاعُ. الخامسةُ، يكْفِى مِن ذلك ما يَمْنَعُ ظُهورَ الرَّائحةِ،. والسِّباعَ. ذكَره الأصحابُ.

ص: 218

وَلَا يُسَجَّى الْقَبْرُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِامْرأةٍ. وَيَلْحَدُ لَهُ لَحْدًا، وَيَنْصِبُ عَلَيْهِ اللَّبِنَ نَصْبًا،

ــ

قوله: ويَلْحَدُ له لحدًا. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ اللَّحْدَ أفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ، بل

ص: 219

وَلَا يُدْخِلُهُ خَشَبًا، وَلَا شَيْئًا مَسَّتْهُ النَّارُ،

ــ

يُكْره الشَّقُّ بلا عُذْرٍ، وعليه الأصحابُ. وعنه، ليس اللَّحْدُ بأفْضَلَ منه. ذكَرَها في «الفُروعَ» ، و «الرِّعايَة» .

قوله: ويَنْصِبُ عليه اللَّبِنَ نَصْبًا. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ اللَّبِنَ أفْضَلُ مِنَ القَصَبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، يُنْصَبُ عليه قَصَبٌ. اخْتارَه الخَلًالُ، وصاحِبُه، وابنُ عَقِيلٍ.

تنبيه: مُرادُه بقولِه: ولا يُدْخِلُه خَشَبًا. إذا لم يكُنْ ضرورَة، فإنْ كان ثَمَّ ضَرورةٌ أُدْخِلَ الخَشَبُ.

ص: 220

وَيَقُولُ الَّذِى يُدْخِلُهُ: بِسْمِ اللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ.

ــ

فائدتان، إحْدَاهما، يُكْرَهُ الدَّفْنُ فى تَابوتٍ، ولو كان المَيِّتُ امرأةً. نِصَّ عليه. زادَ بعضُهم، ويُكْرَهُ فى حَجَرٍ مَنْقُوشٍ. وقال بعضُهم.: أو يُجْعَلُ فيه حديدٌ، ولو كانتِ الأرْضُ رُخْوَةً أو نَدِيَّةً. الثَّانيةُ، لا توْقيتَ فى مَن يُدْخِلُه القَبْرَ، بل ذلك بحسَبِ الحاجَةِ. نصَّ عليه. كسائرِ أمُورِه. وقيل: الوِتْرُ أفْضَلُ.

قوله: ويَقولُ الذى يُدْخِلُه: بسمِ اللهِ، وعلى مِلَّةِ رسولِ اللهِ. وهذا المذهبُ.

ص: 221

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعنه، يقولُ: اللَّهُمَّ بارِكْ فى القَبْرِ وصاحِبِه. قال فى «الفُروعِ» : وإنْ قَرَأ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (1). وإنْ أتَى بذِكْرٍ ودُعاءٍ يلِيقُ عندَ وَضْعِه وإلْحادِه، فلا بأْسَ؛ لفِعْلِه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، وفِعْلِ الصَّحابَةِ رِضْوانُ اللهِ عليهم أجْمَعِين.

(1) سورة طه 55.

ص: 222

وَيَضَعُهُ فِى لَحْدِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَن، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ،

ــ

قوله: ويَضَعُه فى لَحْدِه على جنْبِه الأيْمنِ، مُسْتقبلَ القِبْلَةِ. وَضْعُه فى لَحْدِه على جَنْبِه الأيمَنِ مُسْتَحَبٌّ، بلا نِزاعٍ. وكوْنُه مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ واجِبٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ اخْتارَه القاضى وأصحابُه، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. وقطع به الآمِدِىُّ، والشَّريفُ أبو جَعْفَرٍ، والقاضى أبو الحُسَيْن، وغيرُهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال صاحِبُ «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ»: يُسْتَحَبُّ ذلك.

وقدَّمه ابنُ تَميم. فعلى المذهبِ، لو وُضِعَ غيرَ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَةِ، نُبِشَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال ابنُ عَقِيلٍ: قال أصحابُنا: يُنْبَشُ إلَّا أنْ يخافَ أنْ

ص: 223

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَتَفَسَّخَ. وعلى القوْلِ الثَّانِى، لا يُنْبَشُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قالَه فى «النُّكَتِ» . وتقدَّم ذلك مِّسْتَوْفًى فى أوَّلِ فصْلِ غَسْلِ المَيِّتِ بأتَمَّ مِن هذا.

فوائد؛ منها، يُسْتَحَبُّ أنْ يضعَ تحتَ رأْسِه لَبِنَةً كالمِخَدَّةِ للحَىِّ، ويُكْرهُ وَضْعُ بِساطٍ تحتَه مُطْلَقًا. قدَّمه فى «الفُروعِ» . والمنْصوصُ عن أحمدَ، أنَّه لا بأْسَ

ص: 224

وَيَحْثُو التُّرَابَ فِى الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، وَيُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ،

ــ

بالقَطيفَةِ مِن عِلَّةٍ، قالَه فى «الفُروعِ» . وعنه، لا بأسَ بها مُطْلَقًا. قال ابنُ تَميمٍ: وإنْ جُعِلَ تحتَه قَطيفَةٌ فلا بأْسَ. نصَّ عليه. وقيل: يُسْتَحَبُّ. ومنها، يُكْرَهُ وضْعُ مُضَرَّبَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال ابنُ حامِدٍ: لا بأْسَ بها.

وتُكْرَهُ المِخَدَّةُ، قولًا واحدًا. ومنها، كَرِهَ الِإمامُ أحمدُ الدَّفْنَ عندَ طُلوعِ الشَّمْسِ وغُروبِها، وكذا عندَ قيامِها، وهو مِنَ المُفْرَداتِ، وجزَم به ناظِمُها. وقال فى «المُغْنِى» (1): لا يجوزُ. وذكَر المَجْدُ، أنَّه يُكْرَهُ. ومنها، الدَّفْنُ فى النَّهارِ أوْلَى، ويجوزُ ليْلًا. نصَّ عليه. وعنه، يُكْرَهُ. ذكَرَه ابنُ هُبَيْرَةَ اتِّفاقَ الأئمَّةِ الأرْبَعَةِ. وعنه، لا يفْعَلُه إلَّا ضَرُورَةً. ومنها، الدَّفْنُ فى الصَّحراءِ أفْضَلُ. وكَرِهَه

أبو المَعالِى وغيُره فى البُنْيانِ.

قوله: ويَحْثو التُّرابَ فى القَبْرِ ثَلاثَ حَثَياتٍ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، اسْتِحْبابُ فعْلِ ذلك مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: يُسْتَحَبُّ ذلك للقَريبِ منه

(1) 3/ 502.

ص: 225

وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ عَنِ الْأرْضِ قَدْرَ شِبْرِ مُسَنَّمًا،

ــ

فقط. وعنه، لا بأْسَ بذلك. وحيثُ قُلْنا: يحْثُو. فيَأْتِى به مِن أىِّ جِهَةٍ كانتْ.

وقيل: مِن قِبَلِ رأْسِه. جزَم به ابنُ تَميمٍ.

فائدة: يُكْرَهُ زيادةُ تُرابِه. نصَّ عليه. قال فى «الفُصولِ» : إلَّا أنْ يحْتاجَ إليه. نقَل أبو داودَ، إلَّا أنْ يَسْتَوِىَ بالأرْضِ، ولا يُعْرَفَ. قال فى «الفُروعِ»: والمُرادُ مع أنَّ تُرابَ قَبْرٍ لا يُنْقَلُ إلى آخَرَ.

فائدة: لا بأْسَ بتَعْليمِه بحَجَرٍ، أو خَشَبَةٍ ونحوِهما. نصَّ عليه. ونصَّ أيضًا،

ص: 226

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه يُسْتَحَبُّ، ولا بأْسَ بلَوْحٍ، نقَلَه المَيْمُونِىُّ. ونقَل المَرُّوذِىُّ، يُكْرَهُ. ونقَل الأَثْرَمُ، ما سمِعْتُ فيه بشئٍ.

ص: 227

وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ،

ــ

قوله: ويُرَشُّ عليه الماءُ. وكذا قال الأصحابُ. وقال فى «الفُروعِ» : ويُرَشُّ

ص: 228

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه الماءُ. وعنه، لا بأسَ.

فائدة: يُسْتَحَبُّ تَلْقينُ المَيِّتِ بعد دفنِه عندَ أكثرِ الأصحابِ. قال فى «الفُروعِ» : اسْتحبَّه الأكثرُ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : اخْتارَه القاضى، وأصحابُه، وأكثرُنا. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم. فيجْلِسُ المُلقَنُ عندَ رأْسِه. وقال الشَيْخُ تَقِىُّ الدِّين.: تلْقينُه بعدَ دفْنِه مُباحٌ عندَ أحمدَ، وبعضِ أصحابِنا. وقال: الِإباحةُ أعْدَلُ الأقوالِ، ولا يُكْرَهُ. قال أبو المَعالِى: لوِ انْصرفوا قبلَه لم يَعودُوا؛ لأنَّ الخَبَرَ قبلَ انْصرافِهم. وقال المُصنِّفُ: لم نسْمَعْ فى

ص: 229

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التَّلْقينِ شيئًا عن أحمدَ، ولا أعلمُ فيه للأئمَّةِ قولًا، سِوَى ما رَواه الأَثرَمُ، قال: قلتُ لأبِى عبدِ الله: فهذا الذى يَصْنَعونَ إذا دُفِنَ المَيِّتُ، يقِفُ الرَّجلُ فيقولُ: يا فلانُ ابنَ فُلانَةَ إلى آخِرِه. فقال: ما رأَيْتُ أحَدًا فعَل هذا إلا أهْلَ الشَّامِ، حينَ ماتَ أبو المُغِيرَةِ. وقال فى «الكافِى»: سُئِلَ أحمدُ عن تلْقينِ المَيِّتِ فى قبرِه؟ فقال: ما رأَيْتُ أحَدًا يفْعلُه إلَّا أهْلَ الشَّامِ. وقد روَى الطَّبَرَانِىُّ، وابنُ شاهِينَ، وأبو بَكْرٍ فى «الشَّافِى» وغيرُهم فى ذلك حدِيثًا. وقال فى «الفُروعِ»: وفى تلْقينِ غيرِ المُكَلَّفِ وَجْهان، بِناءً على نُزولِ المَلَكَيْن إليه، وسُؤالِه وامْتِحانِه؛ النَّفْىُ قوْلُ

ص: 230

وَلَا بَأْسَ بِتَطْيينِهِ،

ــ

القاضى، وابنِ عَقِيلٍ. والِإثْباتُ قولُ أبى حَكيمٍ، وغيرِه. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: وهو ظاهرُ كلامِ أبِى الخَطَّابِ. وحَكاه ابنُ عَبْدوسٍ المُتَقَدَّمُ عنِ الأصحابِ. قال الشَيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: وهو أصحُّ. قال ابنُ حَمْدانَ فى «نِهَايَة المُبْتَدئين» : قال أبو الحسنِ ابنُ عَبْدُوس: يُسْألُ الأطْفَالُ عنِ الإقْرارِ الأوَّلِ حينَ الذُّرِّيةِ، والكِبارُ يُسألونَ عن مُعْتَقَدِهم فى الدُّنْيا، وإقْرارِهم الأوَّلِ. قال فى

«المُسْتَوْعِبِ» : وقال شَيْخُنا: يُلَقَّنُ. وقَدَّمَه فى «الرِّعايتَيْن» . فعلى هذا، يكونُ المذهبُ التَّلْقينَ، والنَّفْسُ تميلُ إلى عدَمِه، والعمَلُ عليه، وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ فى «مُخْتَصَرِه» ، و «الحاوِيَيْن» .

قوله: ولا بأْسَ بتَطْيينِه. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل:

ص: 231

وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ، وَالْبِنَاءُ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ، وَالْجُلُوسُ، وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ، وَالِاتِّكَاءُ إِلَيْهِ.

ــ

يُسْتَحَبُّ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقال أبو حَفْص: يُكْرَهُ.

قوله: ويُكْرَهُ تَجْصيصُه، والبِناءُ والكِتابَةُ عليه. أمَّا تَجْصِيصُه، فمَكْروهٌ بلا خِلافٍ نعْلَمُه. وكذا الكِتابَةُ عليه، وكذا تزْويقُه، وتخْليقُه، ونحوُه، وهو بِدْعَةٌ. وأمَّا البِناءُ عليه، فمَكْروهٌ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، سواءٌ لاصَقَ البِناءُ الأرْضَ أم لا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال فى «الفُروعِ»: أطْلَقَه أحمدُ، والأصحابُ. وقال صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والمَجْدُ، وابنُ تَميمٍ،

ص: 232

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرُهم: لا بأْسَ بقُبَّةٍ وبَيْتٍ وحظيرةٍ فى مِلْكِه. وقدَّمه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، لكنِ اخْتارَ الأوَّلَ. وقال المَجْدُ: يُكْرَهُ ذلك فى الصَّحراءِ، للتَّضْييقِ والتَّشَبُّهِ بأبْنِيَةِ أهْلِ الدُّنْيا. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ»: ويُكْرَهُ إنْ كان فى مُسَبلَةٍ. قال فى «الفُروعِ» : ومُرادُه الصَّحراءُ. وقال فى «الوَسِيلَةِ» : يُكْرَهُ البِناءُ الفاخِرُ كالقُبَّةِ. قال فى «الفُروعِ» : وظاهِرُه لا بأْسَ ببِناءٍ. وعنه، مَنْعُ البِناءِ فى وَقْفٍ

عامٍّ. وقال أبو حَفْص: تَحْرُمُ الحُجْرَةُ، بل تُهْدَمُ. وحرَّم الفُسْطاطَ أيضًا.

وكَرِهَ الإمامُ أحمدُ الفُسْطاطَ والخَيْمَةَ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: متى بنَى ما يخْتَصُّ به فيها، فهو غاصِبٌ. وقال أبو المَعالِى: فيه تَضْيِيقٌ على المُسْلِمين، وفيه فى مِلْكِه

ص: 233

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إسْرافٌ وإضاعَةُ مالٍ. وقال فى «الفُصولِ» : القُبَّةُ والحظيرةُ والتُّرْبَةُ، إنْ كان فى مِلْكِه، فعَل ما شاءَ، وإنْ كان فى مُسَبَّلَةٍ، كُرِهَ التَّضْييقُ بلا فائدةٍ، ويكونُ اسْتِعْمالًا للمُسَبَّلَةِ فيما لم تُوضَعْ له.

قوله: ويُكْرَهُ الجُلوسُ، والوَطْءُ عليه، والاتِّكاءُ إليه. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وكَراهَةُ المشْىِ فى المقابرِ بالنَّعْلَيْن مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وجزَم به ناظِمُها. وقال القاضى فى «التَّعْليقِ»: لا يجوزُ. وقالَه فى «الكافِى» ، وغيرِه. وقدَّم ابنُ تَميم، وغيرُه، له المَشْىُ عليه ليَصِلَ إلى مَن يزُورُه للحاجَةِ.

وفعَله الِإمامُ أحمدُ. وسألَه عَبْدُ اللهِ، يُكْرَهُ دَوْسُه وتَخَطِّيه؟ فقال: نعمْ، يُكْرَه دَوْسُه. ولم يَكْرَهِ الآجُرِّىّ توَسُّدَه؛ لفِعْلِ على، رَضِىَ الله عنه. رواه مالِكٌ (1).

(1) فى: باب الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر، من كتاب الجنائز. الوطأ 1/ 233.

ص: 234

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال فى «الفُروعِ» : فيتَوجَّهُ مِثْلُه فى الجُلوسِ.

فائدة: لا يجوزُ التَّخَلِّى عليه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال فى «نِهايَة الأَزَجِىِّ» : يُكْرَهُ التَّخَلِّىْ. قلتُ: فلعَلَّه أرادَ بالكراهَةِ التَّحْريمَ، وإلَّا فبعيدٌ جدًّا. ويُكْرَهُ التَّخَلِّى بينَها. وكَرِهَه الِإمامُ أحمدُ. زادَ حَرْبٌ، كراهِيَةً شديدةً.

ص: 235

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال فى «الفُصول» : حُرْمَتُه باقيةٌ؛ ولهذا يُمْنَعُ من جميعِ ما يُؤْذِى الحَىَّ أنْ يُنال به، كتَقريب النَّجاسَةِ منه. انتهى.

فائدة: يُكرَهُ الحديثُ عندَ القُبورِ، والمَشْىُ بالنَّعْلِ، ويُسْتَحَب خَلْعُه، إلَّا خوْفَ نَجاسَةٍ أو شَؤكٍ ونحوِه. وعنه، لا يُسْتَحَبُّ خَلْعُ النَّعْلِ، كالخُفِّ، وفى التُمُشكِ وَجْهان. وأطلَقَهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «النُّكَتِ» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ». وقال: نَظَرًا إلى المَعْنَى، والقَصْرِ على النَّصِّ، أحدُهما، لا يُكْرَهُ. اختارَه القاضى. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» . وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. والثَّانِى،

ص: 236

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُكْرَهُ كالنَّعْلِ. وقطَع ابنُ تَميمٍ، وابنُ حمْدانَ، أنَّه لا يُكْرَهُ بالنِّعالِ. قال فى «النُّكَتِ»: وهو غريبٌ ضعيفٌ مُخالِفٌ للخَبَرِ والمذهبِ.

ص: 237

وَلَا يدْفَنُ فِيهِ اثْنَانِ إِلَّا لِضَرورَةٍ، وَيُجْعَلُ بَيْنَ كلِّ اثْنَيْن حَاجزٌ مِنَ التُّرَابِ.

ــ

قوله: ولا يُدْفَنُ فيه اثنان إلَّا لضَرورَةٍ. وكذا قال ابنُ تَميمٍ، والمَجْدُ، وغيرُهما. وظاهِرُه التَّحْريمُ إذا لم يكُنْ ضَرورةٌ. وهو المذهبُ. نصَّ عليه. وجزَم به أبو المَعالِى وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يُكْرَهُ. اخْتارَه ابنُ

ص: 241

وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ،

ــ

عَقِيلٍ، والشَّيْخ تَقِىُّ الدِّينِ، وغيرُهما. قال فى «الفُروعِ»: وهو أظْهرُ، وقطَع به المَجْدُ فى نَبْشِه لغَرَض صحيح، ولم يُصَرِّحْ بخِلافِه، فدَلَّ على أنَّ المذهبَ عندَه، رِوايةً واحدةً، لا يَّحْرُمُ. انتهى. وعنه، يجوزُ. نقَل أبو طالِبٍ وغيرُه، لا بأُسَ. وعنه، يجوزُ ذلك فى المَحارِمِ. وقيل: يجوز فى مَن لا حُكْمَ لعَوْرَتِه. وهو احْتِمالٌ للمَجْدِ فى «شَرْحِه» .

قوله: ويُقَدَّمُ الأفْضَلُ إلى القِبْلَةِ. يعْنِى، حيثُ جوَّزْنا دفْنَ اثْنَيْن فأكثرَ فى قبرٍ واحدٍ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُقَدَّمُ إلى القِبْلَةِ الأفْضلُ. وقيل: يُقَدَّمُ الأكبرُ. وقيل: يُقَدَّمُ الأدْيَنُ. والخِلافُ هنا كالخِلافِ فى تقْديمِهم إلى الإمَامِ فى

ص: 242

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّلاةِ عليهم، على ما تقدَّم. وكذا لوِ اخْتلفَتْ أنواعُهم، كرِجال ونِساءٍ وصِبْيانٍ، قُدم إلى القِبْلَةِ مَن يُقَدَّمُ إلى الإمَامِ فى الصَّلاةِ عليهم، كما تقدَّم. قالَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» وغيرِه. فإنِ اسْتَوَوا فى الصِّفاتِ، قُدِّمَ أحَدُهم إلى القِبْلَةِ بالقُرْعَةِ. قالَه فى «القَواعِدِ» .

قوله: ويُجْعَلُ بينَ كلِّ اثْنَيْن حاجزٌ مِنَ التُّرَابِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ. إلَّا أنَّ الآجُرئَ قال: إنَّما يجْعَلُ ذلك إذا كان رِجالٌ ونِساءٌ. قال فى «الفُروعَ» : كذا قال.

فوائد؛ إحْدَاها، قال ابنُ حمْدانَ وغيرُه: وإنْ جُعِلَ القبرُ طوِيلًا، وجُعِلَ رأْسُ كلِّ واحدٍ عندَ رِجْلَىِ الآخرِ، أو وسَطِه، جازَ. وهو أحْسَنُ ممَّا قبلَه، ويكونُ رأْسُ المفْضولِ عندَ رِجْلَىِ الفاضلِ أو وسَطِه (1) كالدَّرَجِ. الثَانيةُ، يُسْتَحَبُّ جَمعُ الأقاربِ فى بُقْعَةٍ واحدةٍ؛ لأنَّه أسْهَلُ لزِيارَتِهم وأبعدُ لانْدِراسِهم.

ويُسْتَحَبُّ الدَّفنُ فى البُقْعَةِ التى يكْثُرُ فيها الصَّالحون والشُّهداءُ، وكذا البِقَاعُ الشَّريفةُ. الثَّالثةُ، مَن سبَق إلى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ، قُدِّم. فإنْ جاءَا معًا، أُقْرِعَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال المَجْدُ، وتَبعَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، وصاحِبُ

(1) فى أ: «ساقه» .

ص: 243

وَإنْ وَقَعَ فِى الْقَبْرِ مَالَهُ قِيمَةٌ.، نُبِشَ وَأُخِذَ.

ــ

«القَواعِدِ الفِقهِيًةِ» : إذا جاءَا معًا، قُدِّمَ منَ له مَزِيَّةٌ [نحوُ كونِه] (1) عندَ أهْلِه. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: قلتُ: وكذا لو كان واقِفُ الأرْضِ، إنْ جازَ أنْ يُدْفَنَ فيها كما قدَّمْنا، مَن له مَزيَّةٌ بإخْراجِ السَّبْقِ فى المُفاضلَةِ. ثم قال: فإنْ تَساوَيَا، أُقْرِعَ. قلتُ: فإنْ خِيفَ على أحَدِهما بتَفْويِته هذه البُقعَةَ، فيَنْبَغِى أنْ يُقَدَّمَ بذلك، كما يقدَّمُ المُضطَرُّ على صاحبِ الطَّعامِ ونحوِه. انتهى. الرَّابعةُ.، متى عُلِمَ أنَّ المَيِّتَ صارَ تُرابًا، قال فى «الفُروعِ»: ومُرادُهم ظُنَّ أنَّه صارَ تُرابًا، ولهذا ذكَر غيرُ واحدٍ، يعْمَلُ بقوْلِ أهْلِ الخِبْرَةِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يجوزُ دَفْنُ غيرِه فيه. قال أبو المَعالِى: جازَ الدَّفْنُ، والزِّراعَةُ، وغيرُ ذلك. ومُرادُه، إذا لم يُخالِف شَرْطَ واقِفِه لتَعْيِينه الجِهَةَ. وقيل: لا يجوزُ. قال الآمِدِىُّ: ظاهِرُ المذهبِ، أنَّه لا يجوزُ. وأمَّا إذا لم يَصِرْ تُرابًا، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يجوزُ الدَّفْنُ فيه. نصَّ عليه. ونقَل أبو طالِبٍ، تَبْقَى عِظامُه مَكانَه ويُدْفَنُ. اخْتارَه الخَلَاّلُ. الخامسةُ، قال جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم أبو المَعالِى، كما تقدَّم: له حرثُ أرْضِه إذا بَلِىَ العَظْمُ.

قوله: وإنْ وقَع فى القَبْرِ ماله قيمَةٌ، نُبِشَ وأُخِذَ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ. وعنه، المَنْعُ إنْ بُذِلَ له عِوَضُه. قال فى «الفُروعِ»: فدَلَّ على روايةٍ؛ يُمْنَعُ مِن نَبْشِه بلا ضَرُورةٍ.

(1) فى. أ: «شوكة» .

ص: 244

وَإنْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ غَصْبٍ، أَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ، غَرِمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَقِيلَ: يُنْبَشُ، وَيُؤْخَذُ الْكَفَنُ، وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيُخْرَجُ.

ــ

تنبيه: مُرادُه بقولِه: مالَه قِيمَةٌ. يعْنِى، فى العادَةِ والعُرْفِ. وإنْ قلَّ خطَرُه، قال أبو المَعالِى: ذكَره أصحابُنا. قال: ويَحْتَمِلُ ما يجِبُ تعْرِيفُه لو رَماهُ به فيه.

قوله: وإنْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ غَصْبٍ، لم يُنْبَشْ؛ لهتْكِ حُرْمَتِه. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، منهم القاضى. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،. و «الشَّرْحِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» .

وقال المَجْدُ: إنْ تَغَيَّر المَيِّتُ وخُشِىَ عليه المُثْلةُ، لم يُنْبَشْ، وإلَّا نُبِشَ. وجزَم به فى «المُنَوِّرِ». وقيل: يُنْبَشُ مُطْلَقًا، ويؤْخَذُ الكفَنُ. صحَّحه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وجزَم به فى «الِإفاداتِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ،

ص: 245

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِيَيْن» . وأطْلَقَهُنَ ابن تَميمٍ، وابنُ حمْدانَ فى «الرِّعايَةِ الكبْرى» . وأطْلَقَ الأوَّلَ والأخيرَ فى «التَلْخيصِ» . فعلى المذهبِ، يغْرَمُ ذلك منِ تَرِكَتِه، كما قال المُصَنَفُ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جمهورُ الأصحابِ. قال ابنُ تَميم: قالَه أصحابُنا. وقال المَجْدُ: يضْمَنُه مَن كَفَّنَه فيه؛ لمُباشَرَتِه الِإتْلافَ عالِمًا، فإنْ جهِلَه فالقَرارُ على الغاصِبِ، ولو كان المَيِّتَ.

وجزَم به فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» .

فائدة: حيثُ تعَذَّرَ الغرْمُ نُبِشَ، قوْلًا واحدًا.

قوله: أو بلَع مالَ غيرِه، غَرِمَ ذلك مِن تَرِكَتِه. وهذا المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» .

ومالَ إليه الشَّارِحُ. وقيل: يُنْبَشُ ويُشَقُّ جوْفُه فيُخرَجُ منه. صحَّحه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وقدَّمه فى «النَّظْم» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» .

وأطْلَقَهما فى «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» . فعلى هذا القوْلِ، لو كان ظَنَّه مِلْكَه، فوَجْهان. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى». قلتُ: الصَّوابُ نَبْشُه. وقال المَجْدُ هنا كما قالَ

ص: 246

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى التى قبلَها. وأطْلَقَهُنَّ فى «الرعايَةِ الكُبْرى» . وذكَر جماعةٌ مِنَ الأصحابِ، أنَّه يغْرَمُ اليسِيرَ مِن تَرِكَتِه وَجْهًا واحدًا. وما هو ببعيدٍ. وحيثُ قُلْنا: يغْرَمُ مِن ترِكَتِه. فتعَذَّرَ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُنْبَشُ ويشَقُّ جوْفُه. وقال بعضُ الأصحابِ: إنْ بُذِلَتْ قِيمَتُه لم يُشَقَّ. وجزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقال بعضُ الأصحابِ أيضًا: إنْ بذَلَها وارِثٌ، لم يُشَقَّ، - وإلَّا شُقَّ. وقيل: لم يُشَقَّ مُطْلَقًا.

تنبيه: مفْهومُ قولِه: أو بلَع مالَ غيرِه. أنَّه لو بلَع مالَ نفْسِه، أنَّه لا يُنْبَش. وهو الصَّحيحُ، وهو المذهبُ. قدَّمه فى «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». ويَحْتَمِلُ أنْ يُنْبَشَ (1) إذا كانَ له قيمة. وقال فى «المُبْهِجِ»: يُحْسَبُ مِن ثُلُثِه. فعلى المذهبِ، يُؤْخَذُ إذا بَلِىَ. وعلى المذهبِ أيضًا، لو كان عليه دَيْنٌ يُنْبَشُ. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ. وجزَم به فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» .

وظاهِرُ كلامِه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، أنَّه لا يُنْبَشُ.

فائدة: لو بلَع مالَ غيرِه بإذْنِه، أُخِذَ إذا بَلِىَ المَيِّتُ، ولا يُعْرَضُ له قبلَه، ولا يضْمَنُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: هو كمالِه. وقال فى «الفُصولِ» : إنْ بَلعه بإذْنِه، فهو المُتْلِفُ لمالِه، كقولِه: ألْقِ مَتاعَكَ فى البَحْرِ. فألقاه. قال: وكذا لو رآه مُحْتاجًا إلى رَبْطِ أسْنانِهْ بذَهَبٍ، فأعْطاه خَيْطًا مِن ذَهبٍ، أو أنْفًا مِن ذَهب، فأعْطَاه فرَبَطَه به وماتَ، لم يجِبْ قَلْعُه ورَدُّه؛ لأنَ فيه مُثْلَةً. قال فى

(1) فى ط: «يشق» .

ص: 247

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعَ» : كذا قال.

فائدة: لو ماتَ وله أنْفٌ ذَهبٌ، لم يُقْلعْ، لكنْ إنْ كان بائِعُه لم يأْخُذْ ثَمَنَه أخَذَه مِن ترِكَتِه، ومع عدَمِ التَّرِكَةِ يأُخذُه إذا بَلِىَ. وهذا المذهبُ. وقيل: يُؤْخَذُ فى الحالِ. قال فى «الفُروعِ» : فدَلَّ على أنَّه لا يُعْتَبَرُ للرُّجوعِ حياةُ المُفْلِسِ فى قوْلٍ، مع أنَّ فيه هنا مُثْلَةً.

ص: 248

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ دَفْنُ الشَّهيِد بمَضرَعِه سُنَّةٌ. نصَّ عليه. حتى لو نُقِلَ، رُدَّ إليه. ويجوزُ نقْلُ غيرِه. أطْلقَه الِإمامُ أحمدُ. قال فى «الفُروعِ»: والمُرادُ، وهو ظاهِرُ كلامِهم، إنْ أُمِنَ تَغَيُّرُه. وذكَر المَجْدُ إنْ لم يُظَنَّ تَغَيُّرُه. انتهى. وقال فى «الكافىِ»: وحمْلُ المَيِّتِ إلى غيرِ بلَدِه لغير حاجَةٍ مَكْروهٌ. ولا يُنْقَلُ إلَّا لغرضٍ صحيحٍ، كبُقْعَةٍ شريفةٍ ومُجاورَةِ صالحٍ. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِهم، ولو رَضِىَ به. وصرَّح به أبو المَعالِى، فقال: يجبُ نقْلُه لضَرُورةِ.، نحوَ كوْنِه بدارِ حَرْبٍ، أو مَكان يُخافُ فيه نَبْشُه وتحْريقُه، أو المُثْلَةُ به. قال: فإن تعَذرَ نقْلُه بدارِ حَرْبٍ، فالأوْلَى، تسْوِيَتُه بالأرْضِ وإخْفاؤُه مخَافةَ العَدوِّ. ومَعْناه كلامُ غيرِه. فيُعايَىَ بها. وتقدَّم فى أوَّلِ الفصْلِ الأوَّلِ مِن هذا البابِ، لو دُفِنَ قبلَ غَسْلِه أو تكْفيِنه، أو الصَّلاةِ عليه، هل يُنْبَشُ أم لا؟ وهل يجوزُ نَبْشُه لغَرضٍ

ص: 249

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صحيحٍ؟ فلْيرُاجَعْ هناك.

ص: 250

وَإنْ مَاتَتْ حَامِلٌ لَمْ يُشَقَّ بَطْنُهَا، وَتَسْطُو عَلَيْهِ الْقَوَابِلُ فَيُخْرِجْنَهُ.

وَيَحْتَمِلُ أنْ يُشَقَّ بَطنُهَا، إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَحْيَا.

ــ

قوله: وإنْ ماتَتْ حامِلٌ لم يُشَقَّ بَطْنُها. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المنْصوصُ، وعليه الأصحابُ.

قوله: ويَحْتَمِلُ أنْ يُشَقَّ بَطْنُها، إذا غلَب على الظَّنِّ أنَّه يَحْيَا. وهو وَجْهٌ فى «ابنِ تَميمٍ» وغيرِه. فعلى المذهبِ، تَسْطُو عليه القَوَابِلُ فيُخْرِجْنَه، إذا احْتملَ حياتُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال القاضى فى «الخلافِ»: إنْ لم يُوجَدْ أماراتُ الظّهورِ بانْفِتاحِ المَخارِجِ وقُوَّةِ الحرَكَةِ، فلا تَسْطُو القَوابِلُ. فعلى الأوَّلِ، إنْ تعَذَّرَ إخْراجُه بالقَوابِلِ، فالمذهَبُ، أنَّه لا يُشَقُّ بَطْنُها. قالَه فى.

ص: 252

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعليه أكثرُ الأصحابِ. واخْتارَ ابنُ هُبَيْرَةَ، أنَه يُشَقُّ ويُخْرَجُ الوَلَدُ. قلتُ: وهو أوْلَى. فعلى

ص: 253

وَإنْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ، دُفِنَتْ وَحْدَهَا، وَيجْعَلُ ظَهْرُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ.

ــ

المذهبِ، [يُتْرَكُ ولا يُدْفَنُ] (1) حتى يموتَ. قال فى «الفُروعِ»: هذا الأشْهَرُ.

واخْتارَه القاضى، والمُصَنِّفُ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وعنه، يسْطُو عليه الرجالُ. والأوْلَى بذلك المَحارِمُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والمَجْدُ، كمُداوَاةِ الحَىِّ. وصحَّحه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وهو أقْوَى مِنَ الذى قبلَه. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ. ولم يُقَيِّدْه الِإمامُ أحمدُ بالمَحْرَمِ. وقيَّده ابنُ حَمْدانَ وغيرُه بذلك.

فائدة: لو خرَج بعضُ الحَمْلِ حيًّا، شُقَّ بطْنُها حتى يكْمُلَ خُروجُه. فلو ماتَ قبلَ خُروجِه، وتعَذَّرَ خُروجُه، غُسِّلَ ما خرَج منه وأجْزَأَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قلتُ: فيُعايَى بها. وأوَّلُ مَن أفْتَى فى هذه المسْألَةِ ابنُ عَقِيلٍ. وقيل: تيَمَّمَ لِما لم يخْرُجْ، وهو احْتِمالٌ لابنِ الجَوْزِىِّ.

قوله: وإنْ ماتَتْ ذِمِّيَّةٌ حامِلٌ مِن مُسْلِمٍ، دُفِنَتْ وَحْدَها. إنْ أمْكَنَ، وإلا دُفِنَتْ مع المُسْلِمين. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. واخْتارَ الآجُرِّىُّ، تُدْفَنُ بجَنْبِ

ص: 254

وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ، فِى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

ــ

مَقابرِ المُسْلِمين، وأنَّ المَرُّوذِىَّ قال: كلامُ أحمدَ، لا بأْسَ به مَعَنا؛ لِمَا فى بَطْنِها.

قوله: ويُجْعَلُ ظَهْرُها إلى القِبْلَةِ. يعْنِى، وتكونُ على جَنْبِها الأيسَرِ؛ ليكونَ وَجْهُ الجَنِينِ إلى القِبْلَةِ على جَنْبِه الأيْمَنِ.

فائدتان؛ إحداهما، لا يُصَلَّى على هذا الجَنِينِ؛ لأنَّه ليس بمَوْلودٍ ولا سقْطٍ.

وهذا المذهبُ. وذكر بعضُ الأصحابِ، يُصَلَّى عليه إنْ مضَى زَمَنُ تَصْوِيرِه. قال فى «الفُروعِ»: ولعَلَّ مُرادَه إذا انْفَصَلَ. الثَّانيةُ، يُصَلَّى على المُسْلِمَةِ الحاملِ، بلا نِزاعٍ، ويُصَلَّى على حَمْلِها إنْ كان قد مضَى زَمَنُ تَصْويرِه، وإلَّا صُلِّىَ عليها دُونَه. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «فُنونِه»: لا يُنْوَى بالصَّلاةِ على حَمْلِها. وعلَّلَه بالشَّكِّ فى وُجودِه.

قوله: ولا تُكْرَهُ القراءَةُ على القَبْرِ، فى أصَحِّ الرِّوَايتَيْن. وهذا المذهبُ. قالَه فى «الفُروعِ» وغيرِه، ونصَّ عليه. قال الشَّارِحُ: هذا المشْهورُ عن أحمدَ. قال الخَلَّالُ، وصاحِبُه: المذهبُ رِوايةً واحدةً، لا تُكْرَهُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ، منهم القاضى. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، تُكْرَهُ. اخْتارَها عَبْدُ الوَهَّابِ الوَرَّاقُ (1)، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. قالَه فى «الفُروعِ». واخْتارَها أيضًا أبو حَفصٍ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: نقَلها جماعةٌ، وهى قوْلُ جمهورِ السَّلَفِ، وعليها قُدَماءُ أصحابِه. وسَمَّى المَرُّوذِىَّ. انتهى. قلتُ: قال كثيرٌ مِنَ الأصحابِ: رجَع الِإمامُ أحمدُ عن هذه الروايةِ؛ فقد روَى جماعةٌ عنِ الِإمامِ أحمدَ، أنَّه مَرَّ بضَريرٍ يقْرأُ عندَ قَبْرٍ، فَنَهاه. وقال: القِراءةُ عندَ القَبْرِ بِدْعَةٌ. فقال محمدُ بنُ قُدامَةَ الجَوْهَرِىُّ: يا أبا عَبْدِ الله، ما تقولُ فى مُبَشِّرٍ الحَلَبِىِّ؟ فقال: ثِقَهٌ. فقال: حدَّثَنِى مُبَشِّرٌ

(1) عبد الوهاب بن عبد الحكم بن نافع الوراق، أبو الحسن. الإمام القدوة الرباني الحجة، كان كبير الشأن من خواص الإمام أحمد. توفى سنة إحدى وخمسين ومائتين. تاريخ بغداد 11/ 25 - 28.

ص: 256

وَأَىُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذَلِكَ.

ــ

عن أبِيه، أنَّه أوْصى إذا دُفِنَ أنْ يُقْرَأَ عندَه بفاتحةِ البَقَرَةِ وخَاتِمَتِها. وقال: سمِعْتُ ابنَ عمرَ يُوصِى بذلك. فقال الإِمامُ أحمدُ: ارْجِعْ فقلْ للرَّجُلِ يقْرأُ. فهذا يدُلُّ على رُجوعِه. وعنه، لا يُكْرَهُ وَقْتَ دَفْنِه دُونَ غيرِه. قال فى «الفائقِ»: وعنه، يُسَنُّ وقْتَ الدَّفْنِ. اخْتارَها عَبْدُ الوَهَّابِ الوَرَّاقُ وشيْخُنا. وعنه، القِراءةُ على القَبْرِ بِدْعَةٌ؛ لأنَّها ليستْ مِن فِعْلِه عليه أفْضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، ولا من فِعْلِ أصحابِه.

فعلىْ القوْلِ بأنَّه لا يُكْرَهُ، فيُسْتَحَبُّ. على الصَّحيحِ. قال فى «الفائقِ»: تُسْتَحَبُّ القِراءةُ على القَبْرِ. نصَّ عليه أخِيرًا. قال ابنُ تَميمٍ: لا تُكْرَهُ القِراءةُ على القَبْرِ، بل تُسْتَحَبُّ. نصَّ عليه. وقيلَ: تُباحُ. قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : وتُباحُ القِراءةُ على القَبْرِ. نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» . قال فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزينٍ»: لا بأْسَ بالقِراءةِ عندَ القَبْرِ. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» .

قوله: وأىُّ قُرْبَةٍ فعَلها وجعَلها للْميِّتِ المُسْلِمِ، نفَعَه ذلك. وهو المذهبُ

ص: 257

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ.

وقال القاضى فى «المُجَرَّدِ» : مَن حَجَّ نَفْلًا عن غيرِه، وقع عن مَن حَجَّ لعدَمِ إذْنِه.

فائدة: نقَل المَرُّوذِىُّ، إذا دَخَلْتُم المَقابِرَ فاقْرأُوا آيَةَ الكُرْسِىِّ وثَلاثَ مَرَّاتٍ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . ثم قولُوا: اللَّهُمَّ إنَّ فضْلَه لأهْلِ المَقابرِ، يعْنِى، ثَوابَه.

وقال القاضى: لابُدَّ مِن قوْلِه: اللَّهُمَّ إنْ كنتَ أثَبْتَنِى على هذا، فقد جعَلْتُ ثَوابَه، أو ما تَشاءُ منه، لفُلانٍ. لأنَّه قد يتخَلَّفُ فلا يتَحكَّمُ على اللهِ. وقال المَجْدُ: مَنْ سأَلَ الثَّوابَ ثم أهْداه، كَقْولِه: اللَّهُمْ أثِبْنِى على عَمَلِى هذا أحْسَنَ الثَّوابِ، واجْعَلْه لفُلانٍ. كان أحْسَنَ، ولا يَضُرُّ كوْنُه مجْهولًا؛ لأنَّ اللهَ يعْلَمُه. وقيل: يُعْتَبرُ أنْ ينْوِيَه بذلك وقتَ (1) فِعْلِ القُرْبَةِ. وقال الحَلْوَانِىُّ فى «التَّبْصِرَةِ» : يُعْتَبَرُ أنْ ينْوِيَه بذلك قبلَ فِعْلِ القُرْبَةِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «مُفْرَداتِه» : يُشْتَرَطُ أنْ تتقَدَّمَه نِيَّةُ ذلك أو تُقارِنَه. قال فى «الفُروعِ» : فإنْ أرادُوا أنَّه يُشْتَرَطُ للإهْداءِ ونقْلِ

(1) فى أ: «قبل» .

ص: 258

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّوابِ، أنْ ينْوِىَ المَيِّتَ به ابْتِداءً، كما فهِمَه بعضُ المُتأخِّرِين وبعْدَه، فهو، مع مُخالَفَتِه لعُمومِ كلامِ الِإمامِ أحمدَ والأصحابِ، لا وَجْهَ له فى أثَرٍ له ولا نَظَرٍ. وإن أرادُوا أنَّه يصحُّ أنْ تَقَعَ القُرْبَةُ عنِ المَيِّتِ ابْتداءً بالنِّيَّةِ له، فهذا مُتَّجَهٌ. ولهذا قال ابنُ الجَوْزِىِّ: ثَوابُ القُرآنِ يصِلُ إلى المَيِّتِ إذا نَواه قبلَ الفِعْلِ، ولم يُعْتَبَرِ الِإهْداءُ. فظاهِرُه عَدَمُه. وهو ظاهِرُ ما سبَق فى «التَّبْصِرَةِ». وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُنونِ»: قال حَنْبَلٌ: يُشْتَرَطُ تقْديمُ النِّيَّةِ؛ لأنَّ ما تدْخلُه النِّيابَةُ مِنَ الأعْمالِ لا يحْصُلُ للمُسْتَنِيبِ إلَّا بالنِّيَّةِ مِنَ النَّائب قبلَ الفَراغِ.

تنبيه: قوْلُه: وأىُّ قُرْبَةٍ فعَلَها، وجَعَلَها للمَيِّتِ المُسْلِمِ، نفَعَه ذلك. وكذا

ص: 259

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لو أهْدَى بعضَه، كنِصْفِه، أو ثُلُثِه، ونحو ذلك. كما تقَدَّم عنِ القاضى وغيرِه.

وهذه قد يُعايَى بها، فيقالُ: أيْنَ لَنا موْضِعٌ تصِحُّ فيه الهَدِيَّةُ، مع جَهالَةِ المُهْدِى لها؟ ذكَرَها فى «النُّكَتِ» . وتقدَّم فى أوَاخرِ بابِ الجُمُعَةِ، كراهةُ إيثارِ الِإنْسانِ

ص: 260

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالمَكانِ الفاضِلِ، وهو إيثارٌ بفَضِيلَةٍ، فيَحْتاجُ إلى الفرقِ بينَه وبينَ إهْداءِ القُرَبِ.

تنبيه: شَمِلَ قوْلُه: وأىُّ قُرْبَةٍ فعَلها. الدُّعاءَ والاسْتِغْفارَ، والواجِبَ الذى تدْخُلُه النِّيابَةُ، وصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، والعِتْقَ، وحَجَّ التَّطَوُّعِ، فإذا فَعَلها المُسْلِمُ وجعَل ثَوابَها للمَيِّتِ المُسْلمِ، نفَعه ذلك إجْماعًا. وكذا تصِلُ إليه القِراءةُ والصَّلاةُ

ص: 261

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والصِّيامُ.

فائدتان؛ إحْدَاهما، قال المَجْدُ: يُسْتَحَبُّ إهْداءُ القُرَبِ للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. قال فى «الفُنونِ» : يُسْتَحَبُّ إهْداءُ القُرَبِ، حتى للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. ومنَع مِن ذلك الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ؛ فلم يَرَه لمَن له ثَوابٌ بسَبَبِ ذلك، كأجْرِ العاملِ، كالنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، ومُعَلَّمِ الخَيْر، بخِلافِ الوالدِ، فإنَّ له أجْرًا كأجْرِ الوَلَدِ. الثَّانيةُ، الحَىُّ فى كلِّ ما تقدَّم

كالمَيِّتِ فى نَفْعِه بالدُّعاءِ ونحوِه. وكذا القِراءةُ ونحوُها. قال

ص: 262

ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلَحَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُصْلِحُونَ هُمْ طَعَامًا لِلنَّاسِ.

ــ

القاضى: لا تُعْرَفُ رِوايَةٌ بالفَرْقِ بينَ الحَىِّ والمَيِّتِ. قال المَجْدُ: هذا أصحُّ. قال فى «الفائقِ» : هذا أظْهَرُ الوَجْهَيْن. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقيل: لا ينْتَفِعُ بذلك الحَىُّ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وجزَم المُصَنِّفُ وغيرُه، فى حَجِّ النَّفْلِ عنِ الحَىِّ، لا ينْفَعُه. ولم يَسْتَدِلَّ له. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «المُفْرَداتِ»: القِراءةُ ونحوُها لا تصِلُ إلى الحَىِّ.

قوله: ويُسْتَحَبُّ أنْ يُصْلَحَ لأهْلِ الميِّتِ طَعامٌ يُبْعَثُ به إليهم. بلا نِزاعٍ. وزادَ المَجْدُ وغيرُه: ويكونُ ذلك ثلَاثةَ أيَّام. وقال: إنَّما يُسْتَحَبُّ إذا قُصِدَ أهْلُ المَيِّتِ. فأمَّا لِمَا يَجْتَمِعُ عندَهم، فيُكْرَهُ؛ للمُساعدَةِ على المَكْرُوهِ. انتهى.

ص: 263

فصل: وَيُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقبُورِ. وَهَلْ تُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنَ.

ــ

قوله: ولا يُصْلِحُون هم طَعامًا للنَّاس. يعْنِى، لا يُسْتَحَبُّ، بل يُكْرَهُ. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحاب. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرحِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه.

وعنه، يُكْرَهُ إلَّا لحاجَةٍ. وقيل: يَحْرُمُ. وقال الزَّرْكَشِىُّ: ظاهِرُ كلام الخِرَقِىِّ، أنَّه يباحُ لغيرِ أهْلِ المَيِّتِ، ولا يُبَاحُ لأهْلِ المَيِّتِ. وقال غيرُه: يُسَنُّ لغيرِ أهْلِ المَيِّتِ، ويُكْرَهُ لأهْلِه.

قوله: ويُسْتَحَبُّ للرجالِ زِيارَةُ القُبُورِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وحَكاه الشَّيْخُ مُحْيىِ الدِّينِ النَّوَوِىُّ إجْماعًا. قال فى

ص: 264

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الشَّرْحِ» : لا نعْلَمُ خِلافًا بينَ أهْلِ العِلْمِ فى اسْتِحْبابِ زِيارةِ الرِّجالِ القُبورَ.

وأمَّا المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» فقال (1): لا نعْلَمُ خِلافًا فى إباحَةِ زِيارَتِها للرِّجالِ.

قال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» : يُسْتَحَبُّ فى ظاهرِ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المنْصوصُ المشْهورُ عندَ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وعنه، لا بأْسَ بزِيارَتِها. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ وغيرِ واحدٍ مِن الأصحابِ. وقد أخذ أبو المَعالِى، والمَجْدُ، والزَّرْكَشِىُّ، وغيرُهم، الإباحَةَ مِن كلام الخِرَقِىِّ؛ فقالوا:. وقيلَ: يُباحُ، ولا يُسْتَحَبُّ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّه أمْرٌ بعدَ حَظْرٍ. لكن الجُمهور قالُوا: الاسْتِحْبابُ لقَرينَةِ تذَكُّرِ الموْتِ، أو للأمْرِ.

(1) فى: المغنى 3/ 517.

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وهل تُكْرَهُ للنِّساء؟ على رِوَايَتَيْن. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «التَّلْخيصِ» ،

و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الشَّرْحِ» ؛ إحْدَاهما، يُكْرَهُ لَهُنَّ. وهى المذهبُ. جزَم به الخِرَقِىُّ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنوِّرِ» ، وغيرهم. وصحَّحه ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ مُنَجَّى فى «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الفائقِ». قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: هذا أظْهَرُ الرِّواياتِ. قال فى «النَّظْمِ» : هو أوْلَى. ورَجَّحه المُصَنِّفُ وغيرُه. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا تُكْرَهُ، فتُباحُ. وعنه رِوايةٌ ثالثةٌ، تحْرُمُ، كما لو عَلِمتْ أنَّه يقَعُ منها مُحَرَّمٌ. ذكَرَه المَجْدُ. واخْتارَ هذه الرِّوايةَ بعضُ الأصحابِ. وحكَاها ابنُ تَميمٍ وَجْهًا. قال فى «جامِعِ الاخْتِيارَاتِ»: وظاهرُ كلامِ الشيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ، تَرْجِيحُ

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التَّحْريمِ؛ لاحْتِجاجِه بلَعْنِه، عليه الصلاة والسلام، زَوَّاراتِ القُبورِ، وتصْحيحِه إيَّاه. وأطْلَقَهُنَّ فى «الحاوِيَيْن» . وتقدَّم فى فصْلِ الحَمْلِ، أنَّه يُكْرَهُ لهُنَّ اتِّباعُ الجَنائزِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.

فوائد؛ إحْدَاها، يجوزُ للمُسْلمِ زِيارةُ قَبْرِ الكافرِ. قالَه المَجْدُ وغيرُه. وقال الشَّيخُ تَقِىُّ الدِّينِ: يجوزُ زِيارَتُه للاعْتِبارِ. وقال أيضًا: لا يُمْنَعُ الكافِرُ مِن زِيارةِ قَبْرِ أبِيه المُسْلِمِ. الثَّانيةُ، الأوْلَى للزَّائرِ أنْ يَقِفَ أمامَ القَبْرِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، يقِفُ حيثُ شاءَ. والأوْلَى أنْ يكونَ حالةَ الزِّيارَةِ قائمًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، قُعودُه كقِيامِه. ذكَره أبو المَعالِى. ويَنْبَغِى أنْ

ص: 267

وَيَقُولُ إِذَا زَارَهَا أَوْ مَرَّ بِهَا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ،

ــ

يَقْرُبَ منه، كزِيارَته حالَ حَياتِه. ذكَرَه فى «الوَسِيلَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» .

الثَّالثةُ، ظاهرُ كلامِ الأصحابِ، اسْتِحْبابُ كثْرَةِ زيارَةِ القُبورِ. وهو ظاهرُ كلامِ الإمام أحمدَ. قال فى رِوايَةِ أبِى طالِبٍ: وقال له رجُلٌ: كيفَ يرِقُّ قلْبِى؟ قال: ادْخُلِ المَقْبَرَةَ. وهو ظاهرُ الحديثِ: «زُورُوا القُبُورَ، فإنَّها تُذَكِّرُ الآخِرَةَ» (1). وقدَّمه فى «الفُروعَ» . وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : ويُكْرَهُ الإِكْثارُ مِن زِيارَةِ المَوْتَى. قلت: وهو ضعيفٌ جدًّا، ولم يُعْرَفْ له فيه سلَفٌ. الرَّابعةُ، يجوزُ لَمْسُ القَبْرِ مِن غيرِ كراهَةٍ. قدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الفُروعِ» . وعنه، يُكْرَهُ. وأطْلَقَهما فى «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . وعنه، يُسْتَحَبُّ. قال أبو الحُسَيْنِ فى «تَمامِه»: وهى أصحُّ. وقال فى «الوَسِيلَةِ» : هل يُسْتَحَبُّ عندَ فَراغِ دَفْنِه وَضْعُ يَدِه عليه، وجُلُوسُه على جانِبَيْه؟ فيه رِوايَتان.

قوله: ويَقُولُ إذا زارَها أو مَرَّ بها: سَلامٌ عليكم، إلى آخِرِه. نَكَّرَ المُصَنِّفُ، رَحِمُه اللهُ تعالى، لفْظَ السَّلامِ. وقالَه جماعةٌ مِنَ الأصحاب. ونصَّ عليه الإمامُ أحمدُ. وورَد الحديثُ فيه مِن طريقِ أحمدَ (2)، مِن رِوايَةِ أبى هُرَيْرَةَ

(1) سبق تخريجه فى 5/ 431.

(2)

أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 2/ 375. بلفظ: «السلام. . . .».

ص: 268

وَإنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، وَيَرْحَمُ الله الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا

أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ.

ــ

وعائِشَةَ. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» . وذكَر جماعةٌ مِنَ الأصحابِ أنَّه يقولُ مُعَرَّفًا؛ فيقولُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ. ونصَّ عليه الإمامُ أحمدُ. قال فى «الفُروعِ» : وهو أشهرُ فى الأخْبارِ، روَاه مُسْلِمٌ مِن رِوايَةِ أبِى هُرَيْرَةَ (1)، وبُرَيْدَةَ. وجَزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِى» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وخيَّره المَجْدُ وغيرُه بينَهما؛ منهم صاحِبُ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وقدَّمه ابنُ تَميمٍ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وقالوا: نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفائقِ» .

(1) لم يروه مسلم عن أبى هريرة، بل عن عائشة وبريدة فقط.

ص: 269

وَيسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ،

ــ

وقال ابنُ ناصِرٍ (1): يقولُ للمَوْتَى: عَلَيْكُم السَّلامُ.

فائدة: إذا سلَّم على الحَىِّ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُخَيَّرُ بينَ التَّعْريفِ والتَّنْكيرِ. قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: ذكَرَه غيرُ واحدٍ. قلتُ: منهم المَجْدُ، وصاحِبُ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وعنه، تعْرِيفُه أفْضَلُ. قال النَّاظِمُ: كالرَّدِّ.

وقيل: تنْكيرُه أفْضَلُ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. ورَدَّه المَجْدُ. وقال ابنُ البَنَّا: سَلامُ التَّحِيَّةِ مُنَكَّرٌ، وسَلامُ الوَداعِ مُعَرَّفٌ.

قوله: ويُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أهْلِ الميِّتِ. يعْنِى، سواءٌ كان قبلَ الدَّفْنِ أو بعدَه. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال القاضى فى «الخِلافِ»: التَّعْزِيَةُ بعدَ الدَّفْنَ أوْلَى؛ للإِياسَ التَّامِّ منه.

فائدة: يُكْرَهُ تَكْرارُ التَّعْزِيَةِ. نصَّ عليه. فلا يُعَزِّى عندَ القَبْرِ مَن عَزَّى قبلَ

(1) هو محمد بن ناصر بن محمد السلامى البغدادى، أبو الفضل. الإمام المحدث الحافظ، كان شافعيًّا أشعريًّا ثم انتقل إلى مذهب الحنابلة فى الأصول والفروع. توفى سنة خمسين وخمسمائة. سير أعلام النبلاء 20/ 265 - 270.

ص: 270

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك. قالَه فى «الفُروعِ» . وقال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن»: وعنه، يُكْرَهُ عندَ القَبْرِ لمَن عزَّى. وقال ابنُ تَميمٍ: قال الإمامُ أحمدُ: أكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عندَ القَبْرِ، إلَّا لمَن لم يُعَزِّ. وأطْلَقَ جوازَ ذلك فى رِوايَةِ أُخْرَى. انتهى. وتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ لامْرأةٍ شابَّةٍ أجْنَبِيَّةٍ للفِتْنَةِ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ فيه ما فى تَشْمِيتِها إذا عطَسَتْ. ويُعَزِّى مَن شَقَّ ثوْبَه. نصَّ عليه، لزَوالِ المحرَّمِ، وهو الشَّقُّ، ويُكْرَهُ اسْتِدامَةُ لُبْسِه.

تنبيهان؛ أحدُهما، ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، أنَّ التَّعْزِيَةَ ليستْ مَحْدودَةً بحَدٍّ. وهو قوْلُ جماعةٍ مِنَ الأصحابِ. فظاهِرُه، يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا. وهو ظاهِرُ الخبَرِ. وقيل: آخِرُها يومُ الدَّفْنِ. وقيل: تُسْتَحَبُّ إلى ثلَاثَةِ أيَّامٍ. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوِيَيْن» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» . وذكَر ابنُ شِهَابٍ، والآمِدِىُّ، وأبو الفَرَجَ، والمَجْدُ، وابنُ تَميمٍ، وغيرُهم، يُكْرَهُ بعدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ؛ لتَهْيِيجِ الحُزْنِ. قال المَجْدُ: لإذْنِ

ص: 271

وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا.

ــ

الشَّارِعِ فى الإحْدادِ فيها. وقال: لم أجِدْ فى آخِرِها كلامًا لأصحابِنا. وقال أبو المَعالِى: اتَّفَقُوا على كراهتِه بعدَها، ولا يبْعدُ تَشْبِيهُها بالإحْدادِ على المَيِّتِ.

وقال: إلَّا أن يكونَ غائِبًا، فلا بأْسَ بتَعْزِيَتِه إذا حضَر. واخْتارَه النَّاظِمُ. وقال: ما لم تُنْسَ المُصِيبَةُ. الثانى، قوله: ويُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أهْلِ الميِّتِ. وهكذا قال غيرُه مِنَ الأصحاب. قال فى «النُّكَتِ» : وقوْلُ الأصحابِ: أهْلُ المَيِّتِ. خَرج على الغالبِ. ولعَلَّ المُرادَ، أهْلُ المُصِيبَةِ. وقطَع به ابنُ عَبْدِ القَوِىِّ فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» مذهبًا لأحمدَ، لا تفَقُّهًا مِن عندِه. قال فى «النُّكَتِ»: فيُعَزَّى الإنْسانُ فى رَفيقِه وصَديقِه ونحوِهما، كما يُعَزَّى فى قرِيبِه. وهذا مُتَوَجَّهٌ. انتهى.

قوله: ويُكْرَهُ الجُلُوسُ لها. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. قال فى «مَجمَعِ البَحْرَيْن» : هذا اخْتِيارُ أصحابِنا. وجزَمْ به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى. «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وعنه، ما يُعْجِبُنِى. وعنه، الرُّخْصَةُ فيه؛ لأنَّه عزَّى وجلَس. قال الخلَّالُ: سهَّل الإمامُ أحمدُ فى الجُلوسِ إليهم فى غيرِ موْضعٍ. قال فى «الحاوِيَيْن» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى»: وقيل: يُباحُ ثلاثًا كالنَّعْىِ. ونُقِلَ عنه المَنْعُ منه. وعنه، الرُّخْصَةُ

ص: 272

وَيَقُولُ فِى تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أعْظَمَ اللهُ أجْرَكَ، وَأحْسَنَ عَزَاءَك، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ،

ــ

لأهْلِ المَيِّتِ. نَقَله حَنْبَلٌ. واخْتارَه المَجْدُ. ومَعْناه اخْتِيارُ أبِى حَفْصٍ. وعنه، الرُّخْصَةُ لأهْلِ المَيِّتِ ولغيرِهم، خوْفَ شدَّةِ الجَزَعِ. وقال الإمامُ أحمدُ: أمَا والمَيِّتُ عندَهم، فأكْرَهُه. وقال الآجُرىُّ: يأْثَمُ إنْ لم يمنَعْ أهْلَه. وقال فى «الفُصولِ» : يُكْرَهُ الاجْتِماعُ بعدَ خُروجِ الرُّوحِ؛ لأنَّ فيه تَهْيِيجًا للحُزْنِ.

فائدة: لا بأْسَ بالجُلوسِ بقُرْبِ دارِ المَيِّتِ، ليتبعَ الجِنازَةَ، أو يخْرجَ وَلِيُّه فيُعَزِّيَه. فعَله السَّلفُ.

قوله: ويَقُولُ فى تَعْزِيةِ المُسْلمِ بِالمُسْلِمِ: أعْظَمَ اللهُ أجْرَكَ، وأحْسَنَ عَزاءَك، وغفَر لمَيِّتك. ولا يَتَعَيَّنُ ذلك، بل إنْ شاءَ قالَه، وإنْ شاءَ قال غيَره، فإنَّه لا يَتَعَيَّنُ فيه شئٌ؛ فقد عزَّى الإمامُ أحمدُ رَجلًا، فقال: آجَرَنا اللهُ وإيَّاكَ فى هذا الرَّجُلِ. وعزَّى أبا طالِبٍ، فقال: أعْظَمَ الله أجْرَكُم، وأحْسَنَ عزاءَكُم.

ص: 273

وَفِى تَعْزِيَتِهِ عَنْ كَافِرٍ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ، وَأحْسَنَ عَزَاءَكَ. وَفِى تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ: أَحْسَنَ اللهُ عَزَاءَكَ، وغَفَرَ لِميِّتِكَ. وَفِى

[42 ظ] تَعْزِيَتِهِ عَنْ كَافِرٍ: أَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ، وَلَا نَقَصَ عَدَدَكَ.

ــ

قوله: وفى تَعْزِيَتِه عَن كافِرٍ: أعْظَمَ الله أَجْرَك، وأحْسَنَ عَزَاءَك.

يعْنِى، إذا عزَّى مُسْلِمٌ مسْلمًا عن مَيِّتٍ كافرٍ، فأفادَنا المُصَنِّفُ، رَحِمه الله تعالى، أنَّه يعَزِّيه عنه. وهو صحيحٌ، وهو المذهب، وعليه. جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يُعَزِّيه عن كافرٍ.

وهو رِوايةٌ فى «الرِّعايَةِ» . وقال فى «الرِّعايَةِ» : وقيل: يقولُ: أعْظَمَ الله أجْرَك، وأحْسَنَ عَزَاءَك. وصارَ لك خَلَفًا عنه.

قوله: وفى تَعْزيَةِ الكافرِ بِمُسْلِمٍ: أحْسَنَ الله عَزاءَك، وغفَر لميِّتِك. وفى تَعْزيَتِه

ص: 274

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن كافرٍ: أخْلَفَ الله عليك، ولا نقَص عَدَدَك. أو كَثَّرَ عَدَدَك. فَيْدعو لأهْلِ الذِّمَّةِ بما يرْجِعُ إلى طُولِ العُمْرِ وكثْرةِ المالِ والولَدِ، ولا يدْعُو لكافرٍ حىٍّ بالأجْرِ، ولا لكافرٍ مَيِّتٍ بالمَغْفِرَةِ. وقال أبو حَفْصٍ العُكْبَرِىُّ: ويقولُ له أيضًا: وأحْسنَ عَزَاءَك. وقال أبو عَبْدِ اللهِ ابنُ بَطَّةَ: يقولُ: أعْطاكَ الله على مُصِيبَتِك أفْضلَ ما أعْطَى أحدًا مِن أهْلِ دِينك. وقال فى «الفائقِ» : قلتُ: لا يَنْبَغِى تَعْزِيَتُه عن كافرٍ، ولا الدعاءُ بالِإخْلافِ عليه، وعَدَمِ تَنْقيصِ عَدَدِه، بلِ المشْروعُ الدُّعاءُ بعدَمِ الكافِرِين وإبادَتِهم، كما أخْبَر الله تعالى عن قوْمِ نُوحٍ. انتهى.

ص: 275

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مُرادُ المُصَنِّفِ بتَعْزيَةِ الكافرِ بمُسْلمٍ أو عن كافرٍ، حيثُ قيلَ بجَوازِ ذلك، مِن غيرِ نظَرٍ إلى أنَّ المُصَنِّفَ اخْتارَ ذلك أوْ لا. ويَحْتَمِلُ أنَّ مُرادَه، جَوازُ التَّعْزِيَةِ عندَه، فيكونُ قد اخْتارَ جَوازَ ذلك. والأوَّلُ، أوْلَى.

واعلمْ أنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهب، تحْريمُ تَعْزِيَتِهم، على ما يأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى بابِ أحْكامِ الذِّمَّةِ. ولنا رِوايةٌ بالكَراهَةِ. قدَّمها فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، ورِوايَةٌ بالإِباحَةِ، فعليهما (1) نقولُ ما تقدَّم.

فوائد؛ إحْدَاها، قال فى «الفُروعِ»: لم يذْكُرِ الأصحابُ، هل يَرُدُّ المُعَزَّى شيئًا أم لا؟ وقد رَدَّ الإِمامُ أحمدُ على مَن عزَّاه، فقال: اسْتَجابَ الله دُعاءَك، ورَحِمَنا وإيَّاكَ. انتهى. وكفَى به قُدْوَةً ومتَّبَعًا (2). قلتُ: جزَم به فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم.

الثَّانيةُ، معْنَى التَّعْزِيَةِ، التَّسْلِيَةُ، والحَثُّ على الصَّبْرِ بوَعْدِ الأجْرِ، والدُّعاءُ للمَيِّتِ والمُصابِ. الثَّالثةُ، لا يُكْرَهُ أخْذُه بيَدِ مَن عزَّاه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نَصَّ

(1) فى أ: «فعليها» .

(2)

فى أ: «ومتبوعا» .

ص: 276

وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْمُصَابُ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْبًا يُعْرَفُ بِهِ.

ــ

عليه. وعنه، الوَقْفُ. وكَرِهَه عَبْدُ الوَهَّابِ الوَرَّاقُ. وقال الخَلَّالُ: أحبُّ إلَىَّ أنْ لا يفْعلَه. وكَرِهَه أبو حَفْصٍ عند القَبْرِ.

قوله: ويَجُوزُ البُكَاءُ على الميِّتِ. يعْنِى، مِن غيرِ كراهَةٍ، سواءٌ كان قبلَ مَوْتِه أو بعدَه؛ لكثَرَةِ الأحاديثِ فى ذلك. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. ووَجَّهَ فى «الفُروعِ» احْتِمالًا بحَمْلِ النَّهْىِ عن البُكاءِ بعدَ الموْتِ، على تَرْكِ الأَوْلَى. قال المَجْدُ: أو أنَّه كَرِهَ كثرةَ البُكاءِ والدَّوامَ عليه أيَّامًا. قال جماعةٌ: الصَّبْرُ عنِ البكاءِ أجْمَلُ، منهم ابنُ حمْدانَ. وذكَر الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، أنَّ البُكاءَ يُسْتَحَبُّ

ص: 277

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رَحْمةً للمَيِّتِ، وأنّه أكْمَلُ مِنَ الفَرَحِ، كَفَرَحِ الفُضَيْلِ (1) لمَّا ماتَ ابنُه علىٌّ. قلتُ: اسْتِحْبابُ البُكاءِ رَحْمةً للمَيِّتِ سُنَّةٌ صحيحةٌ لا يُعْدَلُ عنها.

قوله: وأنْ يَجْعَلَ المُصَابُ على رَأْسِه ثَوْبًا يُعْرَفُ به. يعْنِى، يجوزُ ذلكْ ليَكونَ علامَةً يُعْرَفُ بها. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال فى

(1) الفضيل بن عياض بن مسعود التميمى اليربوعى، أبو على. الإمام القدوة الثبت، شيخ الإسلام. كان شاطرًا يقطع الطريق، ثم تاب الله عليه فجاور بحرم اللَه. وكان ثقة نبيلًا فاضلا عابدا ورعا، كثير الحديث. توفى سنة سبع وثمانين ومائة. انظر ترجمته وترجمة ابنه على، فى: سير أعلام النبلاء 8/ 372 - 395.

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُذْهَبِ» : يُكْرَهُ لُبْسُه خِلافَ زِيِّه المُعْتادِ.

فائدة: يُكْرَهُ للمُصابِ تغْييرُ حالِه؛ مِنْ خلْعِ رِدَائِه ونَعْلِه، وتغْليقِ حانُوتِه، وتعْطيلِ مَعاشِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يُكْرَهُ. وسُئِلَ الإمامُ أحمدُ عن مَسْألةٍ يَوْمَ ماتَ بِشْرٌ، فقال: ليس هذا يومَ جوابٍ، هذا يوْمُ حُزْنٍ. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ». وقال المَجْدُ: لا بأْسَ بهَجْرِ المُصابِ الزِّينَةَ وحُسْنَ الثِّيابِ ثَلَاثةَ أيَّامٍ. وجزَم به ابنُ تَميمٍ، وابنُ حمْدانَ.

ص: 279

وَلَا يَجُوزُ النَّدْبُ، وَلَا النِّيَاحَةُ، وَلَا شَقُّ الثِّيَابِ، وَلَا لَطْمُ الْخُدُودِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

ــ

قوله: ولا يَجوزُ النَّدْبُ، ولا النِّياحَةُ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونصَّ عليه فى رِوايَةِ حَنْبلٍ. وجزَم به فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الإفَاداتِ» ، و «المُنْتَخَبِ». قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: اخْتارَه المَجْدُ، وجماعةٌ مِن أصحابِنا. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الزَّرْكَشىِّ». وقال: هو المذهبُ. وعنه، يُكْرَهُ النَّدْبُ والنَّوْحُ الذى ليس فيه إلَّا تعْدادُ المَحاسِن بصِدْقٍ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ،

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الكافِى» . قال الآمِدِىُّ: يُكْرَهُ فى الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال: واخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وابنُ بَطَّةَ، وأبو حَفْصٍ العُكْبَرِىُّ، والقاضى أبو يَعْلَى، والخِرَقِىُّ.

انتهى. نقَله عنه في «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وقال: اخْتارَه كثيرٌ مِن أصحابِنا. وأطْلَقَهما فى «الفائقِ» . وذكَر المُصَنِّفُ عنِ الإِمامِ أحمدَ ما يدُلُّ على إباحَتِهما، وأنَّه اخْتِيارُ الخَلَّالِ وصاحِبهِ. قالَه فى «الفُروعِ». قلتُ: قد نقَلَه الآمِدِىُّ عنِ الخَلَّالِ وصاحبِه قبلَ المُصَنِّفِ. ذكَرَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» .

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقطَع المَجْدُ، أنَّه لا بأْسَ بيَسِيرِ النَّدْبِ إذا كان صِدْقاً، ولم يخْرُجْ مخْرجَ النَّوْحِ،

ص: 282

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا قُصِدَ نظْمُه؛ كفِعْلِ أبى بَكْرٍ، وفاطمَةَ. وتابَعَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ». قلتُ: وهذا ممَّا لا شَكَّ فيه. قال فى «الفائقِ» : ويُباحُ يَسِيرُ النَّدْبِ الصِّدْقِ. نَصَّ عليه.

قوله: ولا يَجُوزُ شَقُّ الثِّيابِ، ولَطْمُ الْخُدُودِ، وما أشْبَهَ ذلك. مِنَ الصُّراخِ، وخَمْشِ الوَجْهِ، ونَتْفِ الشَّعَرِ، ونَشْرِه وحَلْقِه. قال جماعةٌ؛ منهم ابنُ حَمْدانَ، والنَّخَعِىُّ (1): قال فى «الفُصُولِ» : يَحْرُمُ النَّحِيبُ والتّعْدادُ، والنِّياحَةُ، وإظْهارُ الجَزَعَ.

(1) كذا فى: أ. وفى الأصل: «النخفى» . ولم نعرفه.

ص: 283

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ منها، قال فى «الفُروعِ»: جاءَتِ الأخْبارُ، المُتَّفقُ على صِحَّتِها، بتَعْذيبِ المَيِّتِ بالنِّياحَةِ والبُكاءِ عليه، فحَمَله ابنُ حامِدٍ على ما إذا أوْصَى به؛ لأنَّ عادَةَ العَرَبِ الوَصِيَّةُ به، فخرَج على عادَتِهم. قال النَّوَوِىُّ فى «شَرْحِ

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُسْلِمٍ» (1): هو قوْلُ الجمهورِ وهو ضعيفٌ، فإنَّ سِياقَ الخَبَرِ يُخالِفُه. انتهى.

وحمَله الأَثْرَمُ على مَن كَذَّبَ به حينَ يموتُ. وقيل: يَتَأَذَّى بذلك مُطْلَقاً. واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وقيل: يُعَذَّبُ بذلك. وقال فى «التَّلْخيصِ» : يتَأذَّى بذلك إنْ لم يُوصِ بتَرْكِه، كما كان السَّلَفُ يُوصُونَ، ولم يعْتَبِرْ كوْنَ النِّياحَةِ عادَةَ أهْلِه.

(1) انظر: شرح النووى على صحيح مسلم 6/ 228، 229.

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واخْتارَ المَجْدُ، إذا كان عادةَ أهْلِه ولم يُوصِ بتَرْكِه، يُعَذَّبُ؛ لأنَّه متى ظَنَّ وُقوعَه ولم يُوصِ، فقد رَضِىَ، ولم يَنْهَ مع قُدْرَتِه. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ،

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوِيَيْن» ، و «الحَواشِى» . وظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ فى «المُغْنِى» (1)، أنَّه يُعَذَّبُ بالبُكاءِ الذى معه نَدْبٌ، أو نِياحَةٌ بكُلِّ حالٍ. ومنها، ما هَيَّجَ المُصِيبَةَ؛ مِن وَعْظٍ، أو إنْشادِ شِعْرٍ، فمِنَ النِّياحَةِ. قالَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وَمَعْناه لابنِ عَقِيلٍ فى «الفُنونِ» . ومنها، يُكْرَهُ الذَّبْحُ عندَ القَبْرِ، وأكْلُ ذلك. نَصَّ عليه. وجزَم الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ بحُرْمَةِ الذَّبْحِ والتَّضْحِيَةِ عندَه. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: وفى

(1) 3/ 487، 488.

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَعْنى هذا ما يفْعَلُه كثيرٌ مِن أهْلِ زَمانِنا مِنَ التَّصَدُّقِ عندَ القَبْرِ بخُبْزٍ أو نحوِه، فإنَّه بِدْعَةٌ، وفيه رِياءٌ وسُمْعَةٌ، وإشْهارٌ لصَدقةِ التَّطوُّعِ المَنْدوبِ إلى إخْفائِها. انتهى.

وتبِعَه جماعةٌ. قال فى «الفُروعِ» : قال جماعةٌ: وفى مَعْنى الذَّبْحِ على القَبْرِ،

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّدقةُ عندَه، فإنَّه مُحْدَثٌ، وفيه رِياءٌ وسُمْعَةٌ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: إخْراجُ الصَّدَقَةِ مع الجِنازَةِ بِدْعَةٌ مكْروهةٌ. وهو يشْبِهُ الذَّبْحَ عندَ القَبْرِ. ونقَل أبو طالِبٍ، لم أسْمَعْ فيه بشئٍ، وأكْرَهُ أنْ أَنْهَى عنِ الصَّدَقَةِ.

ص: 289