الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْإِجَارَةِ]
ِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: فِي حَدِّهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْتُ: وَتَحْرِيرُهُ " بَذْلُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ، فِي مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ " وَتَبِعَهُ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِمَانِعٍ، لِدُخُولِ الْمَمَرِّ وَعُلْوِ بَيْتٍ، وَالْمَنَافِعُ الْمُحَرَّمَةُ. انْتَهَى يَعْنِي: إذَا بِيعَ الْمَمَرُّ وَعُلْوُ بَيْتٍ. فَإِنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ. قُلْتُ: لَوْ زِيدَ فِيهِ " مُبَاحَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً " لَسَلِمَ. الثَّانِيَةُ: قِيلَ: الْإِجَارَةُ وَارِدَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَا. لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُخَصِّصْ الْعِلَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ مُخَالَفَةُ قِيَاسٍ صَحِيحٍ. وَمَنْ خَصَّصَهَا: فَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ خِلَافَ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ مَوْجُودًا فِيهِ وَيَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ عَنْهُ انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، فِي آخِرِ الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الرُّخَصِ: مَا هُوَ مُبَاحٌ كَالْعَرَايَا، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالشُّفْعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ الْعُقُودِ الثَّابِتَةِ الْمُسْتَقِرِّ حُكْمُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. هَكَذَا يَذْكُرُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا الثَّابِتَةِ الْمُسْتَقَرِّ حُكْمُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَقَرَّرَ ذَلِكَ بِأَحْسَنِ تَقْرِيرٍ. وَبَيَّنَهُ بِأَحْسَنِ بَيَانٍ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا) . كَالتَّمْلِيكِ وَنَحْوِهِ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ " وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا " إذَا أَضَافَهُ إلَى الْعَيْنِ. وَكَذَا إذَا أَضَافَهُ إلَى النَّفْعِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ آجَرَ عَيْنًا مَرْئِيَّةً أَوْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ، قَالَ " أَجَرْتُكهَا، أَوْ أَكْرَيْتُكَهَا، أَوْ مَلَّكْتُك نَفْعَهَا سَنَةً بِكَذَا " وَإِنْ قَالَ " أَجَّرْتُك أَوْ أَكْرَيْتُكَ نَفْعَهَا " فَاحْتِمَالَانِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَفِي لَفْظِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ) . بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُك نَفْعَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالطُّوفِيِّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ. وَالْفَائِقِ: وَأَمَّا لَفْظُ الْبَيْعِ: فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الدَّارِ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْمَنْفَعَةِ فَوَجْهَانِ. انْتَهَيَا.
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فَقَالَ فِي قَاعِدَةٍ لَهُ فِي تَقْرِيرِ الْقِيَاسِ بَعْدَ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَرَفَا الْمَقْصُودَ انْعَقَدَتْ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي عَرَفَ بِهِ الْمُتَعَاقِدَانِ مَقْصُودَهُمَا. وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ. فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحُدَّ حَدًّا لِأَلْفَاظِ الْعُقُودِ، بَلْ ذَكَرَهَا مُطْلَقَةً. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: لَا تَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي وَجْهٍ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله بَعْدَ ذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، أَوْ شَبِيهَةٌ بِهِ.
فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: قَوْلُهُ (أَحَدُهَا: مَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةِ، إمَّا بِالْعُرْفِ، كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلسُّكْنَى لَمْ يَعْمَلْ فِيمَا حِدَادَةً. وَلَا قِصَارَةً. وَلَا يُسْكِنُهَا دَابَّةً. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجْعَلُهَا مَخْزَنًا لِلطَّعَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: يَجِيئُهُ زُوَّارٌ، عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَ الْبَيْتِ؟ قَالَ: رُبَّمَا كَثُرُوا، وَأَرَى أَنْ يُخْبِرَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: إذَا كَانَ يَجِيئُهُ الْفَرْدُ، لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَهُ إسْكَانُ ضَيْفٍ وَزَائِرٍ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ يَجِبُ ذِكْرُ السُّكْنَى، وَصِفَتِهَا، وَعَدَدِ مَنْ يَسْكُنُهَا وَصِفَتُهُمْ إنْ اخْتَلَفَتْ الْأُجْرَةُ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ سَنَةً) . فَتَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ تَكُونُ الْخِدْمَةُ عُرْفًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَالرِّعَايَةِ: يَخْدُمُ لَيْلًا وَنَهَارًا. انْتَهَيَا. وَأَمَّا إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ. فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ لَيْلًا.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِمَّا بِالْوَصْفِ، كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ كِتَابٍ فَحَمَلَهُ، فَوَجَدَ الْمَحْمُولَ إلَيْهِ غَائِبًا فَلَهُ الْأُجْرَةُ لِذَهَابِهِ وَرَدِّهِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّرْغِيبِ إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا: فَلَهُ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَيَرُدُّهُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَإِنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ، وَمَا يَصْنَعُ بِالْكِتَابِ؟ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَكِيمٍ شَيْخِ السَّامِرِيِّ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْكِتَابِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ. لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ. فَوَجَبَ رَدُّهُ. انْتَهَى. لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ لَفْظَةَ " لَا " فِي قَوْلِهِ " لَا يَلْزَمُهُ " زَائِدَةٌ. بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ نَقْلَ حَرْبٍ: إنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً، أَوْ وَكِيلًا لِيَحْمِلَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا وَصَلَهَا لَمْ يَبْعَثْ وَكِيلُهُ بِمَا أَرَادَ، فَلَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ هُنَا إلَى ثَمَّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا جَوَابٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لَهُ الْأُجْرَةُ فِي ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ. فَإِذَا جَاءَ وَالْوَقْتُ لَمْ يَبْلُغْهُ. فَالْأُجْرَةُ لَهُ، وَيَسْتَخْدِمُهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَبِنَاءُ حَائِطٍ، يَذْكُرُ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَسُمْكَهُ وَآلَتَهُ) فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِ بِئْرٍ طُولُهُ عَشَرَةٌ، وَعَرْضُهُ عَشَرَةٌ، وَعُمْقُهُ عَشَرَةٌ، فَحَفَرَ طُولَ خَمْسَةٍ فِي عَرْضِ خَمْسَةٍ فِي عُمْقِ خَمْسَةٍ. فَاضْرِبْ عَشَرَةً فِي عَشْرَةٍ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي عَشَرَةٍ تَبْلُغُ أَلْفًا، وَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي خَمْسَةٍ يَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ. وَذَلِكَ ثَمَنُ الْأَلْفِ، فَلَهُ ثَمَنُ الْأُجْرَةِ، إنْ وَجَبَ لَهُ شَيْءٌ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَة. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَهُوَ مِنْ التَّمْرِينِ. .
قَوْلُهُ (وَإِجَارَةُ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ لِزَرْعِ كَذَا، أَوْ غَرْسِ كَذَا، أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ) . اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِصِحَّةِ إجَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ: مَعْرِفَةَ مَا يَزْرَعُهُ، أَوْ يَغْرِسُهُ، أَوْ يَبْنِيهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. فَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ لِزَرْعِ مَا شَاءَ أَوْ غَرْسِ مَا شَاءَ أَوْ لِزَرْعِ وَغَرْسِ مَا شَاءَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، عَنْ ذَلِكَ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. كَزَرْعِ مَا شِئْت، أَيْ كَقَوْلِهِ " أَجَّرْتُك لِتَزْرَعَ مَا شِئْت " بِلَا نِزَاعٍ. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ " لِلزَّرْعِ أَوْ لِلْغَرْسِ " وَسَكَتَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ اكْتَرَى لِزَرْعٍ، وَأَطْلَقَ: زَرَعَ مَا شَاءَ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهُ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ، وَهِيَ تَصْلُحُ لِلزَّرْعِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَوْ أَجَّرَهُ الْأَرْضَ سَنَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَنْفَعَةَ مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. مَعَ تَهَيُّئِهَا لِلْجَمِيعِ: لَمْ يَصِحَّ، لِلْجَهَالَةِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، عَنْ ذَلِكَ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَعُمُّ إنْ أَطْلَقَ. وَإِنْ قَالَ: انْتَفِعْ بِهَا بِمَا شِئْت: فَلَهُ زَرْعٌ وَغَرْسٌ وَبِنَاءٌ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ. عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ وَدُونَهَا ".
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِلرُّكُوبِ: ذَكَرَ الْمَرْكُوبَ فَرَسًا، أَوْ بَعِيرًا أَوْ نَحْوَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ: وَيَذْكُرُ أَيْضًا: مَا يَرْكَبُ بِهِ مِنْ سَرْجٍ وَغَيْرِهِ. وَيَذْكُرُ أَيْضًا كَيْفِيَّةَ سَيْرِهِ: مِنْ هِمْلَاجٍ وَغَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجِبُ ذِكْرُ سَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ سَيْرِهِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ أُنُوثَةِ الدَّابَّةِ، وَلَا ذُكُورَتِهَا وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ نَوْعِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي الْمُوجَزِ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: قُلْتُ: بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فِي الْمَرْكُوبِ وَالْحَمْلِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ. وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: مَتَى كَانَ الْكِرَاءُ إلَى مَكَّةَ فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ وَلَا النَّوْعِ. لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ الْجِمَالُ الْعِرَابُ دُونَ الْبَخَاتِيِّ.
فَائِدَةٌ: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّاكِبِ: إمَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْمَبِيعِ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الرُّؤْيَةُ. فَلَا تَكْفِي الصِّفَةُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ تَوَابِعِ الرَّاكِبِ الْعُرْفِيَّةِ: كَالزَّادِ، وَالْإِثَاثِ، مِنْ الْأَغْطِيَةِ، وَالْأَوْطِئَةِ: إمَّا بِرُؤْيَةٍ، أَوْ صِفَةٍ، أَوْ وَزْنٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ فَلَا تَكْفِي الصِّفَةُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ ذَلِكَ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ غِطَاءِ الْمَحْمَلِ. بَلْ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ. لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا مُتَبَايِنًا.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَحْمَلِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ وَصْفٍ. وَقِيلَ: أَوْ بِوَزْنِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِلْحَمْلِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْحَمْلِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ تَضُرُّهُ كَثْرَةُ الْحَرَكَةِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لَا تَضُرُّهُ كَثْرَةُ الْحَرَكَةِ: لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ. وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ كَثْرَةُ الْحَرَكَةِ كَالزُّجَاجِ، وَالْخَزَفِ، وَالتُّفَّاحِ، وَنَحْوِهِ اُشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ حَامِلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ مَا يُدِيرُ دُولَابًا وَرَحًى. وَاعْتَبَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ.
فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَتَاعِ الْمَحْمُولِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ، وَذِكْرُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ بِالْكَيْلِ، أَوْ بِالْوَزْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَاكْتَفَى ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَغَيْرُهُمَا بِذِكْرِ وَزْنِ الْمَحْمُولِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي الْمَحْمَلِ.
فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أَرْضِ الْحَرْثِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ.
قَوْلُهُ (الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَجِيرِ، وَالظِّئْرِ، وَنَحْوِهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ. فَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ: فَكَثَمَنٍ، وَالْمُعَيَّنَةُ: كَمَبِيعٍ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ إجَارَةُ الدَّابَّةِ بِعَلَفِهَا. وَتَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ. وَمَنْ اخْتَارَهَا بَعْدَ أَحْكَامِ الظِّئْرِ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ جَعَلَ الْأُجْرَةَ صُبْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا: صَحَّتْ الْإِجَارَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. كَمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا تَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ كَالْبَيْعِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ فِي الْبَيْعِ. فَكَذَا هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، الْحَاوِي الصَّغِيرِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ فِي الذِّمَّةِ ظَهْرًا يَرْكَبُهُ، أَوْ يَحْمِلُ عَلَيْهِ إلَى مَكَّةَ بِلَفْظِ " السَّلَمِ " اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْأَجْرِ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَأْجِيلُ السَّفَرِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ " الْإِجَارَةِ " جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْمُسَاقَاةِ: هَلْ تَجُوزُ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِجِنْسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَوْ بِغَيْرِهِ؟ فَلْيُعَاوَدْ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا، فِي أَثْنَاءِ الْمُضَارَبَةِ: لَوْ أَخَذَ مَاشِيَةً لِيَقُومَ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا، وَبَعْضُ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَجَمَاعَةٍ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا أَصَحُّ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ فِيهِمَا حَتَّى يَصِفَ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ فِي الْأَجِيرِ، وَيَصِحُّ فِي الظِّئْرِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَظُنُّهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَ فِي التَّلْخِيصِ: الصِّحَّةَ فِي الظِّئْرِ. وَأَطْلَقَ فِي الْأَجِيرِ: الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ قُدِّرَ لِلظِّئْرِ حَالَةَ الْإِجَارَةِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْوَسَطُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ: رَجَعَ فِيهِمَا إلَى الْعُرْفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَكُونُ لَهَا طَعَامُ مِثْلِهَا أَوْ مِثْلُهُ، وَكِسْوَةُ مِثْلِهَا أَوْ مِثْلُهُ، كَالزَّوْجَةِ مَعَ زَوْجِهَا. نَصّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِمِثْلِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْمُضَارِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: كَالْمِسْكِينِ فِي الْكَفَّارَةِ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ. وَقَدَّمَهُ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَزَادَ: أَوْ يَرْجِعُ إلَى كِسْوَةِ الزَّوْجَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي الْإِطْعَامِ إلَى إطْعَامِ الْمِسْكِينِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفِي الْمَلْبُوسِ
إلَى أَقَلِّ مَلْبُوسٍ مِثْلِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ تَحَكُّمٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَلَهُ الْوَسَطُ مَعَ النِّزَاعِ. كَإِطْعَامِ الْكَفَّارَةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ نَظِيرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي نَفَقَةِ الْمُضَارِبِ مَعَ التَّنَازُعِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَ عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً، إذَا كَانَ الْمُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَلَعَلَّ هَذَا فِي الْمُتَبَرِّعَةِ بِالرَّضَاعِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِبُ.
فَوَائِدُ: مِنْهَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا: لَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أَمَةً. اُسْتُحِبَّ إعْتَاقُهَا.
وَمِنْهَا: لَوْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ مَعًا. فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلرَّضَاعِ، وَأَطْلَقَ: فَهَلْ تَلْزَمُهَا الْحَضَانَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ.
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهَا الْحَضَانَةُ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا فِي الْفَصْلِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهَا سِوَى الرَّضَاعِ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: الْحَضَانَةُ تَتْبَعُ الرَّضَاعَ، لِلْعُرْفِ.
قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. يَعْنِي: أَنَّ الرَّضَاعَ يَتْبَعُ الْحَضَانَةَ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ. وَلَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَيْسَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إلَّا وَضْعُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الطِّفْلِ وَحَمْلُهُ، وَوَضْعُهُ فِي حِجْرِهَا. وَبَاقِي الْأَعْمَالِ فِي تَعَهُّدِهِ: عَلَى الْحَاضِنَةِ، وَدُخُولُ اللَّبَنِ تَبَعًا. كَنَقْعِ الْبِئْرِ، عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي الْهَدْيِ: عَنْ هَذَا الْقَوْلِ اللَّهُ يَعْلَمُ، وَالْعُقَلَاءُ قَاطِبَةً: أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّ وَضْعَ الطِّفْلِ فِي حِجْرِهَا لَيْسَ مَقْصُودًا أَصْلًا وَلَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، لَا عُرْفًا وَلَا حَقِيقَةً، وَلَا شَرْعًا. وَلَوْ أَرْضَعَتْ الطِّفْلَ وَهُوَ فِي حِجْرِ غَيْرِهَا أَوْ فِي مَهْدِهِ، لَاسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ. وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ إلْقَامَ الثَّدْيِ الْمُجَرَّدِ لَاسْتُؤْجِرَ لَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا ثَدْيٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ. فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ حَقًّا وَالْفِقْهُ الْبَارِدُ. انْتَهَى. وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلْحَضَانَةِ، وَأَطْلَقَ: لَمْ يَلْزَمْهَا الرَّضَاعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ يَلْزَمْهَا وَجْهًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْفَصْلِ الْأَرْبَعِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ.
وَمِنْهَا: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الرَّضَاعِ: خِدْمَةُ الصَّبِيِّ، وَحَمْلُهُ، وَوَضْعُ الثَّدْيِ فِي فَمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا اللَّبَنُ: فَيَدْخُلُ تَبَعًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ، وَاللَّبَنُ تَبَعٌ، يَسْتَحِقُّ إبْلَاغَهُ بِالرَّضَاعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ، الصَّحِيحُ: أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ. وَيَكُونُ اللَّبَنُ تَبَعًا. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ: لَبَنُ الْمُرْضِعَةِ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ يَهْلِكُ بِالِانْتِفَاعِ. لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ.
قُلْتُ: وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ، حَيْثُ قَالُوا: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى نَفْعٍ. فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ حَيَوَانٍ لِيَأْخُذَ لَبَنَهُ إلَّا فِي الظِّئْرِ وَنَفْعُ الْبِئْرِ يَدْخُلُ تَبَعًا. وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ، عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَقِيلَ: الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى اللَّبَنِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: وَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ اللَّبَنُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ لِمَنْ قَالَ: الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى وَضْعِهَا الطِّفْلَ فِي حِجْرِهَا وَإِلْقَامِهِ ثَدْيَهَا وَاللَّبَنُ يَدْخُلُ تَبَعًا. قَالَ النَّاظِمُ: وَفِي الْأَجْوَدِ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ دَرُّهَا وَالْإِرْضَاعُ، لَا حَضْنٌ وَمَبْدَأُ مَقْصِدٍ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.
وَمِنْهَا: لَوْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحَضَانَةِ وَالرَّضَاعِ، وَانْقَطَعَ اللَّبَنُ: بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الرَّضَاعِ. وَفِي بُطْلَانِهِ فِي الْحَضَانَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْتُ: الْأَوْلَى: الْبُطْلَانُ. لِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَبَعٌ. وَإِذَا لَمْ تَلْزَمْهَا الْحَضَانَةُ. وَانْقَطَعَ لَبَنُهَا: ثَبَتَ الْفَسْخُ. وَإِنْ قُلْنَا: تَلْزَمُهَا الْحَضَانَةُ، لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ، عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ فِي الْأَصَحِّ. فَيَسْقُطُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ الْفَسْخُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. وَمِنْهَا: يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ مَا يَدِرُّ بِهِ لَبَنُهَا، وَيَصْلُحُ بِهِ. وَلِلْمُكْتَرِي مُطَالَبَتُهَا بِذَلِكَ.
وَلَوْ سَقَتْهُ لَبَنًا، أَوْ أَطْعَمَتْهُ: فَلَا أُجْرَةَ لَهَا. وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ خَادِمَهَا: فَكَذَلِكَ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَمِنْهَا: لَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمُرْتَضِعِ، بَلْ تَكْفِي صِفَتُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَمَكَانِهِ: هَلْ هُوَ عِنْدَ الْمُرْضِعَةِ، أَوْ عِنْدَ أَبَوَيْهِ؟ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَأْتِي: هَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا ". وَمِنْهَا: رَخَّصَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي مُسْلِمَةٍ تُرْضِعُ طِفْلًا لِنَصَارَى بِأُجْرَةٍ، لَا لِمَجُوسِيٍّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَسَوَّى أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَاءِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ.
فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ تُسْتَأْجَرَ الدَّابَّةُ بِعَلَفِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: نَصُّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْكَحَّالِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ: فِي اسْتِئْجَارِ غَيْرِ الظِّئْرِ مِنْ الْأَجْرِ بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ رِوَايَتَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ كَالظِّئْرِ: انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَعْمَلَاهُ وَلَهُمَا عَادَةٌ بِأُجْرَةٍ صَحَّ. وَلَهُمَا ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ إجَارَةٍ. وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَالرُّكُوبُ فِي سَفِينَةِ الْمَلَّاحِ) .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا لَوْ اسْتَعْمَلَ حَمَّالًا، أَوْ شَاهِدًا وَنَحْوَهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَكَالْمُكَارِي، وَالْحَجَّامِ، وَالدَّلَّالِ وَنَحْوِهِمْ. اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ. وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ كَتَعْرِيضِهِ بِهَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُبْهِجِ، وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ دَخَلَ حَمَّامًا، أَوْ سَفِينَةً، أَوْ أَعْطَى ثَوْبَهُ قَصَّارًا أَوْ خَيَّاطًا بِلَا عَقْدٍ: صَحَّ بِأُجْرَةِ الْعَادَةِ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا أُجْرَةَ لَهُ مُطْلَقًا. وَحَيْثُ قُلْنَا: لَهُ الْأُجْرَةُ، فَتَكُونُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ عَقْدَ إجَارَةٍ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَيْسَ عَلَى الْحَمَّامِيِّ ضَمَانُ الثِّيَابِ، إلَّا أَنْ يَسْتَحْفِظَهُ إيَّاهَا صَرِيحًا بِالْقَوْلِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَا يُعْطَاهُ الْحَمَّامِيُّ فَهُوَ أُجْرَةُ الْمَكَانِ وَالسَّطْلِ وَالْمِئْزَرِ، لَا ثَمَنُ الْمَاءِ. فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ: وَإِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِ ثِيَابٍ فِي حَمَّامٍ، وَأَعْدَالٍ، وَغَزْلٍ فِي سُوقٍ أَوْ خَانٍ، وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ بِحَافِظٍ فَنَامَ أَوْ اشْتَغَلَ: ضَمِنَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَضْمَنُ إنْ اسْتَحْفَظَهُ رَبُّهُ صَرِيحًا، كَمَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ إجَارَةُ الْحُلِيِّ بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ، وَيُكْرَهُ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ: فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ خِطْت هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ. وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ. فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ. قَالَ فِي النَّظْمِ، الْأَوْلَى: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ. وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) .
وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، الْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ: فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ " إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِكَذَا، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِكَذَا ".
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: وَالْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ " إنْ فَتَحْت خَيَّاطًا فَبِكَذَا، وَإِنْ فَتَحْت حَدَّادًا فَبِكَذَا ". قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ قَالَ: مَا حَمَلْت مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَكُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ: لَمْ يَصِحَّ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: وَتَخْرُجُ الصِّحَّةُ مِنْ بَيْعِهِ مِنْهَا. وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَبَقَ مِنْ النَّصِّ. انْتَهَى. وَإِنْ قَالَ: إنْ زَرَعْتهَا قَمْحًا فَبِخَمْسَةٍ، وَإِنْ زَرَعْتهَا ذُرَةً فَبِعَشَرَةٍ: لَمْ يَصِحَّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَصَحَّحَهُ فِي الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً، وَقَالَ: إنْ رَدَدْتهَا الْيَوْمَ فَكِرَاؤُهَا خَمْسَةٌ وَإِنْ رَدَدْتهَا غَدًا فَكِرَاؤُهَا عَشَرَةٌ. فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ لَا بَأْسَ بِهِ) .
قَالَ فِي الْفَائِقِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالظَّاهِرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه فِيمَا ذَكَرْنَا فَسَادُ الْعَقْدِ، عَلَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَقِيَاسُ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَالْأَنْصَارِيِّ صِحَّتُهُ.
وَصَحَّحَ النَّاظِمُ فَسَادَ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ هُوَ جَائِزٌ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْعَشَرَةِ وَحْدَهَا. وَتَأَوَّلَ نُصُوصَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: لَا بَأْسَ. وَجَائِزٌ فِي الْأَوَّلِ، وَيَبْطُلُ فِي الثَّانِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالظَّاهِرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله خِلَافُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي رَجَعَ إلَى مَا فِيهِ الْإِشْكَالُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعِنْدِي أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ مَا إذَا أَجَّرَهُ عَيْنًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا. انْتَهَى. وَهِيَ الْآتِيَةُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِمُدَّةِ غُزَاتِهِ. وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا: فَجَائِزٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا: وَيَتَخَرَّجُ الْمَنْعُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَاهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ. فَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: أَنَّهُ يَصِحُّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ النَّاظِمُ: يَجُوزُ فِي الْأُولَى. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالْبُطْلَانِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ. لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ جَمِيعَ الْأَشْهُرِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ) . هَذَا تَفْرِيغٌ عَلَى الَّذِي قَدَّمَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ: يَلْزَمُ الْأَوَّلُ بِالْعَقْدِ، وَسَائِرُهَا بِالتَّلَبُّسِ بِهِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ عِنْدَ تَقَضِّي كُلِّ شَهْرٍ) . أَنَّ الْفَسْخَ يَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ الشَّهْرِ الثَّانِي. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَصَاحِبِ الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَرَّحَ بِهِ
ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. فَقَالَ: يَلْزَمُ بَقِيَّةَ الشُّهُورِ إذَا شَرَعَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ. انْتَهَى فَعَلَى هَذَا: لَوْ أَرَادَ الْفَسْخَ يَقُولُ: فَسَخْت الْإِجَارَةَ فِي الشَّهْرِ الْمُسْتَقْبَلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْفَسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الشَّهْرِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ دُخُولِ الشَّهْرِ الثَّانِي، وَقَبْلَهُ أَيْضًا. وَقَالَ أَيْضًا: تَرْكُ التَّلَبُّسِ بِهِ فَسْخٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى دَخَلَ الثَّانِي. فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ الْفَسْخُ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فِي الْحَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَفْسَخُ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ: لَهُ الْفَسْخُ إلَى تَمَامِ يَوْمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إلَّا أَنْ يَفْسَخَهَا أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ. وَقِيلَ: أَوْ يَوْمَيْنِ. وَقِيلَ: بَلْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْهُ. وَقِيلَ: عِنْدَ فَرَاغِ مَا قَبْلَهُ. وَقُلْتُ: أَوْ يَقُولُ: إذَا مَضَى هَذَا الشَّهْرُ فَقَدْ فَسَخْتهَا. انْتَهَى.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَجَّرَهُ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَكَثِيرُونَ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ. وَخَرَّجَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ بِكَذَا. وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بَيْنَهُمَا.
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَهَا هَذَا الشَّهْرَ بِكَذَا، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ: صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ تَلَبَّسَ بِهِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ اكْتَرَاهَا شَهْرًا مُعَيَّنًا بِدِرْهَمٍ، وَكُلَّ شَهْرٍ بَعْدَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ: صَحَّ فِي الْأَوَّلِ. وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّاظِمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قُلْتُ: الْأَوْلَى الصِّحَّةُ. وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْخِرَقِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ. ثُمَّ وَجَدْته قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ. وَقَالَا: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي عَنْهُ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. .
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) لَكِنْ يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا أُجْرَةَ لَهُ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ) . يَعْنِي: عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَقُولُ: يَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهَلْ يَطِيبُ لَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَطِيبُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَلْ يَأْكُلُ الْأُجْرَةَ، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِحَمْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ هُنَا: الْحَمْلُ لِأَجْلِ أَكْلِهَا لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ، أَوْ شُرْبِهَا
فَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِأَجْلِ إلْقَائِهَا أَوْ إرَاقَتِهَا: فَيَجُوزُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ مُوهِمًا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. حَكَاهُ النَّاظِمُ، فَقَالَ: وَجَوَّزَ عَلَى الْمَشْهُورِ حَمْلَ إرَاقَةٍ وَنَبْذٍ لِمَيْتَاتٍ، وَكَسْحَ الْأَذَى الرَّدِيء وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَهِيَ مُرَادُ غَيْرِ الْمَشْهُورِ فِي النَّظْمِ.
فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَا يُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى سَلْخِ الْبَهِيمَةِ بِجِلْدِهَا: لَمْ يَصِحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَوْ جَوَّزُوهُ مِثْلَ تَجْوِيزِ بَيْعِهِ بَعِيرًا وَثَنِيًّا جِلْدَهُ لَمْ أُبْعِدْ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى نَظَائِرِهِ فِي أَوَاخِرِ الْمُضَارَبَةِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
الثَّالِثَةُ: تَجُوزُ إجَارَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَنَصّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ: يَجُوزُ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَفِي جَوَازِ إجَارَتِهِ لَهُ لِعَمَلٍ غَيْرِ الْخِدْمَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.
إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ هُنَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي فِي الْمُصَرَّاةِ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ. وَأَمَّا إجَارَتُهُ لِخِدْمَتِهِ: فَلَا تَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ لِخِدْمَتِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرَةِ. وَكَذَا حُكْمُ إعَارَتِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
فَائِدَةٌ: حُكْمُ إعَارَتِهِ حُكْمُ إجَارَتِهِ لِلْخِدْمَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْعَارِيَّةِ.
قَوْلُهُ (وَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ. أَحَدُهُمَا: إجَارَةُ عَيْنٍ. فَتَجُوزُ إجَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا، وَحَيَوَانٍ لِيَصِيدَ بِهِ إلَّا الْكَلْبَ) . لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْكَلْبِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إجَارَةُ كَلْبٍ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ. وَيَجِيء عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ: صِحَّةُ إجَارَتِهِ أَيْضًا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: حَكَى الْحَلْوَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا فِي الْجَوَازِ.
تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَحَيَوَانٌ لِيَصِيدَ " أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلصَّيْدِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا.
الثَّانِي: صِحَّةُ إجَارَةِ حَيَوَانٍ لِيَصِيدَ بِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. لَكِنْ جَزَمَ فِي التَّبْصِرَةِ بِصِحَّةِ إجَارَةِ هِرٍّ وَفَهْدٍ وَصَقْرٍ مُعَلَّمٍ لِلصَّيْدِ، وَحَكَى فِي بَيْعِهَا الْخِلَافَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْتُ: وَكَذَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَمَا فِي اخْتِصَاصِ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ بِهَذَا الْحُكْمِ مَزِيَّةٌ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
فَائِدَةٌ: تَحْرُمُ إجَارَةُ فَحْلٍ لِلنُّزُوِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. بِنَاءً عَلَى إجَارَةِ الظِّئْرِ لِلرَّضَاعِ، وَاحْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ رحمه الله. زَادَ حَرْبٌ: جِدًّا. قِيلَ: فَاَلَّذِي يُعْطِي وَلَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا.؟ فَكَرِهَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قِيلَ لَهُ: يَكُونُ مِثْلَ الْحَجَّامِ. يُعْطِي وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَعْطَى فِي مِثْلِ هَذَا كَمَا بَلَغَنَا فِي الْحَجَّامِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَالَ: هَذَا مُقْتَضَى النَّظَرِ، تَرَكَ فِي الْحَجَّامِ. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى الْوَرَعِ: لَا التَّحْرِيمِ. وَقَالَ: إنْ احْتَاجَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَطْرُقُ لَهُ: جَازَ أَنْ يَبْذُلَ الْكِرَاءَ. وَلَيْسَ لِلْمُطْرِقِ أَخْذُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِنْ أَطْرَقَ بِغَيْرِ إجَارَةٍ وَلَا شَرْطٍ، فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ، أَوْ أُكْرِمَ بِكَرَامَةٍ: فَلَا بَأْسَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَلَوْ أَنَزَاهُ عَلَى فَرَسِهِ فَنَقَصَ: ضَمِنَ نَقْصَهُ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كِتَابٍ لِيَقْرَأَ فِيهِ، إلَّا الْمُصْحَفَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . فِي جَوَازِ إجَارَةِ الْمُصْحَفِ لِيَقْرَأَ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: الْكَرَاهَةُ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالْإِبَاحَةُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَالْخِلَافُ هُنَا: مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِهِ.
أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِي: يَجُوزُ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يُبَاحُ.
فَائِدَةٌ: يَصِحُّ نَسْخُهُ بِأُجْرَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ فِي نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ: هَلْ يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ نَسْخُهُ؟ .
فَائِدَةٌ: مَا حَرُمَ بَيْعُهُ حَرُمَ إجَارَتُهُ. إلَّا الْحُرَّ وَالْحُرَّةَ، وَيَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْ النَّظَرِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَالْوَقْفُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
قَوْلُهُ (وَاسْتِئْجَارُ النَّقْدِ لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ لَا غَيْرُ) . جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَجُوزُ إجَارَةُ النَّقْدِ لِلْوَزْنِ وَنَحْوِهِ.
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ: وَيَجُوزُ إجَارَةُ نَقْدٍ لِلْوَزْنِ. وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنَعَ فِي الْمُغْنِي إجَارَةَ نَقْدٍ، أَوْ شَمْعٍ لِلتَّجَمُّلِ، وَثَوْبٍ لِتَغْطِيَةِ نَعْشٍ، وَمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَرَيَاحِينَ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَنَفَاحَةٌ لِلشَّمِّ. بَلْ عَنْبَرٌ وَشَبَهُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: جَوَازُ ذَلِكَ. انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلتَّحَلِّي لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْوَزْنِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ. لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَنْ لَا يُتَحَلَّى بِهَا. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " لِلتَّجَمُّلِ " لَيْسَ الْمُرَادُ التَّحَلِّيَ بِهِ. لِأَنَّ التَّجَمُّلَ غَيْرُ التَّحَلِّي وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ فِي إجَارَةِ النَّقْدِ لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَطْلَقَ) يَعْنِي الْإِجَارَةَ (فِي النَّقْدِ. وَقُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا: لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. (وَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي ذَلِكَ) يَعْنِي: فِي التَّحَلِّي، وَالْوَزْنِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْقَوَاعِدِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي يَكُونُ قَرْضًا أَيْضًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ قَرْضًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
فَائِدَةٌ: وَكَذَا حُكْمُ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْفُلُوسِ.
قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ، وَامْرَأَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ) . يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. قُلْتُ: وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ. وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ امْرَأَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُهُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّرْحُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ. وَتَأَوَّلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهَا فِي حِبَالِ زَوْجٍ آخَرَ. قَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ اسْتَأْجَرَهَا مَنْ هِيَ تَحْتَهُ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ لَمْ يَجُزْ. لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْعَهَا. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: لَا أُجْرَةَ لَهَا مُطْلَقًا. وَيَأْتِي فِي بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا، وَوَجَدَ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِرَضَاعِهِ فَهِيَ أَحَقُّ ". فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. وَلَا أَنْ يَكُونَ فِي حِبَالِهِ أَوْ لَا. وَيَأْتِي قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ.
فَائِدَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ لِلْخِدْمَةِ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَعْقِدَ عَلَى نَفْعِ
الْعَيْنِ دُونَ أَجْزَائِهَا. فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ الطَّعَامِ لِلْأَكْلِ وَلَا الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ) . لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَيْسَ هَذَا بِإِجَارَةٍ، بَلْ هُوَ إذْنٌ فِي الْإِتْلَافِ، وَهُوَ سَائِغٌ، كَقَوْلِهِ: مَنْ أَلْقَى مَتَاعَهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: وَهُوَ مُشَابِهٌ لِبَيْعِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِكَذَا. وَلَوْ أَذِنَ فِي الطَّعَامِ بِعِوَضٍ كَالشَّمْعِ فَمِثْلُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَعَلَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي إجَارَةَ الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ مِثْلَ: كُلِّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ. فَمِثْلُهُ فِي الْأَعْيَانِ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنَافِعِ. وَمِثْلُهُ: كُلَّمَا أَعْتَقْت عَبْدًا مِنْ عَبِيدِك فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْعَدَدَ وَالثَّمَنَ. وَهُوَ إذْنٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِعِوَضٍ. وَاخْتَارَ جَوَازَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ. بَلْ جَائِزٌ كَجَعَالَةٍ، وَكَقَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ. فَإِنَّهُ جَائِزٌ. وَمَنْ أَلْقَى كَذَا فَلَهُ كَذَا. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْمُزَارَعَةِ: هَلْ يَجُوزُ إجَارَةُ الشَّجَرَةِ بِثَمَرِهَا؟ .
قَوْلُهُ (وَلَا حَيَوَانٍ لِيَأْخُذَ لَبَنَهُ، إلَّا فِي الظِّئْرِ. وَنَقْعُ الْبِئْرِ يَدْخُلُ تَبَعًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " إلَّا فِي الظِّئْرِ وَنَقْعُ الْبِئْرِ يَدْخُلُ تَبَعًا " فَتَقَدَّمَ فِي الظِّئْرِ: هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى اللَّبَنِ، وَدَخَلَتْ الْحَضَانَةُ تَبَعًا، أَوْ عَكْسُهُ؟ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: جَوَازَ إجَارَةِ قَنَاةِ مَاءٍ مُدَّةً وَمَاءِ فَائِضِ بِرْكَةٍ رَأَيَاهُ، وَإِجَارَةِ حَيَوَانٍ لِأَجْلِ لَبَنِهِ، قَامَ بِهِ هُوَ أَوْ رَبُّهُ. فَإِنْ قَامَ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَعَلَفَهَا، فَكَاسْتِئْجَارِ الشَّجَرِ. وَإِنْ عَلَفَهَا رَبُّهَا وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي لَبَنًا مُقَدَّرًا:
فَبَيْعٌ مَحْضٌ. وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُ اللَّبَنَ مُطْلَقًا: فَبَيْعٌ أَيْضًا. وَلَيْسَ هَذَا بِغَرَرٍ. وَلِأَنَّ هَذَا يَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا. فَهُوَ بِالْمَنَافِعِ أَشْبَهُ. فَإِلْحَاقُهُ بِهَا أَوْلَى. وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ هُوَ عَيْنٌ مِنْ أَعْيَانٍ. وَهُوَ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ الْحَبِّ بِسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ. وَكَذَا مُسْتَأْجِرُ الشَّاةِ لِلَبَنِهَا مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ لَبَنِهَا بِعَلَفِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا. فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَالْآفَاتُ وَالْمَوَانِعُ الَّتِي تَعْرِضُ لِلزَّرْعِ أَكْثَرُ مِنْ آفَاتِ اللَّبَنِ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الْجَوَازُ وَالصِّحَّةُ. قَالَ: وَكَظِئْرٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَنَقْعُ الْبِئْرِ يَدْخُلُ تَبَعًا) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ: مَاءُ بِئْرٍ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَسْتَحِقُّ بِالْإِجَارَةِ. لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِحِيَازَتِهِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ: إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ الْمَاءَ: لَمْ يَجُزْ مَجْهُولًا، وَإِلَّا جَازَ، وَيَكُونُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ غَارَ مَاءُ دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ فَلَا فَسْخَ. لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْإِجَارَةِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَمْلِكُ عَيْنًا. وَلَا يَسْتَحِقُّهَا بِإِجَارَةٍ إلَّا نَقْعَ الْبِئْرِ فِي مَوْضِعٍ مُسْتَأْجَرٍ، وَلَبَنِ ظِئْرٍ يَدْخُلَانِ تَبَعًا.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " يَدْخُلُ تَبَعًا " يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى نَقْعِ الْبِئْرِ. لِأَنَّهُ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى الظِّئْرِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ. وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُهُ. قَالَ: إلَّا فِي الظِّئْرِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ. فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ تَبَعًا. انْتَهَى. قُلْت: مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ: صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَيْنٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: لَبَنِ الظِّئْرِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ. فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ تَبَعًا. انْتَهَى وَكَذَا صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ وَاللَّبَنُ تَبَعٌ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَهُ بِالرَّضَاعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الظِّئْرِ. فَعَلَى الِاحْتِمَالِ: تَكُونُ الْإِجَارَةُ وَقَعَتْ عَلَى اللَّبَنِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَدْخُلُ اللَّبَنُ تَبَعًا وَهُمَا قَوْلَانِ تَقَدَّمَا.
فَائِدَةٌ: وَمِمَّا يَدْخُلُ تَبَعًا: حِبْرُ النَّاسِخِ، وَخُيُوطُ الْخَيَّاطِ، وَكُحْلُ الْكَحَّالِ، وَمَرْهَمُ الطَّبِيبِ، وَصِبْغُ الصَّبَّاغِ وَنَحْوُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِير فِي الْحِبْرِ، وَالْخُيُوطِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الصِّبْغِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ اكْتَرَى لِنَسْخٍ أَوْ خِيَاطَةٍ أَوْ كُحْلٍ وَنَحْوِهِ: لَزِمَهُ حِبْرٌ وَخُيُوطٌ وَكُحْلٌ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرَ. وَقِيلَ: يَتْبَعُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْكُحْلِ مِنْ الطَّبِيبِ عَلَى الْأَصَحِّ لَا الدَّوَاءِ اعْتِمَادًا عَلَى الْعُرْفِ. وَقَطَعَ بِهَذَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.
قَوْلُهُ (الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمَا (وَفِي الْآخَرِ) يَجُوزُ (بِدُونِهِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ مُفْرَدًا لِغَيْرِ شَرِيكِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَ الشَّرِيكَانِ مَعًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَصِحُّ إجَارَةُ مُشَاعٍ مُفْرَدًا لِغَيْرِ شَرِيكٍ أَوْ مَعَهُ إلَّا بِإِذْنٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَصِحُّ إلَّا لِشَرِيكِهِ بِالْبَاقِي، أَوْ مَعَهُ لِثَالِثٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي حَوَاشِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِنْ عَدَمِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ: أَنْ لَا يَصِحَّ رَهْنُهُ، وَكَذَا هِبَتُهُ. وَيَتَوَجَّهُ وَقْفُهُ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ هُنَا صِحَّةُ رَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ وَهِبَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا التَّخْرِيجُ خِلَافُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ سِنْدِي: يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ وَرَهْنُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجَّرَ. لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لِلْمَنَافِعِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: هَلْ إجَارَةُ حَيَوَانٍ وَدَارٍ لِاثْنَيْنِ وَهُمَا لِوَاحِدٍ مِثْلُ إجَارَةِ الْمُشَاعِ، أَوْ يَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَا فِي الْمُشَاعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَجَعَلَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا مِثْلَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.
وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَا الصِّحَّةَ فِي الْمُشَاعِ. الثَّانِيَةُ:
قَوْلُهُ (فَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ بَهِيمَةٍ زَمِنَةٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا أَرْضٍ لَا تُنْبِتُ لِلزَّرْعِ) . قَالَ فِي الْمُوجَزِ: وَلَا حَمَامٍ لِحَمْلِ الْكُتُبِ؛ لِتَعْذِيبِهِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ يَصِحُّ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَمْلُوكَةً لِلْمُؤَجِّرِ، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ. وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (فَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَيَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ وَغَيْرِهِ بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ وَزِيَادَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ بِزِيَادَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَعَنْهُ: إنْ جَدَّدَ فِيهَا عِمَارَةً جَازَتْ لِلزِّيَادَةِ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ فَعَلَ تَصَدَّقَ بِهَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ: لَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِ الْحُرِّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ
مِنْ آخَرَ إذَا قُلْنَا: لَا تَثْبُتُ يَدُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: تَثْبُتُ صَحَّ. انْتَهَى. قُلْت: فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعَايَى بِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ.
تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَقَيَّدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا أَجَّرَهَا لِمُؤَجِّرِهَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةٌ. فَإِنْ كَانَ حِيلَةٌ لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَعَكْسِهَا.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ إجَارَتِهَا، سَوَاءٌ كَانَ قَبَضَهَا أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: تَجُوزُ إجَارَتُهَا لِلْمُؤَجِّرِ دُونَ غَيْرِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَصَحَّحُوا فِي غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَا: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، هَلْ يَصِحُّ مِنْ بَائِعِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ هُنَاكَ. فَكَذَا هُنَا. فَيَكُونُ مَا قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: عَدَمُ الْبِنَاءِ. وَالصَّوَابُ الْبِنَاءُ. وَهُوَ أَظْهَرُ. وَلَيْسَتْ شَبِيهَةً بِبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، بَلْ بِبَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ. .
قَوْلُهُ (وَلِلْمُسْتَعِيرِ إجَارَتُهَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُعِيرُ مُدَّةً بِعَيْنِهَا) . يَعْنِي: أَذِنَ لَهُ فِي إجَارَتِهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَصِحُّ إيجَارُ مُعَارٍ. وَقِيلَ: إلَّا أَنْ يَأْذَنَ رَبُّهُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ إجَارَةُ الْوَقْفِ. فَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَانْتَقَلَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا لَوْ عُزِلَ الْوَلِيُّ، وَنَاظِرُ الْوَقْفِ، وَكَمِلْكِهِ الْمُطْلَقِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَنْفَسِخُ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ أَيْضًا وَحَكَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ تَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ بِمَنَافِعِهَا تَلَقِّيًا عَنْ الْوَاقِفِ بِانْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ النَّاظِمُ:
وَلَوْ قِيلَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ ذُو نَظَرٍ مِنْ الْمُحَبِّسِ
…
لَمْ يُفْسَخْ فَقَطْ لَمْ أُبْعِدَ
وَقِيلَ: تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ: لَكِنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مُقَسَّطَةً عَلَى
أَشْهُرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ أَعْوَامِهَا، فَهِيَ صَفَقَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. فَلَا تَبْطُلُ جَمِيعُهَا بِبُطْلَانِ بَعْضِهَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَسَّطَةً فَهِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَيَطَّرِدُ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَتَخْرُجُ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ مَوْقُوفَةً، لَا لَازِمَةً، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى.
تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ ثُمَّ وَقَفَهُ.
الثَّانِي: قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: اعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ نَظَرًا. لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا فَرَضَهُ فِيمَا إذَا أَجَّرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، لِكَوْنِ النَّظَرِ لَهُ مَشْرُوطًا وَهَذَا مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. أَعْنِي: إذَا أَجَّرَ بِمُقْتَضَى النَّظَرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ، هَلْ يَلْحَقُ بِالنَّاظِرِ الْعَامِّ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَلْحَقَهُ بِالنَّاظِرِ الْعَامِّ. انْتَهَى.
الثَّالِثُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ: إذَا كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ النَّاظِرَ الْعَامَّ، وَمَنْ شَرَطَ لَهُ، وَكَانَ أَجْنَبِيًّا: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: أَمَّا إذَا شَرَطَهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِإِلْحَاقِهِ بِالْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَدْخَلَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الْخِلَافِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَهُوَ الْأَشْبَهُ.
الرَّابِعُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا عِنْدَ ابْنِ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ وَغَيْرِهِ: إذَا أَجَّرَهُ
مُدَّةً يَعِيشُ فِيهَا غَالِبًا. فَأَمَّا إنْ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا يَعِيشُ فِيهَا غَالِبًا: فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مِنْ تَرِكَةِ الْمُؤَجِّرِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قَبْضُهَا فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى وَرَثَةِ الْمُؤَجِّرِ الْقَابِضِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنْ كَانَ قَبَضَهَا الْمُؤَجِّرُ رَجَعَ بِذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرِكَةٌ فَأَفْتَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ النَّاظِرَ فَمَاتَ فَلِلْبَطْنِ الثَّانِي فَسْخُ الْإِجَارَةِ، وَالرُّجُوعُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: وَاَلَّذِي يُتَوَجَّهُ أَوَّلًا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَلَفُ الْأُجْرَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ وَلَا الْأُجْرَةَ عَلَيْهَا. فَالتَّسْلِيفُ لَهُمْ قَبْضُ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ، بِخِلَافِ الْمَالِكِ. وَعَلَى هَذَا: فَلِلْبَطْنِ الثَّانِي أَنْ يُطَالِبُوا بِالْأُجْرَةِ الْمُسْتَأْجِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّسْلِيفُ، وَلَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا النَّاظِرَ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَهَكَذَا حُكْمُ الْمُقْطِعِ إذَا أَجَّرَ إقْطَاعَهُ ثُمَّ انْتَقَلَتْ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِإِقْطَاعٍ آخَرَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَجَّرَ الْوَلِيُّ الْيَتِيمَ، أَوْ أَجَّرَ مَالَهُ، أَوْ السَّيِّدُ الْعَبْدَ. ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفَسِخَ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الصَّبِيِّ، وَتَخْرِيجٌ فِي الْعَبْدِ مِنْ الصَّبِيِّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ: وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَنْفَسِخُ، إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا فِي الْعِتْقِ. فَإِنَّ لَهُ اسْتِثْنَاءَ مَنَافِعِهِ بِالشُّرُوطِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ الْحُكْمِيُّ أَقْوَى، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَرَشَدَ. فَإِنَّ الْوَلِيَّ تَنْقَطِعُ وِلَايَتُهُ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ.
فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَرْجِعُ الْعَتِيقُ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِحَقِّ مَا بَقِيَ، كَمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ ثُمَّ وَقَفَهُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بُلُوغَهُ عِنْدَ فَرَاغِهَا. فَأَمَّا إنْ أَجَّرَهُ مُدَّةً يَعْلَمُ بُلُوغَهُ فِيهَا، فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا تَنْفَسِخُ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ. وَقَالَ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. قُلْت: وَيَلْحَقُ بِهِ الْعَبْدُ إذَا عَلِمَ عِتْقَهُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْإِجَارَةُ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يُعَلَّقَ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. لَمْ أَرَهُ لِلْأَصْحَابِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. ثُمَّ رَأَيْته فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى صَرَّحَ بِذَلِكَ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وُرِثَ الْمَأْجُورُ، أَوْ اُشْتُرِيَ أَوْ اُتُّهِبَ، أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِالْعَيْنِ، أَوْ أَخَذَ صَدَاقًا، أَوْ أَخَذَهُ الزَّوْجُ عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ، أَوْ صُلْحًا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ: فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا. قَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، حَيْثُ قَالُوا: وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ كَالْوَقْفِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: لَمْ يَزَلْ يُؤَجَّرُ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنَ. قَالَ: وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ
الْإِسْلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ قَالَ: إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ، حَتَّى حَدَثَ فِي زَمَانِنَا. فَابْتَدَعَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَمَّا إجَارَةُ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ الَّتِي مَوْرِدُهَا مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ دُونَ رَقَبَتِهَا: فَلَا نَقْلَ فِيهَا نَعْلَمُهُ. وَكَلَامُ الْقَاضِي يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ مَنَاطَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لِلْمَنَافِعِ لُزُومَ الْعَقْدِ. وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْإِقْطَاعِ. انْتَهَى. فَعَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ أَجَّرَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْإِقْطَاعُ لِآخَرَ، فَذَكَرَ فِي الْقَوَاعِدِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَقْفِ إذَا انْتَقَلَ إلَى بَطْنٍ ثَانٍ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ تَنْفَسِخُ.
قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُدَّةِ مَعْلُومَةً) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. لَكِنْ لَوْ عَلَّقَهَا عَلَى مَا يَقَعُ اسْمُهُ عَلَى شَيْئَيْنِ كَالْعِيدِ، وَجُمَادَى، وَرَبِيعٍ فَهَلْ يَصِحُّ، وَيُصْرَفُ إلَى الْأَوَّلِ، أَوْ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيِّنَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
الْأَوَّلُ: اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
الثَّانِي: اخْتِيَارُ الْقَاضِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ (يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ فِيهَا، وَإِنْ طَالَتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ. قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاخْتَارَهُ. وَقِيلَ: تَصِحُّ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا غَيْرُ. وَقِيلَ: ثَلَاثِينَ سَنَةً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: نَصَّ عَلَيْهِ
وَقِيلَ: لَا تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ سَنَةً.
فَائِدَةٌ: لَيْسَ لِوَكِيلٍ مُطْلَقٍ إيجَارُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، بَلْ الْعُرْفُ، كَسَنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ إنْ رَأَى فِي ذَلِكَ
مَصْلَحَةً
، وَتُعْرَفُ بِالْقَرَائِنِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ لَا يَمْنَعُ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْعَاقِدِ وَلَوْ مُدَّةً لَا يُظَنُّ فِنَاءُ الدُّنْيَا فِيهَا. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي السَّلَمِ: الشَّرْعُ يُرَاعِي الظَّاهِرَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ أَجَلًا تَفِي بِهِ مُدَّتُهُ: صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَطَ مِائَتَيْنِ. أَوْ أَكْثَرَ: لَمْ يَصِحَّ؟ . الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَلِيَ الْعَقْدَ. فَلَوْ أَجَّرَهُ سَنَةَ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ مَشْغُولَةً وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ تَكُنْ) . وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ قَرِيبًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً. فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي بَيَانُهُ وَتَصْحِيحُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إذَا أَجَّرَهُ وَكَانَتْ الْعَيْنُ مَشْغُولَةً صَحَّ إنْ ظَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَ وُجُوبِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صَحَّ إنْ أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ أَوَّلَهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي أَثْنَاءِ بَحْثٍ لَهُمْ تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مَشْغُولَةً أَوْ لَا كَالسَّلَمِ. فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، أَوْ الْفُنُونِ: لَا يَتَصَرَّفُ مَالِكُ الْعَقَارِ فِي الْمَنَافِعِ بِإِجَارَةٍ وَلَا إعَارَةٍ، إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَحَقَّةِ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ. لِأَنَّهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ. فَلَا تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُ الْمَالِكِ فِي مَحْبُوسٍ بِحَقٍّ. لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَمُرَادُ الْأَصْحَابِ مُتَّفَقٌ. وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُؤَجَّرِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ وَقْتَ وُجُوبِهِ. انْتَهَى
الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ السَّابِقِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْعَيْنِ إذَا كَانَتْ مَشْغُولَةً. وَقَدْ قَالَ فِي الْفَائِقِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: عَدَمُ صِحَّةِ إجَارَةِ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَجُوزُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ انْتَهَى. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِنْ جُنْدِيٍّ وَغَرَسَهَا قَصَبًا. ثُمَّ انْتَقَلَ الْإِقْطَاعُ عَنْ الْجُنْدِيِّ: إنَّ الْجُنْدِيَّ الثَّانِيَ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْأُولَى، وَأَنَّهُ إنْ شَاءَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِمَنْ لَهُ فِيهَا الْقَصَبُ أَوْ لِغَيْرِهِ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْبَعْلِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ إجَارَةِ الْمَشْغُولِ بِمِلْكٍ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ إطْلَاقِهِمْ جَوَازَ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ. فَإِنَّ عُمُومَ كَلَامِهِمْ يَشْمَلُ الْمَشْغُولَةَ وَقْتَ الْفَرَاغِ بِغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمَشْغُولَةِ بِغِرَاسِ الْغَيْرِ أَوْ بِنَائِهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ صَاحِبِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ إجَارَةٌ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ. قَالَ: وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ. وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُ هَذَا. قَالَ: وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ " فِي هَذَا الزَّمَانِ " الَّذِي يَخْطِرُ بِبَالِهِ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ تَصِحُّ كَذَا قَالَ. انْتَهَى.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. وَيَقُومُ الْمُسْتَأْجِرُ الثَّانِي مَقَامَ الْمَالِكِ فِي اسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ. وَغَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَأَفْتَى فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ هَذَا كَبَيْعِ الْمَبِيعِ، وَأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِيمَا اسْتَحَقَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مَرْهُونَةً وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ: فَفِي صِحَّتِهَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدِ: صَحَّ إنْ أَمْكَنَ التَّسْلِيمُ فِي أَوَّلِهَا. ثُمَّ قَالَ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ مَا أَجَّرَهُ مَرْهُونًا وَقْتَ الْعَقْدِ لَا وَقْتَ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْأُجْرَةِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقْتَ وُجُوبِهِ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَدَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِهِمْ. وَتَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ أَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ إذَا اتَّفَقَا عَلَى إيجَارِ الْمَرْهُونِ جَازَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا تَعَطَّلَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. [وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى إجَارَتِهِ أَوْ إعَارَتِهِ جَازَ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ] . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ إجَارَتُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي إعَارَتِهِ أَوْ إجَارَتِهِ جَازَ. وَالْأُجْرَةُ رَهْنٌ. وَإِنْ أَجَّرَهُ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: لَا يَخْرُجُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ لَازِمًا. أَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ: فَيَصِحُّ إجَارَتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَتَقَدَّمَ فِي [الرَّهْنِ هَلْ يَدُومُ لُزُومُهُ بِإِجَارَتِهِ أَمْ لَا؟] . .
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَجَّرَهُ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ سَنَةً اسْتَوْفَى شَهْرًا بِالْعَدَدِ وَسَائِرَهَا بِالْأَهْلِيَّةِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَشْهُرُ، كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَشَهْرَيْ صِيَامِ الْكَفَّارَةِ) . وَكَذَا النَّذْرُ. وَكَذَا مُدَّةُ الْخِيَارِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَسْتَوْفِي الْجَمِيعَ بِالْعَدَدِ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (اسْتَوْفَى شَهْرًا بِالْعَدَدِ) . يَعْنِي: ثَلَاثِينَ يَوْمًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي نَذْرٍ، وَصَوْمٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنَّمَا يُعْتَبَرُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِحَسَبِ تَمَامِهِ وَنُقْصَانِهِ فَإِنْ كَانَ تَامًّا كَمُلَ تَامًّا. وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا كَمُلَ نَاقِصًا. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَالَ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلُقَتْ إذَا مَضَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، وَيُكْمِلُ الشَّهْرَ الَّذِي حَلَفَ فِي أَثْنَائِهِ بِالْعَدَدِ ".
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (الضَّرْبُ الثَّانِي: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ كَالسَّلَمِ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) هَذَا صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ فِيهِ عَقِبَ الْعَقْدِ. فَلَوْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: بِلَا عُذْرٍ فَتَلِفَ ضَمِنَ بِسَبَبِهِ. وَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ. فَإِنْ مَرِضَ أَوْ هَرَبَ اكْتَرَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ. فَإِنْ شَرَطَ مُبَاشَرَتَهُ لَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا، وَلَا اسْتِنَابَةَ إذَنْ.
نَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ، فَقَطَعَهُ وَدَفَعَهُ إلَى خَيَّاطٍ آخَرَ قَالَ: لَا. إنْ فَعَلَ ضَمِنَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَصْدُ، كَنَسْخِ كِتَابٍ: لَمْ يَلْزَمْ الْأَجِيرَ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ. وَلَوْ أَقَامَ مَقَامَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُكْتَرِيَ قَبُولُهُ. فَلَوْ تَعَذَّرَ فِعْلُ الْأَجِيرِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ " وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ فَمَرِضَ ".
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ. كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدَّمُوهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ كَالْجِعَالَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَإِنْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَ الْعَمَلِ فِي أَقْصَى مُمْكِنٍ. فَلَهُ شَرْطُهُ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ. فَعَلَى الصِّحَّةِ: لَوْ أَتَمَّهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَهُ فَلَهُ الْفَسْخُ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ) . يَعْنِي: بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا، وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ. كَالْحَجِّ، أَيْ النِّيَابَةِ فِيهِ، وَالْعُمْرَةِ، وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِمَا. كَالْإِقَامَةِ، وَإِمَامَةِ صَلَاةٍ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْقَضَاءِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُ: هَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ كَأَخْذِهِ بِلَا شَرْطٍ. نَصَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُبَيْلَ صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَيُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ بِالنَّاسِ وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. انْتَهَى. وَاخْتَارَ ابْنُ شَاقِلَا الصِّحَّةَ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَجِيرٍ، بِخِلَافِ أَذَانٍ وَنَحْوِهِ. وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ الصِّحَّةَ عَنْهُ وَعَنْ الْخِرَقِيِّ. لَكِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله، مَنَعَ الْإِمَامَةَ بِلَا شَرْطٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَاخْتَارَهُ. وَقَالَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَإِهْدَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الْقَارِئَ إذَا قَرَأَ لِأَجْلِ الْمَالِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ. فَأَيُّ شَيْءٍ يُهْدَى إلَى الْمَيِّتِ؟ وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ. وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى مُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَالْمُسْتَحَبُّ: أَنْ يَأْخُذَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ، لَا أَنْ يَحُجَّ لِيَأْخُذَ. فَمَنْ أَحَبَّ إبْرَاءَ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ أَوْ رُؤْيَةَ الْمَشَاعِرِ يَأْخُذُ لِيَحُجَّ. وَمِثْلُهُ كُلُّ رِزْقٍ أُخِذَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ، يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ يَقْصِدُ الدِّينَ فَقَطْ، وَالدُّنْيَا وَسِيلَةٌ، وَعَكْسِهِ. فَالْأَشْبَهُ: أَنَّ عَكْسَهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. قَالَ: وَحَجُّهُ عَنْ غَيْرِهِ لِيَسْتَفْضِلَ مَا يُوَفِّي دَيْنَهُ: الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ. لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفِ. وَيَتَوَجَّهُ فِعْلُهُ لِحَاجَةٍ. قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَحُجُّ، أَيَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَوَائِدُ: الْأُولَى: تَعْلِيمُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ مُلْحَقٌ بِمَا تَقَدَّمَ، عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ،
وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمُصْطَلَحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
الثَّانِيَةُ: لَا بَأْسَ بِأَخْذِ أُجْرَةٍ عَلَى الرُّقْيَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَغَيْرُهُ.
الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ أَخْذُ الْجِعَالَةِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَهُوَ ظَاهِرُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: الْجُعْلُ فِي الْحَجِّ كَالْأُجْرَةِ.
الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ وَجِعَالَةٍ عَلَى مَا لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ وَنَحْوِهِمَا.
الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْحَجِّ، وَالْغَزْوِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَحَنْبَلٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ مَا يَحُجُّ بِهِ، إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِيمَنْ أَخَذَ لِيَحُجَّ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجِمَهُ: صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْحَلْوَانِيُّ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ [إلَّا إذَا أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا إجَارَةٍ] . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى سَيِّدِهِ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ أَخْذُ مَا أَعْطَاهُ بِلَا شَرْطٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يُطْعِمُهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَجَوَّزَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِغَيْرِ حُرٍّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: لَوْ أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شَرْطٍ: كَانَ لَهُ أَخْذُهُ. وَيَصْرِفُهُ فِي عَلَفِ دَوَابِّهِ، وَمُؤْنَةِ صِنَاعَتِهِ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَ تَحْرِيمَ أَكْلِهِ الْقَاضِي وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ أَكْلُهُ. فَعَلَى رِوَايَةِ تَحْرِيمِ أَكْلِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ:
تَحْرِيمُهُ عَلَى كُلِّ الْأَحْرَارِ. وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْحَاجِمِ.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ: كَالْفَصْدِ، وَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَتَقْصِيرِهِ، وَالْخِتَانِ، وَقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قُلْت: لَوْ خَرَجَ فِي الْفَصْدِ مِنْ الْحِجَامَةِ لَمَا كَانَ بَعِيدًا. وَكَذَلِكَ التَّشْرِيطُ كَالصَّوْمِ.
قَوْلُهُ (وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمِثْلِهِ) . يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إعَارَةُ الْمَأْجُورِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ دَارٍ، وَحَانُوتٍ، وَمَرْكُوبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرَّاكِبُ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَعْرِفَةُ بِالْمَرْكُوبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا تُعْتَبَرُ الْمَعْرِفَةُ بِالْمَرْكُوبِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيُمَثِّلُهُ " جَوَازُ إعَارَةِ الْمَأْجُورِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَوْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الشَّرْطُ أَيْضًا وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَعَارَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ الْمَأْجُورَةَ. فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ: لَمْ يَضْمَنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْأَصَحِّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: يَضْمَنُهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا إلَيْهِ. فَأَرَادَ الْعُدُولَ إلَى مِثْلِهَا فِي الْمَسَافَةِ وَالْحُزُونَةِ وَالْأَمْنِ، أَوْ الَّتِي يَعْدِلُ إلَيْهَا أَقَلُّ ضَرَرًا: جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: جَازَ فِي الْأَشْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يَجُوزُ. وَإِنْ سَلَكَ أَبْعَدَ مِنْهُ أَوْ أَشَقَّ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الزَّائِدِ وَالشُّقَّةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ ضَرَرًا مِنْهُ وَلَا بِمَنْ يُخَالِفُ ضَرَرُهُ ضَرَرَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ وَمَا دُونَهَا فِي الضَّرَرِ مِنْ جِنْسِهَا. فَإِذَا اكْتَرَى حِنْطَةً. فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ لَهُ زَرْعُ الدَّخَنِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ وَلَا الْبِنَاءَ) . فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَكْتَرَاهَا لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرُ، وَإِنْ أَكْتَرَاهَا لِلْغَرْسِ مَلَكَ الزَّرْعَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرُ. فَإِنْ فَعَلَ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَلَهُ الزَّرْعُ بِالْمُسَمَّى.
وَقِيلَ: لَا زَرْعَ لَهُ مَعَ الْبِنَاءِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ قَالَ أَجَرْتُكَهَا لِتَزْرَعَهَا أَوْ تَغْرِسَهَا: لَمْ يَصِحَّ. قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمَا. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قَالَ لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ مَا شِئْت، زَرَعَ أَوْ غَرَسَ مَا شَاءَ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِلتَّرَدُّدِ. انْتَهَى. وَإِنْ قَالَ: لِتَزْرَعَهَا مَا شِئْت، وَتَغْرِسَهَا مَا شِئْت صَحَّ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَنَصَرَاهُ. وَقَالَا: لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا كُلَّهَا، وَأَنْ يَغْرِسَهَا كُلَّهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قَالَ: لِتَزْرَعَ، وَتَغْرِسَ مَا شِئْت، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا: لَمْ يَصِحَّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا. انْتَهَى. وَإِنْ قَالَ: لِتَنْتَفِعَ بِهَا مَا شِئْت. فَلَهُ الزَّرْعُ وَالْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ كَيْفَ شَاءَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ إذَا قَالَ: إنْ زَرَعْتهَا كَذَا فَبِكَذَا، وَإِنْ زَرَعْتهَا كَذَا فَبِكَذَا. عِنْدَ قَوْلِهِ " إنْ خِطْته رُومِيًّا فَبِكَذَا، وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَبِكَذَا ". وَتَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِ الزَّرْعِ، وَالْغَرْسِ، وَالْبِنَاءِ فِي الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِجَارَةُ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ: لِزَرْعِ كَذَا أَوْ غَرْسٍ، أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ " فَلْيُعَاوِدْ. فَإِنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِينَ ذِكْرُهُ هُنَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) يَعْنِي: إذَا فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ مِنْ زَرْعٍ، وَبِنَاءٍ، وَغَرْسٍ، وَرُكُوبٍ، وَحَمْلٍ، وَنَحْوُهُ.
فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. يَعْنِي لِلْجَمِيعِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ قَالَهُ الْقَاضِي.
وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى، مَعَ تَفَاوُتِهِمَا فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرِهِمَا. وَكَلَامُ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ مُوَافِقٌ لِهَذَا. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَجَّرَهَا لِلزَّرْعِ، فَغَرَسَ أَوْ بَنَى: لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ أَجَّرَهَا لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرَ. فَإِنْ فَعَلَ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ أَجَّرَهَا لِزَرْعِ شَعِيرٍ لَمْ يَزْرَعْ دَخَنًا. فَإِنْ فَعَلَ غَرِمَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلْكُلِّ. وَقِيلَ: بَلْ الْمُسَمَّى، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِزِيَادَةِ ضَرَرِ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: هُوَ كَغَاصِبٍ. كَذَا لَوْ أَجَّرَهَا لِزَرْعِ قَمْحٍ فَزَرَعَ ذُرَةً وَدَخَنًا. انْتَهَى. ذَكَرَهُ مُتَفَرِّقًا. وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ: لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ حَدِيدٍ. فَحَمَلَ قُطْنًا، أَوْ عَكْسَهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِلَا نِزَاعٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ إلَى مَوْضِعٍ، فَجَاوَزَهُ. فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْعُمْدَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَعْنِي: إذَا أَكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ.
وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَنَقَلَهُ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ اكْتَرَى لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ فَقَطْ. فَلِذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُقْنِعِ مِنْ وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا إذَا اكْتَرَى لِمَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ، وَلَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ حَمْدَانَ مِنْ وُجُوبِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ، وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ. فَإِنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ أَبَا الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. فَإِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَوْضَحُ. فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ أَبِي بَكْرٍ أَخِيرًا. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَهَا أَوَّلًا. فَحَصَلَ الْإِيهَامُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ اكْتَرَى لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ: وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ فِي الْجَمِيعِ، وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا شَعِيرًا فَزَرَعَهَا حِنْطَةً فَقَالَ " عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا زَرَعَ أُخْرَى " قَالَا: فَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ وَمَسْأَلَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَا: يَنْقُلُ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، لِتَسَاوِيهِمَا فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَتَمَيَّزُ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ. قَالَا: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَإِنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا ظَاهِرًا. وَذَكَرَاهُ. انْتَهَيَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وُجُوبُ قِيمَتِهَا إذَا تَلِفَتْ بِهِ، سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ بَعْدَ رَدِّهَا إلَى الْمَسَافَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَ الْمُكْتَرِي أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الدَّابَّةِ إنْ تَلِفَتْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمَّا قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ أَيْضًا ضَمَانُهَا، يَعْنِي: إذَا تَلِفَتْ فِي حِدَةِ الْمُجَاوَزَةِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا بَعْدَ تَجَاوُزِ الْمَسَافَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَإِنْ تَلِفَتْ فِي حَالِ زِيَادَةِ الطَّرِيقِ، فَعَلَيْهِ كَمَالُ قِيمَتِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ الْمُكْتَرِي نَزَلَ عَنْهَا، وَسَلَّمَهَا إلَى صَاحِبِهَا لِيُمْسِكَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا فَتَلِفَتْ: فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: إذَا تَلِفَتْ فِي حَالِ التَّعَدِّي، وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَ رَاكِبِهَا: فَلَا خِلَافَ فِي ضَمَانِهَا بِكَمَالِ قِيمَتِهَا. وَكَذَا إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ الرَّاكِبِ، أَوْ تَحْتَ حَمْلِهِ وَصَاحِبُهَا مَعَهَا. فَأَمَّا إنْ تَلِفَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا، بَعْدَ نُزُولِ الرَّاكِبِ عَنْهَا. فَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ تَعَبِهَا بِالْحَمْلِ وَالسَّيْرِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ تَحْتَ الْحَمْلِ وَالرَّاكِبِ. وَإِنْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ. فَلَا ضَمَانَ فِيهَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ: ضَمِنَهَا بِكَمَالِ الْقِيمَةِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُدَّةِ. وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ وَجْهًا بِضَمَانِ النِّصْفِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَدِّ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ صَاحِبِهَا. فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ.
أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ قِيمَتَهَا كُلَّهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ،
وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَالْمَجْدِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فَقَطْ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إنْ تَلِفَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ: لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ تَلِفَتْ بِالْحَمْلِ: فَفِي تَكْمِيلِ الضَّمَانِ وَتَنْصِيفِهِ وَجْهَانِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إنْ زَادَ فِي الْحَمْلِ: ضَمِنَ نِصْفَهَا مُطْلَقًا. وَإِنْ زَادَ فِي الْمَسَافَةِ: ضَمِنَ الْكُلَّ إنْ تَلِفَتْ حَالَ الزِّيَادَةِ، وَإِلَّا هَدَرٌ. وَعَنْ الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: إنْ كَانَ الْمُكْتَرِي نَزَلَ عَنْهَا، وَسَلَّمَهَا لِصَاحِبِهَا لِيُمْسِكَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا. فَتَلِفَتْ: لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ هَلَكَتْ، وَالْمُكْتَرِي رَاكِبُهَا، أَوْ حَمَلَهُ عَلَيْهَا: ضَمِنَهَا. وَوَافَقَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْفُرُوعِ عَلَى ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُمَا اسْتَثْنَيَا مَا إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا بِسَبَبِ تَعَبِهَا مِنْ الْحَمْلِ وَالسَّيْرِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي التَّصْحِيحِ: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ إذَا تَلِفَتْ بِسَبَبِ تَعَبِهَا بِالْحَمْلِ وَالسَّيْرِ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ إذَا زَادَ سَوْطًا عَلَى الْحَدِّ، وَمَسَائِلُ أُخْرَى هُنَاكَ. فَيُرَاجَعُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحُدُودِ.
تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (إذَا اكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ) . لَوْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا وَحْدَهُ فَرَكِبَهَا مَعَهُ آخَرُ. فَتَلِفَتْ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ.
قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ كُلُّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ النَّفْعِ، كَزِمَامِ الْجَمَلِ
وَرَحْلِهِ وَحِزَامِهِ، وَالشَّدِّ عَلَيْهِ، وَشَدِّ الْأَحْمَالِ وَالْمَحَامِلِ وَالرَّفْعِ وَالْحَطِّ) وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ النَّفْعُ عَلَيْهِ. كَتَوْطِئَةِ مَرْكُوبٍ عَادَةً، وَالْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَهَذَا كُلُّهُ بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَلَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ الْمَحْمِلُ وَالْمِظَلَّةُ وَالْوِطَاءُ فَوْقَ الرَّحْلِ وَحَبْلُ قِرَانٍ بَيْنَ الْمَحْمِلَيْنِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَدْلٌ لِقُمَاشٍ عَلَى مُكْرٍ لِمَنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنَّمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إذَا كَانَ الْكِرَاءُ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ الْمُكْتَرِي. فَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَتَسَلَّمَ الرَّاكِبُ الْبَهِيمَةَ لِيَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ: فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. انْتَهَيَا. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ.
فَائِدَةٌ: أُجْرَةُ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُكْتَرِي، عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ اكْتَرَى مِنْهُ بَهِيمَةً بِعَيْنِهَا فَأُجْرَةُ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُكْتَرِي، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى حَمْلِهِ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ فِي الذِّمَّةِ. فَهِيَ عَلَى الْمُكْرِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يُوَصِّلَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا. قُلْت: يَنْبَغِي [أَيْضًا] أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلُزُومُ الْبَعِيرِ لِيَنْزِلَ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ) . أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِيَنْزِلَ لِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَلْزَمُهُ أَيْضًا.
فَوَائِدُ: الْأُولَى: يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ أَيْضًا. لُزُومُ الْبَعِيرِ إذَا عَرَضَتْ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَاجَةٌ
لِنُزُولِهِ وَتَبْرِيكِ الْبَعِيرِ لِلشَّيْخِ الضَّعِيفِ، وَالْمَرْأَةِ وَالسَّمِينِ، وَشَبَهِهِمْ لِرُكُوبِهِمْ وَنُزُولِهِمْ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَيْضًا لِمَرَضٍ طَالَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُ الرَّاكِبَ الضَّعِيفَ وَالْمَرْأَةَ الْمَشْيُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ قُرْبِ الْمَنْزِلِ. وَهَلْ يَلْزَمُ غَيْرَهُمَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. لَكِنَّ الْمُرُوءَةَ تَقْتَضِي فِعْلَ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالنُّزُولِ فِيهِ، وَالْمَشْيِ: لَزِمَ الرَّاكِبَ الْقَوِيَّ فِي الْأَقْيَسِ. قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اكْتَرَى جَمَلًا لِيَحُجَّ عَلَيْهِ. فَلَهُ الرُّكُوبُ إلَى مَكَّةَ وَمِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ إلَى مِنًى لَيَالِيَ مِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقُدَمَاءُ. وَقَالَا الْأَوْلَى: أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الرُّكُوبُ إلَى مِنًى. لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ. وَأَطْلَقَهَا فِي الرِّعَايَةِ وَأَمَّا إنْ اكْتَرَى إلَى مَكَّةَ فَقَطْ. فَلَيْسَ لَهُ الرُّكُوبُ إلَى الْحَجِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: اشْتِرَاطُ ذِكْرِ الْمَرْكُوبِ، وَالرَّاكِبِ، وَالْمَحْمُولِ، وَأَحْكَامُ ذَلِكَ. فَلْيُرَاجَعْ.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (فَأَمَّا تَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ وَالْكَنِيفِ: فَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) بِلَا نِزَاعٍ.
قُلْت: يُتَوَجَّهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ. وَكَذَا تَفْرِيغُ الدَّارِ مِنْ الْقُمَامَةِ وَالزِّبْلِ وَنَحْوِهِمَا. وَيَلْزَمُ الْمُكْرِيَ تَسْلِيمُهَا مُنْطَقَةً، وَتَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ. وَهُوَ أَمَانَةٌ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ. وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ: الْبَكَرَةُ، وَالْحَبْلُ، وَالدَّلْوُ.
قَوْلُهُ (وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا، وَإِنْ بَدَا لَهُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ، فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ) . الْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الْمُؤَجِّرِ الْأُجْرَةَ، وَالْمُسْتَأْجِرِ الْمَنَافِعَ. فَإِذَا فَسَخَهَا الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ تَنْفَسِخْ. وَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ التَّصَرُّفُ فِيهَا فِي حَالِ كَوْنِ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا. فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، مِثْلَ أَنْ يَسْكُنَ الْمَالِكُ الدَّارَ، أَوْ يُؤَجِّرَهَا لِغَيْرِهِ: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ وَلَهُ عَلَى الْمَالِكِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا سَكَنَ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. فَعَلَى هَذَا: إنْ كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْمَالِكِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ فِي الْعَقْدِ: لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ. وَإِنْ فَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ لَزِمَتْ الْمَالِكَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ الْمَالِكُ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَأَمَّا إذَا تَصَرَّفَ الْمَالِكُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا، أَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ: فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ فِيمَا مَضَى. وَتَجِبُ أُجْرَةُ الْبَاقِي بِالْحِصَّةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَبَى الْمُؤَجِّرُ تَسْلِيمَ مَا أَجَّرَهُ، أَوْ امْتَنَعَ مُسْتَأْجِرٌ الِانْتِفَاعَ بِهِ كُلَّ الْمُدَّةِ. فَلَهُ الْفَسْخُ مَجَّانًا. وَقِيلَ: بَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ مَجَّانًا.
وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مُعَيَّنَةً بَطَلَ، وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ مَجَّانًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ لِمَا سَكَنَ نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَيَأْتِي إذَا غَصَبَهَا مَالِكُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا غُصِبَتْ الْعَيْنُ ".
فَائِدَةٌ:
وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ امْتَنَعَ الْأَجِيرُ مِنْ تَكْمِيلِ الْعَمَلِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: وَالْحُكْمُ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً فَامْتَنَعَ الْمُكْرِي مِنْ تَسْلِيمِهَا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ، أَوْ أَجَّرَهُ نَفْسَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِلْخِدْمَةِ مُدَّةً، وَامْتَنَعَ مِنْ إتْمَامِهَا، أَوْ أَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِبِنَاءِ حَائِطٍ، أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ. أَوْ حَمْلِ شَيْءٍ إلَى مَكَان، وَامْتَنَعَ مِنْ إتْمَامِ الْعَمَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: كَالْحُكْمِ فِي الْعَقَارِ يُمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ. انْتَهَيَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ إنْ أَبَى الْأَجِيرُ الْخَاصُّ الْعَمَلَ أَوْ بَعْضَهُ، كَالْمُدَّةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ أَبَى مُسْتَأْجِرُ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ وَالْجِمَالِ الِانْتِفَاعَ بِهِمْ كَذَلِكَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْأَجِيرِ وَالْمُؤَجِّرِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِ شَيْءٍ مُدَّةً. فَحَفِظَهُ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ تَرَكَ: فَهَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَى: أَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ. بَلْ يَزُولُ الِاسْتِئْمَانُ. وَيَصِيرُ ضَامِنًا. وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا شَهْرًا مَعْلُومًا. فَجَاءَ إلَيْهِ فِي نِصْفِ ذَلِكَ الشَّهْرِ: أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَبْطُلُ الْعَقْدُ. فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِيمَنْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَأْجَرَةِ: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً. بِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِنْ هَرَبَ الْأَجِيرُ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ. وَإِنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ: خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ) . إذَا هَرَبَ الْأَجِيرُ، أَوْ شَرَدَتْ الدَّابَّةُ، أَوْ أَخَذَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ وَهَرَبَ بِهَا، أَوْ مَنَعَهُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ هَرَبٍ: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ. وَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ. فَإِنْ فَسَخَ فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ، وَكَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ: انْفَسَخَتْ بِمُضِيِّهَا يَوْمًا فَيَوْمًا. فَإِنْ عَادَتْ الْعَيْنُ فِي أَثْنَائِهَا اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ، وَإِنْ انْقَضَتْ انْفَسَخَتْ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ. كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ أَوْ حَمْلٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ: اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ الْفَسْخُ. فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْعَمَلِ. وَإِنْ هَرَبَ قَبْلَ إكْمَالِ عَمَلِهِ مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْفَسْخَ وَالصَّبْرَ كَمَرَضِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يُكْتَرَى عَلَيْهِ مَنْ يَقُومُ بِهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ فَسْخُهَا. وَإِنْ فَرَغَتْ مُدَّتُهُ فِي هَرَبِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: تَنْفَسِخُ هِيَ. وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ هَرَبَ الْجَمَّالُ أَوْ مَاتَ وَتَرَكَ الْجِمَالَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا. الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْجِمَالِ، أَوْ أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي النَّفَقَةِ. فَإِذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ بَاعَهَا الْحَاكِمُ وَوَفَّى الْمُنْفَقَ وَحَفِظَ بَاقِيَ ثَمَنِهَا لِصَاحِبِهِ) .
إذَا أَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْجِمَالِ وَالْحَالَةُ مَا تَقَدَّمَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ: رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَنَوَى الرُّجُوعَ. فَفِيهِ الرَّوِيَّتَانِ اللَّتَانِ فِيمَنْ قَضَى دَيْنًا عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ. وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَمُقْتَضَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ إنَّ الْأَكْثَرِينَ اعْتَبَرُوا الْإِشْهَادَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ. وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى. وَحُكْمُ مَوْتِ الْجَمَّالِ حُكْمُ هَرَبِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَوْتَ لَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ. وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا، وَلَا يُسْرِفَ فِي عَلَفِهَا وَلَا يُقَصِّرَ. وَيَرْجِعَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا) . سَوَاءٌ تَلِفَتْ ابْتِدَاءً أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ. فَإِذَا تَلِفَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ وَإِنْ تَلِفَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْفَسَخَتْ أَيْضًا فِيمَا بَقِيَ فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَنْفَسِخُ أَيْضًا فِيمَا مَضَى. وَيُقَسَّطُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ. فَيَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ فِيمَنْ اكْتَرَى بَعِيرًا بِعَيْنِهِ فَمَاتَ، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ: فَهُوَ عُذْرٌ. يُعْطِيهِ بِحِسَابِ مَا رَكِبَ.
وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى. وَقِيلَ: لَا فَسْخَ بِهَدْمِ دَارٍ. فَيُخَيَّرُ. وَيَأْتِي حُكْمُ الدَّارِ إذَا انْهَدَمَتْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا. وَكَلَامُهُ هُنَا أَعَمُّ. وَعَنْهُ: لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ. وَيَجِبُ فِي مَالِهَا أُجْرَةُ مَنْ يُرْضِعُهُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
وَأَمَّا مَوْتُ الْمُرْتَضِعِ فَتَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ قَوْلًا وَاحِدًا. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَوْلُهُ (وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا: الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَبَا مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَنْفَسِخُ. وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ تَنْفَسِخْ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ وَفِيمَا مَضَى. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (أَوْ أَرْضًا لِلزَّرْعِ، فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَنْفَسِخُ. وَلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فِي مَوْضِعٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَمْ تَنْفَسِخْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
فَائِدَةٌ: لَوْ أَجَّرَ أَرْضًا بِلَا مَاءٍ: فَإِنْ أَجَّرَهَا وَأَطْلَقَ. فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الصِّحَّةَ، إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَالِمًا بِحَالِهَا وَعَدَمِ مَائِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ ظَنَّ الْمُسْتَأْجِرُ إمْكَانَ تَحْصِيلِ الْمَاءِ، وَأَطْلَقَ الْإِجَارَةَ: لَمْ تَصِحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَإِنْ ظَنَّ وُجُودَهُ بِالْأَمْطَارِ، أَوْ زِيَادَةِ الْأَنْهَارِ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْعِلْمِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ وَجْهَانِ. وَمَتَى زَرَعَ فَغَرِقَ؛ أَوْ تَلِفَ، أَوْ لَمْ يَنْبُتْ: فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُهَا لِغَرَقِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ. وَكَذَا لَهُ الْخِيَارُ لِقِلَّةِ مَاءٍ قَبْلَ زَرْعِهَا أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ عَابَتْ بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ بَعْضُ الزَّرْعِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَوْ بَرْدٍ، أَوْ فَأْرٍ، أَوْ عُذْرٍ. قَالَ: فَإِنْ أَمْضَى الْعَقْدَ فَلَهُ الْأَرْشُ كَعَيْبِ الْأَعْيَانِ. وَإِنْ فَسَخَ. فَعَلَيْهِ الْقِسْطُ قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إلَى كَمَالِهِ. قَالَ: وَمَا لَمْ يَرْوِ مِنْ الْأَرْضِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَالَ فِي الْإِجَارَةِ: مَقِيلًا وَمَرَاعِيَ، أَوْ أَطْلَقَ. لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى عَقْدٍ، كَأَرْضِ الْبَرِّيَّةِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَنْفَسِخُ) أَيْ الْإِجَارَةُ (بِمَوْتِ الْمُكْرِي، وَلَا الْمُكْتَرِي) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ " وَبَيْنَ قَوْلِهِ بَعْدُ " لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَلَا الْمُكْتَرِي "؟ قِيلَ: يَجِبُ حَمْلُ قَوْلِهِ " لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْتَرِي " عَلَى أَنَّهُ مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ. وَهُنَاكَ صَرَّحَ بِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا مُتَابَعَةً لِلْأَصْحَابِ. وَقَالَ ذَلِكَ لِأَجْلِ اخْتِيَارِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ: خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى) . إذَا غُصِبَتْ الْعَيْنُ فَلَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ إجَارَتُهَا لِعَمَلٍ أَوْ لِمُدَّةٍ. فَإِنْ كَانَتْ لِعَمَلٍ، فَلَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ تَكُونَ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ. فَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَغُصِبَتْ: لَزِمَهُ بَدَلُهَا. فَإِنْ تَعَذَّرَ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ. خُيِّرَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهَا.
وَإِنْ كَانَتْ إلَى مُدَّةٍ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ وَأَخْذِ أُجْرَةِ مِثْلِهَا مِنْ غَاصِبِهَا إنْ ضُمِنَتْ مَنَافِعُ الْغَصْبِ. وَإِنْ لَمْ تُضْمَنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: تَنْفَسِخُ تِلْكَ الْمُدَّةُ. وَالْأُجْرَةُ لِلْمُؤَجِّرِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مِلْكِهِ. وَأَنَّ مِثْلَهُ وَطِئَ، مُزَوَّجَةً. وَيَكُونُ الْفَسْخُ مُتَرَاخِيًا. فَإِذَا لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَإِنْ رُدَّتْ الْعَيْنُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ فَسْخٌ: اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ مِنْهَا. وَيَكُونُ فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مُخَيَّرًا، كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الْغَاصِبُ هُوَ الْمُؤَجِّرَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ الْأَجْنَبِيِّ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ أَتْلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ ثَبَتَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَسْخِ، أَوْ الِانْفِسَاخِ، مَعَ تَضْمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ مَا أَتْلَفَ. وَمِثْلُهُ: جَبُّ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا، تَضْمَنُ وَلَهَا الْفَسْخُ. انْتَهَى. قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا فَسْخَ لَهَا. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا إذَا حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَعْضِ صُوَرِ تِلْكَ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ حَدَثَ خَوْفٌ عَامٌّ يَمْنَعُ مِنْ سُكْنَى الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَوْ حُصِرَ الْبَلَدُ، فَامْتَنَعَ خُرُوجُ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى الْأَرْضِ: ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَإِذَا جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَحْجِزُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ انْتِفَاعِهِ.
فَكَلَامُهُ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. لِأَنَّهُ شَمَلَ الْغَصْبَ وَغَيْرَهُ. فَلِذَلِكَ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ كَانَ الْخَوْفُ خَاصًّا بِالْمُسْتَأْجِرِ، كَمَنْ خَافَ وَحْدَهُ لِقُرْبِ أَعْدَائِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمَأْجُورِ، أَوْ حُلُولِهِمْ فِي طَرِيقِهِ: لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ حُبِسَ أَوْ مَرِضَ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ، فَمَرِضَ: أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمَرِيضِ) . مُرَادُهُ: إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، كَخِيَاطَةٍ وَبِنَاءٍ وَنَحْوِهِمَا. وَمُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتَهُ. فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتَهُ. لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ فِي مُدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَمَرِضَ: لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى عَمَلِهِ بِعَيْنِهِ. لَا عَلَى شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ كَانَ الْعَمَلُ فِي الذِّمَّةِ وَاخْتَلَفَ الْقَصْدُ كَاسْتِئْجَارِهِ لِنَسْخِ كِتَابٍ لَمْ يُكَلَّفْ الْأَجِيرُ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ. وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ قَبُولُ ذَلِكَ إنْ بَذَلَهُ الْأَجِيرُ. لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ عَمَلُ الْأَجِيرِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ " الضَّرْبُ الثَّانِي عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ ".
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً، أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ فَلَهُ الْفَسْخُ) . مُرَادُهُ وَمُرَادُ غَيْرِهِ: إنْ لَمْ يَزُلْ الْعَيْبُ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ. فَإِنْ زَالَ سَرِيعًا بِلَا ضَرَرٍ فَلَا فَسْخَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْفَسْخُ أَوْ الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: يَمْلِكُ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمُصَنِّفِ.
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَهُ الْفَسْخُ أَوْ الْإِمْسَاكُ مَعَ الْأَرْشِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ عَيْبِ الْمَبِيعِ: وَأَنَّهُ بِالْخِيرَةِ.
كَذَاكَ مَأْجُورٌ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ
…
قَدْ قَالَهُ الشَّيْخَانِ فَافْهَمْ مَطْلَبِي
فَهَذَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنْ لَمْ نَقُلْ بِالْأَرْشِ. فَوُرُودُ ضَعْفِهِ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله بَيِّنٌ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا فِي الْخِيَارِ فِي الْعَيْبِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ ".
فَوَائِدُ إحْدَاهَا: الْعَيْبُ هُنَا: مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى فَرَغَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ لُزُومَ الْأَرْشِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ دَلَّسَهُ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ احْتَاجَتْ الدَّارُ تَجْدِيدًا. فَإِنْ جَدَّدَ الْمُؤَجِّرُ وَإِلَّا كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ. وَلَوْ عَمَّرَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِدُونِ إذْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَلْقِ الدَّارِ إذَا عَمِلَهُ السَّاكِنُ. وَيَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ بِنَاءً عَلَى مِثْلِهِ فِي الرَّهْنِ. قُلْت: بَلْ أَوْلَى. وَحَكَى فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّ الْمُؤَجِّرَ يُجْبَرُ عَلَى التَّرْمِيمِ بِإِصْلَاحِ مُكَسَّرٍ، وَإِقَامَةِ مَائِلٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِالْعِمَارَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَكَانُ الْمَأْجُورُ. فَإِنْ كَانَ وَقْفًا فَالْعِمَارَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَمِنْ جِهَةِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ. انْتَهَى.
وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ عَلَى التَّجْدِيدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: بَلَى.
الرَّابِعَةُ: لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ مُدَّةَ تَعْطِيلِهَا أَوْ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ مُدَّةِ التَّعْطِيلِ بَعْدَ الْمُدَّةِ، أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعِمَارَةَ، أَوْ جَعَلَهَا أُجْرَةً: لَمْ يَصِحَّ. وَمَتَى أَنْفَقَ بِإِذْنٍ عَلَى الشَّرْطِ أَوْ بِنَاءً رَجَعَ بِمَا قَالَ الْمُؤَجِّرُ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: فِي الْإِذْنِ يَرْجِعُ بِمَا قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ حَاكِمٌ فِي نَفَقَتِهِ عَلَى جِمَالٍ هَرَبَ مُؤَجِّرُهَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَخَرَجَ مَنْعُ الْبَيْعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيُّ: أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةٌ: أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ. وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ. فَهِيَ مَسْأَلَةُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، ثُمَّ عَلِمَ: فَلَهُ الْفَسْخُ أَوْ الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا. عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَهُ الْفَسْخُ أَوْ الْإِمْضَاءُ مَعَ الْأَرْشِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: هُوَ عَيْبٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: قُلْت: فَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً بِبِنَاءِ غَيْرِهِ أَوْ زَرْعِهِ وَغِرَاسِهِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ الْعَقْدُ حَالًّا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ لَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِهِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَ الدَّارَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الْمُعْتَدَّةُ لِلْوَفَاةِ سُكْنَاهَا، وَهِيَ حَامِلٌ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا. لِأَنَّ الْمُدَّةَ الْبَاقِيَةَ إلَى حِينِ وَضْعِ الْحَمْلِ مَجْهُولَةٌ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَنْفَسِخَ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ
إحْدَاهَا: لَا تَنْفَسِخُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَكْثَرُونَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَنْفَسِخُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: انْفَسَخَتْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِالشِّرَاءِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِأُجْرَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ أَخَذَهُ، وَإِلَّا سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ بِشَرْطٍ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَجَّرَهَا لِمُؤَجِّرِهَا صَحَّ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَصِحُّ.
فَعَلَى الْأُولَى: تَكُونُ الْأُجْرَةُ بَاقِيَةً عَلَى الْمُشْتَرِي. وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَيَجْتَمِعَانِ لِلْبَائِعِ. كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُ.
فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: حُكْمُ مَا وَرِثَهُ الْمُسْتَأْجِرُ حُكْمُ مَا اشْتَرَاهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: تَنْفَسِخُ. لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ قَهْرِيٌّ. وَأَيْضًا فَقَدْ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَأْجَرَةَ: هَلْ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِذَلِكَ: فَلَا مَعْنَى لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكٍ وَانْتِقَالِهَا إلَيْهِ. هَذَا إذَا كَانَ ثَمَّ وَارِثٌ سِوَاهُ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ عَلَى نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ مَاتَ مُفْلِسًا بَعْدَ أَنْ أَسْلَفَهُ الْأُجْرَةَ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ بِهِبَةٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ. صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي مُسْوَدَّتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ وُهِبَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ لِلْمُسْتَعِيرِ بَطَلَتْ الْعَارِيَّةُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ. لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ. قَوْلُهُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ. وَهُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ) . يَعْنِي: لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ مُبَاحٍ فِيمَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي حَدِّهِ " هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ " هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَجِيرَ الْخَاصَّ هُوَ الَّذِي يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْعَهَا فِي جَمِيعِهَا، سَوَاءٌ سَلَّمَ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ لَا. جَزَمَ بِهِ فِي
الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى رَأَى بَعْضَهُمْ ذَكَرَ الْعِبَارَةَ الْأُولَى، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْعِبَارَةَ الثَّانِيَةَ. فَظَنَّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ. وَالْعُذْرُ لِمَنْ قَالَ: هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ: أَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الْغَالِبِ. فَأَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْغَالِبِ، لَا أَنَّ الَّذِي يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُسَمَّى أَجِيرًا خَاصًّا. فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي سُمِّيَ بِهِ يَشْمَلُهُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَعْثُرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيَّنَ ذَلِكَ. وَذَكَرَ عِلَّةَ كُلِّ قَوْلٍ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِيَدِهِ بِشَرْطِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ فِي الْمَنْصُوصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ. وَحَكَى فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةً بِتَضْمِينِهِ مَا تَلِفَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ. وَقَالَ فِيهِ: لَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ. وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ " إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ ". وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ " إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ أَوْ يُفَرِّطَا ".
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيمَا يَعْمَلُهُ. وَلَهُ فِعْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا بِسُنَنِهَا، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ فِي مُدَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ عَمِلَ وَأَضَرَّ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَلَهُ قِيمَةُ مَا فَوَّتَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا عَمِلَهُ لِغَيْرِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ.
قَوْلُهُ (وَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَا جَنَتْ يَدُهُ مِنْ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ وَغَلَطِهِ فِي تَفْصِيلِهِ) . الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ: هُوَ الَّذِي يَقَعُ الْعَقْدُ مَعَهُ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ. فَيَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدُهُ مِنْ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ وَغَلَطِهِ فِي تَفْصِيلِهِ، وَزَلَقِ الْحَمَّالِ وَالسُّقُوطِ عَنْ دَابَّتِهِ. وَكَذَا الطَّبَّاخُ، وَالْخَبَّازُ، وَالْحَائِكُ، وَمَلَّاحُ السَّفِينَةِ، وَنَحْوُهُمْ. وَيَضْمَنُ أَيْضًا مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ وَابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَمِلَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ يَدُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ فِي الْكَافِي. وَنَقَلَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ عَنْ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي تَضْمِينِهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الضَّمَانَ، وَعَدَمَهُ. وَالثَّالِثَةَ: لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَطَاعٍ. كَزَلَقٍ وَنَحْوِهِ. قُلْت: وَهَذَا قَوِيٌّ. قَوْلُهُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ حِرْزِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَتَعَدَّ. وَمَا قَالَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلٍ. وَلَوْ عَدِمَ مِنْ حِرْزِهِ فَلَا ضَمَانَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلَا تَعَدِّيهِ: لَا يَضْمَنُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: إنْ كَانَ التَّلَفُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ، وَاللُّصُوصِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كَالضَّيَاعِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: مَحَلُّ الرِّوَايَاتِ: إذَا لَمْ تَكُنْ يَدُ الْمَالِكِ عَلَى الْمَالِ. أَمَّا إنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَى الْمَالِ: فَلَا ضَمَانَ بِحَالٍ.
قَوْلُهُ (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ إلَّا مَا عَمِلَهُ فِي بَيْتِ رَبِّهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: لَهُ أُجْرَةُ الْبِنَاءِ لَا غَيْرُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ: لَهُ أُجْرَةُ الْبِنَاءِ وَالْمَنْقُولُ إذَا عَمِلَهُ فِي بَيْتِ رَبِّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: لَهُ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ.
فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرُ مُشْتَرَكٍ أَجِيرًا خَاصًّا كَالْخَيَّاطِ فِي دُكَّانٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا خَاصًّا فَيَسْتَقْبِلُ الْمُشْتَرَكُ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ، ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، فَخَرَقَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ: لَمْ يَضْمَنْهُ الْخَاصُّ، وَيَضْمَنُهُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ لِرَبِّهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ اسْتَعَانَ بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ. لِأَجْلِ ضَمَانِهِ، لَا لِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ. قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ.
قَوْلُهُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ وَلَا خَتَّانٍ وَلَا بَزَّاعٍ وَهُوَ الْبَيْطَارُ وَلَا طَبِيبٍ إذَا عُرِفَ مِنْهُمْ حِذْقُ الصَّنْعَةِ. وَلَمْ تَجْنِ أَيْدِيهِمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقُلْت: إنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَجِيرًا خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا فَلَهُ حُكْمُهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الرَّاعِي. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ مَاتَتْ طِفْلَةٌ مِنْ الْخِتَانِ فَدِيَتُهَا عَلَى عَاقِلَةِ خَاتِنِهَا. قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ رضي الله عنه.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: عَدَمَ الضَّمَانِ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَا غَيْرُ. وَقَالَ:
لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَأَنَّهُ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَلْقِ رُءُوسٍ يَوْمًا فَجَنَى عَلَيْهَا بِجِرَاحِهِ، لَا يَضْمَنُ، كَجِنَايَتِهِ فِي قِصَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ وَنِجَارَةٍ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ لَهُ حُكْمُهُ. إنْ كَانَ خَاصًّا فَلَهُ حُكْمُهُ. وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا فَلَهُ حُكْمُهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الرَّاعِي. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَفِي قَطْعِ سِلْعَةٍ وَنَحْوِهِ: إذْنُ الْمُكَلَّفِ أَوْ الْوَلِيِّ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ فِي الْهَدْيِ عَدَمَ الضَّمَانِ. قَالَ: لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَقَالَ: هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَبِيبًا، وَيُقَدِّرُ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ. لِأَنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ مَضْبُوطٍ. وَيُبَيِّنُ قَدْرَ مَا يَأْتِي لَهُ: هَلْ هُوَ مَرَّةٌ أَوْ أَكْثَرُ؟ وَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيرُ بِالْبُرْءِ عِنْدَ الْقَاضِي. وَجَوَّزَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ: لَكِنْ يَكُونُ جِعَالَةً لَا إجَارَةً. انْتَهَى. فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً يُكَحِّلُهُ أَوْ يُعَالِجُهُ فِيهَا، فَلَمْ يَبْرَأْ: اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ. وَإِنْ بَرِئَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ. وَكَذَا لَوْ مَاتَ. فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَرِيضُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْمَرَضِ اسْتَحَقَّ الطَّبِيبُ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. فَأَمَّا إنْ شَارَطَهُ عَلَى الْبُرْءِ، فَهِيَ جَعَالَةٌ. لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا حَتَّى يُوجَدَ الْبُرْءُ. وَلَهُ أَحْكَامُ الْجَعَالَةِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ اشْتِرَاطِ الْكُحْلِ عَلَى الطَّبِيبِ. وَيَدْخُلُ تَبَعًا كَنَقْعِ الْبِئْرِ.
قَوْلُهُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي إذَا لَمْ يَتَعَدَّ) بِلَا نِزَاعٍ.
فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ، مِثْلَ أَنْ يَنَامَ، أَوْ يَغْفُلَ عَنْهَا، أَوْ يَتْرُكَهَا تَتَبَاعَدُ عَنْهُ، أَوْ تَغِيبُ عَنْ نَظَرِهِ وَحِفْظِهِ، أَوْ يُسْرِفَ فِي ضَرْبِهَا، أَوْ يَضْرِبَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ، أَوْ يَسْلُكُ بِهَا مَوْضِعًا تَتَعَرَّضُ فِيهِ لِلتَّلَفِ. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَحْضَرَ الْجِلْدَ وَنَحْوَهُ، مُدَّعِيًا لِلْمَوْتِ: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِمَوْتِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا ادَّعَى مَوْتَ الْعَبْدِ الْمَأْجُورِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَرَضَهُ.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى مَاشِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَعَلَى جِنْسٍ فِي الذِّمَّةِ. فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُعَيَّنَةٍ تَعَلَّقَتْ الْإِجَارَةُ بِأَعْيَانِهَا. فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهَا. وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا تَلِفَ مِنْهَا. وَالنَّمَاءُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ كَأَصْلِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ سِخَالِهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ الْإِجَارَةُ بِأَعْيَانِهَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ عَقَدَ عَلَى مَوْصُوفِ الذِّمَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جِنْسِهِ، وَنَوْعِهِ، وَصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ، وَعَدَدِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ أَطْلَقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا: صَحَّ. وَيُحْمَلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. كَالْمِائَةِ مِنْ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: لَوْ وَقَعَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى رَعْيِ غَنْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ. كَانَ عَلَيْهِ رَعْيُ سِخَالِهَا. لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى مَا يَجْرِي الْعُرْفُ بِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْمُضَارَبَةِ: هَلْ يَجُوزُ رَعْيُهَا بِجُزْءٍ مِنْ صُوفِهَا وَغَيْرِهِ؟
قَوْلُهُ (وَإِذْ حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ عَلَى أُجْرَتِهِ، فَتَلِفَ: ضَمِنَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ صَبَغَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَبْسُهُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ رَبِّهِ، أَوْ قَصْرِهِ: فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْمَنْثُورِ: إنْ خَاطَهُ، أَوْ قَصَرَهُ وَعَزَلَهُ. فَتَلِفَ بِسَرِقَةٍ، أَوْ نَارٍ: فَمِنْ مَالِكِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ. لِأَنَّ الصَّنْعَةَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ. كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ. وَإِنْ أَفْلَسَ مُسْتَأْجِرُهُ، ثُمَّ جَاءَ بَائِعُهُ يَطْلُبُهُ. فَلِلصَّانِعِ حَبْسُهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ: خُيِّرَ مَالِكُهُ بَيْنَ تَضْمِينِهِ إيَّاهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ. وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ إيَّاهُ مَعْمُولًا. وَيَدْفَعُ إلَيْهِ أُجْرَتَهُ) . وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ. وَيُقَدَّمُ قَوْلُ رَبِّهِ فِي صِفَتِهِ مَعْمُولًا. ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَتَاعِ الْمَحْمُولِ. فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ إيَّاهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَفْسَدَهُ. وَيُعْطِيهِ الْأَجْرَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مَوْضِعَ تَلَفِهِ. وَلَهُ أُجْرَتُهُ إلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا: لَوْ عَمِلَهُ عَلَى غَيْرِ صِفَةِ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ غَزْلًا لِيَنْسِجَ لَهُ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ، فَيَنْسِجُهُ زَائِدًا فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَهُ الْمُسَمَّى إنْ زَادَ الطُّولُ وَحْدَهُ. وَلَمْ يَضُرَّ الْأَصْلُ وَإِنْ جَاءَ بِهِ زَائِدًا فِي الْعَرْضِ وَحْدَهُ، أَوْ فِيهِمَا. فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَمَّا إذَا جَاءَ بِهِ نَاقِصًا فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا. فَقِيلَ: لَا أُجْرَةَ لَهُ. وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْغَزْلِ. وَقِيلَ: لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الْمُسَمَّى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ إنْ جَاءَ بِهِ نَاقِصًا فِي الْعَرْضِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ جَاءَ بِهِ نَاقِصًا فِي الطُّولِ فَلَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى.
الثَّالِثَةُ: لَوْ دَفَعَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ خَطَأً ضَمِنَهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: يَضْمَنُ الْقَصَّارُ، وَلَا يَسَعُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ لُبْسُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ. وَيَرُدُّهُ إلَى الْقَصَّارِ. وَيُطَالِبُهُ بِثَوْبِهِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ حَتَّى قَطَعَهُ: غَرِمَ أَرْشَ الْقَطْعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَالسَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ، وَمَالَ إلَيْهِ. قَالَ: وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ حَمَلَ رِوَايَةَ ضَمَانِ الْقَصَّارِ: عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا، وَرِوَايَةَ عَدَمِ ضَمَانِهِ: عَلَى أَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ. وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. انْتَهَى. وَإِنْ تَلِفَ عِنْدَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ ضَمِنَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُهُ. كَعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا ضَرَبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ بِقَدْرِ الْعَادَةِ أَوْ كَبَحَهَا) أَيْ: جَذَبَهَا لِتَقِفَ (أَوْ الرَّائِضُ الدَّابَّةَ) وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُهَا السَّيْرَ (لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدِّيَاتِ " لَوْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، أَوْ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، أَوْ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ، أَوْ السُّلْطَانُ رَعِيَّتَهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ. فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ ". وَتَأْدِيبُ الصَّبِيِّ، وَالْمَرْأَةِ مَذْكُورٌ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَذِنْت لِي فِي تَفْصِيلِهِ قَبَاءً. قَالَ: بَلْ قَمِيصًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ. نَصَّ عَلَيْهِ) . لِئَلَّا يَغْرَمَ نَقْصَهُ مَجَّانًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِ رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَمْ أَرَهُ. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ لَا يَلْبَسُهُ الْمَالِكُ، أَوْ يَلْبَسُهُ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَقِيلَ: بِالتَّحَالُفِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا أُجْرَةَ لَهُ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ الثَّوْبُ يَكْفِينِي فَاقْطَعْهُ وَفَصِّلْهُ. فَقَالَ: يَكْفِيك فَفَصَّلَهُ. فَلَمْ يَكْفِهِ: ضَمِنَهُ.
وَلَوْ قَالَ: اُنْظُرْ. هَلْ يَكْفِينِي قَمِيصًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: اقْطَعْهُ. فَقَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ: لَمْ يَضْمَنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي.
الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى مَرَضَ الْعَبْدِ، أَوْ إبَاقَهُ، أَوْ شُرُودَ الدَّابَّةِ، أَوْ مَوْتَهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ أَوْ فِيهَا أَوْ تَلِفَ الْمَحْمُولُ: قَبْلَ قَوْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي إبَاقِ الْعَبْدِ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِيمَا إذَا ادَّعَى مَرَضَ الْعَبْدِ وَجَاءَ بِهِ صَحِيحًا وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَفِي التَّرْغِيبِ. فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ فِي الْمُدَّةِ: رِوَايَتَانِ مِنْ دَعْوَى رَاعٍ تَلَفَ الشَّاةِ وَاخْتَارَ فِي الْمُبْهِجِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى هَرَبِ الْعَبْدِ أَوَّلَ الْمُدَّةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: تُقْبَلُ، وَأَنَّ فِيهِ بَعْدَهَا رِوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا لَوْ أَحْضَرَ الْجِلْدَ مُدَّعِيًا الْمَوْتَ.
الثَّالِثَةُ: يَسْتَحِقُّ فِي الْمَحْمُولِ أُجْرَةَ حَمْلِهِ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ اخْتِلَافِهِمْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، كَالْبَيْعِ. كَقَوْلِهِ: أَجَّرْتُك سَنَةً بِدِينَارٍ. وَقَالَ: بَلْ سَنَتَيْنِ بِدِينَارَيْنِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَالُفِ: إنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ الْمَنْفَعَةَ. وَفِي أَثْنَائِهَا بِالْقِسْطِ. قَوْلُهُ (وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ. فَيَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ رِوَايَةٌ. يَعْنِي: بِعَدَمِ الْجَوَازِ.
فَائِدَةٌ:
تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ، أَوْ بِفَرَاغِ الْعَمَلِ الَّذِي بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ بِبَذْلِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَعَنْهُ: تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِهَا لِعُذْرٍ. وَمِثْلُهُ تَرْكُهُ تَتِمَّةَ عَمَلِهِ. وَفِيهِ فِي الِانْتِصَارِ كَقَوْلِ الْقَاضِي. انْتَهَى. وَلَهُ الطَّلَبُ بِالتَّسْلِيمِ. وَلَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ بَذَلَ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ، وَكَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهَا: اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا أَصَحُّ عِنْدِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا) . يَجُوزُ تَأْجِيلُ الْأُجْرَةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: يَجُوزُ تَأْجِيلُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ نَفْعًا فِي الذِّمَّةِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ أَيْضًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَكُونُ الْأُجْرَةُ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ مُؤَجَّلَةٍ، بَلْ ثَابِتَةً فِي الْحَالِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهَا. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْجِنَايَاتِ، فَقَالَ: الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ، بَلْ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ. وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ فِي الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ. وَقَدَّرَ لَهُ تَقْدِيرًا. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: خِلَافُ ذَلِكَ، كَالْمُصَنِّفِ هُنَا، وَالْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي ذَكَرَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَلِمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. فَنَقُولُ: السَّبَبُ وُجِدَ. وَالْوُجُوبُ مَحَلُّهُ انْتِهَاءُ الْأَجَلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَجَّلَهَا فَمَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ: لَمْ تَحِلَّ الْأُجْرَةُ. وَإِنْ قُلْنَا بِحُلُولِ الدَّيْنِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ حِلَّهَا مَعَ تَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ أَيْضًا: لَيْسَ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ تَعْجِيلُهَا كُلِّهَا إلَّا لِحَاجَةٍ. وَلَوْ شَرَطَهُ لَمْ يَجُزْ. لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ الْآنَ، كَمَا يُفَرِّقُونَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إذَا بِيعَتْ وَوُرِثَتْ. فَإِنَّ الْحِكْرَ مِنْ الِانْتِقَالِ، يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَالْوَارِثَ. وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ. وَتَرْكُهُ فِي أَصَحِّ قَوْلِهِمْ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَسَلَّمَهُ) . إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ مُلِكَتْ الْأُجْرَةُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا. لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهَا إلَّا بِفَرَاغِ الْعَمَلِ وَتَسْلِيمُهُ لِمَالِكِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: يَجِبُ دَفْعُ الْأُجْرَةِ إلَى الْأَجِيرِ إذَا شَرَعَ فِي الْعَمَلِ. لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ. فَهُوَ كَتَسْلِيمِ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَلَعَلَّهُ يَخُصُّ ذَلِكَ بِالْأَجِيرِ الْخَاصِّ. لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تَتْلَفُ تَحْتَ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَهُوَ شَبِيهٌ بِتَسْلِيمِ الْعَقَارِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ عِنْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ. فَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ. فَلَهُ أَجْرُ كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ تَمَامِهِ. وَحَمَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى الْعُرْفِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، كَاسْتِئْجَارِهِ كُلَّ
يَوْمٍ بِكَذَا. فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَجْرِ كُلِّ يَوْمٍ. فَتَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ فِيهِ. لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ بِالْعَمَلِ فِيمَا بَعْدَهُ. وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَنْتَهِي. فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ إعْطَائِهِ إلَى تَمَامِهَا، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ إذَا عَيَّنَ لِكُلِّ يَوْمٍ فِيهَا قِسْطًا مِنْ الْأُجْرَةِ، فَهِيَ إجَارَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ عَلَى الْعُرْفِ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ: مَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ، وَتَسْتَحِقُّ التَّسْلِيمَ. وَتَسْتَقِرُّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ.
فَائِدَةٌ: إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ رَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ يَدَهُ عَنْ الْمَأْجُورِ. وَلَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ. عَلَى الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهِ لَمْ يَضْمَنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ انْتَهَى دُونَ الْإِذْنِ فِي الْحِفْظِ. وَمُؤْنَتُهُ كَمُودَعٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِالطَّلَبِ، كَعَارِيَّةٍ، لَا مُؤْنَةِ الْعَيْنِ، وَقَالَ: أَوْمَأَ إلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ مَعَ الْقُدْرَةِ بِطَلَبِهِ. وَقِيلَ: مُطْلَقًا. وَيَضْمَنُهُ مَعَ إمْكَانِهِ. قَالَ: وَمُؤْنَتُهُ عَلَى رَبِّهِ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِالشَّرْطِ. وَيَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ مُؤْنَةُ الْبَهِيمَةِ عَادَةً مُدَّةَ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ. وَيَأْتِي حُكْمُ مُؤْنَةِ رَدِّهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَارِيَّةِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَفِي الْأَرْضِ غِرَاسٌ، أَوْ بِنَاءٌ لَمْ يُشْتَرَطْ قَلْعُهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا: خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ، أَوْ تَرْكِهِ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ الْقَلْعَ وَضَمَانَ النَّقْصِ، فَالْقَلْعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَخْذَهُ بِالْقِيمَةِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَزَادَ: كَمَا فِي عَارِيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: فَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا: لَمْ يَجُزْ التَّمَلُّكُ إلَّا بِشَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ رِضَى مُسْتَحِقِّ الرَّبْعِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَفَ مَا بَنَاهُ أَوْ لَا. مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا اسْتِئْجَارَ دَارٍ يَجْعَلُهَا مَسْجِدًا. فَإِنْ لَمْ تُتْرَكْ بِالْأُجْرَةِ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْوَقْفُ مُطْلَقًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِيمَنْ احْتَكَرَ أَرْضًا بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا، أَوْ بِنَاءً وَقَفَهُ عَلَيْهِ: مَتَى فَرَغَتْ الْمُدَّةُ وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ: زَالَ حُكْمُ الْوَقْفِ. وَأَخَذُوا أَرْضَهُمْ فَانْتَفَعُوا بِهَا. وَمَا دَامَ الْبِنَاءُ قَائِمًا فِيهَا فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَوَقْفِ عُلْوِ رَبْعٍ أَوْ دَارٍ مَسْجِدًا. فَإِنْ وَقَفَ عُلْوَ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ حَقُّ مُلَّاكِ السُّفْلِ. كَذَا وَقْفُ الْبِنَاءِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مُلَّاكِ الْأَرْضِ. وَذَكَرَ فِي الْفُنُونِ مَعْنَاهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَا يَسَعُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا لَمْ يَقْلَعْهُ الْمَالِكُ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو الْخَطَّابِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: فَلَعَلَّهُ جَعَلَ الْخِيَرَةَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ دُونَ مَالِكِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ. فَإِذَا اخْتَارَ الْمُسْتَأْجِرُ الْقَلْعَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ. صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا.
الثَّانِي: يَأْتِي فِي بَابِ الشُّفْعَةِ: كَيْفَ يُقَوَّمُ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ إذَا أُخِذَ مِنْ رَبِّهِ. بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَاسَمَ الْمُشْتَرِي وَكِيلَ الشَّفِيعِ ". فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ شَرَطَ فِي الْإِجَارَةِ بَقَاءَ الْغِرَاسِ. فَهُوَ كَإِطْلَاقِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: فَلَوْ حَكَمَ بِبَقَائِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ قَسْرًا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ: لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا.
الثَّانِيَةُ: لَوْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ، ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ: كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْأَخْذُ بِالْقِيمَةِ وَالْقَلْعُ، وَضَمَانُ النَّقْصِ، وَتَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ: لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ، وَلَا أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ. وَتَقَدَّمَ إذَا غَرَسَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، أَوْ بَنَى، ثُمَّ أُخِذَتْ الْأَرْضُ وَحُكْمُهُ فِي بَابِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا الْبَيْعُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا غَرَسَ فِيهِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بَنَى: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي الشُّرُوطِ فِي الرَّهْنِ، لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا أُجْرَةَ.
وَيَأْتِي فِي بَابِ الْغَصْبِ: إذَا غَرَسَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بَعْضَ أَحْكَامِ غَرْسِ الْغَاصِبِ. وَيَأْتِي أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا ثُمَّ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً " مُسْتَوْفٍ فِي الْمَكَانَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَوْ غَارَسَهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ وَالْغِرَاسَ بَيْنَهُمَا. فَلَهُ أَيْضًا تَبْقِيَتُهُ بِالْأُجْرَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِي الْفَاسِدِ وَجْهٌ كَغَصْبٍ. لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِهِ فِي الضَّمَانِ
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ قَلْعَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ غَرَامَةُ نَقْصِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ، وَلَا إصْلَاحُ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ: فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: بِنَفَقَتِهِ (أَوْ تَرْكِهِ بِالْأُجْرَةِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَقَلْعُهُ مَجَّانًا. انْتَهَى. فَهُوَ كَزَرْعِ الْغَاصِبِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قُلْهُ فِي الْقَوَاعِدِ. لَكِنْ لَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ قَلْعَ زَرْعِهِ فِي الْحَالِ، وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ: فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إلْزَامٍ لَهُ بِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَيْسَ بِجَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ: لَزِمَهُ تَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ) .
يَعْنِي: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لِمَا زَادَ. بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعٍ مُدَّةً لَا يَكْمُلُ فِيهَا، وَشَرَطَ قَلْعَهُ بَعْدَهَا: صَحَّ. وَإِنْ شَرَطَ بَقَاءَهُ لِيُدْرِكَ: فَسَدَتْ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا. وَإِنْ سَكَتَ فَسَدَتْ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فِي زَرْعٍ، ضَرَرُهُ كَضَرَرِ الزَّرْعِ الْمَشْرُوطِ أَوْ دُونَهُ: صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَهُوَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ زَرَعَ فِيمَا شُرِطَ بَقَاؤُهُ لِيُدْرِكَ: لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا سَكَتَ: لَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ بَاقٍ، فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعٍ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَقَالَ: وَقِيلَ: إنْ سَكَتَ: صَحَّ الْعَقْدُ. فَإِذَا فَرَغَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ بَاقٍ، فَهُوَ كَمُفَرِّطٍ. وَقِيلَ: لَا. انْتَهَى. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعٍ بَقَاؤُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا تَسَلَّمَ الْعَيْنَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. فَيَجِبُ أَنْ نَقُولَ مِثْلَهُ فِي الْإِجَارَةِ. وَعَلَى أَنَّ الْقَصْدَ فِيهَا الْعِوَضُ. فَاعْتِبَارُهَا فِي الْأَعْيَانِ أَوْلَى.
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَلْ يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، أَمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ إذَا لَمْ يَتَسَلَّمْهَا وَلَوْ بَذَلَهَا لَهُ الْمَالِكُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلَا خِلَافَ فِيهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ اكْتَرَى بِدَرَاهِمَ، وَأَعْطَاهُ عَنْهَا دَنَانِيرَ، ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ: رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمِ) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ.