الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]
ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ الْأَرْضُ الدَّاثِرَةُ الَّتِي لَا يُعْلَمُ أَنَّهَا مُلِكَتْ) . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ " الْمَوَاتُ مِنْ الْأَرْضِ هِيَ الَّتِي لَمْ تُسْتَخْرَجْ وَلَمْ تُعْمَرْ ". قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَظَاهِرُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ: تَعْرِيفُ " الْمَوَاتِ " بِمَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ: الِانْدِرَاسُ، وَانْتِفَاءُ الْعِلْمِ، تَحْصِيلًا لِلْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّهُ الَّذِي لَمْ يُسْتَخْرَجْ، وَلَمْ يُعْمَرْ. وَعَلَيْهِ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ. قَالَ: وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَالُوا لَكَانَ أَوْلَى وَأَبْيَنَ. فَإِنَّ الدُّثُورَ يَقْتَضِي حُدُوثَ الْعُطَلِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، حَيْثُ قَالُوا: قَدِمَ وَدَرَسَ. وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ عِمَارَةٍ. وَهُوَ مَنَافٍ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمِلْكِ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالدَّائِرَةِ: الَّتِي لَمْ تُسْتَخْرَجْ وَلَمْ تُعْمَرْ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ إيرَادِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ " فَإِنْ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْمِلْكِ ". فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَصْفُ " انْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمِلْكِ " تَعْرِيفًا لِمَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ مِنْ الْمَوَاتِ، لَا لِمَاهِيَّةِ الْمَوَاتِ. وَذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ. ثُمَّ مَا يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ، لَا يَكْفِي فِيهِ مَا قَالَ. فَإِنَّ حَرِيمَ الْعَامِرِ، وَمَا كَانَ حِمًى أَوْ مُصَلًّى: لَا يَمْلِكُ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. وَيَرِدُ أَيْضًا عَلَى مَا قَالَ: مَا عُلِمَ مِلْكُهُ لِغَيْرِ مَعْصُومٍ. فَإِنَّهُ جَائِزُ الْإِحْيَاءِ. قَالَ: وَالْأَضْبَطُ فِي هَذَا: مَا قِيلَ " الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ، وَمِلْكُ الْمَعْصُومِ " فَيَدْخُلُ كُلُّ مَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَيَخْرُجُ كُلُّ مَا لَا يُمْلَكُ بِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْمِلْكِ وَلَا يُعْلَمُ لَهَا مَالِكٌ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إنْ كَانَ الْمَوَاتُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ: مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ بِلَا خِلَافٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ مِرَارًا. وَإِنْ عُلِمَ لَهُ مَالِكٌ بِشِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَالْمَالِكُ مَوْجُودٌ هُوَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ:
لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ بِلَا خِلَافٍ، بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ. حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ كَانَ قَدْ مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ، ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى دَثَرَ وَعَادَ مَوَاتًا: فَهَذَا أَيْضًا لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَذَلِكَ، إذَا كَانَ لِمَعْصُومٍ. وَإِنْ عُلِمَ مِلْكُهُ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ، فَإِذَا أَحْيَاهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَانْدَرَسَ: كَانَ كَمَوَاتٍ أَصْلِيٍّ. يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ نُصُوصِهِ. وَإِنْ كَانَ لَا يُعْلَمُ لَهُ مَالِكٌ. فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا أَثَّرَ الْمِلْكُ فِيهِ غَيْرُ جَاهِلِيٍّ، كَالْقُرَى الْخَرِبَةِ، الَّتِي ذَهَبَتْ أَنْهَارُهَا، وَدُرِسَتْ آثَارُهَا. وَقَدْ شَمَلَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. فَفِي مِلْكِهَا بِالْإِحْيَاءِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ.
إحْدَاهُمَا: لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقُوا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ. كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا
تَنْبِيهٌ: لَفْظُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْخِلَافِ فِي الْمُنْدَرِسِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَبِدَارِ الْحَرْبِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ، فَالصَّحِيحُ: الْمَنْعُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ. بِخِلَافِ دَارِ الْحَرْبِ. فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِيهِ الْجَوَازُ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ سِوَاهُ.
قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَتُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ قَرْيَةٌ خَرَابٌ، لَمْ يَمْلِكْهَا مَعْصُومٌ. وَإِذَا قِيلَ بِالْمَنْعِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ: كَانَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ: الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا أَثَّرَ الْمِلْكُ فِيهِ جَاهِلِيٌّ قَدِيمٌ كَدِيَارِ عَادٍ، وَمَسَاكِنِ ثَمُودَ، وَآثَارِ الرُّومِ وَقَدْ شَمَلَهَا أَيْضًا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَكَذَا كَلَامُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ خِلَافًا فِي جَوَازِ إحْيَائِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله وَأَصْحَابَهُ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي الْبِئْرِ الْعَادِيَةِ. وَهُوَ نَصٌّ مِنْهُ فِي خُصُوصِ النَّوْعِ. وَصَحَّحَ الْمِلْكَ فِيهِ بِالْإِحْيَاءِ: صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا أَثَرَ فِيهِ جَاهِلِيٌّ قَرِيبٌ. وَقَدْ شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُمْلَكُ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا تَرَدَّدَ فِي جَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالُوا: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَدَمُ الْجَوَازِ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ مَلَكَهَا مَنْ لَهُ حُرْمَةٌ، أَوْ مَنْ يُشَكُّ فِيهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ: لَمْ يَمْلِكْ بِالْإِحْيَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهَا فَيْءٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ. انْتَهَى.
وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: مُلِكَتْ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ. وَعَنْهُ تُمْلَكُ مَعَ الشَّكِّ فِي سَابِقِ الْعِصْمَةِ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ عُلِمَ مَالِكُهَا، وَلَكِنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يُعْقِبْ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَعَنْهُ تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا لِمَنْ شَاءَ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً: فَهِيَ لَهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ، فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا، إلَّا مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ فِي أَرْضِ الْكُفَّارِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَيْهَا. وَمَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ، وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ: لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ) . ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: مَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ. فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ.
الثَّانِيَةُ: مَا أَحْيَاهُ الْكُفَّارُ، وَهُمْ صِنْفَانِ: صِنْفٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ، فَيَمْلِكُونَ مَا أَحْيَوْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. لَكِنْ حَمَلَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ ذَلِكَ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَى الْمَنْعِ مِنْهُمْ: ابْنُ حَامِدٍ أَخْذًا مِنْ امْتِنَاعِ شُفْعَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَرُدَّ. وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَذْهَبِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يَمْلِكُهُ الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الشِّرْكِ. وَفِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجْهَانِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ: إنْ أَحْيَا عَنْوَةً: لَزِمَهُ عَنْهُ الْخَرَاجُ. وَإِنْ أَحْيَا غَيْرُهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ. عَلَيْهِ عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ. وَالصِّنْفُ الثَّانِي: أَهْلُ حَرْبٍ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ جَمَاعَةٍ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.
قُلْت: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ. لِأَنَّ الْأَحْكَامَ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ. لَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ: كَوْنُ الْمَسْأَلَةِ ذَاتُ خِلَافٍ. فَيَكُونُ الظَّاهِرُ مُوَافِقًا لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَيَرِدُ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَحْكِ فِي كُتُبِهِ خِلَافًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْكَافِرُ عَلَى إطْلَاقِهِ صَحِيحٌ فِي أَرَاضِيِ الْكُفَّارِ. لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.
الثَّالِثَةُ: إنْ كَانَ الْإِحْيَاءُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ: فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ: مَلَكَهُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. فَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُهُ فِي ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُبْهِجِ، وَرِوَايَةٌ فِي الْإِقْنَاعِ، وَالْوَاضِحِ.
الرَّابِعَةُ: مَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُ مِنْ أَرْضِ الْكُفَّارِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ فَهَذِهِ لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: أَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَغَيْرِهَا.
الْخَامِسَةُ: مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ، وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ كَطُرُقِهِ وَفِنَائِهِ، وَمَسِيلِ مَائِهِ، وَمَطْرَحِ قُمَامَتِهِ، وَمُلْقَى تُرَابِهِ وَآلَاتِهِ، وَمَرْعَاهُ، وَمُحْتَطِبِهِ، وَحَرِيمِهِ وَالْبِئْرِ وَالنَّهْرِ، وَمُرْتَكَضِ الْخَيْلِ، وَمَدْفِنِ الْأَمْوَاتِ، وَمُنَاخِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا. فَهَذَا لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَلَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ. لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ. وَقِيلَ: لِمِلْكِهِ لَهُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا " أَنَّ مَوَاتَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ كَغَيْرِهِ. هُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَقْوَى. وَعَنْهُ: لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ لَكِنْ تُقَرُّ بِيَدِهِ بِخَرَاجِهَا كَمَا لَوْ أَحْيَاهَا ذِمِّيٌّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: وَبِهِ أَقُولُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: إنْ أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ. وَعَنْهُ: عَلَى ذِمِّيٍّ أَحْيَا غَيْرَ عَنْوَةٍ: عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ. وَقِيلَ: لَا مَوَاتَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى عَامِرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ لَا مَوَاتَ فِي عَامِرِ السَّوَادِ. وَقِيلَ: وَلَا غَامِرِهِ.
فَائِدَةٌ: هَلْ يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ مَوَاتَ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ بِإِحْيَائِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالْإِحْيَاءِ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قَالَ: هَذَا الْحَقُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا: يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُهُ بِإِحْيَائِهِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْعَامِرِ دُونَ غَيْرِهِ.
فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: حُكْمُ إقْطَاعِ ذَلِكَ حُكْمُ إحْيَائِهِ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ اخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيقِ وَقْتَ الْإِحْيَاءِ: جُعِلَتْ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ.
لِلْخَبَرِ. وَلَا تُغَيَّرُ بَعْدَ وَضْعِهَا. وَإِنْ زَادَتْ عَلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ بَطَّةَ أَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي أَرْبَابِ مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادُوا قِسْمَتَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ حَاجَتِهِمْ. قُلْت: قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله " لَا بَأْسَ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ " عَنَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله مِنْ الضَّرَرِ بِالطَّرِيقِ: مَا وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ السَّبْعِ الْأَذْرُعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبِنَاءُ إذَا فَضَلَ مِنْ الطَّرِيقِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» فِي أَرْضٍ مَمْلُوكٍ لِقَوْمٍ أَرَادُوا الْبِنَاءَ، وَتَشَاحُّوا فِي مِقْدَارِ مَا يَتْرُكُونَهُ مِنْهَا لِلطَّرِيقِ. وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَالْأَصْحَابُ. وَأَنْكَرُوا جَوَازَ تَضْيِيقِ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ إلَى أَنْ يَبْقَى سَبْعَةُ أَذْرُعٍ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ.
الثَّالِثَةُ: إذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةٍ: فَلَهَا حُكْمُ الْمَوَاتِ. لِكُلِّ أَحَدٍ إحْيَاؤُهَا، بَعُدَتْ أَوْ قَرُبَتْ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
الرَّابِعَةُ: مَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْلَاكِ وَاسْتَبْحَرَ: بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهِ. لَهُمْ أَخْذُهُ إذَا نَضَبَ عَنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُمْلَكُ مَا نَضَبَ مَاؤُهُ وَفِيهِ رِوَايَةٌ.
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَا تُمْلَكُ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ) . كَالْمِلْحِ وَالْقَارِ: وَالنِّفْطِ وَالْكُحْلِ، وَالْجَصِّ، كَذَلِكَ الْمَاءُ وَالْكِبْرِيتُ، وَالْمُومْيَا، وَالْبِرَامُ، وَالْيَاقُوتُ، وَمَقَاطِعُ الطِّينِ وَنَحْوُهُ: أَنَّ الْمَعَادِنَ الْبَاطِنَةَ تُمْلَكُ. وَهُوَ وَجْهٌ وَاحْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. فَلَا تُمْلَكُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُمْلَكُ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ إقْطَاعُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.
فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً: حُكْمُ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ الْأَصْلِ.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ عَنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ " وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ " أَنَّ لِلْإِمَامِ إقْطَاعَ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ أَدِلَّةَ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا قَاطِعٌ فِي الْجَوَازِ. فَالْقَوْلُ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ هَدَاهُمْ اللَّهُ إلَى الصَّوَابِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَجُوزُ إقْطَاعُ مَالًا يُمْلَكُ مِنْ الْمَعَادِنِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ: يَجُوزُ. فَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ إدْخَالُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ فِي اخْتِيَارِ الشَّيْخِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ، كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَكَذَا قَالَ الْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا.
تَنْبِيهٌ: مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ رحمهم الله مِنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ: بِالْمِلْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ. فَإِنَّ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ وَحَفْرٍ. وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِنِ. وَالصَّوَابُ: أَنَّ الْمَائِيَّ مِنْهُ مِنْ الظَّاهِرِ. كَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْجَبَلِ، وَمَا احْتَاجَ إلَى كَشْفٍ يَسِيرٍ. وَأَمَّا الْمُحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ وَالْحَفْرِ: فَمِنْ قَبِيلِ الْبَاطِنِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ مَوْضِعٌ إذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا: مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ مَلَكَ الْمُحْيِي مَلَكَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ كَمَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) . إذَا مَلَكَ الْأَرْضَ بِالْإِحْيَاءِ مَلَكهَا بِمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ الْمَعَادِنِ، ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا لَا تَفِي بِذَلِكَ. فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ فِي مَوْضِعِ الْجَامِدِ
عَلَى لَفْظِ " الْبَاطِنِ " وَهِيَ عِبَارَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. وَفِي الْإِيرَادِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِيهِ، وَهُوَ جَعْلُ الْجَارِي قَسِيمًا لِلْبَاطِنِ. وَيَحْتَمِلُ إرَادَةَ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ مِمَّا هُوَ جَامِدٌ لَا يَدْخُلُ فِي الْمِلْكِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ، أَوْ مَعْدِنٌ جَارٍ، أَوْ كَلَأٌ، أَوْ شَجَرٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إذَا ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ.
إحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمْ. هَذِهِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَصَحُّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعَنْهُ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ لَا يَمْلِكُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَكْثَرُ النُّصُوصِ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَإِذَا ظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ جَارٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَهَلْ يَمْلِكُ بِذَلِكَ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَأْخُوذَتَانِ مِنْ رِوَايَتَيْ مِلْكِ الْمَاءِ. وَلِهَذَا صَحَّحُوا عَدَمَ الْمِلْكِ هُنَا لِأَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ هُنَاكَ. انْتَهَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي عَدَمَ مِلْكِهِ بِذَلِكَ وَصَحَّحَهُ مَنْ صَحَّحَهُ فِي عَدَمِ الْمِلْكِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: يَمْلِكُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْمَنْصُوصُ. فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ. وَإِنْ ظَهَرَ كَلَأٌ أَوْ شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ.
إحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِهِ الْكَبِيرِ. وَلَمْ يُورِدْ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ سِوَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ:
يَمْلِكُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ: لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ) هَذَا الصَّحِيحُ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَجِدَ الْبَهَائِمُ مَاءً مُبَاحًا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِذَلِكَ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَجَمَاعَةٌ: اتِّصَالَهُ بِالْمَرْعَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ: عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَبِذَلِكَ مَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ لُزُومًا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ.
إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالدُّخُولِ، أَوْ لَهُ فِيهِ مَاءُ السَّمَاءِ، فَيَخَافُ عَطَشًا. فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ، وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ مَاءٍ يَمْنَعُ بِهِ الْكَلَأَ. لِلْخَبَرِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ: هَذَا الصَّحِيحُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُكْرَهُ مَنْعُهُ فَضْلَ مَائِهِ لِيَسْقِ بِهِ. لِلْخَبَرِ.
فَوَائِدُ: الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ: جَازَ لَهُ بَيْعُهُ بِكَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ. وَيَحْرُمُ بَيْعُهُ مُقَدَّرًا بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. خِلَافًا لِمَالِكٍ: وَيَحْرُمُ أَيْضًا بَيْعُهُ مُقَدَّرًا بِالرَّيِّ، أَوْ جُزَافًا. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِنْ بَاعَ آصُعًا مَعْلُومَةً مِنْ سَائِحٍ: جَازَ كَمَاءِ عَيْنٍ. لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، إنْ بَاعَ كُلَّ الْمَاءِ: لَمْ يَجُزْ. لِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا حَفَرَ بِئْرًا بِمَوَاتٍ لِلسَّابِلَةِ، فَالنَّاسُ مُشْتَرِكُونَ فِي مَائِهَا، وَالْحَافِرُ كَأَحَدِهِمْ فِي السَّقْيِ، وَالزَّرْعِ، وَالشُّرْبِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَمَعَ الضِّيقِ يُقَدَّمُ الْآدَمِيُّ.
ثُمَّ الْحَيَوَانُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. ثُمَّ زَادَ فِي الْفَائِقِ: ثُمَّ الزَّرْعُ. وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَعَ الضِّيقِ لِلْحَيَوَانِ، وَمَعَ الضِّيقِ لِلْآدَمِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ مَغْلُوطَةٌ. الثَّالِثَةُ: لَوْ حَفَرَهَا ارْتِفَاقًا كَحَفْرِ السُّفَارَةِ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ، وَكَالْأَعْرَابِ وَالتُّرْكُمَانِ يَنْتَجِعُونَ أَرْضًا فَيَحْتَفِرُونَ لِشُرْبِهِمْ، وَشُرْبِ دَوَابِّهِمْ فَالْبِئْرُ مِلْكٌ لَهُمْ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَمَاعَةٌ: لَا يَمْلِكُونَهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهُمْ أَحَقُّ بِمَائِهَا مَا أَقَامُوا. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَعَلَيْهِمْ بَذْلُ الْفَاضِلِ لِشَارِبِهِ فَقَطْ. وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَبَعْدَ رَحِيلِهِمْ تَكُونُ سَابِلَةً لِلْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَفِقُونَ إلَيْهَا، فَهَلْ يَخْتَصُّونَ بِهَا، أَمْ هُمْ كَغَيْرِهِمْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَالْفُرُوعِ.
أَحَدُهُمَا: هُمْ كَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ قَالَ السَّامِرِيُّ: رَأَيْت بِخَطِّ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، قَالَ: مَحْفُوظٌ يَعْنِي: نَفْسَهُ الصَّحِيحُ: أَنَّهُمْ إذَا عَادُوا كَانُوا أَحَقَّ بِهِ. لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ بِالْإِحْيَاءِ. وَعَادَتُهُمْ أَنْ يَرْحَلُوا فِي كُلِّ سَنَةٍ، ثُمَّ يَعُودُونَ. فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُمْ عَنْهَا بِالرَّحِيلِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَهُوَ أَوْلَى بِهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ حَفَرَ تَمَلُّكًا، أَوْ بِمِلْكِهِ الْحَيَّ: فَنَفْسُ الْبِئْرِ مِلْكٌ لَهُ. جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَلَكَهَا فِي الْأَقْيَسِ. قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ احْتَاجَتْ طَيًّا: مَلَكَهَا بَعْدَهُ. وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ هُوَ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَإِنْ حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ تَمَلَّكَهَا: فَمَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ، فَهُوَ كَالشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ. وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ، إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى طَيٍّ، فَتَمَامُ الْإِحْيَاءِ بِطَيِّهَا. انْتَهَيَا وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَمْلِكُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا أَمْ لَا؟ .
قَوْلُهُ (وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ: أَنْ يَحُوزَهَا بِحَائِطٍ، أَوْ يُجْرِيَ لَهَا مَاءً، أَوْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا) . مُرَادُهُ بِالْحَائِطِ: أَنْ يَكُونَ مَنِيعًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِلْبِنَاءِ، أَوْ لِلزَّرْعِ، أَوْ حَظِيرَةٍ لِلْغَنَمِ وَالْخَشَبِ، وَنَحْوِهِمَا. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إحْيَاءُ الْأَرْضِ: مَا عُدَّ إحْيَاءً. وَهُوَ عِمَارَتُهَا بِمَا تَتَهَيَّأُ بِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ إجْرَاءِ مَاءٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرُهُمْ. وَعَلَى هَذَا قَالُوا: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ غَرَضِ الْمُحْيِي مِنْ مَسْكَنٍ وَحَظِيرَةٍ وَغَيْرِهِمَا. فَإِنْ كَانَ مَسْكَنًا: اُعْتُبِرَ بِنَاءُ حَائِطٍ مِمَّا هُوَ مُعْتَادٌ، وَأَنْ يُسَقِّفَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَزْرَعَهَا وَيَسْقِيَهَا، وَلَا أَنْ
يُفَصِّلَهَا تَفْصِيلَ الزَّرْعِ، وَيَحُوطَهَا مِنْ التُّرَابِ بِحَاجِزٍ، وَلَا أَنْ يُقَسِّمَ الْبُيُوتَ إذَا كَانَتْ لِلسُّكْنَى، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَشْهَرِهِمَا. وَالْأُخْرَى: يُشْتَرَطُ جَمِيعُ ذَلِكَ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْقِيفِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَا يُعْتَبَرُ فِي إحْيَاءِ الْأَرْضِ لِلسُّكْنَى نَصْبُ الْأَبْوَابِ عَلَى الْبُيُوتِ. وَقِيلَ: مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ كَالسَّقْيِ، وَالْحَرْثِ فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَمَا لَا يَتَكَرَّرُ فَهُوَ إحْيَاءٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يُورِدْ فِي الْمُغْنِي خِلَافَهُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " أَوْ يُجْرِيَ لَهَا مَاءً " يَعْنِي إحْيَاءَ الْأَرْضِ: أَنْ يُجْرِيَ لَهَا مَاءً، إنْ كَانَتْ لَا تُزْرَعُ إلَّا بِالْمَاءِ. وَيَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ أَيْضًا بِالْغِرَاسِ وَيَمْلِكُهَا بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَمْلِكُهُ بِغَرْسٍ وَإِجْرَاءِ مَاءٍ. نَصَّ عَلَيْهِمَا.
فَائِدَةٌ: فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا إلَّا بِحَبْسِ الْمَاءِ عَنْهَا كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ وَنَحْوِهَا فَإِحْيَاؤُهَا بِسَدِّ الْمَاءِ عَنْهَا، وَجَعْلِهَا بِحَالٍ يُمْكِنُ زَرْعُهَا. وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، مِمَّنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ. وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُجَرَّدِ الْحَرْثِ، وَالزَّرْعِ. وَقِيلَ: لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: فَإِنْ كَرَبَ حَوْلَهَا؟ قَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ حَتَّى يُحِيطَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا عَادِيَةً: مَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادِيَةً، فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا) .
يَعْنِي مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِيهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ نَاظِمُهَا:
بِحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوَاتٍ يَمْلِكُ
…
حَرِيمَهَا مَعَهَا بِذَرْعٍ يَسْلُكُ
فَخَمْسَةٌ تُمْلَكُ وَالْعِشْرُونَ
…
وَإِنْ تَكُنْ عَادِيَةً خَمْسُونَ
وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ فِي التَّقْدِيرِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ غَلَطٌ. قَالَ. وَلَوْ تَأَمَّلُوا النَّصَّ بِكَمَالِهِ مِنْ مَسَائِلِ حَرْبٍ، وَالْخَلَّالِ: لَمَا قَالُوا ذَلِكَ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: حَرِيمُهَا قَدْرُ مَدِّ رِشَائِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَذَكَرَ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْقَاضِي هُنَا مَا حَكَيْنَاهُ فِي الْمُجَرَّدِ الْآتِي الْمُوَافِقِ لِاخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقِيلَ: قَدْرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَرْقِيَةِ مَائِهَا.
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَيْسَ هَذَا الذَّرْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ، بَلْ حَرِيمُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ: مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ تَرْقِيَةِ مَائِهَا مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ بِدُولَابٍ: فَقَدْرُ مَدَارِ الثَّوْرِ، أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ بِسَاقِيَةٍ: فَقَدْرُ طُولِ الْبِئْرِ. وَإِنْ كَانَ يَسْتَقِي مِنْهَا بِيَدِهِ: فَقَدْرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُوَافِقُ عِنْدَهَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَقِيلَ: إنْ كَانَ قَدْرُ الْحَاجَةِ أَكْثَرَ: فَهُوَ حَرِيمُهَا.
وَإِنْ كَانَ التَّحْدِيدُ الْمَذْكُورُ أَكْثَرَ: فَهُوَ حَرِيمُهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ. وَعِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ: إنْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ: فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً: فَخَمْسُونَ ذِرَاعًا.
فَائِدَةٌ: الْبِئْرُ الْعَادِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هِيَ الْقَدِيمَةُ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. مَنْسُوبَةً إلَى عَادٍ. وَلَمْ يَرِدْ " عَادًا " بِعَيْنِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ " عَادٌ " فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ لَهَا آبَارٌ فِي الْأَرْضِ: نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله، الْعَادِيَّةُ: هِيَ الَّتِي أُعِيدَتْ. وَنَقَلَ حَرْبٌ، وَغَيْرُهُ: الْعَادِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَمْ تَزَلْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُولُهُ. لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ.
فَوَائِدُ: مِنْهَا: حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةٍ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ: قَدْرُ الْحَاجَةِ، وَلَوْ كَانَ أَلْفَ ذِرَاعٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ.
وَمِنْهَا: حَرِيمُ النَّهْرِ مِنْ جَانِبَيْهِ: مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِطَرْحِ كِرَايَتِهِ، وَطَرِيقِ شَاوِيهِ، وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ لِغَيْرِهِ: ارْتَفَقَ بِهَا فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً. وَلَهُ عَمَلُ أَحْجَارِ طَحْنٍ عَلَى النَّهْرِ، وَنَحْوِهِ، وَمَوْضِعُ غَرْسٍ، وَزَرْعٍ، وَنَحْوُهُمَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَمَنْ حَفَرَ عَيْنًا: مَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَقِيلَ: بَلْ قَدْرُ الْحَاجَةِ. قُلْت: وَكَذَا النَّهْرُ. وَقِيلَ: بَلْ مَا يَحْتَاجُهُ لِتَنْظِيفِهِ. انْتَهَى.
وَمِنْهَا: حَرِيمُ الْقَنَاةِ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ كَحَرِيمِ الْعَيْنِ، خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ: وَاعْتَبَرَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بِحَرِيمِ النَّهْرِ.
وَمِنْهَا: حَرِيمُ الشَّجَرِ قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.
وَمِنْهَا: حَرِيمُ الْأَرْضِ الَّتِي لِلزَّرْعِ: مَا يَحْتَاجُهُ فِي سَقْيِهَا، وَرَبْطِ دَوَابِّهَا، وَطَرْحِ سَبْخِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَحَرِيمُ الدَّارِ مِنْ مَوَاتٍ حَوْلَهَا: مَطْرَحُ التُّرَابِ، وَالْكُنَاسَةِ وَالثَّلْجِ، وَمَاءِ الْمِيزَابِ، وَالْمَمَرِّ إلَى الْبَابِ. وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكِ الْغَيْرِ. وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِلْكِهِ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ، عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ عُرْفًا. فَإِنْ تَعَدَّى: مُنِعَ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَابَعَهُ: إنْ سَبَقَ إلَى شَجَرٍ مُبَاحٍ كَالزَّيْتُونِ، وَالْخَرُّوبِ فَسَقَاهُ وَأَصْلَحَهُ. فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ. فَإِنْ طَعِمَهُ: مَلَكَهُ. وَحَرِيمُهُ: تَهَيُّؤُهُ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي عَمَلِهِ فِي مَعْدِنِهِ، وَالْخَارِجُ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ: صَحَّ لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله " بِعْهُ بِكَذَا. فَمَا زَادَ فَلَكَ ". وَقَالَ الْمَجْدُ: فِيهِ نَظَرٌ. لِكَوْنِهِ هِبَةَ مَجْهُولٍ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَلْفًا مِمَّا لَقِيَ، أَوْ مُنَاصَفَةً، فَالْبَقِيَّةُ لَهُ؟ فَنَقَلَ حَرْبٌ: أَنَّهُ لَمْ يُرَخَّصْ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَلَمْ يُورِدْ سِوَاهُ. وَذُكِرَ فِيهِ نَصٌّ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله إذَا قَالَ: صِفْ لِي هَذَا الزَّرْعَ، عَلَى أَنَّ لَك ثُلُثَهُ، أَوْ رُبُعَهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ. انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا لَمْ يَمْلِكْهُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: عَدَمُ الِاسْتِقْلَالِ. انْتَهَى. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله رِوَايَةُ: أَنَّهُ مَا أَفَادَهُ الْمِلْكُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَوَارِثُهُ بَعْدَهُ وَمَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ) . هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ قَدْ يُرَادُ بِهِ: إفَادَةُ التَّحَجُّرِ لِلْمِلْكِ. وَقَدْ يُرَادُ بِهِ: الْجَوَازُ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إيرَادِ الْكِتَابِ، وَإِيرَادِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ. قَالَ: وَالتَّجْوِيزُ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ مُشْكِلٌ جِدًّا. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
فَائِدَةٌ: تَحَجُّرُ الْمَوَاتِ: هُوَ الشُّرُوعُ فِي إحْيَائِهِ، مِثْلَ أَنْ يُدِيرَ حَوْلَ الْأَرْضِ تُرَابًا أَوْ أَحْجَارًا، أَوْ يُحِيطَهَا بِجِدَارٍ صَغِيرٍ، أَوْ يَحْفِرَ بِئْرًا لَمْ يَصِلْ إلَى مَائِهَا. نَقَلَهُ حَرْبٌ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. أَوْ يَسْقِيَ شَجَرًا مُبَاحًا، وَيُصْلِحَهُ وَلَمْ يُرَكِّبْهُ. فَإِنْ رَكَّبَهُ مَلَكَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَلَكَ حَرِيمَهُ وَكَذَا لَوْ قَطَعَ مَوَاتًا لَمْ يَمْلِكْهُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ إحْيَاءَهُ) . يَعْنِي وَطَالَتْ الْمُدَّةُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرُهُمْ. فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ أَوْ تَتْرُكَهُ. فَإِنْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ: أُمْهِلَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ. وَهَكَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: وَيُمْهَلُ شَهْرَيْنِ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةً.
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةٌ: أُمْهِلَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيُمْهَلُ مُدَّةً قَرِيبَةً بِسُؤَالِهِ. انْتَهَى. قُلْت: فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قَالَ: وَتَقْدِيرُ مُدَّةِ الْإِمْهَالِ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، مِنْ الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، بِحَسَبِ الْحَالِ. قَالَ: وَالثَّلَاثَةُ انْفَرَدَ بِهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. كَأَنَّهُ مَا رَاجَعَ الْمُسْتَوْعِبَ وَالشَّرْحَ.
تَنْبِيهٌ: فَائِدَةُ الْإِمْهَالِ: انْقِطَاعُ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَى التَّرْكِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ، قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تُعَمِّرَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ يَدَك. فَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا كَانَ لِغَيْرِهِ عِمَارَتُهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِمْهَالِ مَخْصُوصٌ بِحَالَةِ الْعُذْرِ، أَوْ الِاعْتِذَارِ. أَمَّا إنْ عُلِمَ انْتِفَاءُ الْعُذْرِ فَلَا مُهْلَةَ. قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْحَالِ بِوُجُودِ مُتَشَوِّفٍ إلَى الْإِحْيَاءِ. أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ: فَلَا اعْتِرَاضَ، سِوَى تَرْكٍ لِعُذْرٍ أَوْ لَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْيَاهُ غَيْرُهُ. فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي لَوْ بَادَرَ غَيْرُهُ فِي مُدَّةِ الْإِمْهَالِ، وَأَحْيَاهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَارِثِيِّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.
إحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُهُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمْلِكُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ بَعِيدٌ
فَائِدَتَانِ: الْأُولَى: لَوْ أَحْيَاهُ غَيْرُهُ قَبْلَ ضَرْبِ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ: لَمْ يَمْلِكْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: حُكْمُ الْإِحْيَاءِ قَبْلَ ضَرْبِ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ حُكْمُ الْإِحْيَاءِ فِي مُدَّةِ الْمُهْلَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا إذَا أَحْيَاهُ الْغَيْرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُهْلَةِ: فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي نُزُولِهِ عَنْ وَظِيفَتِهِ لِزَيْدٍ. هَلْ يَتَقَرَّرُ غَيْرُهُ فِيهَا؟ . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِيمَنْ نُزِلَ لَهُ عَنْ وَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَنْزُولُ لَهُ. وَيُوَلِّي مَنْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ شَرْعًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ: لَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْمَنْزُولِ لَهُ. فَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْهُ الْحَاكِمُ، وَإِلَّا فَالْوَظِيفَةُ بَاقِيَةٌ لِلنَّازِلِ. انْتَهَى. قُلْت: وَقَرِيبٌ مِنْهُ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا آثَرَ شَخْصًا بِمَكَانِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْبِقَهُ إلَيْهِ. لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْجَالِسِ فِي اسْتِحْقَاقِ مَكَانِهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا. ثُمَّ آثَرَ بِهِ غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ. لِأَنَّ الْقَائِمَ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْقِيَامِ. فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. فَكَانَ السَّابِقُ إلَيْهِ أَحَقَّ بِهِ. كَمَنْ وَسَّعَ لِرَجُلٍ فِي طَرِيقٍ فَمَرَّ غَيْرُهُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَيُفَارِقُ التَّوْسِعَةَ فِي الطَّرِيقِ، لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا كَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَكَان فِيهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ حَتَّى يُؤْثِرَ بِهِ، وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ. وَلِذَلِكَ
لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ إذَا انْتَقَلَ لِحَاجَةٍ. وَهَذَا إنَّمَا انْتَقَلَ مُؤْثِرًا لِغَيْرِهِ. فَأَشْبَهَ النَّائِبَ الَّذِي بَعَثَهُ إنْسَانٌ لِيَجْلِسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله إلَّا إذَا كَانَ الْمَنْزُولُ لَهُ أَهْلًا، وَيُوجَدُ غَيْرُ أَهْلٍ. فَإِنَّ الْمَنْزُولَ لَهُ أَحَقُّ، مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يَأْبَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
قَوْلُهُ (وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ، بَلْ يَكُونُ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله: يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الْإِقْطَاعِ. يَبِيعُ، وَيَهَبُ، وَيَتَصَرَّفُ، وَيُورَثُ عَنْهُ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. إعْمَالًا لِحَقِيقَةِ الْإِقْطَاعِ. وَهُوَ التَّمْلِيكُ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ غَيْرِ الْمَوَاتِ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا، لِلْمَصْلَحَةِ دُونَ غَيْرِهَا.
الثَّانِيَةُ: قَسَّمَ الْأَصْحَابُ الْإِقْطَاعَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ، وَإِقْطَاعُ اسْتِغْلَالٍ، وَإِقْطَاعُ إرْفَاقٍ. وَقَسَمَ الْقَاضِي إقْطَاعَ التَّمْلِيكِ: إلَى مَوَاتٍ، وَعَامِرٍ، وَمَعَادِنَ. وَجَعَلَ إقْطَاعَ الِاسْتِغْلَالِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: عُشْرٌ، وَخَرَاجٌ. وَإِقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ: يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ (وَلَهُ إقْطَاعُ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ وَرِحَابِ الْمَسْجِدِ، مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ. فَيَحْرُمُ، وَلَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَيَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا، مَا لَمْ يَعُدْ فِيهِ الْإِمَامُ) .
تَنْبِيهٌ: تَجْوِيزُ الْمُصَنِّفِ إقْطَاعَ الْجُلُوسِ بِرِحَابِ الْمَسْجِدِ: اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مَسْجِدًا، لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ. وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَجْدِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا؟ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُقْطِعْهَا، فَلِمَنْ سَبَقَ إلَيْهَا الْجُلُوسُ فِيهَا. وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا، مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي: أَنَّهَا مِنْ الْمَرَافِقِ، وَأَنَّ لَهُ الْجُلُوسَ فِيهَا مَا بَقِيَ قُمَاشُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَعَ عَدَمِ إقْطَاعٍ: لِلسَّابِقِ الْجُلُوسُ. عَلَى الْأَصَحِّ، مِمَّا بَقِيَ قُمَاشُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ إلَى اللَّيْلِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَنَقَلَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: رِوَايَةً بِالْمَنْعِ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ. لِلتَّعَامُلِ فِيهَا، فَلَا تَكُونُ مِنْ الْمَرَافِقِ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ فِي الْجُلُوسِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يُفْتَقَرُ إلَى إذْنٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَجْلَسَ غُلَامَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا، لِيَجْلِسَ هُوَ إذَا عَادَ إلَيْهِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمَتَاعَ فِيهِ. لِاسْتِمْرَارِ يَدِهِ بِمَنْ هُوَ فِي جِهَتِهِ. وَلَوْ آثَرَ بِهِ رَجُلًا، فَهَلْ لِلْغَيْرِ السَّبْقُ إلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَالثَّانِي: نَعَمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَا ذَكَرْنَا فِي آخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ " لَوْ آثَرَ بِمَكَانِهِ شَخْصًا فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ.
الثَّانِيَةُ: لَهُ أَنْ يُظْلِلَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، مِنْ بَارِيَةٍ وَكِسَاءٍ وَنَحْوِهِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ دَكَّةً وَلَا غَيْرَهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَطَالَ الْجُلُوسَ فِيهَا، فَهَلْ يُزَالُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يُزَالُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا اللَّائِقُ بِأُصُولِ الْأَصْحَابِ. حَيْثُ قَالُوا بِالْإِقْطَاعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُزَالُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَظْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: مُنِعَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. (وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا) . وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي فَمَنْ بَعْدَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اسْتَبَقَا إلَى مَوْضِعٍ فِي رِبَاطِ مُسْبَلٍ أَوْ خَانٍ، أَوْ اسْتَبَقَ فَقِيهَانِ إلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ صُوفِيَّانِ إلَى خَانِقَاهُ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: هَذَا يُتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ الْمُخْتَصَّةِ بِوَصْفٍ مُعَيَّنٍ. لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمَا عَلَى تَنْزِيلِ نَاظِرٍ. فَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ تَوَقُّفُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَلَيْسَ إلَّا تَرْجِيحُهُ لَهُ بِنَوْعٍ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يَتَرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ مَعَ التَّسَاوِي. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ مِنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: مَنْ أَخَذَ مِنْ مَعْدِنٍ فَوْقَ حَاجَتِهِ مُنِعَ مِنْهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ أَخَذَ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَأَرَادَ الْإِقَامَةَ فِيهِ، بِحَيْثُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ: مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُمْنَعُ إذَا طَالَ مَقَامُهُ؟) يَعْنِي الْآخِذَ (عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ،
أَحَدُهُمَا: لَا يُمْنَعُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مَا دَامَ آخِذًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَصَحُّهُمَا لَا يُمْنَعُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُمْنَعُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يُمْنَعُ مَعَ ضِيقِ الْمَكَانِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ.
فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَى مَعْدِنٍ مُبَاحٍ. فَضَاقَ الْمَكَانُ عَنْ أَخْذِهِمْ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ سَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ مَعًا، وَضَاقَ بِهِمَا: اقْتَرَعَا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: بِالْقِسْمَةِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا رَابِعًا. وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ يُنَصِّبُ مَنْ يَأْخُذُ وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ، هَايَأَهُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِالْيَوْمِ أَوْ السَّاعَةِ بِحَسْبِ مَا يَرَى. لِأَنَّهُ يَطُولُ. وَإِنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ. فَاحْتِمَالَاتٌ،
أَحَدُهَا: الْقُرْعَةُ.
وَالثَّانِي: يُنَصِّبُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُمَا ثُمَّ يَقْسِمُ.
وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ وَأَوْلَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا قُدِّمَ. فَإِنْ أَخَذَ فَوْقَ حَاجَتِهِ: مُنِعَ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: إنْ أَخَذَهُ لِلتِّجَارَةِ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ أَخَذَهُ لِحَاجَةٍ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الْمُهَايَأَةُ، وَالْقُرْعَةُ، وَتَقْدِيمُ مَنْ يَرَى الْإِمَامُ وَأَنْ يُنَصِّبَ مَنْ يَأْخُذُهُ، وَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا. انْتَهَى. وَذُكِرَ فِي الْفُرُوعِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ الْقَاضِي.
قَوْلُهُ (وَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ كَصَيْدٍ، وَعَنْبَرٍ، وَسَمَكٍ، وَلُؤْلُؤٍ، وَمِرْجَانٍ، وَحَطَبٍ، وَثَمَرٍ، وَمَا يَنْتَبِذُهُ النَّاسُ) رَغْبَةً عَنْهُ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) . وَكَذَا لَوْ سَبَقَ إلَى مَا ضَاعَ مِنْ النَّاسِ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ، وَكَذَا اللَّقِيطُ، وَمَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّلْجِ وَالْمَنِّ، وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ: قُسِمَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: فَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَى الْمُبَاحِ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَقْتَرِعَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: ثُمَّ إنَّ أَبَا الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ قَيَّدَ اقْتِسَامَهُمَا بِمَا إذَا كَانَ الْأَخْذُ لِلتِّجَارَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا. وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمَا. وَهَذَا عِنْدِي غَلَطٌ. فَإِنَّ الْمُبَاحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْآخِذُ: اسْتَقَرَّ الْمِلْكُ عَلَيْهِ، وَلَا بُدَّ. لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُفِيدِ لَهُ، مَعَ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَمْ تَرِدْ فِي هَذَا النَّوْعِ، وَلَا شَيْءٍ مِنْهُ. وَكَيْفَ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ نَعَمْ: قَدْ يَجْرِي مَا قَالَ فِيمَا إذَا ازْدَحَمَا عَلَيْهِ لِيَأْخُذَاهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، مِنْ الِاقْتِسَامِ مَعَ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ التِّجَارَةِ، وَالْحَاجَةِ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا فِي الْمُنْضَبِطِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْيَدِ، كَالصَّيْدِ، وَالسَّمَكِ، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْمَرْجَانِ، وَالْمَنْبُوذِ. أَمَّا مَا لَا يَنْضَبِطُ كَالشَّعْرِ أَوْ ثَمَرِ الْجَبَلِ: فَالْمِلْكُ فِيهِ مَقْصُورٌ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي السَّبْقِ إلَى الطَّرِيقِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ: بِالْقِسْمَةِ هُنَا.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِفَلَاةٍ، أَوْ مَهْلَكَةٍ، لِيَأْسِهِ مِنْهَا، أَوْ عَجْزِهِ عَنْ عَلَفِهَا: مَلَكَهَا آخِذُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا. وَهُوَ وَجْهٌ، خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى كَالرَّقِيقِ، وَتُرَّ الْمَتَاعُ عَجْزًا، بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا. وَيَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الرَّقِيقِ، وَأُجْرَةِ حَمْلِ الْمَتَاعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ. وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي. أَخْذًا مِنْ انْتِفَاءِ الْأَخْذِ فِي اللُّقَطَةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْعَبْدِ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ أَلْقَى مَتَاعَهُ فِي الْبَحْرِ خَوْفَ الْغَرَقِ. فَقَالَ الْحَارِثِيُّ: نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَتَاعِ يَقْتَضِي: أَنَّ مَا يُلْقِيهِ رُكَّابُ السَّفِينَةِ مَخَافَةَ الْغَرَقِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمْ. انْتَهَى. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ آخِذُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَصَحَّحَهُ فِي
النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَذَكَرَهُ فِي آخِرِ اللُّقَطَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لِآخِذِهِ الْأُجْرَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا أُجْرَةَ لَهُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ. فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ، حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَ إلَى مَنْ يَلِيهِ) . الْمَاءُ إذَا كَانَ جَارِيًا، وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْرًا عَظِيمًا كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ، وَدِجْلَةَ، وَمَا أَشْبَهَهَا أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ نَهْرًا عَظِيمًا: فَهَذَا لَا تَرَاحُمَ فِيهِ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ مَا شَاءَ مَتَى شَاءَ، كَيْفَ شَاءَ. وَإِنْ كَانَ نَهْرًا صَغِيرًا، يَزْدَحِمُ النَّاسُ فِيهِ، وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ، أَوْ سَيْلًا يَتَشَاحُّ فِيهِ أَهْلُ الْأَرْضِينَ الشَّارِبَةِ مِنْهُ: فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَنْ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ فَيَسْقِي. وَيَحْبِسُ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. ثُمَّ يُرْسِلُ إلَى مَنْ يَلِيهِ كَذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الْأَرَاضِي كُلُّهَا. فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ الْأَوَّلِ شَيْءٌ، أَوْ عَنْ الثَّانِي، أَوْ مَنْ يَلِيهِمْ: فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِينَ. فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ صَاحِبِ الْأَعْلَى مُخْتَلِفَةً. مِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَعْلٍ. وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَفْلٌ: سَقَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهَا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْعُلْيَا مُسْتَفِلَةً: سَدَّهَا إذَا سَقَى، حَتَّى يَصْعَدَ إلَى الثَّانِي
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ: اقْتَسَمَا الْمَاءَ بَيْنَهُمَا، إنْ أَمْكَنَ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. فَيُقَدَّمُ مَنْ قُرِعَ.
فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا: سَقَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ، ثُمَّ يَتْرُكُهُ لِلْآخَرِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِجَمِيعِ الْمَاءِ، لِمُسَاوَاةِ الْآخَرِ لَهُ. وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقَدُّمِ، بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَسْفَلِ حَقٌّ إلَّا فِي الْفَاضِلِ عَنْ الْأَعْلَى. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. إنْ كَانَتْ أَرْضُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْضِ الْآخَرِ: قُسِمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ احْتَاجَ الْأَعْلَى إلَى الشُّرْبِ ثَانِيًا، قَبْلَ انْتِهَاءِ سَقْيِ الْأَرَاضِي: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَنَصَرَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ إنْسَانٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ، بِسَقْيِهَا مِنْهُ: جَازَ. مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ) . إذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، أَوْ سَيْلٍ. فَجَاءَ إنْسَانٌ لِيُحْيِيَ مَوَاتًا أَقْرَبَ إلَى رَأْسِ النَّهْرِ مِنْ أَرْضِهِمْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَهُمْ، عَلَى الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ: وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَعُمُومُهَا: يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ السَّبْقِ إلَى أَعْلَى النَّهْرِ مُطْلَقًا. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهَلْ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ إحْيَاءِ ذَلِكَ الْمَوَاتِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُمْ مَنْعُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ إيرَادِ الْكِتَابِ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ سَبَقَ إلَى مَسِيلِ مَاءٍ أَوْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ. فَأَحْيَا فِي أَسْفَلِهِ مَوَاتًا ثُمَّ أَحْيَا آخَرُ فَوْقَهُ، ثُمَّ أَحْيَا ثَالِثٌ فَوْقَ الثَّانِي: كَانَ لِلَّذِي أَحْيَا السُّفْلَ أَوَّلًا. ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثِ. فَيُقَدَّمُ السَّبْقُ إلَى الْإِحْيَاءِ عَلَى السَّبْقِ إلَى أَوَّلِ النَّهْرِ. وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ يَنْعَكِسُ ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ بِنَهْرٍ مَمْلُوكٍ، كَمَنْ حَفَرَ نَهْرًا صَغِيرًا سَاقَ إلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ نَهْرٍ كَبِيرٍ. فَمَا حَصَلَ فِيهِ مِلْكُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِنَا " إنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ " أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَاءِ فِي هَذَا النَّهْرِ: حُكْمُهُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِي نَهْرِهِ: كَدُخُولِهِ فِي قِرْبَتِهِ، وَرَاوِيَتِهِ، وَمَصْنَعِهِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي، وَمَنْ وَافَقَهُ: أَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ، كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، إلَّا أَنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ، عَلَى حَسَبِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ. فَإِنْ كَفَى جَمِيعَهُمْ: فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ، وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ بِالْمُهَايَأَةِ، أَوْ غَيْرِهَا: جَازَ. فَإِنْ تَشَاحُّوا فِي قِسْمَتِهِ: قَسَمَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ. فَيَأْخُذُ خَشَبَةً صُلْبَةً، أَوْ حَجَرًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ. فَيُوضَعُ عَلَى مَوْضِعٍ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ فِي مَصِّ دَمِ الْمَاءِ. فِيهِ حُزُوزٌ، أَوْ ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي السَّعَةِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ. يَخْرُجُ مِنْ حَزٍّ أَوْ ثَقْبٍ إلَى سَاقِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. فَإِذَا حَصَلَ فِي سَاقِيَّتِهِ: فَلَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ يَسْقِي بِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ.
وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ سَقْيُ أَرْضٍ لَهَا رَسْمُ شِرْبٍ مِنْ هَذَا الْمَاءِ. انْتَهَى. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي سَاقِيَّتِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ بِمَا أَحَبَّ: مِنْ عَمَلِ رَحًى عَلَيْهَا، أَوْ دُولَابٍ، أَوْ عَبَّارَةٍ وَهِيَ خَشَبَةٌ تُمَدُّ عَلَى طَرِيقِ النَّهْرِ أَوْ قَنْطَرَةٌ يُعْبَرُ الْمَاءُ فِيهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ. فَأَمَّا النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ: فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: هَلْ لَهُ أَنْ يُنَصِّبَ عَبَّارَةً يَجْرِي الْمَاءُ فِيهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. نُصَّ عَلَيْهِمَا فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ مَاءَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لِيَسْقِيَ زَرْعَهُ، وَكَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ، هَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ. كَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هُنَا. وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَسَوَاءٌ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَمَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَهَذَا مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَمَنْ أَحْيَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْهُ. لَكِنْ لَوْ زَالَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ. فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقِيلَ: يَجُوزُ نَقْضُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. قَوْلُهُ (وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ نَقْضُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِي بَعْضِ الْإِطْلَاقَاتِ الْخِلَافُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: الْقَطَائِعُ جَائِزٌ. وَأَنْكَرَ شَدِيدًا قَوْلَ مَالِكٍ رحمه الله: لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِ الْأُمَرَاءِ. وَقَالَ: يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِهِمْ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: قَطَائِعُ الشَّامِ، وَالْجَزِيرَةِ مِنْ الْمَكْرُوهَةِ كَانَتْ لِبَنِي أُمَيَّةَ. فَأَخَذَهَا هَؤُلَاءِ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد: مَا أَدْرِي، مَا هَذِهِ الْقَطَائِعُ؟ يُخْرِجُونَهَا مِمَّنْ شَاءُوا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مَنْ أَقْطَعَهَا. فَكَيْفَ تَخْرُجُ مِنْهُ؟