المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ] ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٦

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ] ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ

[كِتَابُ الْغَصْبِ]

ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ) .

وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَيْسَ بِجَامِعٍ. لِعَدَمِ دُخُولِ غَصْبِ الْكَلْبِ، وَخَمْرِ الذِّمِّيِّ، وَالْمَنَافِعِ، وَالْحُقُوقِ، وَالِاخْتِصَاصِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحُقُوقُ الْوِلَايَاتِ، كَمَنْصِبِ الْإِمَارَةِ، وَالْقَضَاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الِاسْتِيلَاءُ يَسْتَدْعِي الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ. فَإِذَنْ قَوْلُهُ " قَهْرًا " زِيَادَةٌ فِي الْحَدِّ. وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ فِي الْمُغْنِي. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ " الِاسْتِيلَاءَ " يَشْمَلُ الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ وَغَيْرَهُمَا. فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِيلَاءِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ الْمَسْرُوقُ، وَالْمُنْتَهَبُ، وَالْمُخْتَلَسُ. فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى غَصْبًا. وَيُقَالُ: اسْتَوْلَى عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: فَلَوْ قَالَ " الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ " لَصَحَّ لَفْظًا وَعَمَّ مَعْنًى. انْتَهَى وَقَوْلُهُ " لَصَحَّ لَفْظًا " لِكَوْنِ الْمُصَنِّفِ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى " غَيْرُ ". قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَدَمُ دُخُولِهِمَا عَلَيْهَا. قُلْت: قَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: أَنَّهُمْ جَوَّزُوا دُخُولَهُمَا عَلَى " غَيْرُ ". وَمِمَّنْ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى " غَيْرُ " مِنْ الْأَصْحَابِ: مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا ظُلْمًا. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ تَبَعًا لِلْحَارِثِيِّ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا ظُلْمًا.

ص: 121

قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَسَدُّ الْحُدُودِ. قُلْت: فَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَدِّ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ وَأَمْنَعُ. فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى حَدِّ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ: لَوْ اسْتَوْلَى عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا قَهْرٍ: أَنَّهُ يُسَمَّى غَصْبًا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ ذَلِكَ مَعَ بَقِيَّةِ حَدِّ الْمُصَنِّفِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ ظُلْمًا وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هُوَ اسْتِيلَاءُ غَيْرِ حَرْبِيٍّ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ قُلْت: هُوَ أَصَحُّ الْحُدُودِ وَأَسْلَمُهَا. وَيَرِدُ عَلَى حَدِّ غَيْرِهِ: اسْتِيلَاءُ الْحَرْبِيِّ. فَإِنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ. وَلَيْسَ بِغَصْبٍ. عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا. وَتَابَعَهُ فِي الْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَمَعْنَاهُ فِي الْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُغْنِي. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَقَوْلُهُ " عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا " يَدْخُلُ فِيهِ مَالُ الْمُسْلِمِ، وَالْمُعَاهَدِ. وَهُوَ الْمَالُ الْمَعْصُومُ. وَيَخْرُجُ مِنْهُ اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ بِظُلْمٍ. وَيَدْخُلُ فِيهِ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْغَصْبِ الْمَذْكُورِ حُكْمُهُ.

هَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَلَا بِالتَّلَفِ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ رَدِّ عَيْنِهِ إذَا قَدَرْنَا عَلَى أَخْذِهِ. وَأَمَّا أَمْوَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَأَهْلِ الْعَدْلِ: فَقَدْ لَا يَرِدُ. لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى عَيْنِهَا. وَمَتَى أَتْلَفَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى عَيْنِهَا ضُمِنَتْ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ضَمَانِهَا بِالْإِتْلَافِ وَقْتَ الْحَرْبِ. وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا أَخَذَهُ الْمُلُوكُ وَالْقُطَّاعُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ الْمُكُوسِ وَغَيْرِهَا. فَأَمَّا اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: فَيَدْخُلُ فِيهِ. وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ.

ص: 122

لِأَنَّهُ ظُلْمٌ. فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قَتْلُ النُّفُوسِ، وَأَخْذُ الْأَمْوَالِ إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ. لَكِنْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ الْمَأْخُوذُ مُبَاحًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لَمْ يَصِرْ ظُلْمًا فِي حَقِّنَا، وَلَا فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ. فَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ، أَوْ أُتْلِفَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ: فَقَدْ أُقِرَّ قَرَارُهُ. لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا. لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عَفَا عَنْهُ. فَهُوَ عَفْوٌ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ. وَكَذَا بِشَرْطِ الْأَمَانِ. فَلَوْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنَانِ حَكَمْنَا بِالِاسْتِقْرَارِ. انْتَهَى. قُلْت: وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْمَسْرُوقُ، وَالْمُخْتَلَسُ، وَنَحْوُهُمَا.

قَوْلُهُ (وَيَضْمَنُ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ وَأَكْثَرَ أَصْحَابِهِ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَحْصُلُ الْغَصْبُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ قَهْرًا ظُلْمًا، كَمَا تَقَدَّمَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فِي غَصْبِ مَا يُنْقَلُ نَقَلَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِيهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ. فَقَالَ: إلَّا فِي رُكُوبِهِ دَابَّةً، وَجُلُوسِهِ عَلَى فِرَاشٍ. فَإِنَّهُ غَاصِبٌ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ: وَمَنْ رَكِبَ دَابَّتَهُ، أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَوْ سَرِيرِهِ قَهْرًا: فَهُوَ غَاصِبٌ.

الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالتِّسْعِينَ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ. وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ صِحَّةَ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ. وَأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَهْرَهَا وَلَوْ حَبَسَهَا عَنْ النِّكَاحِ حَتَّى فَاتَ بِالْكِبَرِ.

ص: 123

وَخَالَفَ ابْنُ الْمُنَى. وَجَزَمَ فِي تَعْلِيقِهِ بِضَمَانِ مَهْرِ الْأَمَةِ بِتَفْوِيتِ النِّكَاحِ. وَذَكَرَ فِي الْحُرَّةِ تَرَدُّدًا، لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ كَلْبًا فِيهِ نَفْعٌ، أَوْ خَمْرَ ذِمِّيٍّ: لَزِمَهُ رَدُّهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا تُرَدُّ الْخَمْرُ. وَتَلْزَمُ إرَاقَتُهَا إنْ حُدَّ، وَإِلَّا لَزِمَهُ تَرْكُهُ. وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ تَعْذِيرُ مُرِيقِهِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَوْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرَ ذِمِّيٍّ: انْبَنَى وُجُوبُ رَدِّهَا عَلَى مِلْكِهَا لَهُمْ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. حَكَاهُمَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ وَغَيْرُهُ.

إحْدَاهُمَا: يَمْلِكُونَهَا. فَيَجِبُ الرَّدُّ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا.

وَالثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُونَهَا. فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الرَّدِّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَجِبُ. وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى إرَاقَتِهَا إذَا أَظْهَرَهَا. وَلَوْ أَتْلَفَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِضَمَانِ قِيمَتِهَا. إذَا قُلْنَا: إنَّهَا مَالٌ لَهُمْ. وَأَبَاهُ الْأَكْثَرُونَ. وَحُكِيَ لَنَا قَوْلٌ: يَضْمَنُهَا الذِّمِّيُّ لِلذِّمِّيِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: تُرَدُّ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ، وَيُرَدُّ مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ إلَّا مَا أُرِيقَ فَجَمَعَهُ آخَرُ فَتَخَلَّلَ. لِزَوَالِ يَدِهِ هُنَا. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ: أَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّ لَنَا خَمْرًا مُحْتَرَمَةً. وَهِيَ خَمْرَةُ الْخَلَّالِ. وَيَأْتِي فِي حَدِّ الْمُسْكِرِ: هَلْ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ بِشُرْبِهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

ص: 124

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ مَسْتُورَةً. فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَسْتُورَةً فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا. قَوْلًا وَاحِدًا.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ خَمْرَ مُسْلِمٍ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ تَخَلَّلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَجَبَ رَدُّهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَصْحَابُ. لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لَمْ تَزُلْ عَنْهَا بِالْغَصْبِ. فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ فِي يَدِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ: وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ التَّخْمِيرِ. فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ الزَّوَالَ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ. وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَبِكُلِّ حَالٍ لَوْ عَادَ خَلًّا عَادَ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ بِحُقُوقِهِ مِنْ ثُبُوتِ الرَّهِينَةِ وَغَيْرِهَا. حَتَّى لَوْ خَلَّفَ خَمْرًا وَدَيْنًا فَتَخَلَّلَتْ: قَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فِي الرَّهْنِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. عَنْهُ: يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ. وَخَرَّجَ يَضْمَنُهَا الذِّمِّيُّ بِمِثْلِهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: عَنْهُ يَرُدُّ قِيمَتَهَا. وَقِيلَ: ذِمِّيٌّ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: يَضْمَنُ الْكَلْبَ.

ص: 125

وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا صَادَ بِالْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ: هَلْ يَرُدُّ الصَّيْدَ، وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا أَمْ لَا؟ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الضَّمَانِ " إذَا أَسْلَمَ الْمَضْمُونُ لَهُ، أَوْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ. هَلْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ إذَا كَانَ خَمْرًا؟ ".

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى طَهَارَتِهِ بِالدَّبْغِ وَعَدَمِهَا. فَإِنْ قُلْنَا: يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ: وَجَبَ رَدُّهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ: لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ: لَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ. فَلَا يَجِبُ رَدُّهُ هُنَا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ رَدُّهُ. وَلَوْ قُلْنَا: يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي رَدِّ جِلْدِ مَيْتَةٍ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: وَلَوْ طَهُرَ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ: أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَبَغَهُ، وَقُلْنَا بِطَهَارَتِهِ. لَزِمَهُ رَدُّهُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، لِصَيْرُورَتِهِ مَالًا بِفِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ الْمُتَخَلَّلَةِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ.

ص: 126

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي هَذَا الْفَرْقِ بَحْثٌ. وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ فِي لُزُومِ رَدِّهِ إذَا دَبَغَهُ الْغَاصِبُ وَجْهَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ دَبَغَهُ، فَفِي رَدِّهِ الْوَجْهَانِ الْمَبْنِيَّانِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَطْهُرُ لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَجِبُ رَدُّهُ إذَا قُلْنَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ. وَكَذَلِكَ قَبْلَ الدَّبْغِ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَأَوْجُهٌ: الرَّدُّ، وَعَدَمُهُ. وَالثَّالِثُ: إنْ قُلْنَا: يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ، أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي يَابِسٍ: رَدَّهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ أَتْلَفَهُ فَهَدَرٌ. وَإِنْ دَبَغَهُ وَقُلْنَا: يَطْهُرُ رَدَّهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَوْلَى عَلَى حُرٍّ: لَمْ يَضْمَنْهُ بِذَلِكَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِغَصْبِهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّ الْيَدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا عَلَى الْحُرِّ. وَفِي التَّلْخِيصِ وَجْهٌ بِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ. وَبَنَى عَلَى هَذَا: هَلْ لِمُسْتَأْجِرِ الْحُرِّ إيجَارُهُ مِنْ آخَرَ؟ إنْ قِيلَ: بِعَدَمِ الثُّبُوتِ امْتَنَعَ الْإِيجَارُ.

وَإِنَّمَا هُوَ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَمْتَنِعُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ غَصَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا مَالِكُهَا وَمَتَاعُهُ: لَمْ يَضْمَنْ ذَلِكَ الْغَاصِبُ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ.

ص: 127

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا. فَفِيهِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيُّ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَ فِي النَّظْمِ: أَنَّ الصَّغِيرَ لَوْ لُدِغَ أَوْ صُعِقَ: وُجُوبُ الدِّيَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَجِبُ كَمَا لَوْ مَرِضَ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَأْتِي هَذَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَضْمَنُ ثِيَابَهُ وَحِلْيَتَهُ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُهَا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ فِي أُجْرَتِهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي، وَإِيجَارُ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ هُنَا بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْحَرَّ كَرْهًا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَلَوْ مَنَعَهُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ، وَلَوْ عَبْدًا. لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَتُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.

ص: 128

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ بَلَى فِيهِمَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ فِي الْعَبْدِ آكَدُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي مَنْفَعَةِ حُرٍّ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يَلْزَمُهُ بِإِمْسَاكِهِ. لِأَنَّ الْحُرَّ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ. كَمَا لَا يَضْمَنُ نَفْسَهُ وَثَوْبَهُ الَّذِي عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ. وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَضْمَنُهُ إذَا أَمْسَكَهُ. لِأَنَّ الْحُرَّ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ. كَمَا لَا يَضْمَنُ نَفْسَهُ وَثَوْبَهُ الَّذِي عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ. فَإِنَّ يَدَ الْغَاصِبِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْفَعَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً، فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهَا، وَفِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَعَلَيْهِ دَلَّ نَصُّهُ. وَتَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا مَا يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ: لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ إنْ أَمْكَنَ) : وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُ بَعْضِهِ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَخْلِيصُهُ مِنْهُ فَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ، وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ: فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) .

ص: 129

هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: حُكْمُهَا حُكْمُ الزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَجَنَحَ ابْنُ عَقِيلٍ إلَى مُسَاوَاةِ الْحُكْمَيْنِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ فِي غَيْرِ الْفَائِقِ. وَرَدَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: وَوَهَمَ أَبُو حَفْصٍ نَاقِلُهَا عَلَى أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ رَجَّحَهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ نَبَتَ عَلَى مِلْكِ مَالِكِ الْأَرْضِ ابْتِدَاءً. وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ: خِلَافُهُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ، عَنْهُ: يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْأَرْضِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ. وَمَنَعَ فِي تَعْلِيقِهِ مِنْ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ. وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ. عَلَى مَا نَقَلَهُ حَرْبٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ الْكَبِيرِ، فِيمَا أَظُنُّ أَوْ أَجْزِمُ وَأَوْرَدَهُ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي كِتَابِ نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ زَرْعَ الْغَاصِبِ: هَلْ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْبَذْرِ، أَوْ صَاحِبِ الْأَرْضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالْحُدُوثُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ هُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: وَهَلْ الْقِيَاسُ كَوْنُ الزَّرْعِ لِرَبِّ الْبَذْرِ، أَوْ لِرَبِّ الْأَرْضِ؟ الْمَنْصُوصُ: الْأَوَّلُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الثَّانِي. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا. يَنْبَنِي هَذَا عَلَى الْمَدْفُوعِ. إنْ كَانَ النَّفَقَةُ: فَلِرَبِّ الْأَرْضِ مُطْلَقًا. وَالْمَنْصُوصُ: التَّفْرِقَةُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: عَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

ص: 130

وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لِلْغَاصِبِ نَفَقَةُ الزَّرْعِ. وَأَمَّا مُؤْنَةُ الْحَصَادِ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَدَهُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قِيلَ: أَوْ اُسْتُحْصِدَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَحْصُدْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا، وَالزَّرْعُ قَائِمٌ: خُيِّرَ بَيْنَ تَرْكِهِ إلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ، وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: تَوَاتَرَ النَّصُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّ الزَّرْعَ لِلْمَالِكِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَلَاهُمْ، وَالْمُصَنِّفِ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قَالَ نَاظِمُهَا:

بِالِاحْتِرَامِ اُحْكُمْ لِزَرْعِ الْغَاصِبِ

وَلَيْسَ كَالْبَانِي أَوْ كَالنَّاصِبِ

إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَ الزَّرْعِ

بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَوَجْهٌ مَرْعِي

أَوْ مِلْكَهُ إنْ شَاءَ بِالْإِنْفَاقِ

أَوْ قِيمَةً لِلزَّرْعِ بِالْوِفَاقِ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَقِيلَ: لَهُ قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَهُ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: إنَّ الزَّرْعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَالْوَلَدِ. فَإِنَّهُ لِسَيِّدِ الْأُمِّ، لَكِنْ الْمَنِيُّ، لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ الْبَذْرِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله.

ص: 131

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي عَامَّةِ نُصُوصِهِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى فِيمَا أَظُنُّ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَكَذَا قَالَ الْحَارِثِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى عَدَمُ التَّخْيِيرِ. فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَالَ: الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ: هُوَ الْمُتَوَاتِرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ عَنْهُ تَخْيِيرًا. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَلَّلَهُ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ وَالْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ زَرَعَ فِيهَا لَهُ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ، وَلِرَبِّهَا نَصِيبٌ: قَسَمَ مَا زَرَعَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ. قَالَ: وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَ مَعَهُ أَوْ يُهَايِئَهُ فِيهَا فَأَبَى. فَلِلْأَوَّلِ الزَّرْعُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِلَا أُجْرَةٍ، كَدَارٍ بَيْنَهُمَا فِيهَا بَيْتَانِ سَكَنَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ ذَلِكَ قِيمَتُهُ، أَوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا وَجْهَانِ فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ. وَفِي نُسْخَةٍ رِوَايَتَانِ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ، وَابْنُ مُنَجَّا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: حَكَاهُمَا مُتَأَخِّرُو الْأَصْحَابِ وَالْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَوْرَدَهُمَا هُنَا وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ. قَالَ هُوَ وَالشَّارِحُ: وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

إحْدَاهُمَا: يَأْخُذُهُ بِنَفَقَتِهِ. وَهِيَ مَا أَنْفَقَ مِنْ الْبَذْرِ وَمُؤْنَةِ الزَّرْعِ، مِنْ الْحَرْثِ

ص: 132

وَالسَّقْيِ وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالشِّيرَازِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الْأَصْحَابِ كَالْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي كِتَابَيْ الْمُجَرَّدِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنِ عَقِيلٍ. لِصَرِيحِ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيهِ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ زَرْعًا الْآنَ. صَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَصْلُهُمَا هَلْ يَضْمَنُ وَلَدَ الْمَغْرُورِ بِمِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ؟ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَأْخُذُهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. نَقَلَهَا مُهَنَّا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ التَّمَامِ عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْقَاسِمِ رِوَايَةً بِالتَّخْيِيرِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إيرَادِ الْقَاضِي يَعْقُوبَ فِي التَّعْلِيقِ. وَذَكَرَ نَصَّ مُهَنَّا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَخَرَّجَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْخِيَرَةِ. فَكَأَنَّهُ مَا اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ. أَوْ أَنَّ لِأَبِي الْقَاسِمِ تَخْرِيجَ رِوَايَةٍ. ثُمَّ اطَّلَعَ، فَوَافَقَ التَّخْرِيجَ لَهَا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَاحْتِمَالِ أَبِي الْخَطَّابِ: لِرَبِّ الْأَرْضِ أُجْرَتُهَا إلَى حِينِ تَسْلِيمِ الزَّرْعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ. وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَعْنِي إذَا أَوْجَبْنَا رَدَّ النَّفَقَةِ فَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يَرُدُّ

ص: 133

مِثْلَ الْبَذْرِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. لِأَنَّ الْبَذْرَ مِثْلِيٌّ وَنَصَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يَجِبُ ثَمَنُ الْبَذْرِ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّفَقَةِ عَنْ عِوَضِ الزَّرْعِ. وَكَذَلِكَ عَبَّرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ. لِوَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمُعَوَّضِ. وَدُخُولُ الزَّرْعِ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ بَاطِلٌ بِالنَّصِّ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَبَطَلَ كَوْنُهَا عِوَضًا عَنْهُ.

الثَّانِي: الْأَصْلُ فِي الْمُعَاوَضَةِ: تَفَاوُتُهُمَا وَتَبَاعُدُهُمَا. فَدَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ. وَالصَّوَابُ: أَنَّهَا عِوَضُ الْبَذْرِ وَلَوَاحِقِهِ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: يُزَكِّيهِ رَبُّ الْأَرْضِ، إنْ أَخَذَهُ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ: فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قُلْت: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ، بَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْغَاصِبِ. لِأَنَّهُ مَلَكَهُ إلَى حِينِ أَخْذِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى مُقْتَضَى النُّصُوصِ وَاخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ: يُزَكِّيهِ رَبُّ الْأَرْضِ. لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا أَنَّ الزَّرْعَ مِنْ أَصْلِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا الْمَذْهَبُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَرَسَهَا، أَوْ بَنَى فِيهَا: أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَأَرْشِ نَقْصِهَا وَأُجْرَتِهَا) . وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ قَالَ: لَزِمَهُ الْقَلْعُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. عَنْهُ: لَا يُقْلَعُ، بَلْ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ.

ص: 134

وَعَلَيْهَا: لَا يَقْلَعُ إلَّا مَضْمُونًا كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ. كَذَلِكَ حَكَاهُمَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. تَنْبِيهٌ:

شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: مَا لَوْ كَانَ الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ. وَهُوَ كَذَلِكَ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَغْصِبْهُ، لَكِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مِنْ غَيْرِ إذْنٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلًا فِي أَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ مُشَاعًا؟ قَالَ: إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ قَلَعَ نَخْلَهُ. وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا فِي الشُّفْعَةِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ زَرَعَ فِيهَا شَجَرًا بِنَوَاهُ. فَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَهُ، كَمَا فِي الْغِرَاسِ. وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ. لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ أَخْبَارِ الزَّرْعِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

وَمِنْهَا: لَوْ أَثْمَرَ مَا غَرَسَ الْغَاصِبُ، فَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَنَوَادِرِ الْمُذْهَبِ: الثَّمَرُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، كَالزَّرْعِ. إنْ أَدْرَكَهُ أَخَذَهُ وَرَدَّ النَّفَقَةَ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْغَاصِبِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ فِيمَنْ غَرَسَ أَرْضًا: الثَّمَرَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ. وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ: لَوْ أَثْمَرَ مَا غَرَسَهُ الْغَاصِبُ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَعْدَ الْجَذَاذِ: فَلِلْغَاصِبِ. وَكَذَلِكَ قَبْلَهُ. عَنْهُ: لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. انْتَهَوْا. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لِلْغَاصِبِ بِكُلِّ حَالٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

ص: 135

قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ، اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ عَلَى الزَّرْعِ ضَعِيفٌ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَمِنْهَا: لَوْ جَصَّصَ الدَّارَ وَزَوَّقَهَا، فَحُكْمُهَا كَالْبِنَاءِ. قَالَهُ فِي الْكَافِي. وَلَوْ وَهَبَ ذَلِكَ لِمَالِكِهَا، فَفِي إجْبَارِهِ عَلَى قَبُولِهِ وَجْهَانِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَمِنْهَا: لَوْ غَصَبَ أَرْضًا، فَبَنَاهَا دَارًا بِتُرَابٍ مِنْهَا وَآلَاتٍ مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ: فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً. وَإِنْ كَانَتْ آلَاتُهَا مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ: فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ دُونَ بِنَائِهَا. لِأَنَّهُ إنَّمَا غَصَبَ الْأَرْضَ، وَالْبِنَاءُ لَهُ. فَلَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ مَالِهِ. فَلَوْ أَجَّرَهَا فَالْأُجْرَةُ لَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ بَنَى فِيهَا وَيُؤَجِّرُهَا الْغَلَّةَ عَلَى النَّصِيبِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا: وَيَكُونُ شَرِيكًا بِزِيَادَةِ بِنَاءٍ.

وَمِنْهَا: لَوْ طَلَبَ أَخْذَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ بِقِيمَتِهِ، وَأَبَى مَالِكُهُ إلَّا الْقَلْعَ: فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ. وَفِي الْبِنَاءِ تَخْرِيجٌ: إذَا بَذَلَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْقِيمَةِ: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّقْضِ غَرَضٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ لِلْمُصَنِّفِ. وَالْمَذْهَبِ: الْأَوَّلُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيهِ: لَا يَلْزَمُهُ. وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ. وَرَوَى الْخَلَّالُ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا «لَهُ مَا نَقَصَ» . قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: هَذَا مَنَعَنَا مِنْ الْقِيَاسِ. وَنَقَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيهَا: لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ. وَزَادَ: وَتَرَكَهُ بِأُجْرَةٍ. انْتَهَى.

وَمِنْهَا: إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْقِيمَةِ: فَالْوَاجِبُ قِيمَةُ الْغِرَاسِ مَقْلُوعًا. حَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. وَإِنْ وَهَبَهُمَا الْغَاصِبُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ كُلْفَةَ الْقَلْعِ: فَقَبِلَهُ جَازَ.

ص: 136

وَإِنْ أَبَى إلَّا الْقَلْعَ وَكَانَ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبُولِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْقَلْعِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، فَفِي إجْبَارِهِ عَلَى الْقَوْلِ: احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ وَهَبَهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ، إنْ أَرَادَ الْقَلْعَ، وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ.

وَمِنْهَا: لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَغَرْسُهُ فِيهَا: فَالْكُلُّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ. فَإِنْ طَالَبَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِقَلْعِهِ وَلَهُ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ أُجْبِرَ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَنَقْصُهَا وَنَقْصُ الْغِرَاسِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ: لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُجْبَرُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَهُ ابْتِدَاءً: فَلَهُ مَنْعُهُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ مَبْنِيًّا، كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ غَرَسَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحَالِ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ: لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا. وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ، وَلَا بِقَلْعٍ مَجَّانًا. نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ. قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله سِوَاهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى.

ص: 137

وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَابِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا، وَبَنَى فِيهَا، فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً ".

الثَّانِيَةُ: الرَّطْبَةُ وَنَحْوُهَا: هَلْ هِيَ كَالزَّرْعِ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَوْ كَالْغِرَاسِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَالزَّرْعِ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: لِأَنَّهُ زَرْعٌ لَيْسَ لَهُ فَرْعٌ قَوِيٌّ. فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: وَكَذَا غَيْرُهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ كَالْغِرَاسِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَكَالْغَرْسِ فِي الْأَقْوَى: الْمُكَرَّرِ جَزُّهُ. وَيَأْتِي قَرِيبًا " لَوْ حَفَرَ فِي الْأَرْضِ بِئْرًا ".

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَهُ لَوْحًا فَرَقَعَ بِهِ سَفِينَةً: لَمْ يُقْلَعْ حَتَّى تُرْسِيَ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ يَخَافُ مِنْ قَلْعِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُقْلَعُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ، أَوْ مَالٌ لِلْغَيْرِ. جَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمُطْلَقُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى يَقْتَضِيهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ اغْتَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عَلَيْهَا حَائِطًا، أَوْ جَعَلَهَا فِي سَفِينَةٍ: قُلِعَتْ مِنْ الْحَائِطِ أَوْ السَّفِينَةِ. وَإِنْ اسْتُهْدِمَا بِالْقَلْعِ. انْتَهَى فَائِدَةٌ: حَيْثُ يَتَأَخَّرُ الْقَلْعُ، فَلِلْمَالِكِ الْقِيمَةُ. ثُمَّ إذَا أَمْكَنَ الرَّدُّ أَخَذَهُ مَعَ

ص: 138

الْأَرْشِ إنْ نَقَصَ، وَاسْتَرَدَّ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ أَبَقَ الْمَغْصُوبُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: وَقَدْ شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي. حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبْقَ، أَوْ فَرَسًا فَشَرَدَ، أَوْ شَيْئًا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَائِهِ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ ". وَلَوْ قِيلَ: بِأَنَّهُ تَتَعَيَّنُ لَهُ الْأُجْرَةُ إلَى أَنْ يُقْلَعَ: لَكَانَ مُتَّجَهًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا، فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ، وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْ قَلْعِهِ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا لِلْغَاصِبِ. فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . إذَا غَصَبَ خَيْطًا وَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى الْحَيَوَانِ بِقَلْعِهِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ بِقَلْعِهِ: قَلَعَ. وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَنَحْوِهَا فَلَهُ قَلْعُهُ مِنْهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ مُحْتَرَمًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ. فَإِنْ كَانَ آدَمِيًّا: لَمْ يُقْلَعْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ. وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا تُؤْخَذُ قِيمَتُهُ إلَّا إذَا خِيفَ تَلَفُهُ. وَيُقْلَعُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمُحْتَرَمَةِ. فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ خَوْفِ التَّلَفِ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ. ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. لِأَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِالتَّلَفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْغَاصِبِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ: لَمْ يُقْلَعْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 139

وَإِنْ كَانَ لِلْغَاصِبِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا.

أَحَدُهُمَا: يُذْبَحُ. وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُذْبَحُ، وَتُرَدُّ قِيمَتُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: إنْ كَانَ مُعَدًّا لِلْأَكْلِ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالدَّجَاجِ، وَنَحْوِهِ ذُبِحَ وَرَدَّهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ: لَزِمَهُ رَدُّهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِمَوْتِ الْآدَمِيِّ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: الْحَيَوَانُ أَكْثَرُ حُرْمَةً مِنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَنْعُ مَائِهِ مِنْهُ. وَلَوْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ مَالِهِ: قُتِلَ، لَا عَنْ نَفْسِهِ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ غَصَبَ جَوْهَرَةً فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ؛ وَالْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً: ذُبِحَتْ عَلَى الْأَشْهَرِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَوْهَرَةَ مَتَى كَانَتْ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ

ص: 140

الْحَيَوَانِ: ذَبَحَ الْحَيَوَانَ، وَرُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا. وَضَمَانُ الْحَيَوَانِ عَلَى الْغَاصِبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا

الثَّانِيَةُ: لَوْ ابْتَلَعَتْ شَاةُ رَجُلٍ جَوْهَرَةَ آخَرَ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ، وَتَوَقَّفَ الْإِخْرَاجُ عَلَى الذَّبْحِ: ذُبِحَتْ، بِقَيْدِ كَوْنِ الذَّبْحِ أَقَلَّ ضَرَرًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَاخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ: عَدَمُ الْقَيْدِ. وَعَلَى مَالِكِ الْجَوْهَرَةِ ضَمَانُ نَقْصِ الذَّبْحِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ مَالِكُ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عَلَيْهَا. فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِتَفْرِيطِهِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ أَدْخَلَتْ الشَّاةُ رَأْسَهَا فِي قُمْقُمٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِذَبْحِهَا أَوْ كَسْرِهِ. فَهُنَا حَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً. فَلِلْأَصْحَابِ فِيهَا طَرِيقَانِ.

أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ إنْ كَانَ لَا بِتَفْرِيطٍ مِنْ أَحَدٍ: كُسِرَ الْقِدْرُ، وَوَجَبَ الْأَرْشُ عَلَى مَالِكِ الْبَهِيمَةِ. وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطِ مَالِكِهَا، بِأَنْ أَدْخَلَ رَأْسَهَا بِيَدِهِ، أَوْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا وَنَحْوُهُ: ذُبِحَتْ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ وَجْهًا بِعَدَمِ الذَّبْحِ. فَيَجِبُ الْكَسْرُ وَالضَّمَانُ. وَإِنْ كَانَتْ بِتَفْرِيطِ مَالِكِ الْقِدْرِ، بِأَنْ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ، أَوْ أَلْقَاهَا فِي الطَّرِيقِ: كُسِرَتْ وَلَا أَرْشَ. قَالَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ.

الطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اعْتِبَارُ أَقَلِّ الضَّرَرَيْنِ. إنْ كَانَ الْكَسْرُ هُوَ الْأَقَلَّ تَعَيَّنَ، وَإِلَّا ذُبِحَ، وَالْعَكْسُ كَذَلِكَ. ثُمَّ التَّفْرِيطُ مِنْ أَيِّهِمَا حَصَلَ: كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: فَالضَّمَانُ عَلَى مَالِكِ الْبَهِيمَةِ. إنْ كُسِرَ الْقِدْرُ، وَإِنْ ذُبِحَتْ الْبَهِيمَةُ: فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْقِدْرِ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِ الْحَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ: لَمْ يَجُزْ. وَلَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ: أَنَا أُتْلِفُ مَالِي وَلَا أَغْرَمُ شَيْئًا لِلْآخَرِ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ، فَتُكْسَرُ الْقِدْرُ. وَلَا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ بِحَالٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 141

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَعَلَى هَذَا: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْقَتْلِ: لَمْ يُمَكَّنَا. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَأْكُولِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ مَالِكِهَا، أَوْ الْقَتْلُ أَقَلَّ ضَرَرًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَظَاهِرُ الْحَارِثِيِّ: الْإِطْلَاقُ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ سَقَطَ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، فِي مِحْبَرَةِ الْغَيْرِ، وَعَسِرَ إخْرَاجُهُ. فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ مَالِكِ الْمِحْبَرَةِ: كُسِرَتْ مَجَّانًا مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ مَالِكِ الدِّينَارِ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِهِ فِيهَا وَبَيْنَ كَسْرِهَا. وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَعَلَى هَذَا: لَوْ بَذَلَ مَالِكُ الْمِحْبَرَةِ لِمَالِكِ الدِّينَارِ مِثْلَ دِينَارِهِ. فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي إجْبَارِ مَالِكِ الْمِحْبَرَةِ عَلَى الْكَسْرِ ابْتِدَاءً: وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يُجْبَرُ. قَالَا: وَعَلَيْهِ نَقْضُ الْمِحْبَرَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَجِبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ بَذْلِ الدِّينَارِ. انْتَهَى

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْبَرُ. وَعَلَى مَالِكِ الدِّينَارِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ حَاصِلُ مَا قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّرْكِ وَالْكَسْرِ.

ص: 142

وَكَيْفَمَا كَانَ لَوْ بَادَرَ وَكَسَرَ عُدْوَانًا: لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا. وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ السُّقُوطُ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ، بِأَنْ سَقَطَ مِنْ مَكَان، أَوْ أَلْقَاهُ طَائِرٌ، أَوْ هِرٌّ: وَجَبَ الْكَسْرُ. وَعَلَى رَبِّ الدِّينَارِ الْأَرْشُ. فَإِنْ كَانَتْ الْمِحْبَرَةُ ثَمِينَةً، وَامْتَنَعَ رَبُّ الدِّينَارِ مِنْ ضَمَانِهَا فِي مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنْ يُقَالَ لَهُ: إنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذَ فَاغْرَمْ، وَإِلَّا فَاتْرُكْ، وَلَا شَيْءَ لَك. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُقُوطُ حَقِّهِ مِنْ الْكَسْرِ هُنَا. وَيَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ. وَلَوْ غَصَبَ الدِّينَارَ وَأَلْقَاهُ فِي مِحْبَرَةِ آخَرَ، أَوْ سَقَطَ فِيهَا بِغَيْرِ فِعْلِهِ: فَالْكَسْرُ مُتَعَيِّنٌ. وَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهَا، إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَى التَّبْقِيَةِ فَيَسْقُطَ. وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ الدِّينَارِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَتَابَعَهُمَا الْحَارِثِيُّ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ حَصَلَ مُهْرٌ أَوْ فَصِيلٌ فِي دَارِهِ لِآخَرَ، وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِدُونِ نَقْضِ الْبَابِ: وَجَبَ النَّقْضُ. ثُمَّ إنْ كَانَ عَنْ تَفْرِيطِ مَالِكِ الدَّارِ، بِأَنْ غَصَبَهُ وَأَدْخَلَهُ: فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ كَانَ لَا عَنْ تَفْرِيطٍ مِنْ أَحَدٍ: فَضَمَانُ النَّقْضِ عَلَى مَالِكِ الْحَيَوَانِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الضَّرَرَيْنِ. فَإِنْ كَانَ النَّقْضُ أَقَلَّ: فَكَمَا قُلْنَا. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ: ذُبِحَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى. وَعَلَى هَذَا: إنْ كَانَ الْحَيَوَانُ غَيْرَ مَأْكُولٍ: تَعَيَّنَ النَّقْضُ. وَإِنْ كَانَ عَنْ تَفْرِيطِ مَالِكِ الْحَيَوَانِ: لَمْ يُنْقَضْ وَذُبِحَ، وَإِنْ زَادَ ضَرَرُهُ. حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي. وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: وُجُوبَ النَّقْضِ وَغُرْمَ الْأَرْشِ. وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ نَحْوُهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

ص: 143

وَقَالَ: الْأَوَّلُ الصَّحِيحُ. وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ خَشَبَةً، فَأَدْخَلَهَا الدَّارَ: فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْفَصِيلِ يُنْقَضُ الْبَابُ لِإِخْرَاجِهَا.

السَّادِسَةُ: لَوْ بَاعَ دَارًا وَفِيهَا مَا يَعْسُرُ إخْرَاجُهُ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ: يُنْقَضُ الْبَابُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْضِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُعْتَبَرُ أَقَلُّ الضَّرَرَيْنِ. إنْ زَادَ بَقَاؤُهُ فِي الدَّارِ، أَوْ تَفْكِيكُهُ إنْ كَانَ مُرَكَّبًا، أَوْ ذَبَحَهُ إنْ كَانَ حَيَوَانًا عَلَى النَّقْضِ: نُقِضَ مَعَ الْأَرْشِ. وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ: فَلَا نَقْضَ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. قَالَ: وَيَصْطَلِحَانِ إمَّا بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشْتَرِي الدَّارِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَلَوْ غَصَبَ جَارِحًا. فَصَادَ بِهِ. أَوْ شَبَكَةً، أَوْ شَرَكًا فَأَمْسَكَ شَيْئًا، أَوْ فَرَسًا فَصَادَ عَلَيْهِ، أَوْ غَنِمَ: فَهُوَ لِمَالِكِهِ) إذَا غَصَبَ جَارِحًا فَصَادَ بِهِ، أَوْ فَرَسًا فَصَادَ عَلَيْهِ. فَالصَّيْدُ لِلْمَالِكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: فَلِرَبِّهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الصَّيْدِ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ. وَقِيلَ: هُوَ لِلْغَاصِبِ. وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ فِي الْكَلْبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَتَوَجَّهُ فِيمَا إذَا غَصَبَ فَرَسًا، وَكَسَبَ عَلَيْهِ مَالًا أَنْ يَجْعَلَ الْكَسْبَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَمَالِكِ الدَّابَّةِ عَلَى قَدْرِ نَفْعِهِمَا بِأَنْ تُقَوَّمَ مَنْفَعَةُ الرَّاكِبِ وَمَنْفَعَةُ الْفَرَسِ. ثُمَّ يُقْسَمُ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا.

ص: 144

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ أُجْرَةُ مُدَّةِ اصْطِيَادِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَلَا أُجْرَةَ لِرَبِّهِ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ فِي الْأَظْهَرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فِي صَيْدِ الْعَبْدِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَأَمَّا سَهْمُ الْفَرَسِ الْمَغْصُوبَةِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فِي قَوْلِهِ " وَمَنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ، فَسَهْمُهُ لِمَالِكِهِ " وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ هُنَاكَ. فَأَمَّا إذَا غَصَبَ شَبَكَةً، أَوْ شَرَكًا فَصَادَ بِهِ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لِمَالِكِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ لِلْغَاصِبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صَيْدَ الْكَلْبِ، وَالْقَوْسِ وَقِيلَ: وَكَذَا أُحْبُولَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. قَالُوا: عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ: رِبْحُ الدَّرَاهِمِ لِمَالِكِهَا.

فَائِدَةٌ: صَيْدُ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَسَائِرُ أَكْسَابِهِ: لِلسَّيِّدِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَفِي لُزُومِ أُجْرَتِهِ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ وَعَمَلِهِ: الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي الْجَارِحَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا تَدْخُلُ أُجْرَتُهُ تَحْتَهُ، إذَا قُلْنَا بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ، أَوْ فِضَّةً،

ص: 145

أَوْ حَدِيدًا فَضَرَبَهُ إبَرًا أَوْ أَوَانِي. أَوْ خَشَبًا فَنَجَرَهُ بَابًا وَنَحْوَهُ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا: رَدَّ ذَلِكَ بِزِيَادَتِهِ وَأَرْشِ نَقْصِهِ. وَلَا شَيْءَ لَهُ) . وَكَذَا لَوْ غَصَبَ طِينًا، فَضَرَبَهُ لَبِنًا، أَوْ جَعَلَهُ فَخَّارًا، أَوْ حَبًّا فَطَحَنَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: مَا يُغَيِّرُ الْمَغْصُوبَ عَنْ صِفَتِهِ، وَيَنْقُلُهُ إلَى اسْمٍ آخَرَ، كَمَا مَثَّلَ وَنَحْوِهِ. فَفِي هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ شِهَابٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. عَنْهُ: يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ، فَالْغَاصِبُ شَرِيكُ الْمَالِكِ بِالزِّيَادَةِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ: رَجَّحَهُ الْأَكْثَرُ فِي الْخِلَافِ. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ. وَقِيلَ: لِلْغَاصِبِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فَقَطْ، إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِثْلَهَا فَصَاعِدًا. أَوْمَأَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي التَّلْخِيصِ.

ص: 146

قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ. فَعَلَى هَذَا: إنْ عَمِلَ وَلَمْ يَسْتَأْجِرْ، فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَمْلِكُهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ قَبْلَ تَغْيِيرِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ، وَالشَّارِحَ قَالَا: هُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ. فَإِنَّ مُحَمَّدًا مَاتَ قَبْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً. قُلْت: مَوْتُهُ قَبْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِعِشْرِينَ سَنَةً لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى رُجُوعِهِ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قَالَ نَحْوَهُ. فَقَالَ: وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ الرُّجُوعُ. إذْ مِنْ الْجَائِزِ تَقَدُّمُ سَمَاعِ مَنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ. وَكَانَ يَجِبُ عَلَى مَا قَالَ إلْغَاءُ مَا خَالَفَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ لِرِوَايَةِ مَنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ. وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ. انْتَهَى. عَنْهُ: يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

تَنْبِيهٌ: أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يُغَيِّرُ الْمَغْصُوبَ عَنْ صِفَتِهِ: قَصْرَ الثَّوْبِ، وَذَبْحَ الشَّاةِ وَشَيَّهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ كَالنَّوْعِ الْأَوَّلِ. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ أَدْرَجَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ قِصَارَةَ الثَّوْبِ. وَلَيْسَ بِالْمُخْتَارِ. لِانْتِفَاءِ سَلْبِ الِاسْمِ وَالْمَعْنَى.

تَنْبِيهٌ ثَانٍ: أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ ذَبْحَ الْغَاصِبِ لِلْحَيَوَانِ الْمَغْصُوبِ لَا يُحَرِّمُ أَكْلَهُ. وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ، وَفِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

فَائِدَةٌ: مَا صُورَةُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: يَنْقَسِمُ إلَى مُمْكِنِ الرَّدِّ إلَى

ص: 147

الْحَالَةِ الْأُولَى كَالْحُلِيِّ، وَالْأَوَانِي، وَالدَّرَاهِمِ فَيُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِعَادَةِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَإِلَى غَيْرِ مُمْكِنٍ كَالْأَبْوَابِ، وَالْفَخَّارِ، وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ إفْسَادُهُ. وَلَا لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ، فِيمَا عَدَا الْأَبْوَابِ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، فِي الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ التُّرَابِ: لِلْمَالِكِ رَدُّهَا وَمُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِ التُّرَابِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا، فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا وَوَضَعَ تُرَابَهَا فِي أَرْضِ مَالِكِهَا: لَمْ يَمْلِكْ طَمَّهَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . إذَا حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ شَقَّ نَهْرًا وَنَحْوَهُ فِي أَرْضٍ غَصَبَهَا. فَطَالَبَهُ الْمَالِكُ بِطَمِّهَا: لَزِمَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِغَرَضٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ طَمَّهَا ابْتِدَاءً، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ مَا يَقَعُ فِيهَا. أَوْ يَكُونُ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ، أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ إلَى طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ فَلَهُ طَمُّهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ طَمَّهَا إلَّا بِإِذْنِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِهِمَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ. مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ وَضَعَ التُّرَابَ فِي أَرْضِ مَالِكِهَا، أَوْ فِي مَوَاتٍ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ. فَهَلْ يَمْلِكُ طَمَّهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

ص: 148

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيِّ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُ طَمَّهَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمْلِكُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: وَإِنْ غَصَبَ دَارًا فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا، ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مَالِكُهَا، فَأَرَادَ الْغَاصِبُ طَمَّ الْبِئْرِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَى الْمَالِكِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ فِيهَا. انْتَهَيَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ: هَلْ الرِّضَى الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ لِلْحَفْرِ، أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: وَإِنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ نَحْوَهَا. فَلَهُ طَمُّهَا مُطْلَقًا. وَإِنْ سَخِطَ رَبُّهَا، فَأَوْجُهٌ: النَّفْيُ، وَالْإِثْبَاتُ.

وَالثَّالِثُ: إنْ أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا، وَصَحَّ فِي وَجْهٍ: فَلَا. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجْهًا رَابِعًا: وَهُوَ إنْ كَانَ غَرَضُهُ فِيهِ صَحِيحًا كَدَفْعِ ضَرَرٍ، وَخَطَرٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا فَلَا.

وَخَامِسًا: وَهُوَ إنْ تَرَكَ تُرَابَهَا فِي أَرْضِ غَيْرِ رَبِّهَا: فَلَا. وَقِيلَ: بَلَى، مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ مِنْهُ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: فِي الْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ عَنْ الْقَاضِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ غَيْرِ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ: فَنَعَمْ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُجَرَّدِ: فَكَلَامُهُ فِيهِ مُوَافِقٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. فَإِنَّهُ قَالَ وَذَكَرَ كَلَامَهُ.

ص: 149

قُلْت: النَّاقِلُ عَنْ الْقَاضِي تِلْمِيذُهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ أَعْلَمُ بِكَلَامِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَلِلْقَاضِي فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ الْقَوْلَانِ وَالثَّلَاثَةُ. وَكُتُبُهُ كَثِيرَةٌ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا: أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَبْرَأُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ، أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فِرَاخًا، أَوْ نَوًى فَصَارَ غِرَاسًا) . قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: أَوْ غُصْنًا فَصَارَ شَجَرَةً: رَدَّهُ. وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْغَاصِبُ. فَعَلَى هَذَا: يَتَخَرَّجُ لَنَا: أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. انْتَهَى وَذَلِكَ: لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ تَغْيِيرِ الْعَيْنِ وَتَبَدُّلِ اسْمِهَا.

فَائِدَةٌ: ذَكَرَ فِي الْكَافِي مِنْ صُوَرِ الِاسْتِحَالَةِ: الزَّرْعُ يَصِيرُ حَبًّا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الزَّرْعَ إنْ كَانَ قَدْ سَنْبَلَ حَالَةَ الْغَصْبِ: فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ يَصِيرَانِ تَمْرًا وَزَبِيبًا وَلَيْسَا مِنْ الْمُسْتَحِيلِ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَنْبَلَ: فَهُوَ فِي مَعْنَى إثْمَارِ الشَّجَرِ. فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَوَلِّدِ، لَا الْمُسْتَحِيلِ لِوُجُودِ الذَّاتِ عَيْنًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَ: لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ، رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ)

ص: 150

قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ بِنَبَاتِ لِحْيَةِ أَمْرَدَ، وَقَطْعِ ذَنَبِ حِمَارٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ وَقَالَ: عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ فِي الْإِتْلَافِ) . فَيَجِبُ فِي يَدِهِ: نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ: نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ. وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ مِمَّا لَا يُقَدَّرُ فِيهِ، كَنَقْصِهِ لِلْكِبَرِ أَوْ الْمَرَضِ، أَوْ شَجَّهُ دُونَ الْمُوضِحَةِ: فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مَعَ الرَّدِّ فَقَطْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْوَى. (وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا) وَانْفَرَدَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا التَّخْرِيجِ هُنَا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. عَنْهُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ رُبُعُ قِيمَتِهَا. نَصَرَهَا الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. فَقَالَ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: الْخِلَافُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَصَّ فِي الرَّوْضَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِعَيْنِ الْفَرَسِ. وَجَعَلَ فِي عَيْنِ غَيْرِهَا مَا نَقَصَ. وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ إنَّمَا قَالَ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ. انْتَهَى.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَصَرَ الْخِلَافَ عَلَى عَيْنِ الْفَرَسِ، دُونَ

ص: 151

الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ، وَأَبِي الْمَوَاهِبِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ الْعُكْبَرِيِّ فِي آخَرِينَ. وَاخْتَارَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْلَ بِالْمُقَدَّرِ. . قَالَ: وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ. فَإِنَّ لَفْظَ " الدَّابَّةِ " يَشْمَلُ الْبَغْلَ، وَالْفَرَسَ، وَالْحِمَارَ. وَكَذَلِكَ صِيغَةُ الدَّلِيلِ الْمُتَمَسَّكِ بِهِ. فَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الْأَصْلِ، مَعَ أَنَّا نَجِدُ فِي الْفَرَسِ خَصَائِصَ تُنَاسِبُ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِهِ، لَكِنْ مَا أَخَذْنَا فِيهِ غَيْرَ الْقِيَاسِ. وَلَا يُمْكِنُ إعْمَالُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَمِمَّنْ خَصَّ الرِّوَايَةَ بِعَيْنِ الْفَرَسِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فِي الْعَيْنَيْنِ: مَا نَقَصَ، كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: كَذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ. لَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: نِصْفُ الْقِيمَةِ، اعْتِبَارًا بِالرُّبُعِ فِي إحْدَاهُمَا. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَيَأْتِي: إذَا شَقَّ ثَوْبًا، أَوْ أَتْلَفَ عَصًا، أَوْ قَصْعَةً، أَوْ كَسَرَ خَلْخَالًا وَنَحْوَهُ فِي ضَمَانِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَيَأْتِي وَقْتُ لُزُومِ قِيمَتِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ " لَوْ جَنَى عَلَى حَيَوَانٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا. وَهُوَ كَذَلِكَ. فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ أُمِّهِ بِالْجِنَايَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِبُ ضَمَانُ جَنِينِ الْبَهَائِمِ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَجَنِينِ الْأَمَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَقِيَاسُهُ جَنِينُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ. وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمَا نَقَصَ أُمَّهُ أَيْضًا. وَيَأْتِي فِي مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ.

ص: 152

قَالَ: وَلَوْ أَلْقَتْ الْبَهِيمَةُ بِالْجِنَايَةِ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ: فَفِيهِ احْتِمَالَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الرَّهْنِ.

أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ حَيًّا لَا غَيْرُ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ، أَوْ مَا نَقَصَتْ الْأُمُّ. انْتَهَى. قُلْت: الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَهُ وَجَنَى عَلَيْهِ: ضَمِنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ) . وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ مِنْ الْقِيمَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ الشَّارِحُ: إذَا جَنَى الْغَاصِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ جِنَايَةً مُقَدَّرَةً: الدِّيَةُ. فَعَلَى قَوْلِنَا ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ: يَكُونُ الْوَاجِبُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ. كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ. وَإِنْ قُلْنَا: ضَمَانُ الْغَصْبِ غَيْرُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ أَرْشِ النَّقْصِ، أَوْ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ. وَجَزَمَ بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ. عَنْهُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ بَابِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. لَكِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي الْغَاصِبَ أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وُجُوبُ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ: مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ. لِاجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ. مِثَالُهُ: لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَلْفًا، فَنَقَصَتْ بِالْقَطْعِ أَرْبَعَمِائَةٍ: فَالْوَاجِبُ خَمْسُمِائَةٍ. وَلَوْ نَقَصَ سِتَّمِائَةٍ: كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ.

ص: 153

وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ: فَكَذَلِكَ فِي السِّتِّمِائَةِ. لِأَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْمُوجَبِ. وَفِيمَا قَبْلَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ. لِأَنَّهُ مَا نَقَصَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ. فَزَادَتْ الْقِيمَةُ إلَى أَلْفَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ فَنَقَصَ أَلْفًا: فَيَجِبُ أَلْفٌ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ نَقَصَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ: فَالْوَاجِبُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا. أَمَّا بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ: فَظَاهِرٌ. وَبِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ: يَكُونُ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ. فَإِذَا اسْتَوَيَا كَانَ أَوْلَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ يَعْنِي: الْمُقَدَّرَ فَعَلَيْهِ أَلْفٌ فَقَطْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا. لِإِفْضَائِهِ إلَى إلْغَاءِ أَثَرِ الْيَدِ مَعَ وُجُودِهَا. انْتَهَى وَإِنْ نَقَصَ خَمْسُمِائَةٍ، فَقَالَ الْحَارِثِيُّ: فَعَلَى رِوَايَةِ الْمُقَدَّرِ: عَلَيْهِ أَلْفٌ. وَعَلَى رِوَايَةِ مَا نَقَصَ: عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ فَقَطْ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ.

تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى الْعَبْدِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ الْغَاصِبُ، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِي حَالِ غَصْبِهِ. وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مَا إذَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْغَاصِبِ، فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ. وَيَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْجَانِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَلَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَتَضْمِينُ الْغَاصِبِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّقْصِ) . هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ.

أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ: فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي لِمُبَاشَرَتِهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَهُوَ وَاضِحٌ.

ص: 154

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَخَصَاهُ: لَزِمَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ) . وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ، أَوْ لِسَانَهُ، أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً مِنْ الْحُرِّ. فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فِيهِ مَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ الْخِلَافِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ. لِاسْتِغْرَاقِ الْقِيمَةِ فِي الْمُقَدَّرِ، وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ بِالْخِصَاءِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ: يَرُدُّهُ وَمَعَهُ قِيمَتُهُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ) أَيْ: قِيمَةُ الْعَيْنِ (لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ: لَمْ يَضْمَنْ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: لَمْ أَجِدْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله رِوَايَةً بِالضَّمَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ عَنْهُ: يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ.

وَقِيلَ: يَضْمَنُ نَقْصَهُ مَعَ تَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ إذَا تَلِفَ. وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ: وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ التَّلَفُ بِالزِّيَادَةِ. فَإِنْ اتَّصَلَ، بِأَنْ غَصَبَ مَا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَارْتَفَعَ السِّعْرُ إلَى مِائَتَيْنِ، وَتَلِفَتْ الْعَيْنُ: ضَمِنَ الْمِائَتَيْنِ. وَجْهًا وَاحِدًا. إذْ الضَّمَانُ مُعْتَبَرٌ بِيَوْمِ التَّلَفِ. وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا: فَالْوَاجِبُ الْمِثْلُ بِلَا خِلَافٍ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَوْ غَصَبَ شَيْئًا يُسَاوِي خَمْسَةً، فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى دِرْهَمٍ، ثُمَّ تَلِفَ: لَزِمَهُ خَمْسَةٌ. وَهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِحَالَةِ الْغَصْبِ.

ص: 155

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وَلَيْسَ بِالْمَذْهَبِ. وَإِنَّمَا اسْتَرْسَلَ إلَيْهِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمُخَالِفِينَ. وَلَوْ تَلِفَ نِصْفُ الْعَيْنِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى دِرْهَمٍ. فَرَجَعَ الْبَاقِي إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ: رَدَّ الْبَاقِيَ وَمَعَهُ قِيمَةُ التَّالِفِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَفِي التَّلْخِيصِ: يَرُدُّ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا. وَلَيْسَ بِالْمَذْهَبِ، كَمَا قُلْنَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنَّمَا أَوْرَدْته تَنْبِيهًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ لِمَرَضٍ، ثُمَّ عَادَتْ بِبُرْئِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَنَصُّهُ يَضْمَنُ. وَحَكَى الْحَارِثِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ بِالضَّمَانِ. قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي قَوِيٌّ بَلْ أَقْوَى. وَرَدَّ أَدِلَّةَ الْأَصْحَابِ.

وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ النَّصِّ. فَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَهُ. وَرُبَّمَا كَانَ الْمَذْهَبَ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ مَعِيبًا مَعَ الْأَرْشِ. ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ فِي يَدِ مَالِكِهِ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَا يَجِبُ رَدُّ الْأَرْشِ. لِاسْتِقْرَارِهِ بِأَخْذِ الْعَيْنِ نَاقِصَةً. وَكَذَا لَوْ أَخَذَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِ أَرْشٍ، ثُمَّ زَالَ فِي يَدِهِ: لَمْ يَسْقُطْ الْأَرْشُ كَذَلِكَ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَا يُذْكَرُ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ. قَالَ: وَالصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ النَّقْصِ الْحَادِثِ فِي الْمُدَّةِ. وَيَجِبُ رَدُّ مَا زَادَ إنْ كَانَ.

ص: 156

قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مِثْلُ إنْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً فَعَادَتْ الْقِيمَةُ: ضَمِنَ النَّقْصَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ لِسِمَنٍ، أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ نَقَصَتْ: ضَمِنَ الزِّيَادَةَ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: ضَمِنَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. عَنْهُ: إذَا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَادَ مِثْلَ الزِّيَادَةِ الْأُولَى مِنْ جِنْسِهَا) . مِثْلُ: إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً. فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ لِسِمَنٍ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ هَزَلَتْ فَعَادَتْ إلَى مِائَةٍ، ثُمَّ سَمِنَتْ فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ (لَمْ يَضْمَنْهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ لِنَصِّهِ فِي الْخَلْخَالِ يُكْسَرُ؟ قَالَ: يُصْلِحُهُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَهُوَ أَحَدُ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَقْيَسُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

ص: 157

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: ضَمِنَهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى: لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهَا) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَقِيلَ: يَسْقُطُ الضَّمَانُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ.

فَائِدَةٌ: مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ كَانَ الذَّاهِبُ عِلْمًا أَوْ صِنَاعَةً، فَتَعَلَّمَ عِلْمًا آخَرَ أَوْ صِنَاعَةً أُخْرَى قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هُوَ كَعَوْدِ السِّمَنِ. يَجْرِي فِيهَا الْوَجْهَانِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نَقْصًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِ مِثْلِهَا وَبَيْنَ تَرْكِهَا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا، وَيَأْخُذَهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا) . هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالنَّظْمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقِيلَ: لَهُ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ بِبَدَلِهِ كَمَا فِي الْهَالِكِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَابْنِ عَقِيلٍ

ص: 158

وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَالشِّيرَازِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَالشَّرِيفِ الزَّيْدِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَكْرُوسٍ. وَخَيَّرَهُ فِي التَّرْغِيبِ بَيْنَ أَخْذِهِ مَعَ أَرْشِهِ، وَبَيْنَ أَخْذِ بَدَلِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ الْعَفَنُ. أَمَّا إنْ اسْتَقَرَّ: فَالْأَرْشُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، سَوَاءٌ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ غَيْرِهِ) . إنْ جَنَى عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ: فَعَلَى الْغَاصِبِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِلَا نِزَاعٍ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ. وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ النَّقْصِ الَّذِي لَحِقَ الْعَبْدَ وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا: أَرْشُ الْجِنَايَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ. لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ قَالَ: وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى هَذَا حَالَةَ الِاقْتِصَاصِ لِوُجُودِ الْفَوَاتِ. أَمَّا حَالَةُ عَدَمِ الِاقْتِصَاصِ: فَلَا. لِأَنَّ الْفَوَاتَ مُنْتَفٍ. فَالضَّمَانُ مُنْتَفٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا " الْفَوَاتُ مُنْتَفٍ " لِأَنَّ الْغَايَةَ إذَا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِالرَّقَبَةِ. وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ. لِأَنَّ مِلْكَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِيهَا حَاصِلٌ. فَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ. فَيَكُونُ حَالَةَ عَدَمِ الْقِصَاصِ هَدَرٌ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَمَّا الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْمَالِ كَالْخَطَأِ، وَإِتْلَافِ الْمَالِ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالرَّقَبَةِ. وَعَلَى الْغَاصِبِ تَخْلِيصُهَا بِالْفِدَاءِ وَبِمَا يَفْدِي.

ص: 159

قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ: بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَلَمْ يُورِدُوا هُنَا الْقَوْلَ بِالْأَرْشِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. كَمَا فِي فِدَاءِ السَّيِّدِ لِلْعَبْدِ الْجَانِي لِأَنَّ الَّذِي ذَكَرُوهُ هُوَ الْأَصَحُّ. لَا لِأَنَّ الْخِلَافَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ. وَفِي كَوْنِ الْأَوَّلِ هُوَ الْأَصَحَّ بَحْثٌ. انْتَهَى.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ) . بِلَا نِزَاعٍ.

وَقَوْلُهُ (وَيَضْمَنُ زَوَائِدَ الْغَصْبِ كَالْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ إذَا تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ كَالْأَصْلِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِذَا غَصَبَ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا، فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ: فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ إذَا وَلَدَتْ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَلِدَهُ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا. فَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا، وَكَانَ قَدْ غَصَبَهَا حَامِلًا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ. وَإِنْ كَانَ غَصَبَهَا حَائِلًا، فَحَمَلَتْ وَوَلَدَتْهُ مَيِّتًا: فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي. وَعِنْدَ أَبِيهِ أَبِي الْحُسَيْنِ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْأَوْلَى: أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ. وَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَمَاتَ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي هَذَا الْبَابِ، فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْهُ: وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ بَهِيمَةٌ لَا يَدَ عَلَيْهَا ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً. لِظَاهِرِ الْخَبَرِ.

ص: 160

وَعَلَّلَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَالِكِ. وَلَا ذِمَّةَ لَهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا. وَلَا قَصْدَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا. وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ ذَكَرُوا جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ، وَأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُهَا. وَقَالُوا: لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَضَمِنَهَا. لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي يَدِ الْمَغْصُوبِ. فَهَذَا التَّخْصِيصُ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فِي الْبَهِيمَةِ. قَالَ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي جِنَايَاتِ الْبَهَائِمِ: لَوْ نَقَبَ لِصٌّ، وَتَرَكَ النَّقْبَ، فَخَرَجَتْ مِنْهُ بَهِيمَةٌ: ضَمِنَهَا. وَضَمِنَ مَا تَجْنِي بِإِفْلَاتِهَا وَتَخْلِيَتِهَا. وَقَدْ يَحْتَمِلُ، إنْ حَازَهَا وَتَرَكَهَا بِمَكَانٍ: ضَمِنَ. لِتَعَدِّيهِ بِتَرْكِهَا فِيهِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا بِمَكَانِهَا وَقْتَ الْغَصْبِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، فِي نَقْلِ التُّرَابِ مِنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ: إنْ أَرَادَهُ الْغَاصِبُ، وَأَبَى الْمَالِكُ: فَلِلْغَاصِبِ ذَلِكَ مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ. مِثْلُ: إنْ كَانَ نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، فَيَنْقُلُهُ لِيَنْتَفِعَ بِالْمَكَانِ، أَوْ كَانَ طَرَحَهُ فِي طَرِيقٍ. فَيَضْمَنُ مَا يَتَجَدَّدُ بِهِ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَى آدَمِيٍّ، أَوْ بَهِيمَةٍ. وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ. مِثْلُ: إنْ كَانَ نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ، أَوْ طَرَفِ الْأَرْضِ الَّتِي حَفَرَهَا. وَيُفَارِقُ طَمَّ الْبِئْرِ. لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ غَرَضٍ. لِأَنَّهُ يَسْقُطُ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْحَفْرِ. زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَعَلَّهُ مَعْنَى كَلَامِ بَعْضِهِمْ: أَوْ جِنَايَةُ الْغَيْرِ بِالتُّرَابِ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَمَحَلُّ هَذِهِ الْفَائِدَةِ: عِنْدَ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْ الْبَهِيمَةُ. لَكِنْ لَهَا هُنَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، مِثْلُ: إنْ خَلَطَ حِنْطَةً، أَوْ زَيْتًا بِمِثْلِهِ) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَمْ يَشْتَرِكَا فِيهِمَا. انْتَهَى (لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله.

ص: 161

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي الْحَارِثِ: أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ فِيمَا إذَا خَلَطَ زَيْتَهُ بِزَيْتِ غَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْعُمْدَةِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَهُمَا شَرِيكَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَمَسُّ بِالْمَذْهَبِ. وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. وَفِي الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ، وَالْمُوجِزِ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا. انْتَهَى وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ. وَهُوَ الشَّرِكَةُ كَمَا فِي الْأَوَّلِ، لَكِنْ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْحِصَّةِ. كَذَا أَطْلَقَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فِي تَعْلِيقِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ، وَغَيْرُهُمَا فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمْ. حَتَّى قَالُوا بِهِ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَظُنُّهُ قَوْلَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ. انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إجْرَاءُ هَذَا الْوَجْهِ فِي الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ: فَوَاهٍ جِدًّا. لِأَنَّهَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ، وَقِسْمَتُهَا مُمْكِنَةٌ. فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْبَيْعِ؟ وَرَدَّ هَذَا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ.

فَائِدَةٌ: هَلْ يَجُوزُ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي قَدْرِ مَالِهِ فِيهِ، أَمْ لَا؟ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: قَدْ اخْتَلَطَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ. أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ كُلِّهِ، وَيَتَصَدَّقَ بِهِ.

ص: 162

وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا خَالَطَهُ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: التَّحْرِيمَ. لِامْتِزَاجِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ فِيهِ، وَاسْتِحَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. وَعَلَى هَذَا: لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ. فَيَتَخَرَّجُ بِهِ قَدْرُ الْحَرَامِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَطَهُ بِدُونِهِ، أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) يَعْنِي: عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ (لَزِمَهُ مِثْلُهُ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا) . قَالَ الْقَاضِي، فِي الْمُجَرَّدِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ مِثْلُهُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَشَرِيكَانِ بِقَدْرِ حَقِّهِمَا كَاخْتِلَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا اخْتِيَارُ مَنْ سَمَّيْنَاهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: مَا تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ كَتَالِفٍ يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ. فَشَمَلَ كَلَامُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ خَلَطَ الزَّيْتَ بِالشَّيْرَجِ وَدُهْنَ اللَّوْزِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ، وَدَقِيقَ

ص: 163

الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ، فَالْمَنْصُوصُ: الشَّرِكَةُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَقَدْ شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْقَاضِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ خَلَطَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ، فَتَلِفَ اثْنَانِ، فَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، أَوْ نِصْفَيْنِ. يَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ نِصْفَ الْبَاقِي لَا غَيْرُ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ مَالَهُ كَامِلًا. فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمًا لِهَذَا وَدِرْهَمًا لِهَذَا. فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمَيْنِ بِالْبَاقِي. فَتَسَاوَيَا. لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ قَطْعًا، بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. غَايَتُهُ: أَنَّهُ أَبْهَمَ عَلَيْنَا.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِزَيْتٍ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا، أَوْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا: ضَمِنَ النَّقْصَ. وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدْ، أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا: فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَا لَهُمَا. وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا: فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِهِ) . هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَا خِلَافَ فِيهَا. لَكِنْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: الضَّمِيرُ فِي " نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا " عَائِدٌ عَلَى الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ، وَالسَّوِيقِ وَالزَّيْتِ. لِأَنَّهَا إحْدَى الْحَالَاتِ الْوَارِدَةِ فِي قِيمَةِ الْمَالَيْنِ، مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَالتَّسَاوِي. وَفِي عَوْدِهِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الثَّوْبَ وَالصَّبْغَ فِي صُورَةِ النَّقْصِ

ص: 164

مُنَاقَشَةٌ. فَإِنَّ ضَمَانَ الْغَاصِبِ لَا يُتَصَوَّرُ. لِنُقْصَانِ الصَّبْغِ. إذْ هُوَ مَالُهُ. فَلَا يَجُوزُ إيرَادُهُ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الضَّمَانِ وَالْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ: تَنْقُصُ قِيمَةُ الثَّوْبِ. وَكَذَا قَوْلُهُ " أَوْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا " لَيْسَ بِالْجَيِّدِ. فَإِنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لِحَالَةِ النُّقْصَانِ فِي الصَّبْغِ، دُونَ الثَّوْبِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَإِنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِحَالٍ. وَالصَّوَابُ: حَذْفُهُ. غَيْرَ أَنَّ الضَّمَانَ إنْ فُسِّرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَاصِبِ: يَكُونُ النَّقْصُ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا، وَبِاسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَدْلُولِيهِ مَعًا. فَيَتَمَشَّى. انْتَهَى. فَإِذَا حَصَلَ النُّقْصَانُ، لِكَوْنِهِ مَصْبُوغًا، أَوْ لِسُوءِ الْعَمَلِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةً وَهِيَ الْآنَ بَعْدَ الصَّبْغِ ثَمَانِيَةٌ فَالنَّقْصُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَإِنْ كَانَ لِانْخِفَاضِ سِعْرِ الثِّيَابِ: فَالنَّقْصُ عَلَى الْمَالِكِ. فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةٌ. وَإِنْ كَانَ لِانْخِفَاضِ سِعْرِ الصَّبْغِ: فَالنَّقْصُ عَلَى الْغَاصِبِ. فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةٌ. وَإِنْ كَانَ لِانْخِفَاضِهِمَا مَعًا عَلَى السَّوَاءِ: فَالنَّقْصُ عَلَيْهِمَا. لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ. هَذَا الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: يُحْمَلُ النَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ فِي كُلِّ حَالٍ. وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصَّبْغِ: لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يُجْبَرُ وَيَضْمَنُ النَّقْصَ، سَوَاءٌ كَانَ الْغَاصِبُ أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ.

ص: 165

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْبَرَ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ النَّقْصَ يَعْنِي: إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَ صَبْغِهِ، وَامْتَنَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: أُجْبِرَ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ قَلْعِهِ، وَيَضْمَنُ النَّقْصَ. وَهَذَا قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَ الصِّبْغِ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالثَّوْبِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ. وَيَضْمَنُ نَقْصَ الثَّوْبِ إنْ نَقَصَ. وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ مَا يَهْلِكُ صِبْغُهُ بِالْقَلْعِ، وَبَيْنَ مَا لَا يَهْلِكُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنَّ مَا يَهْلِكُ بِالْقَلْعِ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ إذَا تَضَرَّرَ بِهِ الثَّوْبُ. لِأَنَّهُ قَالَ: الْمُشْتَرِي إذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ. فَلَهُ أَخْذُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَخْذِهِ ضَرَرٌ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: إنْ اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ قَلْعَ الصِّبْغِ. فَفِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَمْلِكُ إجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْبَارِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ: لَوْ نَقَصَ الثَّوْبُ بِالْقَلْعِ: ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ نَقَصَ الصِّبْغُ. فَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا شَيْءَ عَلَى الْمَالِكِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَضْمَنُهُ الْمَالِكُ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَ الصِّبْغَ لِلْمَالِكِ، أَوْ وَهَبَهُ تَزْوِيقَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

ص: 166

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الصَّدَاقِ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي التَّزْوِيقِ وَنَحْوِهِ: هَذَا أَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ تَمَلُّكَ الصِّبْغِ بِالْقِيمَةِ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: لَا يُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَبُولِ. وَاخْتَارَاهُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا بِالْإِجْبَارِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ الْمَغْصُوبَ، أَوْ قَصَرَ الثَّوْبَ، أَوْ عَمِلَ الْحَدِيدَ إبَرًا، أَوْ سُيُوفًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَوَهَبَهُ لِمَالِكِهِ: لَزِمَهُ قَبُولُهُ. وَلَوْ سَمَّرَ بِمَسَامِيرِهِ بَابًا مَغْصُوبًا، ثُمَّ وَهَبَ الْمَسَامِيرَ لِرَبِّ الْبَابِ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا. قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ صَبْغًا فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا، أَوْ زَيْتًا فَلَتَّ بِهِ سَوِيقًا: احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ) . يَعْنِي: يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِصِبْغٍ مِنْ عِنْدِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ سِوَاهُ فِي صُورَةِ الصَّبْغِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي

ص: 167

التَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا. لِأَنَّ الصِّبْغَ وَالزَّيْتَ صَارَا مُسْتَهْلَكَيْنِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ فِي الْكِتَابِ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ. بِمَعْنَى أَنَّهُ يُضَيِّعُ الصِّبْغَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَيَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مَجَّانًا. وَأَطْلَقَ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوَعَةً. وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. عَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ لِلثَّيِّبِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ سِوَى أَرْشِ الْبَكَارَةِ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَدَمُ لُزُومِ مَهْرِ الثَّيِّبِ بَعِيدٌ. عَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ. لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَهْرِهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ وَاهٍ. وَعَنْهُ: لَا مَهْرَ مَعَ الْمُطَاوَعَةِ. ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ جَيِّدٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ: فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِجِنَايَةٍ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مَاتَ بِجِنَايَةٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.

ص: 168

فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْغَاصِبِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا: عَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَوْلَى أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ، مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ أَوْ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ: فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ. بِلَا نِزَاعٍ. يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَالْقَرَارُ عَلَى الْجَانِي. وَإِنْ كَانَ مَاتَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ، فَقِيلَ: يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَيَحْتَمِلُ الضَّمَانَ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَقْيَسُ. فَوَائِدُ: الْأَوْلَى: قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي حَمْلِ الْبَهِيمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا انْفَصَلَ كَذَلِكَ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَوْ وَلَدَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ) . جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ: أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ قَتَلَهَا الْغَاصِبُ بِوَطْئِهِ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. نَقَلَهُ مُهَنَّا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 169

الرَّابِعَةُ: هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَ عَالِمًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ: فَالْوَلَدُ حُرٌّ لِلْغَاصِبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا: فَعَلَى الْغَاصِبِ فِدَاؤُهُ يَوْمَئِذٍ. وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ: فَغَيْرُ مَضْمُونٍ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ: فَعَلَى الْجَانِي الضَّمَانُ. فَإِنْ كَانَ مِنْ الْغَاصِبِ فَغُرَّةٌ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ: لَا يَرِثُ الْغَاصِبُ مِنْهَا شَيْئًا. وَعَلَى السَّيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ: فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ، يَرِثُهَا الْغَاصِبُ دُونَ أُمِّهِ. وَعَلَى الْغَاصِبِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِلْمَالِكِ لَوْ غَصَبَهَا.

الْخَامِسَةُ: لَوْ غَصَبَهَا حَامِلًا. فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ: ضَمِنَ نَقْصَ الْوِلَادَةِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ. فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرَ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: هَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمِ مَاتَ. أَوْ أَكْثَرُ مَا كَانَتْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْمَوْتِ. وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا: فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ: وَجَبَ ضَمَانُهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَهُ مَرِيضًا، فَمَاتَ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْمَرَضِ. جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهَا، أَوْ وَهَبَهَا لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ. فَوَطِئَهَا: فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ: نَقْصُهَا وَمَهْرُهَا، وَأُجْرَتُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا إنْ تَلِفَ. فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ. وَلَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 170

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ، فَضَمِنَهَا: رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ) . اعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْغَاصِبِ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ: يَصِحُّ، وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. وَحَكَى فِيهِ رِوَايَةً ثَالِثَةً: يَصِحُّ الْبَيْعُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَكَذَا الْهِبَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي جَوَازِ تَضْمِينِهِمَا مَا كَانَ الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالتِّسْعِينَ: مَنْ قَبَضَ مَغْصُوبًا مِنْ غَاصِبِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ، فَالْمَشْهُورُ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي جَوَازِ تَضْمِينِهِ مَا كَانَ الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ مِنْ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ. انْتَهَى. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَقَوْلُهُ (فَضَمِنَهُمَا: رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ) . يَعْنِي: إذَا ضَمِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُتَّهِبُ نَقْصَهَا وَمَهْرَهَا، وَأُجْرَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا، وَأَرْشَ الْبَكَارَةِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ بِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ فِي الْفِدَاءِ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ: عَلَى الْمَهْرِ. وَيَأْتِي التَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْخِلَافُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَالْوَلَدُ حُرٌّ) بِلَا نِزَاعٍ (وَيَفْدِيهِ بِمِثْلِهِ فِي صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا) . يَجِبُ فِدَاءُ الْوَلَدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْمَيْمُونِيِّ، وَيَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ فِدَاءُ أَوْلَادِهِ. وَلَيْسَ. لِلسَّيِّدِ بَدَلُهُمْ. لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا.

ص: 171

قَالَ الْخَلَّالُ: أَحْسَبُهُ قَوْلًا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَوَّلَ. وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ: أَنَّهُ يَفْدِيهِمْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. وَلَمْ يُعَوِّلْ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ.

قَوْلُهُ (بِمِثْلِهِ فِي صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا) . يَعْنِي مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ فِي الْجِنْسِ وَالسِّنِّ. لَكِنْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَمَّا السِّنُّ، فَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ. وَفِدَاؤُهُ بِمِثْلِهِ فِي صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا: هُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْقَاضِيَيْنِ أَبِي يَعْلَى، وَيَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فِي تَعْلِيقَيْهِمَا، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ، وَالشَّرِيفِ أَبِي الْقَاسِمِ الزَّيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ: وَهِيَ أَصَحُّ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ مُخْتَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ فِي الْقِيمَةِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَرِوَايَةٌ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَنُسِبَ إلَى اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ. قُلْت: قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَتَضْمِينُهُ الْمِثْلَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ. لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا مِثْلَ لَهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

ص: 172

وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَعَنْهُ يُفْدَى كُلُّ وَصَيْفٍ بِوَصِيفَيْنِ. أَوْرَدَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِي مَغْرُورِ النِّكَاحِ.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يَفْدِيهِ إمَّا بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ. فَيَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ وَضْعِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَكُونُ الْفِدَاءُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَجَعْفَرٍ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى: حِكَايَةُ وَجْهٍ: الِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ الْحُكُومَةِ. قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ) . يَعْنِي: بِمَا فَدَى بِهِ الْأَوْلَادَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا يَرْجِعُ بِفِدَاءِ الْوَلَدِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَلَا يَرْجِعُ بِهَا إنْ كَانَ مُشْتَرِيًا وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُتَّهِبُ) . إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ: وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. وَفِي الْمُغْنِي فِي بَابِ الرَّهْنِ رِوَايَةٌ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ. فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَجْهًا. وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي خِلَافِهِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَقَالَ: هُوَ عِنْدِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقَوَّاهُ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَسَائِلَ وَنَظَائِرَ.

ص: 173

فَعَلَى هَذَا: يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِذَلِكَ كُلِّهِ. وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ بِلَا نِزَاعٍ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ ثَمَنَهَا. وَيَأْخُذُ أَيْضًا نَفَقَتَهُ وَعَمَلَهُ مِنْ الْبَائِعِ الْغَارِّ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: لَوْ بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا. فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا: ضَمِنَ الْمَنْفَعَةَ. سَوَاءٌ انْتَفَعَ بِهَا أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ: فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ الظَّالِمِ. وَإِنْ انْتَزَعَ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، فَأُخِذَتْ مِنْهُ الْأُجْرَةُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ الْغَارِّ. انْتَهَى. وَفِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: احْتِمَالٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ. وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْمُنَى فِي خِلَافِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: لَا يُطَالِبُ بِالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، قُلْت: وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي لَا رُجُوعَ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى أَيْتَامِ غَاصِبٍ وَصِيَّتَهُ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ: لَمْ يَرْجِعْ، وَإِلَّا رَجَعَ. لِأَنَّ الْمُوصِيَ غَرَّهُ. انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُتَّهِبِ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِرَبِّهَا. وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَرْجِعُ مُتَّهِبٌ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ. كَالْمُشْتَرِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي الْكَافِي رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا تَلِفَ. لِأَنَّهُ غَرِمَ مَا أَتْلَفَهُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَعَنْهُ أَنَّ مَا حَصَلَتْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ كَالْأُجْرَةِ وَالْمَهْرِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ) .

ص: 174

هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَائِدَةٌ إلَى قَوْلِهِ " فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ فَضَمِنَهُمَا: رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ " لَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ: رَجَعَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ: رَجَعَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ. بِحَدِيثِ عَلِيٍّ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ الرُّجُوعِ مَذْهَبًا لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَصْلًا وَفَرْعًا. انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ. قُلْت: إذَا رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَنْ قَوْلٍ. فَهَلْ يُتْرَكُ، وَلَا يُذْكَرُ، لِرُجُوعِهِ عَنْهُ؟ أَوْ يُذْكَرُ وَيُثْبَتُ فِي التَّصَانِيفِ؟ تَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ، وَبَابِ التَّيَمُّمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ عَلَى الْغَاصِبِ: فَلَا يَخْلُو مِنْ أَقْسَامٍ.

أَحَدُهُمَا: مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ. وَهُوَ قِيمَتُهَا إذَا تَلِفَتْ كُلُّهَا، أَوْ جُزْؤُهَا فِي يَدِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ.

وَالثَّانِي: فِيهِ خِلَافٌ. وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ: أَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَالْمَهْرُ، وَأُجْرَةُ نَفْعِهَا. فَأَمَّا أَرْشُ الْبَكَارَةِ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الرُّجُوعُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

ص: 175

وَأَمَّا الْمَهْرُ وَأُجْرَةُ النَّفْعِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الْغَاصِبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَرُجُوعُهُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي حُصُولِ نَفْعٍ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قُلْت: الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ: رُجُوعُ الْمُشْتَرِي بِالْمَهْرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَهْرِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.

الثَّالِثُ: مَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ قِيمَةُ الْوَلَدِ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالرَّابِعُ: مَا يَرْجِعُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ نَقْصُ وِلَادَةٍ، وَمَنْفَعَةٌ فَائِتَةٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي فِي نَقْصِ الْوِلَادَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَدْخَلَهُ الْبَاقُونَ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ، كَمَا فِي الْمَتْنِ.

فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمُتَّهِبِ حُكْمُ الْمُشْتَرِي. وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَجَمَاعَةٌ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَحَكَى الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي وَجْهَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى نَصِّهِ.

فَائِدَةٌ أُخْرَى: حُكْمُ الثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ الْحَادِثِ فِي الْمَبِيعِ: حُكْمُ الْمَنَافِعِ، إذَا ضَمِنَهَا: رَجَعَ بِبَدَلِهَا عَلَى الْغَاصِبِ. وَكَذَلِكَ الْكَسْبُ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَيُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ: رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ) .

ص: 176

اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَعْنِي الْغَاصِبَ وَمَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْهُ فَإِنْ ضَمَّنَ غَيْرَ الْغَاصِبِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ رُجُوعِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَدَمِهِ. وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ وَهُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ.

أَحَدُهَا: قِيمَةُ الْعَيْنِ. فَهَذَا إذَا رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ، يَرْجِعُ الْغَاصِبُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي.

الثَّانِي: قِيمَةُ الْوَلَدِ. فَإِذَا رَجَعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ: لَمْ يَرْجِعْ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ الْمَالِكَ إذَا ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ. فَتَأْتِي الرِّوَايَةُ هُنَا: أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي.

الثَّالِثُ: الْمَهْرُ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ وَالْأُجْرَةُ وَنَحْوُهُ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِرُجُوعِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُتَّهِبِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَهَا الْمَالِكُ هُنَاكَ: لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِمَا هُنَا إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ. وَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ: يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِمَا هُنَا.

الرَّابِعُ: نَقْصُ الْوِلَادَةِ وَالْمَنْفَعَةُ الْفَائِتَةُ. فَإِنْ رَجَعَ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ: لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَوْلًا وَاحِدًا. عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ شَمَلَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ: رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ". فَحَيْثُ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا: يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ. فَمَاتَ الْوَلَدُ: ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ. وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

ص: 177

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِغَصْبِهَا، فَيُزَوِّجُهَا لِغَيْرِ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ. فَتَلِدُ مِنْهُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ. فَيَضْمَنُهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِقِيمَتِهِ إذَا تَلِفَ. وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ضَمَانِ النَّفْعِ إذَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

إحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ النَّفْعِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. فَكَذَا هَذَا

وَالثَّانِيَةُ: لَا يَرْجِعُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهَا فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ: اسْتَقَرَّ ضَمَانُ قِيمَتِهَا عَلَيْهِ وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْغَاصِبِ) . إذَا اسْتَعَارَهَا مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِغَصْبِهَا. فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ، وَالْمُسْتَعِيرِ. فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ: رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ، فَضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ. وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْغَاصِبِ ". وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ إذَا تَلِفَتْ بِالِاسْتِيفَاءِ. وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ ابْتِدَاءً. فَفِيهِ طَرِيقَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْبِنَاءُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ الْقَابِضُ عَلَيْهِ إذَا ضَمِنَ ابْتِدَاءً: رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ هُنَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَمَنْ اتَّبَعَهُ، وَالْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ.

ص: 178

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَابِضِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِيمَا إذَا انْتَقَلَتْ الْعَيْنُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ: مَسْأَلَةَ الشِّرَاءِ، وَمَسْأَلَةُ الْهِبَةِ، وَمَسْأَلَةَ الْعَارِيَّةِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: أَنَّ الْأَيْدِيَ الْقَابِضَةَ مِنْ الْغَاصِبِ، مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ عَشْرَةٌ: مِنْهَا: الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ. وَلَكِنْ نُعِيدُ ذِكْرَ يَدِ الْمُتَّهِبِ لِأَجْلِ نَظَائِرِهَا فِي الْيَدِ التَّاسِعَةِ.

فَالْيَدُ الثَّالِثَةُ: الْغَاصِبَةُ مِنْ الْغَاصِبِ، وَحَقُّهَا: أَنْ تَكُونَ أُولَى. لِأَنَّهَا كَالْأَصْلِ لِلْأَيْدِي. وَهُوَ أَنَّ الْيَدَ الْغَاصِبَةَ مِنْ الْغَاصِبِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الضَّمَانُ كَأَصْلِهَا. وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا مَعَ التَّلَفِ تَحْتَهَا. وَلَا يُطَالَبُ بِمَا زَادَ عَلَى مُدَّتِهَا.

الْيَدُ الرَّابِعَةُ: يَدٌ آخِذَةٌ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ كَالِاسْتِيدَاعِ، وَالْوَكَالَةِ بِغَيْرِ جُعْلٍ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَهَا. ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمَّنَ عَلَى الْغَاصِبِ، لِتَغْرِيرِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهَا، وَلِتَلَفِ الْمَالِ تَحْتَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ مِنْ الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ كَذَلِكَ فِي الْمُرْتَهِنِ، وَنَحْوِهِ. وَأَوْلَى. وَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ مُودَعِ الْمُودِعِ، حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ. فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَحْدَهُ. كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَذَكَرَ: أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ مَنَعَ ظُهُورَهُ.

ص: 179

الْيَدُ الْخَامِسَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ لِمَصْلَحَتِهَا، وَمَصْلَحَةِ الْغَاصِبِ كَالشَّرِيكِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالْوَكِيلِ بِجُعْلٍ، وَالْمُرْتَهِنِ فَالْمَشْهُورُ: جَوَازُ تَضْمِينِهَا أَيْضًا. وَتَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْ. لِدُخُولِهَا عَلَى الْأَمَانَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّهْنِ: احْتِمَالَيْنِ آخَرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: اسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْقَابِضِ. وَحَكَوْا هَذَا الْوَجْهَ فِي الْمُضَارِبِ أَيْضًا.

وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ. لِدُخُولِهَا عَلَى الْأَمَانَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَذْهَبُ. وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الْقَابِضِ مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ. وَحَكَى الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ الْأَمَانَاتِ يَسْتَقِرُّ عَلَى مَنْ ضَمِنَ مِنْهُمَا. فَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ.

الْيَدُ السَّادِسَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ عِوَضًا مُسْتَحَقًّا بِغَيْرِ عَقْدِ الْبَيْعِ كَالصَّدَاقِ، وَعِوَضِ الْخَلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَهُ، أَوْ كَانَ الْقَبْضُ وَفَاءً لِدَيْنٍ مُسْتَقَرٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ صَدَاقًا، وَقِيمَةَ مَا تَلِفَ وَنَحْوَهُ فَإِذَا تَلِفَتْ هَذِهِ الْأَعْيَانُ فِي يَدِ مَنْ قَبَضَهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ: فَلِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بِبَدَلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، عَلَى مَا تَقَرَّرَ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ: أَنْ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِي الصَّدَاقِ. وَالْبَاقِي مِثْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّضْمِينِ. فَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا غَرِمَ مِنْ قِيمَةِ الْمَنَافِعِ، لِتَغْرِيرِهِ. إلَّا بِمَا انْتَفَعَ بِهِ. فَإِنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَمَّا قِيَمُ الْأَعْيَانِ، فَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَبْضُ وَفَاءً عَنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ: فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ. وَإِنْ كَانَ عِوَضًا مُتَعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ: لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ هُنَا بِاسْتِحْقَاقِهِ. وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ النِّكَاحَ عَلَى الْمَغْصُوبِ لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ الْقَوْلَ بِانْتِفَاءِ الصِّحَّةِ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ الْعِلْمِ. ذَكَرَهُ

ص: 180

ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْمَنْصُوصِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَأَمَّا عِوَضُ الْخَلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ: فَفِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِقِيمَةِ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ. وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.

وَالثَّانِي: يَجِبُ قِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. بِخِلَافِ الْعِتْقِ. فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْبُيُوعِ مِنْ خِلَافِهِ. وَيُشْبِهُ قَوْلَ الْأَصْحَابِ، فِيمَا إذَا جَعَلَ عِتْقَ أَمَتِهِ صَدَاقَهَا وَقُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ عَلَيْهَا قِيمَةَ نَفْسِهَا لَا قِيمَةَ مَهْرِ مِثْلِهَا. وَعَلَى الْوَجْهِ الْمُخَرَّجِ فِي الْبَيْعِ: أَنَّ الْمَغْرُورَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ. فَهُنَا كَذَلِكَ.

الْيَدُ السَّابِعَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ بِمُعَاوَضَةٍ. وَهِيَ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ: إذَا ضُمِّنَتْ الْمَنْفَعَةُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا. وَلَوْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ: فَفِيهِ مَا مَرَّ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَةِ الْعَيْنِ عَلَى الثَّمَنِ. وَإِذَا ضُمِّنَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ. وَفِي تَعْلِيقَةِ الْمَجْدِ يَتَخَرَّجُ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِحَالٍ. لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ: يَضْمَنُ الْعَيْنَ. وَهَلْ الْقَرَارُ عَلَيْهِ؟ لَنَا وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: عَلَى الْغَاصِبِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. انْتَهَى.

الْيَدُ الثَّامِنَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ لِلشَّرِكَةِ. وَهِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ فِي الْمَالِ بِمَا يُنَمِّيهِ بِجُزْءٍ مِنْ

ص: 181

النَّمَاءِ كَالشَّرِيكِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالْمَزَارِعِ، وَالْمُسَاقِي وَلَهُمْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْغَاصِبِ لِعَمَلِهِمْ لَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ. فَأَمَّا الْمُضَارِبُ، وَالْمَزَارِعُ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَشَرِيكُ الْعَنَانِ: فَقَدْ دَخَلُوا عَلَى أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِحَالٍ. فَإِذَا ضَمِنُوا عَلَى الْمَشْهُورِ رَجَعُوا بِمَا ضَمِنُوا، إلَّا حِصَّتَهُمْ مِنْ الرِّبْحِ، فَلَا يَرْجِعُونَ بِضَمَانِهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُسَاقِي. وَالْمَزَارِعِ نَظِيرَهُ. أَمَّا الْمُضَارِبُ، وَالشَّرِيكُ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ شَيْءٍ بِدُونِ الْقِسْمَةِ مُطْلَقًا. وَحَكَى الْأَصْحَابُ فِي الْمُضَارِبِ لِلْمُضَارِبِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَهُ. بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ تَلِفَ الْمَالُ بِيَدِهِ. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُمْ بِحَالٍ. وَإِنَّمَا أَعَادَ حُكْمَ الشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ لِذِكْرِ النَّمَاءِ. وَأَمَّا الْمُسَاقِي إذَا ظَهَرَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ تَكْمِلَةِ الْعَمَلِ: فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِعَمَلِهِ عَلَى الْغَاصِبِ. وَإِذَا تَلِفَ الثَّمَنُ فَلَهُ حَالَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: أَنْ يَتْلَفَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ كُلٍّ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْعَامِلِ مَا قَبَضَهُ. وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْكُلَّ لِلْغَاصِبِ. فَإِذَا ضَمَّنَهُ الْكُلَّ: رَجَعَ عَلَى الْعَامِلِ بِمَا قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ. وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَهَلْ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْعَامِلِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: نَعَمْ. ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا قَبَضَهُ عَلَى الثَّمَرَةِ. عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِالْكُلِّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ. وَالثَّانِي: لَا.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتْلَفَ الثَّمَرُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ: إمَّا عَلَى الشَّجَرِ، وَإِمَّا بَعْدَ جَذِّهِ. فَفِي التَّلْخِيصِ فِي مُطَالَبَةِ الْعَامِلِ بِالْجَمِيعِ: احْتِمَالَانِ. وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الشَّجَرِ.

ص: 182

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ مُلْتَفِتٌ إلَى أَنَّ يَدَ الْعَامِلِ: هَلْ يَثْبُتُ عَلَى الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ أَمْ لَا؟ وَالْأَظْهَرُ: أَنْ لَا. لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَنَا لَا يَنْتَقِلُ فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَجَرِهِ بِالتَّخْلِيَةِ. وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً بِثَمَرِهَا. فَهَلْ تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ فِي ضَمَانِهِ تَبَعًا لِلشَّجَرَةِ؟ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: لَا تَدْخُلُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَالْمَذْهَبُ دُخُولُهَا تَبَعًا.

الْيَدُ التَّاسِعَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ تَمَلُّكًا لَا بِعِوَضٍ: إمَّا لِلْعَيْنِ بِمَنَافِعِهَا كَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ أَوْ لِلْمَنْفَعَةِ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنَافِعِ وَالْمَشْهُورُ. أَنَّهَا تَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْهُ بِكُلِّ حَالٍ، إلَّا مَا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ نَفْعٌ. فَفِي رُجُوعِهَا بِضَمَانِهِ الرِّوَايَتَانِ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهَا لَا تَضْمَنُ ابْتِدَاءً: مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ ضَمَانُهَا عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْهُ بِحَالٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَحَلِّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الرُّجُوعِ بِمَا انْتَفَعَتْ بِهِ عَلَى طُرُقٍ ثَلَاثٍ: إحْدَاهُنَّ: أَنَّ مَحَلَّهُمَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْغَاصِبُ: هَذَا مِلْكِي، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ: فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: إنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْقَابِضَ ابْتِدَاءً، فَفِي رُجُوعِهِ عَلَى الْغَاصِبِ الرِّوَايَتَانِ مُطْلَقًا. وَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ ابْتِدَاءً، فَإِنْ كَانَ الْقَابِضُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمَلَكِيَّةِ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْقَابِضِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ.

الْيَدُ الْعَاشِرَةُ: يَدٌ مُتْلِفَةٌ لِلْمَالِ نِيَابَةً عَنْ الْغَاصِبِ كَالذَّابِحِ لِلْحَيَوَانِ، وَالطَّابِخِ لَهُ فَلَا قَرَارَ عَلَيْهَا بِحَالٍ. وَإِنَّمَا الْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَصْحَابُ.

ص: 183

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ بِالْقَرَارِ عَلَيْهَا مِمَّا أَتْلَفَهُ كَالْمُودِعِ إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَأَوْلَى. لِمُبَاشَرَتِهَا لِلْإِتْلَافِ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا بِحَالٍ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَنْ حَفَرَ لِرَجُلٍ بِئْرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ. فَقَالَ الْحَافِرُ: ظَنَنْت أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ. فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَتْهُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا، عَالِمَةً بِتَحْرِيمِهِ، كَالْقَاتِلَةِ لِلْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالْمُحْرِقَةِ لِلْمَالِ بِإِذْنِ الْغَاصِبِ فِيهِمَا. فَفِي التَّلْخِيصِ: يَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا الضَّمَانُ. لِأَنَّهَا عَالِمَةٌ بِالتَّحْرِيمِ. فَهِيَ كَالْعَالِمَةِ بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ. وَرَجَّحَ الْحَارِثِيُّ دُخُولَهَا فِي قِسْمِ الْمَغْرُورِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ مُلَخَّصًا. وَلَقَدْ أَجَادَ. فَرَحِمَهُ اللَّهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا، أَوْ بَنَى فِيهَا. فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً فَقَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ: رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَهُ) . ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْقِسْمَةِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْقَلْعِ. وَأَفَادَنَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ لِلْمَالِكِ قَلْعَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. أَعْنِي مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ، وَلَا الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ. وَعَنْهُ: لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَ نَقْصَهُ. ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: لَا يَقَعُ. بَلْ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ. وَذَكَرَ النَّصَّ مِنْ رِوَايَةِ حَرْبٍ.

ص: 184

وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ فِي غَرْسِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ. وَقَالَ: نَقَلَهُ عَنْهُ حَرْبٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ. وَذَكَرَ النَّصَّ، وَقَالَ: وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْجُرْجَانِيُّ. وَقَالَ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَلَا يَثْبُتُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ سِوَاهُ. وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، عِنْدَ غَرْسِ الْغَاصِبِ وَبِنَائِهِ. وَلَكِنَّ كَلَامَهُ هُنَا أَعَمُّ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ بَنَى فِيمَا يَظُنُّهُ مِلْكَهُ: جَازَ نَقْضُهُ لِتَفْرِيطِهِ. وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي الشَّفِيعِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ: رَدَّ بَائِعُهُ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ سَبَقَ الْمِلْكُ الشِّرَاءَ وَإِلَّا فَلَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي الدَّعْوَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ: اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ) يَعْنِي: عَلَى الْآكِلِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَ لَهُ الْغَاصِبُ: كُلْهُ، فَإِنَّهُ طَعَامِي: اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَى الْآكِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِمَا

ص: 185

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: هُوَ طَعَامِي، بَلْ قَالَ لَهُ: كُلْ (فَفِي أَيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؟ وَجْهَانِ) . أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكُونَ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ. وَحَكَاهُمَا فِي الْمُغْنِي رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ.

أَحَدُهُمَا: يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَسْتَقِرُّ عَلَى الْآكِلِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ: إنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ ضَمَّنَ الْآكِلَ فَفِي رُجُوعِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَجْهَانِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى رِوَايَتَيْ الْمَغْصُوبِ. لَكِنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ: هُوَ طَعَامِي فَكُلْهُ. وَغَيْرُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ: لَمْ يَبْرَأْ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ تَبِعَةٌ، فَأَوْصَلَهَا إلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا صِلَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ هَذَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ. عَالِمًا أَنَّهُ طَعَامُهُ: بَرِئَ غَاصِبُهُ. وَكَذَا لَوْ أَكَلَهُ بِلَا إذْنِهِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَ لَهُ الْغَاصِبُ: كُلْهُ، فَإِنَّهُ طَعَامِي: لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، بَلْ قَدَّمَهُ إلَيْهِ، وَقَالَ: كُلْهُ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ. وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ الْمَذْكُورِ.

ص: 186

قَالَ الْحَارِثِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ وَذَكَرَهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَبْرَأَ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا أَطْعَمَهُ لِأَجْنَبِيٍّ. فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْآكِلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى تَخْرِيجًا.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَطْعَمَهُ لِدَابَّةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، أَوْ لِعَبْدِهِ: لَمْ يَبْرَأْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ التَّلْخِيصُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ أَطْعَمَهُ لِدَابَّتِهِ مَعَ عِلْمِهِ: بَرِئَ مِنْ الْغَصْبِ، وَإِلَّا فَلَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لِغَيْرِ عَالِمٍ بِغَصْبِهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ لِدَابَّتِهِ، اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ جَهِلَ مَالِكُهُ. فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.

الثَّالِثُ: لَا يَبْرَأُ، إنْ قَالَ: هُوَ لِي، وَإِلَّا بَرِئَ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ لِمَالِكِهِ، أَوْ أَهْدَاهُ إلَيْهِ: بَرِئَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ تَسْلِيمًا تَامًّا. وَكَذَا إنْ بَاعَهُ أَيْضًا، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، أَوْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسِّتِّينَ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْهِبَةِ: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ تَحَمَّلَ مِنَّتَهُ. وَرُبَّمَا كَافَأَهُ عَلَى ذَلِكَ.

ص: 187

وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي: أَنَّهُ يَبْرَأُ. لِأَنَّ الْمَالِكَ تَسَلَّمَهُ تَسْلِيمًا تَامًّا. وَعَادَتْ سُلْطَتُهُ إلَيْهِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ أَخْذَهُ بِهِبَةٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ صَدَقَةٍ: أَنَّهُ كَإِطْعَامِهِ لِرَبِّهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ أَهْدَاهُ إلَيْهِ، أَوْ جَعَلَهُ صَدَقَةً: لَمْ يَبْرَأْ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْمَنْصُوصُ: عَدَمُ الْبَرَاءَةِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِيَانِ أَبُو يَعْلَى، وَيَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ مَالِكِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ، أَوْ أَجَّرَهُ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى قِصَارَتِهِ وَخِيَاطَتِهِ: لَمْ يَبْرَأْ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَالنَّصُّ قَاضٍ بِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي فِي غَيْرِ الرَّهْنِ. وَقِيلَ: يَبْرَأُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَبْرَأُ فِي وَدِيعَةٍ، وَنَحْوِهَا. قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَبْرَأُ. قُلْت: وَرَأَيْته فِي نُسْخَةٍ قُرِئَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَبْرَأُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَبَاحَهُ مَالِكُهُ لِلْغَاصِبِ، فَأَكَلَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ: ضَمِنَ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِيمَا إذَا حَلَفَ: لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ. يَعْنِي: بِعَدَمِ الضَّمَانِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ غَيْرُ الطَّعَامِ كَهُوَ فِي ذَلِكَ. وَلَا فَرْقَ. قَالَ فِي الْفُنُونِ، فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ: يَبْقَى الضَّمَانُ. بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَدَّمَ لَهُ شَوْكَهُ الَّذِي غَصَبَهُ مِنْهُ فَسَجَرَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. انْتَهَى.

ص: 188

وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِالطَّعَامِ، بَلْ قَالَ: كُلُّ تَصَرُّفٍ تَصَرَّفَ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ فِي حَالِ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ مَالِكُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ: فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. انْتَهَى. وَلَمْ يَرْتَضِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قُلْت: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ بَعِيدٌ جِدًّا وَالصَّوَابُ: الْجَزْمُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ. لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ فِيمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَتَبَيَّنَتْ زَوْجَتُهُ. فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَلَا غَيْرَهُ. وَكَمَا لَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ غَرَبَتْ. فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهُ إيَّاهُ: بَرِئَ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَبْرَأْ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمُقْتَضَى النَّصِّ: الضَّمَانُ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ. يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَلَمْ يُعَارِضْهُ الْمُغْنِي، وَالْمُقْنِعُ. فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ جَزَمَ بِالْبَرَاءَةِ فِيهِمَا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ: فَإِنَّهُ تَابَعَ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُغْنِي، وَلَوْ أَعَادَ النَّظَرَ. فَحَكَى الْخِلَافَ، كَمَا حَكَاهُ غَيْرُهُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ، أَوْ أَقْرَضَهُ، فَقَبَضَهُ جَاهِلًا: لَمْ يَبْرَأْ، عَلَى الْمَنْصُوصِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَبْرَأُ.

ص: 189

قَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ. فَادَّعَى رَجُلٌ: أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْآخَرِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ صَدَّقَاهُ مَعَ الْعَبْدِ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ) . وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ (إذَا صَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ) . يَعْنِي: إذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ كُلُّهُمْ. وَيَعُودُ الْعَبْدُ إلَى الْمُدَّعِي.

تَنْبِيهٌ: الضَّمَانُ هُنَا هُوَ ثَمَنُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قِيلَ: بَلْ قِيمَتُهُ حِينَ الْعَقْدِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَقُلْنَا يَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ فَلَهُ الثَّمَنُ. وَإِنْ رَدَّهُ: فَلَهُ الْقِيمَةُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ، وَخَلَّفَ مَالًا: فَهُوَ لِلْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُخَلِّفَ وَارِثًا فَيَأْخُذَهُ. وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ: لَزِمَهُ مِثْلُهُ، إنْ كَانَ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا) . كَذَا لَوْ أَتْلَفَهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، سَوَاءٌ تَمَاثَلَتْ أَجْزَاؤُهُ أَوْ تَفَاوَتَتْ كَالْأَثْمَانِ، وَالْحُبُوبِ، وَالْأَدْهَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 190

وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ إجْمَاعًا فِي الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِهِ التَّمَامِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَذَكَرَ أَيْضًا أَخْذَ الْقِيمَةِ فِي نُقْرَةٍ وَسَبِيكَةٍ لِلْأَثْمَانِ، وَعِنَبٍ وَرُطَبٍ وَكُمَّثْرَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ النُّقْرَةَ بِقِيمَتِهَا.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ. فَأَمَّا مُبَاحُ الصِّنَاعَةِ كَمَعْمُولِ الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالصُّوفِ، وَالشَّعْرِ الْمَغْزُولِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ. لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَصْلِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ إعْوَازِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ. يَعْنِي يَوْمَ قَبْضِ الْبَدَلِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ. وَقِيلَ: أَكْثَرُهُمَا يَعْنِي: أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَدَلِ، وَقِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ.

ص: 191

وَعَنْهُ: يَوْمَ الْمُحَاكَمَةِ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ: قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِعْوَازِ، وَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.

فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: إنْ قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ: وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ، ثُمَّ عَدِمَهُ. أَمَّا إنْ عَدِمَهُ ابْتِدَاءً: فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُخْرَج فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الْمِثْلِ خِلَافٌ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَخْذِهَا: أَجْزَأَتْ. وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا، وَأَخْذُ الْمِثْلِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ الْمِثْلَ.

الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ هُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ، وَحَرْبِ بْنِ إسْمَاعِيلَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي السَّبِيكَةِ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: الْحَطَبُ، وَالْخَشَبُ، وَالْحَدِيدُ، وَالنُّحَاسُ، وَالرَّصَاصُ لَيْسَ مِثْلِيًّا لَا يَخْتَلِفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعُمُومُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ. انْتَهَى.

ص: 192

ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ كَالرِّبَوِيَّاتِ، وَالْأَشْرِبَةِ، وَالْغَالِيَةِ غَيْرُ مِثْلِيٍّ. لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْمُرَكَّبَاتِ وَالتَّرْكِيبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالصَّوَابُ إدْرَاجُهُ فِي الْمَنْصُوصِ. لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا: وَلَعَمْرِي، إنَّ اعْتِبَارَ الْمِثْلِيِّ بِكُلِّ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَسَنٌ. وَالتَّشَابُهُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مُمْكِنٌ. فَلَا مَانِعَ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ مَا انْقَسَمَ بِالْأَجْزَاءِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ، مُضَافًا إلَى هَذَا النَّوْعِ. لِوُجُودِ التَّمَاثُلِ وَانْتِفَاءِ التَّخَالُفِ. انْتَهَى.

الثَّالِثَةُ: الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الرَّائِجَةُ: مِثْلِيَّةٌ لِتَمَاثُلِهَا عُرْفًا. وَلِأَنَّ أَخْلَاطَهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا: ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ، فِي الْأَمَةِ: مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ، وَمُوسَى بْنِ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْكَحَّالِ. وَفِي الدَّابَّةِ: مِنْ رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَفِي الثِّيَابِ: مِنْ رِوَايَةِ الْكَحَّالِ أَيْضًا، وَابْنِ مُشَيْشٍ وَمُهَنَّا. وَعَنْهُ: فِي الثَّوْبِ وَالْقَصْعَةِ وَالْعِصِيِّ وَنَحْوِهَا: يَضْمَنُهَا بِالْمِثْلِ، مُرَاعِيًا لِلْقِيمَةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ: الْمِثْلُ فِي الْعِصِيِّ وَالْقَصْعَةِ إذَا كُسِرَ، وَفِي الثَّوْبِ. وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ شَقَّ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ مِثْلَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ الشَّقِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ: يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ فِي الْعِصِيِّ، وَالْقَصْعَةِ وَالثَّوْبِ.

ص: 193

قُلْت: فَلَوْ كَانَ الشَّقُّ قَلِيلًا؟ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا. قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ. وَذَكَرَ لَفْظَهُ فِي الْإِرْشَادِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ بِمِثْلِهِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ، وَالْمُوجَزِ: أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُفْرَدَاتِ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ: لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ كَسَرَ خَلْخَالًا: أَنَّهُ يُصْلِحُهُ. قَوْلُهُ (ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ فِي بَلَدِهِ مِنْ نَقْدِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ.

نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَضْمَنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ هَذَا التَّخْرِيجَ مِنْ قَوْلِ

ص: 194

الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي حَوَائِجِ الْبَقَّالِ يُعْطِيهِ عَلَى سِعْرِ يَوْمِ أَخَذَ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَوَائِجَ يَمْلِكُهَا الْآخِذُ بِأَخْذِهَا. بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: بِأَكْثَرِهِمَا يَعْنِي أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَةُ يَوْمِ تَلَفِهِ وَيَوْمِ غَصْبِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى رِوَايَةً بِوُجُوبِ أَقْصَى الْقِيَمِ: مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ. وَنُسِبَ إلَى الْخِرَقِيِّ مِنْ قَوْلِهِ " وَلَوْ غَصَبَهَا حَامِلًا، فَوَلَدَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ. أَخَذَهَا سَيِّدُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا أَكْثَرُ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ " وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّامِرِيِّ. قَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: وَمَا وُجِدَتْ رِوَايَةٌ بِمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ. وَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ مَنَافٍ لِلْأَوَّلِ. فَإِنَّ قِيمَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ تَتَزَايَدُ بِتَزَايُدِ تَرْبِيَتِهِ. فَتَكُونُ يَوْمَ مَوْتِهِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ. وَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا قَالَ. لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَمَا عَدَاهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ مِنْ نَصِّهِ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ: حُكْمُ الْمَغْصُوبِ فِي اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِيَوْمِ التَّلَفِ. وَكَذَا الْمُتْلَفِ بِلَا غَصْبٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَقَدَّمَتْ الْإِحَالَةُ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ فِي أَوَاخِرِ خِيَارِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ " فِي بَلَدِهِ " هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَيْ فِي بَلَدِ غَصْبِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ الَّذِي تَلِفَ فِيهِ. لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَمَانِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ، عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: كَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّمَانِ. فَاخْتُصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ. فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِيَوْمِ الْغَصْبِ. لِأَنَّهُ إذَنْ مَحَلُّ الضَّمَانِ.

ص: 195

أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِهِ بِيَوْمِ التَّلَفِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَالِاعْتِبَارُ إذَنْ إنَّمَا هُوَ بِمَحَلِّ التَّلَفِ. لِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّمَانِ، حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ فِيهِ. فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِهِ. وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إلَى مَا قُلْنَا. فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ غُصِبَ فِي بَلَدٍ، وَتَلِفَ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَلَقِيَهُ فِي ثَالِثٍ: كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَةِ أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ مِنْ بَلَدِ الْغَصْبِ وَالتَّلَفِ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ الْقَبْضِ، فَيُطَالِبُ بِالْقِيمَةِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ صَرَّحَ فِي التَّلْخِيصِ بِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ كِتَابِهِ. فَقَالَ: وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ. وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ: إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ أَخَذَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ أَخَذَ مِنْ غَالِبِهَا. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَغْصُوبِ. مِثْلَ الْمَصُوغِ وَنَحْوِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ نَسَجَ غَزْلًا، أَوْ عَجَنَ دَقِيقًا. فَقِيلَ: حُكْمُهُ كَذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَقِيلَ: حُكْمُهُ كَذَلِكَ، أَوْ الْقِيمَةُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ أَوْلَى عِنْدِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: لَا قِصَاصَ فِي الْمَالِ. مِثْلُ شَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ، وَمُوسَى بْنُ سَعِيدٍ، وَالشَّالَنْجِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا ". وَيَأْتِي " هَلْ يُقْتَصُّ مِنْ اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا؟ " فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ غَصَبَ جَمَاعَةٌ مُشَاعًا. فَرَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَهْمَ وَاحِدٍ إلَيْهِ: لَمْ يَجُزْ

ص: 196

لَهُ، حَتَّى يُعْطِيَ شُرَكَاءَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ صَالَحُوهُ عَنْهُ بِمَالٍ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَشَاعِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ زَكَّاهُ رَبُّهُ: رَجَعَ بِهَا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي: لَا يَرْجِعُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ كَمَنْفَعَةٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مَصُوغًا، أَوْ تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ: قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ: قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ: قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا اسْتَهْلَكَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَا مَضْرُوبَيْنِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَا مَضْرُوبَيْنِ: فَمِثْلِيَّانِ. وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَا مَصُوغَيْنِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَصُوغَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ بِمِثْلِيَّتِهِ كَمَا هُوَ الصَّوَابُ فَيَضْمَنَانِ بِالْمِثْلِ. وَإِنْ قِيلَ: بِتَقْوِيمِهِ وَهُوَ الْوَارِدُ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَاسْتَوَيَا زِنَةً وَقِيمَةً: فَمَضْمُونٌ بِالزِّنَةِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ: فَمَضْمُونٌ بِغَيْرِ الْجِنْسِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا.

ص: 197

وَإِنْ كَانَ مُغَايِرًا لِجِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ، بِأَنْ كَانَ الْمُتْلَفُ ذَهَبًا، وَنَقْدُ الْبَلَدِ دَرَاهِمَ، أَوْ بِالْعَكْسِ: ضَمِنَ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. وَإِنْ كَانَا مَصُوغَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: بِالْمِثْلِيَّةِ فِي مِثْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَبَ الْمِثْلُ زِنَةً وَصُورَةً. وَإِنْ قِيلَ بِالتَّقْوِيمِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فَإِنْ اتَّحَدَا قِيمَةً وَوَزْنًا لِسُوءِ الصِّنَاعَةِ: ضَمِنَ بِزِنَتِهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ كَيْفَ كَانَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا: وَجَبَتْ الْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ مِنْ الْجِنْسِ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ. فَأَمَّا مُحَرَّمُ الصِّنَاعَةِ كَالْأَوَانِي، وَحُلِيِّ الرِّجَالِ الْمُحَرَّمِ: فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ. وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَزَادَ فِي الْكُبْرَى فَقَالَ: وَقِيلَ إنْ جَازَ اتِّخَاذُهُ: ضَمِنَ. كَالْمُبَاحِ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِالنَّقْدَيْنِ مَعًا: قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَأَعْطَاهُ بِقِيمَتِهِ عَرْضًا) . جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. وَهُوَ الْعَرْضُ مُقَوَّمًا بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَعَلَّلَهُ. وَقَالَ: هَذَا عَلَى أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافَقَتِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. أَمَّا عَلَى أَصْلِ الْقَاضِي، وَمَنْ وَافَقَهُ: فَجَائِزٌ تَضْمِينُهُ بِالْجِنْسِ عَلَى مَا مَرَّ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ، فَنَقَصَتْ قِيمَةُ بَاقِيهِ كَزَوْجَيْ خُفٍّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ يُرَدُّ الْبَاقِي، وَقِيمَةُ التَّالِفِ، وَأَرْشُ النَّقْصِ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

ص: 198

وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْوَجْهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلِوَهَائِهِ أَعْرَضَ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى إيرَادِ أَبِي الْخَطَّابِ لَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ، أَوْ فَرَسًا فَشَرَدَ، أَوْ شَيْئًا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَائِهِ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ رَدِّهِ: أَخَذَ الْقِيمَةَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالُوا: يَرُدُّ الْقِيمَةَ لِلْغَاصِبِ بِعَيْنِهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً. وَيَرُدُّ زَوَائِدَهَا الْمُتَّصِلَةَ، مِنْ سَمْنٍ وَنَحْوِهِ. وَلَا يَرُدُّ الْمُنْفَصِلَةَ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً: فَمِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، أَوْ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً. وَهَلْ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْعَيْنِ لِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ؟ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا: هَلْ يَحْبِسُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى رَدِّ الثَّمَنِ؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَحْبِسُ، بَلْ يَدْفَعَانِ إلَى عَدْلٍ، لِيُسَلِّمَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَالَهُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ.

فَائِدَةٌ: إذَا أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ مِنْ الْغَاصِبِ مَلَكَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا: لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنَّمَا حَصَلَ بِهَا الِانْتِفَاعُ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ. فَمَا اجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِإِزَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ.

ص: 199

قَالَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ، فِي تَعْلِيقِهِ: لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنَّمَا جُعِلَ الِانْتِفَاعُ بِهَا عِوَضًا عَمَّا فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: يَجِبُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ بِيَوْمِ التَّعَذُّرِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهَا. وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا. وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ. وَإِنَّمَا ثَبَتَ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. فَتَوَقَّفَ عَلَى خِيرَتِهِ.

فَائِدَةٌ: لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، فَلَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ قَرِيبَهُ. وَيَسْتَحِقُّهُ الْمَالِكُ بِنَمَائِهِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ. وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إلَى حِينِ دَفْعِ الْبَدَلِ عَلَى مَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ. فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) . رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَعَلَيْهَا خَطُّهُ " فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ " وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. لِأَنَّ لَهُ مِثْلًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ. وَرَأَيْت فِي نُسَخٍ " فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ " وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالتَّلْخِيصِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْقَلَبَ خَلًّا: رَدَّهُ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيَمِهِ الْعَصِيرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ،

ص: 200

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَصِيرِ لِأَنَّ الْخَلَّ عَيْنَهُ كَحَمَلٍ صَارَ كَبْشًا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ: يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ. وَهُوَ الْأَقْوَى. وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ.

فَائِدَةٌ: لَوْ غَلَى الْعَصِيرُ، فَنَقَصَ: غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِهِ. وَكَذَا يَغْرَمُ نَقْصَهُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. لِأَنَّهُ مَاءٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ: فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي يَدِهِ) . يَعْنِي إذَا كَانَتْ تَصِحُّ إجَارَتُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ لِأَنَّ الرَّاوِيَ لَهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ. وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله بِعِشْرِينَ سَنَةً. قُلْت: مَوْتُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ. بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ غَيْرَ ذَلِكَ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قَالَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: الِاسْتِدْلَال عَلَى الرُّجُوعِ بِتَقَدُّمِ وَفَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: لَا يَصِحُّ. فَإِنَّ مَنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ سَمِعَ قَبْلَ سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ. لَا سِيَّمَا أَبُو طَالِبٍ. فَإِنَّهُ قَدِيمُ الصُّحْبَةِ لِأَحْمَدَ رحمه الله.

ص: 201

قَالَ: وَأَحْسَنُ مِنْهُ: التَّأَنُّسُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَنْصُورٍ بَلَغَهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي عَلَّقَهَا. فَجَمَعَهَا فِي جِرَابٍ وَحَمَلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ. وَخَرَجَ إلَى بَغْدَادَ، وَعَرَضَ خُطُوطَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ. فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا ثَانِيًا. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ الْحَكَمِ، وَقَبْلَ وَفَاةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِيَسِيرٍ، وَابْنُ مَنْصُورٍ مِمَّنْ رَوَى الضَّمَانَ. فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ هُنَا: وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا أُجْرَةَ مُطْلَقًا، يَعْنِي سَوَاءٌ انْتَفَعَ. بِهِ أَوْ لَا. وَظَاهِرُ الْمُبْهِجِ: التَّفْرِقَةُ. يَعْنِي إنْ انْتَفَعَ بِهِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله ظَاهِرَ مَا نُقِلَ عَنْهُ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِهِ، فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مَا اسْتَعْمَلَهَا إلَى رَدِّهِ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ رَدِّ قِيمَتِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ ذَا صَنَائِعَ: لَزِمَهُ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا فَقَطْ.

الثَّانِيَةُ: مَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ. تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ " أَبُو بَكْرٍ " الْمُبْهَمُ فِي الْكِتَابِ. هُوَ الْخَلَّالُ. وَإِطْلَاقُ " أَبِي بَكْرٍ " فِي عُرْفِ الْأَصْحَابِ إنَّمَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، لَا الْخَلَّالُ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ. كَمَا قَالَ. فَإِنَّهُ أَدْخَلَ فِي جَامِعِ الْخَلَّالِ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ. فَرُبَّمَا اشْتَبَهَ بِكَلَامِ الْخَلَّالِ. إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ، وَابْنَ عَقِيلٍ، وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: إنَّمَا حَكَوْهُ عَنْ الْخَلَّالِ. انْتَهَى.

ص: 202

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ شَيْئًا، فَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَأَدَّى قِيمَتَهُ: فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ. وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ) . إنْ كَانَ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَدَائِهَا: فَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِهَا الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ. لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَالْمَنْفَعَةِ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ إلَى رَدِّهِ مَعَ بَقَائِهِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ وَنَحْوَهُ، خِلَافًا لِلِانْتِصَارِ، لَا نَقْدًا لِتِجَارَةٍ. قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي: أَنْ يُقْطَعَ بِالضَّمَانِ فِي ذَهَابِ رَائِحَةِ الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ.

قَوْلُهُ (وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ كَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَالْعُقُودِ. كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوِهَا بَاطِلَةٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَظْهَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، فِي بَابِ الْبَيْعِ: وَإِنْ كَثُرَتْ تَصَرُّفَاتُهُ فِي أَعْيَانِ الْمَغْصُوبَاتِ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْكُلِّ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي الشَّرْطِ السَّابِعِ.

ص: 203

وَالْأُخْرَى: صَحِيحَةٌ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِجَازَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ، وَقِيلَ: الصِّحَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا لَمْ يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ مِنْ الْعُقُودِ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي الْكِتَابِ الْمَشْرُوحِ رِوَايَةً: أَنَّهَا صَحِيحَةٌ. وَذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ: وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ فِي الْعُقُودِ بِمَا إذَا لَمْ يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ. فَأَمَّا إنْ اخْتَارَ الْمَالِكُ إبْطَالَهُ، فَأَخَذَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ. فَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَأَمَّا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْمَالِكُ، فَوَجْهُ التَّصْحِيحِ فِيهِ: أَنَّ الْغَاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَتَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ. فَفِي الْقَضَاءِ بُطْلَانُهَا ضَرَرٌ كَثِيرٌ. وَرُبَّمَا عَادَ الضَّرَرُ عَلَى الْمَالِكِ. انْتَهَى. وَقَالَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. نَقَلَهُ عَنْهُمَا فِي الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَةَ مَرَّةً كَمَا هُنَا، وَمَرَّةً قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ. كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَقَالَ: هُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْإِطْلَاقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ أَرَ مَنْ تَقَدَّمَ الْمُصَنِّفَ وَأَبَا الْخَطَّابَ فِي إيرَادِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: وَأَمَّا الصِّحَّةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ: فَلَا أَعْلَمُ بِهِ أَيْضًا، سِوَى نَصِّهِ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ. كَرِبْحِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ، كَمَا سَنُورِدُهُ فِي مَسْأَلَةِ الرِّبْحِ. وَقَالَ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْيِيدِ الرِّوَايَةِ: أَمَّا طُولُ مُدَّةِ الْغَصْبِ، وَكَثْرَةُ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ: فَلَا يَطَّرِدُ. بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْمَغْصُوبِ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِعَقْدٍ أَصْلًا، وَبِتَقْدِيرِ الِاطِّرَادِ غَالِبًا.

ص: 204

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: بَنَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَجَمَاعَةٌ: تَصَرُّفَ الْغَاصِبِ، عَلَى تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. فَأَثْبَتَ فِيهِ مَا فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، مِنْ رِوَايَةِ الِانْعِقَادِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ: مَنْ جَعَلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ نَفْسِ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ. قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِالْفُضُولِيِّ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِفُرُوقٍ جَيِّدَةٍ.

الثَّانِي: هَذَا الْخِلَافُ الْمَحْكِيُّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَقَدْ قَسَّمَهَا الْمُصَنِّفُ قِسْمَيْنِ: عِبَادَاتٌ، وَعُقُودٌ. فَأَمَّا الْعِبَادَاتُ: فَفِيهَا مَسَائِلُ.

مِنْهَا: الْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، وَالْوُضُوءُ مِنْ إنَاءٍ مَغْصُوبٍ، وَغُسْلُ النَّجَاسَةِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ، وَالصَّلَاةُ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَالْآنِيَةِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ.

وَمِنْهَا: الْحَجُّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: بَاطِلٌ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الشَّارِحُ: بَاطِلٌ عَلَى الْأَظْهَرِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: يَبْطُلُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

ص: 205

وَقِيلَ عَنْهُ: يُجْزِئُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَقْوَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَيَجِبُ بَدَلُ الْمَالِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ.

وَمِنْهَا: الْهَدْيُ الْمَغْصُوبُ: لَا يُجْزِئُ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ. وَعَنْهُ: الصِّحَّةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ: فَلَا يُجْزِئُهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهَا لِنَفْسِهِ: فَيُجْزِئُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٍّ. وَسَوَّى كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيْنَهُمَا فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ. قَالَ فِي الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ: وَلَا يَصِحُّ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَغْصُوبًا: لَمْ يُجْزِئْهُ أَيْضًا. اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ إذَا اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ مُتَّجِهًا.

وَمِنْهَا: لَوْ أَوْقَعَ الطَّوَافَ أَوْ السَّعْيَ أَوْ الْوُقُوفَ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ. فَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَا الصَّلَاةِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: النَّفْسُ تَمِيلُ إلَى صِحَّةِ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ.

وَمِنْهَا: أَدَاءُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ فِي الزَّكَاةِ غَيْرُ مُجْزِئٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: ثُمَّ إنَّ أَبَا الْخَطَّابِ صَرَّحَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الزَّكَاةِ. وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ كَمَا انْتَظَمَهُ عُمُومُ إيرَادِ الْكِتَابِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَدَاءِ الْمَغْصُوبِ عَنْ الْغَاصِبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَهَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُ نِزَاعًا أَلْبَتَّةَ. لَمَا فِيهِ مِنْ النَّصِّ. فَلَا يُتَوَهَّمُ خِلَافُهُ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَدَاءُ عَنْ الْمَالِكِ، بِأَنْ أَخْرَجَ عَنْهُ مِنْ النِّصَابِ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّ الْوَاقِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لِلْعِبَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْغَاصِبِ نَفْسِهِ. فَلَا

ص: 206

يَقْبَلُ أَيْضًا. خِلَافًا لِاتِّفَاقِنَا عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْمَالِكِ، إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَدَاءِ. فَيَقْهَرَهُ الْإِمَامُ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ. فَيُجْزِئُ فِي الظَّاهِرِ. وَلَيْسَ هَذَا بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. فَلَا يُجْزِئُ بِوَجْهٍ.

وَمِنْهَا: كُلُّ صَدَقَةٍ مِنْ كَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا كَالزَّكَاةِ سَوَاءٌ.

وَمِنْهَا: عِتْقُ الْمَغْصُوبِ. لَا يَنْفُذُ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

وَمِنْهَا: الْوَقْفُ. لَا يَنْفُذُ فِي الْمَغْصُوبِ قَوْلًا وَاحِدًا. لَكِنْ لَوْ كَانَ ثَمَنُ الْمُعْتَقِ أَوْ الْمَوْقُوفِ مَغْصُوبًا. فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ: لَمْ يَنْفُذْ. وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ نَقَدَهُ. فَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ إفَادَةِ الْمَالِكِ: لَمْ يَنْفُذْ. وَإِنْ قِيلَ بِالْإِفَادَةِ: نَفَذَ الْعِتْقُ وَالْوَقْفُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَمَّا الْعُقُودُ مِنْ الْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوِهَا: فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ حِكَايَةُ الرِّوَايَةِ بِالصِّحَّةِ. وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَالرِّوَايَةُ بِالْوَقْفِ عَلَى الْإِجَازَةِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ) . أَيْ الَّتِي يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِصِحَّةٍ أَوْ فَسَادٍ. احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِ الْحُكْمِيَّةِ. كَإِتْلَافِ الْمَغْصُوبِ. كَأَكْلِهِ الطَّعَامَ، أَوْ إشْعَالِهِ الشَّمْعَ، وَنَحْوِهِمَا. وَكَلُبْسِهِ الثَّوْبَ وَنَحْوِهِ. فَإِنَّ هَذَا لَا يُقَالُ فِيهِ صَحِيحٌ وَلَا فَاسِدٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْوَجِيزِ: وَقَوْلُهُ " الْحُكْمِيَّةُ " احْتِرَازٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الصُّورِيَّةِ. فَالْحُكْمِيَّةُ: مَا لَهُ حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ، كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ، وَنَحْوِهِ. وَالصُّورِيَّةُ: كَطَحْنِ الْحَبِّ، وَنَسْجِ الْغَزْلِ، وَنَجْرِ الْخَشَبِ، نَحْوِهِ. انْتَهَى. وَهُوَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ.

ص: 207

قَوْلُهُ (وَإِنْ اتَّجَرَ بِالدَّرَاهِمِ فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا) . يَعْنِي إذَا اتَّجَرَ بِعَيْنِ الْمَالِ، أَوْ بِثَمَنِ الْأَعْيَانِ الْمَغْصُوبَةِ: فَالْمَالُ وَرِبْحُهُ لِمَالِكِهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ رضي الله عنه. وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي خَبَرِ عُرْوَةَ: إنَّمَا جَازَ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ جَوَّزَهُ لَهُ وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْفُنُونِ، وَالتَّرْغِيبِ: الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ إنْ صَحَّ الشِّرَاءُ. وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَتَخَرَّجُ مِنْ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ: رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلرِّبْحِ. وَهُوَ الْأَقْوَى. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقُ بِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بِعَيْنِهِ. إنْ قُلْنَا: النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا فَكَذَلِكَ) . يَعْنِي: الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، أَوْ بَاعَ سَلَمًا، ثُمَّ أَقْبَضَ الْمَغْصُوبَ وَرَبِحَ: فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ. بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبَرِّئٍ. وَصِحَّةُ الْعَقْدِ نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ وَجْهًا: يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. إنْ أَجَازَهُ صَحَّ، وَإِلَّا بَطَلَ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ مَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مِثْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْفُضُولِيِّ. قَالَ: وَهُوَ مُشْكِلٌ. إذْ كَيْفَ يَقِفُ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ عَلَى إجَازَةِ غَيْرِهِ. انْتَهَى.

ص: 208

وَأَمَّا الرِّبْحُ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لِلْمَالِكِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، حَتَّى أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ: إذَا اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهَا: فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ: الرِّبْحُ لِلْمُشْتَرِي. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الشَّرْحِ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى فَعَلَيْهَا: يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ. وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَعَلَى هَذَا: إنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ شُبْهَةٍ بِيَدِهِ: اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ نَقَدَهَا. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله.

فَوَائِدُ: الْأُولَى لَوْ اتَّجَرَ الْوَدِيعَةِ: فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ. وَذَلِكَ وَفْقُ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ. وَهُوَ أَقْوَى. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَارَضَ بِالْمَغْصُوبِ، أَوْ الْوَدِيعَةِ: فَالرِّبْحُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ عَلَى الْمَالِكِ. وَإِنْ عَلِمَ: فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا. وَإِلَّا فَلَهُ عَلَيْهِ. أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

ص: 209

الثَّالِثَةُ: إجَارَةُ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ. وَهُوَ كَالْبَيْعِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَالْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ الْوَاجِبُ لِلْمَالِكِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: إنَّ الْوَاجِبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَقْوَى.

الرَّابِعَةُ: لَوْ أَنْكَحَ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ، فَفِي الْبُطْلَانِ وَالصِّحَّةِ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَالتَّصْحِيحُ: لَا أَصْلَ لَهُ. فَإِنَّهُ مُقْتَضٍ لِنَفْيِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ. وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ قَدْ يَقْرَبُ إجْرَاؤُهُ مَجْرَى الْفُضُولِيِّ. فَتَأْتِي رِوَايَةُ الِانْعِقَادِ مَعَ الْإِجَازَةِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ: فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْبُطْلَانُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

السَّادِسَةُ: تَذْكِيَةُ الْغَاصِبِ الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ، وَفِي إفَادَتِهَا لِحِلِّ الْأَكْلِ: رِوَايَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: هُوَ مَيْتَةٌ. لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحِلُّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ وَشَوَاهَا. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي ذَبْحِ السَّارِقِ الْحَيَوَانَ الْمَسْرُوقَ، فِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ: التَّذْكِيَةُ بِالْآلَةِ الْمَغْصُوبَةِ. وَكَذَلِكَ التَّزَوُّجُ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ. وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافٌ يَأْتِي.

ص: 210

قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، أَوْ قَدْرِهِ، أَوْ صِنَاعَةٍ فِيهِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

فَائِدَةٌ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَلَفِ الْمَغْصُوبِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِي تَلَفِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُطَالِبَ الْغَاصِبَ بِبَدَلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ، أَوْ عَيْبٍ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ لَوْ شَاهَدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ مَعِيبًا عِنْدَ الْغَاصِبِ، فَقَالَ الْمَالِكُ: حَدَثَ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ كَانَ فِيهِ قَبْلَ غَصْبِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا وَاخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ: هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؟ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَةً: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ. كَذَلِكَ هَذَا إذْ الْأَصْلُ السَّلَامَةُ، وَتَأَخُّرُ الْحُدُوثِ عَنْ وَقْتِ الْغَصْبِ. انْتَهَى.

ص: 211

قُلْت: هَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَاكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ فِي الْعَيْبِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا: تَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ، بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَاللُّقَطَةِ) . إذَا بَقِيَ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَصْحَابَهَا، فَسَلَّمَهَا إلَى الْحَاكِمِ: بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهَا، بِلَا نِزَاعٍ. وَيَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُمْ بِشَرْطِ ضَمَانِهَا. وَيَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ الْغَصْبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ: لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا فِيهِ خِلَافًا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُعْجِبُنِي الصَّدَقَةُ بِهَا. وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَنَقَلَ أَيْضًا: عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ إنْ عَرَفَهُ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: أَوْ بِقِيمَتِهِ. وَلَهُ شِرَاءُ عَرْضٍ بِنَقْدٍ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَلَا تَجُوزُ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ فِي الثَّانِيَةِ: الْكَرَاهَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَذَا الرُّهُونُ، وَالْوَدَائِعُ، وَسَائِرُ الْأَمَانَاتِ.

ص: 212

كَالْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا. وَذَكَرَ نُصُوصًا فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَرْهُونِ فِي آخِرِ الرَّهْنِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي، عِنْدَ حُكْمِ الْهَدِيَّةِ، وَالرِّشْوَةِ. وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ فِي بَابِهَا. وَهَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الْأَخْذُ أَمْ لَا؟

الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي يَدِهِ وَقُلْنَا: لَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي: جَوَازَ الْأَكْلِ مِنْهَا إذَا كَانَ فَقِيرًا، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شِرَاءِ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ. وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي الْغَاصِبِ إذَا تَابَ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا " أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهَا إلَّا مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ أَرْبَابِهَا، سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: لَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا إذَا عَلِمَ رَبَّهَا وَشَقَّ دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَهُوَ يَسِيرٌ، كَحَبَّةٍ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ، فَقَالَ: لَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ عَنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا عَلِمَ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ: فَهُنَا حَالَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: انْقِطَاعُ خَبَرِهِ لِغَيْبَةٍ: إمَّا ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ، وَالسِّيَاحَةِ. وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِيَاسِ، وَلَا وَارِثَ لَهُ: تَصَدَّقَ بِهَا كَمَا لَوْ جَهِلَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِمَّا ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ كَالْمَفْقُودِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، أَوْ فِي مَهْلَكَةٍ، أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَنَحْوِهِ. وَكَذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَلَا وَارِثَ لَهُ تَصَدَّقَ بِهِ أَيْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ: سَلَّمَ إلَيْهِ. وَأَنْكَرَ أَبُو بَكْرٍ: الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ سِنِينَ، وَقَالَ: لَا مَعْنَى لِلْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي ذَلِكَ.

ص: 213

قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ: هَلْ يُقَسَّمُ مَالُ الْمَفْقُودِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي تُبَاحُ زَوْجَتُهُ فِيهَا، أَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَقَطْ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ: فَفِي الْمَالِ الْمُحَرَّمِ يَتَعَيَّنُ التَّسْلِيمُ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ. وَأَمَّا مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَالرَّهْنِ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إلَيْهِ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ. فَإِنْ كَانَ غَائِبًا: سَلَّمَ إلَى وَكِيلِهِ، وَإِلَّا فَإِلَى الْحَاكِمِ. وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَإِلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ. وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ: فَإِلَى وَرَثَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ: تَصَدَّقَ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهِ شَيْءٌ. وَيَأْتِي: إذَا كَسَبَ مَالًا حَرَامًا بِرِضَى الدَّافِعِ وَنَحْوَهُ، فِي بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي، عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْهَدِيَّةِ لِلْحَاكِمِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " كَاللُّقَطَةِ " قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْأَلْيَقُ فِيهِ التَّشْبِيهُ بِأَصْلِ الضَّمَانِ. لَا فِي مَضْمُونِ الصَّدَقَةِ وَالضَّمَانِ. فَإِنَّ الْمَذْهَبَ فِي " اللُّقَطَةِ " التَّمَلُّكُ لَا التَّصَدُّقُ. انْتَهَى. قُلْت: بَلْ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ التَّصَدُّقِ بِاللُّقَطَةِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي اللُّقَطَةِ. قَالَ الشَّارِحُ هُنَا: وَعَنْهُ فِي اللُّقَطَةِ لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِهَا. فَيَتَخَرَّجُ هُنَا مِثْلُهُ. فَوَائِدُ

إحْدَاهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ سِوَى الصَّدَقَةِ بِهَا. وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ: يَتَصَدَّقُ بِهَا، أَوْ يَشْتَرِي بِهَا كُرَاعًا، أَوْ سِلَاحًا يُوقَفُ. هُوَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ عَنْ ذَلِكَ: يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الصَّدَقَةِ. انْتَهَى.

ص: 214

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ مَاتَ، وَكَانَ يَدْخُلُ فِي أُمُورٍ تُكْرَهُ، فَيُرِيدُ بَعْضُ وَلَدِهِ التَّنَزُّهَ؟ فَقَالَ: إذَا دَفَعَهَا إلَى الْمَسَاكِينِ، فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ؟ وَاسْتَحْسَنَ أَنْ يُوقِفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَيَتَوَجَّهُ عَلَى أَفْضَلِ الْبِرِّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: تُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. وَقَالَهُ فِي وَدِيعَةٍ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ: قَالَهُ الْعُلَمَاءُ. وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا. وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. وَهَذَا مُرَادُ أَصْحَابِنَا. لِأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: مَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يَضْمَنْ. وَقَالَ: لَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا عُرِفَ رَدُّ الْمُعَاوَضَةِ، لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا شَرْعًا لِلْحَاجَةِ. كَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ، وَلَا حَاكِمَ. مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: وَقْفُ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ لِفَقْدِ الْمَالِكِ، وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ الرِّوَايَتَانِ. وَقَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى مَالَ مُسْلِمٍ مِنْ التَّتَارِ لَمَّا دَخَلُوا الشَّامَ: إنْ لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ صُرِفَ فِي الْمَصَالِحِ، وَأَعْطَى مُشْتَرِيَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ لَهَا إلَّا بِنَفَقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ. كَمَا رَجَّحَهُ فِيمَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ وَرَبِحَ. وَنَصَّ فِي وَدِيعَةٍ: تُنْتَظَرُ، كَمَالِ مَفْقُودٍ. وَأَنَّ جَائِزَةَ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ. قَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ عَيْنَهُ مَغْصُوبٌ: فَلَهُ قَبُولُهُ. وَسَوَّى ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بَيْنَ وَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ. ذَكَرَهُمَا الْحَلْوَانِيُّ كَرَهْنٍ.

الثَّانِيَةُ: إذَا تَصَدَّقَ بِالْمَالِ، ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ: خُيِّرَ بَيْنَ الْأَجْرِ وَبَيْنَ الْأَخْذِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ. فَإِنْ اخْتَارَ الْأَجْرَ: فَذَاكَ. وَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ: فَلَهُ ذَلِكَ. وَالْأَجْرُ لِلْغَارِمِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

الثَّالِثَةُ: إذَا لَمْ يَبْقَ دِرْهَمٌ مُبَاحٌ. فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: يَأْكُلُ عَادَتَهُ. لَا مَا لَهُ عَنْهُ غَنِيَّةٌ. كَحَلْوَاءَ وَفَاكِهَةٍ.

ص: 215

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ: ضَمِنَهُ) . سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّ غَيْرَ الْمُحْتَرَمِ لَا يَضْمَنُهُ، كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَالصَّائِلِ، وَالْعَبْدِ فِي حَالِ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ كَذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا ضَمِنَهُ " الْحَرْبِيُّ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْمُسْلِمِ. فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: قَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَلَوْ أَتْلَفَ لِغَيْرِهِ وَثِيقَةً بِمَالٍ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْمَالُ إلَّا بِهَا فَفِي إلْزَامِهِ مَا تَضَمَّنْته احْتِمَالَانِ.

إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ. كَقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ: وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَمَعًا عَشْرَةٌ: ضَمِنَ ثَمَانِيَةً قِيمَةَ الْمُتْلَفِ خَمْسَةٌ وَنَقْصَ التَّفْرِقَةِ ثَلَاثَةٌ. وَقِيلَ: دِرْهَمَيْنِ. وَلَا قَطْعَ. قَالَ: وَضَمَانُ مَا فِي وَثِيقَةٍ أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ: يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَلَيْهَا. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ يَخْرُجُ الضَّمَانُ لِلْوَثِيقَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ. فَإِنَّهَا تَقْتَضِي إحْضَارَ الْمَكْفُولِ، أَوْ ضَمَانَ مَا عَلَيْهِ. وَهُنَا: إمَّا أَنْ يُحْضِرَ الْوَثِيقَةَ، أَوْ يَضْمَنَ مَا فِيهَا إنْ تَعَذَّرَتْ.

وَمِنْهَا: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ، فَقِيلَ: يَضْمَنُهُ مُكْرِهُهُ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ " الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ " وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ

ص: 216

وَقِيلَ: هُوَ كَمُضْطَرٍّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِهِ ضَمِنَهُ. يَعْنِي الْمُبَاشِرَ. وَقَطَعَ بِهِ. انْتَهَى. فَإِذَا ضَمِنَ الْمُبَاشِرُ. إنْ كَانَ جَاهِلًا: رَجَعَ عَلَى مُكْرِهِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ. وَإِنْ كَانَ عَالِمًا: لَمْ يَرْجِعْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ. لِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ. بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ وَلَمْ يَخْتَرْهُ، بِخِلَافِ مُضْطَرٍّ. وَهَلْ لِمَالِكِهِ مُطَالَبَةُ مُكْرَهِهِ إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَالِمًا، وَقُلْنَا: لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَهُ مُطَالَبَتُهُ. فَإِنْ قُلْنَا: لَهُ مُطَالَبَتُهُ وَطَالَبَهُ. رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ، إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا.

وَمِنْهَا: لَوْ أَذِنَ رَبُّ الْمَالِ فِي إتْلَافِهِ، فَأَتْلَفَهُ: لَمْ يَضْمَنْ الْمُتْلِفُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ عَيَّنَ الْوَجْهَ الْمَأْذُونَ فِيهِ مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: لَوْ أَذِنَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ، فَقَتَلَهُ: لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِلَّهِ وَأَثِمَ. وَلَوْ أَذِنَ فِي إتْلَافِ مَالِهِ: سَقَطَ الضَّمَانُ وَالْمَأْثَمُ، وَلَا كَفَّارَةَ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: يُمْنَعُ مِنْ تَضْيِيعِ الْحَبِّ وَالْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ السَّبِخَةِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ.

ص: 217

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسَبَقَ أَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْأَشْهَرِ دَفْنُ شَيْءٍ مَعَ الْكَفَنِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ، أَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ، أَوْ رِبَاطَ فَرَسٍ: ضَمِنَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. سَوَاءٌ تَعَقَّبَ ذَلِكَ فِعْلُهُ، أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: إنْ كَانَ الطَّائِرُ مُتَأَلِّفًا: لَمْ يَضْمَنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: الصَّحِيحُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا يُحَالُ الضَّمَانُ عَلَى فِعْلِهِ كَالْآدَمِيِّ. وَبَيْنَ مَا لَا يُحَالُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ. فَإِذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ: لَمْ يَضْمَنْ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا ذَهَبُوا عَقِبَ الْفَتْحِ وَالْحَلِّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُهُ، سَوَاءٌ ذَهَبَ عَقِبَ فِعْلِهِ أَوْ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ. وَسَوَاءٌ هَيَّجَ الطَّائِرَ وَالدَّابَّةَ حَتَّى ذَهَبَا أَوْ لَمْ يُهَيِّجْهُمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ بَقِيَ الطَّيْرُ وَالْفَرَسُ بِحَالِهِمَا، حَتَّى نَفَّرَهُمَا آخَرُ: ضَمِنَهُمَا الْمُنَفِّرُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ دَفَعَ مِبْرَدًا إلَى عَبْدٍ فَبَرَدَ بِهِ قَيْدَهُ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا؟ حَكَى فِي الْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ: فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. وَحَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقُوهُمَا. قُلْت: الصَّوَابُ الضَّمَانُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ.

ص: 218

وَلَوْ دَفَعَ مِفْتَاحًا إلَى لِصٍّ: لَمْ يَضْمَنْ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ حَلَّ قَيْدَ أَسِيرٍ: ضَمِنَ. كَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ. وَكَذَا لَوْ فَتَحَ الْإِصْطَبْلَ فَضَاعَتْ الدَّابَّةُ. وَكَذَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِعُصُوفِ رِيحٍ أَوْ لَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ الْعُصُوفَ.

الرَّابِعَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ غَرِمَ بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيْهِ، عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ: رَجَعَ عَلَى الْكَاذِبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ الْمَحْمُولَةُ عَقُورًا وَجَنَتْ: ضَمِنَ جِنَايَتَهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ. كَمَا لَوْ حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ، أَوْ سَاجُورَ كَلْبٍ: فَعَقَرَ. وَإِنْ أَفْسَدَتْ زَرْعَ إنْسَانٍ فَكَإِفْسَادِ دَابَّةِ نَفْسِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي.

السَّادِسَةُ: لَوْ وَثَبَتَ هِرَّةٌ عَلَى الطَّائِرِ بَعْدَ الْفَتْحِ: ضَمِنَهُ. وَقَدْ تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَكَذَا لَوْ كَسَرَ الطَّائِرُ فِي خُرُوجِهِ قَارُورَةً: ضَمِنَهَا.

قَوْلُهُ (أَوْ حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ، فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ، أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ قَاعِدًا، فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ، فَانْدَفَقَ: ضَمِنَهُ) . إذَا حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ مَائِعٍ فَانْدَفَقَ: ضَمِنَهُ. بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ كَانَ مُنْتَصِبًا فَسَقَطَ بِرِيحٍ، أَوْ زَلْزَلَةٍ أَوْ طَائِرٍ: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَنَصَرَهُ.

ص: 219

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ: لَا يَضْمَنُ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَإِنْ ذَابَ بِالشَّمْسِ وَانْدَفَقَ: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَافَقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، قَالَ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ، فَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عِنْدِي لَا فَرْقَ بَيْنَ حَرِّ الشَّمْسِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ. فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ الضَّمَانُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، أَوْ يَجِبَ فِيهِمَا. وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ هُنَا أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ حَلَّ وِعَاءً فِيهِ دُهْنٌ جَامِدٌ، فَذَهَبَ بِرِيحٍ أَلْقَتْهُ، أَوْ شَمْسٍ: فَوَجْهَانِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً فِي طَرِيقٍ فَأَتْلَفَتْ) . ضَمِنَ. شَمَلَ مَسْأَلَتَيْنِ.

إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا، فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَلَوْ كَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ بِنَفْحِ رِجْلِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَمَنْ ضَرَبَهَا فَرَفَسَتْهُ فَمَاتَ: ضَمِنَهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً. فَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَضْمَنُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ، مُطْلَقًا. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، لِإِطْلَاقِهِمْ الضَّمَانَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ: هَذَا الْمَنْصُوصُ. وَذَكَرَ النُّصُوصَ فِي ذَلِكَ.

ص: 220

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ وَاقِفًا لِحَاجَةٍ، وَالطَّرِيقُ وَاسِعٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى نَظَرًا.

فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَ طِينًا فِي طَرِيقٍ، فَزَلِقَ فِيهِ إنْسَانٌ، أَوْ خَشَبَةً، أَوْ عَمُودًا، أَوْ حَجَرًا، أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ. نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ، فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ: ضَمِنَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ: إذَا صَبَّ مَاءً فِي طَرِيقٍ، أَوْ بَالَتْ فِيهَا دَابَّةٌ، أَوْ رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ. فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ، فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ (أَوْ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا فَعَقَرَ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ) . إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بِإِذْنِهِ فَعَقَرَهُ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ خَارِجَ الْبَيْتِ: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: يَضْمَنُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. إذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ. وَقَالَ: إذَا دَخَلَ بِإِذْنِهِ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُنَبِّهْهُ عَلَى الْكَلْبِ، وَعَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُوثَقٍ. أَمَّا إنَّ نَبَّهَ: فَلَا ضَمَانَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ عَقَرَ خَارِجَ الدَّارِ: ضَمِنَ، إنْ لَمْ يَكْفِهِ رَبُّهُ، أَوْ يُحَذِّرْ مِنْهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ.

ص: 221

وَإِنْ دَخَلَ بَيْتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ: لَمْ يَضْمَنُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا كَانَ الْكَلْبُ مُوثَقًا: لَمْ يَضْمَنْ مَا عَقَرَ. قَوْلُهُ (وَقِيلَ: فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ رِوَايَتَانِ فِي الْجُمْلَةِ) يَعْنِي: رِوَايَتَيْنِ مُطَلَّقَتَيْنِ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِإِذْنٍ أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِهِ، أَوْ خَارِجًا عَنْهُ. ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابَيْهِ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الضَّمَانِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِذْنٍ: رِوَايَتَيْنِ. وَهُوَ مَا حَكَى أَبُو الْخَطَّابِ فِي كِتَابَيْهِ عَنْ الْقَاضِي. وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَرَى عَلَى حِكَايَةِ هَذَا الْخِلَافِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ: الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ فِي كُتُبِهِمْ الْخِلَافِيَّةِ. وَاخْتَلَفُوا. فَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ الضَّمَانَ، وَهُوَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّرِيفِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ بَكْرُوسٍ. وَقَالَ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَقِيلَ: فِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ ". قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي شَرْحِهِ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِهِ، أَوْ خَارِجًا، وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَوْ لَا. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنَّ كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ وَارِدٌ فِي حَالَةِ الدُّخُولِ. وَالْإِجْمَالُ فِيهِ عَائِدٌ عَلَى الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ. وَكَذَلِكَ أَوْرَدَ السَّامِرِيُّ فِي كِتَابِهِ. فَقَالَ: إنْ اقْتَنَى فِي مَنْزِلِهِ كَلْبًا عَقُورًا، فَعَقَرَ فِيهِ إنْسَانًا، إنْ كَانَ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ: فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ: فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

ص: 222

قَالَ: وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي عَلَى رِوَايَتَيْنِ: الضَّمَانُ، وَعَدَمُهُ. فَإِنْ عَقَرَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ: ضَمِنَ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَخَصَّصَ الْخِلَافَ بِحَالَةِ الْعَقْرِ دَاخِلَ الْمَنْزِلِ دُونَ خَارِجِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى. وَهَذَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: إفْسَادُ الْكَلْبِ بِمَا عَدَا الْعَقْرِ كَبَوْلِهِ وَوُلُوغِهِ فِي إنَاءِ الْغَيْرِ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْعَقُورِ لَيْلًا وَنَهَارًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، لِتَقْيِيدِهِمْ الْكَلْبَ بِالْعَقُورِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ. وَأَمَّا مَا يَحْرُمُ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ. لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَقُورِ فِي مَنْعِ الِاقْتِنَاءِ وَاسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ. وَكَذَلِكَ مَا عَدَا كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ. لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ. فَيَحْصُلُ الْعُدْوَانُ بِإِمْسَاكِهِ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ اقْتَنَى أَسَدًا أَوْ نَمِرًا أَوْ ذِئْبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ السِّبَاعِ الْمُتَوَحِّشَةِ: فَكَالْكَلْبِ الْعَقُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ. لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَأَوْلَى. لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ اقْتَنَى هِرَّةً تَأْكُلُ الطُّيُورَ، وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ فِي الْعَادَةِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تُتْلِفُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا كَالْكَلْبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَقَالُوا إلَّا صَاحِبَ الْفُرُوعِ قَالَهُ الْقَاضِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهَا ذَلِكَ: فَلَا ضَمَانَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَلَوْ حَصَلَ عِنْدَهُ كَلْبٌ عَقُورٌ، أَوْ سِنَّوْرٌ ضَارٌّ مِنْ غَيْرِ اقْتِنَاءٍ وَاخْتِيَارٍ، وَأَفْسَدَ: لَمْ يَضْمَنْ

ص: 223

الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَهُ قَتْلُهَا حِينَ أَكْلِهَا فَقَطْ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَنَصَرَهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَهُ قَتْلُهَا إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَالصَّائِلِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا فِي مِلْكِهِ، أَوْ سَقَى أَرْضَهُ فَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ: ضَمِنَهُ إذَا كَانَ قَدْ أَسْرَفَ فِيهِ، أَوْ فَرَّطَ، وَإِلَّا فَلَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُرَادُ: لَا بِطَرَيَانِ رِيحٍ. وَلِهَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ أَجَّجَهَا عَلَى سَطْحِ دَارٍ. فَهَبَّتْ الرِّيحُ، فَأَطَارَتْ الشَّرَرَ: لَمْ يَضْمَنْ. لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ. وَهُبُوبُ الرِّيحِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ فِي طَرِيقٍ فَبَالَتْ، أَوْ رَمَى فِيهَا قِشْرَ بِطِّيخٍ. لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. فَهُوَ مُفَرِّطٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت: وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ مَغْصُوبًا: ضَمِنَ مُطْلَقًا، يَعْنِي: سَوَاءٌ فَرَّطَ وَأَسْرَفَ أَوْ لَا. إنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّطْحِ سُتْرَةٌ وَبِقُرْبِهِ زَرْعٌ وَنَحْوُهُ، وَالرِّيحُ هَابَّةٌ، أَوْ أَرْسَلَ فِي الْمَاءِ مَا يَغْلِبُ وَيُفِيضُ: ضَمِنَ. وَقِيلَ: مَنْ أَجَّجَ نَارًا فِي مِلْكٍ بِيَدِهِ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِيجَارٍ أَوْ إعَارَةٍ، وَأَسْرَفَ: ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَذَى جَارِهِ: ضَمِنَ. وَإِنْ لَمْ يُسْرِفْ. انْتَهَى فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ قَوْلُهُ " أَسْرَفَ فِيهِ أَوْ فَرَّطَ " يُغْنِي الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظِ " التَّفْرِيطِ " لِدُخُولِ " الْإِسْرَافِ " فِيهِ انْتَهَى. قُلْت، الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ. لِأَنَّ " الْإِسْرَافَ " مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ عَمْدًا عُدْوَانًا. وَأَمَّا " التَّفْرِيطُ " فَهُوَ التَّقْصِيرُ فِي الْمَأْمُورِ.

ص: 224

وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: فَرَّطَ أَوْ أَفْرَطَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَ فِي فِنَائِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ: ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَوَّزَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ حَفْرَ بِئْرٍ لِنَفْسِهِ فِي فِنَائِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: نَقَلْته مِنْ خَطِّهِ فِي مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ فِي زَمَنِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَهُ التَّصَرُّفُ فِي فِنَائِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ حَفْرٍ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَمَنْ لَمْ يَسُدَّ بِئْرَهُ سَدًّا يَمْنَعُ مِنْ الضَّرَرِ: ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَفَرَ الْحَرُّ بِئْرًا بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا، وَثَبَتَ عِلْمُهُ أَنَّهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ضَمِنَ الْحَافِرُ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَنَصُّهُ هُمَا. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مُقْتَضَى إيرَادِ ابْنِ أَبِي مُوسَى يَعْنِي: أَنَّهُمَا ضَامِنَانِ وَإِنْ جَهِلَ ضَمِنَ الْآمِرُ. وَقِيلَ: الْحَافِرُ. وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَهَا فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ: لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِهَذَا الشَّرْطِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ: إنْ كَانَتْ السَّابِلَةُ وَاسِعَةً. وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ، كَمَا يَأْتِي. جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ

ص: 225

الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ أَيْضًا، وَالنَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي غَيْرَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا لَهُ قُوَّةٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ صَحَّحَا غَيْرَهُ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا ضَمِنَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيِّ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ سُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْهُ فِيمَا إذَا حَفَرَهَا فِي مَوْضِعٍ مَائِلٍ عَنْ الْقَارِعَةِ، بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ حَاجِزًا يُعْلَمُ بِهِ لِيُتَوَفَّى. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَتْ السَّابِلَةُ وَاسِعَةً. فَإِنْ كَانَتْ ضَيِّقَةً: ضَمِنَ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ حَفَرَ فِي سَابِلَةٍ ضَيِّقَةٍ: وَجَبَ الضَّمَانُ. لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ. وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِيمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يُرَادُ يَشْمَلُهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: لَمَّا حَفَرَ فِي غَيْرِ مَكَان يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ. فَأَمَّا إنْ حَفَرَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ فِي مَكَان مِنْهُ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ نَفْسُهُ ضَيِّقًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ، أَوْ خَاصَّةٍ، بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ " أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَهُوَ كَذَلِكَ، أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ.

ص: 226

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ، أَوْ الِارْتِفَاقِ بِهَا، أَوْ الِانْتِفَاعِ الْعَامِ. فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. ذَكَرَاهُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ.

الثَّانِي: حُكْمُ مَا لَوْ بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْخَانِ وَنَحْوِهِ نَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِيهِ. إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ إمَامٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: حُكْمَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطَّرِيقِ: تُهْدَمُ. وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ: يَزِيدُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْأَنْهَارِ؟ قَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الطَّرِيقِ. وَسَأَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ، أَيُصَلَّى فِيهِ؟ قَالَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا: إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ جَازَ. وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ، مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ فِي الْبِنَاءِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْحَفْرِ، لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إلَى الْحَفْرِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا، وَإِزَالَةِ الطِّينِ وَالْمَاءِ مِنْهَا. فَهُوَ كَتَنْقِيَتِهَا، وَحَفْرِ هَدَفِهِ فِيهَا، وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، وَوَضْعِ الْحَصَى فِي حُفْرَةٍ لِيَمْلَأَهَا، وَتَسْقِيفِ سَاقِيَّةٍ فِيهَا، وَوَضْعِ حَجَرٍ فِي طِينٍ فِيهَا لِيَطَأَ النَّاسُ عَلَيْهِ. فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ. لَا يُضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

ص: 227

قَالَا: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ فِيهَا. لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ لَا تَعُمُّ. انْتَهَى كَلَامُهُمَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: حُكْمُ مَا بُنِيَ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ: حُكْمُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ: كَانَ كَفِعْلِ نَفْسِهِ، أَعْتَقَهُ أَوْ لَا؟ . قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ الْحَالَ: فَلَا إشْكَالَ فِيمَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُهُ: فَفِيهِ مَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِأَمْرِ السَّيِّدِ، إنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ. وَفِيهَا رِوَايَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: الْقَوَدُ عَلَى السَّيِّدِ فَقَطْ، وَالْأُخْرَى: عَلَى الْعَبْدِ. فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ هُنَا بِرَقَبَتِهِ. كَمَا لَوْ لَمْ يَأْمُرْ السَّيِّدُ. وَإِنْ حَفَرَ بِغَيْرِ أَمْرِ السَّيِّدِ: تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ. ثُمَّ إنْ أَعْتَقَهُ. فَمَا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ: الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَمَا دُونَهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِفِعْلِ ذَلِكَ: ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَحْدَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ حَصِيرًا، أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا: لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.

ص: 228

قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا مَا حَكَى الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَالسَّامِرِيُّ فِي آخَرِينَ عَنْ الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا. وَهِيَ حَفْرُ الْبِئْرِ. وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ الْحَفْرَ عُدْوَانٌ لِإِبْطَالِ حَقِّ الْمُرُورِ. كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: إنْ أَذِنَ الْإِمَامُ: فَلَا ضَمَانَ. وَإِلَّا فَعَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الْبِئْرِ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، مَعَ أَنَّهُمَا قَالَا: قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَوَارِي الْمَسْجِدِ لَا ضَمَانَ عَلَى فَاعِلِهِ. وَجْهًا وَاحِدًا. بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ. لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ مَصْلَحَتِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ نَصَبَ فِيهِ بَابًا، أَوْ عُمُدًا، أَوْ سَقَفَهُ، أَوْ جَعَلَ فِيهِ رَفًّا لِيَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ، أَوْ بَنَى جِدَارًا، أَوْ أَوْقَدَ مِصْبَاحًا: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَوَارِي الْمَسْجِدِ: لَا ضَمَانَ عَلَى فَاعِلِهِ وَجْهًا وَاحِدًا. سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ، فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ، لَمْ يَضْمَنْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ: لَا يَضْمَنُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ فِيمَا إذَا جَلَسَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ: لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

ص: 229

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي الْجَالِسِ فِي الطَّرِيقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَتْنِ، أَخْذًا مِنْ إيرَادِ أَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُمَا لِأَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا مَرَّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي رَبْطِ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ. وَمَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَكُنْ الْجُلُوسُ مُبَاحًا كَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، أَوْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا مَا هُوَ مَطْلُوبٌ كَالِاعْتِكَافِ، وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَالْجُلُوسِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ فِيهِ بِوَجْهٍ. وَكَذَا مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ الْجُلُوسِ فِيهِ، وَفِي جَوَانِبِ الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ كَبَيْعِ مَأْكُولٍ وَنَحْوِهِ لِامْتِنَاعِ الْخِلَافِ فِيهِ. لِأَنَّهُ جَلَسَ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالِاخْتِصَاصِ. فَهُوَ كَالْجُلُوسِ فِي مِلْكِهِ، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي الْجَزْمَ بِنَفْيِ الضَّمَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ حَكَاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي كُتُبِهِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَلَا بُدَّ مِنْهُ. لَكِنَّهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ بِالْمَسْجِدِ دُونَ الطَّرِيقِ. لِأَنَّ الْجُلُوسَ بِالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ: إمَّا مُبَاحٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا ضَمَانَ بِحَالٍ. وَإِمَّا غَيْرُ مُبَاحٍ كَالْجُلُوسِ وَسَطَ الْجَادَّةِ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ. انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ.

فَائِدَةٌ: حُكْمُ الِاضْطِجَاعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ: حُكْمُ الْجُلُوسِ فِيهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْقِيَامُ: فَلَا ضَمَانَ بِهِ بِحَالٍ. لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِ الطُّرُقِ كَالْمُرُورِ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقَةٍ: أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَهُوَ كَذَلِكَ

ص: 230

وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ، فِي مَسْأَلَةِ الِاصْطِدَامِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا، أَوْ مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: نَافِذًا أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ يَعْنِي بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ (فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ: ضَمِنَ) . وَهَذَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مُحَرَّرًا فِي بَابِ الصُّلْحِ. عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا أَنْ يُشْرِعَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ بَعْدَ بَيْعٍ وَقَدْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ. انْتَهَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ: وَلَا يَضْمَنُ بِمَا تَلِفَ بِمَا يُبَاحُ، مِنْ جَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ. فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يُبَاحُ فِعْلُهُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي إخْرَاجِ الْجَنَاحِ فِي غَيْرِ الدَّرْبِ النَّافِذِ بِإِذْنِ أَهْلِهِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَبْنَى هَذَا الْأَصْلِ: أَنَّ الْإِخْرَاجَ هَلْ يُبَاحُ أَمْ لَا؟ .

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ، فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا: لَمْ يَضْمَنْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْأَصْحَابِ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الضَّمَانِ. قَالَ: وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. سَوَاءٌ طُولِبَ بِنَقْضِهِ أَوْ لَمْ يُطَالَبْ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

ص: 231

وَأَوْمَأَ فِي مَوْضِعٍ: أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِنَقْضِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ: ضَمِنَ. وَهَذَا الْإِيمَاءُ ذَكَرَهُ ابْنُ بُخْتَانَ، وَابْنُ هَانِئٍ. وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ. وَلَمْ يُورِدْ ابْنُ أَبِي مُوسَى سِوَاهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَهُوَ مِنْ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ إنْ طَالَبَهُ مُسْتَحِقٌّ بِنَقْضِهِ، فَأَبَى مَعَ إمْكَانِهِ ضَمِنَهُ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَأَمَّا إنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ: تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَنْ الْجَوَابِ فِيهَا. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَضْمَنُ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ. الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَجْهًا. قَالَ الشَّارِحُ: ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا. انْتَهَى. وَهَذَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الصُّلْحِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا عَلِمَ بِمَيَلَانِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّرْغِيبِ الْعِلْمَ بِمَيَلَانِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَمَاعَةٍ.

ص: 232

فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: كَيْفِيَّةُ الْإِشْهَادِ " اشْهَدُوا أَنِّي طَالَبْته بِنَقْضِهِ، أَوْ تَقَدَّمْت إلَيْهِ بِنَقْضِهِ " ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي بَعْضَهُ. كَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ أَدَّى إلَيْهِ. ثُمَّ الْمَيْلُ إلَى السَّابِلَةِ يَسْتَقِلُّ بِهَا الْإِمَامُ، وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُ. وَكَذَا الْوَاحِدُ مِنْ الرَّعِيَّةِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا. وَإِنْ كَانَ إلَى دَرْبٍ مُشْتَرَكٍ: فَكَذَلِكَ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ كَانَ إلَى دَارِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ: اسْتَقَلَّ بِهِ. وَإِنْ كَانَ سَاكِنُهَا الْغَيْرَ: فَكَالْمَالِكِ. وَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ جَمَاعَةً: اسْتَقَلَّ بِهِ أَحَدُهُمْ. وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا: لَمْ يَمْلِكْهُ، وَمَا تَلِفَ لَهُ: فَغَيْرُ مَضْمُونٍ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ مِنْ غَيْرِ مَيَلَانٍ: لَمْ يَضْمَنْ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ، أَوْ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، أَوْ مَالَ إلَيْهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ: لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ، أَوْ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: ضَمِنَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَمَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ: بَنَاهُ مُسْتَوِيًا ثُمَّ مَالَ.

الثَّالِثَةُ: لَا أَثَرَ لِمُطَالَبَةِ مُسْتَأْجِرِ الدَّارِ، وَمُسْتَعِيرِهَا، وَمُسْتَوْدِعِهَا، وَمُرْتَهِنِهَا. وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ. فَلَوْ طُولِبَ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِرْجَاعُهَا، أَوْ نَقْضُ الْحَائِطِ: فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ كَالْمُعِيرِ، وَالْمُودِعِ، وَالرَّاهِنِ إذَا أَمْكَنَهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ وَلَمْ يَفْعَلْ: ضَمِنَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 233

وَإِنْ حُجِرَ عَلَى الْمَالِكِ لِسَفَهٍ، أَوْ صِغَرٍ، أَوْ جُنُونٍ فَطُولِبَ: لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ طُولِبَ وَلِيُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ، فَلَمْ يَنْقُضْهُ: ضَمِنَ الْمَالِكُ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَضْمَنُ وَلِيٌّ فَرَّطَ. بَلْ مُوَلِّيهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. لِوُجُودِ التَّفْرِيطِ. وَهُوَ التَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ الْمَيَلَانُ إلَى مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ إمَّا وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ فَأَمْهَلَهُ الْمَالِكُ، أَوْ أَبْرَأَهُ: جَازَ. وَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ أَمْهَلَهُ سَاكِنُ الْمِلْكِ، أَوْ أَبْرَأَهُ: فَكَذَلِكَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَسْقُطُ، وَلَا يَتَأَجَّلُ، إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا. أَعْنِي: السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَاَلَّذِي قَالَهُ " أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْرِئِ " فَلَيْسَ كَمَا قَالَ. لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ حَقًّا مَلَكَ إسْقَاطُهُ. وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَبْرَأْ، فَنَعَمْ. وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ لَا يَقْبَلُ خِلَافًا. وَإِنْ كَانَ الْمَيَلَانُ إلَى دَرْبٍ لَا يَنْفُذُ، أَوْ إلَى سَابِلَةٍ. فَأَبْرَأَهُ الْبَعْضَ. أَوْ أَمْهَلَهُ: بَرِئَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْرِئِ، أَوْ الْمُمْهِلِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا، فَطُولِبَ أَحَدُهُمْ بِنَقْضِهِ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

ص: 234

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.

وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ.

السَّادِسَةُ: لَوْ بَاعَ الْجِدَارَ مَائِلًا بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ. فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالسَّامِرِيُّ فِي فُرُوقِهِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْهَدْمِ حَالَةَ السُّقُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي. لِانْتِفَاءِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ. وَكَذَا الْحَكَمُ لَوْ وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ. وَإِنْ قُلْنَا بِلُزُومِ الْهِبَةِ: زَالَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ بَاعَهُ فِرَارًا: لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ. لِأَنَّ الْمَيْلَ لَا يُسْقِطُ الْحُقُوقَ بَعْدَ وُجُوبِهَا. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ فَخًّا أَوْ شَبَكَةً مَنْصُوبَيْنِ فَوَقَعَ فِيهِمَا صَيْدٌ فِي الْحَرَمِ، أَوْ مَمْلُوكٌ لِلْغَيْرِ: لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ ضَمَانُهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ إذَا اسْتَدَامَهُ، أَمْ لَا؟ الْأَظْهَرُ: وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، كَمَنْ اشْتَرَى حَائِطًا مَائِلًا. فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فِيهِ. فَإِذَا طُولِبَ بِإِزَالَتِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ: ضَمِنَ عَلَى رِوَايَةٍ. انْتَهَى.

السَّابِعَةُ: إذَا تَشَقَّقَ الْحَائِطُ طُولًا: لَمْ يُوجِبْ نَقْضَهُ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ. وَإِنْ تَشَقَّقَ عَرْضًا: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَائِلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ

قَوْلُهُ (وَمَا أَتْلَفَتْ الْبَهِيمَةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا) .

ص: 235

وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ الْآتِي. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَسَوَاءٌ كَانَ التَّالِفُ صَيْدَ حَرَمٍ أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ إلَّا الضَّارِيَةَ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا: ضَمِنَهُ، إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: مَنْ أَطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا، أَوْ دَابَّةً رَفُوسًا، أَوْ عَضُوضًا عَلَى النَّاسِ، وَخَلَّاهُ فِي طَرِيقِهِمْ وَمَصَاطِبِهِمْ وَرِحَابِهِمْ، فَأَتْلَفَ مَالًا، أَوْ نَفْسًا: ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ. وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ طَائِرٌ جَارِحٌ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَأَفْسَدَ طُيُورَ النَّاسِ وَحَيَوَانَاتِهِمْ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: الْبَهِيمَةُ الصَّائِلَةُ: يَلْزَمُ مَالِكَهَا وَغَيْرَهُ إتْلَافُهَا. وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إذَا عُرِفَتْ الْبَهِيمَةُ بِالصَّوْلِ: يَجِبُ عَلَى مَالِكِهَا قَتْلُهَا. وَعَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ: إذَا صَالَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَمَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ: لَمْ يَضْمَنْ، كَمُرْتَدٍّ. وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَتْ الْبَهِيمَةُ مَغْصُوبَةً وَأَتْلَفَتْ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبَ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ ".

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ إنْسَانٍ، كَالرَّاكِبِ، وَالسَّائِقِ، وَالْقَائِدِ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا. فَيَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدُهَا أَوْ فَمُهَا. دُونَ مَا جَنَتْ رِجْلُهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَخِلَافُهُ الصَّغِيرُ،

ص: 236

وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ السَّائِقُ جِنَايَةَ رِجْلِهَا. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: وَهِيَ أَصَحُّ. لِتَمَكُّنِ السَّائِقِ مِنْ مُرَاعَاةِ الرِّجْلِ، بِخِلَافِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ مَا جَنَتْ بِرِجْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا أَوْ رَاكِبًا. ذَكَرَهَا فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَوْرَدَ فِي الْمُغْنِي هَذَا الْخِلَافَ مُطْلَقًا فِي الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِ. وَالصَّوَابُ: مَا حَكَاهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالسَّائِقِ. فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَاضِي. وَالْقَاضِي إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي السَّائِقِ فَقَطْ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِطْلَاقِ. لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ حَكَوْا الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ. وَالنَّاقِلُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَضْمَنُ إذَا كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ سَائِقٌ مَا جَنَتْ بِيَدِهَا وَفَمِهَا وَوَطْءِ رِجْلِهَا، دُونَ نَفْحِهَا ابْتِدَاءً. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: إنْ نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا وَهُوَ يَسِيرُ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ كَانَ سَائِقًا: ضَمِنَ مَا جَنَتْ بِرِجْلِهَا.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ، أَوْ ضَرَبَهَا فِي الْوَجْهِ: ضَمِنَ مَا جَنَتْ رِجْلُهَا أَيْضًا، وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَطْئًا وَنَفْحًا. وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ فِي الْوَطْءِ: لَا يَضْمَنُ.

ص: 237

وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَتْ بِرِجْلِهَا، أَوْ نَفَحَتْ بِهَا. لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَبْسِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَمِنْهَا: لَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْ بِذَنَبِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَرِجْلِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا ضَمَانَ بِذَنَبِهَا فِي الْأَصَحِّ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. مَعَ ذِكْرِهِمْ الْخِلَافَ فِي الرِّجْلِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالذَّنَبُ كَالرِّجْلِ، يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي السَّائِقِ. وَلَا يَضْمَنُ بِهِ الرَّاكِبُ وَالْقَائِدُ، كَمَا لَا يَضْمَنُ بِالرِّجْلِ وَجْهًا وَاحِدًا. كَذَا أَوْرَدَهُ فِي الْكَافِي. انْتَهَى.

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ السَّبَبُ مِنْ غَيْرِ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ، مِثْلَ إنْ نَخَسَهَا أَوْ نَفَّرَهَا غَيْرُهُ: فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَمِنْهَا: لَوْ جَنَى وَلَدُ الدَّابَّةِ: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالسَّامِرِيُّ، وَقَطَعَا بِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَضْمَنُ إنْ فَرَّطَ، نَحْوَ أَنْ يَعْرِفَهُ شَمُوسًا، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ.

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الرَّاكِبُ اثْنَانِ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ مَرِيضًا وَنَحْوَهُمَا، وَكَانَ الثَّانِي مُتَوَلِّيًا تَدْبِيرَهَا. فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي التَّصَرُّفِ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ. وَإِنْ كَانَ مَعَ الدَّابَّةِ سَائِقٌ وَقَائِدٌ: فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 238

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَحْدَهُ. قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ. وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا رَاكِبٌ: اشْتَرَكُوا فِي الضَّمَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَطْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْقَائِدُ فَقَطْ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي.

وَمِنْهَا: الْإِبِلُ وَالْبِغَالُ الْمُقَطَّرَةِ كَالْبَهِيمَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى قَائِدِهَا الضَّمَانُ. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ شَارَكَهُ فِي ضَمَانِ الْأَخِيرِ مِنْهَا، دُونَ مَا قَبْلَهُ. هَذَا إذَا كَانَ فِي آخِرِهَا. فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهَا: شَارَكَ فِي الْكُلِّ. وَإِنْ كَانَ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلِ: شَارَكَ فِي ضَمَانِ مَا بَاشَرَ سَوْقَهُ. دُونَ مَا قَبْلَهُ. وَشَارَكَ فِيمَا بَعْدَهُ. وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ بِالْقِطَارِ، وَكَانَ عَلَى أَوَّلِهِ: ضَمِنَ جِنَايَةَ الْجَمِيعِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَبِعَهُ: الْمَقْطُورُ عَلَى الْجَمَلِ الْمَرْكُوبِ: يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَائِدِ لَهُ. فَأَمَّا الْمَقْطُورُ عَلَى الْجَمَلِ الثَّانِي: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ جِنَايَتَهُ. لِأَنَّ الرَّاكِبَ الْأَوَّلَ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. فَإِنَّ مَا بَعْدَ الرَّاكِبِ إنَّمَا يَسِيرُ بِسَيْرِهِ، وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ. فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ. فَضَمِنَ كَالْمَقْطُورِ عَلَى مَا تَحْتَهُ. انْتَهَى.

وَمِنْهَا: لَوْ انْفَلَتَتْ الدَّابَّةُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَأَفْسَدَتْ: فَلَا ضَمَانَ. نَصَّ عَلَيْهِ فَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ فَرَدَّهَا. فَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: الضَّمَانُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

وَمِنْهَا: لَا فَرْقَ فِي الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ بَيْنَ الْمَالِكِ، وَالْأَجِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُوصِي إلَيْهِ بِالْمَنْفَعَةِ. وَعُمُومُ نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله تَقْتَضِيهِ.

قَوْلُهُ (وَمَا أَفْسَدَتْ مِنْ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا) يَعْنِي (يَضْمَنُهُ رَبُّهَا)

ص: 239

وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الضَّمَانُ، سَوَاءٌ انْفَلَتَتْ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ هَانِئٍ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَكَلَامُهُ هُنَا مُشْعِرٌ بِهِ. لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى ضَمَانِ مَا جَنَتْ يَدُهَا أَوْ فَمُهَا، بَعْدَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا فِي يَدِ إنْسَانٍ مَوْصُوفٍ بِمَا ذَكَرَ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ. أَمَّا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ: فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ. قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُهُ الْحُسَيْنُ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَالسَّامِرِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَسَرَتْ الْبَابَ أَوْ فَتَحَتْهُ: فَهَدَرٌ. وَلَوْ فَتَحَهُ آدَمِيٌّ: ضَمِنَ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَمَا أَفْسَدَتْ مِنْ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا يَضْمَنُهُ رَبُّهَا " خَصَّصَ الضَّمَانَ بِالْأَمْرَيْنِ. وَهَكَذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَلَعَلَّهُ. أَرَادَ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ سِوَى الزَّرْعِ. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ أَتْلَفَتْ غَيْرَ الزَّرْعِ: لَمْ يَضْمَنْ مَالِكُهَا، نَهَارًا كَانَ إتْلَافُهَا أَوْ لَيْلًا.

ص: 240

قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَابْنُ مُنَجَّا: وَلَمْ أَجِدْهُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ. انْتَهَيَا. قُلْت: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَافَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى التَّعْمِيمِ لِكُلِّ مَالٍ. بَلْ مِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بِالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ لَيْلًا مِنْ سَائِرِ الْمَالِ، بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ وَاضِعُهُ إلَى تَفْرِيطٍ.

فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى صَاحِبُ الزَّرْعِ: أَنَّ غَنَمَ فُلَانٍ نَفَشَتْ لَيْلًا، وَوُجِدَ فِي الزَّرْعِ أَثَرُ غَنَمٍ: قُضِيَ بِالضَّمَانِ عَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَجَعَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هَذَا مِنْ الْقِيَافَةِ فِي الْأَمْوَالِ. وَجَعَلَهَا مُعْتَبَرَةً كَالْقِيَافَةِ فِي الْأَنْسَابِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَ. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ: لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ. قُلْت: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَنَمٌ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ ذَلِكَ نَهَارًا) . ظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ أَرْسَلَهَا بِقُرْبِ مَا تُفْسِدُهُ عَادَةً أَوْ لَا. وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَجَمَاعَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي.

ص: 241

وَقَالَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يُرْسِلَهَا بِقُرْبِ مَا تُتْلِفُهُ عَادَةً، فَيَضْمَنَ. وَذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ رِوَايَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّوَاحِي بِرَبْطِهَا نَهَارًا وَبِإِرْسَالِهَا وَحِفْظِ الزَّرْعِ لَيْلًا: فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. لِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ. فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي التَّخْصِيصِ.

الثَّانِيَةُ: إرْسَالُ الْغَاصِبِ وَنَحْوُهُ: مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، نَهَارًا كَانَ أَوْ لَيْلًا. وَإِرْسَالُ الْمُودِعِ: كَإِرْسَالِ الْمَالِكِ فِي انْتِفَاءِ الضَّمَانِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا. وَالْمُسْتَعِيرُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِحِفْظِ دَوَابِّهِ، فَأَرْسَلَهَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْكَفَّ عَنْ الزَّرْعِ، فَيَضْمَنَ. فَهُوَ كَاشْتِرَاطِ الْمَالِكِ عَلَى الْمُودِعِ ضَبْطَهَا نَهَارًا.

الثَّالِثَةُ: لَوْ طَرَدَ دَابَّةً مِنْ مَزْرَعَتِهِ: لَمْ يَضْمَنْ مَا جَنَتْ، إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ، فَيَضْمَنَ. وَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ: صَبَرَ، لِيَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهَا. وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا، وَلَهُ مُنْصَرَفٌ غَيْرُ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا: فَهَدَرٌ.

الرَّابِعَةُ: الْحَطَبُ الَّذِي عَلَى الدَّابَّةِ. إذَا خَرَقَ ثَوْبَ آدَمِيٍّ بَصِيرٍ عَاقِلٍ، يَجِدُ مُنْحَرِفًا: فَهُوَ هَدَرٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُسْتَدْبِرًا، وَصَاحَ بِهِ مُنَبِّهًا لَهُ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ فِيهِمَا. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ أَرْسَلَ طَائِرًا فَأَفْسَدَهُ، أَوْ لَقَطَ حَبًّا: فَلَا ضَمَانَ. قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي، وَالْحَارِثِيُّ.

ص: 242

وَقِيلَ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ. وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ. وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ. وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ، أَوْ غَيْرُهُ. فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ دَفَعَ صَائِلًا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ: لَمْ يَضْمَنْهُ. وَلَوْ دَفَعَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ: ضَمِنَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَفِي الْفَتَاوَى الرُّحْبَيَاتِ، عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: رِوَايَةٌ بِالْمَنْعِ مِنْ قِتَالِ اللُّصُوصِ فِي الْفِتْنَةِ. فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ. لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذَنْ. وَهَذَا لَا عَمَلَ عَلَيْهِ. انْتَهَى. قُلْت: أَمَّا وُرُودُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: فَمُسَلَّمٌ. وَأَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ: فَفِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا شَيْءٌ. وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ: قَوْلًا بِالضَّمَانِ بِقَتْلِ الْبَهِيمِ الصَّائِلِ. بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّيْدِ الصَّائِلِ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ الْمُحَارَبِينَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَمَسَائِلُ أُخَرُ. إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَالَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِقَتْلِهَا، فَقَتَلَهَا: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. قُلْت: قَدْ يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ انْفَرَشَ الْجَرَادُ فِي طَرِيقِ الْمُحْرِمِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُرُورِ إلَّا بِقَتْلِهِ: هَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

ص: 243

وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي آخِرِ بَابِ الدِّيَاتِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ، فَغَرِقَتَا: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا) . هَكَذَا أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: مَحَلُّهُ إذَا فَرَّطَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ فَرَّطَ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا. وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابَيْهِ، وَمَنْ عَدَاهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى نَحْوِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. مَعَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَتْنِ لَا يَقْتَضِيهِ. غَيْرَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ التَّفْرِيطِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا. عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْته بَيْنَهُمْ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلَفَ الْآخَرِ وَفِي الْمُغْنِي: إنْ فَرَّطَا. وَقَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا بِالضَّمَانِ، فَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الضَّمَانِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي السَّبَبِ. فَإِنَّهُ حَصَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ. فَكَانَ مُهْدَرًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، مَضْمُونًا فِي حَقِّ الْآخَرِ. كَمَا فِي التَّلَفِ مِنْ جِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَجِرَاحَةِ غَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا لَهُ قُوَّةٌ.

ص: 244

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً: فَعَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانُ الْمُصْعِدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَلَبَهُ رِيحٌ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْوَاضِحِ وَجْهٌ: لَا تُضْمَنُ مُنْحَدِرَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: السَّفِينَةُ كَدَابَّةٍ، وَالْمَلَّاحُ: كَرَاكِبٍ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: سَوَاءٌ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا، عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ، بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولَ بِسَفِينَتِهِ، وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٌ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُصْعِدِ. لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصْعِدَ يُؤَاخِذُ بِتَفْرِيطِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَلَّاحِ: إنْ تَلِفَ الْمَالُ بِغَلَبَةِ رِيحٍ. وَلَوْ تَعَمَّدَ الصَّدْمَ: فَشَرِيكَانِ فِي إتْلَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَنْ فِيهِمَا. فَإِنْ قُتِلَ فِي الْغَالِبِ: فَالْقَوَدُ، وَإِلَّا شِبْهَ عَمْدٍ. وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الْمُصَادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ. وَلَوْ حَرَقَهَا عَمْدًا أَوْ شَبَهَهُ، أَوْ خَطَأً: عُمِلَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ عَمَدَ مَا لَا يُهْلِكُ غَالِبًا: فَشِبْهُ عَمْدٍ. وَكَذَا مَا لَوْ قَصَدَ إصْلَاحَهَا، فَقَطَعَ لَوْحًا. أَوْ أَصْلَحَ مِسْمَارًا، فَخَرَقَ مَوْضِعًا. حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحِ أَنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ. لِأَنَّهُ قَصَدَ فِعْلًا مُبَاحًا. وَهَلْ يَضْمَنُ مَنْ أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ فَغَرَّقَهَا وَمَا فِيهَا، أَوْ نِصْفَهُ، أَوْ بِحِصَّتِهِ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ: يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا.

ص: 245

قُلْت: هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا جَاوَزَ بِالدَّابَّةِ مَكَانَ الْإِجَارَةِ. أَوْ حَمَّلَهَا زِيَادَةً عَلَى الْمَأْجُورِ، فَتَلِفَتْ. أَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا. فَقَتَلَهُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ هُنَاكَ: أَنَّهُ يَضْمَنُهُ جَمِيعَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. فَكَذَلِكَ هُنَا. وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا فِيهَا. ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْإِجَارَةِ. وَجَعَلَهُ أَصْلًا لَمَا إذَا زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ كَامِلَةً وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: جَعَلَهَا أَصْلًا فِي وُجُوبِ ضَمَانِ الدَّابَّةِ كَامِلَةً، إذَا جَاوَزَ بِهَا مَكَانَ الْإِجَارَةِ، أَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا. وَلَوْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ: فَعَلَى الرُّكْبَانِ إلْقَاءُ بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ حَسَبَ الْحَاجَةِ. وَيَحْرُمُ إلْقَاءُ الدَّوَابِّ، حَيْثُ أَمْكَنَ التَّخْفِيفُ بِالْأَمْتِعَةِ. وَإِنْ أَلْجَأَتْ ضَرُورَةٌ إلَى إلْقَائِهَا: جَازَ. صَوْنًا لِلْآدَمِيِّينَ. وَالْعَبِيدُ: كَالْأَحْرَارِ. وَإِنْ تَقَاعَدُوا عَنْ الْإِلْقَاءِ مَعَ الْإِمْكَانِ: أَثِمُوا. وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَدَمَهُ.

وَالثَّانِي: يَضْمَنُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. وَلَوْ أَلْقَى مَتَاعَهُ، وَمَتَاعَ غَيْرِهِ: فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ إلْقَاءِ مَتَاعِهِ: فَلِلْغَيْرِ إلْقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ. لَكِنْ يَضْمَنُهُ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه: لَا يَضْمَنُ. اعْتِبَارًا بِدَفْعِ الصَّائِلِ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُهُ. بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ الضَّمَانِ بِمَا لَوْ أَرْسَلَ صَيْدًا مِنْ يَدِ مُحْرِمٍ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

ص: 246

وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الضَّمَانِ بَعْضُ ذَلِكَ. وَمَسَائِلُ أُخَرُ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا. فَلْيُعَاوَدْ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا وَاقِفَةً، وَالْأُخْرَى سَائِرَةً: فَعَلَى قَيِّمِ السَّائِرَةِ ضَمَانُ الْوَاقِفَةِ، إنْ فَرَّطَ، وَإِلَّا فَلَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ " إذَا اصْطَدَمَ نَفْسَانِ، أَوْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ فَاصْطَدَمَا، وَنَحْوَهُمَا ".

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَتْلَفَ مِزْمَارًا، أَوْ طُنْبُورًا، أَوْ صَلِيبًا، أَوْ كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ، أَوْ إنَاءَ خَمْرٍ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . وَكَذَا الْعُودُ، وَالطَّبْلُ، وَالنَّرْدُ، وَآلَةُ السِّحْرِ، وَالتَّعْزِيمِ، وَالتَّنْجِيمِ، وَصُوَرُ خَيَالٍ، وَالْأَوْثَانُ وَالْأَصْنَامُ، وَكُتُبُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُضِلَّةُ، وَكُتُبُ الْكُفْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ. وَقَدَّمُوهُ فِي الْبَاقِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَصَحَّحُوهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، فِي الْجَمِيعِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: لَا ضَمَانَ فِي الْمَشْهُورِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ غَيْرَ الصَّلِيبِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي ضَمَانِ كَسْرِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَمْرِ: رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي التَّلْخِيصِ فِي ضَمَانِ كَسْرِ أَوَانِي الْخَمْرِ وَشَقِّ ظُرُوفِهِ: رِوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: حَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: بِأَنَّهُ يَضْمَنُ. إذَا كَسَرَ أَوَانِيَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحَكَاهَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي تَعْلِيقِهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ فِي التَّمَامِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 247

قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ أُرِيدَ ضَمَانُ الْأَجْزَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ إيرَادِهِمْ. فَإِنَّ بَعْضَهُمْ عَلَّلَهُ بِجَوَازِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا، وَالْقَطْعُ بِسَرِقَتِهَا فَمُسَلَّمٌ. وَلَكِنْ لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَإِنْ أُرِيدَ ضَمَانُ الْأَرْشِ وَهُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا. وَذَكَرَ مَأْخَذَهُمْ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَرَدَّهُ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ آنِيَةَ الْخَمْرِ، إنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ غَيْرَ آلَةِ اللَّهْوِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ غَيْرَ الدُّفِّ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي ضَمَانِ دُفِّ الصُّنُوجِ: رِوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ دُفَّ الْعُرْسِ أَعْنِي: الَّتِي لَيْسَ فِيهَا صُنُوجٌ ذَكَرَهَا الْحَارِثِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: رِوَايَةً بِجَوَازِ إتْلَافِهِ فِي اللَّعِبِ بِمَا عَدَا النِّكَاحِ. وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ آلَةَ اللَّهْوِ، إذَا كَانَ يُرْغَبُ فِي مَادَّتِهَا. كَعُودٍ، وَدَاقُورَةٍ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي آنِيَةِ الْخَمْرِ: إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِإِرَاقَتِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آنِيَةِ الْخَمْرِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا بِدُونِ تَلَفِ الْإِنَاءِ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَغَيْرُهُ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إرَاقَتِهَا إلَّا بِتَلَفِهَا: لَمْ يَضْمَنْ وَإِلَّا ضَمِنَ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَا يَضْمَنُ مَخْزَنَ الْخَمْرِ إذَا أَحْرَقَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَضْمَنُهُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ.

ص: 248

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: يَجُوزُ تَحْرِيقُ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَهَدْمُهَا. كَمَا «حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَسْجِدَ الضِّرَارِ، وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ» .

وَمِنْهَا: لَا يَضْمَنُ كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ حَرَقَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فَجَعَلَهُ كَآلَةِ لَهْوٍ. ثُمَّ سَلَّمَهُ، عَلَى نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي سَتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ. وَنَصَّ عَلَى تَخْرِيقِ الثِّيَابِ السُّودِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ.

وَمِنْهَا: لَا يَضْمَنُ حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى الرِّجَالِ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ، وَلَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

مِنْهَا: قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الشِّطْرَنْجَ مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ. قُلْت: بَلْ هِيَ مِنْ أَعْظَمِهَا. وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِهَا. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ.

ص: 249