المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب إن من البيان لسحرا - شرح السنة للبغوي - جـ ١٢

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌29 - كِتَابُ اللِّبَاسِ

- ‌بَابُ الْجُبَّةِ

- ‌بَابُ تَقْصِيرِ الثِّيَابِ

- ‌بَابُ مَوْضِعِ الإِزَارِ

- ‌بَابُ الرُّخْصَةِ لِلنِّسَاءِ فِي جَرِّ الإِزَارِ وَإِسْبَالِ الثَّوْبِ، لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهُنَّ، وَالنَّهْيِ عَنِ الرَّقِيقِ مِنَ الثِّيَابِ

- ‌بَابُ إِطْلاقِ الأَزْرَارِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ

- ‌بَابُ لُبْسِ الْبِيضِ مِنَ الثِّيَابِ

- ‌بَابُ الثِّيَابِ المَصْبُوغَةِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ

- ‌بَابُ لِبَاسِ الصُّوفِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ عَلَى الرِّجَالِ

- ‌بَابُ قَدْرِ مَا يُرَخَّصُ فِيهِ مِنَ الحَرِيرِ

- ‌بَابُ الرُّخْصَةِ للرِّجَالِ فِي لِبْسِ الحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ والقَمْلِ

- ‌بَابُ الرُّخْصَةِ لِلنِّسَاءِ فِي لِبْسِ الْحَرِيرِ

- ‌بَابُ الْعِمَامَةِ وَالتَّقَنُّعِ

- ‌بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا

- ‌بَابُ تَرْقِيعِ الثَّوْبِ وَالْبَذَاذَةِ وَالاحْتِرَازِ عَنِ الشُّهْرَةِ

- ‌بَابُ اسْتِحْبَابِ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عز وجل عَلَى الرَّجُلِ

- ‌بَابُ الأَنْمَاطِ وَالرُّخْصَةِ فِي اتِّخَاذِهَا

- ‌بَابُ الفِرَاشِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ

- ‌بَابُ إِبَاحَةِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ

- ‌بَابُ نَقْشِ الْخَاتَمِ

- ‌بَابُ فَصِّ الخَاتَمِ

- ‌بَابُ مَوْضِعِ الْخَاتَمِ

- ‌بَابُ الْخُفِّ

- ‌بَابُ النَّعْلِ

- ‌بَابُ البَدَاءَةِ بِالْيُمْنَى إِذَا انْتَعَلَ

- ‌بابُ لَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ

- ‌بَابُ نَهْيِ الرِّجَالِ عَنِ التَّزَعْفُرِ

- ‌بَابُ تَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَتَدْهِينِهِ

- ‌بَابُ التَّطَيُّبِ

- ‌بَابُ الْخِضَابِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ، وَمَنْ رَخَّصَ فِيهِ، وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْضَبَ بِهِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ

- ‌بَابُ فَرْقِ الرَّأْسِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقَزَعِ

- ‌بَابُ اتِّخَاذِ الْجُمَّةِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ وَصْلِ الشَّعْرِ وَالْوَشْمِ

- ‌بَابُ قَصِّ الشَّارِبِ

- ‌بَابُ الْخِتَانِ

- ‌بَابُ التَّوْقِيتِ فِي تَقْلِيمِ الأَظَافِرِ وَقَصِّ الشَّارِبِ

- ‌بَابُ شَدِّ الأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ وَاتِّخَاذِ الأَنْفِ

- ‌بَابُ الاكْتحَالِ

- ‌بَابُ لَعْنِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ وَإِخْرَاجِهِمْ وَإِخْرَاجِ أَهْلِ الرِّيبِ

- ‌بَابُ نَهْيِ النِّسَاءِ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ

- ‌بَابُ التَّصَاوِيرِ وَوَعِيدِ الْمُصَوِّرِينَ

- ‌بَابُ الأُرْجُوحَةِ

- ‌30 - كِتَابُ الطِّبِّ وَالرُّقَى

- ‌بَابُ الدَّوَاءِ

- ‌بَابُ الشُّونِيزِ

- ‌بَابُ الْمُدَاوَاةِ بِالْعَسَلِ

- ‌بَابُ الْحِجَامَةِ

- ‌بَابُ وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الْحِجَامَةِ

- ‌بَابُ تَبْرِيدِ الْحُمَّى بِالْمَاءِ

- ‌بَابُ الْمُدَاوَاةِ بِالْعُودِ الْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْقَسْطُ

- ‌بَابُ اللَّدُودِ وَالسَّعُوطِ وَالْمَشْيِ

- ‌بَابُ الرُّقْيةِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهَا وَتَعْلِيقِ التَّمَائِمِ

- ‌بَابُ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنَ الرُّقَى

- ‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الطِّيَرَةِ وَاسْتِحْبَابِ الْفَأْلِ

- ‌بَابُ الْكَهَانَةِ

- ‌بَابُ السِّحْرِ

- ‌بَابُ قَتْلِ الْحَيَّاتِ

- ‌بَابُ قَتْلِ الْوَزَغِ

- ‌بَابُ قَتْلِ الذَّرِّ

- ‌بَابُ الدِّيكِ

- ‌بَابُ قَتْلِ الْفَأْرَةِ

- ‌31 - كِتَابُ الرُّؤْيَا

- ‌بَابُ تَحْقِيقِ الرُّؤْيَا

- ‌بَابُ مِنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ

- ‌بَابُ أَقْسَامِ الرُّؤْيَا

- ‌بَابُ أَقْسَامِ تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا

- ‌بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ

- ‌بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ السَّمَاءِ وَمَا فِيهَا

- ‌بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ

- ‌بَابُ تَأْوِيلِ الْوُضُوءِ وَالْعِبَادَاتِ فِي النَّوْمِ

- ‌بَابُ تَأْوِيلِ النِّكَاحِ فِي النَّوْمِ

- ‌بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ الإِنْسَانِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْلُومِ وَأَعْضَاءِ الإِنْسَانِ

- ‌بَابُ تَأْوِيلِ الثِّيَابِ وَالْفُرُشِ

- ‌بَابُ رُؤْيَةِ الْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ

- ‌بَاب تَأْوِيل رُؤْيَة الْبَقر وَسَائِر الْحَيَوَان

- ‌بَاب السوار والحلي

- ‌32 - كتاب الاسْتِئْذَان

- ‌بَاب بَدْء السَّلَام

- ‌بَاب فضل السَّلَام

- ‌بَاب مِن الَّذِي يبْدَأ بِالسَّلَامِ

- ‌بَاب التَّسْلِيم عَلَى الصّبيان

- ‌بَاب التَّسْلِيم عَلَى النِّسَاء

- ‌بَاب تَبْلِيغ السَّلَام

- ‌بَاب كَرَاهِيَة التَّسْلِيم عَلَى أهل الْكتاب وَكَيْفِيَّة الرَّد عَلَيْهِم إِن بدءوا

- ‌بَاب التَّسْلِيم عَلَى قوم فيهم أخلاط مِن الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين

- ‌بَاب الْكتاب إِلَى الْكفَّار

- ‌بَاب الاسْتِئْذَان بِالسَّلَامِ وَأَن الاسْتِئْذَان ثَلَاث

- ‌بَاب إِذا دعِي الرجل فجَاء هَل يسْتَأْذن

- ‌بَاب

- ‌بَاب كَرَاهِيَة أَن يَقُولُ أَنا

- ‌بَاب المصافحة وفضلها وَمَا قِيلَ فِي المعانقة والقبلة

- ‌بَاب التَّسْلِيم عِنْد الْقيام

- ‌بَاب كَرَاهِيَة الْقيام

- ‌بَاب لَا يُقيم الرجل مِن مَجْلِسه إِذا حضر

- ‌بَاب مِن قَامَ مِن مَجْلِسه ثُمَّ رَجَعَ كَانَ أَحَق بِهِ

- ‌بَاب مِن وجد فُرْجَة فِي الْحلقَة فَجَلَسَ فِيهَا

- ‌بَاب الْجُلُوس بَين الظل وَالشَّمْس

- ‌بَاب مِن ألقِي لَهُ وسَادَة فَلم يجلس عَلَيْهَا

- ‌بَاب التحلق

- ‌بَاب كَرَاهِيَة الْجُلُوس عَلَى الطّرق

- ‌بَاب تشميت الْعَاطِس وكيفيته

- ‌بَاب ترك تشميت مِن لم يحمد اللَّه عز وجل

- ‌بَاب التثاؤب

- ‌بَاب الضحك

- ‌بَاب صفة الْمَشْي وكراهية التَّبَخْتُر

- ‌بَاب كَيْفيَّة الْجُلُوس

- ‌بَاب كَيْفيَّة النّوم

- ‌بَاب التَّسْمِيَة باسم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْمَاء الْأَنْبِيَاء عليهم السلام

- ‌بَاب مَا يكره مِن الْأَسْمَاء

- ‌بَاب تَغْيِير الْأَسْمَاء

- ‌بَاب الكنية للصَّغِير قبل أَن يُولد لَهُ

- ‌بَاب لَا يَقُولُ العَبْد لمَالِكه رَبِّي وَلَا الْمَالِك عَبدِي

- ‌‌‌بَاب

- ‌بَاب

- ‌بَاب مَا يكره مِن أَلْفَاظ الْعَادة وَحفظ الْمنطق

- ‌بَاب إِن مِن الْبَيَان لسحرا

- ‌بَاب ذمّ الْبَيَان والتنطع

- ‌بَاب الشّعْر وَالرجز

- ‌بَاب مَا يكره أَن يكون الْغَالِب عَلَى الْإِنْسَان الشّعْر حَتَّى يصده عَن ذكر اللَّه عز وجل

- ‌بَاب تَحْرِيم اللّعب بالنرد

الفصل: ‌باب إن من البيان لسحرا

قِيلَ: إِنَّمَا ذمّ هَذِه اللَّفْظَة، لِأَنَّهَا تسْتَعْمل غَالِبا فِي حَدِيث لَا سَنَد لَهُ، وَلَا ثَبت فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ شَيْء يحْكى عَن الألسن، فَشبه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَا يقدمهُ الرجل أَمَام كَلَامه، ليتوصل بِهِ إِلَى حَاجته مِن قَوْلهم:«زَعَمُوا» ، بالمطية الّتي يتَوَصَّل بهَا الرجل إِلَى مقْصده الَّذِي يؤمه، فَأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالتثبت فِيمَا يحكيه، وَالِاحْتِيَاط فِيمَا يرويهِ، فَلَا يروي حَدِيثا حَتَّى يكون مرويا عَن ثِقَة، فقد رُوِيَ عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» .

‌بَاب إِن مِن الْبَيَان لسحرا

8893 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ رَجُلانِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ

ص: 362

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا»

قَالَ الْإِمَام: اخْتلف النّاس فِي تَأْوِيل قَوْله: «إِن مِن الْبَيَان سحرًا» ، فَمنهمْ مِن حمله عَلَى الذَّم، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذمّ التصنع فِي الْكَلَام، والتكلف لتحسينه، ليروق السامعين قَوْله، ويشتمل بِهِ قُلُوبهم، وأصل السحر فِي كَلَامهم الصّرْف، وَسمي السحر سحرًا، لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَن جِهَته، وَمِنْه قَوْله سبحانه وتعالى:{فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 89]، أَي: تصرفون عَن الْحق، وَقَوله عز وجل:{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} [الْإِسْرَاء: 47] أَي: مصروفا عَن الْحق، فَهَذَا الْمُتَكَلّم ببيانه يصرف قُلُوب السامعين إِلَى قبُول قَوْله، وَإِن كَانَ غير حق.

وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد، قَالَ: قَامَ شَاب، فَاسْتَأْذن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخطْبَة، فَأذن لَهُ، فطول الْخطْبَة، حَتَّى قَالَ لَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:«هِيهْ قطّ الآنَ» ، أَو كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلا مُبَلِّغًا، وَإِنَّ تَشْقِيقَ الْكَلامِ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا» .

وَرُوِيَ أَن رجلا خطب فَأكْثر،

ص: 363

فَقَالَ عُمَر: إِن كثيرا مِن الْخطب مِن شقاشق الشَّيْطَان.

شبه الَّذِي يتفيهق فِي كَلَامه، وَلَا يُبَالِي بِمَا قَالَ مِن صدق أَو كذب بالشيطان.

قَالَ اللَّيْث: الشقشقة لهاة الْجمل الْعَرَبِيّ، وَلَا يكون ذَلِكَ إِلَّا للعربي.

وَرُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الْكَلامِ، لِيُسْبِيَ بِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ أَوِ النَّاسِ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلا» .

وَالْمرَاد مِن صرف الْكَلَام: فَضله وَمَا يتكلفه الْإِنْسَان مِن الزِّيَادَة فِيهِ مِن وَرَاء الْحَاجة، وَقد يدْخلهُ الرِّيَاء، ويخالطه الْكَذِب، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قد يحِيل الشَّيْء عَنْ ظَاهره ببيانه، ويزيله عَن مَوْضِعه بِلِسَانِهِ، إِرَادَة التلبيس عَلَيْهِم، فَيصير بِمَنْزِلَة السحر الَّذِي هُوَ تخييل لما لَا حَقِيقَة لَهُ.

وَقيل: أَرَادَ إِن مِن الْبَيَان مَا يكْسب بِهِ صَاحبه مِن الْإِثْم مَا يكْتَسب السَّاحر بسحره.

وَقيل: مَعْنَاهُ: الرجل يكون عَلَيْهِ الْحق، وَهُوَ أَلحن بحجته مِن صَاحب الْحق، فيسحر الْقَوْم ببيانه، فَيذْهب بِالْحَقِّ، وَشَاهده قَول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضُكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ

ص: 364

مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن المُرَاد مِنْهُ مدح الْبَيَان، والحث عَلَى تَحْسِين الْكَلَام، وتحبير الْأَلْفَاظ، لِأَن أحد القرينين، وَهُوَ قَوْله:«إِن مِن الشّعْر حكما» ، عَلَى طَرِيق الْمَدْح، فَكَذَلِك القرين الآخر، رُوِيَ عَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، أَن رجلا طلب إِلَيْهِ حَاجَة كَانَ يتَعَذَّر عَلَيْهِ إسعافه بهَا، فاستمال قلبه بالْكلَام، فأنجزها لَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ السحر الْحَلَال.

وَرُوِيَ عَن بُرَيْدَة، عَن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا، وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالا» ، فَقَالَ صعصعة بْن صوحان: صدق نَبِي اللَّه صلى الله عليه وسلم.

أما قَوْله: «إِن مِن الْبَيَان سحرًا» فالرجل يكون عَلَيْهِ الْحق، فَهُوَ أَلحن بالحجج مِن صَاحب الْحق، فيسحر الْقَوْم ببيانه، فَيذْهب بِالْحَقِّ.

وَقَوله: «إِن مِن الْعلم جهلا» فيتكلف الْعَالم إِلَى علمه مَا لَا يعلم، فيجهله ذَلِكَ.

وَأما قَوْله: «مِن الشّعْر حكما» ، فَهِيَ هَذِه الْأَمْثَال والمواعظ الّتي يتعظ النّاس بهَا.

وَأما قَوْله: «مِن القَوْل عيالا» ، فعرضك كلامك وحديثك عَلَى مِن لَيْسَ مِن شَأْنه وَلَا يُريدهُ.

ص: 365