الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ
1460 -
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَخَذْتُ بِزِمَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا وَلُعَابُهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الإِثْلِبُ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلا عَدْلا».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ: «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» إِشَارَةٌ إِلَى آيَةِ الْمِيرَاثِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمِيرَاثِ وَاجِبَةً لِلأَقْرَبِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [الْبَقَرَة: 180] ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا سَائِرُ الْوَرَثَةِ، كَمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ
أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ إِنْ أَجَازُوهَا جَازَتْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لأَجْنَبِيٍّ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَأَجَازَهُ الْوَرَثَةُ جَازَ.
وَالإِجَازَةُ تَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلا حُكْمَ لإِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَرَدِّهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، أَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، أَنْ لَا تُكْشَفَ امْرَأَتُهُ الْفَزَارِيَّةُ، عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَالْحَكَمُ: إِذَا أَبْرَأَ الْوَارِثُ مِنَ الدَّيْنِ يَبْرَأُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ مَوْتِهَا: إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي، وَقَبَضْتُ مِنْهُ، جَازَ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [الْبَقَرَة: 182]: هُوَ أَنْ يُعْطِيَ عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ بَعْضَ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ، فَلا إِثْمَ عَلَى مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَحِيفَ فِي وَصِيَّتِهِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، فَلا حَرَجَ عَلَى وَصِيِّهِ أَوْ وَالِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصْلِحَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ، وَيَرُدُّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدْلِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا كَانَ يُوصِي وَلا يَعْدِلُ، فَلا حَرَجَ عَلَى مِنْ حَضَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَدْلِ، وَيَنْهَاهُ عَنِ الْحَيْفِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ لِلتُّهْمَةِ بِالْمَيْلِ إِلَى بَعْضِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لازِمٌ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لأَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ، قَالَ الْحَسَنُ: أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ.
وَالْعَطِيَّةُ فِي الْمَرَضِ الَّذِي يَكُونُ الأَغْلَبُ مِنْهُ الْمَوْتَ مِنَ الثُّلُثِ إِذَا مَاتَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَإِذَا الْتَحَمَ فِي الْحَرْبِ فَمَخُوفٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ الأُسَارَى، وَإِذَا ضَرَبَ الْحَامِلَ الطَّلْقُ فَمَخُوفٌ، لأَنَّهُ كَالتَّلَفِ وَأَشَدُّ وَجَعًا.
قَالَ مَالِكٌ: الْحَامِلُ أَوَّلُ حَمْلِهَا بِشْرٌ وَسُرُورٌ، وَلَيْسَ بِمَرَضٍ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} [هود: 71]، وَقَالَ:{فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا} [الْأَعْرَاف: 189] وَأَوَّلُ الإِتْمَامِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا، لَمْ يَجُزْ لَهَا قَضَاءٌ فِي مَالِهَا إِلا فِي ثُلُثِهَا