الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ التَّكْفِينِ
1476 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ هِشَامٍ، وَقَالُوا:«مِنْ كُرْسُفٍ»
قَوْلُهُ: سُحُولِيَّةٌ، قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: سُحُولٌ جَمْعُ سَحْلٍ، وَهُوَ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: سُحُولِيَّةٌ، أَيْ: بِيضٌ نَقِيَّةٌ مِنَ الْقُطْنِ، وَالسَّحْلُ: الثَّوْبُ الأَبْيَضُ النَّقِيُّ مِنَ الْقُطْنِ، وَيُقَالُ: هِيَ ثِيَابٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى سَحُولَ قَرْيَةٍ مِنَ الْيَمَنِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: قَدْ رُوِيَ فِي كَفَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ.
قَالَ رحمه الله: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا، اسْتَحَبُّوا التَّكْفِينَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ لَفَائِفَ بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُكَفِّنُ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ لَفَائِفَ، وَإِنْ شِئْتَ فِي قَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَقَالُوا: تُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: إِزَارٍ، وَخِمَارٍ، وَثَلاثِ لَفَائِفَ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ إِحْدَى اللَّفَائِفِ قَمِيصًا.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: الْمَيِّتُ يُقَمَّصُ، وَيُؤَزَّرُ، وَيُلَفُّ فِي الثَّوْبِ الثَّالِثِ.
وَعَنْ لَيْلَى الثَّقَفِيَّةِ، قَالَتْ: كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَأَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْحَقْوُ، ثُمَّ الدِّرْعُ،
ثُمَّ الْخِمَارُ، ثُمَّ الْمِلْحَفَةُ، ثُمَّ أُدْرِجَتْ فِي الثَّوْبِ الآخَرِ».
وَلَوْ كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، جَازَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَفَّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ.
قَالَ رحمه الله: وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلاثِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَالْخَمْسُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، إِسْرَافٌ وَكَرَاهِيَةٌ
1477 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ، وَمِنْ خَيْرِ أَكْحَالِكُمُ الإِثْمِدُ، فَإِنَّهُ يُنْبِتُ الشَّعْرَ، وَيَجْلُو الْبَصَرَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
قَالَ رحمه الله: وَتَحْسِينُ الْكَفَنِ مُسْتَحَبٌّ، لِمَا
1478 -
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ رحمه الله: الْمُرَادُ مِنْ هَذَا التَّحْسِينِ هُوَ الْبَيَاضُ وَالنَّظَافَةُ، لَا كَوْنُهُ مُرْتَفِعًا ثَمِينًا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
يَقُولُ: «لَا تَغَالَوْا فِي الْكَفَنِ، فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ:«خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ، لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مِشْقٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، فَاغْسِلُوهُ وَكَفِّنُونِي فِيهِ، وَفِي ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ، الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ» .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُهْلُ: الصَّدِيدُ وَالْقَيْحُ، وَرُوِيَ بِلا هَاءٍ، وَبِالْهَاءِ صَحِيحٌ فَصِيحٌ، وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ الْمِيمَ، فَيَقُولُ لِلْمِهْلَةِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ، فَلَبِسَهَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» .
فَأَبُو سَعِيدٍ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَعْنَى الثِّيَابِ: الْعَمَلُ، يُرِيدُ أَنَّهُ يُبْعَثُ
عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، أَوْ عَمَلٍ سَيِّئٍ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الثَّوْبَ نَفْسَهُ، بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً» ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلانٌ طَاهِرُ الثِّيَابِ إِذَا وَصَفُوهُ بِطَهَارَةِ النَّفْسِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ، وَفُلانٌ دَنِسُ الثِّيَابِ: إِذَا كَانَ بِخِلافِ ذَلِكَ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أَيْ: عَمَلَكَ فَأَصْلِحْ.
وَيُسْتَحَبُّ تَجْمِيرُ الْكَفَنِ، قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ لأَهْلِهَا:«أَجْمِرُوا ثِيَابِي إِذَا مُتُّ، ثُمَّ حَنِّطُونِي، وَلا تَذُرُّوا عَلَى كَفَنِي حَنُوطًا، وَلا تُتْبِعُونِي بِنَارٍ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا، أَنَّهُ نَهَى، «أَنْ يُتَّبَعَ بِنَارٍ بَعْدَ مَوْتِهِ» .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمِسْكِ لِلْمَيِّتِ، فَكَرِهَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَوْصَى عُمَرُ فِي غَسْلِهِ أَنْ لَا يُقَرِّبُوهُ مِسْكًا، وَاسْتَحَبَّهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْمِسْكِ،
فَقَالَ: «هُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ» .
وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ، وَقَالَ: هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَنَسٌ جُعِلَ فِي حَنُوطِهِ مِسْكٌ فِيهِ مِنْ عَرَقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.