الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مراحل التأليف عن السيرة باللغة الإنجليزية
تمتد المرحلة الأولى من العصور الوسطى إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. في هذه الفترة كانت الكتابات عن السيرة مبنية تماماً على غاية الجهالة والغرض المشبوه، وكان الهدف الرئيس وراءها تحريض الشعوب الأوربية ضد الإسلام والمسلمين، ولا سيما من أجل الحروب الصليبية التي كانت جارية حوالي قرنين، فكان المؤلفون الأوربيون يصفون الإسلام طوال هذه الفترة على أنه تطور شيطاني يستحق المقاومة والقضاء عليه، وكانوا يقولون إن دين محمد صلى الله عليه وسلمنوع جديد من الوثنية وأن محمداً يدَّعي نفسه إلهاً، ويطلب من أتباعه عبادته. ونتيجة لهذه الادعاءات المبثوثة عبر قرنين من الزمن اكتسبت الكلمة "Mammet/Maumet" كما كانوا يتهجون اسم النبي صلى الله عليه وسلماكتسبت معنى الصنم لدى الإنجليز. وقد أدخلت الكلمتان "memmetry/memmet" بمعنى الصنم والوثنية؟ في المعاجم الإنجليزية (1) .
والمرحلة الثانية بدأت من منتصف القرن الخامس عشر الميلادي واستمرت حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. في هذه المرحلة بدأ الأوربيون يعرفون الإسلام والمسلمين أكثر مما كانوا يعرفونهما من قبل، وذلك بسبب تعاملهم المتزايد مع الأتراك العثمانيين. فعرفوا أن دين محمد
(1) انظر Chambers Twentieth Century Dictionary الطبع لـ:1954م ص:644
صلى الله عليه وسلمليس بدين الوثنية وما الله بإله كاذب، ولكنهم تصوروا الآن أنه نبي كاذب ونشر دينه الباطل حسب قولهم بالخداع والقوة. وهذه التصورات الخاطئة في جميع الكتابات عن السيرة كانت في هذه المرحلة.
فمثلاً مارتن لوثر، الزعيم الشهير للحركة الإصلاحية في النصرانية "The Reformation Movement" يقارن النبي صلى الله عليه وسلمبالبابا "Pope" ويصف كلاً منهما بأنه عبد الشيطان وهما عدو المسيح عيسى عليه السلام (1) . ومع ذلك فإن لوثر أدرك أن الإسلام ليس بدين الوثنية، هو دين التوحيد. ولكن تعصبه الشديد حوَّله عن الحق فانتابته المخاوف طوال حياته بأن دين محمد صلى الله عليه وسلمقد يغلبه فحذر نفسه والنصارى قائلاً:
"The abominable Muhammad almost became my Prophet، and both Turks and Jews were on the way to sainthood
…
So take my advice، do not celebrate too soon. Watch out that your skill does not desert you. Be concerned، be humble، and pray that you may grow in this art and be protected against the crafty Devil." (2) .
"إن محمداً البغيض كاد يكون نبياً والأتراك واليهود كانوا على طريق القداسة الخالصة.. فخذوا نصيحتي ولا تفرحوا قبل الأوان وكونوا حذرين لكي تأمنوا الشيطان المكار".
(1) Martin Luther، Lectures etc.، quoted in M. Reeves، Muhammad in Europe: etc.، London، ، p.
(2)
Martin Luther's Works، tr. J. Pelikan، St. Louis، ، vol. ،pp. ، quoted in ibid، p.
وكذلك كانت أفكار فولتير "Voltaire" بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلمفألف كتاباً متعصباً في السيرة بعنوان: "La fanatisme au Mahomet le Prophet""التعصب على محمد النبي" قال فيه:
"But when a camel driver stirs up rebellion، claims to have coversed with Gabriel، and to have received this incomprehensible book، in which every page does violence to sober reason، when he murders men and abducts women to force them to believe in this book، such conduct can be defended by no man unless he is a born Turk، or unless superstition has choked all of the light of nature in him".
"ولكن عندما يثير جمَّالٌ فتنةً، ويدَّعِي أنه تكلم مع جبريل وتلقى هذا الكتاب غير المفهوم وكل صفحة فيه تخالف العقل السليم، عندما يغتال الناس ويختطف النسوة لإجبارهم على الاعتقاد بهذا الكتاب، ولا يمكن الدفاع عن هذا السلوك من قبل أي رجل إلا أن يكون تركياً بالنسل، أو أن تكون الخرافة قد خنقت نور الفطرة فيه برمتها".
وفي إنجلترا كتب همفري بريدو "Humphrey Prideaux" كتاباً في نهاية القرن السابع عشر الميلادي تفوق فيه على جميع السابقين له في الادعاءات والافتراءات على نبي الإسلام. وصدر كتابه سنة1697م/1108هـ بعنوان:
"The True Nature of Imposture Fully Displayed in the Life of Mahomet""طبيعة المدّعي الحقيقية متوافرة كاملة في حياة محمد" والعنوان إشارة وافية لما يحتويه الكتاب.
مثلاً يقول بريدو:
] "Muhammad made [such a religion as he thought might best go down، he drew up a scheme of that imposture he afterwards deluded them with، which being a medley made up of Judaism، the several heresies of the Christians then in the East، and the old pagan rites of the Arabs، with an indulgence to all sorts of Sensual Delights، it did too well answer his Design in drawing men of all sorts to the embracing of it"(1) .
"إن محمداً صنع ديناً بصورة تجعله مقبولاً حسب ظنه، فدبر مكايد الخداع الذي خدع به الناس وهو دين مزيج مشوش من اليهودية وبدع النصارى المنتشرة في الشرق وقتذاك ونسك الوثنية القديمة للعرب مع إطلاق العنان للغرائز الشهوانية بجميع أشكالها وقد خدم هذا خطته الماكرة في جذب جميع الأصناف ممن يطمع في اعتناقه الإسلام".
كما أيقظ بريدو الادعاء القديم أنه صلى الله عليه وسلمكان مصاباً بداء الصرع وأضاف أنه استخدم علامات هذا الداء احتيالاً لتلقي الوحي.
يقول بريدو:
"And whereas he was subject to the Falling Sickness، whenever the fit was upon him. He pretended it to be a trance، and that then the Angel Gabriel was come from God with some new revelations unto him"(2) .
(1) H. Prideaux، The True Nature of Imposture etc.، p.
(1)
Ibid.، p. 0
"وحيث إنه كان مصاباً بداء الصرع فكلما جاءته نوبة المرض ادعى أنها غيبوبة وأن الملك جبريل يأتيه بوحي جديد من الله إليه".
وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي؛ أي بعد نصف قرن من صدور كتاب بريدو أعاد إدوارد جيبون "Edward Gibbon" جميع هذه الادعاءات والتهم ما عدا تهمة داء الصرع، في المجلد الثالث من كتابه الشهير:"Decline and Fall of the Holy Roman Empire""انحطاط الإمبراطورية الرومانية المقدسة وسقوطها".
يقول جيبون:
إن محمداً مع إنجازاته السياسية كان خادعاً ماكراً وأنه لو كان مخلصاً في العهد المكي،.... لَماَ انزلق إلى الخداع بعد الهجرة وتحول إلى انتهازي سياسي مع إطلاق العنان للشهوات، وأنه كان:
"
…
a memorable instance
…
of how a wise man may deceive himself، how a good man may deceive others، how the conscious may slumber in a mixed and muddled state of self– illusion and voluntary fraud" (1) .
"مثلاً بارزاً.. كيف يمكن رجلاً حكيماً أن يخدع نفسه، وكيف يمكن رجلاً صالحاً أن يخدع الآخرين.. وكيف يهجع الضمير في خليط مشوش من خداع الذات والاحتيال الاختياري".
(1) E. Gibbon، Decline and Fall of the Holy Roman Empire، vol. iii، p.، quoted in Clinton Bennet، In search of Muhammad، London & New York، ، p..
كما يقول جيبون: إن محمداً انتصر على العالم النصراني الشرقي بواسطة القرآن في إحدى يديه والسيف في الأخرى.
هذه هي بعض أمثلة الكتابات عن السيرة في المرحة الثانية.
أما المرحلة الثالثة فبدأت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك إثر انتشار الاستعمار البريطاني في بعض الدول الإسلامية وبدء الأنشطة التنصيرية المنتظمة فيها من قبل عدة جمعيات إرسالية. وتزامنت هذه التطورات مع وقوع عديد من المصادر العربية الأصلية للسيرة في متناول الأوربيين والإنجليز، فأصبح من الضروري إعادة النظر في الأساليب المتبعة حتى ذلك الوقت في معالجة السيرة. وفي الواقع أشار توماس كرليل "Thomas Carlyl" إلى اتجاه جديد في سلسلة من المحاضرات ألقاها سنة 1840م/1256هـ عن الأبطال وعبادة البطل في التاريخ "On Heroes and Hero Worship in History" ومفاد قوله إن محمداً صلى الله عليه وسلمكان مخلصاً في اعتقاده أنه نبي، ولكنه كان مخطئاً في اعتقاده هذا. ومن ذلك الوقت بدأ الكتَّاب الأوربيون والإنجليز يشيرون إلى إخلاص النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يتركوا ادعاء الخداع تماماً، كما أنهم بدؤوا في استخدام المصادر العربية الأصلية على نحو متزايد في معالجتهم للسيرة، مع محاولاتهم في التشكيك بها حسب الضرورة أو تحريف معاني نصوصها والافتراضات من أجل التمسك بالادعاءات والافتراءات الموروثة من أسلافهم. وسيتضح هذا لو نظرنا إلى ثلاثة من أبرز ما كتب عن السيرة من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حتى الوقت الحاضر، وهي:
(1)
"William Muir: Life of Mahomet from the Original Sources، 4 vols.، London، ""حياة محمد صلى الله عليه وسلممن المصادر الأصلية" لوليم ميوير، في أربعة مجلدات، صدر في لندن سنة1858-1861م/1275-1278هـ.
(2)
"D. S. Margoliouth: Mohammed and the Rise of Islam، London، ""محمد صلى الله عليه وسلموطلوع الإسلام" لـ: د. س. مرغوليوث، والصادر في لندن سنة 1905م/1323هـ.
(3)
"W. M. Watt: Muhammad at Mecca and Muhammad at Medina، vols.، Oxford، and ""محمد صلى الله عليه وسلمفي مكة، ومحمد صلى الله عليه وسلمفي المدينة"، لـ: و. م. وات، وصدر في أكسفورد سنة1953م/1372هـ و1956م/1375هـ.