المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: مؤلفات وات في السيرة - الإهتمام بالسيرة النبوية باللغة الإنجليزية

[محمد مهر علي]

الفصل: ‌المبحث الخامس: مؤلفات وات في السيرة

‌المبحث الخامس: مؤلفات وات في السيرة

إن الادعاءات والافتراءات وتشويه الحقائق بأجمعها تصل إلى ذروتها على يد مونتغمري وات وذلك على الأخص في كتابيه "Muhammad at Mecca""محمد صلى الله عليه وسلم في مكة" و"Muhammad at Medina""محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة"، صدرا في أكسفورد سنتي 1953م/1372هـ ـ 1956م/1375هـ حسب ترتيب الذكر.

وله كتابان آخران في السيرة هما: "Muhammad Prophet and Statesman""محمد صلى الله عليه وسلم نبي ورجل دولة" و"Muhammad's Mecca""مكة محمد صلى الله عليه وسلم "، صدرا في سنتي 1961م/1381هـ ـ 1988م/1408هـ حسب الترتيب المذكور. وكلاهما مبني على الكتابين الأولين.

يقع كتاب "محمد في مكة" في ستة فصول وثمانية ملاحق، وكتاب "محمد في المدينة" في عشرة فصول واثني عشر ملحقاً. يتحدث وات عن العهد المكي حسب الترتيب الزمني ولكنه يعالج العهد المدني لا حسب الترتيب الزمني بل حسب الموضوعات. ومع هذا الاختلاف في خطة الكتابين فإن كلامه في العهدين المكي والمدني يدور في الجوهر حول الادعاءات والافتراءات التي قدمها السابقون له، وبخاصة مرغوليوث وميوير. ويختص وات بأنه يجمع ويتبنى جميع الادعاءات السابقة، ثم

ص: 40

يلبسها بافتراضات وافتراءات أخرى، ويصنع بذلك نظريات غريبة وباطلة كما سنرى.

يدَّعي وات في مقدمة كتابه الموضوعية وعدم الانحياز، ويقول: إنه لن يقول في كتابه شيئاً يتطلب نبذ أية عقيدة أصلية في الإسلام، ولكنه في الحقيقة ينوي عكس ذلك ـ كما يفعل مرغوليوث ـ فيتسرع بالقول: ومع أن هناك مجالاً لإعادة النظر فيما يقوله علماء الغرب بشأن الإسلام، فإن هناك أيضاً مجالاً لإعادة صياغة العقائد الإسلامية (1) .

هكذا يقول وات مع الحذر في الكلام: إن المسلمين لا يفهمون دينهم فهماً صحيحاً، بل إنه هو الذي يفهمه على الوجه الصحيح، كما أن قوله هذا يشير إلى نياته الحقيقية، وهي ليست تشويه السيرة فحسب، بل تضليل القراء المسلمين. وفي الواقع يبدي وات هدفه في الفقرة التالية من مقدمته ونصها:

"In so far as Christianity is in contact with Islam، Christians must adopt some attitude towards Muhammad and that attitude ought to be based on theological principles. I would readily admit that my book is incomplete in this respect، but would claim that it presents Christians with the historical material which must be taken into account in forming the theological judgement"(2) .

(1) Watt، Muhammad at Mecca، Introduction p. x.

(2)

Ibid.

ص: 41

"وبقدر ما يتعلق باتصال النصرانية بالإسلام فإنه لا بد للنصارى من أن يتخذوا موقفاً من محمد، وأن يكون ذلك الموقف مبنياً على مبادئ دينية. وسأعترف طواعية بأن كتابي ناقص من هذه الناحية، ومع ذلك فإني أدَّعي أنه يقدم للنصارى المادة التاريخية التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار لصياغة ذلك الحكم الديني".

وهكذا يعترف وات أن هدفه تنصيري وهو تزويد النصارى بالمادة التاريخية لهذا الغرض.

أما موقفه من مصادر السيرة فلا يختلف من موقف ميوير ومرغوليوث. وفي الواقع يشير إلى آرائهم ويلفت النظر خاصة إلى كتابات نولديكه ولامنس وجولدتسيهر وشاخت في هذا الموضوع. فيستخدم الروايات المؤيدة لآرائه بدون النظر في أسانيدها، وينتقد تلك التي لا تؤيد نظريته، كما يحرف معانيها ومعاني الآيات القرآنية حسب الحاجة.

وحسب ما يقوله بالنسبة للموضوعات الرئيسة للسيرة فهو كما يلي:

أولاً: بالنسبة لخلفية النبي صلى الله عليه وسلم وصلة الكعبة بإبراهيم عليه السلام فيتبنى وات رأي مرغوليوث أن الأسطورة الإبراهيمية كانت قد طورت في العهد المدني ويضيف إليه مزاعم أستاذه ريتشارد بل "Richard Bell"

ص: 42

أنه صلى الله عليه وسلم قام بتعديل الآيات القرآنية المتصلة بهذا الموضوع في العهد المدني (1) .

كما يقلل من نسب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا الغرض يحرف معنى الآية (31) من سورة الزخرف:{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} كما يخفف مكانة عبد المطلب في المجتمع المكي، ويقول إنه تفاوض مع أبرهة الأشرم حين هجومه على الكعبة للحصول على بعض المميزات التجارية ضد بعض بني عبد شمس وبني مخزوم (2) .

ثانياً: أما بالنسبة لحياته صلى الله عليه وسلم المبكرة فيتفق وات مع مرغوليوث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعبد الأصنام قبل بعثته، كما يقبل زعم داء الصرع عن طريق غير مباشر قائلاً:"إنه صلى الله عليه وسلم تعود إحداث علامات ذلك الداء لتلقي الوحي"(3) .

ثالثاً: أما بالنسبة لمزاعم طموح النبي صلى الله عليه وسلم وإعداده نفسه للدور الذي قام به فيما بعد، فيوسع وات قول السابقين له في هذا الصدد ويطرح ما يسميه تفسيراً اقتصادياً لظهور النبي والإسلام. ويدور تفسيره هذا حول ثلاث ركائز، هي:

(1)

كانت مكة مدينة تجارية قد خرجت من مرحلة الاقتصاد اليدوي على مرحلة الاقتصاد التجاري.

(1) المرجع نفسه: ص31-33-49.

(2)

المرجع نفسه: ص14

(3)

المرجع نفسه: ص58

ص: 43

(2)

ونتيجة لذلك فقد انكسر التكافل القبلي وبرزت ظاهرة الفردانية "Individualism".

(3)

كانت هناك منافسة تجارية شديدة بين فريقين من قبائل مكة يترأس أحدهما بنو هاشم، والآخر بنو مخزوم وبنو عبد شمس.

ويقول وات: إن محمداً صلى الله عليه وسلم كان في شبابه ممنوعاً عن دائرة التجارة الرابحة ومن ثم كان يعاني الشعور بالحرمان "Sense of deprivation"، وهذا ما دفعه إلى الأمام (1) .

كما يربط وات حرب الفجار وحلف الفضول بهذا التفسير الاقتصادي والمنافسة التجارية. وخلاصة كلامه أن الحركة الإسلامية كانت في الأصل نضالاً بين الطبقتين الأولى والثانية في المجتمع المكي وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه كانوا هم الطبقة الثانية.

إن هذا التفسير الاقتصادي لوات مبني على اقتراحات الآخرين مثل لامنس وتوري "C.C.Torrey" وإنه فاسد وباطل كما أثبتناه في كتابنا "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والمستشرقون"(2) .

رابعاً: وبالنسبة لمزاعم الاقتباس من اليهودية والنصرانية فإن وات لا يعيدها فحسب بل يقول مثل قول مرغوليوث: أن معلوماته صلى الله عليه وسلم كانت خاطئة وناقصة في بداية الأمر وتحسنت مع مرور الوقت.

(1) المرجع نفسه: ص51-52.

(2)

M. M. Ali، op. cit.، chapters IV & XXIV

ص: 44

ويستدل لهذا بالآيات القرآنية المتعلقة بقصص إبراهيم ولوط عليهما السلام، ويقول: إن هذه الآيات تدل على أن معرفة محمد صلى الله عليه وسلم بقصص الأنبياء كانت تتحسن وأنه كان يتلقى المعلومات عن فرد أو أفراد ذوي صلة به (1) . ويحاول إثبات هذا القول بتحريف معنى الآية (103) من سورة النحل: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} . والآيتين من سورة الفرقان: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:4-5] .

كما يقول وات: "إنه صلى الله عليه وسلم اقتبس الأفكار العلمية الخاطئة والسائدة في ذلك الوقت، وهذا من الأخطاء العلمية في القرآن"(2) . ويجادل وات أيضاً في أمية النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: "إنه لم يكن بدون معرفة الكتابة والقراءة كما يظن المسلمون وأن كلمة "الأمي" في القرآن تعني بدون كتاب مُنزَّل لديهم"(3) .

خامساً: أما بالنسبة للوحي فيتبع وات كذلك السابقين له في معالجته الموضوع ويضيف إليها اقتراح أستاذه "ييل" أن المَلَك جبريل عليه

(1) Watt، Muhammad at Mecca، p.

(2)

Watt، Muhammad's Mecca، pp.

(3)

المرجع نفسه: ص52.

ص: 45

السلام لم يكن معروفاً لدى محمد صلى الله عليه وسلم قبل العهد المدني وأنه ظن أنه رأى الله في غار حراء، ولكن ظنه هذا كان نمطاً نفسياً له. ومن أجل إثبات هذا الادعاء يقسِّم وات رواية عروة بن الزبير بهذا الشأن إلى (11) قطعة ويحرف معنى كل واحدة منها (1) . ومثل مرغوليوث الذي يستند إلى كتاب بودمور في معالجته للوحي، يلجأ وات إلى كتاب بولين "A.Poulain" عن اللاهوت، وهو بعنوان:"The Interior Graces of Prayer""لطائف باطنية للدعاء" والصادر في لندن سنة1928م/1347هـ، وذلك لإثبات أن الوحي كان منبثقاً عن ذات محمد صلى الله عليه وسلم، وكان عبارة عن محاورة كلامية ذهنية أو فكرية "Intellectual or Imaginative locution" له (2) .

كما يكرر وات ما يقوله أستاذه "ييل": "أن محمداً صلى الله عليه وسلمكان يقوم بتعديل الآيات القرآنية من حين لآخر، وأنه أجاد تقنية الاستماع إلى ما كان قد نسي أو فقد من الوحي واسترجاعه"(3) .

وقد سبق أن أشرنا إلى أن وات يتفق مع مرغوليوث في زعمه أن النبي صلى الله عليه وسلماعتاد إحداث داء الصرع المزعوم لتلقي الوحي.

سادساً: بالنسبة للمرحلة الأولى للدعوة يحاول وات مثل ميوير تعيين التعاليم القرآنية الأولية ويقول: "إنه صلى الله عليه وسلملم يتخل عن الوثنية تماماً في

(1) Watt، Muhammad at Mecca، pp.

(2)

المرجع نفسه: ص52-58.

(3)

المرجع نفسه: ص58.

ص: 46

بداية الأمر ولم يكن توحيده خالصاً، كما يصدق قصة الغرانيق، ويطرح بهذا الصدد نظرية غريبة وعارية من الصحة وهي: أن معارضة المشركين بدأت بعد أن ألغى النبي صلى الله عليه وسلمالتسوية المزعومة التي كان قد أبرمها، وبعد أن تراجع عن اعترافه بآلهتهم (1) .

سابعاً: وبالنسبة لمعارضة المشركين يتعاطف وات مثل ميوير مع اعتراضهم ويقلل من أمر المشركين واضطهادهم للمسلمين.

يقول وات:

"

the persecution of the Muslims was mild and did not include any acts strictly forbidden by custom. The frequent references in the Qur'an to Muhammad's opponents are largely concerned with their verbal criticisms of his message and of himself. There is

mention of plots and schemes against Muhammad and the Muslims، but hardly of anything that really merits the name of persecution" (2) .

"إن اضطهاد المسلمين كان خفيفاً ولم يشمل إجراءات يمنعها العرف منعاً باتاً. والإشارات المتكررة في القرآن إلى معارضي محمد صلى الله عليه وسلمتخص إلى حد كبير بانتقاداتهم الشفوية والكلامية لدعوته ولنفسه. إن هناك ذكراً للمكايد والمخططات ضد محمد صلى الله عليه وسلمولكن من النادر أن يستحق أن يسمى اضطهاداً".

(1) المرجع نفسه: الفصلان الثالث والرابع.

(2)

المرجع نفسه: ص123.

ص: 47

ويضيف قائلاً: "إن العنف أصاب فقط بعض الأرقاء مثل بلال وعامر ابن فهيرة رضي الله عنهما".

ثامناً: وبالنسبة للهجرة فيعدها وات مثل ميوير ومرغوليوث منعطفاً، ويقول:"بعدها تحول النبي صلى الله عليه وسلمإلى رجل دولة ووجه جميع إجراءاته إلى تحقيق أهدافه السياسية".

تاسعاً: وبالنسبة للعلاقة مع قريش والأحداث العسكرية التي تلت فيتهم وات مثل الآخرين النبي صلى الله عليه وسلمبالعدوان على قريش. وفي الواقع يسمِّي الفصل الأول من كتابه "محمد في المدينة" والذي يتحدث فيه عن الأحداث العسكرية حتى معركة بدر بـ"استفزاز قريش""Provocation of Quraysh" والفصل الثاني الذي يتحدث فيه عن جميع الأحداث العسكرية حتى نهاية غزوة الخندق بـ"فشل الرد المكي""The Failure of the Meccan Riposte".

عاشراً: كذلك يعالج وات موضوع علاقة النبي صلى الله عليه وسلمبيهود المدينة معالجة متحيزة للغاية، ومن أجل ذلك يذهب إلى القول:"إن اليهود لم يبرموا أية معاهدة معه في صحيفة المدينة وأن مكانته في المدينة حتى فتح مكة لم تكن مختلفة من مكانة أي رئيس من رؤساء القبائل والفصائل الأخرى في المدينة". ولإثبات هذه النظرية يحرف وات معاني بنود صحيفة

ص: 48

المدينة (1) . كما يتعاطف مع محاولات المنافقين ضده ويسميها "معارضة المسلمين""The Muslim Opposition" للنبي صلى الله عليه وسلمبالمدينة (2) .

حادي عشر: كذلك يشن وات هجوماً على خلق النبي صلى الله عليه وسلم على أساس تعدد زوجاته المطهرات رضي الله عنهن وأمور أخرى، ولو بطريقة غير مباشرة، وذلك بعنوان:"The Alleged Moral Failures""القصور الخلقي المزعوم"(3) .

ثاني عشر: ويقول وات مثل قول السابقين له إن محمداً صلى الله عليه وسلم فرض الإسلام على الجزيرة العربية بالقوة وإن دينه خليط من اليهودية والنصرانية والوثنية العربية القديمة (4) .

(1) Watt، Muhammad at Medina، chapters V،VI and Vll.

(2)

المرجع نفسه: ص 180-191

(3)

المرجع نفسه: ص 324-334

(4)

المرجع نفسه: الفصل الرابع والفصل التاسع.

ص: 49