الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقال: ما فائدة هذا الشرط طالما أننا اشترطنا في الراوي أن يكون ضابطا؟.
والجواب أن الضبط مَلَكَةٌ بالنسبة لجملة أحاديث الراوي، إلا أنه قد يحتمل أن يقع منه وَهْمٌ في بعض ما يرويه، لذلك صرحوا بنفي الشذوذ. وذلك يعني أن يكون الحديث منسجمًا مع الأحاديث المعروفة المُسَلَّمَةِ في موضوعه.
الشرط الخامس: ألا يكون الحديث مُعَلاًّ:
والحديث المعلل هو الحديث الذي اطُّلِعَ فيه على علة تقدح في صحة الحديث مع أن ظاهرة السلامة منها. وهو على قسمين: معلل السند، ومعلل المتن.
وهذا الشرط يفيد في خلو الحديث من أي وصف قادح في صحة الحديث يكون الحديث بحسب الظاهر سليمًا منه (1).
وهذان الشرطان الأخيران يستوجبان بحث الحديث من ناحية متنه في ضوء علوم المتن كلها، وذلك لأنه لا يمكن الحكم على المتن بلا شذوذ أو الإعلال أو بسلامته منهما إلا بعد دراسته من جميع الوجوه، وقد تكفلت بذلك علوم المتن.
(1) تعبيرنا بقولنا «وَلَا مُعَلاًّ» موافق لعبارة ابن الصلاح، وهو أصح وأدق من تعبير غيره بقوله «مِنْ غَيْرِ شُذُوذٍ وَلَا عِلَّةٍ» وهو تعبير درج عليه بعض العصريين، وذلك لان كلمة «عِلَّةٌ» تطلق على نوعين: علة قادحة، وعلة غير قادحة كما هو مقرر في أصول الحديث، فلم يكن التعبير بـ «عِلَّةٍ» صريحًا في المراد. أما المعلل فلا يكون إلا متضمنًا في باطنه وصفًا قادحًا في صحة الحديث.
وعددها ثمانية علوم هي
1 -
الحديث القدسي.
2 -
المرفوع وهو ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
3 -
الموقوف وهو ما نسب إلى الصحابي.
4 -
المقطوع وهو ما نسب إلى التابعي.
5 -
غريب الحديث، وهو بيان معنى الألفاظ الغامضة.
6 -
أسباب ورود الحديث.
7 -
ناسخ الحديث ومنسوخه.
8 -
مختلف الحديث، وهو ما أوهم معنى باطلاً أو معارضًا للأدلة وكيفية حل إشكاله.
كذلك يستوجب هذان الشرطان بحث الحديث من ناحية تفرد الراوي به أو عدم تفرده، وأنه قد تعدد رواته، وهل التعدد وقع من الرواة مع الاختلاف في المروي، وهو بحث يشترك فيه السند والمتن، وفيه ثلاث مجموعات من علوم الحديث هي:
أولاً: تفرد الراوي بأي نوع من أنواع التفرد في الحديث الغريب والفرد.
ثانيًا: مجموعة علوم تعدد رواة الحديث مع اتفاقهم، والعلوم الأساسية في هذه المجموعة هي:
1 -
العزيز وهو ما رواه اثنان.
2 -
المشهور: وهو ما رواه ثلاثة فأكثر، ولم يبلغ درجة التواتر.
3 -
المتواتر: وهو ما رواه جمع كثير يستحيل تواطؤوهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه وكان مستندهم الحِسُّ.
ثالثًا: مجموعة علوم تعدد الرواة مع اختلافهم.
وهذه العلوم هي:
1 -
زيادات الثقات: أي ما يقع في رواية ثقة من زيادة ليست في رواية غيره ولا تقبل إلا إذا سلمت من مخالفة رواية الأخرين.
2 -
3 - الشاذ: وهو ما رواه الثقة مخالفًا لمن هو أولى منه والمحفوظ وهو عكسه والمحفوظ مقبول.
4 -
5 - المنكر: وهو ما رواه الضعيف مخالفًا للمقبول، وضده المعروف. والمعروف مقبول.
6 -
المضطرب: وهو ما اختلف رواته ولم يمكن حل اختلافهم.
7 -
المقلوب: وهو ما أبدل فيه راويه شيئًا بآخر في السند أو المتن.
8 -
المدرج: وهو ما ذكر في ضمن الحديث متصلاً به من غير فصل وليس منه.
9 -
المُصَحَّفُ: وهو ما وقع فيه تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها.
10 -
المُعَلُّ.
ولا يقبل من هذه الأقسام إلا ما استثنيناه على تفاصيل تعرف من المراجع، ليس هذا موضعها.
وربما يتوهم بعض الناس الاكتفاء بالحديث المعلل عن المجموعة الثالثة وتضم عشرة أنواع من علوم الحديث، منها الحديث المعلل؟ لكن هذا ليس صحيحًا، لأن أسباب القدح في الحديث المعلل كثيرة، تستنبط من الأنواع الأخرى لاختلاف الروايات سَنَدًا أَوْ مَتْنًا ويستعان بها للتوصل إلى إعلال الحديث.
وهكذا اشتملت شروط الحديث الصحيح على اختبار الحديث سَنَدًا وَمَتْنَا من جميع جوانب البحث، واتضح بطلان ما وقع في كلام بعض المستشرقين من ادعائهم أن المُحَدِّثِينَ ينظرون في نقدهم للحديث إلى الشكل فقط، فقد تبين من هذا البحث الموجز كيف احتاج الحكم بتصحيح الحديث إلى أعمال كل قواعد المصطلح، وأن هذه القواعد تُعْنَى بدراسة المضمون «المتن» من جميع الجهات كما تُعْنَى بدراسة السند أيضًا.
وقد أصبح هذا الشرح والفهم العميق الكلي للحديث الصحيح مُيَسَّرًا بنتيجة ما وُفِّقْنَا إليه بفضل الله تعالى من التوصل إلى صياغة هذا العلم صياغة جديدة تدرس قواعده في شكل نظرية نقدية متكاملة، تتآلف فيها أنواع علوم الحديث، وتدرس كل مجموعة من المجموعات التي سبق أن ذكرناها في باب مستقل، بعد أن كانت مفرقة مختلطة ببعضها وتنتقل بقواعد هذا العلم من التجزىء إلى التكامل، ومن المسائل المتفرقة التي قَدْ يُظَنُّ أَنَّهَا وُضِعَتْ دُونَ غَايَةٍ إلى النظرية المتناسقة التي تجلو دقة علم المصطلح وشموله (1) وقد أبرزنا ذلك ههنا في شرح تعريف الصحيح بإجمال يُلْقِي ضَوْءًا على الفكرة العامة لهذه النظرية، ويوضح في نفس الوقت دقة علماء الحديث في هذه الشروط التي جعلوها دليلاً على صحة الحديث وأن رواته أَدُّوهُ كَمَا سَمِعُوهُ.
وذلك أن العدالة والضبط يحققان أداء الحديث كَمَا سُمِعَ مِنْ قَائِلِهِ، واتصال السند على هذا الوصف، في الرواة يمنع اختلال ذلك في أثناء السند، فهذه الشروط الثلاثة حققت سلامة الحديث من القوادح
(1) وقد شرحنا ذلك مفصلاً في كتابنا " منهج النقد في علوم الحديث " فارجع إليه لزامًا.