المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقسام الاستحسان والقياس: - الاتجاهات العامة للاجتهاد ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها

[نور الدين عتر]

فهرس الكتاب

- ‌[المُقَدِّمَةُ]:

- ‌المَبْحَثُ الأَوَّلُ: فِي المَصَادِرِ الأًًصْلِيَّةِ للاِجْتِهَادِ:

- ‌المَبْحَثُ الثَّانِي: فِي العَامِّ وَقَطْعِيَّةِ دَلَالَتِهِ:

- ‌تَعْرِيفُ العَامِّ وَحُكْمِهِ:

- ‌قَطْعِيَّةُ دَلَالَةِ العَامِّ:

- ‌نَتَائِجُ الخِلَافِ فِي قَطْعِيَّةِ العَامِّ:

- ‌المَبْحَثُ الثَّالِثُ: فِي الاِسْتِحْسَانِ وَحُجِّيَّتِهِ:

- ‌حُجِّيَّةُ الاِسْتِحْسَانِ:

- ‌أَقْسَامُ الاِسْتِحْسَانِ وَالقِيَاسِ:

- ‌المَبْحَثُ الرَّابِعُ: فِي خَبَرِ الوَاحِدِ الصَّحِيحِ وَحُجِّيَّتِهِ:

- ‌تَقْسِيمُ الخَبَرِ مِنْ حَيْثُ عَدَدِ رُوَّاتِهِ:

- ‌القسم الأول: المتواتر:

- ‌القسم الثاني خبر الواحد أو الآحاد:

- ‌[شروط الحديث الصحيح]

- ‌الشرط الأول: العدالة:

- ‌الشرط الثاني: الضبط:

- ‌الشرط الثالث: الاتصال:

- ‌الشرط الرابع: ألا يكون الحديث شاذًا:

- ‌الشرط الخامس: ألا يكون الحديث مُعَلاًّ:

- ‌الحَدِيثُ الحَسَنُ:

- ‌ الحسن لذاته

- ‌ الحسن لغيره

- ‌حُجِّيَّةُ خَبَرِ الآحَادِ الصَّحِيحِ فِي الأَحْكَامِ:

- ‌الأَدِلَّةُ اليَقِينِيَّةُ القَطْعِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ العَمَلِ بِخَبَرِ الوَاحِدِ

- ‌[أ] دَلَالَةُ القُرْآنِ عَلَى حُجِّيَّةِ خَبَرِ الوَاحِدِ الصَّحِيحِ وَالحَسَنِ:

- ‌[ب] دَلَالَةُ السُنَّةِ:

- ‌[جـ] إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ:

- ‌إِشْكَالٌ عَلَى عَمَلِ الصَّحَابَةِ بِخَبَرِ الوَاحِدِ:

- ‌[د] دَلَالَةُ العَقْلِ عَلَى حُجِّيَّةِ الوَاحِدِ:

- ‌اشْتِبَاهُ تَرْكِ الفَقِيهِ لِلْحَدِيثِ:

- ‌الحُجَّةُ فِي تَثْبِيتِ خَبَرِ الوَاحِدِ:

- ‌المَرَاجِعُ:

الفصل: ‌أقسام الاستحسان والقياس:

فهذه العبارة الأخيرة في كلام ابن اللحام مع تعريفه للاستحسان هي الفصل في الموضوع، فإنه بعدما استقرت الآراء على أن الاستحسان اسم لدليل متفق عليه، نَصًّا كان، أو إجماعًا، أوقياسًا خَفِيًّا إذا وقع في مقابلة قياس تسبق إليه الأفهام حتى لا يطلق على نفس الدليل من غير مقابلة فهو حجة عند الجميع من غير تصور خلاف.

ثم إنه غلب في اصطلاح الأصول على القياس الخفي خاصة، كما غلب اسم القياس على القياس الجلي، تمييزًا بين القياسين».

‌أَقْسَامُ الاِسْتِحْسَانِ وَالقِيَاسِ:

ولما أن الاستحسان لا يكون إلا لدى معارضة القياس فقد ضبط الحنفية العلاقات بين القياس والاستحسان بتقسيم دقيق، وذلك تارة باعتبار القوة والضعف وتارة باعتبار الصحة والفساد، ويتحصل من تفاصيل ذلك أقسام كثيرة (1) لا يتسع المجال ههنا لذكرها. لذلك نكتفي بالتقسيم الرئيسي وهو أن نقول:

إن الاستحسان ينقسم إلى قسمين: الأول ما خفي تأثيره، والثاني ما خفي فساده وظهرت صحته.

وينقسم القياس كذلك إلى قسمين: الأول ما ضعف تأثيره، والثاني ما ظهر فساده وخفيت صحته.

فإذا قابلنا كُلاًّ من قسمي الاستحسان وعارضناه بقسمي القياس كانت الأنواع أربعة.

(1) تبلغ بمقابلتها ببعضها ستة عشر قسمًا، كما في " مسلم الثبوت " وشرحه " فواتح الرحموت ": جـ 2 ص 324 وانظر تفاصيلها في " التوضيح " و" حاشية التلويح ": جـ 2 ص 82 - 84.

ص: 26

وأقوى هذه الأنواع الأربعة: القسم الأول من الاستحسان، وهو الذي قوي أثره فإنه مقدم على القسم الأول من القياس وهو القياس الضعيف الأثر.

ثم القسم الثاني من القياس وهو القياس الخفي الصحة، وهو مقدم على القسم الثاني من الاستحسان، وهو الاستحسان الخفي الفساد (1).

مثال القسم الأول: وهو الاستحسان الذي قوي أثره فقدم على القياس الذي هو ضعيف الأثر: سؤر سباع الطيور، وهو الماء الذي يبقي في الإناء بعد أن يشرب منه طائر من الطيور المفترسة:

القياس أن يكون هذا السؤر نَجِسًا، قِيَاسًا على سؤر سباع البهائم، لأن السؤر تابع في حكمه للحم الحيوان، ولحم سباع الطير حرام نجس عند الحنفية.

لكن الاستحسان يقضي بطهارة سؤر سباع الطير كسؤر الآدمي، فإن القياس على سؤر الآدمي أقوى من القياس الأول، وإن كان الأول أظهر، وسبب ذلك ضعف علة القياس وهي مخالطة الرطوبة النجسة للسؤر، وهذه العلة لا توجد في سباع الطيور، إذ تشرب بمنقارها فيخالط منقارها الماء، أما لعابها فلا يخالط الماء، والمنقار عظم طاهر، وملاقاة الطاهر للماء لا تنجسه، فكان من هذا الوجه كسؤر الآدمي لكن قالوا فيه بالكراهة لأنها لا تتحرز عن النجاسة، كالدجاجة المخلاة (2).

(1)" التقرير والتحبير ": ج 3 ص 223، و" فواتح الرحموت ": ج 2 ص 322، وقارن بالخضري في كتابه " أصول الفقه ": ص 367 الطبعة الرابعة، ففي بعض تفصيله نظر وهو اعتباره القسم الثاني من الاستحسان منزلة ثالثة في التقديم.

(2)

" التحرير " وشرحه " التقرير والتحبير ": جـ 3 ص 222، و" التوضيح " و" حاشية التلويح ": جـ 2 ص 82، و" فواتح الرحموت ": جـ 2 ص 322، 323.

ص: 27

مثال القسم الثاني: وهو القياس الذي هو خفي الصحة وتقديمه على الاستحسان الذي هو ظاهر الصحة خفي الفساد: سجدة التلاوة إذا قرئت آية السجدة في الصلاة هل تدخل في ركوع الصلاة؟

القياس أنها تؤدى بالركوع في الصلاة، لأن المقصود منها هو تعظيم الله تعالى مخالفة للمتكبرين من المشركين، ويدل على ذلك وقوع التداخل فيها، إذا قُرِئَتْ مِرَارًا في مجلس واحد، أو سُمِعَتْ مِرَارًا في مجلس واحد أجزأت سجدة واحدة. وهو قول الحنفية.

أما الاستحسان فيقضي أن لا يجوز كما هو قول الأئمة الثلاثة، قِيَاسًا على سجود الصلاة، لا ينوب عنه ركوعها، فكذا هذا أيضًا، لأن كُلاًّ منهما هو غير المأمور به.

لكن الحنفية رأوا هذا الاستحسان فاسدًا باطنًا، لأن كُلاًّ من الركوع والسجود مطلوب في الصلاة بطلب يخصه، فلا يتأدى أحدهما بالآخر، بخلاف سجدة التلاوة فإن السجود غير مقصود بالذات إنما المقصود هو التعظيم عند قراءة هذه الآيات وهو كما يحصل بالسجود يحصل بالركوع.

وقد يعترض على الحنفية بأن هذا يوجب أن تؤدى سجدة التلاوة بالركوع خارج الصلاة أيضًا؟

أجاب الحنفية عن هذا بأن الركوع لم يعرف قربة خارج الصلاة، والتعظيم إنما يكون بما هو قربة معتبرة شَرْعًا، فلا بد حينئذ من السجود (1).

(1)" التحرير " و" شرحه ": جـ 3 ص 224 ، و" التوضيح والتلويح ": جـ 2 ص 82، 83، و" فواتح =

ص: 28

و [يؤيد](*) مذهب الحنفية في هذا ما ورد من الآثار عن بعض الصحابة.

فعن ابن عمر: أنه كان إذا قرأ «النجم» و «اقرأ باسم ربك» في صلاة وبلغ آخرها كَبَّرَ وَرَكَعَ، وإن قرأها في غير صلاة سجد.

وعن ابن مسعود أنه سئل عن سجدة تكون في آخر السورة أيسجد لها أم يركع؟ قال: «إِنْ شِئْتَ فَارْكَعْ، وَإِنْ شِئْتَ فَاسْجُدْ ثُمَّ اقْرَأْ بَعْدَهَا سُورَةً» (1).

قال المحقق ابن امير الحاج: «ولم يرو عن غيرهما خلافه، بل ذكره ابن أبي شيبة عن علقمة وإبراهيم والأسود وطاوس ومسروق والشعبي والربيع بن خُثيم وعمرو بن شرحبيل» (2).

وهكذا ضبط الحنفية هذا النوع من أدلة الأحكام الشرعية، والذي يأتي بمثابة استثناء من الإطراد في الأحكام، فجعلوا هذا الاستثناء مُقَعَّدًا بقواعد ينظر فيها إلى الطرفين المتقابلين: نص في مقابلة القياس، أو قياس خفي في مقابلة القياس الجلي.

ونختم هذه اللمحة الموجزة بهذه الملاحظة القيمة التي أتوا بها حيث قالوا:

= الرحموت ": جـ 2 ص 323.

(1)

قال في " فواتح الرحموت ": «وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الآثَارِ فَحَسَنٌ» .

(2)

" التقرير والتحبير " لابن أمير الحاج: جـ 3 ص 225، لكن الكمال بن الهُمام يرى أن هذه المسألة من باب تقديم الاستحسان لا القياس. ويرى ابن أمير الحاج أنه حيث وردت هذه الآثار في المسألة فهي من قبيل الاستحسان بالأثر أيضًا، كما أنها من قبيل الاستحسان بالقياس الخفي. وهي ملاحظة دقيقة جديرة بالاعتبار في هذه المسألة.

_________

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(يُؤَيِّدُ) وليس (يُؤَدِّي)، انظر أصل هذا الكتاب: مجلة مركز بحوث السنة والسيرة - دولة قطر: 8 - 1415 هـ، ص 142.

ص: 29

إن الاستحسان إن كان قياسًا خَفِيًّا يقابل القياس الجلي فإنه يتعدى إلى الصور الأخرى وسائر المسائل التي توجد فيها علة الاستحسان، أما إذا كان دليلاً آخر غير ذلك فلا يتعدى إلى غيره.

وسبب ذلك في القسم الأول أنه قياس، ومن شأن القياس التعدية، أما في القسم الثاني فإنه معدول به عن سنن القياس، وما كان معدولاً به عن سنن القياس فغيره عليه لا يقاس (1).

• • •

(1)" التنقيح " و" شرحه "، و" حاشية التلويح " عليه: جـ 2 ص 84، و" التحرير " و" شرحه ": جـ 3 ص 225، 226، و" مسلم الثبوت " و" شرحه ": جـ 2 ص 321، 322.

ص: 30