الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: في أصل وضع الخراج وأول من وضعه في الاسلام
ذكروا أن سواد العراق كان الخراج موضوعا عليه قبل الاسلام في زمن ملوك الفرس فذكر يحيى بن آدم في كتاب الخراج عن الحسن بن صالح قال: سوادنا هذا يعني سواد الكوفة سمعنا أنه كان في أيدي النبط فظهر عليهم أهل فارس فكانوا يؤدون اليهم الخراج فلما ظهر المسلمون على أهل فارس تركوا السواد ومن لم يقاتلهم من النبط والدهاقين على حالهم ووضعوا الجزية على رؤس الرجال ومسحوا عليهم ما كان في أيديهم من الارض ووضعوا عليها الخراج وقبضوا على كل أرض ليست في يد أحد فكانت صوافى إلى الامام قال الناصري من أصحابنا في كتاب المستوعب ذكر شيخنا في شرحه يعني أبا حكيم النهرواني أنه وجد في بعض الكتب عن أبي الحسين اسحاق بن يحيى بن شريح أن السواد كان في القديم علىالمقاسمة وأول من نقله من المقاسمة الى الخراج قباز بن فيروز وكان سبب نقله من المقاسمة الى الخراج أن كسرى قباز بن فيروز ركب في بعض الايام للتصيد فانفرد عن أصحابه في طلب طريدة فأشرف على بستان فيه ثمرة وامرأة تخبز ومعها ابن لها فكان الصبي كلما هم بأخذ شيء من الثمرة من البسان تركت خبزها ومنعته من تناول شيء من الثمرة فناداها كسرى قباز لم منعت الصبي من ذلك؟ فقالت: إنها مقاسمة للملك فيها حق ولم يأت عامله ليقبضه فرق لها قباز وأمر باطلاق
الغلات والثمار لأهل السواد ووضع على ذلك المسايح وألزم أهلها الخراج.
ولم يزل السواد على المساحة والخراج الى أن زال ملك الاكاسرة عنه وافتتحه عمر رضي الله عنه على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد تقدم قول الامام أحمد رضي الله عنه إنما كان الخراج على عهد عمر رضي الله عنه يعني أنه لم يكن في الاسلام قبل خلافة عمر رضي الله عنه ولا ريب أن عمر رضي الله عنه وضع الخراج على أرض السواد ولم يقسمها بين الغانمين وكذلك غيرها من أراضي العنوة.
وذكر أبو عبيد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعاذ بن جبل أشارا على عمر رضي الله عنهم بذلك.
وروي من طريق اسرائيل عن أبي سحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر رضي الله عنه أنه أراد أن يقسم السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا فوجد الرجل نصيبه ثلاثة من الفلاحين فشاور في ذلك فقال له علي ابن أبي طالب دعهم يكونوا مادة للمسلمين فتركهم وبعث عليهم عثمان ابن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنى عشر (1).
ومن طريق يحيى بن حمزة حدثني تميم بن عطية العنسي أخبرني عبد الله بن قيس قال: قدم عمر رضي الله عنه الجابية فأراد قسم الأرض بين المسلمين فقال معاذ رضي الله عنه إذن والله ليكونن ما تكره إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك الى الرجل الواحد أو المرأة ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون في الاسلام مسدا وهم لا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم وفي رواية أخرى له قال فصار عمر الى قول معاذ رضي الله عنهما.
(1) يعني درهما كما رواية البهقي من طريق محمد بن عبيد الله الثقفي.
وروي أبو زرعة الدمشقي وأخرجه من طريقه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر عن هشام بن حماد عن الوليد بن مسلم عن تميم بن عطية حدثني عبد الله بن قيس الهمداني قال: كنت فيمن يلقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه مقدمة من الشام والجابية يريد قسم ما فتحناه من الأرضين قال فتلقيناه خلف أذرعات مع أبي عبيدة رضي الله عنه فذكر الحديث وقال فيه فمضى عمر رضي الله عنه حتى نزل الجابية فذكر عمر رضي الله عنه قسم الأرضين فأشار عليه معاذ بن جبل رضي الله عنه بايقافها فأجابه عمر رضي الله عنه الى ايقافها وعبد الله بن قيس قال أحمد ثقة وقال أبو حاتم صالح وتميم بن عطية قال أبو حاتم محله الصدق.
قلت أما ما أشار به معاذ رضي الله عنه فهو وضع الخراج على الأرض وتركها فيأ للمسلمين وأما ما أشار به علي رضي الله عنه فإنما هو في رقاب الأسارى ولذلك بعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم الجزية.
وقد جاء ذلك صريحا في رواية أخرى فرواه الحسن بن زياد اللؤلؤي في كتاب الخراج له عن اسرائيل باسناده المتقدم (1) ولفظه أنا عمر رضي الله عنه لما افتتح السواد أراد أن يقسم رؤس الرجال بين المسلمين وذكر بقية الحديث وقال في آخره: بعث عثمان بن حنيف فوضع على رؤس الرجال من أهل السواد علىالموسر منهم ثمانية وأربعين درهما وعلى المقتصد أربعة وعشرين وعلى الدون احدى عشر درهما وجعل ذلك جزية عليهم يؤدونها في كل عام وقد روي أن عمر
(1) يعني عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر لما افتتح السواد الخ.
رضي الله عنه خيرهم بين الاسلام والجزية فاختاروا الجزية فلم يضرب الجزية عليهم بغير اختيارهم.
فروى يحيى بن آدم في كتاب الخراج حدثني محمد بن طلحة بن مصرف عن محمد بن المساور عن شيخ من قريش عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أتاه رؤساء السواد وفيهم ابن الرفيل فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا قوم من أهل السواد وكان أهل فارس قد ظهروا علينا وأضروا بنا ففعلوا وفعلوا حتى ذكروا النساء فلما سمعنا بكم فرحنا بكم وأعجبنا ذلك فلم نرد كفكم عن شيء حتى أخرجتموهم عنا فبلغنا أنكم تريدون أن تسترقونا فقال عمر ر ضي الله عنه فالآن إن شئتم فالاسلام وإن شئتم فالجزية فاختاروا الجزية ولعل عمر رضي الله عنه أراد قسمة الارض وأهلها جميعا ويدل عليه ما رواه الاعمش عن أبي اسحاق عن طلحة بن مصرف قال قسم عمر رضي الله عنه السواد بين أهل الكوفة فأصاب كل رجل منهم ثلاثة فلاحين فقال له علي رضي الله عنه فما يكون لمن بعدهم فتركهم أخرجه ابن أبي شيبة والاثرم.
وفي صحيح البخاري من رواية زيد بن أسلم عن ابيه أنه سمع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول: أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس بيانا ليس لهم شيء ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خبير ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها.
ولم يزل أمر السواد على الخراج الى دولة بني العباس فجعله المنصور مقاسمة حيث رخصت الاسعار فلم تف الغلات بخراجها وخرب السواد فجعله مقاسمة ثم تبعه على ذلك ابنه المهدي وجعله مقاسمة بالثلث فيما سقي بالدوالي وبالربع فيما سقي بالدواليب والنواضح.