المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السابع: في مقدار الخراج - الاستخراج لأحكام الخراج

[ابن رجب الحنبلي]

الفصل: ‌الباب السابع: في مقدار الخراج

‌الباب السابع: في مقدار الخراج

خرج البخاري في صحيحه من طريق حصين عن عمرو بن ميمون قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف فقال كيف فعلتما؟ أخاف أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قال: قالا: حملناها أمر هي له مطيقة ما فيها كثير فضل قال: انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق قالا: لا، فقال عمر رضي الله عنه: لئن سلمني الله لادعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا قال: فما أتت عليه إلا أربعة أيام حتى أصيب رضي الله عنه.

وروى شعبة عن الحكم قال: سمعت عمرو بن ميمون يقول: شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأتاه ابن حنيف فجعل يقول: والله لئن وضعت على كل جريب من الأرض درهما وقفيزا من طعام لا يشق ذلك عليهم ولا يجهدهم.

قال الامام أحمد وأبو عبيد أصح شيء في الخراج عن عمر رضي الله عنه حديث عمرو بن ميمون هذا رواه عمر بن شبة باسناده وزاد فيه أنه وضع على القادسية درهما وعلى الدقلتين درهما.

وروى أبو عبيد حدثنا أسماعيل بن مجالد عن أبيه مجالد بن سعيد

ص: 81

عن الشعبي أن عمر رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف فسمح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهما وقفيزا قال: وحدثنا معاوية عن الشيباني عن محمد بن عبيد الله الثقفي قال: وضع عمر رضي الله عنه على أهل السواد على كل جريب عامر درهما وقفيزا وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة وعلى جريب الشجرة عشرة دراهم وعشرة أقفزة قال: ولم يذكر النخل.

وقد روي في حديث عثمان بن حنيف حين بعثه عمر رضي الله عنه قال: فكان لا يعد النخل خرجه عمر بن شبة في كتاب أخبار الكوفة وروى صالح بن أحمد في مسائلة حدثنا هشيم بن خالد عن الشعبي أن عمر رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف فأمره أن يمسح السواد ففعل قال فبلغت مساحته بضعة وثلاثين ألف ألف جريب قال: وأمره أن يضع على كل جريب قفيزا ودرهما قال: إني أخشى أن لا يكون سمعه يعني هشيما ليس فيه خير.

قال: وحدثني أبي حدثنا بهز بن أسد حدثني سلمة بن علقمة حدثنا داود عن عامر قال: بعث يعني عمر رضي الله عنه الى جرير وإلى الأشعث ان ردا علي ما كنت جعلت لكما قال: فكتبا اليه أن قد رددناه عليك فبعث عثمان بن حنيف الى السواد قال: طرز عليهم خراجا ودع لأهل الأرض ما يصلحهم قال فقدم عثمان فطرز الخراج فوضع على جريب الشعير درهمين وعلى الحنطة أربعة وعلى القضب يعني الرطبة ستة وعلى النخل ثمانية وعلى الكرم عشرة وعلى الزيتون اثني عشر ووضع على الرجال درهمين في الشهر قال فجبيا الأموال.

ورووي عن عمر رضي الله عنه وجه آخر من رواية قتادة عن أبي مجلز لا حق ابن حميد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عثمان

ص: 82

ابن حنيف على مساحة الأرض قال: فمسح الأرض فجعل على جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب النخل خمسة دراهم وعلى جريب القضب ستة دراهم وعلى جريب البر أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين خرجه أبو عبيد وخرجه حرب ولم يذكر فيه أبا مجلز وقال فيه جريب العنب ثمانية دراهم وعلى جريب النخل عشرة دراهم والباقي بمعناه.

وروي عن علي أنه وضع الخراج على وجه آخر خرجه حرب الكرماني حدثنا أبو أمية الطرسوسي حدثنا علي بن عبد الله عن يونس بن أرقم الكندي حدثنا يحيى بن أبي الأشعث الكندي عن مصعب بن يزيد الأنصاري عن أبيه قال: بعثني علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ما سقي الفرات وأمرني علي أن أضع على كل جريب زرع من البر غليظ الزرع درهما ونصفا وصاعا من طعام وعلى كل جريب زرع من البر وسط الزرع درهما وعلى كل جريب زرع من البر رقيق الزرع ثلثي درهم ومن الشعير نحو ذلك وأمرني أن اضع على البساتين التي تجمع النخل والشجر على كل جريب عشرة دراهم وعلى كل جريب من الكرم اذا مضى عليه ثلاث سنين ودخل في الرابعة عشرة دراهم وأمرني أن ألغي كل نخل شاذ عن القرى يأكله من مربه وأمرني أن لا أضع على الخضروات شيئا على المقاثي وعلى الحبوب والسماسم والقطن ثم ذكر جزية الرؤس قال فجبيتها على ما أمرني به ثمانية ألف ألف وخمسمائة ألف ونيف.

قال الامام أحمد في رواية مثنى: وظيفة عمر رضي الله عنه في أرض السواد في الكرم عشرة وفي النخل ثمانية وفي القضب ستة وفي الحنطة أربعة ومن الشعير درهمان من كل جريب والقضب الرطبة وعلى الدقلتين درهم وعلى القادسية درهم واختار حديث عمرو بن ميمون على الجريب قفيزا ودرهما وقال في رواية الأثرم ومحمود بن داود: في الخراج في كل جريب في

ص: 83

البر والشعير قفيز ودرهم وقال في رواية ابن منصور وضع عمر رضي الله عنه على أرض السواد الخراج على كل جريب درهم وقفيز من الحنطة والشعير وما سوى ذلك من القضب والزيتون والنخل أشياء موظفة يؤدونها ونقل صالح أيضا عن أبيه قال لكل جريب من الحنطة قفيز ودرهم وعلى جريب الكرم عشرة وعلى جريب الرطبة خمسة قال: وقال الشعبي: وضع على جريب الشعير درهمين وعلى الحنطة أربعة وعلى اقضب ستة و على النخل ثمانية وعلى الكرم عشرة وعلى الزيتون أثني عشر و قال أبو مجلز: بعث عمر عمارا وابن مسعود وعثمان بن حنيف فوضع عثمان على جريب الكرم عشرة وعلى النخل ثمانية وعلى القضب ستة وعلى جريب البر أربعة وعلى جريب الشعير درهمين: قال أبو الحسن الآمددي: الصحيح من المذهب أن المأخوذ من جريب النخل عشرة دراهم ومن الكرم وعلى الشجر والرطب ستة وعلى الزرع درهم وقفيز من حنطة ان كان حنطة وشعير ان كان شعيرا وقد قيل الخراج على الشعير درهمان وعلى البر أربعة وعلى الرطبة ستة وعلى النخل ثمانية وعلى الكرم عشرة وهذا أكبر ما فيه قال والأول أصح. وقالت الحنفية في أرض الزرع قفيز ودرهم وعلى الرطبة خمسة دراهم وما سوى ذلك من الأصناف يوضع عليه بحسب الطاقة.

وقال الشافعي في جريب الحنطة أربعة دراهم وفي الشعير درهمان وفي الرطبة ستة دراهم وكذلك الشجر كالرطبة واختلف أصحابه فمنهم من وافقه ومنهم من قال في جريب النخل عشرة دراهم وفي الكرم ثمانية دراهم وقال الماوردي جميع ما جاء عن عمر رضي الله عنه صحيح وإنما اختلف لاختللاف النواحي فوضع على كل موضع قدر ما يحتمله ويليق به

وحكي يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح قال: إن أرض الخراج عليها الخراج الذي وضعه عمر رضي الله عنه على الجريب قفيز ودرهم

ص: 84

وعلى النخل والرطب والكرم والشجر ما وضعه عليهم عمر رضي الله عنه قال: ولا نعلم عليا خالف عمر رضي الله عنهما ولا غير شيئا مما صنع حين قدم الكوفة.

وروى يحيى بن آدم باسناده عن الشعبي قال: قال علي رضي الله عنه حين قدم الكوفة: ما كنت لأحل عقدة شدها عمر رضي الله عنه وانكر أبو عبيد وضع عمر رضي الله عنه على جريب الاشجار شيئا كما تقدم وثبت أنه وضع على جريب الزرع قفيزا ودرهما إذا تقرر هذا فهل يتقرر خراج أرض السواد وغيره من أرض العنوة الذي وضعه عمر رضي الله عنه ولا تجوز الزيادة عليه ولا النقص منه أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على أقوال أحدهما أنه يتقرر ذلك بما وضعه عمر رضي الله عنه من غير زيادة ولا نقص وحكي هذا عن مالك والشافعي وهو رواية عن أحمد بل روي عنه أنه رجع اليها فنقل العباس بن محمد بن موسى الخلال عن أحمد أنه قال الخراج يقرر في أيديهم مقاسمة على النصف وأقل إذا رضي بذلك الأكره (1) يحملهم بقدر ما يطيقون وقال بعد ليس للامام أن يغيرها على ما أقرها عليه عمر رضي الله عنه قال الخلال هذا قول أولى لأبي عبد الله وذكر غير واحد عنه أن للامام النظر في ذلك فيزيده وينقص وهذا الذي قاله الخلال عجيب فان العباس هذا روى عن أحمد أنه كان يقول بذلك ثم رجع عنه فكيف يكون ما رجع اليه هو قوله الأول؟ وهذه الرواية هي اختيار الخرقي في جزية الرؤس واختيار القاضي في خفه وهو آخر كتبه ومن اتبعه عليه ووجه ذلك ان هذا ضربه عمر رضي الله عنه بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم وعمل به الخلفاء الرشدون رضي الله عنهم بعده فيصير اجماعا لا يجوز نقضه ولا تغيره

(1) جمع اكر بوزون حافر ومعناه الذي يحرث الأرض ليزرعها.

ص: 85

وقد تقدم عن الحسن بن صالح أنه قال: لا نعلم أن عليا رضي الله عنه غير ما صنع عمر رضي الله عنه ولا غير شيئا مما صنع حين قدم الكوفة وهذا يدل على ضعف ما روي عن علي رضي الله عنه أنه وضع الخراج على غير ما وضع عمر رضي الله عنه ويدل أيضا على منع الزيادة ما روي منصور عنه هلال بن يساف عن رجل من ثقيف عن رجل من جهينة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم تقاتلون قوما فتظهرون عليهم فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم فيصالحونكم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك فانه لا يصح لكم" خرجه أبو داود. وقال يحيى بن آدم هذا يشبه بحال سواد أهل الكوفة وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر فان الحديث إنما هو ظاهر فيمن صولح على حقن دمه وماله بشيء وأما رفع السواد اليهم فهو عقد معاوضة لم يجبروا عليها إنما أخذوها باختيارهم فليس هذا من الصلح بسبيل وعلى مثل هذا حمله أبو عبيد وذكر باسناده عن الزهري أن عمر رضي الله عنه كان يأخذ ممن صالحه من أهل العهد ما صالحهم عليه لا يضع عنهم شيئا ولا يزيد عليهم ومن نزل منهم على الجزية ولم يسم شيئا نظر عمر رضي الله عنه في أمورهم فان احتاجوا خفف عنهم وان استغنوا زاد عليهم بقدر استغنائهم.

وخرج أبو داود أيضا من طريق ابن وهب حدثني أبو صخر المدني ان صفوان بن سليم أخبره عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم رضي الله عنهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة". وهذا مع ضعف اسناده محمول على الأخذ بغير حق فأما الأخذ بحق فلا يدخل تحت هذا الوعيد وهذا كالحديث الذي خرجه أبو داود من حديث خالد بن الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها". ويروي نحوه من حديث المقدام بن معدي كرب

ص: 86

عن النبي صلى الله عليه وسلم. والقول الثاني تجوز الزيادة عليه والنقص منه بحسب ما يرى الامام المصلحة وهذا هو المشهور عن أحمد نقله عنه الأثرم وابن مشيش وغير واحد اختاره الخلال وجماعة من الاصحاب واستدل احمد بأن عمر رضي الله عنه إنما وضعها بحسب الطاقة كما في حديث عمرو بن ميمون عنه وإذا كان وضعها بحسب الطاقة فذلك يختلف باختلاف الازمان.

قال أحمد: كان عمر رضي الله عنه قد زاد عليهم وقال: ما أرى هذا يضر بهم. وروى شعبة عن الحكم قال: سمعت عمرو بن ميمون قال دخل عثمان بن حنيف على عمر رضي الله عنه فسمعه يقول لئن زدت على كل راس درهمين وعلى كل جريب أرض درهما وقفيزا من طعام لا يضرهم ذلك ولا يجهدهم أو كلمة نحوها قال: نعم، قال: فكان على كل رأس ثمانية وأربعون فجعلها خمسين خرجه الأثرم وخرج أيضا من طريق شعبة عن أبي عمران الجوني قال: سئل عائذ بن عمرو عن الزيادة على أهل فارس فلم ير بذلك بأسا وقال: إنما هو حق لكم واحتج به احمد أيضا.

وقد تقدم عن علي رضي الله عنه أنه وضع الخراج على وجه يخالف ما وضعه عمر رضي الله عنه قال أحمد في رواية منصور إنما أقرهم عمر رضي الله عنه ليعملوا فيها ويعمروها وما أخرج الله من شيء أخذوا منه ما يقيمهم وردوا سائر ذلك الى المسلمين قال: ومما يبين ذلك قوله لعثمان ابن حنيف: لئن وضعت على كل جريب قفيزا ودرهما لا يجهدهم ولا يضرهم.

وروى يحيى بن آدم عن وكيع عن المسعودي عن أبي عون قال: أسلم دهقان من أهل عين النمر فقال له علي رضي الله عنه: أما جزية

ص: 87

رأسك فنرفعها وأما أرضك فللمسلمين فان شئت فرضنا لك وان شئت جعلناك قهرمانا لنا فما أخرج الله من شيء ائتنا به وهذا يدل على أن من بيده شيء من أرض الخراج إنما هو عامل للمسلمين يترك له كفايته بعمله ويؤخذ منه ما فضل وحكي هذا القول عن الثوري واسحاق وأبي عبيد ومحمد بن الحسن وأبو عبيد إنما ذكره في الجزية ولم أر له في الخراج كلاما.

والقول الثالث: تجوز الزيادةعليهم دون النقص. وهو رواية عن أحمد قال القاضي: نقلها يعقوب بن بحتان وهو اختيار أبي بكر وابن أبي موسى ونقل أبو طالب عن أحمد إن زاد أرجو أن لا بأس إذا كانوا يطيقون مثل ما قال عمر رضي الله عنه وقال في رواية ابن مشيش: إن أخذ منه أقل من قفيز ودرهم اخرج من عنده التمام ونقل ابن مشيش عنه ان أخذ السلطان منه الخراج وكان أقل مما وضع عمر رضي الله عنه فقد أجزأ وقد يستدل لذاك بأن عمر رضي الله عنه زاد عليهم ولم ينقص وفيه نظر. والقول الرابع عكسه يجوز النقض إذا عجزوا عن التمام دون الزيادة وهو قول الحسن بن صالح وأبي يوسف.

وكتب عمر بن عبد العزيز الى عامله بالكوفة لا يأخذ من الخراج الا ما يطيق ولا من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض خرجه أبو عبيد.

قال أبو بكر الخلال: الامام الذي يعبر الخراج هو الخليفة ولا يجوز لمن دونه النقص بحال ثم ذكر عن الميموني قال قلت لأبي عبد الله الوالي قبلنا يدع خراجا أقبله؟ قال لي: إنما الخراج فيء فكيف يدعه لك لو تركه هذا يعني أمير المؤمنين كان فاما من دونه فلا ولكن هذه الرواية

ص: 88

إنما تدل على ان تركه بالكلية يختص بالامام لأنه تصرف في الفيء وهذه المسألة غير مسألة تنقيصه وزيادته وذكر الاثرم في مسائله أن مراد أحمد بقوله هو على قدر ما يرى الامام أنه الامام العادل قال لأنه أنكر على من في زمانه أنهم لا يجعلون على الغامر شيئا لمخالفتهم لعمر رضي الله عنه.

وقال أبو الحسن الآمدي إنما يملك الزيادة في الجزية والخراج على أصلنا العادل من الأئمة دون من كان جائرا هذا هو ظاهر المذهب قال: ولا يجري هذا مجرى جباية الزكاة والخراج لأن الجباية ليس تغيير لما فرضه الأئمة والشرع قد أمرنا بالدفع اليهم وليس كذلك التغيير بالزيادة والنقص لأن فيه ازالة حكم اجتهدت فيه الأئمة ومن تأمل هذا القيد الذي قيد به محققو الاصحاب علم أنه لا تجوز الفتيا في كثير من هذه الأزمان المتأخرة بتغيير الخراج سدا للذريعة لأن ذلك يتطرق به كثيرا إلى الظلم والعدوان فان غالب الملوك في الأزمان المتأخرة استأثروا على المسلمين بمال الفيء وصار كثير من الأرض الخراجية املاكا للمسلمين ويؤدى عنها خراج يسير وكثير ممن هو في يده مستحق من مال الفيء فلو فتح للمستأثرين بالفيء أبواب زيادة الخراج أو انتزع هذه الأراضي لبيت المال لأدى ذلك إلى ضرر عظيم على المسلمين وقد ينزل القول الراجح المجتهد فيه الى غيره من الأقوال المرجوحة اذا كان في الافتاء بالقول الراجح مفسده وقرأت بخط القاضي مما كتبه من خط أبي حفص أن ابن بطة كان يفتي أن الرهن أمانة فقيل له إن ناسا يعتمدون على ذلك ويجحدون الرهون فأفتى بعد ذلك بأنه مضمون.

واعلم أن هذه المسألة أصولية اختلف الناس فيها وهي أن ما عقده بعض الخلفاء الأربعة هل يجوز لمن بعدهم نقضه كصلح بني تغلب وخراج الجزية والرؤس؟ وفيه قولان لأصحابنا أشهرهما المنع لأنه صادف

ص: 89

اجتهادا سائغا فلا ينقض وهذا يرجع الى أن فعل الامام كحكمه وفيه خلاف أيضا واختار ابن عقل جواز تغييره بالاجتهاد لاختلاف المصالح باختلاف الأزمنة ومن الأصحاب من استثنى من ذلك ما علم أن ما عقده لعلة فيزول بزوالها ويتغير بتغيرها كضرب عمر رضي الله عنه الخراج فانه ضربه بحسب الطافة وهي تختلف باختلاف الأوقات ذكره الحلواني وغيره.

"فصل" ويعتبر الخراج الى المقاسمة على الثمر والزرع هو من أنواع تغير الخراج بالزيادة تارة وبالنقص أخرى وفيه زيادة تغيير بنقل الخراج من الذمة الى المشاركة في عين الثمرة والزرع وقد تقدم عن أحمد من رواية العباس الخلال أنه أجازه إذا رضي به الاكره وكانوا يطيقونه ثم رجع الى أنه لا يجوز تغيير ما وضعه عمر رضي الله عنه ومعلوم أن المذهب عند أكثر الأصحاب أو كثير منهم بجواز تغيير ما وضعه عمر رضي الله عنه بزيادة ونقص فينبغي أن يكون المذهب عندهم جواز المقاسمة ولا سيما إذا كانت أصلح للمسلمين وقد تقدم أن أوائل خلفاء بني العباس نقلوا الخراج الى المقاسمة.

قال القاضي في الأحكام السلطانية: اختلف كلام أحمد في المقاسمة فقال في رواية العباس بن محمد الخلال فيمن كانت في بديه أرض من أرض السواد هل يأكل مما أخرجت من زرع أو تمر إذا كان الامام يأخذهم بالخراج مساحة أو صيرها في أيديهم مقاسمة على النصف أو الربع؟ فقال: يأكل إلا أن يخالف السلطان قال القاضي فظاهر هذا أنه قد أجاز المقاسمة في الخراج قال: وقال في رواية هارون الجمال: السواد كله أرض خراج فذكر له المقاسمة فقال: المقاسمة لم تكن انما هو شيء حدث قال القاضي: وظاهر هذا أنه لم ير ذلك إلا أنه لم يصرح بالمنع لكنه أخبر أنه لم يكن في وقت عمر رضي الله عنه قال القاضي والذي يوجبه الحكم ان

ص: 90

خراجها هو المضروب عليها أولا وتغير إلىا لمقاسمة إذا كان بسبب حادث اقتضاه اجتهاد الائمة أمضى مع بقاء سببه وأعيد الى حكمه الأول عند زوال سببه إذ ليس للامام أن ينقض اجتهاد من تقدم من الأئمة "انتهى". فجعل هذا من باب نقض الاجتهاد لما فيه من تحويل الحق من محل الى محل بخلاف مجرد الزيادة والنقص ورجح الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية جواز المقاسمة إذا رأى الامام مصلحة قال: فان النبي صلى الله عليه وسلم ترك خيبر في أيدي اليهود مقاسمة.

وعن عمر رضي الله عنه أنه جعل الأرض مخارجة ثم استغنى المسلمون عن يهود خيبر فأجلاهم عمر رضي الله عنه منها وصار المسلمون يعمرونها فصار عمر رضي الله عنه يخير من له سهم بخيبر بين أن يعطيه الأرض يستغلها وبين أن يستغلها هو ويعطيه مقدارا معينا وذلك استئجار لها من صاحبها بجنس ما يخرج منها وهو الطعام وهو جائز في أصح الروايتين وقول أكثر العلماء "انتهى".

"تنبيه" تجويز أحمد الأكل لمن عليه الخراج من الثمر والزرع سواء كان خراجه مقاسمة ومماسحة يدل على أن الشريك في المال أوالعامل فيه له الأكل منه بالمعروف بغير أذن ونظيره أكل الوكيل والأجير وقدنقل جنبل عن أحمد جوازه والعامل في المساقاة أولى لأن الثمر والزرع يجوز عندنا الأكل منه للمارة إذا كان غير محفوظ بحائط أو ناظر كما دلت عليه السنة فجوازه للحافظ والناظر أولى مع جريان العادة به وتسامح الملاك به غالبا.

"فصل" وهذا الذي تقدم كله في أرض الخراج التي وضع خراجها أحد من أئمة الهدى فأما لو فتح الآن أرض عنوة وأراد الامام وضع الخراج عليها ابتداء فذكر القاضي في كتاب الأحكام السلطانية أنه يضعه بحسب ما يحتمله الأرض فانها تختلف من ثلاثة أوجه يؤثر كل منها في زيادة الخراج

ص: 91

ونقصانه أحدها ما يختص بالأرض من جودة يزكو بها زرعها أو رداءة يقل بها ريعها والثاني ما يختص بالزرع من اختلاف أنواعه فان من الحبوب والثمار ما يكثر ثمنه ومنه مايقل ثمنه فيكون الخراج بحسبه والثالث ما يختص بالسقي والشرب لأن ما يسقى بمؤونة وكلفة لا يحتمل من الخراج ما يحتمله ماسقي بغير مشقة وكلفة فلا بد لواضع الخراج من اعتبار ذلك كله ليعلم قدر ما تحتمله الأرض فيقصد العدل فيها بين أهلها وأهل الفيء من غير زيادة تجحف بأهل الخراج ولا نقصان يضر بأهل الفيء ولا يستقصي في وضع الخراج غاية ما يحتمله وليجعل فيه لأرباب الأرض بقية يجبرون بها النوائب والجوايح.

ويعتبر واضع الخراج أصل الأمور من ثلاثة أحوال أحدها أن يضعه على مشايخ الأرض الثاني أن يضعه على مشايخ الزرع (1).

الثالث أن يجعله مقاسمة. فان وضعه على مشايخ الأرض كان معتبرا بالسنة الهلالية وإن وضعه على مشايخ الزرع فقد قيل يكون معتبرا بالسنة الشمسية وإن جعله مقاسمة كان معتبرا بكمال الزرع وتصفيته فاذا استقر على أحدها مقدرا بشروطه المعتبرة فيه صار ذلك مؤبدا يجوز أن يزاد فيه ولا ينقص منه ما كانت الأرضون على أحوالها في شروطها ومصالحها فان تغيرت شروطها ومصالحها الى زيادة أو نقصان فذلك ضربان احدهما أن يكون حدوث ذلك بسبب من جهة أهل الارض كزيادة حدث بشق أنهار واستنباط مياه أو نقصان حدث لتقصير في عمارة ولعدول عن مصلحة فيكون الخراج عليهم بحالة لا يزاد عليهم فيه لزيادة عمارتهم ولا ينقص منه لنقصانها ويؤخذون بالعمارة نظرا لهم ولأهل الفيء لئلا يستدام خرابه

(1) كذا بالأصل والصواب فيه وفيما قلبه وبعده مسايح كما يؤخذ من كلام المؤلف اخر الصحيفة.

ص: 92

فيتعطل. والثاني أن يكون حدوث ذلك من غير جهتهم فان كان نقصا فانه يجب على الامام عمله لهم من بيت المال من سهم المصالح وسقط عنهم خراجه ما لم يعمل اذا كان انتفاعهم به ممتنعا وان كان زيادة كعين أحدثها الباري جلت قدرته أو حفرها سيل فان كان ذلك عارضا لا يوثق بدوامه لم تجز الزيادة لأجله في الخراج وان وثق بدوامه راي الامام فيه المصلحة لأهل الأرض وأهل الفيء وعمل في الزيادة أو المتاركة بما يكون عدلا بين الفريقين هذا ما ذكره القاضي رحمه الله ويؤخذ منه أنه لا تجوز زيادة لزيادة الاسعار ولا نقص لنقصها وفي ذلك نظر فان خلفاء بني العباس إنما غيروا السواد من الخراج الى المقاسمة لذلك.

وقوله إنه ان وضع الخراج مقاسمة اعتبر بكمال الزرع وتصفيته وان وضع على مساحة الأرض اعتبر بالسنة الهلالية أو على مساحة الزرع فقيل إنه يعتبر بالسنة الشمسية يدل على أنه إذا وضع مقاسمة لم يعتبر إلا بكمال الزرع وتصفيته دون السنة الهلالية بخلاف ما إذا وضع على مساحة الأجربة وقالت الحنفية يجب الخراج عند بلوغ الغلة قالوا وللعامل أن يحول بينه وبين غلته حتى يستوفي الخراج ولم يفرقوا بين أن يكون مماسحة أو مقاسمة بل لم يذكروا الخراج إلا مماسحة وذكروا أنه لو تعجل الامام الخراج قبل وجوبه ثم انقطع وجوبه عنه رد عليه ان كان باقيا وان كان قد صرف إلى القابلة فلا شيء له كالزكاة المعجلة.

وذكره صاحب المحيط وغيره وكأنهم جعلوه من حقوق الله عز وجل فهو كالزكاة قال أبو البركات بن تيمية في تعليقه على الهداية وقياس مذهبنا أنه يرد عليه مطلقا لأنه أجرة محضة وليس بقربه ليقع نفلا إذا بطل الوجوب ليشير إلى الفرق بينه وبين الزكاة المعجلة على أحد الوجهين بهذا ولكنه مع قوله هذا ذكر في كتاب المحرر في الزكاة أن الخراج من قبيل

ص: 93

ديون الله تعالى يمنع الزكاة نظرا إلى أنه مستحق لعموم المسلمين المستحقين الفيء فهو كمال الكفارة المستحقة لجهة الفقراء وأما ابن عقيل وصاحب المغني فجعلاه من ديون الآدميين.

ص: 94