الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس: فيما وضع عليه عمر رضي الله عنه الخراج في الأرض
الأرض قسمان: عنوة وصلح فأما ارض الصلح فقد سبق الكلام في حكم خراجها وأما أرض العنوة فيجوز وضع الخراج على جميع ما يفتحه الامام عنوة عند من لا يوجب قسمته على ما سبق تقريره وأما ما فعله عمر رضي الله عنه فانه لم يثبت عنه أنه وضع خراجا على أرض صلح وأما ارض العنوة فان عمر رضي الله عنه وضع على السواد الخراج وهذا متفق عليه.
واختلف الناس في أرض مصر وغيرها لاختلافهم هل فتحت عنوة أو صلحا أو بعضها عنوة وبعضها صلحا قال أحمد في رواية حرب وغيره الأرض أرضان أرض خراج وأرض العشر قال وأرض العشر هي الصلح قال الأثرم سئل أبو عبد الله عن أرض العنوة من أين هي إلى أين وأرض الصلح من أين هي؟ قال: ومن يقوم على هذا؟ قال: وذكر أبو عبد الله أرض خراسان فقال: ما دون النهر صلح وما وراءه عنوة.
ونقل حرب عن أحمد قال ما وراء النهر كله عنوة قال حرب قلت لأحمد كرمان عشرا أو خراج؟ قال: لا أدري. قال: وطبرستان خراج
وقال أحمد في رواية جعفر بن محمد: أرض الشام عنوة الا حمص
وموضع آخر وقال في رواية المروزي أرض الذي خلطوا في أمرها فأما ما فتح عنوة فمن نهاوند وقال في رواية يعقوب بن شعيب خراسان أرضهم صلح وكلما كان صلحا فرقابهم وأموالهم حلال وكلما كان من أرض العنوة فانهم أرقاء لأن عمر رضي الله عنه تركهم يؤدون الخراج وهذا يدل على أن عمر رضي الله عنه وضع الخراج على كل الأرض العنوة.
وهكذا ذكر أصحابنا في جميع ما فتحه عمر رضي الله عنه ولم يقسمه كأرض الشام ومصر وأرض العراق إلا ما استثني منها من الجيزة والليس وبانقيا وأرض بني صلوبا فإنها أرض صلح.
قال أحمد في رواية أبي طالب: السواد فتح بالسيف إلا الجيزة وبانقيا وبني صلوبا فهؤلاء صلح.
ونقل ابن منصور عن أحمد وإسحاق السواد عنوة إلا ما كان منه صلحا وهي أرض الجيزة وأرض بانقيا فانها زعموا صلح وقال أحمد: اليمن كلها صلح وحضرموت صلح. ومن أصحابنا من ذكر أن مصر فتحت صلحا منهم الآمدي وغيره وقال أبو عبيد: أرض الشام عنوة ما خلا مدنها فانها فتحت صلحا إلا قيسارية افتتحت عنوة وأرض السواد والجبل ونهاوند والأهواز ومصر والمغرب.
وقال موسى بن علي بن رباح عن أبيه: المغرب كلها عنوة وأما أرض الصلح فأرض هجر والبحرين وايلة ودومة الجندل وأدرج ومدن الشام كلها إلا قيسارية وبلاد الجزيرة كلها صلح وبلاد خراسان كلها صلح أو أكثرها.
وذكر يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح قال: كنا نسمع ان ما دون الجبل من سوادنا فهو فيء وما وراء الجبل فهو صلح وأما أصبهان فقال أحمد: هي صلح وقال عبد الرحمن بن مهدي هي عنوة وقال بعضهم:
بعضها فتح عنوة وبعضها فتح صلحا قال سليمان بن حرب: لا يباع فيها ولا يشترى يعني أنها عنوة وذكر ذلك الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان وأما نيسابور فروى أنه فتحت عنوة وقال الحاكم أما مشايخنا فأجمعوا أنها فتحت صلحا لكن كان فتحها زمن عثمان رضي الله عنه وذكر أبو عمر ابن عبد البر أن عمر رضي الله عنه لم يقسم أرض السواد ومصر والشام وجعلها مادة للمسلمين ولمن يجيء بعد الغانمين وقد تقدم أن معاذا أشار على عمر رضي الله عنه بترك الشام مادة للمسلمين وان عمر قبل منه ذلك وأن عمر أرسل إلى عمرو بن العاص أن يترك مصر ولا يقسمها.
وروى أبو عبيد عن أبي اليمان عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية ابن قيس أن ناسا سألوا عمر بن الخطاب أرضا من أرض اندركيسان لمربط خيلهم فأعطاهم طائفة منها فزرعوها فانتزعها منهم وأغرمهم وهذا يدل على أن الشام فيء إذ لو كانت صلحا لم يحتاجوا الى سؤال شيء منها ولما انتزعها عمر رضي الله عنه منهم بعد اعطائهم.
وحكى أبو عبيد في أرض مصر قولين: أحدهما أنها صلح سوى الاسكندرية وحكاه عن يزيد بن أبي حبيب والليث والثاني أنها عنوة وحكاه عن مالك وابن لهيعة ونافع بن يزيد وغيرهما من المصريين واختار أبو عبيد أنها أخذت صلحا ثم نقضوا العهد فأخذت منهم عنوة.
قال أبو عبيد: وكان أبو اسحاق الفزاري يكره الدخول في بلاد الثغر لأنها عنوة ولم يتخذ بها زرعا حتى مات يعني ثغور الشام قال القاضي أبو يعلى ومن الصلح بيت المقدس افتتحه عمر صلحا وكذلك فسطاط مصر صالحهم عليها عمرو بن العاص ومن الناس من قال: لا خراج على غير السواد وحكي عن الشافعي وحكى الجرجاني من أصحابه أنه لا خلاف أنه يجوز بيع أراضي بالشام لأنها غير موقوفة وإنما صالح الامام
أهلها على أن تكون الأراضي لهم بخراج معلوم وهذا الذي قاله لا يصح فقد ذكرنا قول أحمد وأبي عبيد وابن عبد البر أن الشام كلها عنوة إلا ما استثنوه منها وقد سبق أن عمر أراد قسمتها لما قدم الجابية حتى أشار عليه معاذ بتركها ولو كانت مملوكة لأهلها لم تجز قسمتها بين المسلمين.
وروى أبو عبيد عن أبي مسهر عن سعيد بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن عامر بن حديم مالك تبطىء بالخراج؟ فقال: أمرتنا أن لا نزيد الفلاحين على أربعة دنانير فلسنا نزيدهم على ذلك ولكنا نؤخرهم إلى غلاتهم قال أبو مسهر ليس لأهل الشام حديث في الخراج غير هذا قلت وتسميتهم فلاحين يدل على أنهم متقلون للأرض بالخراج لاملاك لها وههنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الشام قد ذكر الامام احمد أنها فتحت عنوة ولم يستثن منها شيئا وأبو عبيد ذكر أن مدنها فتحت صلحا بخلاف مزارعها فيجب أن ينظر على قوله في مسألة وهي اذا حاصر الجيش بلدا واستولوا على ما حوله ثم فتح البلد صلحا فهل يكون ما حوله مأخوذا على وجه الصلح أو العنوة فذكر القاضي أبو يعلى في خلافه أن الجيش قد ملكوا الأرض التي حوله بمجرد استيلائهم عليها حتى أجاز قسمتها وذكر أنه مذهب الشافعي ويستدل لهذا بما في سنن أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن عمر قال: أحسبه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل والأرض وألجأهم الى قصرهم فصالحوه فذكر بقية الحديث وظاهر أنه ملك النخل والأرض قهرا وهم حصونهم الحديث وظاهر أنه ملك النخل والأرض قهرا وهم في حصونهم.
وقال أبو العباس ابن تيمية لا يملك ما حول المدائن والحصون إلا بإزالة المنعة عن أهل الحصون ولو وقع الاستيلاء على ما حولها كأن يحرز بعض المنقول حال القتال قبل أن تقضى الحرب فما لم يحصل منع أهل
البلد من الأرض منعا مستقرا إما بفتح البلد أو باستيطان ما حوله لم يكن فتحا ولهذا حاصر النبي صلىالله عليه وسلم الطائف شهرا فلم يفتحها حتى أسلموا فكانت أرضهم لهم وكذلك أرض بني النضير لما حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم صالحهم على الجلاء فكانت فيئا لا غنيمة لأن أيدي أصحابها المحاصرين ما أزيلت "انتهى".
وقد ذكرنا فيما تقدم أن المحاصرين إذا نزلوا خشية السيف فالمأخوذ منهم غنيمة عند أصحابنا وقد يقال إن الاستيلاء على ما حول الحصون مشروط بإزالة منعة أهل الحصون لأنه تابع للحصون في الصلح إلا أن يشترط لهم في عقد الصلح.
"فرع" قال القاضي أبو يعلى في الأحكام السلطانية إذا اختلف العامل ورب الأرض في حكمها فادعى العامل أنهاأرض خراج وادعى ربها أنها أرض عشر وقولهما ممكن فالقول قول المالك دون العامل فان اتهم استحلف قال ويجوز أن يعمل في دفع الخراج على البروزات يعني الوصولات السلطانية إذا عرف صحتها اعتبارا بالعرف المعتاد فيها انتهى فظاهر هذا أن ما لم يتحقق هل هو خراجي أو عشري من الأرض عمل فيه بما جرت به العادة المستمرة في ديوان السلطان؟
"فصل" وأرض العنوة تنقسم الى مساكن وأرض ذات شجر ومزارع وهي الأرض البيضاء التي لها ماء القابلة للزرع وأرض لا ينالها الماء وأرض موات فهذه خمسة أقسام.
"القسم الأول" المساكن فلا خراج عليها هذا قول مالك والحنفية وأصحابنا وأحد وجهي أصحاب الشافعي ولهم وجه آخر أنها وقف أيضا فيكون حكمها حكم الزارع وقال أبو عبيد في المساكن ما علمنا أحدا كره بيعها قال وقد قسمت الكوفة خططا في زمن عمر رضي الله عنه
باذنه والبصرة وسكنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الشام ومصر وغيرهما من البلدان ولم ينكر ذلك أحد.
وفي تاريخ الشام لأبي القاسم الدمشقي الحافظ من رواية الوليد بن مسلم بن عبد الرحمن بن عامر أخي عبد الله حدثتني ابنة واثلة بن الاسقع قالت سمعت رجلا يقول لواثلة أرأيت هذه المساكن التي اقتطعها الناس يوم فتحت مدينة دمشق أماضية هي لأهلها؟ قال: نعم، قال: فإن ناسا يقولون هي لهم سكنى وليس لهم بيعها ولا اتلافها بوجه من الوجوه من صدقة ولا مهر ولا غير ذلك فقال واثلة: ومن يقول ذلك؟ بل هي لهم ملك ثابت يسكنون ويمهرون ويتصدقون.
وروي. عن أحمد رحمه الله ما يدل على أن مساكن الامصار ليست وقفا بخلاف مساكن القرى المزروعة قال المروزي في كتاب الورع قيل لأبي عبد الله في رجل يبيع داره؟ قال: في السواد لا يعجبني أن يبيع شيئا قلت والبصرة والكوفة قال لا الكوفة والبصرة كانت عنده بمعنى آخر ثم قال السواد فيء للمسلمين وكذلك نقل محمد بن الحكم عن احمد قال أكره أن تباع الدار من أرض إلا أن يباع البناء يعني لا تباع نفس الأرض ونقل الأثرم وغيره عنه الفرق بين مساكن البصرة ومساكن الكوفة فقال الكوفة من السواد والبصرة موات أحيوها وهو يرجع الى أن المساكن كالأرض ثم الاعتبار بالمساكن التي وقع الفتح عليها فأما ما بني بعد ذلك من المساكن في مواضع الخراج فهل يجب الخراج عليها اعتبارا بموضعها وقت الفتح أم لا؟ فهذه المسألة تكلم العلماء فيها لما بنيت بغداد فانها كانت مزرعة من أرض السواد.
وذكر الخطيب في تاريخه من طريق محمد بن خلف قال: زعم عبد الله بن أبي سعد حدثني أحمد بن حميد بن جبلة حدثني أبي عن جدي جبلة
قال: كانت مدينة أبي جعفر مزرعة للبغداديين يقال لها المباركة وكانت لستين نفسا من البغداديين فعوضهم عنها عوضا أرضا فأخذ جدي جبلة قسمة عليهم ولما بنيت مدينة بغداد وسكنها الناس تكلم في ذلك طائفة من أهل العلم والتدقيق في الورع فمنهم من قال هي مغصوبة.
وقد روي ذلك عن الفضيل بن عياض وغيره وذكر أبو مزاحم الخاقاني حدثني أحمد بن محمد الصيداوي سمعت أبا بكر الدوري وهو محمد ابن حفص بن عمر أخو أبي جعفر يقول: خرج أحمد بن حنبل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وبها نسل المبارك الذين افتتحوا الجانب الغربي فأرسل اليهم دراهم صالحة واستحلهم من نزوله وهذا غريب فان أحمد لا يرى اختصاص الفاتحين بالأرض إذا جعلها الامام فيئا للمسلمين والمشهور عن الامام أحمد وغيره من أهل الورع كبشر بن الحارث أنهم كانوا يعدونها من جملة أرض السواد الذي هو فيء للمسلمين وعليه خراج وكانوا يرون إخراج الخراج عنها.
وذكر أبو جعفر بن المنادي عن جده عبد الله بن محمد قال: قال لي أحمد بن حنبل: أنا أبيع هذه الدار التي أسكنها وأخرج الزكاة عنها في كل سنة أذهب في ذلك الى قول عمر بن الخطاب في أرض السواد والله أعلم.
القسم الثاني
الأرض ذات الشجر إن عمر رضي الله عنه و ضع على جريب الكرم شيئا معينا من الخراج وعلى جريب النخل أيضا وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وكذلك روي عن علي رضي الله عنه خرجه حرب من طريق
يونس بن أرقم الكندي عن مصعب بن بريدة الانصاري عن أبيه قال: بعثني علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ما سقي الفرات وأمرني أن أضع على كل جريب فذكر أرض الزرع ثم قال وأمرني أن أضع على البساتين التي تجمع النخل والشجر على كل جريب عشرة دراهم وعلى كل جريب الكرم إذا مضى عليه ثلاث سنين ودخل في الرابعة عشرة دراهم وأمرني أن الفيء كل نخل شاذ عن القرى يأكله من قربه وذكر بقية الحديث وقد أخذ الأئمة بهذا وجعلوا على جريب النخل والكرم خراجا معينا نص عليه أحمد وغيره لكن هذا على من يقول إن عمر رضي الله عنه ملكهم الارض بالخراج غير مشكل لأن أصول الشجر تكون ملكا لمن يؤدي الخراج كما يقوله أبو حنيفة ومن وافقه من الكوفيين وغيرهم وأما على أصل من يرى ان عمر رضي الله عنه ترك الارض فيئا للمسلمين وضرب عليها الخراج بالاجرة كما يقوله مالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم فهو مشكل على أصولهم لأن من أصولهم انه لا تجوز اجارة الشجر لأخذ ثمرها إلا أنه حكي عن مالك أنه تجوز إجارة الشجر تبعا للأرض إذا كانت الشجر تقدر بالثلث فما دون كما يجوز بيع الثمر الذي لم يبد صلاحه تبعا لأصوله وعلى هذا فقد يقول في شجر أرض العنوة انه يجوز دخوله تعبا وأما على قول الجمهور بالمنع من ذلك فلا يتجه هذا وقد أنكر أبو عبيد أن يكون عمر رضي الله عنه وضع الخراج على الشجر الذي في الأرض لهذا المعنى وقال إنما وضع على الأرض البيضاء وأما الشجر فانه ألغاه ولم يجعل له أجرة قال وهذا هو الثابت عندي قال ويجوز أني كون بعد ما دفعها اليهم بيضاء غرسوا فيها من ماله فصار الخراج على موضع ذلك الغرس من الأرض هذا مضمون ما ذكره وفيه نظر فإنه لا ريب أن أرض السواد كان فيها شجر عظيم جدا وقت فتحها وإنما سمي سوادا لكثرة خضرة شجره ورؤيته من بعد كالسواد فان أراد
أن عمر رضي الله عنه أهمل ذلك وفوته على المسلمين ولم يأخذ له عوضا فهو بعيد جدا وهو مخالف لما روي عنه من الوضع على جريب النخل والكرم ولم ينقل أحد أن عمر رضي الله عنه ساقى عليه ولا باعه بثمن آخر.
وقد اختلف المتأخرون من أصحابنا وأصحاب الشافعي في حكم الشجر الذي يكون في أرض العنوة عند وضع الخراج عليها وحكوا فيه وجهين في المذهبين: أحدهما أن الشجر حكمه حكم الأرض يكون وفقا معها ولا يجوز لمن الأرض في يده الانتفاع بثمره بل يبيعه الامام ويصرفه في المصالح ولا عشر فيه لكونه وقفا على غير معين بل على عموم المسلمين وهو اختيار أبي الخطاب من أصحابنا وابن عقيل في كتاب عمد الأدلة منهم أيضا والثاني يكون لمن هو في يده تبعا للأرض كما يستحق النظر ويقع البئر تبعا للاجارة كذا علله القاضي في بعض تعاليقه وأما في كتاب الخلاف فانه قال الخراج على الأرض إلا أن الاجرة تختلف المنفعة بالأرض التي فيها الشجر أكثر فجعل الشجر من جملة منافع الارض التي وقع العوض عنها وعلى هذا فقد يقال: إنه إذا باد الشجر وغرس بدله من ماله كان تبعا للأرض وفيه نظر وقد صرح أبو الخطاب وابن عقيل بخلاف ذلك وإن ما غرسه من يؤدي الخراج من ماله فهو ملكه وقال ابن عقيل في الفنون إن لأحمد ما يدل على هذا الوجه وعلى هذا فيجب في ثمره العشر لأنه لمن عليه الخراج صرح به غير واحد من الأصحاب.
وفي الأحكام السلطانية: للقاضي أن ما كان موجودا من الأشجار في الأرض العنوة إذا صارت وقفا معها ويضرب الامام عليها الخراج ولا يجب في ثمره عشر وقال في أرض بيت المال إذا صارت وقفا كان ما فيها من النخل وقفا معها لا يجب في ثمره عشر ويكون الامام الذي فتحها مخيرا
بين وضع الخراج عليها والمساقاة على ثمرها وقال في أرض بيت المال التي ليست بوقف كالتي يصطفيها الامام بتطييب نفوس الغانمين أو يأخذها بحق الخمس أنها تكون ملكا لكافة المسلمين و يصير حكم رقبتها كالوقف المؤبد أن الامام مخير بين أن يستغلها لبيت المال كما فعل عمر رضي الله عنه وبين أن يضع عليها خراجا مقدرا يكون أجرة لها قال: فان كان ما وضعه من الخراج مقاسمة على شطر من الثمار والزروع جاز في النخل وجوازه في الزروع معتبر باختلاف الفقهاء في جواز المخابرة قال: وقيل بل يجوز الخراج هنا بها وإن منع من المخابرة عليها لما يتعلق بها من عموم المصالح التي يتسع حكمها عن أحكام العقود الخاصة ويكون العشر واجبا في الزروع دون الثمر لأن الزرع ملك لزارعه والمثر ملك لكافة المسلمين مصروفة في مصالحهم انتهى فقد صرح هنا بان خراج هذا الشجر هو مقاسمة بالمسافاة فيحمل قوله بوضع الخارج على أرض العنوة وشجر بيت المال الموقوف على مثل ذلك وإلا لو كان خراجه أجرة معينة لوجب العشر على مؤديه كما صرح به الأصحاب وأما ما حكاه من القول بجواز المقاسمة في الزرع ههنا وجعله خراجا وان منع من المزارعة في غير هذه الأرض معلللا بعموم المصلحة فيه فقد يقول هذا من يمنع المزارعة ويجيب بمثل ذلك عن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر وهو قريب من قول الحنفية ومن وافقهم من أصحابنا في معاملة المسلمين مع الكفار في أموالهم وفي حكم أموالهم أنه يجوز فيها ما لا يجوز في معاملة المسلمين بينهم وقد سبق أنه قول ضعيف.
وقد يقال مثل ذلك على الوجه الثاني في جواز جعل خراج الشجر هنا أجرة معينة ويكون لهذا الوجه مأخذان أحدهما أن مثل هذا جاز هنا لعموم المصلحة فيه للمسلمين وان لم يجز في غيره أو لكونه معاملة في حكم أموال المشركين والثاني ما تقدم من التعليل بالتبعية ولكن لا يستقيم
التعليل بها إلا أن يكون مع هذه الشجر أرض بيضاء أكثر منها إلا أن يقال أن شجر أرض الخراج تبع لبياضها في الجملة فيجوز وضع الخراج عليه تبعا ولو انفرد بتقبله وأخذه وفيه نظر وما ذكره ابن عقيل في فنونه أن لأحمد ما يدل على جواز مثله فقد رأيت في مسائل حرب الكرماني قيل لأحمد الرجل يستأجر الأرض وفيها شجرات قال أخاف أن يكون استأجر ثمرا لم يبد صلاحه وكأنه لم يعجبه أظنه إذا أراد الشجر لم أفهم من أحمد اكثر من هذا هكذا نقله حرب في مسائله فانه كان حفظ ذلك عن أحمد فانه يدل على أنه اجازه اذا كان الشجر تابعا غير مقصود كما يجوز اشتراط دخوله في عقد البيع مع أصله بشرط أن يكون غير مقصود أيضا وقد نص أحمد على هذا القيد في بيع الثمر الذي لم يبد صلاحه مع أصوله وكذلك ذكره ابن بطة وغيره لكن"....."(1)
وحكى الشيخ أبو العباس ابن تيمية عن ابن عقيل أنه أجاز إجازة الشجر تبعا للأرض مطلقا ولم يعتبر قلة الشجر لأن الحاجة داعية الى إجارة الأرض البيضاء التي فيها شجر وافرادها عنها بالاجارة متعذر أو متعسر لما فيه من الضرر فأجاز دخول الشجر في الاجارة تبعا كما جوز الشافعي ذلك في المزارعة مع المساقاة وقد سبق عن مالك أنه جوزه إذا كان الشجر بقدر الثلث وذهب الأوزاعي الى جوازه اذا كان الشجر أقل من البياض تبعا فان كانا نصفين استأجر الأرض وساقى على الشجر وان كان الشجر أكثر دخل البياض في المساقاة تبعا كذلك ذكره حرب الكرماني عنه باسناده.
ومن الناس من رخص في ذلك مطلقا وان كان الشجر مفردا وهم طائفتان طائفة زعموا أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة قبل اصلاحها كان
(1) هكذا بياض بالأصل.
على التنزيه دون التحريم وحكى الطحاوي هذا القول عن قوم لم يسمهم وهو مذهب الشعية وذكروه عن جعفر بن محمد وذكروا عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر بن محمد أنهما أجازا بيع ثمرة النخل سنين وقالوا إن لم تطلع في هذه السنة أطلعت في غيرها وكرهوه في سنة واحدة قبل صلاح التمر.
وحكى ابن عبد البر عن عثمان الليثي أنه سئل عن بيع التمر قبل أن يزهى قال: لولا ما قال الناس فيه ما رأيت به بأسا وقد يحتج لهذا القول بما خرجه البخاري في صحيحه تعليقا فقال وقال لليث عن أبي الزناد كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الانصاري أنه حدثه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتاعون الثمار فاذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان وأصابه مراض أصابه قشام (1) عاهات يحتجون بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت عند الخصومة في ذلك: "فأما لا فلا تبتاعوا حتى يبدو صلاح الثمر" كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم.
وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا فيتبين الأصفر من الأحمر قال البخاري رواه علي ابن بحر
حدثنا حكام حدثنا عنبسة عن زكريا عن أبي الزناد عن عروة عن سهل عن زيد هذا ما ذكره البخاري في صحيحه وخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح عن عنبسة بن خالد
(1) الدمان بفتح المهملة وضمها وتخقيق الميم فساد طلع النخل وتعفنه والمرض وزن الصداع وقد يكسر أوله داء يهلك الثمرة والقشام بضم القاف وتخفيف المعجمة انتقاص ثمر النخل قبل أن يصير بلحا.
حدثني يونس قال سألت أبا الزناد فذكره بنحوه وخرجه الطحاوي والدارقطني من طريق وهب الله بن راشد أبي زرعة الحجري عن يونس بن يزيد به وخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن أحمد بن صالح كما خرجه أبو داود عنه وزاد في حديثه قال أبو الزناد: لما توفي أسيد بن حضير أوصي إلى رجل وأشرك في الوصية عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكان عليه دين فبيعت رقاب تمره في دينه فرد عمر رضي الله عنه البيع وباع سنين عددا قال أبو الزناد وكان أبو بكر بن عمرو بن حزم كتب إلى عمر بن عبد العزيز في بيع ثمر سنين فتوفي عمر بن عبد العزيز رحمه الله قبل أن يرد جواب الكتاب.
قال أبو الزناد: وكان ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يحدث عن أبيه أنه ابتاع كذلك قال أحمد بن صالح فحدثت به أحمد بن حنبل فأعجبه واستزادني مثله فقلت ومن أين مثله؟ قال أبو زرعة قلت لأحمد بن صالح: فالحديث الذي يحدث به الوليد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن عروة قال: قال زيد بن ثابت: غفر الله لرافع بن خديج أنا أعلم بالحديث منه ما أراد قال: أراد هذا كذا قال: وحديث الوليد لفظه: إن زيدا قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه إنما كان رجلان اقتتلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع". فسمعع رافع قوله لا تكروا المزارع خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والطائفة الثانية زعموا أن ضمان الشجرة وتقبلها لأمد ثمرها جائز لأن الأعيان المستخلفة شيئا فشيئا حكمها حكم المنافع قالوا وليس ذلك من البيع وانما هو من نوع الاجارة فيكون مؤنة العلم على المستأجر لا على المؤجر بخلاف بيع الثمر ولو تلف منه شيء ثبت له الفسخ أو الارش بمنزلة من استأجر منافع فتلف بعضها قبل استيفائه وليس هو من باب اجاحة المبيع في شيء وهذا اختيار أبي العباس ابن
تيمية وزعم أن ما فعله عمر والصحابة رضي الله عنهم هو من هذا الباب لا من باب البيع لان في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه نهى عن بيع المثرة حتى تصلح.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضمن حديقة سنين فدل على أنه كان يفرق بين البيع والتقبل وقد اختلف السلف في حكم تقبل الشجر فأكثرهم نهوا عنه وقالوا: هو ربا وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وسعيد بن جبير والحسن وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز وكتب الى أهل البصرة ينهاهم عن ذلك ونص عليه أحمد وغيره من الائمة وقال أبو عبيد: لا نعلم المسلمين اختلفوا في كراهة القبالات وقد روي عن طائفة منهم ما يقتضي الرخصة وقد سبق عن عمر وعبد الرحمن ابن عوف وروي عن عمر رضي الله عنه من وجه آخر خرجه حرب الكرماني عن سعيد بن منصور حدثنا عباد بن عباد عن هشام بن عروة عن أبيه أن أسيد بن حضير رضي الله عنه توفي وعليه ستة آلاف درهم دين فدعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه غرماءه فقبلهم أرضه سنين وفيها الشجر والنخل.
وروى أبو القاسم البغوي حدثنا عبد الأعلى بن حماد عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن أسيد بن حضير مات وعليه دين أربعة آلاف درهم فبيعت أرضه فقال عمر رضي الله عنه: لا أترك بني أخي عالة فرد الأرض وباع ثمرها من الغرماء أربع سنين بأربعة آلاف كل سنة بألف.
وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن عيينة عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر قال: كنت على صدقة النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت محمود بن لبيد فسألته قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبيع مال يتيم عنده ثلاث سنين
يعني ثمره. قال: وأخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر رضي الله عنه كان يبيع مال يتيم عنده ثلاث سنين ولكن روى مالك عن يزيد بن قسيط عن محمود بن لبيد أن أسيد بن حضير هلك وترك دينا فكلم عمر رضي الله عنه غرماءه فأخروه وروى محمد بن سعد في طبقاته حدثنا خالد بن مخلد حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال هلك أسيد بن الحضير وترك أربعة آلاف درهم دينا وكان ماله يغل كل عام ألفا فأرادوا بيعه فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث الى غرمائه فقال: هل لكم أن تقضوا كل عام ألفا فتستوفونه في أربع سنين؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين فأخروا ذلك وكانوا يقتضون كل عام ألفا وهذه الرواية متصلة وهي موافقة لرواية مالك بالتأخير فقط وإن كان يدفع الى الغرماء في كل عام بغلة وعروة بن الزبير لم يسمع من عمر رضي الله عنه بل يرسل عنه قال أبو حاتم الرازي وغيره ورواية مالك مقدمة على رواية ابن اسحاق بلا ريب وروي أيضا عن ابن الزبير أنه كان يبيع ثمرة نخله سنين من وجوه متعددة وكان جابر ينكر ذلك عليه وأما ابن عمر رضي الله عنهما فانه قال: القبالات ربا رواه شعبة عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: من يقبل أرضا فلا يزدادن شيئا على رأس ماله فمن أزداد فهو ربا خرجه الأثرم وهذا يشعر بأن ابن عمر رضي الله عنهما إنما نهى عن الربح فيها لأنه من باب ربح ما لم يضمن كما كره من كره إجارة من استأجره بربح لهذا المعنى وهو رواية عن أحمد وذلك يدل على أنه يبيح أصل القبالة ويشهد له ما رواه أبو عبيد عن شريك عن الأعمش عن عبد الرحمن بن زياد قال: قلت لابن عمر: إنا نتقبل الأرض فنصيب من ثمارها قال أبو عبيد يعني الفضل قال ذلك الربا العجلان.
القسم الثالث
الأرض البيضاء القابلة للزرع وهي التي بها ما يسقيها فهذه ضرب عمر رضي الله عنه عليها الخراج ووافقه الصحابة رضي الله عنهم على ذلك ولم يعلم عن أحد إنكاره ولكن من السلف من كان يكره إجارة الأرض بالذهب والفضة كطاوس ولا يعلم قوله في الخراج إلا أن يكون يفرق بين معاملة المسلمين وأهل الذمة.
وقد روي عن الحسن البصري رحمه الله أنه كره المزارعة بجزء مشاع في أرض الصدقة العشرية وأجازها في أرض الخراج ولعل طاوسا يقول في الاجارة كذلك إلا أن طاوسا لم يكره المزارعة بحاله وكأنه لحظ أن المزارعة مشاركة فهي كالمضاربة وأما إجارة الأرض للزرع فتشبه بيع الزرع قبل صلاحه أو وجوده لأن الزرع منعقد من أجزاء الأرض ترابها وهوائها ومائها لا من البذر الذي يبذره المستأجر لأنه يستهلك.
وينشيء الله تعالى من الأرض عينا أخرى وهذه أيضا حجة احتج بها من سوى بين المزارعة واستئجار الاشجار لثمرتها في الجواز وأيضا فان عمر رضي الله عنه وضع على كل جريب من الزرع قفيزا ودرهما وهذه إجارة للأرض بجنس ما يخرج منها وفي ذلك خلاف مشهور بين الفقهاء.
القسم الرابع
الأرض التي لا ماء لها ويمكن زرعها في الجملة هل يوضع عليها خراج يؤخذ ممن كان في يده أم لا؟ في ذلك قولان للعلماء: أحدهما لا خراج عليه وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد نقلها عنه أبو الحارث قال الخراج يجب على أرض السواد على العامر إذا ناله الماء وهي اختيار الخلال والقاضي. والثاني عليه الخراج وهي الرواية الثانية عن أحمد قال
في رواية الميموني وإبراهيم بن هانىء يمسح العامر والجبال وان لم يبله الماء ماء السماء يناله.
ونقل عنه الأثرم قال عمر رضي الله عنه: وضع على العامر والغامر قيل له وأنت تذهب إليه قال نعم واختلف أصحابنا في محل هاتين الروايتين فمنهم من قال محلها فيما يمكن زرعه بماء السماء ولا ماء له مستحق في أرضه وهو قول أبي الخطاب و صاحب المجرد وقالت طائفة بل ما يناله ماء السماء المعتاد يجب فيه الخراج رواية واحدة لأنه يصح استئجاره للزراعة وإنما الروايتان فيما يناله الأمطار النادرة من السيول التي لا تعتاد أو يمكن زراعته بالدواليب المستخرجة والكلف وهو قول ابن عقيل في كتاب الروايتين وفي كتاب الفنون وكذا ذكر صاحب الكافي أن ما يمكن زرعه والانتفاع به بأي وجه كان يجب فيه الخراج رواية واحدة وإنما الروايتان في موات لا يمكن زرعه وهو مضيعة يمكن بالبنيان وغيره وهذا فيه نظر فان الحوانيت والمساكن لا خراج عليها وأما وضع عمر الخراج على العامر والغامر فالعامر ما زرع والغامر ما لم يزرع لكن له ماء وسمي غامرا لأن الماء يبلغه فيغمره فاعل بمعنى مفعول وما لا يناله الماء من الأرض لا يقال له غامر كذا نقله صاحب الصحاح.
وقال حرب: سمعت إسحاق يقول في حديث عمر رضي الله عنه أنه وضع الخراج على العامر والغامر يعني من ماءيبلغه الماء وكذلك نقل الكوسج هذا التفسير عن أحمد واسحاق.
وقال يحيى بن آدم: وضع عمر الخراج على كل عامر وغامر من أرضهم يناله الماء ويقدر على عمارته ولا فرق بين أن يكون الماء من أرض الخراج أو من غيرها عندنا وعند الأكثرين.
ونص أحمد على أن الخراج جزية على رقبة الأرض كجزية الروس على رقاب الآدميين.
وقال أبو حنيفة: لا خراج فيما سقي من ماء الخراج وان كانت أرضه غير خراجية ومنع لمن يسقى بماء أحدهما من أرض الآخر وعند الجمهور لا يمنع ذلك فان الخراج على رقبة الأرض والعشر على رقبة الزرع والماء لا خراج عليه ولا عشر ولا اعتبار به وإذا قلنا لا خراج على ما لا ماء له فزرعه من هو بيده بماء نقله اليه بكلفة فقال ابن عقيل في الفنون خرجها بعض القضاة من أصحابنا على الروايتين قال ابن عقيل وهو غلط على المذهب لأن الروايتين في أرض لا ماء لها ولا زرعها من هي بيده فأما إذا زرعها فقد وجد سبب إيجاب الخراج لأنه كالأجرة والأجرة تجب بالتمكين أو بالفعل ولهذا اذا كان لها ماء ولم يزرع وجب الخراج فاذا زرع فقد وجد حقيقة التصرف بالمقصود فهو كالأرض المستأجرة إذا نضب ماء البئر أو النهر فأراد الفسخ كان له ذلك ولا أجرة فان زرع فيها لم تسقط الأجرة لحصول الانتفاع حقيقة "انتهى".
وأيضا فيقال: منفعة هذه الأرض مملوكة للمسلمين فمن استوفاها كان عليه ضمانها بعوض مثلها إلا أن تكون مواتا ففي وجوب الخراج على من أحياها خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى وأما إذا استولى عليها من غير انتفاع ففي ضمانه الروايتان لأنه استولى على ما لا نفع فيه أو ليس له نفع مقصود وهذا إذا كانت الأرض على هذه الصفة من ابتداء وضع اليد عليها فأما إن طرأ لها ذلك بأن ذهب ماؤها فان كان بفعل من هي في يده لم يسقط الخراج ولم ينقض وألزم بعمارته لئلا يتعطل حق المسلمين وإن كان من غير جهته وجب على الامام عمله من بيت المال من سهم المصالح وسقط الخراج عنهم ما لم يعمل فان أمكن الانتفاع بها في غير
الزراعة لمصائد أو مراعي جاز أن يوضع عليها الخراج بحسب ما يحتمله الصيد والمراعي بخلاف أرض الموات لأن هذه الأرض مملوكة وأرض الموات مباحة فإن قلنا لا موات في أرض العنوة فهو مملوك يوضع عليه الخراج ذكر ذلك كله القاضي في كتاب الاحكام السلطانية.
ونقل الكوسج عن اسحاق بن راهويه في موات العنوة أن للامام أن يدفعه لمن يشاء حتى يحييه إذا كان ذلك نظرا لأهل القرية قال لأنها لو تعلت يوما حتى لا يقدروا على احتمال خراجها كان على الامام التخفيف عنهم فكذلك له أن ينتج مواتها حتى يحيى ويضع عليه قدر طاقته وقدر ما يعرف من المؤنة التي تلزم في إحيائه عشرا كان أو غيره فان كل شيء يوظفه عليه كان عليه اسقاطه (1) من في إسقاطه من جملة خراج أهل القرية"....."(2) إذا أخذ أرضا بخراجها للزرع فمضت مدة الزرع ولم يزرعع وجب عليه الخراج نص عليه أحمد في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حرب واستدل بوضع عمر رضي الله عنه الخراج على العامر والغامر وقد سبق أن العامر هو ما يمكن زرعه ولم يزرع وهكذا قال يحيى بن آدم وإسحاق بن راهويه والحنفية وقالوا لو منعه مانع من الزرع آدمي أو غيره فلا خراج عليه قال أبو البركات بن تيمية ويحتمله مذهبنا أنه لا خراج عليه إذا منعه غيره من الزرع.
وقال الحسن بن صالح إن لم يزرعه من غير عذر فعليه الخراج وإن تركه من عذر خفف عنه ولا يكلف فوق طاقته وقالت الحنفية أيضا يجب الخراج عند بلوغ الغلة ومتى أصاب الزرع آفة سقط الخراج عن صاحبه قالوا ولا يؤخذ منه الخراج كاملا إلا إذا أخرجت الأرض مثل قدره أو
(1) كذا بالأصل.
(2)
بياض بالأصل.
أكثر فان أخرجت قدر الخراج أخذ منه نصفه لأن أخذ أكثر الغلة اجحاف هذا مع قولهم ان أرباب الخراج ملاك للأرض بالخراج وهذا عجيب وأما عند من يقول إن الخراج أجرة فلا يسقط منه شيء بذلك كما لا تسقط الأجرة للزرع بذلك ذكره أبو البركات بن تيمية قال فقد نص أحمد في رواية حنبل أن من استأجر أرضا للزرع فاصاب الزرع جائحة أو آفة ولم ينبت تلزمه الأجرة ذكر أبو بكر في الشافي وكذلك ذكر هذا النص صاحب المغني وذكر أنه لا يعلم فيه خلاف.
ويشهد له ما روى اسرائيل عن عبد الأعلى التغلبي عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين أحدهما يلزم صاحبه فقال: "ما شأنكما؟ "، قال أحدهما: يا رسول الله استأجر مني أرضا بكذا وكذا وسقا فزرعها قال الآخر: يا رسول الله أصابت زرعي آفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صاحبك أصابه ما ذكر فان رايت أن تجاوز عنه فافعل" قال: فقد فعلت يا رسول الله، خرجه يعقوب بن شيبة في مسنده والاسماعيلي في مسند علي وعبد الأعلى هذا فيه ضعب وقد روى عنه عن ابن الحنفية مرسلا.
وأفتى جماعة من متأخري الشافعية والحنفية في الأجرة أنها تسقط أيضا بتلف الزرع لتعذر الانتفاع المقصود بالأرض. وقال ابن الصلاح: الظاهر أنه لا يجب كمال الأجرة مع ذلك. واختار أبو العباس بن تيمية سقوطها لفوات المقصود في الاجارة وهو بقاء الزرع في الأرض إلى حين إمكان أخذه وهذا إذا أفسدت الجائحة الزرع وحده فان أفسدت الارض بان أخرجتها عن صلاحية الزرع فذكر صاحب التلخيص من أصحابنا في الاجارة وجهين: أحدهما ينفسخ العقد فيما بقي من الزمان الثاني له الخيار قال وهل يلزمه أجرة الماضي إذا تلف الزرع بعد فسادها؟ يحتمل
وجهين: إذ أول الزرع غير مقصود بخلاف الدار فان عليه أجرة الماضي وجها واحدا قال وكذلك إذا أفسدت بعض الارض انفسخت الاجارة فيما تعطل ويتخير في الباقي بين إمساكه بالحصة أو الفسخ فيه "انتهى".
وعلى الوجه الآخر في الآدمي لا تنفسخ وله الخيار وعلى هذا فاذا حصلت هذه الافة في أرض الخراج فهل يسقط الخراج كله أو يجب منه بالحصة الى حين التلف يحتمل تخريجه على الوجهين المذكورين في لزوم أجرة الماضي.
"فصل" ولو أخذ الارض للزرع فبنى فيها فعليه الخراج ذكره القاضي في الاحكام السلطانية وقال هو ظاهر كلام أحمد في رواية يعقوب بن بحتان وذكر روايته التي ذكرناها في المساكن فظاهر كلام أحمد في اخراجه خراج مساكنه أنه يخرج عن البناء خراج الزرع قفيزا ودرهما مع العلم بتفاوت الضرر بينهما وعلى قياسه لو أخذ للزرع فغرس فظاهر كلام أبي الخطاب وابن عقيل في خلافهما أنه يعتبر خراج الغراس وقياسه في البناء كذلك.
وقال القاضي: لو زرع غير المنصوص على خراجه اعتبر بأقرب الزرع شبها ونفعا من المنصوص عليه وهذا أيضا يدل على اعتبار الخراج بما انتفع لا بما أخذ له وهو القياس ولو فوت الزرع بالكلية فعليه خراج أقل ما يزرع فيها وهو قفيز ودرهم ذكره القاضي وابن عقيل لأنه لو اقتصر على زرعه لم يمنع.
القسم الخامس
الموات في أرض العنوة هل هو ملك للمسلمين أو مباح؟ فيه قولان مشهوران وينبني عليهما هل يملك بالاحياء أم لا؟ أحدهما أنه مملوك
للمسلمين فلا يملك بالأحياء حكاه إسحاق عن المغيرة الضبي والأوزاعي وسفيان وغيرهم ونص أحمد أن لا موات في أرض السواد في رواية جماعة وهو اختيار أبي بكر وابن أبي موسى وغيره واحد من الأصحاب واحتج أحمد والأصحاب بأن عمر رضي الله عنه مسح العامر والغامر ووضع الخراج على الجميع.
وروي حرب الكرماني من طريق أبي حدير عن الشعبي أن ناسا أتوا أبا بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن بأرضنا رسوما قد كانت أرحاء على عهد أهل عاد فإن أذنت لنا حفرنا آبارها وعملناها فأصبنا منها معروفا وانتفع بها الناس فأرسل إلى عمر رضي الله عنه بعدما كتب لهم كتابا فقال عمر رضي الله عنه: إن الأرض فيء للمسلمين فان رضي جميع المسلمين بهذا فاعطهم وإلا فليس أحد أحق بها من أحد وليس لهؤلاء أن يأكلوها دونهم.
وبه عن الشعبي عن عبد العزيز بن أبي أسماء أن ناسا قدموا من البحرين على ابن عباس رضي الله عنهما بالبصرة فقالوا: إن بأرضناأرضا ليس لأحد من الناس قد خربت منذ أباد الدهر فأعطناها فكتب لهم إلى علي رضي الله عنه فلحقوه بالكوفة فقال الأرض فيء للمسلمين ما خرج منها فهو بينهم سواء ولو رضوا كلهم أعطيتكموه ولكن لا يحل لي أن أعطيكم ما لا أملك والثاني أنه مباح قال أحمد في رواية العباس بن محمد الخلال وسأله عما أحي من الأرض السواد يكون لمن أحياه؟ فقال: أما مثل التلول والرمال فيما بينك وبين الانبار فهو لمن أحياه وقال حرب سألت أحمد عن أرض العشر قال: ما أحيي الرجل من الموات قلت وان كانت تلك الأرضون من بلاد الخراج؟ قال: نعم إذا كان مواتا فليس إلا العشر. ورجحه القاضي وكثير من المتأخرين وهو قول الحسن وابن جريج وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأبي ثور.
وروى يحيى بن آدم باسناده عن محمد بن عبيد الله الثقفي أن رجلا أتى عمر رضي الله عنه فقال: إن بالبصرة أرضا ليست من أرض الخراج ولا يضر بأحد من المسلمين فكتب عمر رضي الله عنه إن كانت ليست تضر بأحد من المسلمين وليست من أرض الخراج فاقطعها إياه.
وعن عوف الأعرابي قال: قرأت في كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه إن أبا عبد الله سألني أرضا على شاطىء دجلة فيها خيله فان كانت ليست من أرض الجزية ولا يجري اليها ماء الجزية فأعطاها إياه.
وروى حرب الكرماني من طريق المسيب بن شريك عن رزام أبي الحجاج النخعي عن أبيه قال: عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأتاه رجل فقال: إني آتي أرض الجزية من أرض السواد فأزرعها ببذري وبقري فيضعف أضعافا مضاعفة قال له: أنت معمر غير مخرب ومصلح غير مفسد فكل رغدا.
وقد استدل بعضهم باقطاع عثمان رضي الله عنه من السواد وفيه كلام نذكره في موضع آخر إن شاء الله تعالى.
وأما وضع عمر رضي الله عنه الخراج على العامر والغامر فقد سبق أن العامر ما ناله الماء ولم يزرع وليس هو البراري المقفرة التي لم يضع عمر رضي الله عنه عليها الخراج ونحوها على أن من الأصحاب من قال: إن الرواية الأولى تخص بارض السواد دون بقية أرض العنوة فانه قد قيل أن السود كله كان عامرا في زمن عمر رضي الله عنه فإذا خرب منه شيء بعد ذلك لم يكن مواتا لأنه ملك للمسلمين فإذا تقرر هذا فإن قلنا تملك بالاحياء فلا خراج عليها إذا أحياها مسلم وعليه العشر نص عليه أحمد في رواية حرب فيمن أحيي مواتا من أرض خراج أو عشر قال: إذا لم يكن لها
مالك فليس إلا العشر قال: وسألت إسحاق عن ذلك فقال إذا أتى جبالا ودكادك فأحيي مواتا فهو عشر وإن قلنا لا تملك بالاحياء ضرب عليها الخراج لأنها من أرض الفيء التي يستحقها المسلمون عموما وهو قول أبي عبيد ونقله ابن منصور عن إسحاق وقال لا يحييها أحد إلا باذن الامام هذا إذا كان المحبي لها مسلما فان كان ذميا وقلنا يملكها فاختلف العلماء فيه فقال طائفة لا شيء عليه وهو قول الشافعي وأحمد في المشهور عنه.
وقالت طائفة عليه عشر لئلا يسقط حق المسلمين من عشر الأرض. نقله حرب عن أحمد أنه قال مرة: هو عشر وقال مرة: لا شيء عليه قال وقال مرة: أنا أقول لا شيء عليه وأهل الديونة يقولون في هذا قولا حسنا يقولون لا يترك الذمي أن يشتري أرض العشر قال: وأهل البصرة يقولون قولا عجبا يقولون يضاعف عليه العشر فجعل أحمد حكم أحياء الذمي لموات دار الاسلام فمن هنا حكي ابن أبي موسى رواية عنه أن عليه عشرين كما في قوله في الشراء على رواية عنه وفهم من قوله هنا هو عشر أي أنها تصير أرضا عشرية لا أن الواجب فيها عشر واحد وهذا أظهر والله أعلم.
وخص القاضي في خلافه وصاحب المحرر هذه الرواية بما عدا أرض العنوة. وقالت طائفة يوضع على أرض الذمي المحيي للموات والخراج. وهو قول سفيان وابي حنيفة واسحاق بن راهويه نقله عن ابن منصور ونقل عنه حرب الكرماني لا يملك من ذلك فان فعل أخذت منه واعطي قيمتها من بيت المال وكل هؤلاء لم يخصوا ذلك بأرض العنوة ولا غيرها وذكر القاضي في خلافه وصاحب المحرر من أصحابنا أنه إذا أحيي موات العنوة فان عليه الخراج.
وفرق صاحب المحرر بينه وبين المسلم وكأن الفرق بينهما أن المسلم
إذا قلنا يملك بالأحياء في أرض العنوة فقد زادهم خيرا لانتفاعهم بعشره وأما الذمي فلا ينتفعون بعشره فتعين تعويضه بالخراج وفيه نظر وقد تقدم أن صاحب الكافي ذكر أن موات العنوة إذا كان بحيث يمكن إحياؤه فهل يوضع عليه الخراج على الروايتين؟.
ويشبه هذا ما قاله أبو حنيفة في رواية ابن المبارك عنه: إذا اشترى الذمي أرض العشر من مسلم وضع عليها الخراج فلا يسقط عنها باسلامه ولا ببيعها من مسلم.
وقال سفيان: لا خراج عليها وهو قول الجمهور لكن اختلفوا هل يوضع عليه عشر مضاعف أم لا؟ على قولين هما روايتان عن أحمد هذا في إحياء موات العنوة فأما أرض الخراج إذا كانت صلحا فان صولحوا على أن الأرض لهم ولنا خراجها فهل يملك المسلم مواتها بالاحياء فيه قولان أحدهما لا يملك وهو قول جريج والشافعي والقاضي أبو يعلى ومن بعده من أصحابنا لأن الصلح أوجب اختصاصهم ببلادهم معمورها ومواتها والثاني يملك بالاحياء وهو قول بعض الشافعية قال بعض متأخري أصحابنا: وهو الأقوى لأن الموات على الاباحة والصلح إنما ينصرف على ابقاء أملاكهم فلا يدخل الموات بدون شرطه وأما إن صولحوا على أن الأرض لنا ونقرها بأيديهم بالخراج فان قيل تصير بذلك وقفا فحكمها حكم أرض العنوة كما سبق وإلا فهي كأرض المسلمين العشرية يملك مواتها بالاحياء.