المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب التاسع: في حكم تصرفات الامام في أرض العنوة بعد أن تصير فيئا للمسلمين أو وقفا - الاستخراج لأحكام الخراج

[ابن رجب الحنبلي]

الفصل: ‌الباب التاسع: في حكم تصرفات الامام في أرض العنوة بعد أن تصير فيئا للمسلمين أو وقفا

‌الباب التاسع: في حكم تصرفات الامام في أرض العنوة بعد أن تصير فيئا للمسلمين أو وقفا

قد سبق حكم دفعها بالخراج وحكم بيع بعضها إذا رآة مصلحة كما ذكره أصحابنا أو مطلقا كما قاله العنبري قاضي البصرة. وحكم بيع ما انتقل الى بيت المال ولم يصر وقفا وبقي مسائل أخر: منها إذا أراد إعادتها الى القسمة بين الغانمين فان قلنا هي وقف لم يجز وإن قلنا فيء وهو الصحيح فقد تقدم على علي رضي الله عنه أنه هم بقسم السواد وذلك دليل على أنه يجوز للامام العادل تغيير ما فعله من قبله من الأئمة العدل إلا أنه لم يفعله.

وإذا أراد تخصيص بعض المسلمين بشيء منها فله صورتان: إحداهما أن يقطع بعضها لبعض المسلمين فإن قلنا: هي وقف لم يجز وصرح بذلك الأصحاب القاضي وغيره معللا بأن تغيير الوقف لا يجوز وقرأت بخط القاضي قال أحمد في رواية الأثرم: دور البصرة أقطعت على عهد عمر رضي الله عنه قيل له: فالكوفة كيف يسن فيها قطايع؟ هذه الأرض السواد وتلك أرض أحيوها فاستخرجوها يعني البصرة قلت وتمام هذه الرواية قال: وقد اقطعوا أيضا بالكوفة فذكر حديث عثمان رضي الله عنه أنه أقطع عبد الله وخبابا وهي في كتاب العلل للأثرم وساقها الخلال في كتاب العلل من طريق الأثرم ومن رواية إبراهيم بن الحارث عن أحمد أيضا.

ص: 129

وقد تكاثرت نصوصه بكراهة ما أقطعه الملوك من أرض السواد والأمر بالتنزه عنها وعن مغلها وجعله في حكم المغصوب المستولي عليه بغير حق وكان يسهل القول في اقطاع من ينتفع المسلمون به لجهاده قال المروزي: سئل أبو عبد الله عن القطائع التي بطرسوس هي مثل قطائع بغداد؟ فقال: لا، بل تلك عندي أسهل في نحر العدو "انتهى".

وهذا يدل على أن الاقطاع إذا كان لمن ينتفع به المسلمون كان شبيها بإقطاع عثمان رضي الله عنه وروى عنبسه ما يدل على جواز الاقطاع للامام العادل من أرض العنوة على أنها أرض فيء وليست وقفا وفي كلام أحمد ما يدل على كلا القولين بل فيه تصريح بهذا وبهذا أعني أنها وقف وأنها فيء فأما أن يحمل ذلك على اختلاف قولين أو على أن الوقف أريد به معنى الوقف لا حقيقة قال في رواية ابن منصور: الأرضون التي يملكها ربها ليس فيها خراج مثل هذه القطائع التي اقطعها عثمان رضي الله عنه في السواد لسعد بن مسعود وخباب رضي الله عنهم فرأى عمر رضي الله عنه أن يدع الأرض للمسلمين ورأى عثمان رضي الله عنه لمنزلة هؤلاء من الاسلام وما يأتوا ففيه أن يقطعهم فيها ونقل صالح عن أبيه نحوه و قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: أليس قد اقطع عثمان عبد الله وخبابا وغيرهما رضي الله عنهم؟ فقال: هذا أيضا يقوي أن أرض السواد ليست بملك لمن هي في يده أن عمر رضي الله عنه لم يقطع وعثمان أقطع بعد فلو كان عمر رضي الله عنه ملكها من هي في يده لم يقطع عثمان رضي الله عنه بعد قيل لأبي عبد الله: إنهم يقولون إنما أقطع عمر رضي الله عنه أرض كسرى ودار البريد فنفض يده وقال: ليس هذا بشيء قلت: فاحتجوا بقول عبد الله ويزادان ما يزدان فقال: نعم عثمان رضي الله عنه أقطعه أي حجة في هذا وفي مسائل أبي داود؟ قال أحمد: أرض السواد

ص: 130

فيها الخراج لكن القطائع ليس يؤدوا عنها الخراج وهذا نصوص بصحة اقطاع الامام العادل أرض السواد.

وقد أنكر قول من قال إنما أقطعهم من أرض كسرى وأرض البريد وهذا كان يقوله بعض الكوفيين قالوا: إنما أقطع عثمان أرضا اصطفاها عمر رضي الله عنه جعلها لبيت المال لم يقطع الأرض الخراجية لأنها عندهما ملك لمن هي في يده بالخراج فأنكر أحمد ذلك.

وقد روي في هذه الصوافي آثار متعددة قال يحيى بن آدم حدثني قيس بن الربيع عن رجل من بني أسد عن أبيه قال: اصطفى حذيفة أرض كسرى وأرض آل كسرى ومن كان كسرى اصفى أرضه وأرض من قتل ومن هرب والاجام ومغيض الماء.

قال يحيى: وحدثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن الوليد عن عبد الله بن معقل حدثني عبد الملك بن أبي حرة عن أبيه قال اصفى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من هذا السواد عشرة أصناف أصفى أرض من قتل في الحرب ومن هرب من المسلمين وكل أرض لكسرى وكل أرض كانت لأحد من أهله وكل مغيض وكل دين يزيد قال: ونسيت أربعة قال: وكان خراج ما أصفى سبعة آلاف ألف فلما كانت الجماجم أحرق الناس الديوان فأخذ كل قوم ما يليهم.

قال: وحدثني عبد السلام بن حرب عن عبد الله بن الوليد المزني عن رجل من بني أسد قال: لم أدرك بالكوفة أعلم بالسواد منه قال: بلغت غلة الصوافي على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أربعة آلاف ألف. قلت: وما الصوافي؟ قال: إن عمر أصفى كل أرض كانت لكسرى أو لآل كسرى أو رجل قتل في الحرب أو رجل لحق بأهل الحرب أو مغيض

ص: 131

الماء أو دير بريد وهذه الأسانيد فيها جهالة ثم إن في بعضه أن هذه الأرض كان عليها الخراج فلم يبق حينئذ يبنها وبين بقية السواد فرق إلا أن يدعي أن هذه لم تملك وإنما كان خراجها إجارة بخلاف أرض الدهاقين التي أقرت في أيديهم فانهم ملكوها بالخراج وهذه دعوى مجردة.

ومن متأخري أصحابنا من ادعى أن اقطاع عثمان رضي الله عنه كان من موات السواد وهو أبعد وأبعد وممن قال: إن عثمان رضي الله عنه إنما أقطع من الصوافي أبو عبيد أيضا لأنه يرى أن أرض السواد كالوقف قال: وهذه الصوافي كان أهلها قد جلسوا عنها فلم يبق بها ساكن ولا لها عامر فكان حكمها إلى الامام كالموات قال: فاقطعها عثمان رضي الله عنه لمن يعمرها ويقوم بخراجها وهذا بناء منه على أن موات أرض السواد لا يملك إلا بالاحياء فيكون فيه الخراج على من عمره وذكر القاضي أبو يعلى متابعة للماوردي أن إقطاع عثمان رضي الله عنه كان من هذه الصفايا وأن عثمان أقطعها وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه حق الفيء فكان ذلك منه اقطاع إجارة لا إقطاع تمليك وقد رد ذلك بعض أصحابنا وقال: الاقطاع ينافي الاجارة فان المفهوم منه الاباحة فحمله على الاجارة غير معروف لغة ولا عرفا.

وذكر القاضي أن هذه الصفايا اصطفاها عمر رضي الله عنه بتطييب نفوس الغانمين وهذا بيعد على أصلنا لأن الامام له عندنا أن يقفها كلها بغير رضى الغانمين وإنما هذا مأخوذا من كلام الماوردي وذكر القاضي أن حكم مثل هذه الصفايا أنه تصير لبيت المال كالوقوف المؤبدة فلا يجوز للامام بيعها ولا إقطاعها وذكر في أرض بيت المال المنتقلة إليه عمن لا وارث له أنه يجوز بيعها وصرف ثمنها في المصالح على قولنا أنها لا تصير وقفا وهل يجوز إقطاعها؟ على قولين: وضعف القول بمنعه. وقد سبق من

ص: 132

كلام أحمد ما يدل على أن حكم أرض العنوة كلها كذلك يجوز أن يقطعها الامام العادل لأنها فيء للمسلمين فله أن يترك خراجها مشتركا بينهم وله أن يخص بها من شاء منهم وقد تأول القاضي قول أحمد إنها تصير مملوكة ولا خراج عليها بأن عثمان رضي الله عنه أقطعهم خراجها وهذا فاسد لأن أحمد صرح بأنها مملوكة لأربابها وعلى ما ذكره القاضي تكون باقية على ملك المسلمين وخراجها باق إلا أن الامام اختص به هؤلاء المقطعين.

وروى يحيى بن آدم عن قيس بن الربيع عن ابراهيم بن مهاجر عن موسى بن طلحة قال أقطع عثمان خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وخباب وأسامة بن زيد قال: وأراه قال والزبير فأما أسامة فباع أرضه وخرجه أبو عبيد عن قبيصة عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر به مختصرا وخرجه أيضا عن أبي نعيم عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن موسى بن طلحة عن عثمان رضي الله عنه مثله قال أبو عبيد سألت قبيصة هل ذكر فيه السواد؟ قال: لا، وروى هذا الأثر محمد بن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم بن مهاجر عن موسى ابن طلحة قال: أقطع عثمان رضي الله عنه اسبيتا وأقطع لخباب رضي الله عنه صعما واقطع لسعد رضي الله عنه قرية هرمز خرجه الخلال في العلل وذكر عن أحمد انه قال: قالوا: أليس هو كما ابن فضيل في سبيتا إنما هو كذا وكذا يعني أنه أخطأ في تسمية هذه القرية وهذا تصريح بأنه من أرض السواد ويدل عليه أيضا قول ابن مسعود رضي الله عنه وبرذان ما برذان يعني أن تلك كان برذان.

وروى الحسن بن زياد في كتاب الخراج عن الربيع عن أشعث ابن سوار عن موسى بن طلحة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منح

ص: 133

سعدا وابن مسعود رضي الله عنهما أرضا من ارضهما وهذا غلط وإنما منح عثمان رضي الله عنه وذكر الخلال من طريق حنبل قال: قيل لأبي عبد الله: فما أقطع عمر في السواد يصح لمن كان في يده منها شيء؟ قال: قد أقطع عمر رضي الله عنه بجيلة ثم رجع ورأى أن ليسوا بأحق به من المسلمين واقطاع عمر رضي الله عنه ما أقطع من غير السواد ليس في قلبي منه شيء وهذا يدل على التوقف في إقطاع السواد وأما قوله: أقطع عمر رضي الله عنه بجيلة ثم رجع ورأى أن ليسوا أحق به من المسلمين فهذا يخالف ما نقله عنه الأثرم في قطائع السواد أن عمر رضي الله عنه لم يقطع وأن عثمان رضي الله عنه أقطع. والأثرم أحفظ من حنبل بما لا يوصف وقد سبق أن عمر رضي الله عنه إنما أعطى بجيلة من السواد قسمة لهم من غنيمتها ثم رأى أن تركها فيئا للمسلمين أصلح فلذلك استرجعها منهم.

وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أقطع من السواد من وجه آخر رواه يحيى بن آدم عن قيس بن الربيع عن إبراهيم بن مهاجر عن شيخ من بني زهرة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى سعد يقطع سعيد بن زيد رضي الله عنهم أرضا فأقطعه أرضا لنبي الرفيل فأتى ابن الرفيل عمر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين على ما صالحتمونا؟ قال: على أن تؤدوا إلينا الجزية ولكم أرضكم وأموالكم وأولادكم قال: يا أمير المؤمنين أقطعت أرضي لسعيد بن زيد قال: فكتب إلى سعد يرد عليه أرضه وهذا فيه جهالة وقد يتعلق به من يرى أن عمر رضي الله عنه رد عليهم أرضهم ملكا.

وذكر المروزي في كتاب الورع قال: سمعت أبا عبد الله يقول: كان محمد أفضل من أبيه عبد الله بن إدريس قال: وسمعت عبد الوهاب

ص: 134

يعني الوراق يقول: كان ابن إدريس يجري على ابنه محمد وعلى زوجته عشرة في كل شهر من قطيعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابن إدريس هو عبد الله بن إدريس الكوفي العالم المشهور بالعلم والدين وكان شديدا في أمر السواد ويقول: في كل من معه شيء منه أن يرده على أهل القادسية ومع هذا فقد أخذ من هذه القطيعة التي لعمر رضي الله عنه وكان ابنه محمد شابا متعبدا وكان أحمد وغيره يفضلونه على أبيه في الورع والزهد والعباد رضي الله عنهما.

هذا كله في إقطاع رقبة أرض العنوة فأما اقطاع الامام منافعها وخراجها فيجوز وقد حمل القاضي رواية ابن منصور عن أحمد على ذلك كما سبق وسيأتي القول في إقطاع الخراج دون المنافع فيما بعد إن شاء تعالى.

الصورة الثانية أن يقف الامام بعض العنوة على طائفة مخصوصة من المسلمين أو واحد منهم فإن قلنا أرض العنوة وقف فلا يجوز تغيير وقفها الأول عما هو عليه بغير رضى باقي الغانمين وإن قلنا إنها فيء يشترك في منافعها المسلمون الامام بعض المسلمين بها وقفا فهذه المسئلة حدثت في وسط الدولة العباسية واختلف الفقهاء فيها فقالت طائفة لا يجوز ذلك وحكي عن أبي حامد الاسفرايني من الشافعية ووجهه بعضهم بأن المصلحة قد تقتضي في مستقبل الزمان صرفه إلى ما هو أولى فلا احتياط في ذلك بخلاف التمليك فانه يجوز عندهم وقالت طائفة منهم يجوز ذلك وقيل إنه مذهب الشافعي وأخذوه من قول الشافعي في سير الواقدي فيما فتح عنوة فمن طاب نفسا عن حقه فجائز للامام أن يجعله وقفا على المسلمين يقسم بينهم على أهل الخراج والصدقة وحيث يرى الامام. قالوا: وقوله حيث يرى الامام كالصريح منه في جواز الوقف على

ص: 135

معين وفيه نظر فان الشافعي إنما قال: يجعله وقفا على المسلمين وأما قسمة الغلة ففي أهل الخراج والصدقة وحيث يراه هذا ظاهر كلامه وقد ذكرنا فيما تقدم أن الأرض المغنومة من الكفار داخلة في الفيء وأنها مشتركة بين المسلمين وإن تخصص الغانمين بها إذا رآة الامام يكون من باب تخصيص بعض المسلمين بما هو مشترك بين جميعهم وينبغي أن يكون وقف الامام لبعض أرض العنوة على بعض المسلمين ينبني حكمه على حكم إقطاعها كما تقدم فان قلنا لا يجوز إقطاعها فوقفها أولى وإن قلنا يجوز إقطاعها فوقفها كذلك.

وقد سبق ما حكيناه عن الشافعية وأنه يقتضي جواز التمليك وأن الخلاف عندهم في الوقف وهو منقول من كلام ابن الرفعة ولكن ما ذكره من التفريق بين الوقف والتمليك بأن المصلحة قد تقتضي الصرف في المستقبل الى ما هو أولى والوقف بمنعه فيقال وكذلك التمليك أيضا فلا فرق بينهما ثم إن المنقول في كتب أصحابهم أن إقطاع التمليك لا مدخل له في العامر من أرض العنوة ولا غيرها وإنما ذكر الماوردي منهم جواز اقطاع الامام بعض أرض العنوة إقطاع إجارة كما سبق عنه فاذا منعوا من إقطاع أرض العنوة وتمليكها به فكيف يجوزون الوقف؟ هذا مشكل جدا وذكر بعضهم وأطنه عبد السلام أن وقف الملوك على جهة إن كانوا متمكنين في الشريعة من تمليك تلك العين تملك الجهة ابتداء صح الوقف كالوقف على جهة بر ما يستحقه تلك الجهة ومن ذلك بناء المدارس والربط وان لم يكونوا متمكنين من ذلك شرعا كإيقافهم الضياع على أولادهم وإمائهم لم يصح لعدم جلبهم مصلحة تحصل للمسلمين قال ولو وقفنا على مدرسة أكثر مما يستحق كمدرسة يوقف عليها نصف أقليم مثلا لم يصح فيما زاد على ما يستحقه.

ووجد في بعض مجاميع أبي عمرو بن الصلاح بخطه صورة فتيا كتبت

ص: 136

بعد الخمسمائة في مواضع ينتفع بها ليس لها مالك معين ووقفها الامام على رجل من أهل العلم ثم على عقبة ثم على الفقراء أو اتصل بالوقف أحكام القضاة والاسجال به فهل هذا الوقف صحيح؟ وهل يجوز لأحد من الولاة تغييره وصرفه الى جهة أخرى؟ أجاب ابن عقيل أن ما لا يعرف له مالك فتصرف الامام فيه نافذ بما يراه من المصلحة من وقف وغيره ولا يملك أحد من خلق الله اعتراضه ولا تغييره وكتبه ابن عقيل وبعده جوابي مثله وكتب محمد بن أحمد بن الشاشي جوابي مثله وكتب أحمد بن علي بن برهان وبعده الجواب وبالله التوفيق أنه ينفذ حكم الحاكم ولا يرد ولا يعترض عليه وكتب أحمد بن الشاشي وبعده الجواب صحيح وكتب الزيني الجواب صحيح وكتب ابن الحلواني الأجوبة المشار إليها موافقة للشرع وكتب أحمد المهني وسئل عن مثل ذلك جماعة من الطبقة الأخرى عبد الله بن محمد بن أبي عصرون وعبد الرحمن بن محمد الغرنوي الحنفي ويونس بن محمد بن منعة ومسعود النيسابوري فافتوا جميعا بالصحة قال ابن الصلاح: قلت ولصحة هذا الوقف اتجاه "انتهى".

ولكن ليس هذا السؤال في أرض العنوة وإنما هو في أرض ليس لها مالك معين فيحتمل أنها أرض انتقلت الى بيت المال ممن لا وارث له ونحو ذلك فقد تقدم أن القاضي أبي يعلى ذكر أن هذه يصح إقطاعها وتمليكها بخلاف أرض الفي ويمكن أن يفرق بينهما من وجهين أحدهما أن أرض العنوة قد سبق للخلفاء الراشدين فيها أحكام فلا تغير أحكامهم ولا يعترض عليها والثاني أن أرض بيت المال إذا انتقلت من مسلم لا وارث له وقلنا إنها تنتقل إرثا فالمسلمون كلهم جهة واستيعابهم بالقسمة غير ممكن فتخصيص الواحد منهم تعيين المستحق بالميراث فيمتنع.

وها هنا فرع يقع كثيرا في هذه الأزمان المتأخرة وهو أنه يوجب كثيرا

ص: 137

هنا في أرض السواد وأرض الشام أو غيرهما مما فتح عنوة أرض مملوكة أو موقوفة بيد أربابها وهي ثابتة الملك أو الوقف عند الحكام وقال بعض متأخري الشافعية لا يغير ذلك ولا يزيلها عن يد من هي في يده لاحتمال أن تكون صارت اليه بطريق صحيحة وتكون خارجة عن وقف عمر رضي الله عنه قال: وعلى القاضي أن يحترز في سماع هذه البينة لئلا يعتمد اليد المحتملة للملك "انتهى".

ويجوز أيضا أن يكون من فتوح عمر رضي الله عنه وباعها من يدري ان عمر رضي الله عنه ملكها لأربابها بالخراج وحكم بذلك من يراه ومتى كان عليها خراج مستمر الى الان قوي هذا الاحتمال فتصير الأرض ملكا أو وقفا لمن هي في يده والخراج حق لبيت المال عليها وقد وقع السؤال في هذا الزمان عن جواز زيادة هذا الخراج فرأى بعض الفقهاء أنه لا يجوز زيادته لأنه لا يعرف أصل وضعه هل هو بحق أم لا؟ فلا يجوز الزيادة فيه مع هذا التردد ويقتصر على القدر الذي هو موضوع على هذه الأرض ولا سيما إن طال أمد ذلك وتقادم ولكن تقادم عهده مع ما نقل من فتح عمر رضي الله عنه لهذه البلاد عنوة ووضعه الخراج عليها مما يقوي أن وضعه بحق فإذا صارت رقبة الارض وقفا أو ملكا خاصا بالطريق المذكور لم يسقط بذلك خراج الأرض وأيضا فيجوز أن تلك الارض بعينها فتحت صلحا ووضع عليها خراج أقررناها به على ملكهم لها ثم اسلموا وحكم حاكم باستمرار الخراج فانه محل اجتهاد ومثل هذا الخراج لا يزاد فيه بغير خلاف أما لو علم أن ذلك من أرض فتح عمر رضي الله عنه عنوة ووضع عليها الخراج ولم يوجب مع أصحابها إلا كتب ثابتة بملك مطلق من غير تعرض لمحل الخلاف بين العلماء في مسئلة تملك أرض العنوة وبيعها وشرائها فإن كان الحاكم ممن لا يرى ان أرض العنوة تملك رقابها فيبعد نفوذ هذا الحكم ولزومه لأن من صادف حكمه مختلفا فيه. ولم يعلم به

ص: 138

وكان لا يراه فله نقضه إلا أن يتصل به حكم آخر ممن يرى جواز ذلك وان كان ممن يرى ذلك فلزومه متوجه

"فصل" ويثبته وقف الامام لبعض أراضي الوقف من مال الفيء إذا كان فيه مصلحة عامة ذكره الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية رحمه الله واستدل له بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق بني هوازن بعد قسمهم بين المسلمين وعوض من لم يطب نفسه برد نصيبه منهم من مال الفيء. فدل على أنه يجوز أن يشتري بمال الفيء من يعتقه للمصلحة هي ها هنا تألف هوازن على الاسلام واذا قلنا: يجوز للرجل أن يعتق من زكاة نفسه فعتق الامام من زكوات الناس أولى وإذا جاز اعتاقه من الزكوات فمن مال المصالح العامة أولى قال: ويجوز أيضا أن يعتق من مال المصالح وان كانت المصلحة تختص بالعتق لأن اعتاق الرقيق بمنزلة اعطائه لو كان حرا بل الاعتاق أوسع من الاعطاء ولهذا يجيز للمريض اعتاق وارثه من ثلاثة بخلاف اعطائه إذ الاعتاق اسقاط لا تملك فيه وأما حكم ولائهم فقال: يحتمل أن يقال لا ولاء عليهم لاحد بمنزلة عبد الكافر إذا أسلم وهاجر ويحتمل أن يقال الولاء عليهم للمسلمين قال وعلى هذا اذا اشترى السلطان رقيقا ونفذ ثمنهم من مال بيت المال ثم اعتقهم كان الملك فيهم ثابتا للمسلمين ويكون ولاؤهم مع عدم نسيب لهم في بيت المال لأن ولاءهم إما لبيت المال استحقاقا أو لكونهم لا وارث لهم فيوضع مالهم في بيت المال و ليس ميراثهم السلطان لأنه اشتراهم بحكم الملك لا بحكم الملك ولو احتمل أن يكون اشتراهم لنفسه وأن يكون اشتراهم للمسلمين حمل تصرفه على الجائز وهو شراؤهم للمسلمين دون المحرم وهو شراؤهم لنفسه من بيت المال فانه ممتنع قال: ولو عرف أنه اشتراهم لنفسه بمال المسلمين حكم بأن الملك للمسلمين لا له لأن له ولاية الشراء

ص: 139

للمسلمين من بيت مالهم فاذا اشترى بمالهم شيئا كان لهم دونه ونية الشراء لنفسه بمالهم محرمة فتلغى ويصير كأن العقد عري عنها.

وهذا ملخص ما ذكره وبكل حال فبين العتق والوقف فرق وهو أن الموقوف إذا كان أرضا ففيه قطع استحقاق المسلمين عموما الى يوم القيامة لمنافعها الى يوم القيامة وهذا بخلاف اعتاق الرقيق نعم لو وقف منقولا من مال بيت المال كان مثل عتق الرقيق والله أعلم.

ص: 140

الباب العاشر: في حكم مال الخراج ومصارفه والتصرف فيه

وفيه مسائل: الأولى أن الخراج على من هو عليه حكمه حكم الديون واجب في ذمته لأجل أرضه فهو موضع على رقبة الأرض كما توضع الجزية على رقاب الآدميين. هذا نص أحمد وإسحاق.

وروي عن عمر بن عبد العزيز وهو قول مالك والشافعي والأكثرين من العلماء الذين يقولون: يجتمع وجوب الخراج والعشر لأن الخراج أجرة الأرض واجبة في الذمة والعشر واجب في الزرع فهو كما لو استأجر أرضا أو اشتراها بثمن في ذمته وزرعها وخالف في ذلك أبو حنيفة وطائفة من الكوفيين.

وروي عن عكرمة وغيره وقالوا: لا عشر مع الخراج وجعلوا الخراج متعلقا بنفس الثمرة والزرع وهذا يشبه قولهم أنه يسقط بتلف الثمرة والزرع جائحة وأنه لا يوجد كاملا إلا إذا أخرجت الأرض مثليه فان أخرجت مثله أخذ منه نصفه وقد روي عن عكرمة أنه كان لا يأخذ من أرض الخراج عشرا باسناد مجهول وان صح فان أرض الخراج في وقته كانت من أهل الذمة وليسوا من أهل العشر ورووا فيه حديثا مرفوعا من رواية يحيى بن عنبسة عن أبي حنيفة عن حمار عن ابراهيم بن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع على المسلم خراج

ص: 141

وعشر" قال: ابن عدي هذا الحديث لا يرويه غير يحيى بن عنبسة بهذا الاسناد عن أبي حنيفة وإنما يروى هذا من قول ابراهيم ويحكيه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم من قوله وهو مذهب أبي حنيفة وجاء يحيى بن عنبسة فرواه عن أبي حنيفة فأوصله الى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطل فيه. قال ويحيى بن عنبسة هذا مكشوف الأمر في ضعفه لرواياته عن الثقات الموضوعات ومن السلف من قال يدخل الخراج في العشر ويؤخذ الفاضل من العشر.

روى بقية عن سعيد بن عبد العزيز حدثني ابراهيم بن أبي عبلة قال: كانت لي أرض أؤدي عنها الجزية فكتب فيها عبد الله بن عوف الكناني وكان واليا عليهم قال: فكتب اليه عمر يعني ابن عبد العزيز أن اجعل الجزية من العشر ثم خذ الفضل.

وإذا تقرر أن الخراج دين في الذمة كان حكم استيفائه حكم استيفاء سائر الديون فان كان من هو عليه موسرا حبس به وان كان معسرا أنظر به ولا يباع عليه فيه إلا ما يباع في وفاء غيره من ديون الآدميين ولا يعذب على أدائه.

روى اسماعيل بن ابراهيم بن مهاجر حدثنا عبد الملك بن عمر حدثني رجل من ثقيف أن عليا استعمله على عكبرا قال: "ولم يكن السواد يسكنه المصلون فقال لي بين أيديهم: استوف منهم خراجهم ولا يجدون فيك رخصة ثم قال لي: إذا كان عند الظهر فأتني، فأتيته فقال: إني لم استطع أن أقول لك إلا الذي قلت لك بين أيديهم لأنهم قوم خدع ولكن آمرك وإن يبلغني عنك خلاف ما آمرك به عزلتك لا تبيعن لهم رزقا يأكلون ولا كسوة شتا ولا صيف ولا تضربن رجلا منهم سوطا في طلب درهم فانا نؤمر بذلك ولا تبيعن لهم دابة يعملون عليها إنا أمرنا أن نأخذ منهم العفو. قلت: إذا أجيك كما ذهبت قال: وان فعلت قال: فأتيتهم فاتبعت

ص: 142

ما أمرني به فرجعت والله ما بقي علي درهم واحد إلا أوفيته". خرجه يعقوب بن شيبة.

وخرج أيضا من طريق جعفر الاحمر عن عبد الملك بن عمير به نحوه وزاد فيه "ولا يقيمن رجلا قائما في طلب درهم" وقال فيه: "إنا أمرنا أن نأخذ منهم العفو" يعني الفضل. وروى هذا الحديث خلف بن تميم عن اسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير به عن أبي مسعود الثقفي عن علي رضي الله عنه.

روى أبو عبيد حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: قدم سعيد بن حديم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له عمر رضي الله عنه مالك تبطيء بالخراج؟ فقال: أمرتنا أن لا نزيد الفلاحين على أربعة دنانير فلسنا نزيدهم على ذلك ولكنا نؤخرهم الى غلاتهم فقال عمر رضي الله عنه: لا عزلتك ما حييت.

قال أبو عبيد: إنما وجه التأخير الى الغلة للرفق بهم قال ولم نسمع في استيفاء الخراج والجزية وقتا من الزمان يجتبى فيه غير هذا.

ثم روي عن مروان بن معاوية عن خلف مولي آل جعدة عن رجل من آل أبي المهاجر قال: استعمل علي رضي الله عنه رجلا على عكبرا فذكر نحو حديث عبد الملك بن عمير مختصرا وقال فيه: لا تبيعن لهم في خراجهم حمارا ولا بقرة ولا كسوة شتاء ولا صيف وأرفق بهم.

وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يباع لهم شيء في الخراج قال صالح سألت أبي عن الرجل يبيع الشيء على حد الضرورة أيشتري منه؟ قال: لا. كأنه يؤخذ بخراج فيبيع ليؤدي؟ قال: لا يعجبني أن يشتري منه.

ص: 143

وذكر الحسن بن زياد اللؤلؤي في كتاب الخراج أنهم ان كسروا من الخراج شيئا لم يبع لهم عرضا ولم يعدل بهم وإن صار على أحد منهم ما شد بعدما مضت السنة لم يأخذه بالماشد.

وفي صحيح مسلم عن هشام بن عروة عن أبيه عن هشام بن حكيم ابن حزام قال مر بالشام على أناس وقد أقيموا في الشمس وصب على رؤسهم الزيت فقال: ما هذا؟ قيل: يعذبون في الخراج قال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يعذب الذين يعذبون في الدنيا". وفي رواية أخرى له حبسوا في الجزية.

المسئلة الثانية في مصرف الخراج ومصرفه مصرف الفيء عند الجمهور وقد سبق لأحمد نصوص متعددة بذلك وأن حكم السواد حكم الفيء يعني مغله وخراجه وكذلك قال في رواية بكر بن محمد وابي النصر الفيء ما صولحوا عليه من الأرضين وجزية الرؤس وخراج الأرضين فهذا لكل المسلمين فيه حق الغني والفقير وهذا أيضا مذهب الحسن بن حي والشافعي ونقل صاحب التهذيب من المالكية وهو البرادعي قال الأوزاعي: وقف عمر والصحابة رضي الله عنهم الفيء وخراج الأرضين للمجاهدين ففرض منه للمقاتلة والعيال والذرية فصار ذلك سنة لمن بعده فمن افترض فيه ونيته الاجتهاد فلا بأس به قال: قال مالك: أما جزية الأرض فلا أدري كيف كان يصنع فيها إلا أن عمر رضي الله عنه أقر الأرض ولم يقسمها بين الذين فتحوها وأرى لمن نزل ذلك به أن يكشف عنه من يرضاه من أهل العلم والأمانة من أهل البلد كيف كان الأمر في ذلك.

وإنما توقف فيه مالك لأن الخراج ليس مأخوذا من الكفار خاصة بل يؤخذ من الكفار وغيرهم وهو مأخوذ بعقد معاوضة لكنه لما كان عوضا عن

ص: 144

منفعة الأرض المستحقة للمسلمين التي هي فيء لهم صرف مصرف الفيء وقد تقدم عن معمر أنه قال بلغنا أن هذه الآية: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} (1) نزلت في الجزية والخراج.

وذكر ابن المغلس الظاهري من أصحاب داود أن مال الجزية عندهم يصرف في المصالح وليس بفيء فان الفيء عندهم يخمس كله ولم يذكر قولهم في مصرف الخراج وقد ذكر طائفة من أصحابنا الاختلاف في تخميس الفيء وعدوا ما من جملة أموال الفيء المختلف في تخميسه الجزية والخراج ومنهم من قال: لا يخمس الخراج وان قلنا بتخميس الفيء كذا ذكره القاضي في الأحكام السلطانية إلا أنه علل بأن أصله قد خمس وهو الأرض المغنومة وهذا لا يجيء على المذهب فان المذهب أن الأرض كلها توقف من غير تخميس.

وحكى طائفة من أصحابنا منهم أبو الخطاب الاجماع على أن الجزية لا تخمس فالخراج أولى إذ الجزية مأخوذة من مال الكفار وأما الخراج فهو عوض عن مالهم.

السئلة الثالثة للامام ولاية المطالبة بالخراج كجزية الرءوس وقد كان عمر وعثمان وعلي ومن بعده يبعثون عمالهم على جباية الخراج وهذا متفق عليه فان طالب للامام وجب الدفع اليه وما لم يجز تفرقته وذكر القاضي والاصحاب في كتاب الزكاة أنه لا يجوز تفرقته دون الامام بخلاف الزكاة وفرقوا بينهما بأن الزكاة فرض من فروض الاسلام ومصارفها معينة فجاز لمن وجبت عليه أن يتولاها بنفسه والخراج والجزية يصرف في المصالح العامة ويحتاج الى اجتهاد ويتعلق بها حق جميع المسلمين والامام هو النائب لهم

(1) سورة الحشر آية 7

ص: 145

والمجتهد في تعيين مصالحهم وكذا ذكر القاضي في الأحكام السلطانية متابعة للماوردي أن أموال الصدقات تجوز أن ينفرد أربابها بقسمتها في أهلها بخلاف من في يده من مال الفيء فانه ليس له أن ينفرد بقسمته في مستحقيه حتى يتولاه أهل الاجتهاد من الأئمة.

وذكر القاضي في خلافه الكبير في مسائل الاحتهاد أن المنصوص عن أحمد أنه يجوز لمن عليه الخراج أن يتولى تفرقته بيفسه على مستحقيه ثم ذكر قول أحمد في رواية محمد بن العباس وسئل عن الرجل يكون له الغلات في مثل هذا البلد يعني بغداد فيمسحها ويخرج خراجها على ما وظف عمر رضي الله عنه على السواد ويقسم على المساكين؟ قال: إن فعل فهو حسن وكذلك نقل يعقوب بن بختان في الرجل عما في يديه على ما وظف عمر رضي الله عه على كل جريب يتصدق به قال ما أجود هذا ثم علله القاضي بأنه مال لا قوام غير معنيين فجاز لمن حصل في يديه تفرقته كاللقطة والزكاة قال ويتخرج المنع وأنه يحمله الى الامام لأنه قال فيمن كانت في يده رهون لا يعرف مالكها أنه يتصدق بها ويرفعها الى الحكام.

وللقاضي طريقة ثالثة كتبها بخطه على ظهر جزء من خلافه انه يجوز عند تعذر الامام المجتهد العادل لمن عليه الخراج أن يتولى إخراجه بنفسه على مستحقيه بغير خلاف وذكر نص أحمد المتقدم ثم قال: والوجه فيه أنه قد تعذر الوصول الى جهة الامام الذي تولى إخراج ذلك في وجوهه قال وقد أجاز أحمد ما هو في معنى هذا فيمن في يده وديعة ولا يعرف مالكا جاز له أن يتصدق بها وكذلك قال في الرهون: إذا عدم أصحابها قال والوجه فيه أنه مال ليس له مالك معين فجاز لمن حصل في يده أن يتولى صرفه بنفسه كاللقطة قال: فإن كان من وجب عليه الخراج يجوز

ص: 146

صرفه عليه فهل يجوز له صرف ذلك إلى نفسه؟ نقل عن أحمد ما يدل على جوازه لأنه قال في رواية الميموني في الوالي يدع الخراج فقال: لا الخراج فيء لو تركه أمير المؤمنين كان فأما من دونه فلا، قال: فقد أجاز إسقاط الخراج عنه قبل قبضه منه لذلك في حق من وجب عليه لأن الخراج حق في الذمة فلا معنى لأخذه منه ورده عليه وتفارق الزكاة لأنها تجب في العين فلهذا إذا وجبت عليه وهو ممن يجوز أن يرد عليه أنها تقبض منه قال ويحتمل المنع لأنه قد وجب عليه إخراج ذلك من ماله ولا يجوز له أخذه لحق نفسه من تحت يده كزكاة ماله إذا كان به حاجة اليها انتهى ما ذكره.

وعندي أن كلام أحمد في جواز صرف الخراج الى مستحقه إنما هو فيما إذا لم يطالب به الامام فان كلام أحمد انما هو في دور بغداد كما كان هو يفعل بداره ومعلوم أن دور بغداد لم يكن السلطان يطالب بخراجها فاما مع مطالبه الامام وبعثه الجباة لأخذ الخراج فليس في كلام أحمد جواز تولى أخراج ذلك لمن هو عليه وأما أخذه من رواية الميموني أن من عليه الخراج له أخذه لنفسه فان رواية الميموني تدل على عكس ذلك فانه لم يجز فيها لمن دون الامام الأعظم من ولاة الأمور الاستبداد باسقاطه فكيف يجيز ذلك لمن هو عليه أن يسقطه عن نفسه وانما في نصه هذا أن إيتاء الخراج ليس بواجب بخلاف الزكاة وسنذكر هذه المسئلة إن شاء الله تعالى.

ومذهب أبي حنيفة إذا أخرج الخراج بدون إذن الأمام فله أخذه منه ثانيا وان لم يطلبه الامام أخرجه المالك.

المسئلة الرابعة إن قبض الخراج ليس بواجب عندنا بل يجوز للامام اسقاطه عمن وجب عليه اذا كان من مستحقه وقد تقدم نص أحمد بذلك.

ص: 147

في رواية الميموني وهو قول أبي يوسف. وقال محمد بن الحسن وإسحاق ابن راهويه فيما نقله عنه حرب: لا يجوز بل يجب فيه القبض كعشر الزكاة وقد تقدم أن القاضي فرق بين الزكاة والخراج بأن الخراج حق في الذمة فلا معنى لأخذه منه ورده عليه كما يقول في تقاضي الدينين في الزكاة عندنا وعند الاكثرين وهذا الفرق انما يجب عندنا بوجوب الزكاة في العين أما على قولنا بوجوبها في الذمة فلا يتوجه وفرق غيره بينهما بأن الزكاة يجب ايتاءها لله عبادة وطهرة فالاخراج فيها واجب ولهذا يشترط لها النية ولا يحصل ذلك بالاسقاط بخلاف الخراج فانه حق لبيت المال من جنس حقوق الآدميين العامة كثمن ما اشتراه من بيت المال وقيمة ما أتلفه له فيجوز للامام اسقاطه عمن هو عليه وأيضا فالزكاة يعتبر فيها تمليك المستحق ويجوز صرفها الى من لا يملك بخلاف مال الفيء فانه يصرف في المصالح العامة كسد البتوىء وكري الأنهار وعمارة القناطير فجاز أن يبرأ منه من هوعليه.

المسئلة الخامسة اقطاع الامام الخراج. قال القاضي في الأحكام السلطانية: الخراج يختلف حكم اقطاعه بخلاف حال مقطعه وله ثلاثة أحوال:

أحدها أن يكون من أهل الصدقة فيجوز لأنه يجوز صرف الفيء في أهل الصدقة. وقال قوم لا يجوز صرف الفيء إلى أهل الصدقة كما لا يستحق الصدقة أهل الفيء.

الحالة الثانية أن يكون من أهل المصالح ممن ليس له رزق مفروض فلا يصح أن يقطعوه على الاطلاق وان جاز أن يقطعوا من مال الخراج لأن ما يقطعونه إنما هو من صلات المصالح فان جعل لهم من مال الخراج شيء أجري عليه حكم الحوالة والتسبيب لا حكم الاقطاع فيتعين في

ص: 148

جوازه شرطان أحدهما أن يكون بمال مقدر وقد وجد سبب استباحته. والثاني أن يكون مال الخراج قد حل ووجب فيصح التسبب عليه والحوالة به فيخرج بهذين الشرطين عن حكم الاقطاع.

والحالة الثالثة أن يكون من أهل فرض الديوان وهم الجيش فهم أخص الناس بجواز الاقطاع لأن لهم أرزاقا مقدرة تصرف إليهم مصرف الاستحقاق لأنها أعواض عما أصدروا نفوسهم له من حماية البيضة والذب عن الحريم وإذا صح أن يكونوا من أهل الاقطاع روعي حينئذ حال الخراج فان له حالين حال تكون جزية وحال تكون أجرة فأما ما كانن جزية فهو غير مستقر على التأبيد لأنه مأخوذ مع بقاء الكفر وزائل مع حدوث الاسلام فلا يجوز إقطاعه أكثر من سنة لأنه غير موثوق باستحقاقه بعدها فان أقطعه سنة بعد حلوله واستحقاقه صح وإن أقطعه في السنة قبل استحقاقه لم يجز لأنه مضروب للوجوب.

وأما ما كان من الخراج أجرة فهو مستقر الوجوب على التأبيد فيصح إقطاعه سنين وإذا كان كذلك لم يخل حال إقطاعه من ثلاثة أقسام: أحدها أن يكون بسنين معلومة كاقطاعه عشر سنين فيصح إذا روعي فيه شرطان أحدهما أن يكون رزق المقطع معلوم القدر عند باذل الاقطاع فان كان مجهولا عنده لم يصح والثاني أن يكون قدر الخراج. معلوما عند المقطع وعند باذل الاقطاع فان كان مجهولا عندهما أو عند أحدهما لم يصح وإذا كان كذلك لم يخل حال الخراج من أحد أمرين أما أن يكون مقاسمة أو مساحة فان كان مقاسمة فمن جوز من الققهاء وضع الخراج على المقاسمة جعله من المجهول الذي لا يجوز إقطاعه وإن كان الخراج مساحة فهو على ضربين أحدهما أن لا يختلف باختلاف الزرع فهذا معلوم يصح

ص: 149

إقطاعه. والثاني أن يختلف باختلاف الزروع فينظر رزق مقطعه فان كان في مقابلة أقل الخراجين صح اقطاعه لأنه راض بنقص ان دخل عليه وإن كان في مقابلة أقل الخراجين لم يصح اقطاعه لأنه قد يوجد فيه زيادة لا يستحقها ثم يراعى بعد صحة الاقطاع في هذا القسم حال المقطع مدة الاقطاع فانها لا تخلو من ثلاثة أحوال أحدها أن يبقى إلى انقضائها على السلامة فهو على استحقاق الاقطاع إلى انقضاء المدة الحالة الثانية أن يموت قبل انقضاء المدة فيبطل الأقطاع في المدة الباقية بعد موته ويعود إلى بيت المال فان كانت له ورثة دخلوا في إعطاء الدراري لا في أرزاق الأجناد وكان ما يعطى تسبيبا لا إقطاعا.

الحالة الثالثة: أن تحدث زمانة فيكون باقي الحياة مفقود الصحة ففي بقاء إقطاعه بعد زمانته احتمالات أحدها أنه باق عليه إلى انقضاء مدته إذا قيل إن رزقه بالزمانة لا يسقط والثاني يرجع منه إذا قيل إن رزقه بالزمانة يسقط فهذا حكم القسم الأول إذا قدر الاقطاع بمدة معلومة القسم الثاني من أقسامه أن يستقطعه مدة حياته ثم لورثته وعقبه من بعده فهذا الاقطاع باطل لأنه قد خرج بهذا الاقطاع عن حقوق بيت المال إلى الاملاك الموروثة وإذا بطل كان ما اجتباه منه مأذونا فيه عن عقد فاسد فيرى أهل الخراج نقيصته وحوسب به من جملة رزقه فان كان أكثر رد الزيادة وان كان أقل رجع بالباقي وأظهر السلطان فساد الاقطاع حتى يمتنع من القبض ويمتنع أهل الخراج من الرفع فإن رفعوه بعد إظهار ذلك لم يبروا منه.

القسم الثالث: أن يستقطعه مدة حياته ففي صحة الاقطاع إحتمالان أحدهما أن صحيح اذا قيل أن حدوث زمانة لا يقتضي سقوط رزقه والثاني أنه باطل إذا قيل أن حدوث زمانته موجب لسقوط رزقه وإذا صح

ص: 150

الاقطاع فأراد السلطان إسترجاعه من مقطعه جاز ذلك فيما بعد السنة التي هو فيها ويعود رزقه الى ديوان العطاء فأما في السنة التي هو فيها فينظر فإن حل رزقه فيها قبل حلول خراجها في رزقه جاز استرجاعه منه لأن تعجيل المؤجل إن كان جائزا فليس بلازم.

فأما ارزاق من عدا الجيش إذا اقطعوا بها مال الخراج فينقسم ثلاثة أقسام:

أحدها: من يرزق على عمل غير مستديم كعمال المصالح وجباة الخارج فالاقطاع بأرزاقهم لا يصح ويكون لهم من مال الخراج تسبيبا وحوالة استحقاق الرزق وحلول الخراج.

القسم الثاني: من يرتزق على علم مستديم يجري رزقه مجرى الجعالة وهم الناظرون في أعمال البر التي يصح التطوع بها إذا إرتزقوا عليها كالمؤذنين والأئمة فيكون ما جعل لهم في أرزاقهم تسبيبا به وحوالة عليه ولا يكون أقطاعا.

القسم الثالث: من يرتزق على عمل مستديم يجي رزقه مجرى الاجارة وهو من لا يصح نظره إلا بولاية وتقليد مثل القضاة والحكام وكتاب الدواوين فيجوز أن يقطعوا بأرزاقهم خراج سنة واحدة ويحتمل جوازا قطاعهم أكثر من سنة و فيه وجهان أحدهما يجوز كالجيش والثانيه لا يجوز لما يتوجه اليه من العزل والاستبدال "انتهى" ما ذكره. وفي بعضه نظر وتأمل وحاصل ما ذكره أنه لا يكون إقطاع الخراج إقطاعا صحيحا لازما إلا إذا كان على عمل مستديم ويكون الرزق فيه يجري مجرى الاجارة وهذا ما لا يصح الدخول فيه بدون تولية من الامام وأذن منه وهو على قسمين:

أحدهما: من لا يجوز صرفه ما دام أهلا للعمل كالجند فهذا اقطاع صحيح.

ص: 151

والثاني من يجوز الاستبدال به فهل هو إقطاع صحيح أم لا؟ فهو على وجهين: وأدخل القضاة في هذا القسم وهذا إنما يصح على القول بجواز عزل القاضي فان قلنا لا يجوز عزله كان كالمجاهدين وأما من يأخذ على غير عمل كالفقراء أو على عمل لا يدوم كجباة الخراج ونحوهم فلا يصح إقطاعهم من الخراج وكل من لا يصح إقطاعه كان ذلك حواله له على الخراج فيصح بعد حلول رزقه إن كان له رزق بعد حلول الخراج وكلامه يدل على أن رزق المقطع في الديوان لا يبطل بهذا الاقطاع وإنما يكون هذا الاقطاع عوضا عنه حتى أنه لم يجز أن يقطع زيادة على رزقه وفي هذا نظر بل الأظهر أن للامام أن يزيد رزق من شاء من المقاتلة وما ذكره من إقطاع الجندي من الخراج مدة حياته ينبني على الخلاف في سقوط رزقه من الديوان بالزمانة ففيه نظر إذ الأصل السلامة وما ذكره من الفرق بين اقطاع الخراج والجزية وأنه لا يجوز الجزية الاقطاع أكثر من سنة واحدة لجواز اسلام الذمي إنما يصح في اقطاع جزية معين من أهل الذمة.

فأما إقطاع جزية أهل بلد يمتنع في العادة اسلامهم فلا يتأتى ذلك وهذا كله في خراج العنوة وأما خراج الارض التي صالحونا أنها لهم بالخراج فهي كالجزية إذا قلنا إن خراجها يسقط بالاسلام ويستفاد من كلامه هذا أن أهل فرض الديوان من المجاهدين يأخذون ما يأخذونه من الديوان عوضا عن أعمالهم فلو أقطع أحدهم منافع أرض بيت المال كمنافع الأرض الخراجية فانه يملكها بمجرد اقطاعه لأنه إنما أخذها بمعاوضة عن عمله وقد تردد المتأخرون من الشافعية والحنفية في ذلك وزعم بعضهم أنما يأخذونه على وجه الاباحة فلا يملكون شيئا منها بدون قبضة ومنهم من زعم أنه لا يملكها بحال بل يستبيح الانتفاع بها كطعام الضيف وبنوا على ذلك أنه لا يجوز إجارتها كالعارية وقال كثير من الشافعية وأصحابنا: يجوز إجارتها لما ذكرناه ولأن الامام يأذن في ذلك عرفا فهو كاذن المعين في إجارة

ص: 152

العارية على تقدير أن يكون إباحة حتى عدى بعض أصحابنا القول بمنع إجارة الاقطاع من البدع الحادثة وزعم أن الاجماع القديم إنعقد على جوازه ولكن يقال الاقطاعات القديمة إنما تعرف في إقطاع التمليكات وأما إقطاع الاستغلال فلا يعرف في زمان السلف وقد أنكر الامام أحمد على أمراء زمانة أنهم يقطعون من شاءوا ثم ينتزعون منه ذلك والاقطاع لا ينتزع ممن أقطعه وهذا يدل على أنه لم يعهد إقطاع الاستغلال للمنافع حتى زعم بعض أعيان الشافعية المتأخرين أن أصحابهم لم يذكروا في كتبهم بالكلية وكأنه لم يقف على كلام الماوردي في الأحكام السلطانية فانه ذكر فيها إقطاع الخراج كما ذكرها القاضي بل القاضي أتبعه في ذلك وذكر أن القاضي. عياضا المالكي ذكر جواز إقطاع الاستغلال من أرض بيت المال وقد حمل بعضهم إقطاع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين على أنه إقطاع من جزية أهلها لأن البحرين كانت صلحا ولم تؤخذ عنوة حتى يملك المسلمون رقاب أهلها ولكن روي عن الزهري ما يخالف ذلك وأنها كانت أرض فيء موقع سبق ذكره.

وممن صرح باقطاع المنافع للاستغلال القاضي أبو يعلى في كتاب الأحكام السلطانية وحمل كلام أحمد في إقطاع عثمان رضي الله عنه من السواد على ذلك كما سبق ذكره وكذلك قال ابن عقيل في الفصول.

المسئلة السادسة: لو أخذ السلطان من صاحب الخراج أقل من قدر الخراج الواجب عليه فنص أحمد في رواية الاثرم وابن مشيش وأبي داود وصالح على أنه لا يجوز ولا بد من بقية الخراج ونص في رواية ابن مشيش أيضا على أنه يجزيه ذلك وهذا ينبني على أن قدر الخراج هل يجوز تغييره بحسب اجتهاد الامام أم لا يزاد ولا ينقص على ما وضعه عمر رضي

ص: 153

الله عنه وقد سبق الكلام في ذلك مستوفى وإن أخذ منه زيادة على الخراج الواجب عليه فان كانت الزيادة باجتهاد سائغ فلا كلام وان كانت ظلما محضا فقال في رواية الأثرم أي شيء يفعل يشير إلى أنه كمغصوب منه ماله قهرا وحكى أبو الخطاب في الهداية في جواز الاحتساب من العشر روايتين عن أحمد وأن الجواز اختيار أبي بكر عبد العزيز وأصل المسئلة ما إذا ظلم الساعي في الزكاة يأخذ زيادة بغير تأويل هل يحتسب بها رب المال أم لا؟ على روايتين واختيار أبي بكر أنه يحتسب بها من سنة أخرى أو من مال آخر وقد سبق في الباب الرابع نص أحمد في رواية حرب فيمن أخذ السلطان منه بعض ثمرته مقاسمة على وجه الخراج من أرض الصلح أنه يحتسب بها من العشر وهذا ظاهر لان المأخوذ منه مقاسمة مأخوذ من ثمرته وقد أخذ منه بجهة باطلة وعليه حق في الثمرة بوجه صحيح فيحتسب بذلك من الواجب الذي عليه ونظيره أن تؤخذ منه زكاة عن مال قد خرج عن ملكه ظلما وعدوانا فيحتسب به من زكاة في ملكه من جنسه فأما أن أخذ منه على وجه الخراج فاحتسب به من العشر فقد اختلف الجنسان.

ونقل حرب أنه سئل اسحق بن راهويه عن قناة عندهم كانت عشرا فجاء سلطان جائر فحولها إلى الخراج هل يحل لنا أن ندخر عنهم شيئا قال: هي عشر كما كانت وقال: يحل ذلك ورخص فيه يعني الادخار وهذا يشعر بانه لا يحتسب بما يأخذه من الخراج ظلما من العشر اللهم الا أن يكون هذا الظالم يجمع بين أخذ الخراج الذي أحدثه والعشر وقد اختلف الاصحاب في محل الروايتين في الاحتساب بالزيادة التي يأخذها الساعي ظلما فمنهم من حكاها على الاطلاق كأبي بكر وغيره ومنهم من نزلها على اختلاف حالين ثم اختلفوا فقالت طائفة منهم ان كان المال المأخوذ باقيا في يد الساعي أو الامام ونوى به صاحبه الزكاة أجزأه وان تلف قبل ذلك لم

ص: 154

يجزأه. ونزلوا الروايتين على ذلك ومنهم القاضي أبو يعلى. وقالت طائفة: إن نوى عند أخذ الساعي التعجيل أو نحوه اعتد بذلك والا فلا ونزلوا الروايتين على سبيل الغصب لم يعتد بها وان كان أخذها على وجه الزكاة ونوى الدافع التعجيل أو نحوه اعتد بها ونزلوا الروايتين على ذلك ومنهم صاحب المحرر في شرح الهداية ونزل حفيده أبو العباس الروايتين على أن الساعي ان اعتد له بها ظلمه اجزأته وإلا لم يجزه وفي كلام أحمد ما يشهد لطريقة أبي البركات.

ففي مسائل أبي داود قلت لأحمد: بلاد صالحوا على مال مسمى فكان على أرض رجل مائة درهم فيخرج عليه أعني زيادة على المائة قلت فيحتسب الزيادة التي زادوا عليه من العشر. قال: لا، قال: هذا مثل غصب يغصب هذا على أنه يؤخذ منه يعين عليه مثل مؤنة بحفر الانهار والمؤن التي تلزم صاحب الارض وآخر الرواية بدل على أنه إن أخذ منه بسبب الخراج احتسب به من العشر وان أخذ منه بسبب آخر غير الخراج من مؤن الارض ونحوها لم يحتسب فتتفق حينئذ رواية حرب السابقة ورواية أبي داود

انتهى ما ذكره الشيخ فسح الله في مدته والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 155