الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب على أي وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب من النبط العشر؟ فقال ابن شهاب: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية قبل البعثة، فألزمهم ذلك عمر" باجتهاده، بمحضر الصحابة، ولم ينكر عليه أحد منهم، وبمثل هذا يستقر الحكم، الحكم اجتهاد من خليفة راشد، أمرنا بالاقتداء به، وباتباع سنته، ولم يخالفه أحداً من الصحابة -رضوان الله عليهم-، فيكون سنة، ولا يستدل بهذا أو يتمسك به على تجويز المكوس التي جاء تحريمها، وقد جاء في الزانية التي رجمت لو تابت ((لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس)) دليل على عظم الأمر في المكوس وشأنها، نعم.
باب اشتراء الصدقة والعود فيها:
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال سمعت: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول: "حملت على فرس عتيق في سبيل الله، وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل على فرس في سبيل الله، فأراد أن يبتاعه فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)).
قال يحيى: سئل مالك –رحمه الله عن رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع أيشتريها؟ فقال: "تركها أحب إلي".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب اشتراء الصدقة والعود فيها:
يعني ممن تُصدق بها عليه؛ لأنها مظنة أن يترك شيئاً من قيمتها لمن تصدق بها عليه؛ لأن النفوس جبلت على مثل هذا، على حب من أحسن إليها، وهذا قد أحسن إليه، فلا بد أن يترك له شيئاً من قيمتها، فيكون عائداً في هذا القدر الذي ترك له، ولذا قال:((كالكلب يعود في قيئه))، ((العائد في صدقته كالكلب)) يقول: أنا ما عدت اشتريت، نقول: هذا القدر الذي ترك من أجلك عود في جزء منها، قد يقول قائل: خرج بها المتصدق عليه بالسوق، وسيمت في السوق، ووقفت على سعر معين وزدت عليه، هل يتصور أنه ترك لي شيئاً؟ نقول أيضاً: لا تشترِ،
ولو دفع بثمنها، حسماً للمادة، وسداً للباب، يعني اليوم تشتري بزيادة، لكن غداً؟ وبعد غد؟ يعني إذا فتح الباب لا شك أنه يلج فيه من يتساهل في هذا الأمر؛ لأن النفس قد تتورع في أول الأمر وتحتاط، لكن بعد ذلك تتساهل، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يحسم المادة، ويقطع الطريق على من أراد التحايل في الرجوع على صدقته، طيب تصدق على طالب علم بكتاب، هذا الكتاب عنده مثله، نعم في وقت البذل ما يعرف هذا أنه عنده، وإلا في وقته يقول: هذا الكتاب لا أريده عندي مثله أعطني غيره، لكن أخذه على أساس أنه يستفيد منه، ثم بعد ذلك لما علم المتصدق أن عنده نسخة ثانية من قبل أراد أن يأخذه منه، ويعطيه غيرها ليستفيد منها، له ذلك وإلا ليس له ذلك؟ إنما يقال: بع هذا الكتاب واشترِ بقيمته كتاباً آخر، قد يتضرر ببيعه؛ لأن الجلب ما هو مثل الطلب، يعني كتاب افترض أنه بمائة ريال، إذا ذهب به إلى الكتاب المستعمل قالوا: خمسين، وهو بإمكان المتصدق الذي أعطاه إياه يأخذ ويعطيه كتاب آخر بقيمته بمائة ريال، يعني التهمة مندفعة، لكن سد الباب هو الذي جاء به الخبر.
يقول: "حدثني
…
" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العائدُ نعم في هبته، هنا ((العائد في صدقته كالكلب)) وأيضاً النص الأعم ((العائد في هبته)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنها جاء بها النص، النص في الصحيحين:((العائد في هبته كالكلب)) نعم.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال سمعت: عمر بن الخطاب يقول: "حملت على فرس عتيق في سبيل الله" حملت على فرس، بعض الروايات: تصدقت بفرس، وهو بمعنى الحمل، حمل يعني أراد أن يجاهد عليه في سبيل الله ممن يحتاج إليه، فتصدق به عليه، في طبقات ابن سعد جاء تسمية الفرس بالورد، وكان هذا الفرس لتميم الداري، فأهداه للنبي عليه الصلاة والسلام، فأعطاه النبي عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب، وهذا يرد قول من يقول وإن كان مستفيض عند العامة أن الهدية لا تهدى، لا يتصرف فيها الهدية، هذا الكلام ليس بصحيح، الهدية تمليك يصنع بها من ملكها ما شاء.
"حملت على فرس عتيق في سبيل الله" والمراد في سبيل الله هنا الجهاد، لكن لو وجد طالب علم يتردد على الدروس، وقت في شمال الرياض، ووقت في جنوبه، والثالث في غربه، والرابع في شرقه، وجاء شخص تصدق بسيارة من النوع الرخيص، وقال: تحملك هذه، توديك من درس لدرس، نقول: هذا في سبيل الله؟ نعم، الاسم العام في سبيل الله، شيخ الإسلام قاس طلب العلم على الجهاد من وجوه.
المقصود أن مثل هذا في سبيل الله في مصارف الزكاة، الأكثر على أنه خاص بالجهاد، ولا يلحق به غيره، وإن رأى بعضهم أن أبواب الخير كلها في سبيل الله، لكن في أبواب .. ، مصرف من مصارف الزكاة الثمانية المراد به الجهاد في سبيل الله، في حديث:((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) هل المقصود به في سبيل الله، يعني في الجهاد؟ هكذا فهم البخاري -رحمه الله تعالى- وأدخل الحديث في كتاب الجهاد، بينما غيره يفهم أن المراد في سبيل الله يعني خالص لوجه الله؛ لأن الصيام نفعه متعدٍ، يعني الناس ويش يستفيدون من كون فلان المجاهد صائم؟ بل عدم الصيام ليتقوى على العدو أفضل من الصيام في الجهاد، النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم بالفطر، المقصود أن كلمة في سبيل الله تأتي بإزاء أكثر من معنى.
"وكان الرجل" يقول ابن حجر: لم أقف على اسمه "الذي هو عنده قد أضاعه" يعني أهمله، أهمل الفرس ما قام بحقه، قد أضاعه، فحصل فيه هزال وضعف "فأراد أن يبيعه" هذا نتيجة الضياع والتضييع، يدل على أنه ليس بحاجة إليه، وإلا الإنسان إذا أحس بالحاجة إلى الشيء اهتم به، وفي النهاية أراد البيع، يقول:"فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص" لأنه هزيل "فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد)) " يعني هل التنزل هنا في القيمة له مفهوم؟ يعني لو أعطاه بأقل من درهم يشتري وإلا ما يشتري؟ لو أعطاه بضعف قيمته إنما هذا مبالغة في المنع من اشترائه، وأنه لا يحل لك بحال، ((فإن العائد)) هذه العلة ((فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)) وذكرنا وجه تسمية من اشترى الصدقة عائد؛ لأنه إذا نزلت قيمته ولو بجزء يسير صار عائداً به مقابل هذا النازل، ولا يرد على هذا أنه إذا اشتراه بقيمته يحل، قلنا: إن هذا من باب حسم المادة، وإلا فالأصل أنه إذا كان بقيمته، أو بأكثر من قيمته فإن العلة ترتفع، لكن أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يحسم المادة، واستدل به –بالحديث- على تحريم ذلك؛ لأن القيء حرام، والمشبه كالمشبه به، وهذا وجه الشبه في التحريم.
يقول القرطبي: وهذا هو الظاهر من سياق الحديث، من شراء الصدقة والعود في الهبة كله حرام؛ لأنه شبه بالحرام.
قالوا: ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصة، لكون القيء مما يستقذر، وهو قول الأكثر، أنه لا يصل إلى درجة التحريم، وإنما للكراهة، وحينئذٍ يكون التشبيه من وجه دون وجه؛ لأن العود في القيء حرام بلا شك، لكنه مما يستقذر، فيكون شراء الصدقة مما يستقذر، وإن لم يكن حراماً، فيكون مشبهاً له من وجه دون وجه، ومر بنا مراراً أن التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه، فقد جاء تشبيه المحبوب بالمذموم في مواطن، يعني جاء تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، هذا محمود ومحبوب، وهذا مذموم جاءت النصوص بمنعه، لكن المشابهة من وجه دون وجه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الذي يظهر التحريم واضح، واضح إيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين اشتراها؟ بينهم اتفاق أنه يشتريها له؟ يعني قال له: اذهب فاشتر لي الكتاب الفلاني، ووجد هذه النسخة تباع، وكان هذا أهداها وكيله يعني، وكيله يقوم مقامه، وإن كانت العلة أنه ما في أدنى ارتباط بين العلة والمعلول هنا، قد يكون صاحب الكتاب الذي تصدق به عليه وضعه في الكتاب المستعمل ولا يدري من أراد الشراء، فيستوي المتصدق وغيره، ومع ذلك يقال: لا تشتره، وإن تيسر لا تشتره أنت ولا وكيلك، فهو أفضل حسماً للمادة، وسداً لهذا الباب.
إذا ورثه تصدق به على أخيه، على عمه، على ابن أخيه، المقصود أنه آل إليه بالإرث حينئذٍ لا يكره، وبعضهم قال: إذا ورثه يتصدق به؛ لأنه أخرجه لله فلا يعود إليه بأي حال من الأحوال، فيتصدق به، لكن إذا ورثه انتفت العلة، والإرث لا يشابه البيع والشراء، يعني انتقل إلى شخص ثاني، ثم انتهى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، يعني هل يتصور أن هؤلاء يتنازلون عن شيء من قيمتها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو أصل بيت المال التعامل معه يختلف عن التعامل مع الجهات الأخرى، طرداً وعكساً.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم على هذا الحديث بقوله: باب هل يشتري صدقته؟ ولا بأس أن يشتري صدقة غيره؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما نهى المتصدق خاصة عن الشراء، ولم ينهَ غيره، يعني هل المنع منها لأنها صدقة أو لأنها صدقة منه؟ لأن صدقة منه، فإذا تصدق على زيد من الناس وملك هذه الصدقة يتصرف بها كيفما شاء، فيبيعها على غيره.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس" الأول من مسند عمر، يقول أسلم: سمعت عمر، وهو يقول: حملت، سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: حملت، فالخبر من مسند عمر، والثاني عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل، عبد الله بن عمر هو الذي يسوق قصة، فهي من مسنده.
"أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله، فأراد أن يبتاعه -يعني يشتريه- فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)) " في رواية البخاري، وفي ذلك كان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- لا يترك أن يبتاع شيئاً تصدق به إلا جعله صدقة، لا يترك ابن عمر، هذا في البخاري، لا يترك أن يبتاع شيئاً تصدق به إلا جعله صدقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
يشتريه ويتصدق به ثانية، نعم.
يقول ابن حجر: كأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها، لا لمن أراد أن يتصدق بها، يعني هو لا يحوز شيئاً لحظ نفسه بهذا التصرف، إنما تصدق بها في المرة الأولى ونال أجرها، فأراد أن يتصدق بها ثانية لينال أجرها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو العموم يدخل في مثل هذه الصورة، لكن إذا أراد أن يتصدق بها بالكلية، ما هي بنظير ما قلنا فيمن قربت عليه زكاة عرض من عروض التجارة فتصدق به بالكلية، كامل، وعموم الحديث -خبر عمر- يشمل هذا وهذا، يشمل من أراد أن يتصدق، من أراد أن يهب، من أراد أن يبيع، من أراد أن يتملك يشمل الجميع؛ لأنه يصدق عليه أنه اشترى صدقته، فعموم الحديث يشمل مثل هذا.
ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- فهم أنه إذا أراد أن يشتريها ليتملكها بخلاف ما إذا أراد أن يتصدق بها ثانية، فإذا أحسن على الأول بهذه الصدقة، ثم أحسن عليه بقيمتها، ثم أحسن على شخص ثالث بالصدقة بها مرة ثانية، هذا فهمه -رضي الله تعالى عنه-، ومن حيث المعنى معقول، لكن عموم الحديث يشمل مثل هذه الصورة.
"قال يحيى: سئل مالك عن رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع أيشتريها؟ فقال: "تركها أحب إلي" وهذا من الورع، تركها أحب إلي؛ لأنه لا فرق بين اشترائها من نفس من تصدق بها عليه، أو من غيره في المعنى، وكل هذا حسماً للتحايل على الرجوع في الصدقة، وسداً لباب ذلك التصرف.
المقصود أن مثل هذا الباب ينبغي حسمه، ومن يتصدق بشيء أو يبيع سلعة مثلاً قد يجد في نفسه الرغبة فيها بعد ذلك، فيتمنى أن يجدها تباع فيشتريها محتاجاً لها، وقد ترتفع العلة، لكن كل هذا من باب حسم المادة.