المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في الوليمة - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٩٦

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في الوليمة

هذه ارتحلت إلى اليمن، حتى قدمت عليه فدعته إلى الإسلام فأسلم، هذا يدل على أن المرأة لا شك أن لها تأثير على الزوج.

"وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحاً" عكرمة بن أبي جهل أحد الشجعان المعروفين، له أثر وغناء في الحروب، هذا يفرح بإسلامه "وثب إليه فرحاً، وما عليه رداء حتى بايعه فثبتا على نكاحهما ذلك".

"قال مالك: وإذا أسلم الرجل قبل امرأته وقعت الفرقة بينهما" يعني ما ينتظر إلى عدة، إذا أسلمت قبله ينتظر إلى انتهاء العدة، لكن إذا أسلم قبلها وقعت الفرقة فوراً، إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العظيم:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [(10) سورة الممتحنة] " لا تمسكوا، لا مدة طويلة ولا قصيرة، يعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا لزمت الفرقة.

ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إغاثة اللهفان في باب الحيل امرأة حاولت فراق زوجها بشتى الوسائل بالطلاق، بالخلع، بأي وسيلة فعجزت، تمسك بها، فأفتاها من أفتاها بأن ترتد، نسأل الله العافية؛ لأنها إذا ارتدت خلاص انتهت، يجب عليه فراقها؛ لأن الله -جل وعلا- يقول:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [(10) سورة الممتحنة] فسئل ابن المبارك قال: من أفتى بهذه الفتوى فقد كفر، وقال بهذا القول جمع من أهل العلم، ولا شك أن فيه تحذير وتنفير من مثل هذه الفتوى، وتشديد في أمرها، والأمر عظيم، خطير أن يفتى المرء بأن يكفر، نسأل الله العافية.

سم.

أحسن الله إليك.

‌باب: ما جاء في الوليمة

حدثني يحيى عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((كم سقت إليها؟ )) فقال: زنة نواة من ذهب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أولم ولو بشاة)).

ص: 24

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم".

وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها)).

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: "شر

الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء، ويترك المساكين، ومن لم يأتِ الدعوة فقد عصى الله ورسوله".

وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- يقول: إن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس رضي الله عنه: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرب إليه خبزاً من شعير، ومرقاً فيه دباء، قال أنس -رضي الله تعالى عنه- فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم".

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء في الوليمة

ص: 25

والمقصود بها وليمة العرس، وهي في الأصل على الزوج في اليوم الأول من أيام النكاح، وإجابتها واجبة إذا لم يكن ثم منكر، أما إذا كان ثم منكر، ولا يستطيع الإنكار ولا التغيير فإنه لا يجوز له المجيء، وإذا جهل الأمر ثم حضر ووجد منكر، إن استطاع الإنكار والتغيير وإلا لزمه الانصراف، ومعلوم مستفيض ما في أفراح المسلمين في بلدان المسلمين من المنكرات التي تجعل الإنسان يعيد النظر في إجابة هذه الدعوات، بأن يجيب أهل الاستقامة، وأهل التحري، وأهل فرض الكلمة على غيره، وبعض الناس وإن كانوا من أهل الاستقامة إلا أنه يغلب في هذا الباب، وإذا كان سلمان وأبو الدرداء أجابا دعوة ابن عمر، فلما رأيا الستور على الجدران رجعا ما طعما معه، فأين هذا المنكر من منكرات تحصل اليوم في أعراس المسلمين وفي أفراحهم؟! لا سيما في مجتمع ومحيط النساء، يحصل أشياء مجرد ذكرها أو مجرد تخيل وقوعها بين نساء المسلمين يعتصر له القلب، يعني يحصل أشياء في داخل القصور، وفي حواليها، مما يعرفه أهل الحسبة أكثر من غيرهم، فالمتحري الحريص على عرضه وعلى نفسه يدرس وضع الداعي قبل أن يستجيب هو بنفسه أو يزج بأهله، بزوجته، ببناته إلى هذه المجتمعات التي فيها من المنكرات اللازمة والمتعدية أيضاً؛ لأنه إضافة إلى ما يتصف به بعض النساء من التحلل أيضاً قد يتعدد هذا الضرر وهذا الشر بالتصوير وغيره، حصل كوارث، حصل فواجع من هذا الاختلاط المشين، وإذا كان في بلادنا -ولله الحمد- لا يختلط الرجال بالنساء لكن المنكرات موجودة، وهي كافية في عدم الإجابة، فالذي يمنع منعاً باتاً زوجته أو زوجاته أو يمنع بناته من حضور هذه الأفراح له عذره، ولا يأثم بذلك، بل هو مأجور -إن شاء الله تعالى-، ولو كانت الدعوة من أقرب الناس إليه؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكيف إذا وجدت هذه الأعراس في بلدان يختلط فيها الرجال بالنساء، ويحصل ما يحصل من منكرات، مما يعرفها أهل تلك البلاد، ومن حضرهم من غيرهم.

ص: 26

يقول -رحمه الله تعالى-: "وحدثني يحيى عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة" ردع أو ردغ من زعفران، وقد جاء النهي عن لبس الثوب المزعفر، وأجاب أهل العلم عن مثل هذا بأنه لحق ثوبه من ثوب امرأته من غير قصد، أو أنه يتجاوز في وقت في أيام العرس أكثر من غيرها، لكن الجواب المرضي عند أكثر أهل العلم أنه لصق به من ثوب امرأته من غير قصد.

"وبه أثر صفرة، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج" يعني ما هذا الأثر؟ "أنه تزوج، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كم سقت إليها؟ )) فقال: زنة نواة من ذهب" منهم من يقول: إن زنة النواة معيار محدد عند أهل الذهب، ومنهم من يقول: إن المراد بالنواة نواة التمر، بقدرها من الذهب "فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أولم ولو بشاة)) " أمر، مما يدل على وجوب الوليمة، ولو بشاة، يعني أقل شيء تكون الشاة، والنبي عليه الصلاة والسلام أولم بأقل من ذلك، وغيره أولم بأقل من ذلك، لكن مثل هذا الأمر يتجه إلى مثل عبد الرحمن بن عوف؛ لأنه قادر ومستطيع، فالقادر والمستطيع لا تقل الوليمة عنده عن شاة، وغيره كل بقدره وحسبه.

قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم" لأنه لا يتيسر له عليه الصلاة والسلام في كل وقت، وفي كل حين الخبز واللحم، ويرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في بيته عليه الصلاة والسلام نار.

قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها)) " هذا يدل على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس بالشرط المعروف عند أهل العلم إذا لم يكن ثم منكر.

ص: 27

قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول: "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء، ويترك المساكين" لماذا يدعى الأغنياء ويترك المساكين؟ لأن الظرف ظرف مباهاة، الزوج يريد أن يتجمل عند أصهاره، عند أنسابه، فلا يأتي بمساكين، يأتي بأعيان ووجهاء ليبين أن له قيمة، وأن له مركز اجتماعي ومرموق، لكن لو جمع المساكين والفقراء وذهب بهم وترك هؤلاء الأغنياء يخيل إليه أنه يسقط من عيون أصهاره وأنسابه، وعرفنا من كبار أهل العلم من يكثر المساكين على مائدته، ويجلسون مع الأغنياء ولا فرق، وقد يقدمون عليهم، وما زادهم ذلك عند الله -جل وعلا-، وعند خلقه إلا رفعة، والله المستعان.

"يدعى لها الأغنياء، ويترك المساكين، ومن لم يأتِ الدعوة فقد عصى الله ورسوله" هذا يدل على وجوب إجابة الدعوة، ومع الأسف الأيام التي نعيشها تفاوت تصورات الناس، وفساد تصوراتهم، يوجد في كثير من الناس، يعني ليسوا قلة، تجد من الناس من إذا دعي تضايق تضايقاً شديداً، وعد هذا تكليف بما لا يطاق، وإذا لم يدعَ هذا الذي تضايق لو لم يدعَ لوقع في نفسه أمر عظيم، فكيف إذا دعي تضايق، وإذا لم يدعَ حصل في نفسه هذا الأمر؟ لا شك أن هذا من فساد القلوب، وتغير الفطر، وإلا فالأصل إن كنت صادقاً في أنك لا تستطيع الحضور، أو يشق عليك الحضور، أن تفرح إذا لم تدعَ، ما هو بيقع في نفسك أنك لم تدع، وأنك أهملت، وأنك لا تستحق الدعوة، أو يخيل لك الشيطان ويوسوس لك ما يوسوس، وإن كنت بالفعل تتضايق إذا لم تدعَ، فكيف تتضايق إذا دعيت؟ والله المستعان، والنفوس مشحونة بمثل هذه التصرفات.

قال: "وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: إن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام" النبي عليه الصلاة والسلام لا يرد الداعي، يجيب الدعوة عليه الصلاة والسلام جبراً لخاطر الداعي.

ص: 28

فقرب إليه خبزاً من شعير ومرقاً فيه دباء، وأضافه يهودي فأجاب الدعوة من باب التأليف، وقدم له خبز من شعير وإهالة سنخة، يعني متغيرة، أشرف الخلق يقدم له هذا، لكن الواحد منا لو يدعى إلى وليمة، أو إلى طعام، ويقدم له شيء أقل مما توقع صار في نفسه مثل الجبل، وهو لن يأكل ولا عشر معشار ما قدم، لكن هكذا النفوس، يعني عودت على شيء فيصعب فطامها عنه.

"فقرب إليه خبزاً من شعير، ومرقاً فيه دباء" واحد من المشايخ العباد المعروفين توفي -رحمه الله تعالى-، قال له شخص: عندي لك هدية يا أبا فلان، ثم رآه مرة ثانية فقال: عندي لك هدية، ثم رآه ثالثة قال: عندي لك هدية يا فلان، ونسيت أحضرها، أحضرها لك في المسجد في صلاة كذا، فلما صلى في الوقت المحدد وإذا بالهدية معه، وإذا به سواك أعوج، تكرر الأمر ثلاث مرات أو أربع مرات، عندي هدية، وبالنهاية سواك أعوج! ثم رجع إلى نفسه، فقال: هو محسن على كل حال، قل المهدى أو كثر، هذا إحسان منه، دون مقابل، فليس له من الجزاء إلا أن أدعو له، ثم رجع إلى نفسه يعاتبها المنة والفضل أولاً وآخراً لله -جل وعلا-، الذي خلقك من عدم، ورزقك وجعلك مسلماً، وجعلك من أهل طاعته، وذكره وشكره، ومن أهل العلم، ومن أهل الفضل، والله المستعان، وتقدم له من العبادات التي افترضها عليك ما هو من العوج بمثابة هذا السواك، رجع إلى نفسه يؤنبها، لكن لو يؤتى بمثل هذا السواك يمكن يرميه عليه، وقد يتكلم عليه، إيش معنى هدية هدية وفي النهاية سواك أعوج؟! والله المستعان.

الرسول عليه الصلاة والسلام يقرب إليه خبز من شعير ومرق فيه دباء، قرع "قال أنس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء" كان يحبها، يتتبع الدباء من حول القصعة، وهذا إذا كان المقدم له أجزاء ينفصل بعضها عن بعض لا بأس من الاختيار، كالتمر والدباء، وما أشبه ذلك، واللحم أيضاً، لكن إذا كان متساوياً فكل مما يليك "فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم" يقوله أنس؛ لمحبة الرسول عليه الصلاة والسلام إياها، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 29