الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَاوَى مُسْلِمًا فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ أبي أُسَامَةَ فَعَلَا برجل والله أعلم
(باب بيان أن تخييره امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ)
[1475]
قَوْلُهُ (لَمَّا أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ إِنِّي ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ إِنَّمَا بَدَأَ بِهَا لِفَضِيلَتِهَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي) مَعْنَاهُ ما يضرك أن لا تَعْجَلِي وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا هَذَا شَفَقَةً عَلَيْهَا وَعَلَى أَبَوَيْهَا وَنَصِيحَةً لَهُمْ فِي بَقَائِهَا عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ خَافَ أَنْ يَحْمِلَهَا صِغَرُ سِنِّهَا وَقِلَّةُ تَجَارِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِ الْفِرَاقِ فَيَجِبُ فِرَاقُهَا فَتُضَرُّ هِيَ وَأَبَوَاهَا وَبَاقِي
النِّسْوَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ ثُمَّ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْخَيْرِ وَإِيثَارِ أُمُورِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا وَفِيهِ نَصِيحَةُ الْإِنْسَانِ صَاحِبَهُ وَتَقْدِيمُهُ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ
[1476]
قَوْلُهَا (إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ عَلَى نَفْسِي أَحَدًا) هَذِهِ الْمُنَافَسَةُ فِيهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاعِ وَلِمُطْلَقِ الْعِشْرَةِ وَشَهَوَاتِ النُّفُوسِ وَحُظُوظِهَا الَّتِي تَكُونُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ بَلْ هِيَ مُنَافَسَةٌ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ وَفِي خِدْمَتِهِ وَمُعَاشَرَتِهِ وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ وَفِي قَضَاءِ حُقُوقِهِ وَحَوَائِجِهِ وَتَوَقُّعُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَالْوَحْيِ عَلَيْهِ عِنْدهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَمِثْلُ هذا حديث بن عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ فِي الْقَدَحِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ
[1477]
قَوْلُهَا (خَيَّرَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نَعُدَّهُ طَلَاقًا) وَفِي رِوَايَةٍ فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا وَفِي رِوَايَةٍ فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلَاقًا وَفِي رِوَايَةٍ فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعْدُدْهَا عَلَيْنَا شَيْئًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَمْ يَعُدَّهَا عَلَيْنَا شَيْئًا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ نَفْسَ التَّخْيِيرِ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ سَوَاءٌ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَمْ لَا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَالنَّقَّاشُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي
لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ هُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ ولعل
الْقَائِلِينَ بِهِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1478]
قَوْلُهُ (وَاجِمًا) هُوَ بِالْجِيمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي اشْتَدَّ حُزْنُهُ حَتَّى أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ يُقَالُ وَجَمَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وُجُومًا قَوْلُهُ (لَأَقُولَنَّ شَيْئًا يُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ اسْتِحْبَابُ مِثْلِ هَذَا وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى صَاحِبَهُ مَهْمُومًا حَزِينًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ بِمَا يُضْحِكُهُ أَوْ يُشْغِلَهُ وَيُطَيِّبَ نَفْسَهُ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَوْلُهُ (فَوَجَأْتُ عنقها) وقوله
يَجَأُ عُنُقَهَا هُوَ بِالْجِيمِ وَبِالْهَمْزَةِ يُقَالُ وَجَأَ يجأ اذا طعن
[1479]
قَوْلُهُ (عَنْ سِمَاكٍ أَبِي زُمَيْلٍ) هُوَ بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْحِ الْمِيمِ قَوْلُهُ (فَإِذَا النَّاسُ يُنَكِّتُونَ بِالْحَصَى) هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ بَعْدَ الْكَافِ أَيْ يضربون الأرض كفعل المهموم المفكر قولها (فَإِذَا النَّاسُ يُنَكِّتُونَ بِالْحَصَى) هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ بَعْدَ الْكَافِ أَيْ يَضْرِبُونَ الْأَرْضَ كَفِعْلِ الْمَهْمُومِ الْمُفَكِّرِ قَوْلُهَا (عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ) هِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثم ياء مثناة تحت ثم ياء موحدة والمراد عليك بوعظ بنتك حَفْصَةَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَيْبَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وِعَاءٌ يَجْعَلُ الْإِنْسَانُ فِيهِ أَفْضَلَ ثِيَابِهِ وَنَفِيسَ مَتَاعِهِ فَشَبَّهَتِ ابْنَتَهُ بِهَا قَوْلُهُ (هُوَ فِي الْمِشْرَبَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا قَوْلُهُ (فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (قَاعِدًا عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمِشْرَبَةِ) هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهِيَ عَتَبَةُ الْبَابِ السُّفْلَى قَوْلُهُ (عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ) هو بنون
مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَوْجُودُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ بِالْفَاءِ بَدَلَ النُّونِ وَهُوَ فَقِيرٌ بِمَعْنَى مَفْقُورٍ مَأْخُوذٌ مِنْ فَقَارِ الظَّهْرِ وَهُوَ جِذْعٌ فِيهِ دَرَجٌ قَوْلُهُ (وإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَهُوَ الْجِلْدُ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ دِبَاغُهُ وَجَمْعُهُ أَفَقٌ بِفَتْحِهَا كَأَدِيمِ وَأَدَمٍ
وَقَدْ أَفَقَ أَدِيمَهُ بِفَتْحِهَا يَأْفِقُهُ بِكَسْرِ الْفَاءِ قَوْلُهُ (تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ) أَيْ زَالَ وَانْكَشَفَ قَوْلُهُ (وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ) هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ أَبْدَى أَسْنَانَهُ تَبَسُّمًا ويقال أيضا في الغضب وقال بن السِّكِّيتِ كَشَرَ وَبَسَمَ وَابْتَسَمَ وَافْتَرَّ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَإِنْ زَادَ قِيلَ قَهْقَهَ وَزَهْدَقَ وَكَرْكَرَ قَوْلُهُ (أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ أَيْ أَسْتَمْسِكُ
قوله (فبينما أنا في أمر أئتمره) مَعْنَاهُ أُشَاوِرُ فِيهِ نَفْسِي وَأُفَكِّرُ وَمَعْنَى بَيْنَمَا وَبَيْنَا أَيْ بَيْنَ أَوْقَاتِ ائْتِمَارِي وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ
قَوْلُهُ (حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى حَفْصَةَ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ قَوْلُهُ (وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ) فِي هَذَا اسْتِحْبَابُ حُضُورِ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَاسْتِحْبَابُ التَّنَاوُبِ فِي حُضُورِ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لِكُلِّ وَاحِدٍ الْحُضُورُ بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ (مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ) الْأَشْهَرُ تَرْكُ صَرْفِ غَسَّانَ وَقِيلَ يُصْرَفُ وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ جَاءَ الْغَسَّانِيُّ فَقَالَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ) فِيهِ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عَلَيْهِ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِأَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقَلَقِ التَّامِّ لِمَا يُقْلِقُهُ أَوْ يُغْضِبُهُ قَوْلُهُ (رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِهَا يُقَالُ رَغِمَ يَرْغَمُ رَغْمًا
وَرُغْمًا وَرِغْمًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا أَيْ لَصِقَ بِالرِّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَنْ عَجَزَ مِنَ الِانْتِصَافِ وَفِي الذُّلِّ وَالِانْقِيَادِ كَرْهًا قَوْلُهُ (فَآخُذُ ثَوْبِي فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّجَمُّلُ بِالثَّوْبِ وَالْعِمَامَةِ وَنَحْوِهِمَا عِنْدَ لِقَاءِ الْأَئِمَّةِ وَالْكِبَارِ احْتِرَامًا لَهُمْ قَوْلُهُ (فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْتَقِي اليها بعجلها) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَجَلِهَا وَفِي بَعْضِهَا بِعَجَلَتِهَا وَفِي بَعْضِهَا بِعَجَلَةٍ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَالْأَخِيرَةُ أجود قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ هِيَ دَرَجَةٌ مِنَ النَّخْلِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ جِذْعٌ قَوْلُهُ (وَأَنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَضْبُورًا) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ مَضْبُورًا بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ أَيْ مَجْمُوعًا قَوْلُهُ (وَعِنْدَ رَأْسِهِ أُهُبًا مُعَلَّقَةً) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ وَبِضَمِّهِمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ جَمْعُ إِهَابٍ وَهُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ الدِّبَاغِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ الْجِلْدُ مُطْلَقًا وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ (فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَا ترضى أن يكون لَهُمَا الدُّنْيَا وَلَكَ الْآخِرَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي الأصول
وَلَكَ الْآخِرَةُ وَفِي بَعْضِهَا لَهُمُ الدُّنْيَا وَفِي أَكْثَرِهَا لَهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَكَانَ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا) هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْإِيلَاءِ الْمَعْرُوفِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَلَا لَهُ حُكْمُهُ وَأَصْلُ الْإِيلَاءِ فِي اللُّغَةِ الْحَلِفُ عَلَى الشَّيْءِ يقال منه آلى يؤالى ايلاء تَأَلِّيًا وَائْتَلَى ائْتِلَاءً وَصَارَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مُخْتَصًّا بِالْحَلِفِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إِلَّا مَا حُكِيَ عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ الْإِيلَاءُ الشَّرْعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجَةِ مِنْ تَرْكِ جِمَاعٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ إِنْفَاقٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِيلَاءِ لَا يُوجِبُ فِي الْحَالِ طَلَاقًا وَلَا كَفَّارَةً وَلَا مُطَالَبَةً ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهِ فَقَالَ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَمُعْظَمُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ الْمُؤْلِي مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ وقال الْكُوفِيُّونَ هُوَ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فأكثر وشذ بن أبي ليلى والحسن وبن شُبْرُمَةَ فِي آخَرِينَ فَقَالُوا إِذَا حَلَفَ لَا يُجَامِعُهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى مضت أربعة أشهر فهو مؤل وعن بن عُمَرَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَّتَ فِي يَمِينِهِ وَقْتًا وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ وَإِنَّمَا الْمُؤْلِي مَنْ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنهُمْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ قبل أربعة أشهر ولا خلاف أنه لَوْ جَامَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُجَامِعْ حَتَّى انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَقَالَ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَمِصْرَ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ كُلُّهُمْ يُقَالُ لِلزَّوْجِ إِمَّا أَنْ تُجَامِعَ وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَ فَإِنِ امْتَنَعَ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشافعي وأصحابه وعن مالك رواية كقول الكوفيون وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ الْقَاضِي عَلَيْهِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْجِمَاعِ
أَوِ الطَّلَاقِ وَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ إِنِ امْتَنَعَ واختلف الكوفيون هل يقع طلاق رجعى أم بائن فَأَمَّا الْآخَرُونَ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي يُوقِعُهُ هُوَ أَوِ الْقَاضِي يَكُونُ رَجْعِيًّا إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ لَا تَصِحُّ فِيهَا الرَّجْعَةُ حَتَّى يُجَامِعَ الزَّوْجُ فِي الْعِدَّةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَمْ يُحْفَظْ هَذَا الشَّرْطُ عَنْ أَحَدٍ سِوَى مَالِكٍ وَلَوْ مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ فِي الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ إِذَا طَلَّقَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِتِلْكَ الْأَقْرَاءِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِلْإِيلَاءِ أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَمَعَ قَصْدِ الضَّرَرِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكُونُ مُؤْلِيًا فِي كُلِّ حَالٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا إِذَا حلف لمصلحة ولده لفطامه وعن علي وبن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا إِلَّا إِذَا حَلَفَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ مَوْلَى الْعَبَّاسِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مَوْلَى الْعَبَّاسِ قَالُوا وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قال البخارى لا يصح قول بن عُيَيْنَةَ هَذَا وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ هُوَ مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحُفَّاظِ وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ عَلَى عَهْدِ قَالَ
الْقَاضِي إِنَّمَا قَالَ عَلَى عَهْدِهِ تَوْقِيرًا لَهُمَا وَالْمُرَادُ تَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُمَا تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ (فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ فَتَوَضَّأَ) فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهَا فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ لِعُذْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهَةٌ عَلَى
الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمَ) قَوْلُهُ أَنْ كَانَتْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُرَادُ بِالْجَارَةِ هُنَا الضَّرَّةُ وَأَوْسَمَ أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ وَالْوَسَامَةُ الْجَمَالُ قَوْلُهُ (غَسَّانُ تُنْعِلُ الْخَيْلَ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ
قَوْلُهُ (مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِمَالٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ يُقَالُ رَمَلْتُ الْحَصِيرَ وَأَرْمَلْتُهُ إِذَا نَسَجْتُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُفَضِّلُ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى لِمَا فِي مَفْهُومِهِ أَنَّ بِمِقْدَارِ مَا يَتَعَجَّلُ مِنْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا يَفُوتُهُ مِنَ الْآخِرَةِ مِمَّا كَانَ مُدَّخَرًا لَهُ لَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْهُ قَالَ وَقَدْ
يَتَأَوَّلُهُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ حَظَّ الْكُفَّارِ هُوَ مَا نَالُوهُ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ) أَيِ الْغَضَبُ
[1475]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ هَذَا الشَّهْرُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ احْتِجَابِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحَاجَاتِهِمُ الْمُهِمَّةِ وَفِيهَا أَنَّ الْحَاجِبَ إِذَا عَلِمَ منع الآذان بِسُكُوتِ الْمَحْجُوبِ لَمْ يَأْذَنْ وَالْغَالِبُ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَاتَّخَذَهُ حَاجِبًا وَاتَّخَذَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ وُجُوبُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى حَالَةٍ يُكْرَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ فِيهَا وَفِيهِ تَكْرَارُ الِاسْتِئْذَانِ إِذَا لَمْ يُؤْذَنْ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ الْجَلِيلِ وَغَيْرِهِ فِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا أَوْ بِنْتًا مُزَوَّجَةً لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وعمر رضي الله عنهما أدبا بنتيهما ووجأ كل واحد منهما بنته وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا وَالزَّهَادَةِ فِيهَا وَفِيهِ جَوَازُ سُكْنَى الْغُرْفَةِ ذَاتِ الدَّرَجِ وَاتِّخَاذِ الْخِزَانَةِ لِأَثَاثِ الْبَيْتِ وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَنَاوُبِهِمْ فِيهِ وَفِيهِ جَوَازُ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَأْخُذُ عَنْ صَاحِبِهِ الْأَنْصَارِيِّ وَيَأْخُذُ الْأَنْصَارِيُّ عَنْهُ وَفِيهِ أَخْذُ الْعِلْمِ عَمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ كَمَا أَخَذَ عُمَرُ عَنْ هَذَا الْأَنْصَارِيِّ وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى صَاحِبَهُ مَهْمُومًا وَأَرَادَ إِزَالَةَ هَمِّهِ وَمُؤَانَسَتِهِ بِمَا يَشْرَحُ صَدْرَهُ وَيَكْشِفُ هَمَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ