المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب المطلقة البائن لانفقة لها) - شرح النووي على مسلم - جـ ١٠

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب لاتحل الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)

- ‌(باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع)

- ‌(باب جَوَازِ جِمَاعِهِ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ قُدَّامِهَا وَمِنْ

- ‌(باب تحريم امتناعها من فراش زوجها)

- ‌(باب تحريم إفشاء الْمَرْأَةِ)

- ‌(بَابُ حُكْمِ الْعَزْلِ)

- ‌(باب تحريم وطء الحامل المسبية)

- ‌(باب جَوَازِ الْغِيلَةِ وَهِيَ وَطْءُ الْمُرْضِعِ وَكَرَاهَةِ الْعَزْلِ)

- ‌(باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء)

- ‌(باب الولد للفراش وتوقى الشبهات)

- ‌(باب العمل بإلحاق القائف الولد)

- ‌(باب قدر ما تستحقه البكر والثيب)

- ‌(حَقَّهَا وَأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بين ثلاث بلا قضاء وبين سبع ويقضى

- ‌(باب القسم بين الزوجات وبيان أن السنة)

- ‌(باب جَوَازِ هِبَتِهَا نَوْبَتَهَا لِضُرَّتِهَا)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ نِكَاحِ ذَاتِ الدِّينِ)

- ‌(باب استحباب نكاح البكر)

- ‌(باب الوصية بالنساء)

- ‌(كتاب الطلاق هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْإِرْسَالُ وَالتَّرْكُ

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ بِغَيْرِ رِضَاهَا)

- ‌(باب طلاق الثلاث)

- ‌(باب وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ حَرَّمَ امْرَأَتَهُ ولم ينو الطلاق

- ‌(باب بيان أن تخييره امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ)

- ‌(باب الْمُطَلَّقَةِ البائن لانفقة لَهَا)

- ‌(باب جواز خروج المعتدة البائن)

- ‌(باب انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا)

- ‌(باب وُجُوبِ الْإِحْدَادِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ (وَتَحْرِيمِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ

- ‌((لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ

- ‌(كِتَابُ الْلِّعَانِ اللِّعَانُ وَالْمُلَاعَنَةُ وَالتَّلَاعُنُ مُلَاعَنَةُ

- ‌(بَاب بَيَانِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ

- ‌(باب النهى عن بيع الولاء وهبته)

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ تَوَلِّي الْعَتِيقِ غَيْرَ مَوَالِيهِ فِيهِ نَهْيُهُ صَلَّى

- ‌(بَاب فَضْلِ الْعِتْقِ قَوْلُهُ (دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ قَوْلُهُ

- ‌(باب فضل عتق الوالد[1510]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا

- ‌(كتاب البيوع قَالَ الْأَزْهَرِيُّ تَقُولُ الْعَرَبُ بِعْتُ بِمَعْنَى بِعْتُ

- ‌(باب ابطال بيع الملامسة والمنابذة[1511]قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ

- ‌(بَاب بُطْلَانِ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ غَرَرٌ)

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ بَيْعِ حبل الحبلة)

- ‌(بَابِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وسومه على سومه)

- ‌(قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَصْلَ الْمُصَرَّاةِ مَصْرُورَةٌ ابدلت إِحْدَى

- ‌(باب تحريم تلقى الجلب[1517]قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

- ‌(باب تحريم بيع الحاضر للبادى[1520]قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ

- ‌(باب حكم بيع المصراة قَدْ سَبَقَ بَيَانُ التَّصْرِيَةِ وَبَيَانُ

- ‌(باب بطلان بيع المبيع قبل القبض[1525]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(باب تحريم بيع صبرة التمر المجهولة القدر بتمر[1530]قَوْلُهُ

- ‌(بَاب ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ[1531]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

- ‌(إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ ففيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا

- ‌(بَاب مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ[1533]قَوْلُهُ (ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِغَيْرِ شَرْطِ

- ‌(باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا فيه

- ‌(باب من باع نخلا عليها تمر[1543]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ عن الْمُخَابَرَةِ وَبَيْعِ

- ‌(باب كراء الارض قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

- ‌(بَاب فَضْلِ الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ[1552]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَا

- ‌(باب وضع الجوائح[1554]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَوْ بِعْتَ مِنْ

- ‌(بَاب اسْتِحْبَابِ الْوَضْعِ مِنْ الدَّيْنِ[1557]قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ

- ‌(بَاب مَنْ أَدْرَكَ مَا بَاعَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ أَفْلَسَ فَلَهُ

- ‌(باب فضل أنظار المعسر والتجاوز (في الاقتضاء من

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ مَطْلِ الْغَنِيِّ وَصِحَّةِ الْحَوَالَةِ واستحباب قبولها

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ بَيْعِ فضل الماء الذى يكون بالفلاة ويحتاج

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ

- ‌(بَاب الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَبَيَانِ نَسْخِهِ وَبَيَانِ تَحْرِيمِ

- ‌(باب حل أجرة الحجامة ذكر فيه الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى

الفصل: ‌(باب المطلقة البائن لانفقة لها)

عُمَرُ رضي الله عنه أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي مِنَ الْكَلَامِ بِمَا لا يوافق صاحبه فيزيدهما وَرُبَّمَا أَحْرَجَهُ وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَرْتَضِيهِ وَهَذَا مِنَ الْآدَابِ الْمُهِمَّةِ وَفِيهِ تَوْقِيرُ الْكِبَارِ وخدمتهم وهيبتهم كما فعل بن عَبَّاسٍ مَعَ عُمَرَ وَفِيهِ الْخِطَابُ بِالْأَلْفَاظِ الْجَمِيلَةِ كَقَوْلِهِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ وَلَمْ يَقُلْ ضَرَّتُكِ وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ هَذَا لِمَا فِي لَفْظِ الضَّرَّةِ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَفِيهِ جَوَازُ قَرْعِ بَابِ غَيْرِهِ لِلِاسْتِئْذَانِ وَشِدَّةِ الْفَزَعِ لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ الْإِنْسَانِ إِلَى نَوَاحِي بَيْتِ صَاحِبِهِ وَمَا فِيهِ إِذَا عَلِمَ عَدَمَ كَرَاهَةِ صَاحِبِهِ لِذَلِكَ وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ فُضُولَ النَّظَرِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ وَشَكَّ فِيهَا وَفِيهِ أَنَّ لِلزَّوْجِ هِجْرَانَ زَوْجَتِهِ وَاعْتِزَالَهُ فِي بَيْتٍ آخَرَ إِذَا جَرَى مِنْهَا سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ رَغِمَ أَنْفُهُ إِذَا أَسَاءَ كَقَوْلِ عُمَرَ رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَآخَرُونَ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَفِيهِ فَضِيلَةُ عَائِشَةَ لِلِابْتِدَاءِ بِهَا فِي التَّخْيِيرِ وَفِي الدُّخُولِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب الْمُطَلَّقَةِ البائن لانفقة لَهَا)

فِيهِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ وَقِيلَ أَبُو حَفْصِ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِهِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى

ص: 94

أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ اسْمُهُ أَحْمَدُ وَقَالَ آخَرُونَ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ وَقَوْلُهُ (إِنَّهُ طَلَّقَهَا) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي رَوَاهُ الْحُفَّاظُ وَاتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهِ الثِّقَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِمْ فِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوِ أَلْبَتَّةَ أَوْ آخِرَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَجَاءَ فِي آخِرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ مَا يُوهِمُ أَنَّهُ مَاتَ عَنْهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ هِيَ وَهَمٌ أَوْ مؤولة وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وأما قوله في رواية أنه طلقها ثلاثا وفي رواية أنه طلقها ألبته وفي رواية طلقها آخر ثلاث تطليقات وفي رِوَايَةٍ طَلَّقَهَا طَلْقَةً كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَفِي رِوَايَةٍ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا وَلَا غَيْرَهُ فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ هَذَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا هَذِهِ الْمَرَّةَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُطْلَقًا أَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَنْ رَوَى أَلْبَتَّةَ فَمُرَادُهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا صَارَتْ بِهِ مَبْتُوتَةً بِالثَّلَاثِ وَمَنْ رَوَى ثَلَاثًا أَرَادَ تَمَامَ الثَّلَاثَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى وَفِي رِوَايَةٍ لَا نَفَقَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السُّكْنَى وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ الحائل هل لها النفقة والسكنى أم لَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وآخرون لها السكنى والنفقة وقال بن عَبَّاسٍ وَأَحْمَدُ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وجدكم فهذا أمر بالسكنى وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِ امْرَأَةٍ جَهِلَتْ أَوْ نَسِيَتْ قَالَ الْعُلَمَاءُ الَّذِي فِي كِتَابِ رَبِّنَا إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ السُّكْنَى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا هَذِهِ زِيَادَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْ نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ لِوُجُوبِ السُّكْنَى بِظَاهِرِ قوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم وَلِعَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ مَعَ ظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن

ص: 95

فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنَّ حَوَامِلَ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِنَّ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِمَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً لِسَنَةً وَاسْتَطَالَتْ على أحمائها فأمرها بالانتقال عند بن أُمِّ مَكْتُومٍ وَقِيلَ لِأَنَّهَا خَافَتْ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِا أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ وَلَا يُمْكِنُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْبَائِنُ الْحَامِلُ فَتَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَتَجِبَانِ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصَحُّ عِنْدنَا وُجُوبُ السُّكْنَى لَهَا فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ كَمَا لَوْ كَانَتْ حَائِلًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَجِبُ وَهُوَ غَلَطٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ) فِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ وَجَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَقَوْلُهُ وَكِيلُهُ مَرْفُوعٌ هُوَ الْمُرْسَلُ قَوْلُهُ (فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي) قال العلماء أم شريك هذه قرشية عامرية وقيل أنها أنصارية وقد ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ أَنَّهَا أَنْصَارِيَّةٌ وَاسْمُهَا غُزَيَّةُ وَقِيلَ غُزَيْلَةُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ زَايٍ فِيهِمَا وَهِيَ بِنْتُ دَاوُدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مُعَيْصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَقِيلَ فِي نَسَبِهَا غَيْرُ هَذَا قِيلَ إِنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ غَيْرُهَا وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَزُورُونَ أُمَّ شَرِيكٍ وَيُكْثِرُونَ التَّرَدُّدَ إِلَيْهَا لِصَلَاحِهَا فَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَلَى فَاطِمَةَ مِنَ الِاعْتِدَادِ عِنْدَهَا حَرَجًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمُهَا التَّحَفُّظُ مِنْ نَظَرِهِمْ إِلَيْهَا وَنَظَرِهَا إِلَيْهِمْ وَانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْهَا وَفِي التَّحَفُّظِ مِنْ هَذَا مَعَ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَتَرَدُّدِهِمْ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فأمرها بالاعتداد عند بن أُمِّ مَكْتُومٍ لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُهَا وَلَا يَتَرَدَّدُ إِلَى بَيْتِهِ مَنْ يَتَرَدَّدُ إِلَى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ نَظَرِهِ إِلَيْهَا وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ بَلِ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يغضوا من أبصارهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وَلِأَنَّ الْفِتْنَةَ مُشْتَرَكَةٌ وَكَمَا يَخَافُ الِافْتِتَانَ بِهَا تَخَافُ الِافْتِتَانَ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ

ص: 96

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم احْتَجِبَا مِنْهُ فَقَالَتَا إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَدْحِ مَنْ قَدَحَ فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مُعْتَمَدَةٍ وأما حديث فاطمة بنت قيس مع بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَلَيْسَ فِيهِ إِذْنٌ لَهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا تَأْمَنُ عِنْدَهُ مِنْ نَظَرِ غَيْرِهَا وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِغَضِّ بَصَرِهَا فَيُمْكِنُهَا الِاحْتِرَازُ عَنِ النَّظَرِ بِلَا مَشَقَّةٍ بِخِلَافِ مُكْثِهَا فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي) هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَعْلِمِينِي وَفِيهِ جَوَازُ التَّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ الْبَائِنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهمَا أَنَّهُ كَثِيرُ الْأَسْفَارِ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَثِيرُ الضَّرْبِ لِلنِّسَاءِ وَهَذَا أَصَحُّ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذِهِ أَنَّهُ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَطَلَبِ النَّصِيحَةِ وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ مِنَ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ الْغِيبَةَ تُبَاحُ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا الِاسْتِنْصَاحُ وَذَكَرْتُهَا بِدَلَائِلِهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ ثُمَّ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ (وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا الْجَهْمِ) هَذَا بِفَتْحِ الْجِيمِ مُكَبَّرٌ وَهُوَ أَبُو الْجَهْمِ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الانبجانية وهو غير أبو الْجُهَيْمِ الْمَذْكُورِ فِي التَّيَمُّمِ وَفِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي فَإِنَّ ذَاكَ بِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُمَا بِاسْمَيْهِمَا وَنَسَبَيْهِمَا وَوَصْفَيْهِمَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ فِي بَابِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَذَكَرْنَا أَنَّ أَبَا الْجَهْمِ هَذَا هُوَ بن حُذَيْفَةَ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يَنْسِبُوهُ فِي الرِّوَايَةِ إِلَّا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ أَحَدُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فَقَالَ أَبُو جَهْمِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو جَهْمِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ وَلَمْ يُوَافِقْ يَحْيَى عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَلَا غَيْرُهُمْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ

ص: 97

عَاتِقِهِ) الْعَاتِقُ هُوَ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالْمَنْكِبِ وَفِي هَذَا اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ وَجَوَازُ إِطْلَاقِ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ وَفِي مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ ثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ الْمُحَقَّرِ وَأَنَّ أَبَا الْجَهْمِ كَانَ يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ وَأَكْلِهِ وَغَيْرِهِمَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ كَثِيرَ الْحَمْلِ لِلْعَصَا وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قَلِيلَ الْمَالِ جِدًّا جَازَ إِطْلَاقُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِمَا مَجَازًا فَفِي هَذَا جَوَازُ اسْتِعْمَالِ مِثْلِهِ فِي نَحْوِ هَذَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ) هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَفِي هَذَا جَوَازُ ذِكْرِهِ بِمَا فِيهِ لِلنَّصِيحَةِ كَمَا سَبَقَ فِي ذِكْرِ أَبِي جَهْمٍ قَوْلُهَا (فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا الْجَهْمِ خَطَبَانِي) هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ الْخَاطِبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ إِنَّهُ مُعَاوِيَةُ آخَرُ وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاوِيَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ) فَقَوْلُهَا اغْتَبَطْتُ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَاغْتَبَطْتُ بِهِ وَلَمْ تَقَعْ لَفْظَةُ بِهِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغِبْطَةُ أَنْ يُتَمَنَّى مِثْلُ حَالِ الْمَغْبُوطِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ زَوَالِهَا عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ بِحَسَدٍ أَقُولُ مِنْهُ غَبَطْتُهُ بِمَا نَالَ أَغْبِطُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ غَبْطًا وَغِبْطَةً فَاغْتَبَطَ هُوَ كَمَنَعْتُهُ فَامْتَنَعَ وَحَبَسْتُهُ فَاحْتَبَسَ وَأَمَّا إِشَارَتُهُ صلى الله عليه وسلم بِنِكَاحِ أُسَامَةَ فَلِمَا عَلِمَهُ من دينه وفضله وحسن طرائقه وَكَرَمِ شَمَائِلِهِ فَنَصَحَهَا بِذَلِكَ فَكَرِهَتْهُ لِكَوْنِهِ مَوْلًى ولكونه كان أَسْوَدَ جِدًّا فَكَرَّرَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَثَّ عَلَى زَوَاجِهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَتْ فَجَعَلَ اللَّهُ لِي فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن عبد الرحمن القارىء

ص: 98

كليهما هو القارىء بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَهَكَذَا وَقَعَ في النسخ كليهما وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ وَجْهُهُ فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَوْلُهُ (وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ نَفَقَةَ دُونٍ بِإِضَافَةِ نَفَقَةٍ إِلَى دُونٍ قال أهل اللغة الدون الردئ الْحَقِيرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فِعْلٌ قَالَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مِنْهُ دَانَ يَدُونُ دُونًا وَأُدِينَ إِدَانَةً قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّكِ إِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ

ص: 99

مفسرة للأولى ومعناه لاتخافين مِنْ رُؤْيَةِ رَجُلٍ إِلَيْكِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ) هُوَ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَكَذَا عِدَّةُ الْبَائِنِ بِالثَّلَاثِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ قوله (كتبت ذلك منفيها كتابا

ص: 100

الْكِتَابُ هُنَا مَصْدَرٌ لِكَتَبْتُ قَوْلُهُ (فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْتِقَالِ لِعُذْرٍ وَهُوَ الْبَذَاءَةُ عَلَى أَحْمَائِهَا أَوْ خَوْفُهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَالِانْتِقَالُ وَلَا يجوز نقلها قال الله تعالى لاتخرجوهن مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بفاحشة مبينة قال بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ الْمُرَادُ بِالْفَاحِشَةِ هُنَا النُّشُوزُ وَسُوءُ الخلق وقيل هو البذاءة على أهل زوجها وقيل

ص: 101

معناه إلا أن يأتين بفاحشة الزنى فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْمَسْكَنِ قَوْلُهُ (سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِالْعِصْمَةِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْقَضِيَّةِ بِالْقَافِ وَالضَّادِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ بِالثِّقَةِ وَالْأَمْرِ الْقَوِيِّ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَمُجَالِدٌ) هُوَ بِالْجِيمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ هُنَا مُتَابَعَةً وَالْمُتَابَعَةُ يَدْخُلُ فِيهَا بَعْضُ الضُّعَفَاءِ قَوْلُهَا (إِنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَلْبَتَّةَ قَالَتْ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ خَاصَمَتْ وَكِيلَهُ قَوْلُهُ (فَأَتْحَفَتْنَا برطب بن طَابٍ وَسَقَتْنَا سَوِيقَ سُلْتٍ) مَعْنَى أَتْحَفَتْنَا ضَيَّفَتْنَا

ص: 102

ورطب بن طَابٍ نَوْعٌ مِنَ الرُّطَبِ الَّذِي بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَنْوَاعَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا وَأَمَّا السُّلْتُ فَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ لَامٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَهُوَ حَبٌّ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ قِيلَ طَبْعُهُ طَبْعُ الشَّعِيرِ فِي الْبُرُودَةِ وَلَوْنُهُ قَرِيبٌ مِنْ لَوْنِ الْحِنْطَةِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ جِنْسٌ من الحبوب ليس هو حنطة وَلَا شَعِيرًا وَالثَّانِي أَنَّهُ حِنْطَةٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ شَعِيرٌ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي بَيْعِهِ بِالْحِنْطَةِ أَوْ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا وَفِي ضَمِّهِ إِلَيْهِمَا فِي إِتْمَامِ نِصَابِ الزَّكَاةِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الضِّيَافَةِ وَاسْتِحْبَابُهَا مِنَ النِّسَاءِ لِزُوَّارِهِنَّ مِنْ فُضَلَاءِ الرِّجَالِ وَإِكْرَامُ الزَّائِرِ وَإِطْعَامُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (سَأَلْتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ قَالَتْ طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلَاثًا فَأَذِنَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَجَازَ لَهَا ذَلِكَ لِعُذْرٍ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ مَسْكَنِ الطَّلَاقِ كَمَا سَبَقَ إِيضَاحُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ (فقال انتقلى إلى بيت بن عَمِّكِ عَمْرِو بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَكَذَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَزَادَ فَقَالَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي وَالْمَشْهُورُ خِلَافُ هَذَا وَلَيْسَ هُمَا مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ هِيَ مِنْ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤى قلت وهو بن عَمِّهَا مَجَازًا يَجْتَمِعَانِ فِي فِهْرٍ وَاخْتَلَفَتِ

ص: 103

الرواية في اسم بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ صُخَيْرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا صُخَيْرٍ بِضَمِّ الصَّادِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِمْ أَنَّهُ صَخْرٌ بِفَتْحِهَا عَلَى التَّكْبِيرِ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ الْفَقِيرُ فَأَكَّدَهُ

ص: 104

بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ لِأَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ يطلق على من له شئ يسير لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ تُلْقِي ثَوْبَكِ عِنْدَهُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ تلقى وهى لغة صحيحةوالمشهور فِي اللُّغَةِ تُلْقِينَ بِالنُّونِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَأَبُو الْجُهَيْمِ مِنْهُ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَبُو الْجُهَيْمِ بِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بِفَتْحِهَا مُكَبَّرٌ وَهُوَ

ص: 105

الْمَعْرُوفُ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَفِي كُتُبِ الْأَنْسَابِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهَا (فَشَرَّفَنِي اللَّهُ بِأَبِي زَيْدٍ وَكَرَّمَنِي بِأَبِي زَيْدٍ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَبِي زَيْدٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَنَّهُ كُنْيَةٌ وَفِي بَعْضِهَا بِابْنِ زَيْدٍ بِالنُّونِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ هُوَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَكُنْيَتُهُ أَبُو زَيْدٍ وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا جَوَازُ طلاق الغائب الثانية جَوَازُ التَّوْكِيلِ فِي الْحُقُوقِ فِي الْقَبْضِ وَالدَّفْعِ الثَّالِثةُ لَا نَفَقَةَ لِلْبَائِنِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى الرَّابِعَةُ جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ الْخَامِسَةُ جَوَازُ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِ الْعِدَّةِ لِلْحَاجَةِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ زِيَارَةِ النِّسَاءِ الصَّالِحَاتِ لِلرِّجَالِ بِحَيْثُ لَا تَقَعُ خَلْوَةٌ مُحَرَّمَةٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُمِّ شَرِيكٍ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي السَّابِعَةُ جَوَازُ التَّعْرِيضِ لَخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ بِالثَّلَاثِ الثَّامِنَةُ جَوَازُ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْأَوَّلِ إِجَابَةٌ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا الْجَهْمِ وَغَيْرَهُمَا خَطَبُوهَا التَّاسِعَةُ جَوَازُ ذكر الغائب

ص: 106

بِمَا فِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ الَّتِي يَكْرَهُهَا إِذَا كَانَ لِلنَّصِيحَةِ وَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ غِيبَةً مُحَرَّمَةً الْعَاشِرَةُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ ولَا مَالَ لَهُ) الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ اسْتِحْبَابُ إِرْشَادِ الْإِنْسَانِ إِلَى مَصْلَحَتِهِ وَإِنْ كَرِهَهَا وَتَكْرَارِ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِا قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قال انكحى أسامة فنكحته الثانية عشر قَبُولُ نَصِيحَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالِانْقِيَادُ إِلَى إِشَارَتِهِمْ وأن عاقبتها محمودة الثالثة عشر جَوَازُ نِكَاحِ غَيْرِ الْكُفْءِ إِذَا رَضِيَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ وَالْوَلِيُّ لِأَنَّ فَاطِمَةَ قُرَشِيَّةٌ وَأُسَامَةَ مَوْلًى الرابعة عشر الْحِرْصُ عَلَى مُصَاحَبَةِ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْفَضْلِ وَإِنْ دنت أنسابهم الخامسة عشر جَوَازُ إِنْكَارِ الْمُفْتِي عَلَى مُفْتٍ آخَرَ خَالَفَ النَّصَّ أَوْ عَمَّمَ مَا هُوَ خَاصٌ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ تَعْمِيمَهَا أن لا سُكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ وَإِنَّمَا كَانَ انْتِقَالُ فَاطِمَةَ مِنْ مَسْكَنِهَا لِعُذْرٍ مِنْ خَوْفِ اقْتِحَامِهِ عَلَيْهَا أَوْ لبذاءتها أو نحو ذلك السادسة عشر اسْتِحْبَابُ ضِيَافَةِ الزَّائِرِ وَإِكْرَامِهِ بِطَيِّبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ سواء كان الضيف رجلا أو امرأة والله أعلم

ص: 107