الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) مَعْنَى يُلِمُّ بِهَا أَيْ يَطَأُهَا وَكَانَتْ حَامِلًا مَسْبِيَّةً لَا يَحِلُّ جِمَاعُهَا حَتَّى تَضَعَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ تَتَأَخَّرُ وِلَادَتُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ حَيْثُ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا السَّابِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ قَبْلَهُ فَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنَ السَّابِي يَكُونُ وَلَدًا لَهُ وَيَتَوَارَثَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ السَّابِي لَا يَتَوَارَثَانِ هُوَ وَلَا السَّابِي لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ بَلْ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ فَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَلْحِقُهُ وَيَجْعَلُهُ ابْنًا لَهُ وَيُوَرِّثُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَوْرِيثُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يَحِلُّ تَوَارُثُهُ وَمُزَاحَمَتُهُ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ وَقَدْ يَسْتَخْدِمُهُ اسْتِخْدَامَ الْعَبِيدِ وَيَجْعَلُهُ عَبْدًا يَتَمَلَّكُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْهُ إِذَا وَضَعَتْهُ لِمُدَّةٍ مُحْتَمِلَةِ كَوْنِهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ وَطْئِهَا خَوْفًا مِنْ هَذَا الْمَحْظُورِ فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يُنَمَّى هَذَا الْجَنِينُ بِنُطْفَةِ هَذَا السَّابِي فَيَصِيرُ مُشَارِكًا فِيهِ فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِخْدَامُ قَالَ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَكَيْفَ يَنْتَظِمُ التَّوْرِيثُ مَعَ هَذَا التَّأْوِيلِ بَلِ الصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(باب جَوَازِ الْغِيلَةِ وَهِيَ وَطْءُ الْمُرْضِعِ وَكَرَاهَةِ الْعَزْلِ)
[1442]
قَوْلُهُ (عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ) ذَكَرَ مُسْلِمٌ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهَا هَلْ هِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَمْ بالذال المعجمة
قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بِالدَّالِ يَعْنِي الْمُهْمَلَةَ وهَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمُ مَضْمُومَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَوْلُهُ جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُخْتُ عُكَّاشَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهَا أُخْتُ عُكَّاشَةَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ مِحْصَنٍ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ أُخْتُ رَجُلٍ آخَرَ يُقَالُ لَهُ عُكَّاشَةُ بْنُ وَهْبٍ لَيْسَ بِعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْمَشْهُورِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هِيَ جُدَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ هَاجَرَتْ قَالَ وَالْمُحَدِّثُونَ قَالُوا فِيهَا جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةُ أُخْتُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْمَشْهُورِ الْأَسَدِيِّ وَتَكُونُ أُخْتَهُ مِنْ أُمِّهِ وَفِي عُكَّاشَةَ لُغَتَانِ سَبَقَتَا فِي كِتَابِ الْإِيْمَانِ تَشْدِيدُ الْكَافِ وَتَخْفِيفُهَا وَالتَّشْدِيدُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغِيلَةُ هُنَا بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَيُقَالُ لَهَا الْغَيْلُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَعَ حَذْفِ الْهَاءِ وَالْغِيَالُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْغَيْلَةُ بالِفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهِيَ الِاسْمُ مِنَ الْغِيلِ وَقِيلَ إِنْ أُرِيدَ بِهَا وَطْءُ الْمُرْضِعِ جَازَ الْغِيلَةُ وَالْغَيْلَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْغِيلَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ الْغَيْلُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ مُرْضِعٌ يُقَالُ مِنْهُ أَغَالَ الرَّجُلُ وأغيل اذا فعل ذلك وقال بن السِّكِّيتِ هُوَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ يُقَالُ مِنْهُ غَالَتْ وَأَغْيَلَتْ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ هَمِّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّهْيِ عَنْهَا أَنَّهُ يَخَافُ مِنْهُ ضَرَرَ الْوَلَدِ الرَّضِيعِ قَالُوا وَالْأَطِبَّاءُ يَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ اللَّبَنَ دَاءٌ وَالْعَرَبُ تَكْرَهُهُ وَتَتَّقِيهِ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْغِيلَةِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهَا وَبَيَّنَ سَبَبَ تَرْكِ النَّهْيِ وَفِيهِ جَوَازُ
الِاجْتِهَادِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وله قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْأُصُولِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْوَحْيِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ أَغَالَ يُغِيلُ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ (ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاكَ الوأد الخفي) وهي وإذا الموؤدة سئلت الوأد والموؤدة بِالْهَمْزِ وَالْوَأْدُ دَفْنُ الْبِنْتِ وَهِيَ حَيَّةٌ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ وَرُبَّمَا فَعَلُوهُ خَوْفَ العار والمؤدة الْبِنْتُ الْمَدْفُونَةُ حَيَّةً وَيُقَالُ وَأَدَتِ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا وأدا قيل سميت موؤدة لِأَنَّهَا تُثَقَّلُ بِالتُّرَابِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْعَزْلِ وَجْهُ تَسْمِيَةِ هَذَا وَأْدًا وَهُوَ مُشَابَهَتُهُ الْوَأْدَ فِي تَفْوِيتِ الْحَيَاةِ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الحديث وإذا الموؤدة سئلت مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَزْلَ يُشْبِهُ الْوَأْدَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
[1443]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ) الْأَوَّلُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَأَبُوهُ بِالسِّينِ
الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ بِكَسْرِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى قِتْبَانَ بَطْنٌ مِنْ رُعَيْنٍ قَوْلُهُ (أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ أَخَافُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَا ضَارَ ذَلِكَ فَارِسَ وَلَا الرُّومَ) هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ مَا ضَرَّهُمْ يُقَالُ ضَارَهُ يُضِيرُهُ ضَيْرًا وَضَرَّهُ يَضُرُّهُ ضُرًّا وضرا والله أعلم كتاب الرضاع هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالرَّضَاعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَقَدْ رَضِعَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ بِكَسْرِ الضَّادِ يَرْضَعُهَا بِفَتْحِهَا رَضَاعًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيَقُولُ أَهْلُ نَجْدٍ رَضَعَ يَرْضِعُ بِفَتْحِ الضَّادِ فِي الْمَاضِي وكسرها في المضارع رضعا كضرب يَضْرِبُ ضَرْبًا وَأَرْضَعَتْهُ أُمُّهُ وَامْرَأَةٌ مُرْضِعٌ أَيْ لها ولد ترضعه فإن رضعتها بِإِرْضَاعِهِ قُلْتَ مُرْضِعَةٌ بِالْهَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1444]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ
الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُهُ الْوِلَادَةُ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ وَفِي حَدِيثِ قِصَّةِ حَفْصَةَ وَحَدِيثِ قِصَّةِ عَائِشَةَ الْإِذْنُ لِدُخُولِ الْعَمِّ مِنَ الرَّضَاعَةِ عَلَيْهَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ عَمُّكِ قُلْتُ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ قَالَ إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى ثُبُوتِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ثُبُوتِهَا بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالْمُرْضِعَةِ وَأَنَّهُ يَصِيرُ ابْنَهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا أَبَدًا وَيَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأُمُومَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا يَعْقِلُ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ فَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى انْتِشَارِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَأَوْلَادِ الرَّضِيعِ وَبَيْنَ الرَّضِيعِ وَأَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ وَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَوَلَدِهَا مِنَ النَّسَبِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمَنْسُوبُ ذَلِكَ اللَّبَنُ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ زَوْجَ الْمَرْأَةِ أَوْ وَطِئَهَا بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً ثُبُوتُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضِيعِ وَيَصِيرُ وَلَدًا لَهُ وَأَوْلَادُ الرَّجُلِ إِخْوَةَ الرَّضِيعِ وَأَخَوَاتِهِ وَتَكُونُ إِخْوَةُ الرَّجُلِ أَعْمَامَ الرَّضِيعِ وَأَخَوَاتُهُ عَمَّاتِهِ وَتَكُونُ أَوْلَادُ الرَّضِيعِ أَوْلَادَ الرَّجُلِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلَّا أَهْلُ الظاهر وبن عُلَيَّةَ فَقَالُوا لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بَيْنَ الرجل والرضيع ونقله المازرى عن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وَلَمْ يَذْكُرِ الْبِنْتَ وَالْعَمَّةَ كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي النَّسَبِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي عَمِّ عَائِشَةَ وَعَمِّ حَفْصَةَ وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ إِذْنِهِ فِيهِ إِنَّهُ يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة وَأَجَابُوا عَمَّا احْتُجُّوا بِهِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ بِإِبَاحَةِ الْبِنْتِ وَالْعَمَّةِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْحُكْمِ عَمَّا سِوَاهُ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ آخَرُ كَيْفَ وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أُرَاهُ فُلَانًا) لِعَمِّ حَفْصَةَ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ) هُوَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ
ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ
[1445]
قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ) إِلَى آخِرِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ فُلَانًا حَيًّا لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَمِّ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ هُمَا عَمَّانِ لِعَائِشَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَحَدُهُمَا أَخُو أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ ارْتَضَعَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مِنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَالثَّانِي أَخُو أَبِيهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ الَّذِي هُوَ أَبُو الْقُعَيْسِ وَأَبُو الْقُعَيْسِ أَبُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأَخُوهُ أَفْلَحُ عَمُّهَا وَقِيلَ هُوَ عَمٌّ وَاحِدٌ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ عَمَّهَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَيِّتٌ وَفِي الثَّانِي حَيٌّ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَابِسِيُّ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا لَفَهِمَتْ حُكْمَهُ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَمْ تَحْتَجِبْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَا عَمَّيْنِ كَيْفَ سَأَلَتْ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَعْلَمَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَمٌّ
لَهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَاحْتَجَبَتْ عَنْ عَمِّهَا الْآخَرِ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ حَتَّى أَعْلَمَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ عَمُّهَا يَلِجُ عَلَيْهَا فَهَلَّا اكْتَفَتْ بِأَحَدِ السُّؤَالَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ عَمًّا مِنْ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ وَالْآخَرَ مِنْهُمَا أَوْ عَمًّا أَعْلَى وَالْآخَرَ أَدْنَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فَخَافَتْ أَنْ تكون الاباحة مختصة بصاحب الوصف المسئول عن أَوَّلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ أَفْلَحُ بْنُ أَبِي الْقُعَيْسِ وَفِي رِوَايَةٍ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ أَبُو الْجَعْدِ فَرَدَدْتُهُ قَالَ لِي هِشَامٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْقُعَيْسِ وَفِي رِوَايَةٍ أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ قَالَ الْحُفَّاظُ الصَّوَابُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي كَرَّرَهَا مُسْلِمٌ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا أَنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ هُوَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ وَكُنْيَتُهُ أفلح أبو الجعد والقعيس بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (تَرِبَتْ يَدَاكِ أَوْ يمينك
سبق شرحه في كتاب الغسل قوله (مالك تَنَوَّقُ فِي قُرَيْشٍ) هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ قَافٍ أَيْ تَخْتَارُ وَتُبَالِغُ فِي الِاخْتِيَارِ قَالَ الْقَاضِي وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِتَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ الثَّانِيَةُ مَضْمُومَةٌ أَيْ تَمِيلُ
[1447]
قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا هَدَّابٌ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيُقَالُ لَهُ هُدْبَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ) هُوَ بِضَمِّ الهمزة
وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ قِيلَ لَهُ يَتَزَوَّجُهَا قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مِهْرَانَ الْقُطَعِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى قُطَيْعَةَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهُوَ قُطَيْعَةُ بْنُ عَبْسِ بْنِ بغيض بن ريث بْنِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (كِلَيْهِمَا عَنْ قَتَادَةَ) كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا كِلَاهُمَا وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ وَجْهِهِ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَوْلُهُ (وَفِي رِوَايَةِ بِشْرٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ) يَعْنِي فِي رِوَايَةِ بِشْرٍ أَنَّ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ وَهَذَا مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ لِأَنَّ قَتَادَةَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَتَادَةُ عَنْ جَابِرٍ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ حَتَّى يَثْبُتَ سَمَاعُهُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ فَنَبَّهَ مُسْلِمٌ عَلَى ثُبُوتِهِ
[1448]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ أَوَّلُهُمْ بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسلم الزهري
أخو الزهري المشهور وهو تابعى سمع بن عُمَرَ وَآخَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيهِ الزُّهْرِيِّ الْمَشْهُورِ وَالثَّالِثُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ الْمَشْهُورُ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّاوِي عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَالرَّابِعُ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ وَالزُّهْرِيُّ تَابِعِيَّانِ مَشْهُورَانِ فَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثُ لَطَائِفَ مِنْ عِلْمِ الاسناد أحدها كَوْنُهُ جَمَعَ أَرْبَعَةَ تَابِعِيِّينَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الثَّانِيَةُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةَ الْكَبِيرِ عَنِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ كَمَا سَبَقَ الثَّالِثَةُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةَ الْأَخِ عن أخيه
[1449]
قولها (لست لك بمخيلة) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لست أخلى لك بغير ضرة قَوْلُهَا (لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَسْتُ أُخَلَّى لَكَ بِغَيْرِ ضَرَّةٍ قَوْلُهَا (وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي) هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ أَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِيكَ وَفِي صُحْبَتِكَ وَالِانْتِفَاعِ مِنْكَ بِخَيْرَاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا قَوْلُهَا (تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ) هِيَ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ ضَبَطَهُ ذَرَّةَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَتَصْحِيفٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَوْلُهَا (قَالَ ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ نَعَمْ) هَذَا سُؤَالُ اسْتِثْبَاتٍ وَنَفْيِ احْتِمَالِ إِرَادَةِ غَيْرِهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ) مَعْنَاهُ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ بِسَبَبَيْنِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً وَكَوْنِهَا بِنْتَ أَخِي فَلَوْ فُقِدَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ حَرُمَتْ بِالْآخَرِ وَالرَّبِيبَةُ بنت الزوجة مُشْتَقَّةٌ مِنَ الرَّبِّ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِأُمُورِهَا وَيُصْلِحُ أَحْوَالَهَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الفقه أنها
مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الِاشْتِقَاقِ الِاتِّفَاقَ فِي الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَامُ الْكَلِمَةِ وَهُوَ الْحَرْفُ الْأَخِيرُ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ آخِرَ رَبَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَفِي آخِرِ رَبي يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحِجْرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي فَفِيهِ حُجَّةٌ لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ أَنَّ الرَّبِيبَةَ لَا تَحْرُمُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي حِجْرِ زَوْجِ أُمِّهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ فَهِيَ حَلَالٌ لَهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي في حجوركم وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى دَاوُدَ أَنَّهَا حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَمْ لَا قَالُوا وَالتَّقْيِيدُ إِذَا خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ فَلَا يُقْصَرُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ خَرَجَ التَّقْيِيدُ بِالْإِمْلَاقِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أردن تحصنا وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ) أَبَاهَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ أُرْضِعْتُ أَنَا وَأَبُوهَا أَبُو سَلَمَةَ مِنْ ثُوَيْبَةَ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ مفتوحة ثم ياء التصغير ثم ياء مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ هَاءٍ وَهِيَ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ ارْتَضَعَ مِنْهَا صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ رضي الله عنها قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ) إِشَارَةٌ إِلَى أُخْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَبِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاسْمُ أُخْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ هَذِهِ عَزَّةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ سَمَّاهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهَذَا
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ حِينَئِذٍ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَكَذَا لَمْ تَعْلَمْ من عرض بنت أم سلمة تحريم الريبة وَكَذَا لَمْ تَعْلَمْ مِنْ عَرْضِ بِنْتِ حَمْزَةَ تَحْرِيمَ بِنْتِ الْأَخِ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ حَمْزَةَ أَخٌ لَهُ مِنَ الرَّضَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لا تحرم المصة والمصتان) وفي رواية لا تحرم الا ملاجة وَالْإِمْلَاجَتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَلْ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ قَالَ لَا وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ أما الْإِمْلَاجَةُ فَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ الْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ
الْمَصَّةُ يُقَالُ مَلَجَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ وَأَمْلَجَتْهُ
[1452]
وَقَوْلُهَا (فَتُوُفِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ يُقْرَأُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَى إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى وَالنَّسْخُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَتِلَاوَتُهُ كَعَشْرِ رَضَعَاتٍ وَالثَّانِي مَا نسخت تلاوته دون حكمة كخمس رضعات وكالشيخ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَالثَّالِثُ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَتْ تِلَاوَتُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ وَمِنْهُ قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم الْآيَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَثْبُتُ بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ حكاه بن المنذر عن علي وبن مسعود وبن عمر وبن عباس وعطاء وطاوس وبن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهم وقال أبو ثور وأبو عبيد وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ يَثْبُتُ بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ وَلَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ فَأَخَذُوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ وَأَخَذَ مَالِكٌ بقَوْلِهِ تَعَالَى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا وَأَخَذَ دَاوُدُ بِمَفْهُومِ حَدِيثِ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَقَالَ هُوَ مُبَيِّنٌ للقرآن
وَاعْتَرَضَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فَقَالُوا إِنَّمَا كَانَتْ تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ لَكُمْ لَوْ كَانَتِ الْآيَةُ وَاللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَاعْتَرَضَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَكُمْ وَعِنْدَ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَمْ يَثْبُتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ اذا توجه إليه قادح يوقف عن العمل به وهذا اذا لم يجيء إِلَّا بِآحَادٍ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ مَجِيئُهُ مُتَوَاتِرًا تُوجِبُ رِيبَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْتَرَضَتِ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ بِحَدِيثِ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ بَاطِلَةٍ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهَا لَكِنْ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا خَوْفًا مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهَا مِنْهَا أَنَّ بَعْضَهُمُ ادَّعَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَائِشَةَ وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ بَلْ قَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَمِنْ رِوَايَةِ أُمِّ الْفَضْلِ وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَجَسَارَةٌ عَلَى رَدِّ السُّنَنِ بِمُجَرَّدِ الْهَوَى وَتَوْهِينِ صَحِيحِهَا لِنُصْرَةِ الْمَذَاهِبِ وَقَدْ جَاءَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَالصَّوَابُ اشْتِرَاطُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ شَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ لَا يَثْبُتُ الرَّضَاعُ إِلَّا بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (امْرَأَتِي الْحُدْثَى) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ أَيِ الْجَدِيدَةُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) هُوَ حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَإِرْضَاعَهَا سَالِمًا وَهُوَ رَجُلٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَدَاوُدُ تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بِرَضَاعِ الْبَالِغِ كَمَا تَثْبُتُ بِرَضَاعِ الطِّفْلِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى الْآنِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِإِرْضَاعِ مَنْ لَهُ دُونَ سَنَتَيْنِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ وَقَالَ زُفَرُ ثَلَاثِ سِنِينَ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ سَنَتَيْنِ وَأَيَّامٍ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنَ لِمَنْ أراد أن يتم الرضاعة وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ وَبِأَحَادِيثَ
مَشْهُورَةٍ وَحَمَلُوا حَدِيثَ سَهْلَةَ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَا وَبِسَالِمٍ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَسَائِرِ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُنَّ خَالَفْنَ عَائِشَةَ فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1453]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَرْضِعِيهِ) قَالَ الْقَاضِي لَعَلَّهَا حَلَبَتْهُ ثُمَّ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا وَلَا الْتَقَتْ بَشَرَتَاهُمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حَسَنٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عُفِيَ عَنْ مَسِّهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا خُصَّ بِالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (مَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُهُ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِبْتُهُ مِنَ الْهَيْبَةِ وَهِيَ الْإِجْلَالُ وَفِي بَعْضِهَا رَهِبْتُهُ بِالرَّاءِ مِنَ الرَّهْبَةِ وَهِيَ الْخَوْفُ وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ وَضَبَطَهُ الْقَاضِي وَبَعْضُهُمْ رَهْبَتَهُ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَنَصْبِ التَّاءِ قَالَ الْقَاضِي هُوَ مَنْصُوبٌ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ وَالضَّبْطُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لَلنُّسَخِ الْأُخَرِ وَهِبْتُهُ بِالْوَاوِ
وَقَوْلُهَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ هُوَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَبِالْفَاءِ وَهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ وَلَمْ يَبْلُغْ وَجَمْعُهُ أَيْفَاعُ وَقَدْ أَيْفَعَ الغلام ويفع وهو يافع والله أعلم