المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب القسامة[1669]ذكر مسلم حديث حويصة ومحيصة باختلاف - شرح النووي على مسلم - جـ ١١

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب تحريم بيع الخمر[1578]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ

- ‌(بَابُ الرِّبَا)

- ‌(بَاب أَخْذِ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ)

- ‌(بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ

- ‌(باب جواز اقتراض الحيوان واستحباب توفيته خيرا مما

- ‌(باب جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلا

- ‌(بَابُ السَّلَمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ السَّلَمُ وَالسَّلَفُ وَأَسْلَمَ

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ فِي الْأَقْوَاتِ[1605]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ[1606]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(باب الشفعة[1608]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ

- ‌(باب غرز الخشب في جدار الجار[1609]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ وَغَصْبِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا[1610]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

- ‌(بَاب قَدْرِ الطَّرِيقِ إِذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(كِتَاب الْفَرَائِضِ هِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ مِنَ الْفَرْضِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ

- ‌كتاب الهبات)

- ‌(باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه

- ‌(باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض (إلا

- ‌(باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة[1623]قَوْلُهُ (عَنِ

- ‌(بَاب الْعُمْرَى قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ

- ‌(كِتَابُ الْوَصِيَّةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ

- ‌(بَاب وُصُولِ ثَوَابِ الصَّدَقَاتِ إِلَى الْمَيِّتِ[1630]قَوْلُهُ (إِنَّ أَبِي مَاتَ

- ‌(باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته[1631]قَوْلُهُ صَلَّى

- ‌قَوْلُهُ (أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(بَاب تَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ له شئ يُوصِي فِيهِ قَوْلُهُ (عَنْ

- ‌قَوْلُهُ (اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(كِتَاب الْأَيْمَانِ)

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ[1646]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(بَاب نَدْبِ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا أَنْ يَأْتِيَ

- ‌(باب اليمين عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ[1653]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(باب الإستثناء فِي ذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ غَيْرِ

- ‌(باب النهي عن الإصرار على اليمين فيما (يتأذى به أهل

- ‌فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً

- ‌(باب صحبة المماليك[1657]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَنْ لَطَمَ

- ‌(بَاب جَوَازِ بيع المدبر[997]قول هـ (إَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ

- ‌كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات)

- ‌(باب القسامة[1669]ذَكَرَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ بِاخْتِلَافِ

- ‌فِيهِ حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ أَنَّهُمْ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَأَسْلَمُوا

- ‌قَوْلُهُ (إَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهَا

- ‌(باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه إذا دفعه

- ‌(باب إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها[1675]قَوْلُهُ (عَنْ

- ‌(بَاب مَا يُبَاحُ بِهِ دَمُ الْمُسْلِمِ[1676]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌(باب ببان إثم من سن القتل[1677]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب الْمُجَازَاةِ بِالدِّمَاءِ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّهَا أَوَّلُ (مَا يُقْضَى

- ‌((فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ)

- ‌(بَاب صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ (وَتَمْكِينِ وَلِيِّ الْقَتِيلِ مِنْ

- ‌(بَاب دِيَةِ الْجَنِينِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ (وَشِبْهِ

- ‌(كِتَاب الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ وَنِصَابِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رضي الله

- ‌(بَاب قَطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ (وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّفَاعَةِ فِي

- ‌(باب حد الزنى[1690]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (خُذُوا عَنِّي

- ‌(بَاب حَدِّ الْخَمْرِ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ

- ‌(بَاب قَدْرِ أَسْوَاطِ التَّعْزِيرِ[1708]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا

- ‌(بَاب الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا[1709]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌(باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار أي هدر[1710]قَوْلُهُ

الفصل: ‌(باب القسامة[1669]ذكر مسلم حديث حويصة ومحيصة باختلاف

دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا نَحْمَةً لِنُعَيْمٍ وَالنَّحْمَةُ الصوت وقيل هي السلعة وقيل النحنحة والله أعلم

(

‌كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات)

‌(باب القسامة

[1669]

ذَكَرَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ بِاخْتِلَافِ

أَلْفَاظِهِ وطرقه حين وجد محيصة بن عَمِّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا بِخَيْبَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَوْلِيَائِهِ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ تَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ أَمَّا حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ فَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَبِتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَشْهَرُهُمَا التَّشْدِيدُ قَالَ القاضي حَدِيثُ الْقَسَامَةِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَبِهِ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّين وَالْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ إِبْطَالُ الْقَسَامَةِ وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا وَلَا عَمَلَ بِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْحَكَمُ بن عيينة وقتادة وأبو قلابة ومسلم بن خالد وبن عُلَيَّةَ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهَا فَقَالَ مُعْظَمُ الْحِجَازِيِّينَ يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَاللَّيْثِ)

ص: 143

وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ وَهُوَ قول الشافعي في القديم وروى عن بن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْنَا بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَرُوِيَ أيضا عن أبي بكر وعمر وبن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رضي الله عنهم وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ لَا تَنْدَفِعُ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَجْمَعَتْ عليه الأئمة قديما وحديثا أن المدعين يبدؤن فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي صَارَتْ قَوِيَّةً بِاللَّوْثِ قَالَ الْقَاضِي وَضَعَّفَ هَؤُلَاءِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِينَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الِابْتِدَاءَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ مَنْ رَوَى الِابْتِدَاءَ بِالْمُدَّعِينَ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَرِوَايَاتُهَا صِحَاحٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا تُعَارِضُهَا رِوَايَةُ مَنْ نَسِيَ وَقَالَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الدِّيَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يُغَلَّبُ الظَّنُّ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَسَامَةِ وَلَهَا سَبْعُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ فِي حَيَاتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ قَتَلَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ فَعَلَ بِي هَذَا مِنْ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِي أَوْ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَادَّعَى مَالِكٌ رضي الله عنه أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا مِنْ فُقَهَاءِ الأمصار غيرهما ولا روى عن غيرهما وخالف فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ غيرهما في هذا أقسامه وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُودَ الْأَثَرِ وَالْجُرْحِ فِي كَوْنِهِ قَسَامَةً وَاحْتَجَّ

ص: 144

مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الموتى قَالُوا فَحَيِيَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُطْلَبُ بهَا غَفْلَةُ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا الشَّهَادَةَ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا قَالُوا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَزَوَّدُ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لابد مِنَ اثْنَيْنِ الثَّانِيَةُ اللَّوْثُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنَ اللَّوْثِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ وَحْدَهُ وَكَذَا قول جماعة ليسوا عدولا الثالثة إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِالْجُرْحِ فَعَاشَ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هُوَ لَوْثٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حنيفة رضي الله عنه لاقسامة هُنَا بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ الرَّابِعَةُ يُوجَدُ الْمُتَّهَمُ عِنْدَ الْمَقْتُولِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ آتِيًا مِنْ جِهَتِهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْقَتْلِ وعليه أثره من لطخ دم وغيره وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبْعٌ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَهَذَا لَوْثٌ مُوجِبٌ لِلْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدُ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وعن مالك رواية لإقسامه بَلْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَعَلَى الطَّائِفَتَيْنِ دِيَتُهُ السَّادِسَةُ يُوجَدُ الْمَيِّتُ فِي زَحْمَةِ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَثْبُتُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ هدر وقال الثوري واسحاق تجب دية فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وعلى السابعة أَنْ يُوجَدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ قَبِيلَتِهِمْ أَوْ مَسْجِدِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذَا قَسَامَةٌ بَلِ الْقَتْلُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إِلَيْهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةِ أعدائه لا يغالطهم غَيْرُهُمْ فَيَكُونُ كَالْقِصَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِخَيْبَرَ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقَسَامَةِ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَاهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُعْظَمُ الْكُوفِيِّينَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ إِلَّا هُنَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا بِالْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ وَبِهِ أَثَرٌ قَالُوا فَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَوْا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وُجُودُ

ص: 145

الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ وَنَحْوُهُ عَنْ دَاوُدَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبِّرِ الْكُبْرُ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَبِّرْ أَيْ يَتَكَلَّمُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ وَكَيْفَ جَرَتْ فَإِذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى وَمُسَاعَدَتِهِ أَوْ أُمِرَ بِتَوْكِيلِهِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا فِي الْإِمَامَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ نَدْبًا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ مَعْنَاهُ يُرِيدُ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ وَالْكُبْرُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ يُرِيدُ وَنَحْوِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكُبْرِ بِاللَّامِ وَهُوَ صَحِيحٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً وَالْوَارِثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَابْنَا عَمٍّ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا مَعَ الْأَخِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ فَأَطْلَقَ الْخِطَابَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ مَنْ تَخْتَصُّ بِهِ الْيَمِينُ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلْمُخَاطَبِينَ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ قَتْلِهِ وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةً بِالْوَارِثِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فتستحقون

ص: 146

قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَمَعْنَاهُ يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ ذَلِكَ الْحَقُّ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمُ الْحَلِفُ إِذَا عَلِمُوا أَوْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْيَمِينَ إِنْ وُجِدَ فِيهِمْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلِهَذَا قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَحْلِفُوا فَإِذَا حَلَفُوا انْتَهَتِ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَخَلَصْتُمْ أَنْتُمْ مِنَ الْيَمِينِ وَفِي هَذَا دليل لصحة يمين الكافر والفاسق ويهود مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ اسْمُ للقبيلة وَالطَّائِفَةِ فَفِيهِ التَّأْنِيثُ وَالْعَلَمِيَّةُ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى عَقْلَهُ) أَيْ دِيَتُهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَقَوْلُهُ وَدَاهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ دَفَعَ دِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنَ فَإِنَّ أَهْلَ الْقَتِيلِ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يَسْتَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَدِ امْتَنَعُوا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمْ مَكْسُورُونَ بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَأَرَادَ صلى الله عليه وسلم جَبْرَهُمْ وَقَطْعَ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحَ ذَاتِ البين

ص: 147

بدفع ديته من عنده وقوله فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ صَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تُصْرَفُ هَذَا الْمَصْرِفَ بَلْ هِيَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ صَرْفُهَا مِنْ إِبِلِ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا ثُمَّ دَفَعَهَا تَبَرُّعًا إِلَى أهل القتيل وحكى القاضي عن بعض العلماءأنه يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ هذا الحديث عليه وتأوله بعضهم علىأن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تُبَاحُ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ كَثِيرٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْوَاحِدِ الحامل مِنَ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ أَشْرَافِ الْقَبَائِلِ وَلِأَنَّهُ سَمَّاهُ دِيَةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الزَّكَاةِ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى كَافِرٍ فَالْمُخْتَارُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالِاهْتِمَامُ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَسَامَةِ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْوَارِثِ خَاصَّةً لَا على غيره من القبيلةوتأويله عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ يَمِينًا وَالْحَالِفُ هُمُ الْوَرَثَةُ فَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ مِنَ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال أبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَقَالَ يَحْلِفُ الْأَقَارِبُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَوَافَقَهُ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ فَجَعَلَ الْحَالِفَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غير الوارث

ص: 148

لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى حلف مَنْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ) الرُّمَّةُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْحَبْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ فِي رَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَيُسَلَّمُ فِيهِ إِلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَائِلُونَ لَا قِصَاصَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسَلَّمَ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الدِّيَةُ لِكَوْنِهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ يحلف الأولياء على ما شاء وأولا يقتلوا إلا واحدا وقال الشافعي رضي الله عنه أن ادعوا على جماعة حلفوا عليهم وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشَّافِعِيُّ وَعَلَى قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ قَوْلُهُ (فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا) الْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْإِبِلُ وَتُحْبَسُ وَالرَّبْدُ الْحَبْسُ وَمَعْنَى رَكَضَتْنِي رَفَسَتْنِي وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ضَبَطَ الْحَدِيثَ

ص: 149

وَحَفِظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا قَوْلُهُ (فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَهُوَ حَوْضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ وَجَمْعُهُ شَرَبٌ كَثَمَرَةٍ وَثَمَرٌ قَوْلُهُ (لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا النَّاقَةُ مِنْ تِلْكَ النُّوقِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الدِّيَةِ وَتُسَمَّى الْمَدْفُوعَةَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ فِي الدِّيَةِ فَرِيضَةً لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ أَيْ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ وَالْعَدَدِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرِيضَةِ هُنَا

ص: 150

النَّاقَةُ الْهَرِمَةُ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ) هَذَا آخِرُ الْفَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ أَوَّلِهِ وَقَوْلُهُ عُقَيْبَ هَذَا حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى هُوَ أَوَّلُ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ هكذا هو في معظم النسخ وفي نسخة الحافظ بن عَسَاكِرَ أَنَّ آخِرَ الْفَوَاتِ آخِرُ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَوَّلُ السَّمَاعِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَوْلُهُ (وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ) الْفَقِيرُ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْفَقِيرِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْفَقِيرُ

ص: 151

هُنَا الْبِئْرُ الْقَرِيبَةُ الْقَعْرُ الْوَاسِعَةُ الْفَمُ وَقِيلَ هُوَ الْحَفِيرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) مَعْنَاهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ بِقَسَامَتِكُمْ فَإِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَيْ يَدْفَعُوا إِلَيْكُمْ دِيَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْلِمُونَا أَنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنَ الْتِزَامِ أَحْكَامِنَا فَيُنْتَقَضُ

ص: 152