المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم (إلى هرقل ملك - شرح النووي على مسلم - جـ ١٢

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأقضية)

- ‌(باب اليمين على المدعى عليه قَالَ الزُّهْرِيُّ رحمه الله

- ‌(باب وجوب الحكم بشاهد ويمين[1712]قوله (عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ

- ‌(بَاب قَضِيَّةِ هِنْدٍ[1714]قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَالنَّهْيِ عَنْ

- ‌(باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ قَوْلُهُ

- ‌(بَاب كَرَاهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ[1717]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

- ‌(باب نقص الْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ وَرَدِّ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ[1718]قَوْلُهُ

- ‌(بَابُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ[1720]فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَضَاءِ

- ‌(بَاب اسْتِحْبَابِ إِصْلَاحِ الْحَاكِمِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ[1721]ذَكَرَ فِي الْبَابِ

- ‌(كِتَاب اللُّقَطَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي

- ‌(أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثَلَاثَ سِنِينَ وَفِي رِوَايَةٍ سَنَةً وَاحِدَةً وَفِي

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ حَلْبِ الْمَاشِيَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا قَوْلُهُ[1726]صَلَّى

- ‌(بَاب الضِّيَافَةِ وَنَحْوُهَا[48]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَ

- ‌(باب استحباب المواساة بفضول المال[1728]قَوْلُهُ (بَيْنَمَا نَحْنُ

- ‌(باب استحباب خلط الأزواد إذا قلت والمواساة فِيهَا

- ‌(كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ)

- ‌(بَاب جَوَازِ الْإِغَارَةِ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ

- ‌(بَاب تَأْمِيرِ الْإِمَامِ الْأُمَرَاءَ عَلَى الْبُعُوثِ (وَوَصِيَّتِهِ إِيَّاهُمْ

- ‌(باب تحريم الغدر[1736]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لِكُلِّ غَادِرٍ

- ‌(باب جواز الخداع في الحرب[1739][1740]قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بِالنَّصْرِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ ذَكَرَ فِي

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ[1744]قَوْلُهُ (نَهَى

- ‌(بَاب جَوَازِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَاتِ مِنْ غَيْرِ

- ‌(باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها[1746]قَوْلُهُ (حَرَّقَ صَلَّى

- ‌الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ وَالسَّرَاةُ بِفَتْحِ السِّينِ أشراف القوم

- ‌(باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة[1747]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

- ‌(بَاب الْأَنْفَالِ[1748]قَوْلُهُ (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخَذَ

- ‌(بَاب اسْتِحْقَاقِ الْقَاتِلِ سَلَبَ الْقَتِيلِ[1751]قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ

- ‌(بَاب التَّنْفِيلِ وَفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسَارَى[1755]قَوْلُهُ (فَلَمَّا كَانَ

- ‌(بَاب حُكْمِ الْفَيْءِ قَوْلُهُ[1756]صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا قَرْيَةٍ

- ‌(باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين قَوْلُهُ[1762](أَنَّ رَسُولَ

- ‌(بَاب الْإِمْدَادِ بِالْمَلَائِكَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَإِبَاحَةِ الْغَنَائِمِ

- ‌(بَاب رَبْطِ الْأَسِيرِ وَحَبْسِهِ وَجَوَازِ الْمَنِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ[1764](فَجَاءَ

- ‌(بَاب إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ الْحِجَازِ قَوْلُهُ صَلَّى[1765]اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن

- ‌هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنِ الْمُعْظَمِ

- ‌(بَاب الْمُبَادَرَةِ بِالْغَزْوِ وَتَقْدِيمِ أَهَمِّ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ

- ‌(بَاب رَدِّ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ مِنْ الشَّجَرِ

- ‌(بَاب جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ طَعَامِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِيهِ

- ‌(بَاب كُتُبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (إلى هرقل ملك

- ‌(بَاب كُتُبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار

- ‌(بَابُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ حُنَيْنٌ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَرَاءَ عَرَفَاتٍ

- ‌(وَعِظَمِ وُثُوقِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ

- ‌(بَاب عزوة الطَّائِفِ[1778]قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو

- ‌مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَصَدَ الشَّفَقَةَ عَلَى

- ‌(بَاب غَزْوَةِ بَدْرٍ قَوْلُهُ[1779](أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب فَتْحِ مَكَّةَ قَوْلُهُ[1780](فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ)

- ‌(بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَالْجِعِرَّانَةِ لُغَتَانِ

- ‌(باب الوفاء بالعهد[1787]قَوْلُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ (خَرَجْتُ

- ‌(بَاب غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ[1788]قَوْلُهُ (كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ رَجُلٌ لَوْ

- ‌(بَاب غَزْوَةِ أُحُدٍ[1789]قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ) هَكَذَا

- ‌(بَاب اشْتِدَادِ غَضَبِ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

- ‌(باب مالقى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مِنْ أَذَى

- ‌لَفْظُ مَا هُنَا بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ الَّذِي لَقِيتِهِ مَحْسُوبٌ فِي سَبِيلِ

- ‌(وَقَالَ مَا الَّذِي غَالَهُ فِي الْوَادِ حَتَّى يَدَعَهُ غَالَهُ بِالْغَيْنِ

- ‌(بَاب قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم[1800](مَنْ يَنْظُرُ

- ‌(وَهَجَاهُ وَسَبَّهُ وَكَانَ عاهده أن لا يُعِينَ عَلَيْهِ أَحَدًا ثُمَّ جَاءَ

- ‌(باب غزوة خيبر[1365]قوله (فصلينا عندها صلاة الْغَدَاةَ بِغَلَسٍ)

- ‌(بَاب غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ وَهِيَ الْخَنْدَقُ[1803]قَوْلُهُ (الْمَلَأُ قَدْ أَبَوْا

- ‌(باب غزوة ذي قرد وغيرها قَوْلُهُ[1806](كَانَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى

- ‌فِيهِ جَوَازُ قَوْلِ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْقِتَالِ وَتَعْرِيفِ

- ‌(بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ الْآيَةَ

- ‌(بَاب النِّسَاءِ الْغَازِيَاتِ يُرْضَخُ لَهُنَّ وَلَا يُسْهَمُ (وَالنَّهْيِ عَنْ

- ‌(باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ فِي

- ‌(باب غزوة ذات الرقاع قَوْلُهُ[1816](وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ

- ‌(بَاب كَرَاهَةِ الِاسْتِعَانَةِ في الغزو بكافر إلا لحاجة (أو

- ‌(كِتَاب الْإِمَارَةِ)

- ‌(بَاب النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ وَالْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ[1818]قَوْلُهُ صَلَّى

- ‌(بَاب الاستخلاف وتركه[1823]قوله (راغب وراهب) أي راج وَخَائِفٌ

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ طَلَبِ الْإِمَارَةِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ[1652]صَلَّى

- ‌(بَاب كَرَاهَةِ الْإِمَارَةِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ[1825](حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ

- ‌(بَاب فَضِيلَةِ الأمير الْعَادِلِ وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ وَالْحَثِّ عَلَى

- ‌((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ

- ‌(بَاب غِلَظِ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ[1831]قَوْلُهُ (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

- ‌(بَاب تَحْرِيمِ هَدَايَا الْعُمَّالِ[1832]قَوْلُهُ (اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

- ‌(بَاب وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ (وَتَحْرِيمِهَا فِي

- ‌(باب الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ

- ‌(باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ قَوْلُهُ

- ‌(بَاب الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عِنْدَ ظُلْمِ الْوُلَاةِ وَاسْتِئْثَارِهِمْ[1845][1846]تَقَدَّمَ

- ‌(باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (وفي

- ‌(بَاب حُكْمِ مَنْ فَرَّقَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ[1852]قَوْلُهُ صَلَّى

- ‌(بَاب إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم[1853](إِذَا

- ‌(باب خيار الأئمة وشرارهم قوله[1855](عن رزيق بْنِ حَيَّانَ

الفصل: ‌(باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم (إلى هرقل ملك

الذَّبِيحَةُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فاستحببت منه) بعني لِمَا رَآهُ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ لِقَوْلِهِ لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شيئا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

‌(بَاب كُتُبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (إلى هرقل ملك

الشام يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (هِرَقْلَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ هِرْقِلُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَهُوَ اسْمُ علم له ولقبه قصير وَكَذَا كُلُّ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ يُقَالُ لَهُ قصير

[1773]

قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الصُّلْحَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ (دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اخْتُلِفَ فِي الرَّاجِحَةِ مِنْهُمَا وادعى بن السِّكِّيتِ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ قَوْلُهُ (عَظِيمُ)

ص: 103

بُصْرَى) هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهِيَ مَدِينَةُ حُورَانَ ذَاتُ قَلْعَةٍ وَأَعْمَالٍ قَرِيبَةٌ مِنْ طَرَفِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّامِ وَالْحِجَازِ وَالْمُرَادُ بِعَظِيمِ بُصْرَى أَمِيرُهَا قَوْلُهُ عَنْ هِرَقْلَ (إنَّهُ سَأَلَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيَسْأَلَهُ عَنْهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا سَأَلَ قَرِيبَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ فِي نَسَبِهِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ إِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ أَيْ لَا تَسْتَحْيُوا مِنْهُ فَتَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ إِنْ كَذَبَ قَوْلُهُ (وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ أَهْوَنَ فِي تَكْذِيبِهِ إِنْ كَذَبَ لِأَنَّ مُقَابَلَتَهُ بِالْكَذِبِ فِي وَجْهِهِ صَعْبَةٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ قَوْلُهُ (دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَهُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ لُغَةٍ بِلُغَةٍ أُخْرَى وَالتَّاءُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ وَأَنْكَرُوا عَلَى الْجَوْهَرِيِّ كَوْنَهُ جَعَلَهَا زَائِدَةً قَوْلُهُ (لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ) مَعْنَاهُ لَوْلَا خِفْتُ أَنَّ رُفْقَتِي يَنْقُلُونَ عَنِّي الْكَذِبَ إِلَى قَوْمِي وَيَتَحَدَّثُونَهُ فِي بِلَادِي لَكَذَبْتُ عَلَيْهِ لِبُغْضِي إِيَّاهُ وَمَحَبَّتِي نَقْصَهُ وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْكَذِبَ قَبِيحٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا هُوَ قَبِيحٌ فِي الْإِسْلَامِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثُرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ وَهُوَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا وَقَوْلُهُ (كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ) أَيْ نَسَبُهُ قَوْلُهُ (فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَهَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مِنْ مَالِكٍ

ص: 104

وَرُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ بكسر الميم وملك بِفَتْحِهَا مَعَ كَسْرِ اللَّامِ وَالثَّانِي مَنْ بِفَتْحِ الميم وملك بِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِحَذْفِ مِنْ قَوْلُهُ (وَمَنْ يَتْبَعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ) يَعْنِي بِأَشْرَافِهِمْ كِبَارَهُمْ وَأَهْلَ الْأَحْسَابِ فِيهِمْ قَوْلُهُ (سَخْطَةً لَهُ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالسَّخَطُ كراهة الشيء وعدم الرضى بِهِ قَوْلُهُ (يَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ نُوَبًا نَوْبَةٌ لَنَا وَنَوْبَةٌ لَهُ قَالُوا وَأَصْلُهُ مِنَ الْمُسْتَقِيِينَ بِالسَّجْلِ وَهِيَ الدَّلْوُ الْمَلْأَى يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَجْلٌ قَوْلُهُ (فَهَلْ يَغْدِرُ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ قَوْلُهُ وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا يَعْنِي مُدَّةَ الْهُدْنَةِ وَالصُّلْحِ الَّذِي جَرَى يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا) يَعْنِي فِي أَفْضَلِ أَنْسَابِهِمْ وَأَشْرَفِهَا قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ انْتِحَالِهِ الْبَاطِلَ وَأَقْرَبُ إِلَى انْقِيَادِ النَّاسِ لَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الضُّعَفَاءَ هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ فَلِكَوْنِ الْأَشْرَافِ يَأْنَفُونَ مِنْ تَقَدُّمِ مِثْلِهِمْ عَلَيْهِمْ وَالضُّعَفَاءُ لَا يَأْنَفُونَ فَيُسْرِعُونَ إِلَى الِانْقِيَادِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنِ الرِّدَّةِ فَلِأَنَّ مَنْ دخل على

ص: 105

بَصِيرَةٍ فِي أَمْرٍ مُحَقَّقٍ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ فِي أَبَاطِيلَ وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنِ الْغَدْرِ فَلِأَنَّ مَنْ طَلَبَ حَظَّ الدُّنْيَا لَا يُبَالِي بِالْغَدْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى ذَلِكَ وَمَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ لَمْ يَرْتَكِبْ غَدْرًا وَلَا غَيْرَهُ مِنَ الْقَبَائِحِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ) يَعْنِي انشراح الصدور وأصلها اللُّطْفُ بِالْإِنْسَانِ عِنْدَ قُدُومِهِ وَإِظْهَارُ السُّرُورِ بِرُؤْيَتِهِ يُقَالُ بَشَّ بِهِ وَتَبَشْبَشَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ مَعْنَاهُ يَبْتَلِيهِمُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُمْ بِكَثْرَةِ صَبْرِهِمْ وَبَذْلِهِمْ وُسْعَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ) أَمَّا الصِّلَةُ فَصِلَةُ الْأَرْحَامِ وَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَذَلِكَ بِالْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَحُسْنِ الْمُرَاعَاةِ وَأَمَّا الْعَفَافُ الْكَفُّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْعِفَّةُ الْكَفُّ عَمَّا لَا يحل ولا يحمل يقال عف يعف عفة وَعَفَافًا وَعَفَافَةً وَتَعَفَّفَ وَاسْتَعَفَّ وَرَجُلٌ عَفٌّ وَعَفِيفٌ

ص: 106

وَالْأُنْثَى عَفِيفَةٌ وَجَمْعُ الْعَفِيفِ أَعِفَّةٌ وَأَعِفَّاءُ قَوْلُهُ (إِنْ يَكُنْ مَا يَقُولُ حَقًّا إِنَّهُ نَبِيٌّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هِرَقْلُ أَخَذَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ فَفِي التَّوْرَاةِ هَذَا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ عَلَامَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَفَهُ بِالْعَلَامَاتِ وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى النُّبُوَّةِ فَهُوَ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَةِ فَهَكَذَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى وَمَعْنَاهُ لَتَكَلَّفْتُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَارْتَكَبْتُ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ أُقْتَطَعَ دُونَهُ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ صِدْقَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا شَحَّ فِي الْمُلْكِ وَرَغِبَ فِي الرِّيَاسَةِ فَآثَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ هِدَايَتَهُ لَوَفَّقَهُ كَمَا وَفَّقَ النَّجَاشِيَّ وَمَا زَالَتْ عَنْهُ الرِّيَاسَةُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَوْفِيقَهُ قَوْلُهُ (ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ إثم الأريسيين ويا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبينكم) الْآيَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ جُمَلٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْفَوَائِدِ مِنْهَا 1 دُعَاءُ الْكُفَّارِ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَهَذَا الدُّعَاءُ وَاجِبٌ وَالْقِتَالُ قَبْلَهُ حَرَامٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ بَلَغَتْهُمْ فَالدُّعَاءُ مُسْتَحَبٌّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ وَمِنْهَا 2 وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ فِي بَعْثِهِ مَعَ دِحْيَةَ فَائِدَةٌ وَهَذَا إِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَمِنْهَا 3 اسْتِحْبَابُ تَصْدِيرِ الْكِتَابِ

ص: 107

بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِ كَافِرًا وَمِنْهَا 4 أَنَّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فهو أجزم الْمُرَادُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْكِتَابُ كَانَ ذَا بَالٍ بَلْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْعِظَامِ وَبَدَأَ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ دُونَ الْحَمْدِ وَمِنْهَا 5 أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنْ يَبْعَثَ بِذَلِكَ إِلَى الْكُفَّارِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْمُسَافَرَةِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ أَيْ بِكُلِّهِ أَوْ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ وَذَلِكَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ وَمِنْهَا 6 أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ وَالْكَافِرِ مَسُّ آيَةٍ أَوْ آيَاتٍ يَسِيرَةٍ مَعَ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَمِنْهَا 7 أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالرَّسَائِلِ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَبْدَأَ الْكَاتِبُ بِنَفْسِهِ فَيَقُولُ مِنْ زَيْدٍ إِلَى عَمْرٍو وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ صِنَاعَةُ الْكِتَابِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ رَوَى فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَآثَارًا قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ قَالَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا تَصْدِيرُ الْكِتَابِ وَالْعُنْوَانِ قَالَ وَرَخَّصَ جَمَاعَةٌ فِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولَ فِي التَّصْدِيرِ وَالْعُنْوَانِ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَبَدَأَ باسم معاوية وعن محمد بن الْحَنَفِيَّةِ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا الْعُنْوَانُ فَالصَّوَابُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ إِلَى فُلَانٍ وَلَا يَكْتُبَ لِفُلَانٍ لِأَنَّهُ إِلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا عَلَى مَجَازٍ قَالَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِنْهَا 8 التَّوَقِّي فِي الْمُكَاتَبَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ فِيهَا فَلَا يُفْرِطُ وَلَا يُفَرِّطُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ فَلَمْ يَقُلْ مَلِكِ الرُّومِ لِأَنَّهُ لَا مُلْكَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ إِلَّا بِحُكْمِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا سُلْطَانَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِمَنْ وَلَّاهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ وَلَّاهُ مَنْ أَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْكُفَّارِ مَا تُنْفِذُهُ الضَّرُورَةُ وَلَمْ يَقُلْ إِلَى هِرَقْلَ فَقَطْ بَلْ أَتَى بِنَوْعٍ مِنَ الْمُلَاطَفَةِ فَقَالَ عَظِيمِ الرُّومِ أَيِ الَّذِي يُعَظِّمُونَهُ وَيُقَدِّمُونَهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلَانَةِ الْقَوْلِ لِمَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ تَعَالَى ادْعُ إِلَى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وقال تعالى فقولا له قولا لينا وَغَيْرَ ذَلِكَ وَمِنْهَا 9 اسْتِحْبَابُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِيجَازِ وَتَحَرِّي الْأَلْفَاظِ الْجَزْلَةِ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم أَسْلِمْ تَسْلَمْ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الِاخْتِصَارِ وَغَايَةٍ مِنَ الْإِيجَازِ وَالْبَلَاغَةِ وَجَمْعِ الْمَعَانِي مَعَ مَا فِيهِ مِنْ بَدِيعِ التَّجْنِيسِ وَشُمُولِهِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا بِالْحَرْبِ وَالسَّبْيِ وَالْقَتْلِ وَأَخْذِ الدِّيَارِ وَالْأَمْوَالِ وَمِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ

ص: 108

10 -

أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ منهم رجل من أهل الكتاب الحديث 11 الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ مَنْ كَانَ سَبَبًا لِضَلَالَةٍ أَوْ سَبَبَ مَنْعٍ مِنْ هِدَايَةٍ كَانَ آثِمًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أثقالهم 12 وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ أَمَّا بَعْدُ فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ لِهَذِهِ بَابًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي مُسْلِمٍ الْأَرِيسِيِّينَ وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَفِي كُتُبِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعَلَى هَذَا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا بِيَاءَيْنِ بَعْدَ السِّينِ وَالثَّانِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ السِّينِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةٌ وَالرَّاءُ مَكْسُورَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَالثَّالِثُ الْإِرِّيسِينَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الراء وبيان وَاحِدَةٍ بَعْدَ السِّينِ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي مُسْلِمٍ وَفِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إِثْمَ الْيَرِيسِيِّينَ بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَبِيَاءَيْنِ بَعْدَ السِّينِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا أَنَّهُمُ الْأَكَّارُونَ أَيِ الْفَلَّاحُونَ وَالزَّرَّاعُونَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ رَعَايَاكَ الَّذِينَ يَتْبَعُونَكَ وَيَنْقَادُونَ بِانْقِيَادِكَ وَنَبَّهَ بِهَؤُلَاءِ عَلَى جَمِيعِ الرَّعَايَا لِأَنَّهُمُ الْأَغْلَبُ وَلِأَنَّهُمْ أَسْرَعُ انْقِيَادًا فَإِذَا أَسْلَمَ أَسْلَمُوا وَإِذَا امْتَنَعَ امْتَنَعُوا وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَفِي غَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَكَّارِينَ وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَإِلَّا فَلَا يَحُلْ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ وَفِي رواية بن وَهْبٍ وَإِثْمُهُمْ عَلَيْكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَلَّاحِينَ الزَّرَّاعِينَ خَاصَّةً بَلِ الْمُرَادُ بِهِمْ جَمِيعُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ الثَّانِي أَنَّهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَهُمْ أَتْبَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرِيسٍ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْأَرُوسِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى وَلَهُمْ مَقَالَةٌ فِي كُتُبِ الْمَقَالَاتِ وَيُقَالُ لَهُمْ الْأَرُوسِيَّونَ الثَّالِثُ أَنَّهُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ

ص: 109

يَقُودُونَ النَّاسَ إِلَى الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ وَيَأْمُرُونَهُمْ بِهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ بِدَعْوَتِهِ وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأُولَى وَمَعْنَاهَا الْكَلِمَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَاعِيَةٌ هُنَا بِمَعْنَى دَعْوَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ليس لها من دون الله كاشفة أَيْ كَشْفٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِالسَّلَامِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ كَافِرًا بِالسَّلَامِ وَأَجَازَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَهَذَا مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَسَتَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ لِاسْتِئْلَافٍ أَوْ لِحَاجَةٍ إِلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَكَثُرَ اللَّغَطُ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِهَا وَهِيَ الْأَصْوَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ قَوْلُهُ (لَقَدْ أمر أمر بن أَبِي كَبْشَةَ) أَمَّا أَمِرَ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الميم أي عظم وأما قوله بن أَبِي كَبْشَةَ فَقِيلَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ كَانَ يَعْبُدُ الشِّعْرَى وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي عِبَادَتِهَا فَشَبَّهُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ إِيَّاهُمْ فِي دِينِهِمْ كَمَا خَالَفَهُمْ أَبُو كَبْشَةَ رُوِّينَا عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ قَالَ لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ عَيْبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ مُجَرَّدَ التَّشْبِيهِ وَقِيلَ إِنَّ أَبَا كَبْشَةَ جَدُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من قبل أمه قال بن قُتَيْبَةَ وَكَثِيرُونَ وَقِيلَ هُوَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى السَّعْدِيُّ حَكَاهُ بن بَطَّالٍ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو الحسن الجرجاني التشابه إنما قالوا بن أَبِي كَبْشَةَ عَدَاوَةً لَهُ صلى الله عليه وسلم فَنَسَبُوهُ إِلَى نَسَبٍ لَهُ غَيْرِ نَسَبِهِ الْمَشْهُورِ إِذْ لَمْ يُمْكِنُهُمُ الطَّعْنُ فِي نَسَبِهِ الْمَعْلُومِ الْمَشْهُورِ قَالَ وَقَدْ كَانَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ جَدُّهُ أَبُو آمِنَةَ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ وَكَذَلِكَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسَدٍ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ أَبُو سَلْمَى أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ يُدْعَى أَبَا كَبْشَةَ قَالَ وَكَانَ فِي أَجْدَادِهِ أَيْضًا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ أَبُو كَبْشَةَ وَهُوَ أَبُو قَبِيلَةِ أُمِّ وَهْبِ بن عبد مناف أبو آمِنَةَ أُمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ خُزَاعِيٌّ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَعْبُدُ الشِّعْرَى وَكَانَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ يُدْعَى أَبَا كَبْشَةَ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى السَّعْدِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ مِثْلَ هَذَا كُلِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حبيب

ص: 110

البغدادي وزاد بن مَاكُولَا فَقَالَ وَقِيلَ أَبُو كَبْشَةَ عَمُّ وَالِدِ حَلِيمَةَ مُرْضِعَتِهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ (إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ) بَنُو الْأَصْفَرِ هم الروم قال بن الْأَنْبَارِيِّ سُمُّوا بِهِ لِأَنَّ جَيْشًا مِنَ الْحَبَشَةِ غَلَبَ عَلَى بِلَادِهِمْ فِي وَقْتٍ فَوَطِئَ نِسَاءَهُمْ فَوَلَدْنَ أَوْلَادًا صُفْرًا مِنْ سَوَادِ الْحَبَشَةِ وَبَيَاضِ الرُّومِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيُّ نُسِبُوا إِلَى الْأَصْفَرِ بْنِ الرُّومِ بْنِ عِيصُو بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ بن الْأَنْبَارِيِّ قَوْلُهُ (مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ) أَمَّا حِمْصُ فَغَيْرُ مصروفة لأنها مؤنثة علم عجمية وَأَمَّا إِيلِيَاءُ فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَشْهَرُهَا إِيلِيَاءُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ بَيْنَهُمَا وَبِالْمَدِّ وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا بِالْقَصْرِ وَالثَّالِثَةُ إِلْيَاءُ بِحَذْفِ الْيَاءِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ حَكَاهُنَّ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَآخَرُونَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي يعلى الموصلي في سند بن عَبَّاسٍ الْإِيلِيَاءُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قِيلَ مَعْنَاهُ بَيْتُ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ فَمَعْنَاهُ شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنَالَهُ إِيَّاهُ وَيُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قَالَ اللَّهُ تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة والله أعلم

ص: 111