الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْحَجِّ وَلَا مُقِيمًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ وَلَا يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَكَرِهَ تَكْرَارَهَا في السنة بن سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَيَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِمَّا فَوْقَ الْمِيقَاتِ أَبْعَدَ مِنْ مَكَّةَ سَوَاءٌ دُوَيْرَةُ أَهْلِهِ وَغَيْرُهَا وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ لِلِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(باب التَّلْبِيَةِ وَصِفَتِهَا وَوَقْتِهَا)
قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ التَّلْبِيَةُ مُثَنَّاةٌ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُ إِجَابَةٌ بَعْدَ إِجَابَةٍ وَلُزُومًا لِطَاعَتِكَ فَتُثَنَّى لِلتَّوْكِيدِ لَا تَثْنِيَةً حَقِيقِيَّةً بمنزلة قوله تعالى بل يداه مبسوطتان أَيْ نِعْمَتَاهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْيَدِ بِالنِّعْمَةِ هُنَا وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُحْصَى وَقَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ لَبَّيْكَ اسْمٌ مُفْرَدٌ لَا مثنى قال وألفه انما انقلبت ياء لا تصالها بِالضَّمِيرِ كَلَدَيَّ وَعَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ مُثَنَّى بِدَلِيلِ قَلْبِهَا يَاءً مَعَ الْمُظْهِرِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ على ما قاله سيبويه قال بن الْأَنْبَارِيِّ ثَنَّوْا لَبَّيْكَ كَمَا ثَنَّوْا حَنَانَيْكَ أَيْ تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّنٍ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لَبَّبْتُكَ فَاسْتَثْقَلُوا الْجَمْعَ بَيْنَ ثَلَاثِ بَاءَاتٍ فَأَبْدَلُوا مِنَ الثَّالِثَةِ يَاءً كَمَا قَالُوا مِنَ الظَّنِّ تَظَنَّيْتُ وَالْأَصْلُ تَظَنَّنْتُ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ وَاشْتِقَاقِهَا فَقِيلَ مَعْنَاهَا اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إِلَيْكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَلُبُّ دَارَكَ أَيْ تُوَاجِهُهَا وَقِيلَ مَعْنَاهَا مَحَبَّتِي قَوْلُهُمْ لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمُ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ إِذَا كَانَتْ مُحِبَّةً لِوَلَدِهَا عَاطِفَةً عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهَا إِخْلَاصٌ لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ حب لُبَابٍ إِذَا كَانَ خَالِصًا مَحْضًا وَمِنْ ذَلِكَ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَإِجَابَتِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ وَأَلَبَّ إِذَا أَقَامَ فِيهِ قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ وَبِهَذَا قَالَ الْخَلِيلُ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هَذِهِ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم وأذن في الناس بالحج وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ أَيْ قُرْبًا مِنْكَ وَطَاعَةً وَالْإِلْبَابُ الْقُرْبُ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ مَعْنَاهُ أَنَا مُلَبٍّ بَيْنَ يَدَيْكَ أَيْ خَاضِعٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي
[1184]
قَوْلُهُ (لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ) يُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إِنَّ وَفَتْحِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْكَسْرُ أَجْوَدُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْفَتْحُ رِوَايَةُ الْعَامَّةِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ الْكَسْرُ وَهُوَ الْأَجْوَدُ فِي الْمَعْنَى مِنَ الْفَتْحِ لِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ مَعْنَاهُ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَنْ فَتَحَ قَالَ مَعْنَاهُ لَبَّيْكَ لِهَذَا السَّبَبِ قَوْلُهُ (وَالنِّعْمَةَ لَكَ) الْمَشْهُورُ فِيهِ نَصْبُ النِّعْمَةِ قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ محذوفا قال بن الْأَنْبَارِيِّ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ خَبَرَ إِنَّ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ إِنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَالنِّعْمَةُ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ وَقَوْلُهُ (وَسَعْدَيْكَ) قَالَ الْقَاضِي إِعْرَابُهَا وَتَثْنِيَتُهَا كَمَا سَبَقَ فِي لَبَّيْكَ وَمَعْنَاهُ مُسَاعَدَةٌ لِطَاعَتِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ قَوْلُهُ (وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ) أَيِ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ فَضْلِهِ قَوْلُهُ (وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ) قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ يُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ وَبِضَمِّ الرَّاءِ مَعَ الْقَصْرِ وَنَظِيرُهُ الْعُلَا وَالْعَلْيَاءُ وَالنُّعْمَى وَالنَّعْمَاءُ قَالَ الْقَاضِي وحكى أَبُو عَلِيٍّ فِيهِ أَيْضًا الْفَتْحَ مَعَ الْقَصْرِ الرَّغْبَى مِثْلُ سَكْرَى وَمَعْنَاهُ هُنَا الطَّلَبُ وَالْمَسْأَلَةُ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ
المقصود بالعمل المستحق للعبادة قوله (عن بن عُمَرَ تَلَقَّفْتُ التَّلْبِيَةَ) هُوَ بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ أَيْ أَخَذْتُهَا بِسُرْعَةٍ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ تَلَقَّنْتُ بالنون قال والأول رواية الجمهور قال وَرُوِيَ تَلَقَّيْتُ بِالْيَاءِ وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ قَوْلُهُ (أَهَلَّ فَقَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ فِي اللُّغَةِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمِنْهُ اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ أَيْ صَاحَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وما أهل به لغير الله أَيْ رُفِعَ الصَّوْتُ عِنْدَ ذَبْحِهِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُمِّيَ الْهِلَالُ هِلَالًا لِرَفْعِهِمُ الصَّوْتَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّدًا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَلْبِيدِ الرَّأْسِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الذي
خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّلْبِيدُ ضَفْرُ الرَّأْسِ بِالصَّمْغِ أَوَ الْخَطْمِيِّ وَشَبَهِهِمَا مِمَّا يَضُمُّ الشَّعْرَ وَيَلْزَقُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَيَمْنَعُهُ التَّمَعُّطَ وَالْقَمْلَ فَيُسْتَحَبُّ لِكَوْنِهِ أَرْفَقُ بِهِ
[1185]
قَوْلُهُ (كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيْلكُمْ قَدْ قَدْ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ) فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم قدقد قَالَ الْقَاضِي رُوِيَ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ التنوين ومعناه كفا كم هَذَا الْكَلَامُ فَاقْتَصِرُوا عَلَيْهِ وَلَا تَزِيدُوا وَهُنَا انْتَهَى كَلَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ عَادَ الرَّاوِي إِلَى حِكَايَةِ كَلَامِ الْمُشْرِكِينَ فقال الاشريكا هُوَ لَكَ إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ اقْتَصِرُوا عَلَى قَوْلِكُمْ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حُكْمُ التَّلْبِيَةِ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي إِيجَابِهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ هِيَ سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْحَجِّ وَلَا بِوَاجِبَةٍ فَلَوْ تَرَكَهَا صَحَّ حَجُّهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هِيَ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ وَيَصِحُّ الْحَجُّ بِدُونِهَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ وَلَا الْحَجُّ إِلَّا بِهَا وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنْ لَوْ تَرَكَهَا لزمه دم وصحه حَجُّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَنْعَقِدُ الْحَجُّ بِالنِّيَّةِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ كَمَا يَنْعَقِدُ الصَّوْمُ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِانْضِمَامِ التَّلْبِيَةِ أَوْ سَوْقِ الْهَدْيِ إِلَى النِّيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَيَجْزِي عَنِ التَّلْبِيَةِ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ كَمَا قَالَ هُوَ أَنَّ التَّسْبِيحَ وَغَيْرَهُ يجزئ فِي الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ عَنِ التَّكْبِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَ لَهَا الرَّفْعُ لِأَنَّهُ يُخَافُ الْفِتْنَةُ