الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَجَرَيْنِ فَوَضَعَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ تَرَوْنَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ مِنَ النُّورِ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! مَا نَرَى بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلًا، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَظْهَرَنَّ الْبِدَعُ حَتَّى لَا يُرَى مِنَ الْحَقِّ إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ مِنَ النُّورِ، وَاللَّهِ لَتَفْشُوَنَّ الْبِدَعُ حَتَّى إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالُوا: تُرِكَتِ السُّنَّةُ ".
وَلَهُ آخَرُ قَدْ تَقَدَّمَ.
وَعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " مَا أَحْدَثَتْ أُمَّةٌ فِي دِينِهَا بِدْعَةً; إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُمْ سُنَّةً ".
وَعَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ; قَالَ: " مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ; إِلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا، ثُمَّ لَمْ يُعِدْهَا إِلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ يَرْفَعُهُ: «لَا يُحْدِثُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً; إِلَّا تَرَكَ مِنَ السُّنَّةِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا» .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه; قَالَ: " مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً، حَتَّى تَحْيَا الْبِدَعُ، وَتَمُوتَ السُّنَنُ ".
[الْمُبْتَدِعُ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ الشَّرِيعَةِ]
وَأَمَّا أَنَّ صَاحِبَهَا مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ الشَّرِيعَةِ:
فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .
وَعَدَّ مِنَ الْإِحْدَاثِ: الِاسْتِنَانُ بِسُنَّةٍ سُوءٍ لَمْ تَكُنْ.
وَهَذِهِ اللَّعْنَةُ قَدِ اشْتَرَكَ فِيهَا صَاحِبُ الْبِدْعَةِ مَعَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ وَقَدْ
شَهِدَ أَنَّ بَعْثَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهَا، وَجَاءَهُ الْهُدَى مِنَ اللَّهِ وَالْبَيَانُ الشَّافِي، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} [آل عمران: 86] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [آل عمران: 87] إِلَى آخِرِهَا.
وَاشْتَرَكَ أَيْضًا مَعَ مَنْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَبَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] إِلَى آخِرِهَا.
فَتَأَمَّلُوا الْمَعْنَى الَّذِي اشْتَرَكَ الْمُبْتَدِعُ فِيهِ مَعَ هَاتَيْنِ الْفِرْقَتَيْنِ، وَذَلِكَ مُضَادَّةُ الشَّارِعِ فِيمَا شَرَعَ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ، وَبَيَّنَ الطَّرِيقَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى غَايَةِ مَا يُمْكِنُ مِنَ الْبَيَانِ، فَضَادَّهَا الْكَافِرُ بِأَنْ جَحَدَهَا جَحْدًا، وَضَادَّهَا كَاتِمُهَا بِنَفْسِ الْكِتْمَانِ، لِأَنَّ الشَّارِعَ يُبَيِّنُ وَيُظْهِرُ وَهَذَا يَكْتُمُ وَيُخْفِي، وَضَادَّهَا الْمُبْتَدِعُ بِأَنْ وَضَعَ الْوَسِيلَةَ لِتَرْكِ مَا بَيَّنَ وَإِخْفَاءِ مَا أَظْهَرَ، لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدْخِلَ الْإِشْكَالَ فِي الْوَاضِحَاتِ، مِنْ أَجْلِ اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهَاتِ، لِأَنَّ الْوَاضِحَاتِ تَهْدِمُ لَهُ مَا بَنَى عَلَيْهِ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ، فَهُوَ آخِذٌ فِي إِدْخَالِ الْإِشْكَالِ عَلَى الْوَاضِحِ، حَتَّى يَرْتَكِبَ مَا جَاءَتِ اللَّعْنَةُ فِي الِابْتِدَاعِ بِهِ مِنَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ: " قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ يَعْنِي: الْمَدِينَةَ فَصَلَّى وَوَضَعَ رِدَاءَهُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ; رَمَقَهُ النَّاسُ بِأَبْصَارِهِمْ وَرَمَقُوا مَالِكًا، وَكَانَ قَدْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا سَلَّمَ;