المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل تخرصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيين مع العرو عن علم العربية] - الاعتصام للشاطبي ت الهلالي - جـ ١

[الشاطبي الأصولي النحوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[مَعْنَى حَدِيثِ " بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا

- ‌[التَّحْذِيرُ مِنِ الْبِدَعِ وَبَيَانُ أَنَّهَا ضَلَالَةٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الْجَادَّةِ]

- ‌[التَّرْغِيبُ فِي إِحْيَاءِ السُّنَنِ]

- ‌[سَبَبُ تَأْلِيفِ كِتَابِ الِاعْتِصَامِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ تَعْرِيفُ الْبِدَعِ وَبَيَانُ مَعْنَاهَا وَمَا اشْتُقَّ مِنْهُ لَفْظًا]

- ‌[تَعْرِيفُ الْبِدْعَةِ وَبَيَانُ مَعْنَاهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْبِدْعَةُ التَّرْكِيَّةُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي ذَمِّ الْبِدَعِ وَسُوءِ مُنْقَلَبِ أَصْحَابِهَا]

- ‌[الْأَدِلَّةُ مِنَ النَّظَرِ عَلَى ذَمِّ الْبِدَعِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَدِلَّةُ مِنَ النَّقْلِ عَلَى ذَمِّ الْبِدَعِ]

- ‌[مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِي ذَمِّ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذَمِّ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي ذَمِّ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَا جَاءَ عَنِ الصُّوفِيَّةِ فِي ذَمِّ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَا جَاءَ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ الْمَذْمُومِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَوْصَافُ الْمَحْذُورَةُ وَالْمَعَانِي الْمَذْمُومَةُ فِي الْبِدَعِ]

- ‌[الْبِدْعَةُ لَا يُقْبَلُ مَعَهَا عِبَادَةٌ]

- ‌[صَاحِبُ الْبِدْعَةِ تُنْزَعُ مِنْهُ الْعِصْمَةُ وَيُوكَلُ إِلَى نَفْسِهِ]

- ‌[الْمَاشِي إِلَى الْمُبْتَدِعِ وَالْمُوَقِّرِ لَهُ مُعِينٌ عَلَى هَدْمِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[الْمُبْتَدِعُ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[الْمُبْتَدِعُ يَزْدَادُ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا]

- ‌[الْبِدَعُ مَظِنَّةُ إِلْقَاءِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[الْبِدَعُ مَانِعَةٌ مِنْ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْبِدَعُ رَافِعَةٌ لِلسُّنَنِ الَّتِي تُقَابِلُهَا]

- ‌[عَلَى الْمُبْتَدِعِ إِثْمُ مَنْ عَمِلَ بِالْبِدْعَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[الْمُبْتَدِعُ لَيْسَ لَهُ تَوْبَةٌ]

- ‌[الْمُبْتَدِعُ يُلْقَى عَلَيْهِ الذُّلُّ فِي الدُّنْيَا وَالْغَضَبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْمُبْتَدِعُ بَعِيدٌ عَنْ حَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْخَوْفُ عَلَى الْمُبْتَدِعِ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا]

- ‌[الْخَوْفُ عَلَى الْمُبْتَدِعِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ]

- ‌[اسْوِدَادُ وَجْهِ الْمُبْتَدِعِ فِي الْآخِرَةِ]

- ‌[الْبَرَاءَةُ مِنَ الْمُبْتَدِعِ]

- ‌[فِتْنَةُ الْمُبْتَدِعِ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ ذَمُّ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ وَالرَّدُّ عَلَى شُبَهِ الْمُبْتَدِعَةِ]

- ‌[ذَمُّ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ عَامٌّ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَامُ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَفْظُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ]

- ‌[فَصْلٌ إِثْمُ الْمُبْتَدِعِينَ لَيْسَ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهَا فِي الضَّرُورِيَّاتِ وَمِنْ جِهَةِ الْإِسْرَارِ وَالْإِعْلَانِ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهَا وَعَدَمِهَا]

- ‌[الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ خَارِجًا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَوْ غَيْرَ خَارِجٍ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْبِدْعَةِ حَقِيقِيَّةً أَوْ إِضَافِيَّةً]

- ‌[الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْبِدْعَةِ ظَاهِرَةَ الْمَأْخَذِ أَوْ مُشْكِلَةً]

- ‌[الِاخْتِلَافُ بِحَسَبِ الْإِصْرَارِ عَلَى الْبِدْعَةِ أَوْ عَدَمِهِ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْبِدْعَةِ كُفْرًا وَعَدَمَهُ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُقَامُ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ شُبَهُ الْمُبْتَدِعَةِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ]

- ‌[الرَّدُّ عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَهُوَ خَيْرٌ وَالْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّدُّ عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ الْبِدْعَةَ تَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّدُّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَقْسِيمِ الْبِدْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ هُمُ الْمَشْهُورُونَ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ الْمُقْتَدُونَ بِأَفْعَالِ السَّلَفِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَأْخَذِ أَهْلِ الْبِدَعِ بِالِاسْتِدْلَالِ]

- ‌[الرَّاسِخِينَ لَهُمْ طَرِيقًا يَسْلُكُونَهَا فِي اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالزَّائِغِينَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ وُجُوهُ مُخَالِفَةِ طَرِيقِ الْحَقِّ]

- ‌[اعْتِمَادُهُمْ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ وَالْمَكْذُوبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّهُمْ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي جَرَتْ غَيْرَ مُوَافِقَةٍ لِأَغْرَاضِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ تَخَرُّصُهُمْ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْعَرَبِيَّيْنِ مَعَ الْعُرُوِّ عَنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ انْحِرَافُهُمْ عَنِ الْأُصُولِ الْوَاضِحَةِ إِلَى اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي لِلْعُقُولِ فِيهَا مَوَاقِفُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَخْذُ بِالْمُطْلَقَاتِ قَبْلَ النَّظَرِ فِي مُقَيِّدَاتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ تَحْرِيفُ الْأَدِلَّةِ عَنْ مَوَاضِعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ بِنَاءُ طَائِفَةٍ مِنْهُمُ الظَّوَاهِرَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى تَأْوِيلَاتٍ لَا تُعْقَلُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُغَالَاةُ فِي تَعْظِيمِ الشُّيُوخِ]

- ‌[فَصْلٌ أَخْذُ الْأَعْمَالِ إِلَى الْمَنَامَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاجْتِمَاعُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي وَالْأَخْذُ بِالذِّكْرِ الْجَهْرِيِّ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الْبِدَعِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا]

- ‌[مَعْنَى الْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْبِدْعَةِ الْإِضَافِيَّةِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْإِضَافِيَّةِ مَا يَقْرُبُ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَمَا يَبْعُدُ عَنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْأَخْذُ فِي التَّسْهِيلِ وَالتَّيْسِيرِ مَعَ الِالْتِزَامِ عَلَى جِهَةِ مَا لَا يَشُقُّ الدَّوَامُ]

- ‌[فَصْلٌ الدُّخُولُ فِي عَمَلٍ عَلَى نِيَّةِ الِالْتِزَامِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّدُّ عَلَى إِشْكَالِ أَنَّ الْأَدِلَّةَ عَلَى كَرَاهِيَةِ الِالْتِزَامَاتِ الَّتِي يَشُقُّ دَوَامُهَا مُعَارَضٌ بِمَا دَلَّ عَلَى خِلَافِهِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّظَرُ فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي انْتِفَاءَهُ عِنْدَ الْعِلَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّدُّ عَلَى إِشْكَالِ أَنَّ الْتِزَامَ النَّوَافِلِ الَّتِي يَشُقُّ الْتِزَامُهَا مُخَالَفَةٌ لِلدَّلِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ تَدَيُّنًا أَوْ شِبْهَ التَّدَيُّنِ]

- ‌[فَصْلٌ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يُتَصَوُّرُ فِي أَوْجُهٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَمَلُ بِغَيْرِ شَرِيعَةٍ أَوِ الْعَمَلُ بِشَرْعٍ مَنْسُوخٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْخُرُوجُ عَنِ السُّنَّةِ إِلَى الْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوِ الْإِضَافِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَصْلُ الْعَمَلِ مَشْرُوعًا وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ جَارِيًا مَجْرَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الدُّعَاءُ بِإِثْرِ الصَّلَاةِ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ دَائِمًا]

- ‌[فَصْلٌ سُكُوتُ الشَّارِعِ عَنِ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةٍ مَا]

- ‌[فَصْلٌ الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِ عَمِلَ السَّلَفُ بِمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ مَنْ قَبْلَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ مِنَ الْبِدَعِ الْإِضَافِيَّةِ كُلُّ عَمَلٍ اشْتَبَهَ أَمْرُهُ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَهُوَ بِدْعَةٌ أَمْ غَيْرُ بِدْعَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ مِنَ الْبِدَعِ الْإِضَافِيَّةِ إِخْرَاجُ الْعِبَادَةِ عَنْ حَدِّهَا الشَّرْعِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْبِدَعُ الْإِضَافِيَّةُ هَلْ يُعْتَدُّ بِهَا عِبَادَاتٍ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ]

الفصل: ‌[فصل تخرصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيين مع العرو عن علم العربية]

وَالْأَثَرُ الْآخَرُ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» ، وَهَذِهِ مِنْ كَلَامِ هَذَا الْمُتَأَخِّرِ وَهْلَةٌ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ.

[فَصْلٌ تَخَرُّصُهُمْ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْعَرَبِيَّيْنِ مَعَ الْعُرُوِّ عَنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ]

فَصْلٌ

وَمِنْهَا: تَخَرُّصُهُمْ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْعَرَبِيَّيْنِ مَعَ الْعُرُوِّ عَنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ الَّذِي يُفْهَمُ بِهِ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ:

فَيَفْتَاتُونَ عَلَى الشَّرِيعَةِ بِمَا فَهِمُوا، وَيَدِينُونَ بِهِ، وَيُخَالِفُونَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا دَخَلُوا ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ تَحْسِينِ الظَّنِّ بِأَنْفُسِهِمْ، وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَلَيْسُوا كَذَلِكَ:

كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117]؟ فَقَالَ: " هُوَ هَذَا الصَّرْصَرُ "؛ يَعْنِي صِرَارَ اللَّيْلِ.

وَعَنِ النَّظَّامِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " إِذَا آلَى (الْمَرْءُ) بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ قَالَ: " لِأَنَّ الْإِيلَاءَ مُشْتَقٌّ مِنَ اسْمِ اللَّهِ ".

وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]، " لِكَثْرَةِ أَكْلِهِ مِنَ الشَّجْرَةِ "، يَذْهَبُونَ إِلَى قَوْلِ الْعَرَبِ، غَوَى الْفَصِيلُ إِذَا أَكْثَرَ مِنَ اللَّبَنِ حَتَّى بَشِمَ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ: غَوَى، وَإِنَّمَا غَوَى مِنَ الْغَيِّ.

وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} [الأعراف: 179]؛ أَيْ: " أَلْقَيْنَا فِيهَا "؛ كَأَنَّهُ

ص: 301

عِنْدَهُمْ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: ذَرَّتُهُ الرِّيحُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَرَأْنَا مَهْمُوزٌ، وَذَرَتْهُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مِنْ: أَذَرَّتْهُ الدَّابَّةُ عَنْ ظَهْرِهَا؛ لِعَدَمِ الْهَمْزَةِ، وَلَكِنَّهُ رُبَاعِيٌّ، وَذَرَأْنَا ثُلَاثِيٌّ.

وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةِ عَنْ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ: قَضَى اللَّهُ لَكُمُ الْحَوَائِجَ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَهْيَئِهَا، فَسَمِعَ قَاسِمٌ التَّمَّارُ قَوْمًا يَضْحَكُونَ، فَقَالَ: هَذَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنَّ سُلَيْمَى وَاللَّهُ يَكْلُوهَا

ضَنَّتْ بِشَيْءٍ مَا كَانَ يَرْزُوهَا

وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ رَأْسٌ فِي الرَّأْيِ، وَقَاسِمٌ التَّمَّارُ رَأَسٌ فِي أَصْحَابِ الْكَلَامِ.

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: " وَاحْتِجَاجُهُ لِبِشْرٍ أَعْجَبُ مِنْ لَحْنِ بِشْرٍ ".

وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ [عَلَى] تَحْلِيلِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} [البقرة: 173]، فَاقْتَصَرَ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّحْمِ دُونَ غَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ!

وَرُبَّمَا سَلَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَا قَالُوا، وَزَعَمَ أَنَّ الشَّحْمَ إِنَّمَا حَرُمَ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَمْرُ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللَّحْمَ يُطْلَقُ عَلَى الشَّحْمِ وَغَيْرِهِ حَقِيقَةً، حَتَّى إِذَا خُصَّ بِالذِّكْرِ؛ قِيلَ: شَحْمٌ؛ كَمَا يُقَالُ: عِرْقٌ، وَعَصَبٌ، وَجِلْدٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالُوا؛ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونُ الْعِرْقُ وَالْعَصَبُ وَلَا الْجِلْدُ وَلَا الْمُخُّ وَلَا النُّخَاعُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا خُصَّ بِالِاسْمِ مُحَرَّمًا، وَهُوَ خُرُوجٌ عَنْ

ص: 302

الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَفِيِّ هَذَا الْبَابِ مَذْهَبُ الْخَوَارِجِ فِي زَعْمِهِمْ أَنْ لَا تَحْكِيمَ؛ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]؛ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ، فَلَا يَلْحَقُهُ تَخْصِيصٌ، فَلِذَلِكَ أَعْرَضُوا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35]، وَقَوْلِهِ:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95].

وَإِلَّا؛ فَلَوْ عَلِمُوا تَحْقِيقًا قَاعِدَةَ الْعَرَبِ فِي أَنَّ الْعُمُومَ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ؛ لَمْ يُسْرِعُوا إِلَى الْإِنْكَارِ، وَلَقَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: هَلْ هَذَا الْعَامُّ مَخْصُوصٌ؟ فَيَتَأَوَّلُونَ.

وَفِي الْوَضْعِ وَجْهٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا.

وَكَثِيرًا مَا يُوقِعُ الْجَهْلُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَجَازٍ لَا يَرْضَى بِهَا عَاقِلٌ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنَ الْجَهْلِ وَالْعَمَلِ بِهِ بِفَضْلِهِ.

فَمِثْلُ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ لَا يُعْبَأُ بِهَا، وَتَسْقُطُ مُكَالَمَةُ أَهْلِهَا، وَلَا يُعَدُّ خِلَافُ أَمْثَالِهِمْ، وَمَا اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفُرُوعِيَّةِ أَوِ الْأُصُولِيَّةِ؛ فَهُوَ عَيْنُ الْبِدْعَةِ، إِذْ هُوَ خُرُوجٌ عَنْ طَرِيقَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى.

فَحَقٌّ مَا حُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، حَيْثُ قَالَ:

ص: 303