الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
مدخل
(1)
بيانٌ موجَز لدخول الإسلام بلادَ الهوسا وأثرُه فيهم
ذهب أكثر الباحثين إلى أنّ الإسلامَ دخل بلاد الهوسا في الفترة بين القرن الحادي عشر والرّابع عشر الميلاديين، وذلك لأنّ ملك كَانِم برنو (1) : هَمّي جَلْمي (1085- 1097م) اعتنق الإسلامَ فأسلمت على يده مملكتُه كلّها، وصار الإسلام فيها بعد ذلك منتشراً في سلاطينهم وعامّتهم، بل ليس في هذه البلاد عامّة معتنون بقراءة القرآن وتجويدِه وحِفْظه وكتابَتِه أكثر منهم (2) . وقد أسلم أمير كانو: عَلِي ياجي (1349-1385م) وانتشر الإسلام في عهده. وَفرّق الأستاذ الدكتور شيخو أحمد غلادنثي ما بَين دخول الإسلام إلى الدولة وانتشارِه عن طريقها، - فيكون الأمر كما ذكر المؤرِّخون -، وبين دخول الإسلام إلى أفراد الشّعب وانتشاره بينهم بالطّرق السِّلْمِيّة عن طريق التّجارة وغيرها، وحينئذ فدخول الإسلام إلى المنطقة أقدمُ بكثير مما ذكر المؤرِّخون (3)، ومما استُشْهد به على ذلك قولُ المؤرِّخ الشيخ محمّد بللو:((إنّ الإسلام في هذه البلاد إنّما ورد به التّجار والمسافِرون فأخذه مَن أَخَذه عَنْهم)) (4) .
بيد أنّ غَالِب من اعتنق الإسلام في أوّل الأمر لم يدركوا جَيّدا الحقائقَ
(1) تقع الآن في نيجيريا.
(2)
((إنفاق الميسور)) لمحمد بللو (ص9) .
(3)
انظر: ((حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا)) للدكتور شيخو غلادنثي (27- 30) .
(4)
((إنفاق الميسور)) لمحمد بللو (ص10)، وانظر:((حركة اللغة العربية)) (ص33) .
الإسلاميّة، فاستمرّوا على ما يُشبِه جاهليَّتَهم، مع تَأْدِيتِهم بعضَ شعائر الإسلام كالصّلاة والصّوم، ولكن ذلك لم يمنعهم من التّعلق بغير الله، والذّبح للجنّ والأشجار، وإتيان الكَهنة والسَّحرة، والتّطيّر، وإدمانِ الخمر، وتبرّج النّساء، وغير ذلك، ومما زاد الطِّينَ بِلّةً أنّ أكثر السّلاطين الذين ادّعوا الإسلام لَم يؤمنوا به حقّ الإيمان، وإنما أرادوا استغلالَه لمصالحهم؛ لَمّا رأوا إقبالَ النّاس على ذلك الدين الجديد. وكان العلماء أيضاً في أول العهد قلّة، ولم يكن لدى التّجار الذين هم سببُ انتشار الإسلام الكَفَاءةُ العِلمِيَّة الّتي تُؤَهِّلُهم لشرح المعاني الدّقيقة والقواعد الأساسية للإسلام، ويُضاف إلى ذلك كثرةُ ترحال التّجار وعدم استقرارهم في محل واحد؛ مما جعل إمكانية التّعليم الجاد المستمرّ أمراً عسيراً، لكن الأمر تحسّن مع مرور الوقت، لما بدأ العلماء يَفدون إلى هذه البلاد من المغرب العربي ومصر، ولعلّ من أشهر من وفد إليها من العُلماء الإمام السّيوطي رحمه الله (ت911هـ) ، والشّيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني (ت919هـ) . فانكبّ جمعٌ من النّاس على طلب العلم، ونشأ العديدُ من المدارس والمراكز العِلمِيَّة.
ثم إنّ الأمر قبل ظهور دولة الشّيخ عثمان بن فودي (خلافة صكتو) قد أخذ في التّردي والانحطاط، حَتّى كادت آثارُ الإسلام تُمْحى؛ إذْ أكبّ كثيرٌ من النّاس على عبادة الأحجار والأشجار والأنهار يَرجُونها لجلب الخير
ودفع الشَّرّ، وانتشرت البدَعُ، وفَشَتِ المنكراتُ والتّقاليد الجاهليّة بصورةٍ مُزْرِيَةٍ جداًّ.
فشاء الله أن تهبّ رياحُ خيرٍ على المنطقة في أوائل القرن الحادي عشر الهجري، إذ ظَهر نخبةٌ من العلماء، منهم: الشّيخ محمد سمبو بن عبد الله، وكان
عالماً تقياً، رَحل إلى الحرمَيْن وأقام فيهما بِضع عشرة حِجَّة، ومنهم الشّيخ محمّد بن الرّاجي، أخذ (صحيح البخاري) وكتبَ السُّنَّة عن علماء الحجاز، وله إجازة إلى البخاري من شَيخه أبي الحسن السِّندي عن محمّد بن حياة السِّندي. ومنهم: الشّيخ جبريل بن عمر، الذي كان عالماً ربّانياً، شديدَ التّمسك بالسُّنَّة، وصار الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر دَيْدَنَه، ولم يَكن يَخافُ في ذلك لومَةَ لائمٍ، فقام بمحاربة البِدع والعادات الجاهليّة، فأخذ ذلك عنه تلميذُه الشّيخ عثمان بن محمّد بن صالح بن فودي الّذي سَاءَه ما آلت إليه أحوالُ البلاد من قلّةِ العلْمِ وانتشار البِدَع والخرافَات وظُلْمِ الأمراء وغير ذلك، فأخذ يَقتفي أثرَ شيخه (جبريل بن عمر) فَجال المدُنَ والقُرى يدعو النّاس ويعلمّهم دينَهم، فدعا إلى إحياء السُّنَّة وطرح مَا يخالفها، وقد وقف رحمه الله أمام سَلاطين الهوسا وَأنكر عليهم انحرافَهم عن الدِّين وظُلْمَهم الرَّعِيَّةَ وحملَهم إيّاهم على أحكامٍ جاهليَّةٍ وتقاليدَ موروثَةٍ، فقابلوا دعوتَه بالرَّفض والاضطهاد له - وأمّا عامة الشّعب فقد التفوا حول الشّيخ منذ البداية، وَقَبِلوا دَعْوَتَه وأخذوها بقوّة - وكان أشدّ الأمراء عداوةً لدعوة الشّيخ سلطان غُوبر الذي يُدعى (يُنفَى) ، فدارت مناوشاتٌ وحروبٌ انتهت إلى النّصر المبين لجماعة الشّيخ. وأخذت إماراتُ الهوسا تَسقط شيئاً فشيئاً، إلى أن أقام الشّيخ عثمان عام: 1812م دولةً إسلاميّة قويّةً هي الوحيدة على نمطها في القارة الإفريقيّة، فدخلت في طاعتها كلّ إماراتِ الهوسا وبعضُ مملكة برنو وإقليمِ أَدَمَاوَا.
وقد أخذتْ هذه الدّولة على عَاتقها تطبيقَ الشّريعة، ونشر الإسلام وثقافته واللّغة العربيّة في المنطقة بصورةٍ مُتميِّزة، بل إنّها صَيّرت العربية لغة
البلاد الرّسميّة، وقامت بتشجيع العُلماء على الدّعوة والتّدريس والوعظ، فانتشر لذلك الإسلام بين جميع رَعَايَاها حتى لم يبق منهم على الوثنيّة إلاّ قلّة، واستمرّت على المنهج الإسلامي - وإن وجدت بعضُ الانحرافات عن المنهج الأمثل لدى بعض أُمرائها، ولكن قواعد الدّولة ظلّت على أساس الشّريعة الإسلاميّة - إلى أن سيطر الإنجليز عليها عام 1903م.
ومن الجدير بالذّكر أنّ قبائل الهوسا يتمركزون بِصِفَةٍ أساسيّة في الإقليم الشّمالي للبلاد، وكذلك في الْبُلدان المجاوِرة مثل: النّيجر والكامرون، وشمالي التُوجو وبنين وغَاَنا، ويبلغ نِسبتُها من عدد السّكان – بما فيها قبائل الفولاّني - حوالي: 33 ? يمثِّل المسلمون منهم أكثرَ من 97 ?، ونسبةُ التدين فيهم عالية بسبب الحركة التجديديّة للشيخ عثمان بن فودي، ومع ذلك فلا يَزال الجهلُ بالدّين وبعضُ العادات والتّقاليد الخاطئة مشوِّهَاتٍ ضخمة لروح التّدين لديهم. وقد امتزج الهوساويون بقبائل الفولاّني، ونتيجةً لشدة التّمازج الحاصل بين هاتين المجموعتين فإنّ أكثر من 70 ? من الفولانيين الّذين يعيشون في المدن لا يعرفون لغتهم الأصليّة، ويستخدمون في تخاطبهم لغة الهوسا بَدلاً عنها، فأصبحوا يؤلفون مجموعةً عرقيةً واحدة يُطلق عليها اسم:(هوسا-فولاني) .
(2)
لَمْحَةٌ عن مَكَانة السُّنَّة النَّبويَّة في التّشريع الإسلاميّ
للسّنة النَّبويَّة مكانةٌ عظيمةٌ ومنزلة عاليةٌ رفيعةٌ في التّشريع الإسلامي، فهي المبيِّنةُ للقرآن الكرِيم، والمفسِّرةُ لمجمَلِه، والمخصِّصَة لعامِّه، والمقيّدة لمطلَقِه، والشّارحةُ لمبهَمِه، ولذلك أوجب الله تعالى على المسلمين النّزولَ عندحكمِه صلى الله عليه وسلم في كلّ خلافٍ فقال تعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْفِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} :[النساء: 65] .
وجعل طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة لله، فقال عز من قائل:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَعَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80] . وحذّر من مَغَبّة مُخالَفة أمره صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .
والآيات في وجوب اتباع سنّته صلى الله عليه وسلم والنّهي عن مخالفته صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ جدًّا.
وقد أكد رَسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في أحاديثَ كثيرةٍ تكفي في الدّلالة على أنّ السُّنَّة تَوْءَمُ الكِتاب، وقرينةُ التنزيل؛ منها ما رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) - واللفظ له- بسندٍ صحيحٍ عن المقدام بن مَعدي كرب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ألا إنّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَه مَعه)) . وهذه المثليّة شاملةٌ
(1)((مسند الإمام أحمد)) (4/130) .
(2)
((سنن أبي داود)) (4/200/رقم4604) .
لمعنى الوَحْي، ومَعْنى الاستقلاليَّة في التّشريع، فهو وحيٌ كالتنزيل، وشريعةٌ يتحتَّم على المسلم الإيمانُ بها، والتَّسليمُ لقضائها دون شعورٍ بأدنى حرجٍ من ذلك أو ضيقٍ، وأنّ على المسلم الأخذَ بها ومَن ادَّعَى الاستغناءَ بالقرآن عَنها فقد خاَلف الصِّراط المستقيم الّذي دلّت عليه آياتُ التنزيل وبَيَّنَه النّبي صلى الله عليه وسلم أوضحَ بيانٍ، وسار عليه الصّحابة وأئمّة الهدى من بعدهم رضي الله عنهم أجمعين.