الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْبَيْهَقِيّ روينَا عَن عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ أَنه كَانَ إِذا رأى رجلا يُصَلِّي وَهُوَ يسمع الْإِقَامَة ضربه
قلت أَيجوزُ لمُسلم أَن يسمع هَذِه الْأَحَادِيث والإثار ثمَّ يَقُول أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى النَّاس عَن الصَّلَاة من حَيْثُ هِيَ صَلَاة وَأَن عمر وَابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا داخلان تَحت قَوْله تَعَالَى {أَرَأَيْت الَّذِي ينْهَى عبدا إِذا صلى} سُورَة العلق 9 10 وَأَن يُقَال لَهما جَوَابا عَن نهيهما {كلا لَا تطعه واسجد واقترب} سُورَة العلق آيَة 19 فَكَذَلِك كل من نهى عَن مَا نهى عَنهُ الشَّرْع لَا يَقُول لَهُ ذَلِك وَلَا يستحسنه من قَائِله ويسطره متبجحا بِهِ إِلَّا جَاهِل محرف لكتاب الله تَعَالَى مبدل لكَلَامه قد سلبه الله تَعَالَى لَذَّة فهم مُرَاده من وحيه
إِن كَانَ هَذَا من أوضح الْمَوَاضِع فَكيف بِمَا يذقْ مَعَانِيه وتلطف اشاراته ورده على الناهي عَن ذَلِك ممتثلا بقوله تَعَالَى {كلا لَا تطعه} يتَضَمَّن الرَّد على الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي نهى وَأمر بانكار الْمُنكر وَالله حسيب من افترى اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّن يدْخل فِي عُمُوم مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُرْسلا وَمَرْفُوعًا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي وَغَيرهمَا رضى الله عَنْهُم يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عَدو لَهُ ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الْجَاهِلين
7 -
فصل فِيمَا اشْتهر من الْبدع فِي بِلَاد الْإِسْلَام
وَمن هَذَا الْقسم الثَّانِي أُمُور اشتهرت فِي مُعظم بِلَاد الْإِسْلَام وَعظم وقعها عِنْد الْعَوام وَوضعت فِيهَا أَحَادِيث كذب فِيهَا على الله وعَلى رَسُوله صلى الله عليه وسلم واعتقد بِسَبَب تِلْكَ الْأَحَادِيث فِيهَا مَا لم يعْتَقد فِيمَا افترضه الله تَعَالَى واقترنت فِيهَا مفاسد كَثِيرَة وَأدّى التَّمَادِي فِي ذَلِك الى أُمُور مُنكرَة غير يسيرَة ترك الاحتفال بهَا أَولا فتفاهم أمرهَا فسومح بهَا فتطاير شررها وطهر شَرها وأشدها فِي ذَلِك ثَلَاثَة أُمُور وَهِي التَّعْرِيف والألفية وَصَلَاة الْغَائِب
أما التَّعْرِيف الْمُحدث فعبارة عَن اجْتِمَاع النَّاس عَشِيَّة يَوْم عَرَفَة فِي غير عَرَفَة فعلول مَا يَفْعَله الْحَاج يَوْم عَرَفَة من الدُّعَاء وَالثنَاء وَهَذَا أحدث قَدِيما واشتهر فِي الأفاق شرقا وغربا واستفحل أمره بِبَيْت الْمُقَدّس وَخرج الْأَمر فِيهِ الى مَا لَا يحل اعْتِقَاده وسنذكره
أخبرنَا أَبُو الْحسن ثَنَا أَبُو طَاهِر أخبرنَا أَبُو بكر الطرطوشي قَالَ ابْن وهب سَأَلت مَالِكًا عَن الْجُلُوس يَوْم عَرَفَة يجلس أهل الْبَلَد فِي مَسْجِدهمْ وَيَدْعُو الامام رجَالًا يدعونَ الله تَعَالَى للنَّاس الى غرُوب الشَّمْس فَقَالَ مَالك مَا نَعْرِف هَذَا وَإِن النَّاس عندنَا الْيَوْم يَفْعَلُونَهُ قَالَ ابْن وهب سَمِعت مَالِكًا يسْأَل عَن جُلُوس النَّاس فِي الْمَسْجِد عَشِيَّة عَرَفَة بعد الْعَصْر واجتماعهم للدُّعَاء فَقَالَ لَيْسَ هَذَا من أَمر النَّاس وَإِنَّمَا مَفَاتِيح هَذِه الْأَشْيَاء من الْبدع قَالَ ماللكك رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْعُتْبِيَّة وأكره ان يجلس أهل الافاق يَوْم عَرَفَة فِي الْمَسَاجِد للدُّعَاء وَمن اجْتمع اليه النَّاس للدُّعَاء فلينصرف ومقامه فِي منزله أحب الي فاذا حضرت الصَّلَاة رَجَعَ فصلى فِي الْمَسْجِد
وروى مُحَمَّد بن وضاح أَن النَّاس اجْتَمعُوا بعد الْعَصْر من يَوْم عَرَفَة فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم يدعونَ فَخرج نَافِع مولى ابْن عمر فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن الَّذين أَنْتُم فِيهِ دعة وَلَيْسَت بِسنة أدْركْت النَّاس وَلَا يصنعون هَذَا قَالَ مَالك بن أنس وَلَقَد رَأَيْت رجَالًا مِمَّن اقْتدى بهم يتخلفون عَشِيَّة عَرَفَة فِي بُيُوتهم قَالَ وَلَا أحب للرجل الَّذِي قد علم يَعْنِي الْعَالم أَن يقْعد فِي الْمَسْجِد تِلْكَ العشية إِذا أَرَادوا أَن يقتدوا بِهِ وليقعد فِي بَيته
قَالَ الْحَارِث بن مِسْكين كنت أرى اللَّيْث بن سعد ينْصَرف بعد الْعَصْر يَوْم عَرَفَة فَلَا يرجع الى قرب الْمغرب وَقَالَ ابراهيم النَّخعِيّ الإجتماع يَوْم عَرَفَة أَمر مُحدث وَقَالَ عَطاء الْخُرَاسَانِي إِن اسْتَطَعْت أَن تَخْلُو عَشِيَّة عَرَفَة بِنَفْسِك فافعل وَكَانَ أَبُو وَائِل لَا يَأْتِي الْمَسْجِد عَشِيَّة عَرَفَة
قَالَ الطرطوشي فاعلموا رحمكم الله أَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة علمُوا أَن أفضل
الدُّعَاء يَوْم عَرَفَة وَلَكِن علمُوا أَن ذَلِك بموطن عَرَفَة لَا فِي غَيرهَا وَلَا منعُوا من خلى بِنَفسِهِ فحضرته نِيَّة صَادِقَة أَن يَدْعُو الله تَعَالَى وَإِنَّمَا كَرهُوا الْحَوَادِث فِي الدّين وَأَن يظنّ الْعَوام أَن من سنة يَوْم عَرَفَة الإجتماع بِسَائِر الْآفَاق وَالدُّعَاء فيتداعى الْأَمر الى أَن يدْخل فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ قَالَ وَقد كنت بِبَيْت الْمُقَدّس فَإِذا كَانَ يَوْم عَرَفَة حشر أهل السوَاد وَكثير من أهل الْبَلَد فيقفون فِي الْمَسْجِد مستقبلي الْقبْلَة مُرْتَفعَة أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ وَكَأَنَّهُ موطن عَرَفَة وَكنت أسمع هُنَاكَ سَمَاعا فاشيا مِنْهُم امن وقف بِبَيْت الْمُقَدّس أَربع وفقات فَإِنَّهَا تعدل حجَّة ثمَّ يجعلونه ذَرِيعَة الى اسقاط الْحَج الى بَيت الله الْحَرَام
قلت وَقد بَلغنِي أَن مِنْهُم من يطوف بقبة الصَّخْرَة تشبها بِالطّوافِ بِالْكَعْبَةِ وَلَا سِيمَا فِي السنين الَّتِي انْقَطع فِيهَا طَرِيق الْحَاج واخرج الْحَافِظ ابو الْقَاسِم فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة بن الريان قَالَ خرجت مَعَ سهل بن عبد الْعَزِيز الى أَخِيه عمر ابْن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله تَعَالَى حِين اسْتخْلف فَحَضَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْم عَرَفَة صلى عمر الْعَصْر فَلَمَّا فرغ انْصَرف الى منزله فَلم يخرج الى الْمغرب وَلم يقْعد للنَّاس
وَجَاء عَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ أول من جمع النَّاس فِي هَذَا الْمَسْجِد يَوْم عَرَفَة ابْن عَبَّاس يَعْنِي مَسْجِد الْبَصْرَة وَفِي رِوَايَة أول من عرف ابْن عَبَّاس وَقَالَ الحكم أول من عرف بِالْكُوفَةِ مُصعب بن الزبير وَقَالَ ابْن عوَانَة رَأَيْت الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم عَرَفَة بعد الْعَصْر جلس فَدَعَا وَذكر الله تَعَالَى فَاجْتمع النَّاس وَفِي وَرَايَة رَأَيْت الْحسن خرج يَوْم عَرَفَة من الْمَقْصُورَة بعد الْعَصْر فَقعدَ وَعرف قَالَ عَليّ بن الْجَعْد حَدثنَا شُعْبَة قَالَ سَأَلت الحكم وَحَمَّاد عَن اجْتِمَاع النَّاس يَوْم عَرَفَة فِي الْمَسَاجِد فَقَالَا وَهُوَ مُحدث وَأخْبرنَا عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم قَالَ هُوَ مُحدث اُخْبُرْنَا قَتَادَة عَن الْحسن قَالَ أول من صنع ذَلِك ابْن عَبَّاس
قلت فان ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا حَضرته نِيَّة فَقعدَ فَدَعَا وَكَذَلِكَ
الْحسن من غير قصد الجمعية ومضاهاه لأهل عَرَفَة وإيهام الْعَوام إِن هَذَا شعار من شَعَائِر الدّين وَالْمُنكر إِنَّمَا هُوَ مَا اتّصف بذلك وَالله أعلم على أَن تَعْرِيف ابْن عَبَّاس قد صَار على صُورَة أُخْرَى غير مستنكر ذكر مُحَمَّد بن قُتَيْبَة فِي غَرِيبَة قَالَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس ان الْحسن ذكره فَقَالَ كَانَ أول من عرف بِالْبَصْرَةِ صعد الْمِنْبَر فَقَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وفسرهما حرفا حرفا
قلت فتعريف ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا كَانَ على هَذَا الْوَجْه فسر للنَّاس الْقُرْآن فَإِنَّمَا اجْتَمعُوا لاستماع الْعلم وَكَانَ ذَلِك عَشِيَّة عَرَفَة فَقيل عرف ابْن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ لِاجْتِمَاع النَّاس لَهُ كاجتماعهم الْموقف وَقد وضحت ذَلِك أَيْضا فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا فِي كتاب التَّارِيخ الْكَبِير وعَلى الْجُمْلَة فَأمر التَّعْرِيف قريب إِلَّا إِذا جر مفْسدَة كَمَا ذكره الطرطوشي فِي التَّعْرِيف بِبَيْت الْمُقَدّس (وَقد قَالَ الْأَثْرَم) سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن التَّعْرِيف فِي الْأَمْصَار يَجْتَمعُونَ يَوْم عَرَفَة فَقَالَ أَرْجُو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس قد فعله غير وَاحِد الْحسن وَبكر وثابت وَمُحَمّد بن وَاسع كَانُوا يشْهدُونَ الْمَسْجِد يَوْم عَرَفَة
وَفِي رِوَايَة قَالَ أَحْمد لَا بَأْس بِهِ إِنَّمَا هُوَ دُعَاء وَذكر لله فَقيل لَهُ تَفْعَلهُ أَنْت قَالَ أما أَنا فَلَا ذكره الشَّيْخ من موفق الدّين فِي كِتَابه الْمُغنِي
8 -
فصل فِي بِدعَة النّصْف من شعْبَان
فَأَما الألفية فَصَلَاة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان سميت بذلك لِأَنَّهَا يقْرَأ فِيهَا قل هُوَ الله أحد ألف مرّة لِأَنَّهَا مائَة رَكْعَة فِي كل رَكْعَة يقْرَأ الْفَاتِحَة مرّة وَبعدهَا سُورَة الْإِخْلَاص عشر مَرَّات وَهِي صَلَاة طَوِيلَة مستثقلة لم يَأْتِ فِيهَا خير وَلَا أثر إِلَّا ضَعِيف أَو مَوْضُوع وللعوام بهَا افتتان عَظِيم وَالْتزم بِسَبَبِهَا كَثْرَة الوقيد فِي جَمِيع مَسَاجِد الْبِلَاد الَّتِي تصلي فِيهَا وَيسْتَمر ذَلِك كُله وَيجْرِي فِيهِ الفسوق والعصيان واختلاط الرِّجَال بِالنسَاء وَمن الْفِتَن الْمُخْتَلفَة مَا شهرته تغني عَن
وَصفه للمتعبدين من الْعَوام فِيهَا اعْتِقَاد متين وزين الشَّيْطَان لَهُم جعلهَا من أجل شَعَائِر الْمُسلمين
وَأَصلهَا مَا حَكَاهُ الطرطوشي فِي كِتَابه وَأَخْبرنِي بِهِ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي قَالَ لم يكن عندنَا بَيت الْمُقَدّس قطّ صَلَاة الرغائب هَذِه الَّتِي تصلي فِي رَجَب وَشَعْبَان وَأول مَا حدثت عندنَا فِي سنة 448 هـ ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة قدم علينا فِي بَيت الْمُقَدّس رجل من نابلس يعرف بِابْن أبي الْحَمْرَاء وَكَانَ حسن التِّلَاوَة فَقَامَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فاحرم خَلفه رجل ثمَّ انضاف اليهما ثَالِث ورابع فَمَا خَتمهَا إِلَّا وهم جمَاعَة كَثِيرَة ثمَّ جَاءَ فِي الْعَام الْقَابِل فصلى مَعَه خلق كثير وشاعت فِي الْمَسْجِد وانتشرت الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وبيوت النَّاس ومنازلهم ثمَّ اسْتَقَرَّتْ كَأَنَّهَا سنة الى يَوْمنَا هَذَا قلت فَأَنا رَأَيْتُك تصليها فِي جمَاعَة قَالَ نعم واستغفر الله مِنْهَا قَالَ وَأما صَلَاة رَجَب فَم تحدث عندنَا بِبَيْت الْمُقَدّس إِلَّا بعد سنة 480 هـ ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمَا كُنَّا رأيناها وَلَا سمعنَا بهَا قبل ذَلِك أخبرناه الشَّيْخ قَالَ أَنا الْفَقِيه أَبُو الطَّاهِر قَالَ أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر الطرطوشي فَذكره قلت أَبُو مُحَمَّد هَذَا أَظُنهُ عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي روى عَنهُ مكي بن عبد السَّلَام الزميلي الشَّهِيد وَوَصفه بالشيخ الثِّقَة وَالله أعلم قَالَ أَبُو بكر وروى ابْن وضاح عَن زيد بن اسْلَمْ قَالَ مَا ادركنا أحدا من مشيختنا وَلَا فقهائنا يلتفتون الى لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَلَا يلتفتون الى حَدِيث مَكْحُول وَلَا يرَوْنَ لَهَا فضلا على سواهَا قَالَ وَقيل لِابْنِ ابي مليكَة أَن زِيَاد النميري يَقُول أَن أجر لَيْلَة النّصْف من شعْبَان كَأَجر لَيْلَة الْقدر فَقَالَ لَو سمعته وَبِيَدِي عَصا لضربته قَالَ وَكَانَ زِيَاد قاسيا وَأَنا الْحَافِظ أَبُو الْخطاب بن دحيه قَالَ فِي كتاب أَدَاء مَا وَجب وَقد روى النَّاس الأغفال فِي صَلَاة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان احاديث مَوْضُوعه وَوَاحِد مَقْطُوع وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعه فَوق طاقتهم من صَلَاة مائَة رَكْعَة فِي كل رَكْعَة الْحَمد لله مرّة وَقل هُوَ الله أحد
عشر مَرَّات فينصرفون وَقد غلبهم النّوم فتفوتهم صَلَاة الصُّبْح الَّتِي ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله
وَقَالَ فِي كتاب مَا جَاءَ فِي شهر شعْبَان من تأليفه أَيْضا قَالَ أهل التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح لَيْسَ فِي حَدِيث لَيْلَة النّصْف من شعْبَان حَدِيث يَصح فتحفظوا عباد الله من مفتر يروي لكم حَدِيثا مَوْضُوعا يَسُوقهُ فِي معرض الْخَيْر فاستعمال الْخَيْر يَنْبَغِي أَن يكون مَشْرُوعا من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِذا صَحَّ أَنه كذب خرج من المشروعيه وَكَانَ مستعمله من خدم الشَّيْطَان لاستعماله حَدِيثا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل الله بِهِ من سُلْطَان ثمَّ قَالَ وَمِمَّا أحدثه المبتدعون وَخَرجُوا بِهِ عَمَّا رسمه المتشرعون وجروا فِيهِ على سنَن الْمَجُوس وَاتَّخذُوا دينهم لهوا وَلَعِبًا الوقيد لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَلم يَصح فِيهَا شَيْء عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا نطق بِالصَّلَاةِ فِيهَا والإيقاد وَصدق من الروَاة وَمَا احدثه المتلاعب بالشريعة المحمدية رَاغِب فِي دين الْمَجُوسِيَّة لِأَن النَّار معبودهم وَأول مَا حدث ذَلِك فِي زمن البرامكة فأدخلوا فِي دين الْإِسْلَام مَا يموهون بِهِ على الطَّعَام وَهُوَ جعلهم الإيقاد فِي شعْبَان كَأَنَّهُ فِي سنَن الْإِيمَان ومقصودهم عبَادَة النيرَان وَإِقَامَة دينهم وَهُوَ اخسر الْأَدْيَان حَتَّى إِذا صلى المسلون وركعوا وسجدوا وَكَانَ ذَلِك الى النَّار الَّتِي أوقدوا وَمَضَت على ذَلِك سنُون وإعصار تبِعت بعد ذَلِك فَيْء سَائِر الْأَمْصَار هَذَا مَعَ مَا يجْتَمع فِي تِلْكَ الليله من الرِّجَال وَالنِّسَاء واختلاطهم فَالْوَاجِب على السُّلْطَان مَنعهم وعَلى الْعَالم ردعهم وَإِنَّمَا شرف شعْبَان لِأَنَّهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومهُ فقد صَحَّ الحَدِيث فِي صِيَامه صلى الله عليه وسلم شعْبَان كُله أَو أَكْثَره وَالله أعلم
قلت من جملَة الْأَحَادِيث الَّتِي رووها فِي لَيْلَة النّصْف مَا أخرجه أبن
ماجة فِي سنَنه عَن عَليّ رضى الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَقومُوا لَيْلَتهَا وصوموا يَوْمهَا
وَعَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن الله ينزل لَيْلَة النّصْف من شعْبَان الى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيغْفر لاكثر من عدد شعر غنم بني كلب
وَعَن ابي مُوسَى رضى الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله ليطلع فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَيغْفر لجَمِيع خلقه إِلَّا الْمُشرك أَو مُشَاحِن
وكل ذَلِك باسانيد ضِعَاف فَالْأول أبن ابي سبره عَن ابراهيم بن مُحَمَّد وَفِي الثَّانِي الْحجَّاج بن ارطأة وَفِي الثَّالِث ابْن لَهِيعَة وَالله أعلم وَذكر الْحَافِظ ابو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الدَّعْوَات الْكَبِير الَّذِي أَنبأَنَا بِهِ أَبُو الْقَاسِم القَاضِي أَنبأَنَا أَبُو عبد الله الفراوي أخبرنَا الْبَيْهَقِيّ قَالَ بَاب القَوْل وَالدُّعَاء لَيْلَة الْبَرَاءَة فَذكر حديثين عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا وَقد أخرج حَدِيث عَائِشَة التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَطعن فِيهِ قَالَ الإِمَام أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي شَرحه بَاب لَيْلَة النّصْف من شعْبَان ذكر أَبُو عِيسَى فِي ذَلِك حَدِيث الْحجَّاج بن ارطاة عَن يحيى بن أبي كثير عَن عُرْوَة وَطعن البُخَارِيّ فِيهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْحجَّاج لم يسمع من يحيى بن أبي كثير وَلم يسمع يحيى من عُرْوَة فَالْحَدِيث مَقْطُوع فِي وضعين وَأَيْضًا فَإِن الْحجَّاج لَيْسَ بِحجَّة قَالَ وَلَيْسَ فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان حَدِيث سَاوَى سَمَاعه ثمَّ قَالَ كسوفا قمريا فَاجْتمع الْخلق للكسوف وَاتفقَ لَهُم مَعَ الْكُسُوف تِلْكَ الليله واتصلت لَهُم الليلتان فَمَا رَأَيْت مُنْكرا فط كَانَ أجمع مِنْهُ وَلَا أجمل
وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الدَّعْوَات الْكَبِير الَّذِي أنبأ بِهِ أَبُو الْقَاسِم القَاضِي أَنبأَنَا أَو عبد الله الفراوي أخبرنَا الْبَيْهَقِيّ قَالَ بَاب الدُّعَاء وَالْقَوْل لَيْلَة الْبَرَاءَة فَذكر حديثين عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى ليلتئذ وَقَالَ فِي هَذِه اللَّيْلَة يكْتب كل مَوْلُود وهالك من بنى آدم وفيهَا ترفع أَعْمَالهم
وتنزل أَرْزَاقهم وَقَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ان لله فِي هَذِه اللَّيْلَة عُتَقَاء من النَّار بِعَدَد شعر غنم كلب ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الْإِسْنَاد بعض من يجهل وَكَذَلِكَ فِيمَا قبله وَإِذا أنضم أَحدهمَا الى الآخر أَخذ بعض الْقُوَّة وَالله أعلم
قلت وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَان صَلَاة مخصوصه وَإِنَّمَا هُوَ مشْعر بفضيلة هَذِه اللَّيْلَة وَقيام اللَّيْلَة مُسْتَحبّ فِي جَمِيع ليَالِي السّنة وَكَانَ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاجِبا فَهَذِهِ اللَّيْلَة بعض من اللَّيَالِي الَّتِي كَانَ يُصليهَا ويحيها وَإِنَّمَا الْمَحْذُور الْمُنكر تَخْصِيص بعض اللَّيَالِي بِصَلَاة مخصوصه على صفة مخصوصه وَإِظْهَار ذَلِك على مثل مَا ثَبت من شرائع الْإِسْلَام كَصَلَاة الْجُمُعَة والعيد وَصَلَاة التَّرَاوِيح فيتداولها النَّاس وينشأ أصل وَضعهَا ويربى الصغار عَلَيْهَا قد ألفوا أباءهم مخافظين عَلَيْهَا محافظتهم على الْفَرَائِض بل أَشد مُحَافظَة ومهتمين لإِظْهَار هَذَا الشعار بالزينة والوقيد والنفقات كاهتمامهم بعيدي الْإِسْلَام بل أَشد على مَا هُوَ مَعْرُوف من فعل الْعَوام وَفِي هَذَا خلطوا ضِيَاء الْحق بظلام الْبَاطِل وَعَسَى بِوَضْع الْكَاذِب وَفعل الْجَاهِل وَقَول الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لَيْلَة الْبَرَاءَة أَي لَيْلَة نصف شعْبَان والبراءة مصدر بَرِيء ن كَذَا يُشِير الى الْبَرَاءَة من النَّار أَو من الذُّنُوب على مَا سبق من الْأَحَادِيث
وأنبأنا غير وَاحِد عَن الشَّيْخ ابي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ قَالَ فِي كتاب الْأَحَادِيث الموضوعات صَلَاة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان مِنْهَا الصَّلَاة المتداولة بَين النَّاس رويت من طَرِيق على وَابْن عمر وابي جَعْفَر الباقر مَقْطُوعَة الْإِسْنَاد ثمَّ ذكر أَسَانِيد الطّرق الثَّلَاثَة وَمتْن حَدِيث على رضى الله عَنهُ من صلى مائَة رَكْعَة فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَقل هُوَ الله اُحْدُ عشر مَرَّات فَذكر من فَضله وأجره وَمتْن حَدِيث ابْن عمر وابي جَعْفَر الباقر بِنَحْوِهِ
لكنهما أخصر مِنْهُ ثمَّ قَالَ أَبُو الْفرج هَذَا الحَدِيث لَا يشك فِي أَنه مَوْضُوع وَجُمْهُور رُوَاته فِي الطّرق الثَّلَاثَهْ مَجَاهِيل وَفِيهِمْ ضعفاء بِمرَّة والْحَدِيث محَال قطعا قَالَ وَقد رَأينَا كثيرا مِمَّن يُصَلِّي هَذِه الصَّلَاة ويتفق قصر اللَّيْل فينامون عقيبها فتفوتهم صَلَاة الْفجْر ويصبحون كسَالَى قَالَ وَقد جعلهَا جهلة أَئِمَّة الْمَسَاجِد مَعَ صَلَاة الرغائب وَنَحْوهَا من الصَّلَوَات شبكة لجمع الْعَوام وَطلب الرسَالَة الْمُتَقَدّم وَمَا لَا يذكرهَا الْقصاص مجَالِسهمْ وكل ذَلِك عَن الْحق بمعزل
قلت فَهَذَا كُله فَسَاد ناشيء من جِهَة المتنسكين المضلين فَكيف بِمَا يَقع من فَسَاد الفسقة المتمردين وإحياء تِلْكَ اللَّيْلَة بأنواع من الْمعاصِي الطاهرة والباطنة وَكله بِسَبَب الوقيد الْخَارِج عَن الْمُعْتَاد الَّذِي يظنّ انه قربه وَإِنَّمَا هُوَ إِعَانَة على معاصي الله تَعَالَى وَإِظْهَار الْمُنكر وتقوية لشعار أهل الْبدع وَلم يَأْتِ فِي الشَّرِيعَة اسْتِحْبَاب زِيَادَة فِي الوقيد على قدر الْحَاجة فِي مَوضِع مَا أصلا وَمَا يَفْعَله عوام الْحجَّاج يَوْم عَرَفَة بجبال عرفاتو لَيْلَة يَوْم النَّحْر بالمشعر الْحَرَام فَهُوَ من هَذَا الْقَبِيل يجب إِنْكَاره وَوَصفه بِأَنَّهُ بِدعَة ومنكر وَخلاف الشَّرِيعَة المطهرة على مَا ياتي بَيَانه وَالله أعلم
وَقد أنكر الإِمَام الطرطوشي على أهل القيروان اجْتِمَاعهم لَيْلَة الْخَتْم فِي صَلَاة التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان وَنصب المنابر وَبَين أَنه بِدعَة ومنكر وان مَالِكًا رَحْمَة الله تَعَالَى كرهه ثمَّ قَالَ فَإِن قيل إِنَّه يَأْثَم فَاعل ذَلِك فَالْجَوَاب أَن يُقَال إِن كَانَ ذَلِك على وَجه السَّلامَة من اللَّغط وَلم يكن إِلَّا الرِّجَال وَالنِّسَاء منفردين بَعضهم عَن بعض يَسْتَمِعُون الذّكر وَلم تنتهك فِيهِ شَعَائِر الرَّحْمَن فَهَذِهِ الْبِدْعَة الَّتِي كره مَالك رَحمَه الله تَعَالَى وَأما إِن كَانَ على الْوَجْه الَّذِي يجْرِي فِي هَذَا الزَّمَان من اخْتِلَاط الرِّجَال وَالنِّسَاء ومضامة أجسامهم وَمن احمة فِي قلبه مرض من أهل الريب ومعانقة بَعضهم لبَعض كَمَا حكى لنا أَن رجلا وجد يطَأ امْرَأَة وهم وقُوف فِي زحام النَّاس قَالَ وحكت لنا أمْرَأَة أَن رجلا وَاقعهَا فَمَا حَال
بَينهمَا إِلَّا الثِّيَاب وأمثال ذَلِك من الْفسق واللغط فَهَذَا فسق فيفسق الَّذِي يكون سَببا لِاجْتِمَاعِهِمْ
فَإِن قبل أَلَيْسَ روى عبد الرَّزَّاق فِي التَّفْسِير أَن أنس بن مَالك رضى الله عَنهُ كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يخْتم الْقُرْآن جمع أَهله قُلْنَا هَذَا هُوَ الْحجَّة عَلَيْكُم فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيته وَيجمع أَهله عِنْد الْخَتْم فَأَيْنَ هَذَا من نصبكم المنابر وتلفيق الْخطب على رُؤُوس الأشهاد فيختلط الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان والغوغاء وتكثر الزعقات والصياح ويختلط الْأَمر وَيذْهب بهاء الْإِسْلَام أَو قَالَ الْإِيمَان وَقَالَ قبل ذَلِك عِنْد إِنْكَاره تطيب الْمَرْأَة عِنْد خُرُوجهَا الى الْمَسْجِد وَأعظم من ذَلِك يُوجد الْيَوْم فِي هَذَا الْخَتْم من اخْتِلَاط الرِّجَال بِالنسَاء وازد حامهم وتلاصق أجساد بَعضهم بِبَعْض حَتَّى بَلغنِي أَن رجلا ضم امْرَأَة من خلفهَا فغيب بهَا فِي مزدحم النَّاس وَجَاءَت إِلَيْنَا امْرَأَة تَشْكُو فَقَالَت حضرت عِنْد الْوَاعِظ فِي الْمَسْجِد الْجَامِع فاحتضنني رجل من خَلْفي والتزمني فِي مزحم النَّاس فَمَا جال بَينه وَبَين ذَلِك منَّة إِلَّا الثِّيَاب فأقسمت أَن لَا تحضره أبدا
قلت وكل من حضر لَيْلَة نصف شعْبَان عندنَا بِدِمَشْق فِي الْبِلَاد المضاهية لَهَا يعلم أَنه يَقع فِيهَا تِلْكَ اللَّيْلَة من الفسوق والمعاصي وَكَثْرَة اللَّغط والخطف وَالسَّرِقَة وتنجيس مَوَاضِع الْعِبَادَات وَأَنَّهَا تهان بيُوت الله تَعَالَى أَكثر مِمَّا ذكره الإِمَام أَبُو بكر فِي ختم الْقُرْآن وَالله الْمُسْتَعَان فَكل ذَلِك سَببه الِاجْتِمَاع للتفرج على كَثْرَة الوقيد سَببهَا تِلْكَ الصَّلَاة المبتدعة الْمُنكرَة وكل بِدعَة ضَلَالَة وَقد رويت صَلَاة نصف شعْبَان على وَجْهَيْن آخَرين مَوْضُوعَيْنِ أَيْضا ذكرهمَا أَبُو الْفرج فِي كِتَابه
الأول عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من صلى لَيْلَة النّصْف من شعْبَان اثنى عشر رَكْعَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة قل هُوَ الله أحد ثَلَاثِينَ مرّة لم يخرج حَتَّى يرى مَقْعَده من الْجنَّة ويشفع فِي عشرَة من أهل بَيته كلهم وَجَبت لَهُم النَّار
وَالثَّانِي عَن عَليّ رضى الله عَنهُ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَقَامَ فصلى أَربع عشرَة رَكْعَة ثمَّ جلس فَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن أَربع عشرَة مرّة وَقل هُوَ الله أحد أَربع عشرَة مرّة وَقل أعوذ بِرَبّ الفلق أَربع عشرَة مرّة وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس أَربع عشرَة مرّة وَآيَة الْكُرْسِيّ أَربع عشرَة مرّة وَلَقَد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم الْآيَة وَقَالَ من صنع هَكَذَا كَانَ لَهُ كعشرين حجَّة مبرورة وكصيام عشْرين سنة مقبوله فَإِن أصبح فِي ذَلِك الْيَوْم صَائِما كَانَ لَهُ كصيام سِتِّينَ مَاضِيَة وَصِيَام سِتِّينَ سنة مستقبله
قَالَ أَبُو الْفرج الأول وَهَذَا حَدِيث مَوْضُوع وَفِيه جمَاعَة مَجْهُولُونَ وَقَالَ فِي الثَّانِي وَهَذَا مَوْضُوع أَيْضا وَإِسْنَاده مظلم وَكَانَ وَاضعه يكْتب من الْأَسْمَاء مَا يَقع لَهُ وَيذكر قوما يعْرفُونَ قَالَ وَقد رويت صلوَات آخر مَوْضُوعَة فَلم أر التَّطْوِيل بِذكر مَا لَا يخفي بُطْلَانه
9 -
فصل فِي صَلَاة الرغائب
وَأما صَلَاة الرغائب فَالْمَشْهُور بَين النَّاس الْيَوْم أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تصلي بَين العشائين لَيْلَة أَو جُمُعَة فِي شهر رَجَب وَقد سبق فِيمَا حَكَاهُ الإِمَام أَبُو بكر الطرطوشي زمَان حدوثها وظهورها وَسبق فِي الْحِكَايَة أَيْضا أَن صَلَاة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان كَانَت تسمى صَلَاة الرغائب والرغائب جمع رَغْبَة وَهِي الْعَطاء الْكثير قَالَ الشَّاعِر أَنْشدني الْجَوْهَرِي عجز هَذَا الْبَيْت انشدني الْجَوْهَرِي عجز هَذَا الْبَيْت وَمَتى تصبك خصَاصَة فارج الْغنى وَإِلَى الَّذِي يعْطى الرغائب فارغب
قَالَ الهروى فِي كتاب الغريبين الَّذِي أَنبأَنَا بِهِ القَاضِي أَبُو الْقَاسِم أَنبأَنَا زَاهِر بن طَاهِر أَنبأَنَا أَبُو عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن الْقَاسِم المليحي الْهَرَوِيّ وَأَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي بِسَمَاع المليحي وإجازة الصَّابُونِي من مصنفة قَالَ وَحَدِيث ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَن لَا تدع رَكْعَتي الْفجْر فَإِن فيهمَا الرغائب قَالَ شمر الرغائب مَا يرغب فِيهِ الْوَاحِدَة رغيبة يَعْنِي الثَّوَاب الْعَظِيم
قلت فَكَأَنَّهَا سميت بذلك لأجل العطايا الْحَاصِلَة لمصيلها بزعم وَاضع الحَدِيث فِيهَا وَهُوَ مَا أخبرنَا بِهِ غير وَاحِد عَن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم سَمَاعا مِنْهُ قَالَ أَنا أَبُو الْفَتْح نصر بن مُحَمَّد الْفَقِيه حَدثنَا الْفَقِيه أَبُو الْفَتْح نصر بن إِبْرَاهِيم الزَّاهِد أَنا أَبُو سعد أَحْمد بن مظفر الْهَمدَانِي حَدثنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَصْبَهَانِيّ أَنا أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله الْهَمدَانِي بِمَكَّة حرسها الله تَعَالَى حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن سعيد الْبَصْرِيّ حَدثنِي أبي حَدثنَا خلف بن عبد الله الصَّنْعَانِيّ عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكر الحَدِيث فِي فضل صَوْم رَجَب ثمَّ قَالَ لَا تغفلوا عَن لَيْلَة أول جُمُعَة فِيهِ فانها لَيْلَة تسميها الْمَلَائِكَة الرغائب مَا من اُحْدُ يَصُوم أول خَمِيس فِي رَجَب ثمَّ يُصَلِّي فِيهَا بَين الْعشَاء وَالْعَتَمَة اثْنَي عشر رَكْعَة فَذكر صفة الصَّلَاة ثمَّ قَالَ إِلَّا غفر الله لَهُ ذنُوبه الحَدِيث قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم تفرد بِهِ خلف عَن حميد وَلم أكتبه إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن سعيد عَنهُ أَنبأَنَا بِهِ ابو الْقَاسِم القَاضِي وَغَيره عَالِيا
قَالُوا حَدثنَا الْحَافِظ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر أَنبأَنَا أَبُو الْقَاسِم بن هندة أَنبأَنَا عَليّ بن عبد الله بن جَهْضَم الصُّوفِي حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن سعيد فَذكره وَابْن جَهْضَم هَذَا هُوَ الهمذاني أَبُو الْحسن المداس فِي اسناد الْحَافِظ أبي الْقَاسِم وَكَانَ يتهم ذكر الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم فِي تَارِيخه عَن أبي الْفضل بن جبرون قَالَ وَمن ذكر أَنه مَاتَ سنة أَرْبَعَة عشر يَعْنِي وَأَرْبَعمِائَة أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله بن جَهْضَم بِمَكَّة صَاحب كتاب بهجة الْأَسْرَار وَقد تكلم فِيهِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفرج
هَذَا الحَدِيث مَوْضُوع على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد اتهموا بِهِ جَهْضَم فنسبوه الى الْكَذِب وَسمعت شَيخنَا عبد الْوَهَّاب الْحَافِظ يَقُول رِجَاله مَجْهُولُونَ وَقد فتشت عَلَيْهِم فِي جَمِيع الْكتب فَمَا وَجَدتهمْ قَالَ أَبُو الْفرج وَلَقَد أبدع من وَضعهَا أَي غلا فِي بدعته فانه يحْتَاج من يُصليهَا الى أَن يَصُوم وَرُبمَا كَانَ النَّهَار شَدِيد الْحر فَإِذا صَامَ لم يتَمَكَّن من الْأكل حَتَّى يُصَلِّي الْمغرب ثمَّ يقف فِيهَا وَيَقَع فِي ذَلِك التَّسْبِيح الطَّوِيل وَالسُّجُود الطَّوِيل فَيَتَأَذَّى غَايَة الْأَذَى قَالَ وَأَنِّي لأغار لرمضان ولصلاة التَّرَاوِيح كَيفَ روجها بِهَذِهِ بل هَذِه عِنْد الْعَوام أعظم وَأحلى فَإِنَّهُ يحضرها من لَا يحضر الْجَمَاعَات
قلت وَلَعَلَّ سَببه مَا ذكر فِي هَذَا الحَدِيث الْمَوْضُوع من عَظِيم الصَّوَاب وتكفير الذُّنُوب بِهَذِهِ الصَّلَاة فيتكل الْعَامَّة عَلَيْهَا ويهملون القرائض وَوَاضِع هَذَا الحَدِيث اسْتعْمل فِيهِ ايضا من الالفاظ مَا كَانَ يدل على وَضعه ظَاهر أَو هُوَ قَوْله يُصَلِّي بَين الْعشَاء وَالْعَتَمَة أَرَادَ بَين الْعشَاء وَالْمغْرب فَهَذَا بعيد من لفظ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ قد صَحَّ عَنهُ أَنه نهى أَن يُقَال للمقرب الْعشَاء وَنهى ان يُقَال للعشاء الْعَتَمَة وَهَذَا وَجه حسن وَالله أعلم
قَالَ الْحَافِظ أبوالخطاب أما صَلَاة الرغائب فاتهم بوضعها على بن عبد الله ابْن جَهْضَم وَضعهَا على رجال مجهولين لم يوجدوا فِي جَمِيع الْكتب رَوَاهَا عَنهُ الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن ابراهيم الْأَصْبَهَانِيّ أبي عبد الله مُحَمَّد بن اسحق ابْن مندة قَالَ وَكَذَلِكَ عمل الْحُسَيْن بن ابراهيم حَدِيثا مَوْضُوعا على رجال مجهولين لَا يعْرفُونَ والصقه بانس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَرَجَب أَربع عشر رَكْعَة للْحَدِيث قَالَ وَهُوَ حَدِيث أطول من طَوِيل جمع من الْكَذِب والزور غير قَلِيل
قلت وَمَا ذكره هَذَا الْحَافِظ أَبُو الْخطاب رَحمَه الله تَعَالَى فِي أَمر صَلَاتي رَجَب وَشَعْبَان هُوَ كَانَ سَبَب تبطيلهما فِي بِلَاد مصر بِأَمْر سلطانها الْكَامِل مُحَمَّد بن أبي بكر رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ كَانَ ماثلا الى إِظْهَار السّنَن وَأَمَانَة الْبدع
10
- فصل فِي الْجَواب على فَتْوَى
وَقد وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الفتاوي بِدِمَشْق قبل سنة 620 هـ عشْرين وسِتمِائَة صورتهَا مَا تَقول السَّادة الْفُقَهَاء الْأَئِمَّة رضى الله عَنْهُم فِي الصَّلَاة المدعوة بِصَلَاة الرغائب هَل هِيَ بِدعَة فِي الْجَمَاعَات أم لَا وَهل ورد فِيهَا حَدِيث صَحِيح أم لَا فَأجَاب فِيهَا الشَّيْخ الْحَافِظ الْفَقِيه أَبُو عَمْرو بن الصّلاح بَارك الله فه بِجَوَاب نقلته من خطه صورته حَدِيثهَا مَوْضُوع على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهِي بِدعَة حدثت بعد أَرْبَعمِائَة سنة من الْهِجْرَة ظَهرت بِالشَّام وانتشرت فِي سَائِر الْبِلَاد وَلَا بَأْس بِأَن يصلها الأنسان بِنَاء على أَن الْأَحْيَاء فِيمَا بَين العشائين مُسْتَحبّ كل لَيْلَة وَلَا بَأْس بِالْجَمَاعَة فِي النَّوَافِل مُطلقًا أما أَن تتَّخذ الْجَمَاعَة فِيهَا سنة وتتخذ هَذِه الصَّلَاة من شَعَائِر الدّين الطاهرة فَهَذِهِ من الْبدع الْمُنكرَة وَلَكِن مَا أسْرع النَّاس الى الْبدع وَالله أعلم
وَوَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة مرّة ثَانِيَة صورتهَا مَا تَقول السَّادة الْفُقَهَاء أَئِمَّة الدّين فِيمَن يُنكر على من يُصَلِّي فِي لَيْلَة الرغائب وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَيَقُول أَن الزَّيْت الَّذِي يشعل فِيهَا حرَام وتفريط وَيَقُول أَن ذَلِك بِدعَة وَا لَهما فضل وَلَا ورد فِي الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهَا فضل وَلَا شرف فَهَل هُوَ على الصَّوَاب أَو على الْخَطَأ أفتونا رضى الله عَنْكُم
فَأجَاب أَيْضا أما الصَّلَاة المعروفه فِي لَيْلَة الرغائب فَهِيَ بِدعَة وحديثها الْمَرْوِيّ مَوْضُوع وَمَا حدثت إِلَّا بعد أَرْبَعمِائَة سنة من الْهِجْرَة وَلَيْسَ لليلتها تَفْضِيل على أشباهها من ليَالِي الْجمع وَأما لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فلهَا فضيله واحياؤها بِالْعبَادَة مُسْتَحبّ وَلَكِن على الِانْفِرَاد من غير جمَاعَة واتخاذ النَّاس لَهَا وَلَيْلَة الرغائب موسما وشعارا بِدعَة مُنكرَة وَمَا يزيدونه فيهمَا على الْحَاجة وَالْعَادَة من الوقيد وَنَحْوه فَغير مُوَافق للشريعة والألفيه الَّتِي تصلي فِي لَيْلَة النّصْف لَا أصل لَهَا وَلَا أشباهها وَمن الْعجب حرص النَّاس على المبتدع فِي هَاتين
الليلتين وتقصيرهم فِي المؤكدات الثَّابِتَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالله الْمُسْتَعَان وَالله أعلم
وقرأت فِي تأليف آخر لَهُ جُمُعَة فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فصلا حسنا فِي هَذَا قَالَ هَذِه الصَّلَاة شاعت بَين النَّاس بعد الْمِائَة الرَّابِعَة وَلم تكن تعرف وَقد قيل أَن منشأها من بَيت الْمُقَدّس صيانه الله تَعَالَى والْحَدِيث الْوَارِد بهَا بِعَينهَا وخصوصها ضَعِيف سَاقِط الْإِسْنَاد عِنْد أهل الحَدِيث ثمَّ مِنْهُم من يَقُول هُوَ مَوْضُوع وَذَلِكَ الَّذِي نظنه وَمِنْهُم من يقْتَصر على وَصفه بالضعف قَالَ وَلَا تستفاد لَهُ صِحَة من ذكر رزين بن مُعَاوِيَة أَيَّاهُ فِي كِتَابه فِي تَجْرِيد الصِّحَاح وَلَا من ذكر صَاحب الْأَحْيَاء لَهُ فِيهِ واعتماده عَلَيْهِ لِكَثْرَة مَا فيهمَا من الحَدِيث الضَّعِيف وإيراد رزين لَهُ فِي مثل كِتَابه من الْعجب
11 -
فصل فِي الْعَالم جهاده دفع الْبدع والمنكرات وإحياء السّنة وإمانة الْبدع وَلَو كَانَ ذَلِك بِالرُّجُوعِ عَن الْفَتْوَى الأولى
وَاتفقَ أَن ولي الخطابه والامامة بِجَامِع دمشق حرسها الله فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة أَحَق النَّاس بهَا يَوْمئِذٍ الْفَقِيه الْمُفْتِي نَاصِر السّنة مظهر الْحق أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام ايده الله بحراسته وَقواهُ على طَاعَته فَجرى فِي إحْيَاء السّنَن وأماتة الْبدع على عَادَته فَلَمَّا قرب دُخُول شهر رَجَب أظهر النَّاس أَمر صَلَاة الرغائب وَأَنَّهَا بِدعَة مُنكرَة وَأَن حَدِيثهَا كذب على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وخطب بذلك على الْمِنْبَر يَوْم جُمُعَة وَأعلم النَّاس أَنه لَا يصلها ونهاهم عَن صلَاتهَا وَوضع فِي ذَلِك جُزْءا لطيفا سَمَّاهُ التَّرْهِيب عَن صَلَاة الرغائب حذر النَّاس فِيهِ من ركُوب الْبدع والتقرب الى الله تَعَالَى بِمَا لم يشرع وَأَرَادَ فطام النَّاس عَنْهَا قولا وفعلا فشق ذَلِك على الْعَوام وَكثير من المتميزين الطَّعَام اغتروا مِنْهُم بِمُجَرَّد كَونهَا صَلَاة فَهِيَ طَاعَة وقربة فلماذا يُنْهِي عَنْهَا وركونا الى ذَلِك
الحَدِيث الْبَاطِل وشق على سُلْطَان الْبَلَد واتباعة أبطالها فصنف لَهُم بعض مفتي الْبَلَد جُزْء فِي تقريرها بتحسين حَالهَا والحاقها بالبدع الْحَسَنَة من جِهَة كَونهَا صَلَاة ودام نقض رد الْجُزْء فِي تصنيفه هَذَا فَرد عَلَيْهِ الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد أحسن رد وَبَين أَنه هُوَ الَّذِي أفتى فِيمَا نقدم بالفتيين الْمُقدم ذكرهمَا فَخَالف مَا كَانَ أفتى بِهِ أَولا وَجَاء بِمَا وَافق هوى السُّلْطَان وعوام الزَّمَان وَهُوَ من الْعلمَاء الصَّالِحين وَالْأَئِمَّة المفتيين وَلَكِن ليبلو بَعْضكُم بِبَعْض وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبقض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبك بَصيرًا
وسنورد مَا أعْتَمد عَلَيْهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا وَالْحق ابلج وَاضح لمن أنصف وَقد ضرب لَهُ مثل فِي تصنيفه الثَّانِي المناقض لما كَانَ أفتى بِهِ أَولا بِمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من قَول عَائِشَة رضى الله عَنْهَا فِي حَدِيث الأفك يَوْم رد سعد بن عبَادَة على أسيد بن الْحضير رضى الله عَنْهُمَا قَالَت عَائِشَة رضى الله عَنْهَا وَكَانَ يَعْنِي سعد بن عبَادَة ذَلِك رجلا صَالحا وَلَكِن أَخَذته الحمية وَقد اعتذر عَن ذَلِك بِأَنَّهُ تغير إجتهاده وَقَالَ الإجتهاد يخْتَلف على مَا قد عرف فَلم تلْتَفت الى عذره لما علم المناوأة بَين الرجلَيْن فَلم تحمل الْمُخَالفَة إِلَّا على ذَلِك ثمَّ إِنِّي قلت نَحن نَأْخُذ بإجتهاده الأول الْمُوَافق للدليل وفتوى غَيره ونرد إجتهاده الثَّانِي الْمُنْفَرد هُوَ بِهِ لَا سِيمَا وإجتهاده الأول كَانَ فِي حَالَة اجْتِمَاع الْكَلِمَة بَين الرجلَيْن وَالثَّانِي فِي حَال الْفرْقَة بَينهمَا فرأيه فِي الْجَمَاعَة أحب إِلَيْنَا من رَأْيه فِي الفرقه
وَقد سبقنَا الى هَذَا الْكَلَام رجل جليل من كبار التَّابِعين قَالَه لَا فضل أهل زَمَانه يؤمئذ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان حَدثنَا حَمَّاد حَدثنَا يَعْقُوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة قَالَ قَالَ على رضى الله عَنهُ اجْتمع رَأْيِي وَرَأى عمر على أَن أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا يبعن قَالَ ثمَّ رَأَيْت بعد أَن تبَاع فِي دين سَيِّدهَا وَأَن يعْتق من نصيب وَلَدهَا فَقلت رَأْيك وَرَأى عمر فِي الْجَمَاعَة احب الينا من رَأْيك فِي الْفرْقَة وَقَالَ حَدثنَا أَبُو نعيم حَدِيث
الْقَاسِم بن الْفضل قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ يَعْنِي ابْن جَعْفَر قَالَ قلت زعم أهل الْكُوفَة أَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي قَالَ رَأْيك وَرَأى عمر اذا اجْتمعَا أحب الى من رَأْيك أذا انْفَرَدت فَقَالَ رجل من بني هَاشم أَو كَانَ ذَلِك فَقَالَ مُحَمَّد قد كَانَ ذَلِك أخرجهُمَا البيهق الْحَافِظ فِي كتاب الْمدْخل وَغَيره
وَأخرج فِي كتاب السّنَن الْكَبِير من حَدِيث جرير عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عُبَيْدَة السلمان قَالَ كَانَ عَليّ رضى الله عَنهُ يُعْطِيهِ يُعْطي الْجد الْأُخوة الثُّلُث وَكَانَ عمر رضي الله عنه يُعْطِيهِ السُّدس وَكتب عمر الى عبد 2 الله رضى الله عَنْهُمَا أَنا نَخَاف أَن نَكُون قد أجحفنا بالجد فأعطه الثُّلُث فَلَمَّا قدم على هَهُنَا أعطَاهُ السُّدس فَقَالَ عُبَيْدَة فرأيهما فِي الْجَمَاعَة أحب الى من رأى احدهما فِي الْفرْقَة
12 -
فصل فِي دَلِيل الْعِزّ بن عبد السَّلَام فِي دفع بِدعَة صَلَاة الرغائب
اعْتمد الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي إِنْكَاره وَالْمَنْع مِنْهَا على أَدِلَّة بعد بَيَان بطلَان حَدِيثهَا مِنْهَا أَن قَالَ وَمِمَّا يدل على ابتداع هَذِه الصَّلَاة أَن الْعلمَاء الَّذين هم مِمَّن دونو الْكتب فِي الشَّرِيعَة مَعَ شدَّة حرصهم على تَعْلِيم النَّاس الْفَرَائِض وَالسّنَن لم ينْقل عَن وَاحِد مِنْهُم أَنه ذكر هَذِه الصَّلَاة وَلَا دونهَا فِي كِتَابه وَلَا تعرض لَهَا فِي مَجْلِسه وَالْعَادَة تحيل أَن يكون مثل هَذِه سنة وتغيب عَن هَؤُلَاءِ الَّذين هم أَعْلَام الدّين وقدوة الْمُؤمنِينَ وهم الَّذين إِلَيْهِم الرُّجُوع فِي جَمِيع الْأَحْكَام من الْفَرَائِض وَالسّنَن والحلال وَالْحرَام
قلت وَفِي هَذَا أوضح دَلِيل على انه لَا أصل لهَذِهِ الصَّلَاة بخصوصيتها من حَيْثُ الشَّرِيعَة والخصم الْمُخَالف مُسلم هَذَا لكنه يدعى جَوَاز الْفِعْل لدُخُول هَذِه الصَّلَاة تَحت مُطلق الْأَمر الْوَارِد فِي الْكتاب وَالسّنة بِمُطلق الصَّلَاة فَهِيَ
مُسْتَحبَّة بعمومات نُصُوص الشَّرِيعَة مِنْهَا الصَّلَاة نور وَخير أَعمالكُم الصَّلَاة وَنَحْو ذَلِك فَصَارَت كَسَائِر التطوعات الَّتِي ينشئها الانسان من قبل نَفسه
وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن يُقَال لَيست صَلَاة الرغائب من هَذَا الْقَبِيل لِأَن الصَّلَاة الَّتِي أخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنْهَا أَنَّهَا نور وَأَنَّهَا خير مَوْضُوع هِيَ الَّتِي لَا تخَالف الشَّرِيعَة بِوَجْه من الْوُجُوه وَهَذِه الصَّلَاة مُخَالفَة للشَّرْع من وُجُوه ثَلَاثَة أتسع القَوْل فِيهَا بِحَيْثُ ذكرنَا كل وَجه مَعَ مَا يتَّصل بِهِ ويتبعه فِي فصل
الْوَجْه الأول الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي أخرجه الْحَافِظ أَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج فِي صَحِيحه عَن أبي كريب عَن الْحُسَيْن بن عَليّ عَن زَائِدَة عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تخصوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من اللَّيَالِي وَلَا تخصوا يَوْم الْجُمُعَة بصيام من بَين الْأَيَّام إِلَّا أَن يكون فِي صَوْم يَصُومهُ أحدكُم وَأخرجه أَيْضا أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ فِي سنته الْكَبِير فَقَالَ أخبرنَا الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا حَدثنَا حُسَيْن فَذكره قَالَ أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن حزم وَلَا يجوز تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِصَلَاة زَائِدَة على سَائِر اللَّيَالِي وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث
قلت إِن كَانَ النَّهْي للتَّحْرِيم فَالْأَمْر على مَا ذكر قان الصَّلَاة غير منعقدة فَهُوَ كالنهي عَن صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ وَإِن كَانَ النَّهْي التنزية فَيَنْبَغِي أَن يكون انْعِقَاد الصَّلَاة وَجْهَيْن كالوجهين فِي الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وَالظَّاهِر عدم الِانْعِقَاد فانها لَو انْعَقَدت لصحت وترتب عَلَيْهَا ثَوَاب وَلَو صحت لكَانَتْ عبَادَة وَالْعِبَادَة مَأْمُور بهَا والامر بالشَّيْء وَالنَّهْي عَنهُ مقصودان يتناقضان وَلَيْسَ هَذَا كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة فان النَّهْي عَنْهَا غير مَقْصُود فِي نَفسه وَهَذَا تَعْلِيل صَاحب النِّهَايَة عَلَيْهِ قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم لجويرية رضى الله عَنْهَا وَقد صَامت يَوْم الْجُمُعَة أفطري رَوَاهُ البُخَارِيّ
وَلَو كَانَ منعقدا لما حرمهَا ثَوَاب مَا شرعت فِيهِ من الصَّوْم وَالْفرق بَين نهي التَّنْزِيه وَنهي التَّحْرِيم ان فَاعل الْمحرم معاقب على فعله وفاعل الْمَكْرُوه غير معاقب وَهَذَا الحَدِيث دَال بطرِيق النّظر على النَّهْي عَن صَلَاة الرغائب لِأَن من اشْتِرَاط الصَّلَاة أَن توقع لَيْلَة أول جُمُعَة فِي رَجَب فَكَانَ فعلهَا دَاخِلا تَحت النَّهْي وفاعل هَذِه الْبِدْعَة من امام مَسْجِد ومفت وَغَيره لم يفرقُوا قطّ بَين من عَادَته قيام اللَّيْل فيسوعوا لَهُ ذَلِك وَبَين من لَيْسَ عَادَته ذَلِك فيمنعوه مِنْهُ بل أَكثر من يَقع فِي هَذِه الصَّلَاة الْعَوام وَمن لَا يواظب على الْفَرَائِض فضلا عَن النَّوَافِل الرَّوَاتِب فضلا عَن قيام اللَّيْل فالغالب أَن هَذِه الصَّلَاة تقع على الْوَجْه الَّذِي نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنهُ فَيَنْبَغِي أَن يمْنَع عَنْهَا من لَيْسَ من عَادَته قيام اللَّيْل من أَمَام وَغَيره وَأما من كَانَ من عَادَته قيام اللَّيْل وَهُوَ إِمَام مَسْجِد فَيَنْبَغِي أَيْضا أَن يمْتَنع مِنْهَا لِئَلَّا يُوقع الْمَأْمُومين فِي صَلَاة نهى عَنْهَا فِي حَقهم فَيكون متسببا الى مُخَالفَة الشَّرِيعَة وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا مِمَّا يدل على بطلَان حَدِيث أهل هَذِه الصَّلَاة أعنى صَلَاة الرغائب وَوَضعه فان النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يحث على الصَّلَاة فِي وَقت نهى عَن الصَّلَاة فِيهِ
فن قيل من حَيْثُ عَادَته قيام اللَّيْل قُلْنَا اللَّفْظ عَام وواضح ذَلِك لم يرد إِلَّا جمع الْعَوام وَلَو أَرَادَ تَخْصِيص ذَلِك بِمن عَادَته قيام اللَّيْل لم يكن لَهُ فَائِدَة إِذْ فعله غير مُتَوَقف على هَذَا الحَدِيث الْبَاطِل فَأن قيل هَذَا الحَدِيث قد تكلم فِيهِ الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي جملَة الْأَحَادِيث الَّتِي تكلم عَلَيْهَا فِي صَحِيح أبي الْحُسَيْن مُسلم فَقَالَ وهم فِيهِ حُسَيْن على زَائِدَة وَخَالفهُ مُعَاوِيه بن عَمْرو قَالَ فِيهِ عَن مُحَمَّد عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ أبن سِيرِين مُرْسلا ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لأبي الدَّرْدَاء قَالَ ذَلِك أَيُّوب وَابْن عون هِشَام وَيُونُس
قلت قد أجَاب عَن هَذَا الْحَافِظ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي جملَة مَا أجَاب عَنهُ من تِلْكَ الْأَحَادِيث الَّتِي تكلم عَلَيْهَا الدَّارَقُطْنِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فَقَالَ حُسَيْن
الْجعْفِيّ من الْإِثْبَات الْحفاظ وَقَول مُعَاوِيَة عَن زَائِدَة عَن هِشَام عَن مُحَمَّد عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا يقوى بِهِ حَدِيث حُسَيْن وَحَدِيث الصَّوْم لَهُ أصل عَن أبي هُرَيْرَة وَقد أخرج أَيْضا حَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن صَوْم يَوْم الْجُمُعَة من حَدِيث جَابر وَهَذَا مِمَّا يبين أَن الحَدِيث ثَابت عَن النَّبِي (صلع) وان لَهُ أصلا وانما اراد مُسلم بِإِخْرَاج حَدِيث هِشَام عَن ابْن سِيرِين لتكثر طرق الحَدِيث
قلت وَلذكر تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِالْقيامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيث غير أبي هُرَيْرَة مِمَّن ذكر النَّهْي عَن صَوْم يَوْم الْجُمُعَة فِي صَحِيح مُسلم وَرِوَايَة ابْن سِيرِين لَهُ مرّة مُرْسلا لَا يقْدَح لَهُ فِي رِوَايَته لَهُ مرّة أُخْرَى مَوْصُولا إِذا صحت الرِّوَايَة عَنهُ وتنكيره للصحابي فِي بعض الرِّوَايَات لَا يمْنَع من تَعْيِينه فِي رِوَايَة أُخْرَى وَالصَّحَابَة كلهم عدُول على أَنه قد عين أَيْضا غير أبي هُرَيْرَة
أخبرنَا عَن الْحَافِظ أبي طَاهِر الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ أَنبأَنَا أَبُو الْخطاب بن النّظر قَالَ أَنا أَبُو مُحَمَّد بن النبع أَنا القَاضِي أَبُو عبد الله الْمحَامِلِي حَدثنَا يُوسُف بن مهْرَان ابْن أبي عمر حَدثنَا سُفْيَان عَن عَاصِم الْأَحول عَن ابْن سِيرِين عَن سلمَان هَكَذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تخصوا يَوْم الْجُمُعَة بصيام وَلَا لَيْلَتهَا بِقِيَام وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد فِي كتاب الطَّبَقَات الْكَبِير أخبرنَا اسحق بن يُوسُف الْأَزْرَق أخبرنَا ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين دخل سلمَان على أبي الدَّرْدَاء فِي يَوْم جُمُعَة فَقيل لَهُ هُوَ نَائِم فَقَالَ مَاله قَالُوا إِنَّه إِذا كَانَ لَيْلَة جُمُعَة أَحْيَاهَا ويصوم الْجُمُعَة قَالَ فَأَمرهمْ فصنعوا طَعَاما فِي يَوْم جُمُعَة ثمَّ أَتَاهُم فَقَالَ كل فَقَالَ اني صَائِم فَلم يزل بِهِ حَتَّى أكل ثمَّ أَتَيَا النَّبِي (صلع فَذكر لَهُ ضلك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يضْرب بِيَدِهِ على فَخذ ابي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر سلمَان أعلم مِنْك ثَلَاث مَرَّات لَا تخصن لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي وَلَا تخصن يَوْم الْجُمُعَة بصيام من بَين الْأَيَّام
وَفِي سنَن النَّسَائِيّ الْكَبِير أخبرنَا أَبُو بكر بن عَليّ حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن عَاصِم
عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن ابي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا الدَّرْدَاء لَا تخصن يَوْم الْجُمُعَة بصيام دون الْأَيَّام وَلَا تخصن لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام دون اللَّيَالِي
قلت فَحصل من مَجْمُوع ذَلِك ان ابْن سِيرِين روى هَذَا الحَدِيث عَن ثَلَاثَة من الصَّحَابَة وهم أَبُو هُرَيْرَة وسلمان وَأَبُو الدَّرْدَاء وَحَيْثُ أطلق الصَّحَابِيّ فِي بعض هَذِه الرِّوَايَات اراد بِهِ اُحْدُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة فاختصر وَكَذَلِكَ لما رَوَاهُ مُرْسلا وَذَلِكَ من تصرف الرَّاوِي عَن ابْن سِيرِين وكل ذَلِك صَحِيح الْجمع بَين جَمِيع الرِّوَايَات مُمكن فَلَا يكون فِي ذَلِك تنَاقض وَالله أعلم وَلَا يَنْبَغِي تَخْصِيص الْعِبَادَات بأوقات لم يخصصها بهَا الشَّرْع بل يكون جَمِيع أَفعَال الْبر مُرْسلَة فِي جَمِيع الْأَزْمَان لَيْسَ لبعضها على بعض فضل إِلَّا مَا فَضله الشَّرْع وَخَصه بِنَوْع من الْعِبَادَة فان كَانَ ذَلِك اخْتصَّ بِتِلْكَ الْفَضِيلَة تِلْكَ الْعِبَادَة دون غَيرهَا كَصَوْم يَوْم عَرَفَة وعاشوراء وَالصَّلَاة فِي جَوف اللَّيْل وَالْعمْرَة فِي رَمَضَان وَمن الْأَزْمَان مَا جعله الشَّرْع مفضلا فِيهِ جَمِيع أَعمال الْبر كعشر ذِي الْحجَّة وَلَيْلَة الْقدر الَّتِي هِيَ خير من ألف شهر أَي الْعَمَل فِيهَا أفضل من الْعَمَل فِي ألف شهر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقدر فَمثل ذَلِك يكون أَي عمل من اعمال الْبر حصل فِيهَا كَانَ لَهُ الْفضل على نَظِيره فِي زمن آخر
فَالْحَاصِل أَن الملكف لَيْسَ لَهُ منصب التَّخْصِيص بل ذَلِك الى الشَّارِع وَهَذِه كَانَت صفة عبَادَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكَبِير بَاب من كره ان يتَّخذ الرجل صَوْم شهر يكمله من بَين الشُّهُور أَو صَوْم يَوْم من الْأَيَّام وسَاق فِيهِ من الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث أبي سَلمَة عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَصُوم حَتَّى نقُول لَا يفْطر وَيفْطر حَتَّى نقُول لَا يَصُوم وَحَدِيث عَلْقَمَة قَالَ قلت لعَائِشَة رضى الله عَنْهَا هَل كَانَ رَسُول الله (صلع يخص من الْأَيَّام شَيْئا قَالَت لَا كَانَ عمله دِيمَة
قَالَ الْأَمَام الشَّافِعِي وأكره ان يتَّخذ الرجل صَوْم شهر يكمله كَمَا يكمل
رَمَضَان وَكَذَلِكَ يَوْم من بَين الْأَيَّام قَالَ وَإِنَّمَا كرهته ليتأسى رجل جَاهِل فيظن ان ذَلِك وَاجِب أَو فعل حسن
وَذكر الشَّيْخ أَبُو الْخطاب فِي كتاب أَدَاء مَا وَجب من بَيَان وضع الوضاعين فِي رَجَب عَن المؤتمن بن أَحْمد السَّاجِي الْحَافِظ قَالَ كَانَ الإِمَام عبد الله الْأنْصَارِيّ شيخ خُرَاسَان لَا يَصُوم رَجَب وَيُنْهِي عَن ذَلِك وَيَقُول مَا صَحَّ فِي فضل رَجَب وَلَا فِي صيامة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَيْء وَقد رويت كَرَاهَة صَوْمه عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا وَكَانَ عمر يضْرب بِالدرةِ صوامه وروى ذَلِك الفاكيهي فِي كتاب مَكَّة لَهُ واسنده الامام الْمجمع على عَدَالَته الْمُتَّفق على إِخْرَاج حَدِيثه وَرِوَايَته ابو عُثْمَان سعيد بن مَنْصُور الْخُرَاسَانِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن مسعر عَن وبرة عَن خَرشَة بن الْحر ان عمر ابْن الْخطاب رضى الله عَنهُ كَانَ يضْرب أَيدي الرِّجَال فِي رَجَب إِذا رفعوها عَن طَعَامه حَتَّى يضعوها فِيهِ وَيَقُول إِنَّمَا هُوَ شهر كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يعظمونه قَالَ وَهَذَا سَنَد مجمع على عَدَالَة رُوَاته فالصيام جنَّة وَفعل خير وَعمل بر لَا لفضل صَوْم هَذَا الشَّهْر قَالَ فَأن قيل الْيَسْ هَذَا هُوَ اسْتِعْمَال خير قيل لَهُ اسْتِعْمَال الْخَيْر نبغي أَن يكون مَشْرُوعا من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِذا علمنَا أَنه كذب خرج من المشروعيه وَإِنَّمَا كَانَت تعظمه مصر فِي الْجَاهِلِيَّة كَمَا قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رضى الله عَنهُ وَضرب أَيدي الَّذين كَانُوا يصومونه وَكَانَ ابْن عَبَّاس حبر الْقُرْآن يكره صِيَامه وَقَالَ فَقِيه القيروان وعالم أهل زَمَانه بالفروع ابو مُحَمَّد ابْن ابي زيد وَكره ابْن عَبَّاس صِيَام رَجَب كُله خيفة أَن يرى الْجَاهِل أَنه مفترض
وَقلت وَذكر بعض هَذِه الْآثَار أَبُو بكر الطرطوشي فِي كتاب الْحَوَادِث واليدع وَزَاد قَالَ وروى ابْن وضاح أَن عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ كَانَ يضْرب الرجبين الَّذين يَصُومُونَ رَجَب كُله وروى أَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا كَانَ إِذا رأى النَّاس وَمَا يعدون لرجب كرهه وَقَالَ صُومُوا وَافْطرُوا فَإِنَّمَا هُوَ شهر كَانَت تعظمه الجاهيلة وَعَن أبي بكر رضى الله عَنهُ أَنه دخل على أَهله
وَقد أعدُّوا لرجب فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا لرجب نصومه فَقَالَ اجعلتم رَجَب كرمضان
قَالَ الطرطوشي يكره صِيَام رَجَب على أحد ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا إِذا خصّه الْمُسلمُونَ بِالصَّوْمِ فِي كل عَام حسب الْعَوام وَمن لَا معرفَة لَهُ بالشريعة مَعَ ظُهُور صيامة أَنه فرض كرمضان أَو أَنه سنة ثابته خصّه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كالسنن الرَّاتِبَة وَأما أَن الصَّوْم فِيهِ مَخْصُوص يفضل ثَوَاب على سَائِر الشُّهُور جَار مجْرى صَوْم عَاشُورَاء وَفضل آخر اللَّيْل على أَوله فِي الصَّلَاة فَيكون من بَاب الْفَضَائِل لَا من بَاب السّنَن والفرائض وَلَو كَانَ من بَاب الْفَضَائِل لسنة (صلع) أَو فعله مرّة فِي الْعُمر كَمَا فعل فِي يَوْم عَاشُورَاء وَفِي الثُّلُث الغابر من اللَّيْل وَلما لم يفعل بَطل كَونه مَخْصُوصًا بالفضيلة وَلَا هُوَ فرض وَلَا سنة بإتفاق فَلم يبْق لتخصيصه بالصيام وحه فكره صِيَامه والدوام عَلَيْهِ حذرا من أَن يلْتَحق بالفرائض وَالسّنَن الرَّاتِبَة عِنْد الْعَوام فَإِن أحب أمرؤ أَن يَصُومهُ على وَجه يُؤمن من فِيهِ الذريعة وانتشار الْأَمر حَتَّى لَا يعد فرضا اَوْ سنة فَلَا بَأْس بذلك
قَالَ وَسُئِلَ سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله تَعَالَى عَمَّن يقْرَأ قل هُوَ الله أحد لَا يقْرَأ غَيرهَا يكررها فكرهه وَقَالَ إِنَّمَا أنزل الْقُرْآن ليقْرَأ وَلَا يخص شَيْء دون شَيْء وَإِنَّمَا انتم متبعون وَلم يبلغنَا عَنْهُم مثل هَذَا قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة وَلَا يُؤْتى شَيْء من الْمَسَاجِد يعتتقد فِيهِ الْفضل بعد الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة إِلَّا مَسْجِد قبَاء قَالَ وَكره أَن يعد لَهُ يَوْمًا بِعَيْنِه فَيُؤتى فِيهِ خوفًا من الْبِدْعَة وَأَن يطول بِالنَّاسِ زمَان فَيجْعَل ذَلِك عيدا يعْتَمد أَو فريضه تُؤْخَذ وَلَا بَأْس أَن يُؤْتى كل حِين مَا لم تَجِيء فِيهِ بِدعَة
قلت وَقد صَحَّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتى قبَاء كل سبت وَلَكِن معنى هَذَا أَنه كَانَ يزوره فِي كل أُسْبُوع وغبر بالسبت عَن الْأُسْبُوع كَمَا يعبر عَنهُ بِالْجمعَةِ وَنَظِيره مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس بن مَالك
رضى الله عَنهُ فِي استسقاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم الْجُمُعَة قَالَ فِيهِ فَلَا وَالله مَا رَأينَا الشَّمْس سبتا وَالله أعلم
وقرأت فِي كتاب شرح الْجَامِع للزعفراني الْحَنَفِيّ فصلا حسنا أعجبني إثْبَاته هَهُنَا قَالَ وَكَانَ يكره ان يتَّخذ شَيْئا من الْقُرْآن حتما يُوَقت لشَيْء من الصَّلَاة وَكره أَن تتَّخذ السَّجْدَة وَهل أَتَى على الْإِنْسَان لصَلَاة الْفجْر يقرآن كل جُمُعَة وأوصله قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الرَّسُول يَا رب إِن قومِي اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا}
قَالَ ابْن عَبَّاس لَيْسَ شَيْء من الْقُرْآن مَهْجُورًا وَهَذَا لِأَن الْقُرْآن كَلَام الله تَعَالَى لَيْسَ لبعضه على بعض من حَيْثُ أَنه قُرْآن أما من حَيْثُ الْمَذْكُور فقد يكون بَينهمَا فرق وَفِي تَخْصِيص الْبَعْض لبَعض الصَّلَاة هجر للْبَاقِي وَإِنَّمَا كره الْمُلَازمَة فِي قِرَاءَة السُّورَة فَأَما أَحْيَانًا فمستحب لِأَن الحَدِيث قد صَحَّ أَن النَّبِي (صلع) قرأهما فِي صَلَاة الْفجْر وَلَكِن فعل ذَلِك لَا يدل على اللُّزُوم لِأَن ذَلِك يُوجب هجر غَيره وملازمة بعض الْمُصَلِّين فِي الْوتر قِرَاءَة سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَسورَة الْقدر وَفِي الثَّانِيَة قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَة قل هُوَ الله أحد لَيْسَ بصواب لما قُلْنَا
وَفِي كتاب المغنى يسْتَحبّ أَن يقْرَأ فِي صَلَاة الصُّبْح يَوْم الْجُمُعَة ألم تَنْزِيل السَّجْدَة وَهل أَتَى على الأنسان نَص عَلَيْهِ أَحْمد قَالَ أَحْمد وَلَا أحب أَن يداوم عَلَيْهَا لِئَلَّا يظنّ النَّاس أَنَّهَا مفضلة بِسَجْدَة قلت وَالْعجب من مواظبة أَكثر أَئِمَّة الْمَسَاجِد على قِرَاءَة السَّجْدَة فِي صبح كل يَوْم جمعه وَلَا تكَاد ترى أحدا من الخطباء فِي هَذِه الْبِلَاد يقْرَأ سُورَة ق فِي خطْبَة يَوْم الْجُمُعَة مَعَ أَن فِي صَحِيح مُسلم عَن أَن هِشَام بنت حارثه قَالَت مَا أخذت ق وَالْقُرْآن الْمجِيد إِلَّا عَن لِسَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقْرؤهَا كل جُمُعَة على الْمِنْبَر إِذا خطب النَّاس