المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فصل في الفرق بين صلاة الرغائب وغيرها من صلاة البدع وبين التطوع - الباعث على إنكار البدع والحوادث

[أبو شامة المقدسي]

الفصل: ‌ فصل في الفرق بين صلاة الرغائب وغيرها من صلاة البدع وبين التطوع

13

-‌

‌ فصل فِي الْفرق بَين صَلَاة الرغائب وَغَيرهَا من صَلَاة الْبدع وَبَين التَّطَوُّع

الْوَجْه الثَّانِي فِي الْفرق بَين صَلَاة الرغائب وَغَيرهَا من صَلَاة الْبدع وَبَين التَّطَوُّع الَّذِي ينشئه الْإِنْسَان الْمُسْتَفَاد من النُّصُوص الدَّالَّة على طلب التنقل بِجِنْس الصَّلَاة فِي غير الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة أَن نقُول قد ثَبت أَن هَاتين الصَّلَاتَيْنِ أعنى صَلَاتي رَجَب وَشَعْبَان صَلَاة بِدعَة قد كذب فيهمَا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِوَضْع مَا لَيْسَ من حَدِيثه وَكذب على الله تَعَالَى بالتقدير عَلَيْهِ فِي جَزَاء الْأَعْمَال مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَلم يقْتَرن بِغَيْر صَلَاة الْبدع من ذَلِك شَيْء وَكَانَ من الْغيرَة لله وَلِرَسُولِهِ ولدينه تَعْطِيل مَا كتب عَلَيْهِ وهجره واطراحه واستقباحه وتنفير النَّاس عَنهُ إِذْ يلْزم من الموافقه عَلَيْهِ مفاسد

الأولى اعْتِمَاد الْعَوام على مَا جَاءَ فِي فَضلهَا وتكفيرها فَيحمل كثيرا مِنْهُم على أَمريْن عظيمين أَحدهمَا التَّفْرِيط فِي الْفَرَائِض وَالثَّانِي الآنهماك فِي الْمعاصِي وينتظرون مَجِيء هَذِه اللَّيْلَة وَيصلونَ هَذِه الصَّلَاة فيرون مَا فَعَلُوهُ مجزيا عَمَّا تَرَكُوهُ وَمَا حَيا مَا ارتكبوه فَعَاد مَا ظَنّه وَاضع الحَدِيث فِي صَلَاة الرغائب حَامِلا على مزِيد الطَّاعَات مكثرا من ارْتِكَاب الْمعاصِي والمنكرات

الْمفْسدَة الثَّانِيَة أَن فعل الْبدع مِمَّا يغري المبتدعين الواضعين بوضعها واقترابها وَالزِّيَادَة عَلَيْهَا إِذا رَأَوْا رواج مَا اقترفوه ووضعوه وانهماك النَّاس عَلَيْهِ وَيَقَع لَهُم الطمع فِي إضلال النَّاس واستدراجهم من بِدعَة الى بِدعَة ويتوصل بذلك الى إهمال الشَّرِيعَة والإنسلاخ مِنْهَا فَكَانَ فِي فعلهَا إغراء بِالْبَاطِلِ وإعانة عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَمْنُوع شرعا وَفِي إطراح الْبدع وتنفير النَّاس عَنْهَا زاجر للمبتدعين والوضاعين عَن وضع مثلهَا وابتداعه والزجر عَن الْمُنْكَرَات وَاجِب على الْمنزلَة عِنْد الله تَعَالَى

الْمفْسدَة الثَّالِثَة أَن الرجل الْعَالم الْمُقْتَدِي بِهِ والمرموق بِعَين الصّلاح

ص: 55

إِذا فعلهَا كَانَ موهما للعامة أَنَّهَا من السّنَن كَمَا هُوَ الْوَاقِع فَيكون كَاذِبًا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِلِسَان الْحَال قد يقوم مقَام لِسَان الْمقَال وَأكْثر مَا أَتَى النَّاس فِي الْبدع بِهَذَا السَّبَب يظنّ فِي شخص أَنه من أهل الْعلم وَالتَّقوى وَلَيْسَ هُوَ فِي نفس الْأَمر كَذَلِك فيرمقون أَقْوَاله وأفعاله فيتبعونه فِي ذَلِك فتفسد أُمُورهم

فَفِي الحَدِيث عَن ثَوْبَان رضى الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن مِمَّا الْخَوْف على أمتِي الْأَئِمَّة المضلين أخرجه ابْن ماجة وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح

وَفِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من النَّاس وَلَكِن يقبض الْعلم بِمَوْت الْعلمَاء وَحَتَّى إِذا لم يبْقى عَالم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فأفتوا بِغَيْر علم وأضلوا

قَالَ الإِمَام الطرطوشي رَحمَه الله تَعَالَى فتدبروا هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ يدل على أَنه لَا يُؤْتى النَّاس قطّ من قبل عُلَمَائهمْ وَإِنَّمَا يُؤْتونَ من قبل إِذا مَاتَ علماؤهم أفتى من لَيْسَ بعالم فَيُؤتى النَّاس من قبلهم قَالَ وَقد صرف عمر رضى الله عَنهُ هَذَا الْمَعْنى تصريفا فَقَالَ مَا خَان أَمِين قطّ ولكان ائْتمن غير أَمِين فخان قَالَ وَنحن نقُول مَا ابتدع عَالم قطّ وَلكنه استفتى من لَيْسَ بعالم فضل وأضل وَكَذَلِكَ فعل ربيعَة قَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى بَكَى ربيعَة يَوْمًا بكاء شَدِيدا فَقيل لَهُ أَمُصِيبَة نزلت بك قَالَ لَا وَلَكِن أستفتى من لَا علم عِنْده وَظهر فِي الْإِسْلَام أَمر عَظِيم

الْمفْسدَة الرَّابِعَة أَن الْعَالم إِذا صلى هَذِه الصَّلَاة المبتدعة كَانَ متسببا الى أَن تكذب الْعَامَّة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَتَقول هَذِه سنة من السّنَن والتسبب الى الْكَذِب على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يجوز لِأَنَّهُ يورط الْعَامَّة فِي عُهْدَة قَوْله صلى الله عليه وسلم من كذب على مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده

ص: 56

من النَّار فَلَا يَنْبَغِي للْعَالم أَن يفعل مَا يتورط الْعَوام بِسَبَب فعله فِي اعْتِقَاد أَمر على مخلفة الشَّرْع وَقد امْتنع جمَاعَة من الصَّحَابَة من فعل أَشْيَاء إِمَّا وَاجِبَة وَإِمَّا مُؤَكدَة خوفًا من ظن الْعَامَّة خلاف مَا هِيَ عَلَيْهِ

قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَقد بلغنَا أَن أَبَا بكر الصّديق وَعمر رضى الله عَنْهُمَا كَانَا لَا يضحيان كَرَاهِيَة ان يقْتَدى بهما فيظن من رآهما أَنَّهَا وَاجِبَة وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه جلس مَعَ أَصْحَابه ثمَّ أرسل بِدِرْهَمَيْنِ فَقَالَ اشْتَروا بهما لَحْمًا ثمَّ قَالَ هَذِه أضْحِية ابْن عَبَّاس قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَقد كَانَ قل مَا يمر بِهِ يَوْم إِلَّا نحر فِيهِ أَو ذبح بِمَكَّة قَالَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك مثل الَّذِي روى عَن أبي بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا وَعَن أبي شريحة حُذَيْفَة بن أسيد قَالَ أدْركْت أَبَا بكر وَعمر رضي الله عنهما وَكَانَا لي جارين وَكَانَا لَا يضحيان كَرَاهِيَة أَن يقْتَدى بهما وَعَن أبي مَسْعُود الأنصارى قَالَ أَنِّي لأترك أَن لَا أضحي وَإِنِّي لمؤسس كَرَاهِيَة أَن يرى جيراني وَأَهلي أَنه على حتم أخرجهن الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمعرفَة وذكرهن أَيْضا الطرطوشي الْفَقِيه فِي كِتَابه وَزَاد أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رضى الله عَنهُ كُنَّا نضحي عَن النِّسَاء وأهلينا فَلَمَّا تباهى النَّاس بذلك تركناها قَالَ أَبُو بكر انْظُرُوا رحمكم الله فَإِن لأهل الْإِسْلَام قَوْلَيْنِ فِي الأضحيه أَحدهمَا سنة وَالثَّانِي وَاجِبَة ثمَّ اقتحمت الصَّحَابَة ترك السّنة حذرا من أَن يضع النَّاس الْأَمر على غير وَجهه فيعتقدوها فَرِيضَة

قَالَ وَمن ذَلِك قصَّة عُثْمَان بن عَفَّان رضى الله عَنهُ وَذَلِكَ أَنه كَانَ يُسَافر فَيتم فِي السّفر فَيُقَال لَهُ أَلَيْسَ قصرت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بلَى وَلَكِنِّي أَمَام النَّاس فَينْظر الى الْأَعْرَاب وَأهل الْبَادِيَة اصلي رَكْعَتَيْنِ فَيَقُولُونَ هَكَذَا فرضت قَالَ الطرطوشي رَحْمَة الله تَعَالَى تأملوا رحمكم الله فَإِن فِي الْقصر قَوْلَيْنِ لأهل الْإِسْلَام مِنْهُم من يَقُول فَرِيضَة وَمن أتم فَإِنَّهُ يَأْثَم وَيُعِيد أبدا وَمِنْهُم من يَقُول سنة يُعِيد من أتم فِي الْوَقْت ثمَّ اقتحم عُثْمَان رضى الله عَنهُ ترك الْفَرْض أَو السّنة لما خَافَ من سوء الْعَاقِبَة وَأَن يعْتَقد النَّاس أَن الْفَرْض رَكْعَتَانِ وَكَانَ عمر يُنْهِي إلإماء عَن لبس الْإِزَار وَقَالَ لَا تشبهن الْحَرَائِر وَقَالَ

ص: 57