الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأبنة عبد الله ألم أخبر أَن جاريتك لبست الأزار وَلَو لقيتها لأوجعتها ضربا قَالَ أَبُو بكر الطرطوشي وَمَعْلُوم أَن هَذَا ستْرَة وَلَكِن فَهموا أَن مَقْصُود الشَّرْع الْمُحَافظَة على حُدُوده وَأَن لَا يظنّ أَن الْحرَّة وَالْأمة فِي الستْرَة سَوَاء فتموت سنة وتحيا بِدعَة
قلت نَظِير مَا حكى عَن أبي بتكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا فِي الْأُضْحِية مَا أخرجة الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب السّنَن الْكَبِير بِسَنَدِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن ابزي ان أَبَا بكر وَعمر رضى الله عَنهُ كَانَا يمشيان أَمَام الْجِنَازَة وَكَانَ على يمشى خلفهَا فَقيل لعلى رضى الله عَنهُ كَانَا يمشيان أمامها فَقَالَ أَنَّهُمَا يعلمَانِ أَن الْمَشْي أمامها كفضل صَلَاة الرجل فِي جمَاعَة على صلَاته فَذا ولكنهما يسهلان للنَّاس
وَقد أنكر عمر بن الْخطاب على طَلْحَة بن عبيد الله رضى الله عَنْهُمَا فعلا يغتر بظاهرة الْجُهَّال فيحملونه على غير وَجه فَفِي الْمُوَطَّأ عَن نَافِع أَنه سمع أسلم مولى عمر يحدث ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَن عمر رأى طَلْحَة بن عبيد الله رضى الله عَنهُ ثوبا مصبوغا وَهُوَ محرم فَقَالَ مَا هَذَا الثَّوْب الْمَصْبُوغ يَا طَلْحَة فَقَالَ طَلْحَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هُوَ مدر فَقَالَ مَا فَقَالَ عمر إِنَّكُم أَيهَا الرَّهْط أَئِمَّة يقْتَدى بكم فَلَو أَن رجلا جَاهِلا رأى هَذَا الثَّوْب لقَالَ أَن طَلْحَة بن عبيد الله قد كَانَ يلبس الثِّيَاب المصبغة فِي الْإِحْرَام فَلَا تلبسوا أَيهَا الرَّهْط شَيْئا من هَذِه الثِّيَاب المصبغة قلت الْمدر الطين العلك الَّذِي لَا يخالطة شَيْء من رمل والمغرة الطين الْأَحْمَر فَكَأَنَّهُ كَانَ مصبوغا وَلم يَك مصبوغا بِمَا لَا يجوز فِي الأحرام فعله وَالله أعلم
14
-
فصل فِي مُخَالفَة صَلَاة الرغائب للشَّرْع
الْوَجْه الثَّالِث فِي الْفرق أَن هَذِه الصَّلَاة أعنى صَلَاة الرغائب المفضوله على الْوَجْه الْمَخْصُوص الْمَشْهُور الَّذِي الْعَوام بِهِ أحذق من الْعلمَاء مُشْتَمِلَة على مُخَالفَة
سبن الشَّرْع فِي الصَّلَاة من وُجُوه ذكرهَا الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد فِي جزئه وردته أَنا أيضاحا وتقريرا
الْوَجْه الأول مُخَالفَة سنة الْمُسلمين فِي الصَّلَاة وَمَاله حكم الصَّلَوَات من السجدات الْمَشْرُوعَة بِسَبَب عدد التسبيحات وَعدد قِرَاءَة الْقدر والاخلاص فِي كل رَكْعَة وَلَا يتأنى ذَلِك إِلَّا بتحريك الْأَصَابِع فِي الْغَالِب وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ اسكنوا فِي الصَّلَاة وَأما تَكْبِيرَات الْعِيد وَنَحْوهَا مِمَّا تعبدنا الشَّرْع بتكراره فِي الصَّلَاة فَإِن كَانَ قَلِيلا يُمكن فعله مَعَ كَمَال الْخُشُوع فهما عبادتان وَإِلَّا لم يكن إِلَّا مَعَ نقص الْخُشُوع لم يضر ذَلِك لِأَن كليهمَا مَأْمُور بِهِ للشَّرْع فَكيف مَا تقلب الْمُكَلف كَانَ فَاعِلا مَا أَمر بِهِ وَيقدم التّكْرَار على الْخُشُوع لتقديم الشَّرْع لَهُ فَهُوَ أعلم بمصلحة مَا كلف بِهِ وَأما صَلَاة يبتدعها الْمُكَلف فَلَيْسَ لَهُ أَن يتحكم وَيجْعَل فِيهَا الْعدَد مقدما على الْخُشُوع فِي جَمِيع الصَّلَوَات على يَقِين من الْأَمر بِهِ ولسنا كَذَلِك فِي الْعدَد وَهَذَا وَاضح وَللَّه الْحَمد
الْوَجْه الثَّانِي مُخَالفَة سنة خشوع الْقلب وخضوعه وحضوره فِي الصَّلَاة وتفريغه لله تَعَالَى وملاحظة جَلَاله وَالْوُقُوف على مَعَاني الْقُرْآن والإذكار فَهُوَ الْمَطْلُوب الْأَعْظَم فِي الصَّلَاة {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} وَلِهَذَا بحكى عَن جمَاعَة من الموفقين من الْمُتَقَدِّمين أَنه جرت بهم أُمُور عَظِيمَة وهم فِي الصَّلَاة فَلم يحسوا بهَا كَالَّذي يَحْكِي عَن مُرُور حجر المنجنيق بِوَجْه عبد الله بن الزبير وَخُرُوج حَيَّة على ابْن لَهُ صَغِير فِي بَيته بِحَضْرَتِهِ وَقطع رجل أَخِيه عُرْوَة وَأبي الْعَالِيَة وَوُقُوع قِطْعَة من جَامع الْبَصْرَة وَمُسلم بن يسَار يُصَلِّي رضى الله عَنْهُم وَإِذا لاحظ الْمُصَلِّي عدد قِرَاءَة السُّور والتسبيحات بِقَلْبِه كَانَ ملتفتا عَن الله تَعَالَى معرضًا عَنهُ
الْوَجْه الثَّالِث مُخَالفَة سنة النَّوَافِل من جِهَة أَن فعلهَا فِي الْبيُوت أولى من فعلهَا فِي الْمَسَاجِد وَمن جِهَة أَن فعلهَا بالأنفراد أولى من فعلهَا فِي الْجَمَاعَة إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْع من ذَلِك
الْوَجْه الرَّابِع ان كَمَال هَذِه الصَّلَاة عِنْد من وَضعهَا من المبتدعين أَن يَفْعَلهَا من صَامَ ذَلِك الْيَوْم وَعند ذَلِك يلْزم تَعْطِيل سنتَيْن من سنَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِحْدَاهمَا تَعْجِيل الْفطر وَالثَّانيَِة تَفْرِيغ الْقلب من الشواغل المقلقة فِي سَبَب جوع الصَّائِم وعطشه وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا حضر الْعشَاء وأقيمت الصَّلَاة فابؤا بالعشاء وَهَذِه الصَّلَاة يدْخل فِيهَا بعد الْفَرَاغ من صَلَاة الْمغرب وَلَا يفرغ مِنْهَا إِلَّا عِنْد دُخُول وَقت صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة فتوصل بِصَلَاة الْعشَاء والقلق بَاقٍ ويتأخر الْفطر الى مَا بعد ذَلِك
الْوَجْه الْخَامِس أَن سَجْدَتي هَذِه الصَّلَاة المفعولتين بعد الْفَرَاغ مِنْهَا مكروهتان فَإِنَّهُمَا سَجْدَتَانِ لَا سَبَب لَهما والشريعة لم ترد بالتقرب الى الله تَعَالَى فِي السُّجُود إِلَّا فِي الصَّلَاة أَو لسَبَب خَاص فِي سَهْو أَو قِرَاءَة ة سَجْدَة وَفِي سَجْدَة الشُّكْر خلاف استحبها الشَّافِعِي وَقَالَ أَحْمد لَا بَأْس بهَا وَقَالَ اسحق وَأَبُو ثَوْر هِيَ سنة وَكره النَّخعِيّ ذَلِك وَزعم أَنه بِدعَة وَكره ذَلِك مَالك والنعمان هَذَا نقل ابي بكر بن الْمُنْذر فِي كِتَابه ثمَّ قَالَ بالْقَوْل الأول أَقُول لِأَن ذَلِك قد روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر وَعمر وَعلي وَكَعب بن مَالك وَقَالَ أَمَام الْحَرَمَيْنِ الْمَعَالِي ذكر صَاحب التَّقْرِيب عَن بعض الْأَصْحَاب أَن الرجل لَو خضع لله تَعَالَى فَسجدَ من غير سَبَب فَلهُ ذَلِك قَالَ وَهَذَا لم أره إِلَّا لَهُ وَكَانَ شَيْخي يكره ذَلِك وَاشْتَدَّ نكيره على من يفعل ذَلِك قَالَ وَهُوَ الظَّاهِر عِنْدِي قَالَ أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ كَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رحمه الله يشدد النكير على فَاعل ذَلِك وَهُوَ الصَّحِيح وَقَالَ فِي كتاب النّذر وَلم يذهب أحد الى ان السَّجْدَة وَحدهَا تلْزم بِالنذرِ فَإِنَّهَا لَيست عبَادَة إِلَّا مقرنه بِسَبَب كالتلاوة قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ شَيْخي يقطع بِأَن السَّجْدَة مفرده لَا تلْزم بِالنذرِ وَإِن كَانَ 2
التَّالِي يسْجد فَإِن السَّجْدَة مُفْردَة من غير سَبَب لَيست قربَة على الرَّأْي الظَّاهِر كَمَا قَرَّرَهُ فِي كتاب الصَّلَاة قَالَ أَبُو نصر الأرغباني سُجُود الشُّكْر سنة عِنْد مفاجأة نعْمَة واندفاع نقمة وبلية وَلَا تسْتَحب لدوام النعم وَقَالَ صَاحب التَّتِمَّة جرت عَادَة بعض النَّاس بِالسُّجُود بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة يَدْعُو فِيهِ قَالَ وَتلك سَجْدَة لَا يعرف لَهَا أصل وَلَا نقلت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا عَن أَصْحَابه وَالْأولَى أَن يَدْعُو بِالصَّلَاةِ لما روى من الْأَخْبَار فِيهِ وَالله أعلم
قلت وَلَا يلْزم من كَون السُّجُود قربَة فِي الصَّلَاة أَن يكون قربه خَارج الصَّلَاة كالركوع قَالَ الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد لم ترد الشريعه بالتقرب الى الله تَعَالَى بِسَجْدَة مُنْفَرِدَة لَا سَبَب لَهَا فَإِن الْقرب لَهَا أَسبَاب وشرائط وأوقات واركان لَا تصلح بِدُونِهَا وكما لَا يتَقرَّب الى الله تَعَالَى بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَة ومزدلفة وَرمي الْجمار وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة من غير نسك وَاقع فِي وقته بأسبابه وشرائطه فَكَذَلِك لَا يتَقرَّب الى اللهتعالى بِسَجْدَة مُنْفَرِدَة وان كَانَت قربَة اذا كَانَ لَهَا سَبَب صَحِيح وَكَذَلِكَ لَا يتَقرَّب الى الله تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام فِي كل وَقت وَأَوَان وَرُبمَا تقرب الجاهلون الى الله تَعَالَى بِمَا هُوَ مبعد عَنهُ من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
قلت وَهَذَا صَحِيح فَفِي الحَدِيث عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا قَالَت أَن كنت لأفتل قلائد هدى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ يبْعَث بهَا وَهُوَ مُقيم مَا يجْتَنب شَيْئا مِمَّا يجْتَنب الْمحرم قَالَ وَكَانَ بلغَهَا أَن زِيَاد بن أبي سُفْيَان أهْدى وتجرد قَالَ فَقَالَت هَل كَانَت لَهُ كعبة يطوف بهَا فَإنَّا لَا نعلم أحدا نحرم عَلَيْهِ الثِّيَاب وَتحل لَهُ حَتَّى يطوف الْكَعْبَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكَبِير ثمَّ قَالَ أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح من حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن هِشَام وَفِي السّنَن الْكَبِير أَيْضا عَن أبي الصّديق النَّاجِي قَالَ رأى عبد الله ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا قوما قد اضطجعوا بعد الرَّكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفجْر فَقَالَ أرجع اليهم فاسألهم مَا حملهمْ على مَا صَنَعُوا قَالَ فأتيتهم فسألتهم فَقَالُوا نُرِيد السّنة قَالَ فَارْجِع اليهم فاخبرهم أَنَّهَا بِدعَة
وَفِي كتاب أبي بكر الطرطوشي حمه الله تَعَالَى قَالَ روى مُحَمَّد بن وَصَاح أَن عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ أَمر بِقطع الشَّجَرَة الَّتِي بُويِعَ تحتهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن النَّاس كَانُوا يذهبون إِلَيْهَا فخاف عمر رضى الله عَنهُ الْفِتْنَة عَلَيْهِم قَالَ كَانَ مَالك وَغَيره من عُلَمَاء الْمَدِينَة يكْرهُونَ تِلْكَ الْمَسَاجِد وَتلك الْآثَار الَّتِي فِي المدينه مَا عدا قبَاء وَاحِدًا وَدخل سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله تَعَالَى بِبَيْت الْمُقَدّس فصلى فِيهِ وَلم يتبغ تِلْكَ الْآثَار وَالصَّلَاة فِيهَا وَكَذَلِكَ فعل غَيره أَيْضا مِمَّن يَقْتَدِي بِهِ قَالَ مُحَمَّد بن وضاح كم من أَمر هُوَ الْيَوْم مَعْرُوف عِنْد كثير من النَّاس كَانَ مُنْكرا عِنْد من مضى وَكم متحبب الى الله تَعَالَى بِمَا يبغض الله تَعَالَى عَلَيْهِ ومتقرب الى الله تَعَالَى بِمَا يبعده مِنْهُ وكل بِدعَة عَلَيْهَا زِينَة وبهجة قَالَ وروى الْمَالِكِي فِي كتاب رياضة النُّفُوس أَن يحيى بن عمر الْفَقِيه الأندلسي كَانَ يعبر فِي القيروان على مَوضِع نَاس حاكه فَإِذا كَانَت أَيَّام الْعشْرين يرفعون أَصْوَاتهم بِالتَّكْبِيرِ والتهليل فنهاهم فَلم ينْتَهوا وَكَانَ شَدِيدا فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر قَالَ فَدَعَا الله عَلَيْهِم ثمَّ انقرضوا وَخَربَتْ دِيَارهمْ بُرْهَة من الزَّمَان
13
- 15 فصل فِي الرَّد على من يعْتَقد فِي صَلَاة الرغائب
وَاعْتمد الشَّيْخ التقي فِي تشريغ هَذِه الصَّلَاة على دُخُولهَا تَحت مُطلق الْأَمر الْوَارِد بِمُطلق الصَّلَاة وَقَالَ لَا يلْزم من ضعف الحَدِيث بصلان صَلَاة الرغائب وَجَوَابه أَنا لم نَأْخُذ ذَلِك من بطلَان الحَدِيث فَقَط بل من أَدِلَّة أخر مِنْهَا النَّهْي عَن تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام وَمَا ثَبت بعد وُرُود الْأَمر الْمُطلق كَونه مَكْرُوها لَا يتَعَلَّق الْأَمر الْمُطلق بِهِ نَص عَلَيْهِ أَئِمَّتنَا فِي كتب الْأُصُول وقرروه ثمَّ أَن ذَلِك يجْرِي مجْرى الْخُصُوص والعموم وَالْخَاص مرجع على الْعَام سَوَاء تقدم الْعَام أَو تَأَخّر لَا خلاف فِيهِ على أَنه قد تقدم الْجَواب عَن هَذَا الَّذِي ذكره وَالْفرق من وُجُوه سبقت ثمَّ أَنه لَو سلم أَن هَذِه الصَّلَاة يسوغ الْإِقْدَام عَلَيْهَا
بِنَاء ذَلِك فَهَذَا أَمر لَا يعرفهُ إِلَّا خَواص الْعلمَاء وَأما الْعَوام وَمن لَا يرسخ قدمه فِي الْعلم فَلَا يفعل هَذِه الصَّلَاة إِلَّا مُعْتَقدًا أَنه سنة من السّنَن الموظفة الْمَأْجُور عَلَيْهَا مُصَليا أضعافا مضاعفه فَهُوَ لَا يدْخل فِيهَا إِلَّا نَاوِيا ذَلِك وَأَقل الْمَرَاتِب أَن يَنْوِي صَلَاة الرغائب وَلَيْسَ لنا فِي الشَّرِيعَة صَلَاة بِهَذَا الإسم فَكَأَنَّهُ نوى مَا لَا حَقِيقَة لَهُ شرعا قَالَ الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد جَوَابا لمفتيين أفتيا بِصِحَّة هَذِه الصَّلَاة فَقَالَ افتيا بِصِحَّتِهَا مَعَ خلاف أَصْحَاب الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ فِي صِحَة مثلهَا فان من نوى صَلَاة ووصفها فِي نِيَّته بِصفة فاختلفت تِلْكَ الصّفة فَهَل تبطل صلَاته من أَصْلهَا أَو تَنْعَقِد نفلا فِيهِ خلاف مَشْهُور وَهَذِه الصَّلَاة بِهَذِهِ المثابة فَإِن من يُصليهَا يعْتَقد أَنَّهَا من السّنَن الموظفة الرَّاتِبَة وَهَذِه الصّفة مُخْتَلفَة عَنْهَا ثمَّ قَالَ الشَّيْخ روى التزمذي فِي كِتَابه تَعْلِيقا من حَدِيث عَائِشَة رضى الله عَنْهَا فَلم يُضعفهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من صلى بعد الْمغرب عشْرين رَكْعَة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة قَالَ فَهَذَا مَخْصُوص فِيمَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَهُوَ بتناول صَلَاة الرغائب من جِهَة أَن اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة وَمَا فِيهَا من الْأَوْصَاف الزَّائِدَة توجب نوعية وخصوصية غير مَانِعَة من الدُّخُول فِي هَذَا الْعُمُوم فَلَو لم يرد حَدِيث أصلا بِصَلَاة الرغائب بِعَينهَا ووصفها لَكَانَ فعلهَا مَشْرُوعا لما ذَكرْنَاهُ ثمَّ ضرب لذَلِك مثلا
قلت أوهم الشَّيْخ فِي كَلَامه هَذَا أنواعا من الْإِيهَام وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعْلِيقا من ذَلِك أَن ظَاهر هَذَا اللَّفْظ أَن التِّرْمِذِيّ أسْند هَذَا الحَدِيث وَهُوَ لم يسْندهُ أصلا وَقَوله تَعْلِيقا فِيمَا يفهم من لفظ التَّعْلِيق أَنه الَّذِي حذف من مُبْتَدأ استاذه وَاحِد وَقد يكون أَكثر من وَاحِد وَاسْتَعْملهُ بَعضهم فِيمَا حذف مِنْهُ جَمِيع الآسناد وَهَذِه دَرَجَات فِي الضعْف بَعْضهَا دون بعض فيظن من يقف على كَلَامه هَذَا أَنه من أعلا دَرَجَات التَّعْلِيق وَهُوَ الَّذِي حذف من مُبْتَدأ سَنَده رجل وَهُوَ شيخ المُصَنّف حذفه الْمعلم بِهِ كَمَا وَقع ذَلِك فِي بعض مُسْند صَحِيح البُخَارِيّ وَلم يُخرجهُ ذَلِك عَن الأحتجاج بِهِ عِنْد بَعضهم وَهَذَا الَّذِي خرجه التزمذي فِي أدنى دَرَجَات التَّعْلِيق فَإِنَّهُ قد قَالَ وروى عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى بعد الْمغرب عشْرين رَكْعَة بني الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة وَكَيف يحل الأحتجاج بِمثل هَذَا مَعَ علم المحتج بِهِ أَنه لَا حجَّة فِي الْمُرْسل والمنقطع والمعضل فَمَا الظَّن بِهَذَا وَقَوله وَلم يُضعفهُ موهم أَنه عَار من الضعْف وَهَذَا استرواح بَارِد اقناعي يروج على من وقف عَلَيْهِ من الْعَوام وَأما من وقف من الْعلمَاء على كتاب ابي عِيسَى التزمذى رحمه الله وَتبين الصُّورَة الَّتِي أخرج عَلَيْهَا هَذَا الحَدِيث فقد عرف منزلَة هَذَا الحَدِيث عِنْد التِّرْمِذِيّ وَهُوَ أَنه أنزل محلا من أَن يُقَال فِيهِ أَنه ضَعِيف وَذَلِكَ أَنه قَالَ أَنبأَنَا أَبُو كريب حَدثنَا زيد بن الْحباب حَدثنَا عمر بن خثعم عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سلمه عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى بعد الْمغرب سِتّ رَكْعَات لم يتَكَلَّم فِيمَا بَينهُنَّ بِسوء عدلن لَهُ بعبادتي ثِنْتَيْ عشرَة سنة قَالَ أَبُو عِيسَى وَقد روى عَن عَائِشَة رضي الله عنها عَن النَّبِي صلى صلى الله الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى بعد الْمغرب عشْرين رَكْعَة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث زيد بن الْحباب عَن عمر بن جثعم وَسمعت مُحَمَّد بن أسماعيل يَقُول عمر بن عبد الله بن أبي خثعم مُنكر الحَدِيث وَضَعفه جدا
قلت فاغتر الشَّيْخ بِكَوْن التِّرْمِذِيّ ضعف حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَسكت عَن حَدِيث عَائِشَة فَاعْتقد أَن حَدِيث عَائِشَة أمثل وَلم يفعل التِّرْمِذِيّ ذَلِك لذَلِك وَإِنَّمَا تعرض لتضعيف سَنَد مَا سَاق اسناده وَسكت عَن حَدِيث عَائِشَة لِأَنَّهُ لَا سَنَد لَهُ فَهُوَ غير مَقْبُول وَترك ذكر اسناده لقُوَّة ضعفه وَالله أعلم وَقد اسْتدلَّ الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يزِيد بن ماجة بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين فِي سنَنه وَبَدَأَ بِحَدِيث عَائِشَة فَقَالَ حَدثنَا أَحْمد ابْن منيع حَدثنَا يَعْقُوب بن الْوَلِيد الْقرشِي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة فَذكره يَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمَدِينِيّ كَذَّاب وَضاع على مَا ذكره الْأَمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره من أَئِمَّة الحَدِيث على مَا نَقله
الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد وَقَالَ النَّسَائِيّ يَعْقُوب بن الْوَلِيد لَيْسَ بِشَيْء مَتْرُوك وَقد روى نَحْو هَذَا الحَدِيث عَن أبان بن أبي عَيَّاش الْمجمع على ضعفه عَن أنس بن مَالك رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى بعد الْمغرب اثْنَي عشر رَكْعَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة قل هُوَ الله أحد أَرْبَعِينَ مرّة صافحته يَوْم الْقِيَامَة أَمن الصِّرَاط والحساب وَالْمِيزَان أحْرجهُ أَبُو الْفَرح فِي كتاب الموضوعات ثمَّ قَالَ هَذَا لَا يَصح عَن رَسُول الله صلى الله علية وَسلم وَفِيه مَجَاهِيل وَأَن حَدِيثه لَيْسَ بشيئ
قلت لَو صَحَّ هَذَا الحَدِيث لم يُعَارض لما ذكرنَا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن هَذَا خرج من النَّبِي صلى الله عليه وسلم مخرج التَّرْغِيب فِي الصَّلَاة بَين العشائين مُطلقًا والمحافظة عَلَيْهَا فَيكون ذَلِك كل لَيْلَة وَلَا يخْتَص بذلك لَيْلَة جُمُعَة وَلَا غَيرهَا فضلا عَن لَيْلَة وَاحِدَة فِي كل عَام وَقد ثَبت النَّهْي عَن تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة فَلَا مُعَارضَة فان الْخَاص مقدم على الْعَام وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الثَّوَاب الْمَشْرُوط بِصَلَاة عشْرين رَكْعَة لَا يحصل بِفعل بَعْضهَا وَصَلَاة الرغائب نَاقِصَة عَن هَذَا الْعدَد ثمَّ لَو سلم اندراج صَلَاة الرغائب فِي ذَلِك لم يكن ذَلِك بمانع من النَّهْي عَنْهَا فِي هَذِه الْأَزْمَان لما تعلق بهَا من الْمَفَاسِد الَّتِي تقدم ذكرهَا وَكَيف يخفي ذَلِك على عَالم مُحدث قد طرق سَمعه كثيرا قَول عَائِشَة رضى الله عَنْهَا لَو علم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أحدث النِّسَاء لمنعهن الْمَسْجِد هَذَا مَعَ صِحَة الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله وكل صَلَاة محدثه على صفة لم تعهد فِي الشَّرِيعَة أَن اقْترن بهَا من الصِّفَات مَا يقتصي النَّهْي عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا كَمَا ذكرنَا فِي صَلَاة الرغائب من غير فرق فَلَا حَاجَة الى مَا مثل بِهِ ثمَّ نقُول نَص إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي كتاب النِّهَايَة على ان المتوضيء إِذا شكّ فَلم يدر أغسل وَجهه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثَة على أَنه يقْتَصر على مَا جرى مِنْهُ وَحَكَاهُ عَن وَالِده الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَعلل ذَلِك بِأَن قَالَ إِذا غسل مرّة اخرى كَانَت مترددة بَين الرَّابِعَة وَهِي بِدعَة وَبَين الثَّالِثَة وَهِي سنة وَترك السّنة أَهْون من اقتحام الْبِدْعَة
قلت وَحكى ذَلِك أَبُو مُحَمَّد الْغَزالِيّ أَيْضا وَكَذَلِكَ نقُول هَهُنَا لَو صَحَّ أَن ذَلِك سنة لَكَانَ يَنْبَغِي أَن تتْرك لَيْلَة صَلَاة الرغائب وَلَا تفعل على هَذِه الصّفة المبتدعة خوفًا من الْوُقُوع فِي الْبِدْعَة وَإِن استلزم ذَلِك ترك سنة من حَيْثُ فعل مُجَرّد الصَّلَاة بَين العشائين فَترك السّنة أولى من اقتحام الْبِدْعَة كَمَا ذكر هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
16 -
فصل فِي صَلَاة التَّسْبِيح لَيْسَ فِيهَا حَدِيث يثبت
وَاسْتشْهدَ الشَّيْخ على جَوَاز عد الْآي والتسبيحات فِي الصَّلَاة بِحَدِيث صَلَاة التَّسْبِيح وَلم يُنكر أحد جَوَاز ذَلِك وَإِنَّمَا قيل فِي مُلَاحظَة ذَلِك والإعتناء بِهِ نقص للخشوع الْمَقْصُود من شَرْعِيَّة الصَّلَاة والمحافظة عَليّ الْخُشُوع أولى إِلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِع فَصَلَاة التَّسْبِيح أَن صحت كَانَت من جملَة مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْع على أَنَّهَا لم تصح على كَثْرَة طرقها لم يصف مِنْهَا طَرِيق وَلَا يغتر باخراجها فِي سنَن ابي دَاوُد وجامع التِّرْمِذِيّ وَسنَن ابْن ماجة ثمَّ فِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم وَسنَن الْبَيْهَقِيّ وَبِأَنَّهُ قد صنف فِيهَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب جزأ جمع فِيهِ طرقها وَتَسْمِيَة من رَوَاهَا من الصَّحَابَة فقد قَالَ إِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَق بن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بَاب صَلَاة التَّسْبِيح إِن صَحَّ الْخَبَر فَإِن فِي الْقلب مِنْهُ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ لَيْسَ فِي صَلَاة التَّسْبِيح حَدِيث يثبت واخرجها الشَّيْخ أَبُو الْفرج فِي كتاب الموضوعات وطرقها كلهَا مَا تخلوا من وقف وأرسال أَو ضعف رجال وَالله أعلم
وَمِمَّا ذكر الشَّيْخ أَن قَالَ هَذِه صَلَاة الرغائب صَلَاة لَهَا أصل فِي الشَّرِيعَة ظَهرت وَكَثُرت الرغبات فِيهَا فَيُقَال لمن أنكرهُ صل هَذِه الصَّلَاة وتجنب وجنب فِيهَا مَا زعمت أَنه مَحْذُور وَجَوَابه أَن الانكار وَقع عَلَيْهَا بجملتها وَلَو تركت خصائصها لَخَرَجت من أَن تكون الصَّلَاة الْمُنكرَة بَيَانه أَنه انكر فعلهَا فِي لَيْلَة
جُمُعَة مُخْتَصَّة بذلك والتزام تكْرَار السورتين فِيهَا والسجدتين بعد والاجتماع 8 لَهَا والاعتناء بهَا اعتناء مَا سنه الشَّارِع لِئَلَّا يُفْضِي ذَلِك الى نسبه للكذب والوضع على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على مَا سبق بَيَانه وَلَو يجْتَنب ذَلِك كُله لم يبْق إِلَّا أَن يُصَلِّي الشَّخْص فِي بَيته رَكْعَات بَين العشائين غير مُخَصص لَيْلَة الْجُمُعَة بذلك وَذَلِكَ مُسْتَحبّ مثاب عَلَيْهِ وَلَكِن لَيْسَ هَذَا الَّذِي كثرت الرغائب بِهِ وَجرى فِيهِ الْمُخَالف والتعصب إِنَّمَا مُرَاده الْعَوام واعتقادهم فِي الِاجْتِمَاع وفعلها وعَلى هَذِه الصُّورَة الْمَخْصُوصَة وَلَقَد رَأَيْت من الْعَوام من قرع بعض أَئِمَّة الْمَسَاجِد وعابه بِأَنَّهُ لم يحسن يُصليهَا فساءلته عَن ذَلِك فَذكر أَنه صلى بهم صَلَاة الرغائب وَلم يدر كَيفَ يسْجد السَّجْدَتَيْنِ بعْدهَا وَرَأَيْت الْعَاميّ يُعلمهُ إِيَّاهَا مُتَعَجِّبا من كَونه إِمَام مَسْجِد وَهُوَ غير خَبِير بهَا وَذَلِكَ الإِمَام فِي يَده كالأسير لَا يُمكنهُ أَن يَقُول هِيَ بِدعَة مُنكرَة وَلَا أَنَّهَا غير سنة وَكم من إِمَام قَالَ لي أَنه لَا يُصليهَا إِلَّا حفظا لقلوب الْعَوام عَلَيْهَا وتمسكا بمسجده خوفًا من انْتِزَاعه مِنْهُ وَفِي هَذَا دُخُول مِنْهُم فِي الصَّلَاة بِغَيْر نِيَّة صَحِيحَة وانتهاز الْوُقُوف بَين يَدي الله تَعَالَى وَلَو لم يكن فِي هَذِه الْبِدْعَة سوى هَذَا لكفى وكل من آمن بِهَذِهِ الصَّلَاة أَو حسنها فَهُوَ متسبب فِي ذَلِك مغر للعوام بِمَا اعتقدوه مِنْهَا كاذبين على الشَّرْع بِسَبَبِهَا وَلَو تصبروا وَعرفُوا هَذِه سنة بعد سنة لأقلعوا عَن ذَلِك وتركوه وألغوه لَكِن تَزُول رياسة محبي الْبدع ومحييها وَالله الْمُوفق
وَقد كَانَ الرؤساء من أهل الْكتاب يمنعهُم من الْإِسْلَام خوف زَوَال رياستهم وَفِيهِمْ نزل {فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم ثمَّ يَقُولُونَ هَذَا من عِنْد الله ليشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم وويل لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ} وَحكى الشَّيْخ التقي فِي كتاب الْمَنَاسِك لَهُ عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد قَالَ رَأَيْت نَاسا إِذا فرغوا من السَّعْي على الْمَرْوَة فَرُبمَا صلوا رَكْعَتَيْنِ على متسع المروه وَذَلِكَ حسن وَزِيَادَة طَاعَة وَلَكِن لم يثبت ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم)
قَالَ الشَّيْخ التقي أَبُو عَمْرو قلت يَنْبَغِي أَن يكره ذَلِك لِأَنَّهُ ابتداع شعار قلت وَأَن هَذَا لَازم للشَّيْخ فِي صَلَاة الرغائب فَإِنَّهَا ابتداع شعار فَهِيَ مَكْرُوهَة وغالب ظَنِّي أَنِّي لما قَرَأت عَلَيْهِ كتاب الْمَنَاسِك الْمَذْكُور وَجَاء هَذَا الْموضع قلت لَهُ فَكيف صَلَاة الرغائب فَتَبَسَّمَ وَلم يرد وتصنيفه الْمَنَاسِك كَانَ قبل وَاقعَة الرغائب فَإِنَّهُ صفه فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وقراءتي إِيَّاه عَلَيْهِ كَانَت فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وواقعة الرغائب كَانَت سنة سبع وَثَلَاثِينَ كَمَا سبق وَكَلَامه فِي الْمَنَاسِك مُوَافق لكَلَامه فِي الْمُفْتِينَ الْمُتَقَدِّمين وَهُوَ الْحق وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَفِي كتاب الطرطوشي رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ لكعب مَا أخوف مَا تخَاف على أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قَالَ الآئمة المضلين قَالَ صدقت قد أسر الى ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ سُهَيْل بن عبد الله آخر عقوبه يُعَاقب بهَا ضلال هَذِه الْأمة كفران النعم واستحسان الْمسَاوِي وَقَالَ يسَار أَبُو الحكم خرج رَهْط من الْقُرَّاء حَتَّى بنوا مَسْجِدا بنخلة قَرِيبا من الْكُوفَة فوضعوا جرارا من مَاء وجمعوا أكواما من الْحَصَى للتسبيح ثمَّ قَامُوا يصلونَ فِي مَسْجِدهمْ ويتعبدون وَتركُوا النَّاس فَخرج اليهم ابْن مَسْعُود فَقَالُوا يَا مرجبا يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن انْزِلْ فَقَالَ وَالله مَا أَنا بنازل حَتَّى يهدم مَسْجِد الخبال هَذَا فهدموه ثمَّ قَالَ وَالله إِنَّكُم لمتمسكون بذنب ضلطة أَو لانتم لَا هدى مِمَّن كَانَ قبلكُمْ أَرَأَيْتُم لَو أَن النَّاس كلهم صَنَعُوا مَا صَنَعْتُم من كَانَ لجمعهم ولصلاتهم فِي مَسَاجِدهمْ ولعيادة مرضاهم ولدفن موتاهم فردهم الى النَّاس فَقَالَ ابْن مَسْعُود رضى الله عَنهُ أَن مُنكر الْيَوْم مَعْرُوف قوم مَا جاؤا بعد وَإِن مَعْرُوف الْيَوْم لمنكر قوم مَا جاؤا بعد أخرجه الدَّارمِيّ فِي مُسْتَنده وَأخرج الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم فِي كتاب فضل أَصْحَاب الحَدِيث عَن ابْن سِيرِين قَالَ إِن قوما تركُوا الْعلم ومجالسة الْعلمَاء وَاتَّخذُوا محاريب يصلونَ فِيهَا حَتَّى يبس جلد أحدهم على عظمه خالفوا السّنة فهلكوا وَالله مَا عمل عَامل بِغَيْر علم إِلَّا كَانَ مَا يفْسد أَكثر مِمَّا يصلح
17 -
فصل فِي إِنْكَار من أنكر من الْبدع
فقد بَان ووضح بِتَوْفِيق الله تَعَالَى صِحَة إِنْكَار من أنكر شَيْئا من الْبدع وَإِن كَانَ صَلَاة ومسجدا وَلَا مبالاة بشناعة جَاهِل يَقُول كَيفَ يُؤمر بتبطيل صَلَاة وتخريب مَسْجِد فَمَا وزانه الأوزان من يَقُول كَيفَ يُؤمر بتخريب مَسْجِد إِذا سمع أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرب مَسْجِد الضرار وَمن يَقُول كَيفَ يُنْهِي عَن قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَإِذا سمع حَدِيث عَليّ رضي الله عنه الْمخْرج فِي الصَّحِيح نهاني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن اقْرَأ الْقُرْآن فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَاتِّبَاع السّنة أولى من اقتحام الْبِدْعَة وَأَن كَانَت صَلَاة فِي الصُّورَة فَتَركه وَاتِّبَاع السّنة أَكثر فَائِدَة وَأعظم أجرا إِن سلمنَا أَن لتِلْك الصَّلَاة أجرا وَقد تقدم من الآدلة على ذَلِك والْآثَار مَا فِيهِ كِفَايَة
ونزيد هَهُنَا أَشْيَاء مِنْهَا مَا أخرجه الطرطوشي فِي كتاب الْحَوَادِث قَالَ روى مَالك رَحمَه الله تَعَالَى أَن عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ ضرب رجلا على صلَاته بعد الْعَصْر وَرَوَاهُ غَيره فَقيل لَهُ أَعلَى الصَّلَاة فَقَالَ على خلاف السّنة وَفِي كتاب عبد الله بن الزبير الْحميدِي فِي الرَّد على أهل الْأَهْوَاء قَالَ حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا حُجَيْر عَن طَاوس قَالَ رَآنِي ابْن عَبَّاس وَأَنا أُصَلِّي بعد الْعَصْر فنهاني فَقَالَ إِنَّمَا كرهت لِئَلَّا تتَّخذ سلما قَالَ ابْن عَبَّاس نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة} الْآيَة وَلَا أَدْرِي يعذب أم يُؤجر وَفِي مُسْند الدَّارمِيّ حَدثنَا عبد الله ابْن سعيد حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن هِشَام بن حجر قَالَ كَانَ طَاوس يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس أَنه قد نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن صَلَاة الْعَصْر فَلَا أَدْرِي تعذب عَلَيْهَا أم تؤ الله تَعَالَى قَالَ {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} قَالَ سُفْيَان يتخذون سلما يَقُولُونَ نصلي بعد الْعَصْر الى اللَّيْل
قلت وَطَاوُس هَذَا أَبُو عبد الله الْيَمَانِيّ فَقِيه أهل الْيمن وَكَانَ من كبار أَصْحَاب ابْن عَبَّاس وَفهم السَّبَب الَّذِي لأَجله أنكر عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس وَهُوَ مُخَالفَة السّنة فَاسْتعْمل هَذَا الْإِنْكَار بعي رضي الله عنهم هـ فِي صُورَة أُخْرَى حَيْثُ كَانَت على خلاف السّنة عِنْده قَرَأت فِي كتاب الْمُغنِي فِي شرح مُخْتَصر أبي الْقَاسِم الْخرقِيّ الَّذِي أَنبأَنَا بِهِ مُصَنفه الشَّيْخ موفق الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامه رَحمَه الله تَعَالَى ونقلته من خطه وَقَالَ طَاوس الَّذين يعتمرون من التَّنْعِيم مَا أَدْرِي يؤجرون عَلَيْهَا أم يُعَذبُونَ قيل لَهُ فَلم يُعَذبُونَ قَالَ لِأَنَّهُ يدع الطّواف بِالْبَيْتِ وَيخرج الى أَرْبَعَة أَمْيَال وَيجْرِي الى أَن يحيء من أَرْبَعَة أَمْيَال قد طَاف مِائَتي طواف كلما طَاف بِالْبَيْتِ كَانَ أفضل من أَن يمشي فِي غير شَيْء
قلت هَذِه الْفَتْوَى على رَأْي من لَا يرى الْإِكْثَار من الأعتمار والموالاة بَين الْعمرَة فِي سنة وَاحِدَة وَهُوَ الَّذِي نَخْتَار لِأَنَّهُ على خلاف سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لم يعْتَمر فِي سنة إِلَّا مرّة وَقد حققنا ذَلِك فِي مَوضِع آخر وَكَانَ طَاوس قَالَ لِأَنَّهُ يُخَالف السّنة ثمَّ بَين أَنه مَعَ مُخَالفَته للسّنة تفوته جملَة من الْعِبَادَة وَهُوَ كثرى الطّواف بِالْبَيْتِ قَالَ أَبُو نعيم حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي رَبَاح عَن سعيد بن السيب أَنه رأى رجلا يُصَلِّي بعد طُلُوع الْفجْر أَكثر من رَكْعَتَيْنِ يكثر فِيهَا الرُّكُوع وَالسُّجُود فَنَهَاهُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد يُعَذِّبنِي الله على الصَّلَاة قَالَ لَا وَلَكِن يعذبك على خلاف السّنة أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن وَقَالَ الدَّارمِيّ حَدثنَا قبيصَة حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي رَبَاح شيخ من آل عمر قَالَ رأى سعيد بن الْمسيب رجلا يُصَلِّي بعد الرَّكْعَتَيْنِ يكثر فَذكره وَقد ذكرنَا فِي التَّارِيخ فِي تَرْجَمَة السَّرقسْطِي الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ عمل قَلِيل فِي سنة خير من كثير فِي بِدعَة كَيفَ يقل عمل تقوى
ورأينا فِي جُزْء أبي عبد الله بن مُحَمَّد العيشي قَالَ أَنبأَنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم الْأَحول عَن الْحسن عَن أبي الْحسن أَنه قَالَ إِذْ صلى الرجل فِي بَيته فَإِنَّهُ يُقيم إِقَامَة فَقَالَ يزِيد الرقاشِي أَفلا يُؤذن وَيُقِيم فَيكون لَهُ أَجْرَانِ فَقَالَ الْحسن السّنة
71 -
أفضل وَقَالَ الطرطوشي وروى استاذنا القَاضِي أَبُو الْوَلِيد فِي الْمُنْتَقى أَن ابْن عمر حضر جَنَازَة فَقَالَ لتسرعن بهَا وَإِلَّا رجعت قَالَ أَبُو بكر انْظُرُوا رحمكم الله لما تركت الْإِسْرَاع وَهِي السّنة هم ابْن عمر بالإنصراف لم ير أَن قيراطين من الْأجر تفي بترك السّنة من سنَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
18 -
فصل فِي إِنْكَار الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم مُخَالفَة السّنة
وَقد أنكر الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم مُخَالفَة السّنة فِي أَمر هُوَ أقرب لما ذكرنَا مِنْهُ مَا فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضى الله عَنهُ قَالَ أخرج مَرْوَان الْمِنْبَر فِي يَوْم عيد وَبَدَأَ بِالْخطْبَةِ قبل الصَّلَاة فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا مَرْوَان خَالَفت السّنة أخرجت الْمِنْبَر فِي يَوْم عيد وَلم يكن يخرج بِهِ وبدأت بِالْخطْبَةِ قبل الصَّلَاة وَلم يكن يبْدَأ بهَا فَقَالَ أَبُو سعد أما هَذَا فقد قضى مَا عَلَيْهِ سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول من رأى مِنْكُم مُنْكرا فاستطاع أَن يُغَيِّرهُ بِيَدِهِ فليغيره فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان
قلت فنسب مَرْوَان الى مُخَالفَة السّنة وَجعل أَبُو سعيد فعله مُنْكرا وَلَيْسَ فِي تَقْدِيم الْخطْبَة على الصَّلَاة كَبِير أَمر وَلَا خلل بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا وَكَذَا فِي إِخْرَاج الْمِنْبَر إِلَّا مُجَرّد الإمتهان لَهُ وَقد ثَبت تَقْدِيم الْخطْبَة على الصَّلَاة فِي صَلَاة الإستسقاء جَاءَ أَنه صلى الله عليه وسلم خطب قبل الصَّلَاة وَجَاء أَنه صلى الله عليه وسلم صلى قبل الْخطْبَة فَيحمل ذَلِك على وَقْتَيْنِ وَجَوَاز الْأَمريْنِ بِحُصُول الْغَرَض بِكُل وَاحِد من هذَيْن النَّوْعَيْنِ وَصَلَاة الإستسقاء عِنْد الْفُقَهَاء الْقَائِلين بإنها جَارِيَة مجْرى تَقْدِيمهَا فِي الإستسقاء وَمَعَ ذَلِك أنكرته الصَّحَابَة ونسبت فَاعله الى مُخَالفَة السّنة فَكيف لَو رأى الصَّحَابَة مَا قد أحدث من هَذِه الصَّلَوَات
المبتدعة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة على الصِّفَات غير الْمَشْرُوعَة ثمَّ وضع فِيهَا أَحَادِيث مُنكرَة ثمَّ عوند فِيهَا من أنكرها من أهل الْحق من الْعلمَاء نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان فَهُوَ الْمُسْتَعَان
وعهدي بِأَن مثل هَذِه الصَّلَاة لَا يحافظ عَلَيْهَا إِلَّا عَامي جَاهِل وَأَن أهل الْعلم مطبقون على إنكارها كَمَا حَدثنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْعَلامَة قَالَ كنت جَالِسا بعد الْمغرب عِنْد الشَّيْخ أبي الْقَاسِم بن فيرة الشاطيء رَحمَه الله تَعَالَى وحَدثني بحجرته الَّتِي كَانَ يقْرَأ فِيهَا الْقُرْآن بِالْمَدْرَسَةِ الْفَاضِلِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ من الديار المصرية وَالنَّاس يصلونَ صَلَاة الرغائب فِي الْمدرسَة وأصواتهم تبلغنَا فَلَمَّا فرغوا مِنْهَا سَمِعت الشَّيْخ الشاطبي يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فرغت الْبِدْعَة مرَّتَيْنِ
قلت وَكَانَ هَذَا الشاطبي جَامعا بَين الْعلم وَالْعَمَل وليا من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى ذَا كرامات وَقد بيّنت أَحْوَاله فِي أول شرح قصيدته فِي الْقُرْآن وَقد حَدثنِي عَنهُ شَيخنَا الْمَذْكُور أَنه قَالَ مَا أَتكَلّم بِكَلِمَة إِلَّا الله فَمَا أَرَادَ الشاطبي رَحمَه الله تَعَالَى بِهَذَا الْكَلَام إِلَّا إِعْلَام صَاحبه بِأَنَّهَا بِدعَة نصحا لله ولدينه وقرأت بِخَط بعض الشُّيُوخ قَالَ كنت بحران سنة خمس وسِتمِائَة أسمع الحَدِيث على الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي رحمه الله عَلَيْهِ فاتفق أَنه ذكرت فِي بعض الْأَيَّام صَلَاة الرغائب فمنكرها ذكرهَا وَاضع مِنْهَا ثمَّ قَالَ كنت أُصَلِّي بِمَسْجِد الصَّخْرَة يَعْنِي إِمَامًا بجماعته وَمَسْجِد الصَّخْرَة هَذَا بحران مَشْهُور مُعْتَبر وَله جمَاعَة جَامِعَة وَأهل حران أبدا يتذاكرون أَنه مقَام إِبْرَاهِيم عليه السلام شَائِع ذَلِك فِيمَا بَينهم وَلَا يكَاد يكون إِمَامه إِلَّا رجلا مُعْتَبرا فَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ يتبسم وَكَانَ رَحمَه اله تَعَالَى كيسا مبساما بشوشا منبسطا الى أَصْحَابه ومجالسه مَعَ حُرْمَة ووقار وهيبة قَالَ وَكنت إِذا جَاءَت لَيْلَة الرغائب أهرب وأخليهم أَو كَمَا قَالَ وَكَانَ فِي الْمجْلس رجل من متميزي أهل حران جَالِسا الى جنبه فَقَالَ لَهُ وكل وَاحِد مِنْهُمَا متبسم الى صَاحبه يَا سَيِّدي وَلم لَا كنت تحضر وتصلى بهم وَمَا كَانَ يضر من ذَلِك قَالَ هَذَا الإجتماع لَهَا والإحتفال بهَا لَيْسَ بمليح
وَلَا من السّنة وَهِي على خلاف مَا جَاءَت بِهِ النَّوَافِل والسجدتان عقيبهما إطالتهما وإطالة الْجُلُوس بَينهمَا على خلاف السّنة والْحَدِيث الْمَرْوِيّ فِيهَا لَيْسَ بِصَحِيح يرْوى من طرق مدادها على عَليّ بن جَهْضَم وَكَانَ كذابا
قلت وَلَا يَنْبَغِي لمُسلم أَن يرغب عَن سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمن يرغب عَن سنته فَلَيْسَ مِنْهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا بَال رجال بَلغهُمْ عني أَمر ترخصت فِيهِ فكرهوه وتنزهوا عَنهُ تفوالله لأَنا أعلم بِاللَّه وأشدهم لَهُ خشيَة وَفِي كتاب السّنَن الْكَبِير عَن صَفْوَان بن مُحرز قَالَ سَأَلت ابْن عمر عَن صَلَاة السّفر قَالَ رَكْعَتَانِ من خَالف السّنة كفر يَعْنِي من غير مصلحَة تأولها كَمَا تَأَول عُثْمَان رضى الله عَنهُ على مَا سبق قَوْله كفر يَعْنِي لمُخَالفَته السّنة لِأَنَّهُ سلك غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ كَقَوْلِه عليه السلام من يرغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني
19 -
فصل فِي فضل شهر رَجَب
وَقد أمْلى فِي فضل رَجَب الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن مُحدث الشَّام رَحمَه الله تَعَالَى مَجْلِسا وَهُوَ السَّادِس بعد الأربعمائة من أَمَالِيهِ وَقد سمعناه من غير وَاحِد مِمَّن سَمعه عَلَيْهِ ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث كلهَا مُنكرَة أَحدهَا حَدِيث صَلَاة الرغائب الَّذِي بَينا حَاله وَالثَّانِي حَدِيث زَائِدَة بن أبي الرقاد قَالَ حَدثنَا زِيَاد النميري عَن أنس رضى الله عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا دخل رَجَب قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي رَجَب وَشَعْبَان وبلغنا رَمَضَان قَالَ الْحَافِظ تفرد بِهِ زائده عَن زِيَاد بن مَيْمُون الْبَصَر عَن أنس
قلت وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ زَائِدَة بن أبي الرقاد أَبُو معَاذ مُنكر الحَدِيث زِيَاد بن مَيْمُون الْبَصْرِيّ أَبُو عمار مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ
أَبُو عبد الله البُخَارِيّ الإِمَام زِيَاد بن مَيْمُون أَبُو عمار الْبَصْرِيّ صَاحب الْفَاكِه عَن أنس تَرَكُوهُ الحَدِيث الثَّالِث مَنْصُور بن زيد بن زائده بن قدامَة الْأَسدي عَن مُوسَى بن عمرَان عَن أنس رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن فِي الْجنَّة عينا أَو قَالَ نَهرا يُقَال لَهَا رَجَب مَاؤُهُ أحلى من الْعَسَل وأبيض من اللَّبن فَمن صَامَ يَوْمًا من رَجَب شرب من ذَلِك النَّهر قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم تفرد بِهِ مَنْصُور عَن مُوسَى
قلت وَله فِي إملاء آخر وَقد ذكر أَبُو الْخطاب الْحَافِظ فِيمَا أَنبأَنَا بِهِ فِي كِتَابه قَالَ وَفِي هَذَا الشَّهْر يَعْنِي شهر رَجَب أَحَادِيث من رِوَايَة جمَاعَة من الواضعين مِنْهُم مَأْمُون بن أَحْمد رَوَاهَا عَن أَحْمد بن عبد الله الجويباري ومأمون هَذَا قَالَ فِيهِ الإِمَام أَبُو عبد الله الشَّافِعِي مَأْمُون غير مَأْمُون ذكر أَنه وضع مائَة ألف حَدِيث وَكلهَا كذب وزور فَلَا يَصح مِنْهَا لَا فِي الصَّلَاة فِي أول رَجَب وَلَا فِي النّصْف مِنْهُ وَلَا فِي آخِره وَلَا فِي عدد أَيَّام مِنْهُ وَكَذَلِكَ حَدِيث الْعُيُون والأنهار كَحَدِيث مُوسَى الطَّوِيل عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَن فِي الْجنَّة نَهرا يُقَال لَهُ رَجَب الى آخِره ومُوسَى الطَّوِيل كَذَّاب عِنْدهم قَالَ ابْن حبَان يروي عَن أنس أَشْيَاء مَوْضُوعَة لَا يحل كتبهَا قَالَ وَكَذَلِكَ حَدِيث شهر بن حَوْشَب عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ من صَامَ السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب كتب الله لَهُ صِيَام سِتِّينَ شهرا وَهُوَ أول يَوْم نزل جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بالرسالة قَالَ أَبُو الْخطاب وَهَذَا حَدِيث لَا يَصح وَذكر بعض الْقصاص أَن الأسرى كَانَ فِي رَجَب وَذَلِكَ عِنْد أهل التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح عين الْكَذِب قَالَ الإِمَام أَبُو اسحق الْحَرْبِيّ أسرى برَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَة سبع وَعشْرين شهر ربيع الأول قَالَ وَقد ذكرنَا مَا فِيهِ من الإختلاف والإحتجاج فِي كتَابنَا الْمُسَمّى بالآبتهاج فِي أَحَادِيث الْمِعْرَاج وَقَالَ النَّسَائِيّ أَحْمد بن عبد الله الجويباري كَذَّاب
قلت وَقد ذكر الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا بعد تِلْكَ
الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة فِي الْمجْلس الَّذِي أملاه فِي فضل رَجَب ثمَّ أنْشد أبياتا لنَفسِهِ
…
يَا طَالب الشّرْب فِي الفردوس من رَجَب
…
أَن رمت ذَاك فَصم لله فِي رَجَب
وصل فِيهِ صَلَاة الراغبين وصم
…
فَكل من جد فِي الطَّاعَات لم يخب
…
وَكنت أود أَن الْحَافِظ لم يقل ذَلِك فَإِن فِيهِ تقريرا لما فِيهِ من الْأَحَادِيث الْمُنكرَة فقدره كَانَ من أَن يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِحَدِيث يرى أَنه كذب وَلكنه جرى فِي ذَلِك على عَادَة جمَاعَة من أهل الْأَحَادِيث يتساهلون فِي أَحَادِيث فَضَائِل الْأَعْمَال وَهَذَا عِنْد الْمُحَقِّقين من أهل الحَدِيث وَعند عُلَمَاء الْأُصُول فالفقه خطأ بل يَنْبَغِي أَن يبين أمره أَن علم وَإِلَّا دخل تَحت الْوَعيد فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين
وَذكر أَبُو الْخطاب فِي كتاب أَدَاء مَا وَجب بِسَنَدِهِ الى أبي بكر مُحَمَّد بن الْحسن المقريء الْمُفَسّر الْموصِلِي الْمَعْرُوف بالنقاش قَالَ حَدثنَا أَبُو عَمْرو أَحْمد ابْن الْعَبَّاس الطَّبَرِيّ حَدثنَا الْكسَائي حَدثنَا الْأَعْمَش حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَجَب شهر الله وَشَعْبَان شَهْري ورمضان شهر أمتِي فَمن صَامَ رَجَب فَذكر فِي فَضله حَدِيثا طَويلا غير حَدِيث صَلَاة الرغائب قَالَ أَبُو الْخطاب هَذَا حَدِيث مَوْضُوع على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والنقاش هَذَا مؤلف كتاب شِفَاء الصُّدُور وَقد مَلأ أَكْثَره بِالْكَذِبِ والزور قَالَ الْخَطِيب الْحَافِظ أَبُو بكر بن ثَابت بل هُوَ شقاء الصُّدُور وَذكر كَلَام النَّاس فِي النقاش واتهامهم لَهُ بِالْوَضْعِ وَقَالَ طَلْحَة بن جَعْفَر الْحَافِظ كَانَ النقاش يكذب وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر البرقاني كل حَدِيثه مُنكر قَالَ وَقد وضع فِي هَذَا الحَدِيث الْكسَائي وَلَا يعرفهُ أحد من خلق الله تَعَالَى وكلمات رَسُول الله صلى الله عليه وسلم منزهة عَن هَذَا التَّخْلِيط والتجازيف فِي الْجَزَاء على الْأَعْمَال من غير تَقْرِير يشْهد بِهِ الْكتاب الْعَزِيز وَالسّنة الثَّابِتَة
قَالَ وَكَذَلِكَ وضع عمر بن الْأَزْهَر فِيهِ حَدِيثا وَرَوَاهُ ابْن عَمه عَن أبان عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام رَجَب الحَدِيث وَأَبَان هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ شُعْبَة لِأَن أزني أحب الي من أَن أحدث عَن أبان بن أبي عَيَّاش قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل عمر بن الْأَزْهَر بصرى قاضى جرجان كَانَ يضع الحَدِيث وَقَالَ النَّسَائِيّ هُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان كَانَ يضع الحَدِيث على الثِّقَات وَيَأْتِي بالموضوعات عَن الْإِثْبَات لَا يحل ذكره إِلَّا بالقدح فِيهِ وَقَالَ الدَّار قطنى هُوَ كَذَّاب وَقَالَ أَبُو الْخطاب وَأَصْحَاب الإِمَام أَحْمد يحتجون بالأحاديث الَّتِي رَوَاهَا فِي مُسْنده وأكثرها لَا يحل الأحتجاج بهَا وَإِنَّمَا أخرجخا الإِمَام أَحْمد حَتَّى يعرف من أَيْن الحَدِيث مخرجه وَالْمُنْفَرد بِهِ أعدل أَو مجرح وَلَا يحل الْآن لمُسلم عَالم أَن يذكر إِلَّا مَا صَحَّ لِئَلَّا يشقى فِي الدَّاريْنِ لما صَحَّ عَن سيد الثقلَيْن أَنه قَالَ من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين قَالَ وَيلْزم الْمُحدث أَن يكون على الصّفة الَّتِي ذكرنَا فِي أول كتَابنَا من الْحِفْظ والأتقان والمعرفة بِمَا يتَعَلَّق بِهَذَا الشَّأْن وَأما من طلب الحَدِيث دون تَمْيِيز لصحيحه من سقيمه وَلَا حفظ لمتونه ولغته وعلومه إِلَّا لمُجَرّد الرِّوَايَة دون ضبط وَلَا حفظ وَلَا دراية مُقْتَصرا على لِقَاء الْعس وَهُوَ فلَان فَكل ذُو وسواس وهذيان
20 -
فصل فِي الْمُبَالغَة فِي الْبدع
وَلأَجل مَا اشتهرت بِهِ الليله الَّتِي يُصَلِّي بهَا صَلَاة الرغائب من الْفَضِيلَة عِنْد الْجُهَّال بِسَبَب الحَدِيث الْمَوْضُوع وانهماك النَّاس على إِظْهَار ذَلِك الشعار الْمَعْهُود من الصَّوْم والتعبد وَالصَّلَاة بَالغ بَعضهم فِي تنسكه فتعدى ذَلِك الى أَحيَاء جَمِيع اللَّيْلَة طلبا لحيازة الْفضل من الْفَضِيلَة وَفعله ذَلِك أَدخل فِي الْإِنْكَار من أقامة ذَلِك الشعار لإختصاصه لَيْلَة الْجُمُعَة فِي كل عَام من بَين اللَّيَالِي بِالْقيامِ حَتَّى أَن بعض من يقْصد الْوَقْف على وَجه من وُجُوه الْبر وقف على أَحيَاء هَذِه الليله
مَا يَشْتَرِي بِهِ زَيْت وشمع وَطَعَام لمن يحيى هَذِه اللَّيْلَة بِقِرَاءَة الْقُرْآن فِي مَكَان مَخْصُوص وَكَذَا لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَمِمَّا أجَازه فِيهِ من الْمدَارِس بِدِمَشْق مدرسة الزكي هبة الله بن رَوَاحَة وَهُوَ يَوْمئِذٍ بيد الشَّيْخ التقي رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ أَنه أَشَارَ على وَاقِف دَار الحَدِيث الشرقيه بِدِمَشْق حِين وَقفهَا وَالْوَقْف عَلَيْهَا أَن يشْتَرط على كل من يحفظ الْقُرْآن من أَهلهَا أَن يحيى خمس ليَالِي كل سنة وَهِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَلَيْلَة سبع وَعشْرين من رَمَضَان وليلتا الْعِيدَيْنِ وَلَيْلَة أول الْمحرم وَصَارَ يقْعد بِنَفسِهِ وَالْجَمَاعَة حوله وَيكثر الوقيد بالشمع وَالزَّيْت زَائِدا على الْمُعْتَاد فِي غير هَذِه اللَّيَالِي بِكَثِير وَلَا يزَال ذَلِك الى الْفَرَاغ من الْخَتْم
وَهَذِه أَيْضا بِدعَة متجددة يظنّ الْجَاهِل أَن هَذَا الشَّيْخ الْمُفْتِي الْمُقْتَدِي بِهِ الْمظهر من الْخُشُوع والسكون فَوق أضرابه لم ينْتَصب بِنَفسِهِ لهَذِهِ اللَّيَالِي تَخْصِيصًا لَهَا بذلك إِلَّا ومعتقده أَن هَذِه اللَّيَالِي مُتَسَاوِيَة فِي الْفضل ومتقارية وَأَن لَهَا فضلا على غَيرهَا وَأَن السّنة تدل على ذَلِك فَيطول الأمد وَيبعد الْعَهْد وينسى أول هَذَا كَيفَ كَانَ يتمادى الْأَمر فَلَا يبعد أَن يوضع فِيهِ أَحَادِيث على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا فعل فِي صَلَاة الرغائب وَنصف شعْبَان لَيْت شعري أَي مقاربة بَين لَيْلَة سبع وعشرن من رَمَضَان وَبَين أول لَيْلَة الْمحرم وَتلك إِحْدَى ليَالِي الْقدر بل أرجأها عِنْد قوم وَلم يَأْتِ شَيْء فِي أول لَيْلَة الْمحرم وَقد فتشت فِيمَا نقل من الْآثَار صححيحا وضعيفا وَفِي الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة فَلم أر أحدا ذكر فِيهَا شَيْئا وَإِنِّي لأتخوف وَالْعِيَاذ بِاللَّه من مفتر يختلق فِيهَا وَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي صرفه عَن تغير لَيْلَة الرغائب أَو لَيْلَة عَاشُورَاء فقد وضع فِيهَا من الْأَحَادِيث الْبَاطِلَة وَوضع فِي لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ صَلَاة وإحياء وَأما لَيْلَة نصف شعْبَان فقد مضى ذكرهَا وَقد ظَفرت بِحَدِيث أخرجه صَاحب كتاب التَّرْغِيب والترهيب عَن وهب بن مُنَبّه عَن معَاذ بن جبل رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أَحْيَا اللَّيَالِي الْخمس وَجَبت لَهُ الْجنَّة لَيْلَة التَّرويَة وَلَيْلَة عَرَفَة وَلَيْلَة النَّحْر وَلَيْلَة الْفطر وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان
قلت وَلَو كَانَ الشَّيْخ جعل الْخمس الْمشَار اليها فِي هَذِه الْخمس لَكَانَ لَهُ مَأْخَذ من هَذَا الحَدِيث وَأما لَيْلَة سبع وَعشْرين من رَمَضَان فإحياؤها مُسْتَحبّ كَسَائِر ليَالِي الْعشْر الْأَوَاخِر وَقد صحت الْأَحَادِيث فِي ذَلِك وَلَكِن يبْقى تعْيين هَذِه اللَّيَالِي من بَين ليَالِي الْعشْر فَإِنَّهُ مشْعر بِنَوْع تَخْصِيص من الشَّارِع وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم حث على قيام ليَالِي رَمَضَان مُطلقًا وحث على التمَاس لَيْلَة الْقدر فِي جَمِيع اللَّيَالِي الْعشْر الْأَوَاخِر وَقَالَ أَيْضا التمسوها فِي كل وتر وَاخْتلفُوا فِي الْعدَد فَمنهمْ من عد أول الْعشْر من لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين وَمِنْهُم من ابْتَدَأَ الْعدَد من لَيْلَة الثَّلَاثِينَ فأوتر كل قَول مِنْهُمَا أشفاع القَوْل الآخر فيقينا على إحْيَاء جَمِيع الْعشْر وَلم تتَعَيَّن لَيْلَة الْقدر فِي وَاحِدَة مِنْهَا وَإِنَّمَا حَاصِل مَا حاصر فِيهِ الْعلمَاء أَي اللَّيَالِي مِنْهَا أَرْجَى لأدلة وقفُوا عَلَيْهَا من خَارج وَقد فاوضته فِي سَبَب تعْيين لَيْلَة أول الْمحرم فَلم يزدني على كَونهَا أول السّنة فَلَمَّا أحدث هَذِه اللَّيَالِي قولا وفعلا على وَجه مشْعر بشعار ظَاهر موهم لِأَنَّهُ سنة وجاءه بعد ذَلِك السُّؤَال عَن صَلَاة الرغائب وتبطيلها لم ير إِبْطَالهَا صَوَابا وَذهب وهمه الى أَن فِي ذَلِك تكثيرا من الطَّاعَات والقربات وَنظر باشتغال الْعَامَّة بِهَذَا خير من تعطيلهم عَنهُ فَرُبمَا شغلوا أنفسهم بِمَا يُنَاقض ذَلِك من مَعْصِيّة وَغَيرهَا
وَهَذَا كَمَا يَفْعَله بعض من يتَعَمَّد الْكَذِب فِي شَهَادَته على هِلَال رَمَضَان شهر رَمَضَان فِي لَيْلَة آخر شعْبَان وَيَقُول تصويم النَّاس هَذَا الْيَوْم خير من تفريطهم فِيهِ وَغَابَ عَمَّا فِي شَهَادَة الزُّور من الأثم وَأَنَّهَا من الْكَبَائِر وسعيه فِي منع النَّاس عَمَّا أحل الله لَهُم ومحرم الْحَلَال كمحلل الْحَرَام كَمَا غَابَ عَن الشَّيْخ مَا فِي ذَلِك من الْمَفَاسِد من الْكَذِب على الله وَرَسُوله عليه السلام وإغراء المبتدعين وتقوية شعارهم وَمَا اشاروا بِهِ وتكثير الْمَفَاسِد والمعاصي الَّتِي يجلبها الوقيد الْكثير فِي الْمَسَاجِد وَإِثْبَات أهل الفسوق وانتشار المؤذين فِي نواحي الْبَلَد ومساجدها يُؤْذونَ من يظفرون بِهِ أنواعا من الْأَذَى معروفه فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَرب حَامِل فقه الى من هُوَ أفقه مِنْهُ وَلِهَذَا رجح أهل الْعلم الحَدِيث المتداول للفقهاء على غَيره وَقَالَ عبد الله بن هَاشم الطوسي وَغَيره أَنا كُنَّا عِنْد وَكِيع فَقَالَ
الْأَعْمَش أحب إِلَيْكُم عَن أبي وَائِل عَن عبد الله أَو عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن أبراهيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله يَعْنِي وهما شَيخا الْأَعْمَش وسُفْيَان قَالَ فَقُلْنَا الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل أقرب فَقَالَ الْأَعْمَش شيخ وَأَبُو وَائِل شيخ وسُفْيَان عَن أبراهيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله فَقِيه عَن فَقِيه عَن فَقِيه عَن فَقِيه عَن فَقِيه وَحَدِيث يتداوله الْفُقَهَاء خير مِمَّا يتداوله الشُّيُوخ
قلت على أَن قِرَاءَة الْقُرْآن على هَذِه الصُّورَة الَّتِي فعلهَا الشَّيْخ بدار الحَدِيث كرهها مَالك بن أنس الْأَمَام رَحمَه الله تَعَالَى
وَذكر الطرطوشي فِي كتاب الْحَوَادِث قَالَ مَالك لَا يجْتَمع الْقَوْم بقرؤون فِي سُورَة وَاحِدَة كَمَا يَفْعَله أهل الْإسْكَنْدَريَّة هَذَا مَكْرُوه وَلَا يعجبنا لم يكن هَذَا من عمل النَّاس هَذَا مَكْرُوه ومنكر فَلَو قَرَأَ وَاحِد مِنْهُمَا آيَات ثمَّ قَرَأَ الآخر على أثر صَاحبه وَالْآخر كَذَلِك لم يكن بذلك بَأْس هَؤُلَاءِ يعرضون بَعضهم على بعض
قلت وَالَّذِي كره مَالك رَحمَه الله تَعَالَى من ذَلِك مُوَافق لما أخرجه الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم فِي تَارِيخه بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن الْعَلَاء بن زبير الربيعي قَالَ سَمِعت الضَّحَّاك بن عبد الرَّحْمَن بن عزرب يُنكر هَذِه المدارسة وَيَقُول مَا رَأَيْت وَلَا سَمِعت وَقد أدْركْت أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْوَلِيد سَأَلت عَنْهَا عبد الله بن الْعَلَاء فَقَالَ كُنَّا ندرس فِي مجْلِس يحيى بن الْحَرْث فِي مَسْجِد دمشق فِي خلَافَة يزِيد بن عبد الْملك إِذْ خرج علينا أميرنا الضشحاك بن عبد الرَّحْمَن بن عزرب الْأَشْعَرِيّ من الخضراء مُقبلا علينا مُنْكرا لما نصْنَع فَقَالَ مَا هَذَا وَمَا أَنْتُم فِيهِ فَقُلْنَا نَدْرِي كتاب الله تَعَالَى فَقَالَ أتدرسون كتاب الله إِن هَذَا الشَّيْء مَا رَأَيْته وَلَا سَمِعت أَنه كَانَ قبل ثمَّ دخل الخضار قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم وَكَانَ الضَّحَّاك بن عبد الرَّحْمَن أَمِيرا على دمشق فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله تَعَالَى