الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزار ابي ابراهيم فِي عَام ضمنت لَهُ على الْجنَّة وَهَذَا بَاطِل لَا يعرف فِي كتاب وزيارة الْخَلِيل صلى الله علية وَسلم مُسْتَحبَّة غير مُنكرَة وَإِنَّمَا الْمُنكر مَا رَوَوْهُ قَالَ وَبَلغنِي عَن بعض أهل الْعلم من اشياخنا أَنه قَالَ مَا سمع بِهَذَا إِلَّا بعد فتح صَلَاح الدّين الْقُدس وَالله أعلم
26
-
فصل فِي بدع الْجُمُعَة
وَجَرت عَادَة النَّاس انهم يصلونَ بَين الاذنين يَوْم الْجُمُعَة متنفلين بِرَكْعَتَيْنِ أَو أَربع وَنَحْو ذَلِك الى خُرُوج الامام وَذَلِكَ جَائِز ومباح وَلَيْسَ بمنكر من 2 جِهَة كَونه صَلَاة وَإِنَّمَا الْمُنكر اعْتِقَاد الْعَامَّة مِنْهُم ومعظم المتفقهة مِنْهُم أَن ذَلِك سنة للْجُمُعَة قبلهَا كَمَا يصلونَ السّنة قبل الظّهْر ويصرحون فِي نيتهم بانها سنة الْجُمُعَة وَيَقُول من هُوَ عِنْد نَفسه مُعْتَمدًا على قَوْله إِن قُلْنَا الْجُمُعَة ظهر مَقْصُورَة فلهَا كالظهر وَإِلَّا فَلَا وكل ذَلِك بمعزل عَن التَّحْقِيق وَالْجُمُعَة لَا سنة لَهَا قبلهَا كالعشاء وَالْمغْرب وَكَذَا الْعَصْر على قَول وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد بَعضهم وَهِي صَلَاة مستقله بِنَفسِهَا حَتَّى قَالَ بعض النَّاس هِيَ الصَّلَاة الْوُسْطَى وَهُوَ الَّذِي يتَرَجَّح فِي ظَنِّي وَالْعلم لما خصها الله تَعَالَى بِهِ من الشَّرَائِط والشعائر ونقرر ذَلِك فِي مَوضِع غير هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَالدَّلِيل على أَنه لَا سنة لَهَا قبلهَا أَن المُرَاد من قَوْلنَا الصَّلَاة المسنونة أَنَّهَا منقوله عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وَالصَّلَاة قبل الْجُمُعَة لم يَأْتِ مِنْهَا شَيْء عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يدل على أَنه سنة وَلَا يجوز الْقيَاس فِي شَرْعِيَّة الصَّلَوَات أما بعد الْجُمُعَة فقد نقل فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ من كَانَ مِنْكُم مُصَليا بعد الْجُمُعَة فَليصل أَرْبعا
قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ روى عَن على بن ابي طَالب رضى الله عَنهُ أَنه أَمر أَن يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَرْبعا قَالَ وَقَالَ عَطاء رَأَيْت ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا صلى بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ ثمَّ صلى بعد ذَلِك اربعا
فَإِن قلت فقد روى التِّرْمِذِيّ أَيْضا قَالَ وروى عَن ابْن مَسْعُود رضى الله عَنهُ أَنه كَانَ يُصَلِّي قبل الْجُمُعَة أَرْبعا وَبعدهَا اربعا واليه ذهب النَّوَوِيّ وَابْن الْمُبَارك فَهَذَا يدل على أَن للْجُمُعَة سنة قبلهَا أَربع رَكْعَات كالظهر
قلت المُرَاد من صَلَاة عبد الله بن مَسْعُود قبل الْجُمُعَة أَرْبعا أَنه كَانَ يفعل ذَلِك تَطَوّعا الى خُرُوج الإِمَام كَمَا تقدم ذكره فَمن أَيْن لكم أَنه كَانَ يعْتَقد أَنَّهَا سنة الْجُمُعَة وَقد جَاءَ عَن غَيره من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم أَكثر من ذَلِك قَالَ أَبُو بكر بن الْمُنْذر روينَا عَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يُصَلِّي قبل الْجُمُعَة اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة وَعَن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِي رَكْعَات وَهَذَا دَلِيل على أَن ذَلِك كَانَ مِنْهُم من بَاب التَّطَوُّع من قبل أنفسهم من غير تَوْقِيف من النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ اخْتلف الْعدَد الْمَرْوِيّ عَنْهُم وَبَاب التَّطَوُّع مَفْتُوح وَلَعَلَّ ذَلِك كَانَ يَقع مِنْهُم أَو معظمه قبل الآذان وَدخُول وَقت الْجُمُعَة لأَنهم كَانُوا يبكرون وَيصلونَ حَتَّى يخرج الإِمَام وَقد فعلوا مثل ذَلِك فِي صَلَاة الْعِيد وَقد علم قطعا أَن صَلَاة الْعِيد لَا سنة لَهَا وَكَانُوا يصلونَ بعد ارْتِفَاع الشَّمْس فِي الْمصلى وَفِي الْبيُوت ثمَّ يصلونَ الْعِيد روى ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَبَوَّبَ لَهُ الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ بَابا فِي سنَنه ثمَّ الدَّلِيل على صِحَة ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يخرج من بَيته يَوْم الْجُمُعَة فيصعد منبره ثمَّ يُؤذن الْمُؤَذّن فَإِذا فرغ أَخذ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي خطبَته وَلَو كَانَ للْجُمُعَة سنة قبلهَا لأمرهم بعد الآذان بِصَلَاة السّنة وفعلها هُوَ صلى الله عليه وسلم وَلم يكن فِي زمن النَّبِي صلى اللهعليه وَسلم غير هَذَا الآذان الَّذِي بَين يَدي الْخَطِيب وعَلى ذَلِك مَذْهَب الْمَالِكِيَّة الى الْآن
فان قلت لَعَلَّه صلى الله عليه وسلم صلى السّنة فِي بَيته بعد زَوَال الشَّمْس ثمَّ خرج
قلت لَو جرى ذَلِك لنقله أَزوَاجه رضى الله عَنْهُن كَمَا نقلن سَائِر صلواته فِي بَيته لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَيْفِيَّة تَهَجُّده وقيامة بِاللَّيْلِ وَحَيْثُ لم ينْقل شَيْء من ذَلِك فالآصل عَدمه وَدلّ على أَنه لم يَقع وَأَنه غير مَشْرُوع
وَإِن قلت فَمَا معنى قَول البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي صَحِيحه بَاب الصَّلَاة بعد الْجُمُعَة وَقبلهَا حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قبل الظّهْر رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ وَبعد الْمغرب رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته وَبعد الْعشَاء رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي قبل الْجُمُعَة حَتَّى ينْصَرف فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ
قلت مُرَاده من هَذِه التَّرْجَمَة أَنه هَل ورد فِي الصَّلَاة قبلهَا وَبعدهَا شَيْء ثمَّ ذكر هَذَا الحَدِيث أَي أَنه لم يرد إِلَّا بعْدهَا وَلم يرد قبلهَا شَيْء وَالدَّلِيل على أَن هَذَا مُرَاده أَنه قَالَ فِي ابواب الْعِيد بَاب الصَّلَاة قبل الْعِيد وَبعدهَا وَقَالَ أَبُو المعلي سَمِعت سعيدا عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج يَوْم الْفطر فصلى رَكْعَتَيْنِ لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا وَمَعَهُ بِلَال رضى الله عَنهُ
قلت فترجم البُخَارِيّ للعيد مثل مَا ترْجم للْجُمُعَة وَلم يذكر للعيد إِلَّا حَدِيثا دَالا على أَنه لَا تسوغ الصَّلَاة قبلهَا وَلَا بعْدهَا فَدلَّ ذَلِك على أَن مُرَاده من الْجُمُعَة مَا ذَكرْنَاهُ فَأن قلت الْجُمُعَة بدل عَن الظّهْر وَقد ذكر فِي الحَدِيث سنة قبل الظّهْر وَبعدهَا فَاكْتفى بذلك وَإِنَّمَا قَالَ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة حَتَّى ينْصَرف بَيَانا لموْضِع صَلَاة السّنة بعْدهَا
قلت لَيْسَ كَذَلِك بِدَلِيل أَنه قَالَ فِي بَاب التَّطَوُّع بعد المكتوبه حَدثنَا
يحيى بن سعيد عَن عبد الله أَخْبرنِي نَافِع عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَجْدَتَيْنِ قبل الظّهْر وسجدتين بعد الْمغرب وسجدتين بعد الْعشَاء وسجدتين بعد الْجُمُعَة وَهَذَا دَلِيل على أَن الْجُمُعَة عِنْدهم غير الظّهْر وَإِلَّا مَا كَانَ يحْتَاج الى ذكرهَا لدخولها تَحت اسْم الظّهْر ثمَّ لم يذكر لَهَا سنة إِلَّا بعْدهَا دلّ على أَنه لَا سنة قبلهَا
فَإِن قلت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر الدَّاخِل الى الْمَسْجِد وَهُوَ يخْطب أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
قلت هما تَحِيَّة الْمَسْجِد لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بهما فَقَالَ لَهُ قُم قصل رَكْعَتَيْنِ وَوَقع فِي سنَن ابْن ماجة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَجَابِر رضى الله عَنْهُمَا قَالَا جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يخْطب فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أصليت رَكْعَتَيْنِ قبل أَن تَجِيء قَالَ لَا قَالَ فصل رَكْعَتَيْنِ وَتجوز فيهمَا قَالَ بعض من صنف فِي عصرنا قَوْله قبل أَن تَجِيء يدل على أَن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ سنة للْجُمُعَة فبلها وَلَيْسَت تَحِيَّة الْمَسْجِد كَأَنَّهُ توهم أَن معنى قَوْله قبل أَن تدخل الْمَسْجِد أَي أَنه صلاهما فِي بَيته وَلَيْسَ الْآمِر كَذَلِك فقد أخرج هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا وَلَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهَا هَذَا اللَّفْظ وَهُوَ قَوْله قبل أَن تَجِيء وَفِي البُخَارِيّ عَن جَابر قَالَ جَاءَ رجل وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَاعد على الْمِنْبَر فَقعدَ سليك قبل أَن يُصَلِّي فَقَالَ لَهُ يَا سليك قُم فاركع رَكْعَتَيْنِ وَتجوز فيهمَا فَقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم قُم دَلِيل على أَنه لم يشْعر بِهِ إِلَّا وَهُوَ قد تهَيَّأ للجلوس فَجَلَسَ قبل أَن يُصَلِّي فَكَلمهُ حِينَئِذٍ وَأمره بِالْقيامِ وَجوز أَن يكون صلى الرَّكْعَتَيْنِ عِنْد أول دُخُوله الى الْمَسْجِد قَرِيبا من الْبَاب ثمَّ اقْترب من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليسمع الخصبة فَسَأَلَهُ أصليت قبل لَا فَقَوله فِيمَا أخرجه ابْن ماجة قبل أَن تَجِيء يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ قبل ان تقرب منى لسَمَاع الْخطْبَة وَلَيْسَ المُرَاد قبل ان تدخل فَإِن صلَاته قبل دُخُول الْمَسْجِد غير مشروعه فَكيف يسْأَله عَنْهَا وَذَلِكَ أَن الْمَأْمُور بِهِ بعد دُخُول وَقت الْجُمُعَة إِنَّمَا هُوَ السَّعْي الى مَكَان الصَّلَاة فَلَا يشْتَغل بِغَيْر ذَلِك وَقبل دُخُول الْوَقْت لَا يَصح فعل السّنة على تَقْدِير أَن تكون مشروعه
وَمن الدَّلِيل على صِحَة ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يسْأَل أحدا غير هَذَا الرجل الدَّاخِل عَن كَونه صلى سنة الجمعه أَو لم يصل دلّ على أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يعتن بالبحث عَن ذَلِك وَإِنَّمَا لما رَآهُ قد جلس وَلم يفعل مَا هُوَ مَشْرُوع لَهُ من تَحِيَّة الْمَسْجِد بِرَكْعَتَيْنِ أمره بهما ثمَّ قَالَ إِذا جَاءَ أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة والامام يخْطب فليركع رَكْعَتَيْنِ وليتجوز فيهمَا أَي أَن خطْبَة الامام وَالِاسْتِمَاع لَهَا غير مَانع من تَحِيَّة الْمَسْجِد وَأخرج أَبُو دَاوُد الحَدِيث الَّذِي فِي سنَن ابْن مَاجَه وَهُوَ من حَدِيث ابْن حَفْص بن غياث عَن الآعمش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر وَعَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ جَاءَ سليك العطفاني وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يخْطب فَقَالَ لَهُ أصليت شَيْئا قَالَ لَا قَالَ صل رَكْعَتَيْنِ تجوز فيهمَا وَلَيْسَ فِي الحَدِيث قبل أَن تَجِيء وَالله أعلم وَذكر صَاحب شرح السّنة أَيْضا رِوَايَة غير معروفه قَالَ وروى عَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ
قلت هَذَا غير مَحْفُوظ وَإِنَّمَا هُوَ قبل الظّهْر فَوَهم من قَالَ قبل الْجُمُعَة وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله علية وَسلم كَانَ يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ وَلم يزدْ على ذَلِك
فان قلت فَفِي سنَن أبي دَاوُد حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا اسماعيل أخبرنَا أَيُّوب عَن نَافِع قَالَ كَانَ ابْن عمر يُطِيل الصَّلَاة قبل الْجُمُعَة وَيُصلي بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته وَحدث أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يفعل ذَلِك
قلت أَرَادَ بقوله أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة فِي بَيته وَلَا يُصَلِّيهمَا فِي الْمَسْجِد وَذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحبّ وَقد ورد من غير هَذَا الحَدِيث وأرشد الى هَذَا التَّأْوِيل مَا تقدم من الآدلة على أَنه لَا سنة للْجُمُعَة قبلهَا وَأما اطالة ابْن عمر الصَّلَاة قبل الْجُمُعَة فقد سبق الْكَلَام
عَلَيْهِ وَأَن ذَلِك مِنْهُ وَمن أَمْثَاله تَطَوّعا من عِنْد أنفسهم لأَنهم كَانُوا يبكرون الى حُضُور الْجُمُعَة فيشتغلون بِالصَّلَاةِ ذكر ذَلِك الامام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ فِي كتاب الاحباء قَالَ وَكَانَ يرى فِي الْقرن الأول بعد طُلُوع الْفجْر الطرقات مَمْلُوءَة من النَّاس يَمْشُونَ فِي السرج ويزد حمون فِيهَا الى الْجَامِع قَالَ وَدخل ان مَسْعُود بكرَة فَرَأى ثَلَاثَة نفر قد سَبَقُوهُ بالبكور فَاغْتَمَّ لذَلِك وَجعل يَقُول لنَفسِهِ معاتبا إِيَّاهَا رَابِع أَرْبَعَة وَمَا رَابِع أَرْبَعَة بِبَعِيد وَذكر من آدَاب الْجُمُعَة أَن يقطع الصَّلَاة عِنْد خُرُوج الإِمَام وَيقطع الْكَلَام أَيْضا بل يشْتَغل بِجَوَاب الْمُؤَذّن ثمَّ اسْتِمَاع الْخطْبَة قَالَ وَجَرت عَادَة بعض الْعَوام بسجود عِنْد قيام المؤذنين وَلَا يثبت لَهُ اصل فِي أثر وَلَا خبر لكنه إِن وَافق سُجُود تِلَاوَة فَلَا بَأْس
فان قلت دَلِيل ان للْجُمُعَة سنة قبلهَا مَا أخرجه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يزِيد ابْن ماجة فِي سنَنه فَقَالَ بَاب الصَّلَاة قبل الْجُمُعَة حَدثنَا مُحَمَّد بن يحي حَدثنَا يزِيد ابْن عبد ربه حَدثنَا بَقِيَّة عَن مُبشر بن عبيد عَن حجاج بن ارطأة عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يرْكَع من قبل الْجُمُعَة اربعا لَا يفصل فِي شَيْء مِنْهُنَّ
قلت فِي سنَن ابْن مَاجَه من جملَة الْأَحَادِيث الضِّعَاف والموضوعات كَالَّذي ذكره فِي فضل بَلْدَة قزوين وَلَيْسَ لعطية الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي كِتَابه غير هَذَا الحَدِيث وَهَذَا إِسْنَاد لَا تقوم بِهِ حجَّة لضعف رِجَاله فَكيف يُعَارض مَا تقدم من الآدلة الصَّحِيحَة على خِلَافه فبقية ضَعِيف ومبشر ومنكر الحَدِيث وَالْحجاج بن ارطأة لَا يحْتَج بِهِ وعطية قَالَ البُخَارِيّ كَانَ هشيم يتَكَلَّم فِيهِ وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل سَمِعت أبي يَقُول شيخ يُقَال لَهُ مُبشر بن عبيد كَانَ يكون بحمص أَظُنهُ كوفيا روى عَنهُ بَقِيَّة وَأَبُو الْمُغيرَة أَحَادِيث مَوْضُوعَة كذب وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مُبشر بن عبيد مَتْرُوك الحَدِيث أَحَادِيثه لَا يُتَابع عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ لَا يحْتَج بِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْحجَّاج بن ارطأة فِي غير مَا وضع من سنَنه وَقَالَ مُبشر بن عبيد الْحِمصِي مَنْسُوب الى وضع الحَدِيث
قلت وَلَعَلَّ الحَدِيث انْقَلب على أحد هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء لعدم ضبطهم واتقانهم 2 فَقَالَ قبل الْجُمُعَة وَإِنَّمَا هُوَ بعد الْجُمُعَة فَيكون مُوَافقا لما ثَبت فِي الصَّحِيح وَقد قَالَ الامام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى نَحوا من هَذَا القَوْل فِي رِوَايَة عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضي الله عنهما ان النَّبِي (صلع) قسم يَوْم خَيْبَر للفارس سَهْمَيْنِ وللراجل سَهْما قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم كَأَنَّهُ سمع نَافِعًا يَقُول للْفرس سَهْمَيْنِ وللراجل سَهْما فَقَالَ الْفَارِس سَهْمَيْنِ وللراجل سَهْما يَعْنِي فَيكون مُوَافقا لرِوَايَة أَخِيه عبيد الله بن عمر قَالَ وَلَيْسَ يشك أحد من أهل الْعلم فِي تقدمه عبيد الله بن عمر على أَخِيه فِي الْحِفْظ نقل ذَلِك عَن الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب السّنَن الْكَبِير فَهَذَا وَجه الْكَلَام على الحَدِيث الَّذِي فِي سنَن ابْن مَاجَه وَلم يكن لنا فِي تَأْوِيله بعد بَيَان ضعفه حَاجَة وَالله سبحانه وتعالى أعلم وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل نعم الْمولى وَنعم النصير وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ دَائِما الي يَوْم الدّين آمين
تمّ الْكتاب وَالْحَمْد الله
كلمة جليلة من عَالم جليل فِي هَذِه الْأَيَّام
قد رَأَيْت أَن الْحق بِهَذِهِ الرسَالَة الَّتِي هِيَ فِي الْبدع سؤالين هامين أجَاب عَنْهُمَا عَالم جليل الْقدر يعرف الْعَالم كُله قدره إِجَابَة نافعة إِن شَاءَ الله تَعَالَى تهم الْمُسلمين وَتصْلح من شَأْنهمْ وهما أَيْضا فِي التحذير من الْبدع الْحَادِثَة فِي هَذِه الْأَيَّام
وهذين السؤالين قد أرسلا ضمن عدَّة اسئلة وجهت لهَذَا الْعَالم وَهُوَ سماحة الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن باز رييس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وهما منشورين فِي عَام 1397 هـ فِي رِسَالَة لَطِيفَة توزع مجَّانا فَأجَاب عَنْهُمَا كالآتي
السُّؤَال الأول
الْحَمد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله وعَلى آله وَصَحبه وَمن اهْتَدَى بهداه أما بعد فقد تكَرر السُّؤَال من كثير عَن حكم الاحتفال بمولد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالْقِيَام لَهُ فِي أثْنَاء ذَلِك وإلقاء السَّلَام وَغير ذَلِك مِمَّا يفعل فِي المولد
وَالْجَوَاب أَن يُقَال لَا يجوز الاحتفال بمولد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَلَا غَيره لِأَن ذَلِك من الْبدع المحدثة فِي الدّين لِأَن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لم يَفْعَله وَلَا خلفاؤه الراشدون وَلَا غَيرهم من الصَّحَابَة رضوَان الله على الْجَمِيع وَلَا التابعون لَهُم بِإِحْسَان فِي الْقُرُون المفضلة وهم أعلم النَّاس بِالسنةِ وأكمل حبا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعة مِمَّن بعدهمْ
وَقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ من أحدث فِي أمرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رد أَي مَرْدُود عَلَيْهِ وَقَالَ فِي حَدِيث آخر عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين من بعدِي تمسكوا بهَا وعضوا عَلَيْهَا بالنواجذ وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور فَإِن كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة
فَفِي هذَيْن الْحَدِيثين تحذير شَدِيد من إِحْدَاث الْبدع وَالْعَمَل بهَا وَقد قَالَ الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه الْمُبين {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} وَقَالَ عز وجل {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر وَذكر الله كثيرا}
وَقَالَ تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ وَأعد لَهُم جنَّات تجْرِي تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا أبدا ذَلِك الْفَوْز الْعَظِيم} وَقَالَ تَعَالَى {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا}
والآيات فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة وإحداث مثل هَذِه الموالد يفهم مِنْهُ أَن الله سُبْحَانَهُ لم يكمل الدّين لهَذِهِ الْأمة وَأَن الرَّسُول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ مَا يَنْبَغِي للْأمة أَن تعْمل بِهِ حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخّرُونَ فأحدثوا فِي شرع الله مَا لم يَأْذَن بِهِ راعمين أَن ذَلِك مِمَّا يقربهُمْ الى الله وَهَذَا بِلَا شكّ فِيهِ خطر عَظِيم وَاعْتِرَاض على الله سُبْحَانَهُ وعَلى رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَالله سُبْحَانَهُ قد أكمل لِعِبَادِهِ الدّين وَأتم عَلَيْهِم النِّعْمَة
وَالرَّسُول صلى الله عليه وسلم قد بلغ الْبَلَاغ الْمُبين وَلم يتْرك طَرِيقا يُوصل الى الْجنَّة ويباعد من النَّار إِلَّا بَينه للْأمة كَمَا ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح عَن عبد الله بن عَمْرو رضى الله عَنْهُمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا بعث الله من نَبِي إِلَّا كَانَ حَقًا عَلَيْهِ أَن يدل أمته على خير مَا يُعلمهُ لَهُم وَيُنْذرهُمْ شَرّ مَا يُعلمهُ لَهُم رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَمَعْلُوم أَن نَبينَا صلى الله عليه وسلم هُوَ أفضل الآنبياء وخاتمهم وأكملهم بلاغا وَنصحا فَلَو كَانَ الاحتفال بالموالد من الدّين الَّذِي يراضاه الله سُبْحَانَهُ لنَبيه الرَّسُول صلى الله عليه وسلم للْأمة أَو فعله فِي حَيَاته أَو فعله أَصْحَابه رضى الله عَنْهُم فَلَمَّا لم يَقع شَيْء من ذَلِك علم أَنه لَيْسَ من الْإِسْلَام فِي شَيْء بل هُوَ من المحدثات الَّتِي حذر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مِنْهَا أمته كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فِي الْحَدِيثين السَّابِقين وَقد جَاءَ فِي مَعْنَاهُمَا أَحَادِيث أُخْرَى مثل قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي خطْبَة الْجُمُعَة أما بعد فَإِن خير الحَدِيث كتاب الله وَخير الْهدى هدى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل بِدعَة ضَلَالَة رَوَاهُ الإِمَام مُسلم فِي صَحِيحه
والآيات والآحاديث فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة وَقد صرح جمَاعَة من الْعلمَاء فإنكار الموالد والتحذير مِنْهَا عملا بالأدلة الْمَذْكُورَة وَغَيرهَا وَخَالف بعض الْمُتَأَخِّرين فأجازها إِذا لم تشْتَمل على شَيْء من المنتكرات كالغلو فِي رَسُول الله وكاختلاط النِّسَاء بِالرِّجَالِ وَاسْتِعْمَال الْآلَات الملاهي وَغير ذَلِك مِمَّا يُنكره الشَّرْع المطهر وظنوا أَنَّهَا من الْبدع الْحَسَنَة وَالْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة رد مَا تنَازع فِيهِ النَّاس الى كتاب الله وَسنة رَسُوله مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم
كَمَا قَالَ الله عز وجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا اختلفتم فِيهِ من شَيْء فَحكمه إِلَى الله} وَقد رددنا هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي الأحتفال بالموالد الى كتاب الله سبحانه وتعالى فوجدناه يَأْمُرنَا بِاتِّبَاع الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِيمَا جَاءَ بِهِ ة يحذرنا عَمَّا نهى عَنهُ ويخبرنا بِأَن الله سُبْحَانَهُ قد أكمل لهَذِهِ الْأمة دينهَا وَلَيْسَ هَذَا الإحتفال مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فَيكون لَيْسَ من الدّين الَّذِي أكمله الله لنا وأمرنا بِاتِّبَاع الرَّسُول فِيهِ وَقد رددنا ذَلِك أيا الى سنة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فَلم نجد فِيهَا أَنه فعله وَلَا أَمر بِهِ وَلَا فعله أَصْحَابه رضى الله عَنْهُم
فَعلمنَا بذلك أَنه لَيْسَ من الدّين بل هُوَ من الْبدع المحدثة وَمن التَّشَبُّه بِأَهْل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي أعيادهم وَبِذَلِك يَتَّضِح لكل من لَهُ أدنى
بَصِيرَة ورغبة فِي الْحق وإنصاف فِي طلبه أَن الإحتفال بالموالد لَيْسَ من دين الْإِسْلَام بل هُوَ من الْبدع المحدثات الَّتِي أَمر الله سبحانه وتعالى وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِهَا والحذر مِنْهَا وَلَا يَنْبَغِي للعاقل أَن يغتر بِكَثْرَة م يَفْعَله من النَّاس فِي سَائِر الاقطار فَإِن الْحق لَا يعرف بِكَثْرَة الفاعلين وَإِنَّمَا يعرف بالأدلة الشَّرْعِيَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَقَالُوا لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ هودا أَو نَصَارَى تِلْكَ أمانيهم قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن تُطِع أَكثر من فِي الأَرْض يضلوك عَن سَبِيل الله} الْآيَة
ثمَّ إِن غَالب هَذِه الإحتفالات بالمواد مَعَ كَونهَا بِدعَة لَا تَخْلُو من اشتمالها على مُنكرَات أُخْرَى كاختلاط النِّسَاء بِالرِّجَالِ وَاسْتِعْمَال الآغاني وَالْمَعَازِف وَشرب المسكرات والمخدرات وَغير ذَلِك من الشرور وَقد يَقع فِيهَا مَا هُوَ أعظم من ذَلِك وَهُوَ الشّرك الْأَكْبَر وَذَلِكَ بالغلو فِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو غَيره من الْأَوْلِيَاء ودعائه والاستغاثة بِهِ وَطَلَبه المدد واعتقاد أَنه يعلم الْغَيْب وَنَحْو ذَلِك م الْأُمُور الكفرية الَّتِي يتعاطاها الْكثير من النَّاس حِين احتفالهم بمولد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَغَيره مِمَّن يسمونهم بالأولياء
وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إيَّاكُمْ والغلو فِي الدينفإنما أهلك من كَانَ قبلكُمْ الغلو فِي الدّين وَقَالَ عَلَيْهِ االصلاة وَالسَّلَام
لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى ابْن مَرْيَم أَنما أَنا عبد فَقولُوا عبد الله وَرَسُوله أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث عمر رضى الله عَنهُ
وَمن الْعَجَائِب والغرائب أَن الْكثير من النَّاس ينشط ويجتهد فِي حُضُور هَذِه الإحتفالات المبتدعة ويدافع عَنْهَا ويتخلف عَمَّا أوجب الله عَلَيْهِ من حُضُور الْجمع وَالْجَمَاعَات وَلَا يرفع بذلك رَأْسا وَلَا يرى أَنه أَتَى
مُنكر عَظِيما وَلَا شكّ أَن ذَلِك من ضعف الْإِيمَان وَقلة البصيرة وَكَثْرَة ماران على الْقُلُوب من صنوف الذُّنُوب والمعاصي نسْأَل الله الْعَافِيَة لنا ولسائر الْمُسلمين
وَمن ذَلِك أَن بَعضهم يظنّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد وَلِهَذَا يقومُونَ لَهُ محيين ومرحبين وَهَذَا من أعظم الْبَاطِل وأقبح الْجَهْل فَإِن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لَا يخرج من قَبره قبل يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يتَّصل بِأحد من النَّاس وَلَا يحضر اجتماعاتهم بل هُوَ مُقيم فِي قَبره الى يَوْم القيامه وروحه فِي أَعلَى عليين عِنْد ربه فِي دَار الْكَرَامَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي سُورَة الْمُؤمنِينَ {ثمَّ إِنَّكُم بعد ذَلِك لميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة تبعثون}
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنا أول من ينشق عَنهُ الْقَبْر يَوْم القيامه وَأَنا أول شَافِع وَأول مُشَفع عَلَيْهِ من ربه افضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فَهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة والْحَدِيث الشريف وَمَا جَاءَ فِي مَعْنَاهُمَا من الْآيَات وَالْأَحَادِيث كلهَا تدل على أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَغَيره من الْأَمْوَات إِنَّمَا يخرجُون من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة وَهَذَا أَمر مجمع عَلَيْهِ بَين عُلَمَاء الْمُسلمين لَيْسَ فِيهِ نزاع بَينهم فَيَنْبَغِي لكل مُسلم التنبه لهَذِهِ الْأُمُور والحذر مِمَّا أحدثه الْجُهَّال وأشباههم من الْبدع والخرافات الَّتِي مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِهِ
أما الصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَهِيَ من أفضل القربات وَمن الْأَعْمَال الصَّالِحَات كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا}
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من صلى عَليّ وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا وَهِي مشروعه فِي جَمِيع الْأَوْقَات ومتأكدة فِي آخر كل صَلَاة
بل وَاجِبَة عِنْد جمع من أهل الْعلم فِي التَّشَهُّد الْأَخير من كل صَلَاة وَسنة مُؤَكدَة فِي مَوَاضِع كَثِيرَة مِنْهَا بعد الآذان وَعند ذكره عليه الصلاة والسلام وَفِي يَوْم الْجُمُعَة وليلتها كَمَا دلّت على ذَلِك أَحَادِيث كَثِيرَة
وَالله الْمَسْئُول أَن يوفقنا وَسَائِر الْمُسلمين للفقه فِي دينه والثبات عَلَيْهِ وَأَن يمن على الْجَمِيع يلزوم السّنة والحذر من الْبِدْعَة إِنَّه جواد كريم وَصلى الله وَسلم على نَبينَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه
السُّؤَال الثَّانِي
من عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن باز الى من يطلع عَلَيْهِ من الْمُسلمين حفظهم الله بِالْإِسْلَامِ وإياهم من شَرّ مفتريات الجهلة الطغام آمين
سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته أما بعد فقد أصلعت على كلمة منسوبع الى الشَّيْخ أَحْمد خَادِم الْحرم النَّبَوِيّ الشريف بعنوان هَذِه وَصِيَّة من الْمَدِينَة المنورة عَن الشَّيْخ أَحْمد خَادِم الْحرم النَّبَوِيّ الشريف قَالَ فِيهَا كنت ساهرا لَيْلَة الْجُمُعَة أتلو الْقُرْآن الْكَرِيم وَبعد تِلَاوَة قِرَاءَة أَسمَاء الله الْحسنى فَلَمَّا فرغت من ذَلِك تهيأت للنوم فَرَأَيْت صَاحب الطلعة البهية رَسُول الله (صلع) الَّذِي أُتِي بِالْآيَاتِ القرآنية وَالْأَحْكَام الشَّرِيفَة رَحمَه بالعاملين سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا شيخ أَحْمد قلت لبيْك يَا رَسُول الله يَا أكْرم خلق الله فَقَالَ لي أَنا خجلان من أَفعَال النَّاس القبيحة وَلم أقدر أَن أقابل رَبِّي وَلَا الْمَلَائِكَة لِأَن من الْجُمُعَة الى الْجُمُعَة مَاتَ مائَة وَسِتُّونَ ألفا على غير دين الأسلام ثمَّ ذكر بعض مَا وَقع فِيهِ النَّاس من الْمعاصِي
ثمَّ قَالَ فَهَذِهِ الْوَصِيَّة رَحْمَة بهم من الْعَزِيز الْجَبَّار ثمَّ ذكر بعض أَشْرَاط السَّاعَة الى أَن قَالَ فَأخْبرهُم يَا شيخ أَحْمد بِهَذِهِ الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا منقوله بقلم الْقدر من الوح الْمَحْفُوظ وَمن يَكْتُبهَا ويرسلها من بلد الى بلد وَمن مَحل الى مَحل بنى لَهُ قصر فِي الْجنَّة وَمن لم يَكْتُبهَا ويرسلها حرمت عَلَيْهِ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة وَمن كتبهَا وَكَانَ فَقِيرا أغناه الله أَو كَانَ مديونا قضى الله دينه أَو عَلَيْهِ ذَنْب غفر الله لَهُ ولوالديه ببركة هَذِه الْوَصِيَّة وَمن لم يَكْتُبهَا من عباد الله أسود وَجهه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقَالَ وَالله الْعَظِيم ثَلَاثًا هَذِه ححقيقة وَإِن كنت كَاذِبًا أخرج من الدُّنْيَا على غير الأسلام وَمن يصدق بهَا ينجو من عَذَاب النَّار وَمن كذب بهَا كفر
هَذِه خُلَاصَة مَا فِي هَذِه الْوَصِيَّة المكذوبة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَقَد سمعنَا هَذِه الْوَصِيَّة المكذوبة مَرَّات كَثِيرَة مُنْذُ سنوات مُتعَدِّدَة تنشر بَين النَّاس فِيمَا بَين وَقت وَآخر وتروج بَين الْكثير من الْعَامَّة وَفِي ألفاظها اخْتِلَاف وكاذبها يَقُول إِنَّه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النّوم فَحَمله هَذِه الْوَصِيَّة وَفِي هَذِه النشرة الْأَخِيرَة الَّتِي ذَكرنَاهَا لَك أَيهَا القاريء زعم المفتري فِيهَا أَنه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النّوم فَحَمله هَذِه الْوَصِيَّة حَتَّى تهَيَّأ للنوم لَا فِي النّوم فالمعنة أَنه رَآهُ يقظة زعم هَذَا المفتري فِي هَذِه الْوَصِيَّة أَشْيَاء كَثِيرَة هِيَ من أوضح الْكَذِب وَأبين الْبَاطِل سأنبك عَلَيْهَا قَرِيبا فِي هَذِه الْكَلِمَة أَن شَاءَ الله وَلَقَد نبهت عَلَيْهَا فِي السنوات الْمَاضِيَة وبينت للنَّاس أَنَّهَا من أوضح الْكَذِب وَأبين الْبَاطِل
فَلَمَّا أطلعت على هَذِه النشرة الْأَخِيرَة ترددت فِي الْكِتَابَة عَنْهَا لظُهُور بُطْلَانهَا وَعظم جرْأَة مفتريها على الْكَذِب وَمَا كنت أَظن أَن بُطْلَانهَا يروج على من لَهُ أدنى بَصِيرَة أَو فطْرَة سليمَة وَلَكِن أَخْبرنِي كثير من الإخوان أَنَّهَا قد راجت على كثير من النَّاس وتداولوها بَينهم وصدقها بَعضهم فَمن أجل ذَلِك رَأَيْت أَنه يتَعَيَّن على أمثالي الْكِتَابَة عَنْهَا لبَيَان بُطْلَانهَا وَأَنَّهَا مفتراة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَا يغتر بهَا أحد وَمن تأملها من ذَوي الْعلم والأيمان أَو ذَوي الْفطْرَة السليمة وَالْعقل الصَّحِيح عرف أَنَّهَا كذب وإفتراء من وُجُوه كَثِيرَة وَلَقَد سَأَلت بعض أقَارِب الشَّيْخ أَحْمد المنسوبه إِلَيْهِ هَذِه الْفِرْيَة عَن هَذِه الْوَصِيَّة فَأَجَابَنِي بِأَنَّهَا مكذوبه على الشَّيْخ أَحْمد وَأَنه لم يقلها أصلا وَالشَّيْخ أَحْمد الْمَذْكُور قد مَاتَ من مُدَّة وَلَو فَرضنَا أَن الشَّيْخ أخمد الْمَذْكُور أَو من هُوَ أكبر مِنْهُ زعم أَنه رأى النَّبِي (صلع) فِي النّوم أَو الْيَقَظَة وأوصاه بِهَذِهِ الْوَصِيَّة لعلمنا يَقِينا أَنه كَاذِب أَو أَن الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِك شَيْطَان وَلَيْسَ هُوَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لوجوه كَثِيرَة
مِنْهَا أَن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لَا يرى فِي الثقظة بعد وَفَاته
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن زعم من جهلة الصوفيه أَنه يرى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْيَقَظَة أَو أَنه يحضر المولد اَوْ مَا شابه ذَلِك فقد غلط أقبح غلط وَلبس عَلَيْهِ غَايَة التلبيس وَوَقع فِي خطأ عَظِيم وَخَالف الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع أهل الْعلم لِأَن الْمَوْتَى إِنَّمَا يخرجُون من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة لَا فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ الله سبحانه وتعالى {ثمَّ إِنَّكُم بعد ذَلِك لميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة تبعثون} فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن بعث الْأَمْوَات يكون يَوْم الْقِيَامَة لَا فِي الدُّنْيَا وَمن صال خلاف ذَلِك فَهُوَ كَاذِب كذبا بَينا أَو غالط ملبس عَلَيْهِ لم يعرف الْحق الَّذِي عرفه السّلف الصَّالح ودرج عَلَيْهِ أَصْحَاب الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بِإِحْسَان
الْوَجْه الثَّانِي أَن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لَا يَقُول خلاف الْحق لَا فِي حَيَاته وَلَا فِي وَفَاته وَهَذِه والصية تخَالف شريعتة مُخَالفَة ظَاهِرَة من وُجُوه كَثِيرَة كَمَا يَأْتِي وَهُوَ صلى الله عليه وسلم قد يرى فِي النّوم وَمن رَآهُ فِي الْمَنَام على صورته الشريفه فقد رَآهُ لِأَن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صورته كَمَا جَاءَ بذلك الحَدِيث الصَّحِيح الشريف
وَلَكِن الشَّأْن كل الشَّأْن فِي إِيمَان الرَّائِي وَصدقَة وعدالته وَضَبطه وديانته وأمانه وَهل رأى النَّبِي (صلع) فِي صورته أَو فِي غَيرهَا وَلَو جَاءَ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَدِيث قَالَه فِي حَيَاته من غير طَرِيق الثقاة الْعُدُول الضابطين لم يعْتَمد عَلَيْهِ وَلم يححتج بِهِ أَو جَاءَ من طَرِيق الثقاة الضابطين وَلكنه يُخَالف رِوَايَة من هُوَ أحفظ مِنْهُم وأوثق مُخَالفَة لَا يُمكن مَعهَا الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ لَكَانَ أَحدهمَا مَنْسُوخا لَا يعْمل بِهِ وَالثَّانِي نَاسخ يعْمل بِهِ حَيْثُ أمكن ذَلِك بِشُرُوطِهِ وَإِذا لم يكن ذَلِك وَلم يُمكن الْجمع وَجب أَن تطرح رِوَايَة من هُوَ أقل حفظا وَأدنى عَدَالَة وَالْحكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا شَاذَّة لَا يعْمل بهَا
فَكيف بِوَصِيَّة لَا يعرف صَاحبهَا الَّذِي نقلهَا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا تعرف عَدَالَته وأمانته فَهِيَ وَالْحَالة هَذِه ححقيقه بِأَن تطرح وَلَا يلْتَفت إِلَيْهَا وَإِن لم يكن فِيهَا شَيْء يُخَالف الشَّرْع
فَكيف إِذا كَانَت الوصيه مُشْتَمِلَة على أُمُور كَثِيرَة تدل على بُطْلَانهَا وَأَنَّهَا مكذوبه على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومتضمنة لتشريع دين لم يَأْذَن بِهِ الله وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من قَالَ على مَا لم أقل فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَقد قَالَ مفتري هَذِه الْوَصِيَّة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا لم يقل وَكذب عَلَيْهِ كذبا صَرِيحًا خطيرا فَمَا أحراه بِهَذَا الْوَعيد الْعَظِيم وَمَا أحقه بِهِ إِن لم يُبَادر بِالتَّوْبَةِ وينشر للنَّاس أَنه قد كذب هَذِه الْوَصِيَّة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِأَن من نشر بَاطِلا بَين النَّاس وَنسبه الى الدّين لم تصح تَوْبَته مِنْهُ إِلَّا بإعلانها وإظهارها حَتَّى يعلم النَّاس رُجُوعه عَن كذبه وتكذيبه لنَفسِهِ لقَوْل الله عز وجل {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى من بعد مَا بَيناهُ للنَّاس فِي الْكتاب أُولَئِكَ يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا وبينوا فَأُولَئِك أَتُوب عَلَيْهِم وَأَنا التواب الرَّحِيم}
فأوضح الله سبحانه وتعالى فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة أَن من كتم شَيْئا من الْحق لم تصح تَوْبَته من ذَلِك إِلَّا بعد الْإِصْلَاح والتبين وَالله سُبْحَانَهُ قد أكمل لِعِبَادِهِ الدّين وَأتم عَلَيْهِم النِّعْمَة ببعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَا أوحى الله أليه من الشَّرْع الْكَامِل وَلم يقبضهُ إِلَيْهِ إِلَّا بعد الْإِكْمَال والتبيين كَمَا قَالَ عز وجل {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي} الْآيَة
ومفتري هَذِه الْوَصِيَّة قد جَاءَ فِي الْقرن الرَّابِع عشر يُرِيد أَن يلبس على النَّاس دينهم ويشرع لَهُم دينا جَدِيدا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ دُخُول الْجنَّة لمن أَخذ بتشريعه
وحرمان الْجنَّة وَدخُول النَّار لمن لم يَأْخُذ بتشريعه وَيُرِيد أَن يَجْعَل هَذِه الْوَصِيَّة الَّتِي أفتراها أعظم من الْقُرْآن وَأفضل حَيْثُ أفترى فِيهَا أَن من كتبهَا وأرسلها من بلد الى بلد أَو من مَحل الى مَحل بنى لَهُ قصر فِي الْجنَّة وَمن لم يَكْتُبهَا ويرسلها حرمت عَلَيْهِ شَفَاعَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم الْقِيَامَة
وَهَذَا من أقبح الْكَذِب وَمن أوضح الدَّلَائِل على كذب هَذِه الْوَصِيَّة وَقلة حَيَاء مفتريها وَعظم جرأته على الْكَذِب لِأَن من كتب الْقُرْآن الْكَرِيم وأرسله من بلد الى بلد أَو من مَحل لم يحصل لَهُ هَذَا الْفضل إِذا لم يعْمل بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم فَكيف يحصل لكاتب هَذِه الْفِرْيَة وناقلها من بلد الى بلد وَمن لم يكْتب الْقُرْآن وَلم يُرْسِلهُ من بلد الى بلد لم يحرم شَفَاعَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا كَانَ مُؤمنا بِهِ تَابعا لشريعته وَهَذِه الْفِرْيَة الْوَاحِدَة فِي هَذِه الْوَصِيَّة تَكْفِي وَحدهَا للدلالة على بُطْلَانهَا وَكذب ناشرها ووقاحته وغباوته وَبعده عَن معرفَة مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم من الْهدى
وَفِي هَذِه الْوَصِيَّة سوى مَا ذكر أُمُور أُخْرَى كلهَا تدل على بُطْلَانهَا وكذبها وَلَو أقسم مفتريها ألف قسم أَو أَكثر على صِحَّتهَا وَلَو دَعَا على نَفسه بأعظم الْعَذَاب وَأَشد النكال على أَنه صَادِق لم يكن صَادِقا وَلم تكن صَحِيحه بل هِيَ وَالله ثمَّ وَالله من أعظم الْكَذِب وأقبح وأقبح الْبَاطِل وَنحن نشْهد الله سُبْحَانَهُ وَمن حَضَرنَا من الْمَلَائِكَة وَمن أطلع على هَذِه الْكِتَابَة من الْمُسلمين شَهَادَة نلقي بهَا رَبنَا عز وجل أَن هَذِه الْوَصِيَّة كذب وافتراء على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أخزى الله من كتببها وعامله بِمَا يسْتَحق
وَيدل على كذبهَا وبطلانها سوى مَا تقدم أُمُور كَثِيرَة الأول مِنْهَا قوه فِيهَا لِأَن من الْجُمُعَة الى الْجُمُعَة مَاتَ مائَة وَسِتُّونَ ألفا على غير دين الْإِسْلَام لِأَن هَذَا من علم الْغَيْب وَالرَّسُول صلى الله عليه وسلم قد أنقطع عَنهُ الْوَحْي بعد وَفَاته وَهُوَ فِي حَيَاته لَا يعلم الْغَيْب فَكيف بعد وَفَاته لقَوْل الله سُبْحَانَهُ
{قل لَا أَقُول لكم عِنْدِي خَزَائِن الله وَلَا أعلم الْغَيْب} الْآيَة وَقَوله تَعَالَى {قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله}
وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ يذاد رجال عَن حَوْضِي يَوْم الْقِيَامَة فَأَقُول يَا رب أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيُقَال لي إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك فَأَقُول كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم فَلَمَّا توقيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم وَأَنت على كل شَيْء شَهِيد
الثَّانِي من الْأُمُور الدَّالَّة على بطلَان هَذِه الْوَصِيَّة وَأَنَّهَا كذب قَوْله فِيهَا وَمن كبتها وَكَانَ فَقِيرا أغناه الله أَو مديونا قضى الله دينه أَو عَلَيْهِ ذَنْب غفر الله لَهُ ولوالديه ببركة هَذِه الْوَصِيَّة الى أَخّرهُ وَهَذَا من أعظم الْكَذِب وأوضح الدَّلَائِل على كذب مفتريها وَقلة حيائه من الله وَمن عباده لِأَن هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة لَا تحصل بِمُجَرَّد كتب الْقُرْآن الْكَرِيم فَكيف تحصل لمن كتب هَذِه الْوَصِيَّة الباطله وَإِنَّمَا يُرِيد هَذَا الْخَبيث التلبيس على النَّاس وتعليقهم بِهَذِهِ الْوَصِيَّة حَتَّى يكتبوها ويتعلقوا بِهَذَا الْفضل المزعوم وَيَدْعُو الْأَسْبَاب الَّتِي شرعها الله لِعِبَادِهِ وَجعلهَا موصلة الى الْغنى وَقَضَاء الدّين ومغفرة الذُّنُوب فنعوذ بِاللَّه من أَسبَاب الخذلان وَطَاعَة الْهوى والشيطان
الْأَمر الثَّالِث من الْأُمُور الدَّالَّة على بطلَان هَذِه الْوَصِيَّة فوله فِيهَا وَمن لم يَكْتُبهَا من عباد الله أسود وَجهه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهَذَا أَيْضا من أقبح الْكَذِب وَمن أبين الْأَدِلَّة على بطلَان هَذِه الْوَصِيَّة الَّتِي جَاءَ بهَا أَن من لم يَكْتُبهَا يسود وَجهه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن كتبهَا كَانَ غَنِيا بعد الْفقر وسليما من الدّين بعد تراكمه عَلَيْهِ ومغفورا لَهُ مَا جناه من الذُّنُوب سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم
وَأَن الْأَدِلَّة وَالْوَاقِع يَشْهَدَانِ يكذب هَذَا المفتري وَعظم جرأته على الله وَقلة حيائة من الله وَمن النَّاس فَهَؤُلَاءِ أُمَم كَثِيرَة لم يكتبوها فَلم تسود وُجُوههم وَهَاهُنَا جم غفير لَا يحصهم إِلَّا الله قد كتبوها مَرَّات كَثِيرَة فَلم يقْض دينهم وَلم يزل فَقرهمْ فنعوذ بِاللَّه من زيغ الْقُلُوب ورين الذُّنُوب وَهَذِه صِفَات وجزاءات لم يَأْتِ بهَا الشَّرْع الشريف لمن كتب أفضل كتاب وأعظمه وَهُوَ الْقُرْآن الْكَرِيم فَكيف تحصل لمن كتب وثية مكذوبة مُشْتَمِلَة على أَنْوَاع من الْبَاطِل وجمل كَثِيرَة من أَنْوَاع الْكفْر سُبْحَانَ الله مَا أحلمه على من اجترأ عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ
الْأَمر الرَّابِع من الْأُمُور الدَّالَّة على أَن هَذِه الْوَصِيَّة من أبطل الْبَاطِل وأوضح الْكَذِب قَوْله فِيهَا وَمن يصدق بهَا ينجو من غذاب النَّار وَمن كذب بهَا كفر وَهَذَا أَيْضا من أعظم الجرأة على الْكَذِب وَمن أقبح الْبَاطِل يَدْعُو هَذَا المفتري جَمِيع النَّاس الى أَن يصدقُوا بفريته وَيَزْعُم أَنهم بذلك ينجون من عَذَاب النَّار وَأَن من كذب بهَا يكفر لقد أعظم وَالله هَذَا الْكذَّاب على الله الْفِرْيَة وَقَالَ وَالله غير الْحق إِن من صدق بهَا هُوَ الَّذِي يسْتَحق أَن يكون كَافِرًا لَا من كذب بهَا لِأَنَّهَا فِرْيَة وباطل وَكذب لَا أساس لَهُ من الصِّحَّة
وَنحن نشْهد الله على انها كذب وَأَن مفتريها كَذَّاب يُرِيد أَن يشرع للنَّاس مَا لم يَأْذَن بِهِ الله وَيدخل فِي دينهم مَا لَيْسَ مِنْهُ وَالله قد أكمل الدّين وأتمه لهَذِهِ الأمه من قبل هَذِه الْفِرْيَة بأَرْبعَة عشر قرنا فأنتبهوا أيا الْقُرَّاء والإخوان
وَإِيَّاكُم والتصديق بأمثال هَذِه المفتريات وَأَن يكون لَهَا رواج فِيمَا بَيْنكُم فَإِن الْحق عَلَيْهِ نور لَا يلتبس على طَالبه فأطلبوا الْحق بدليله وأسألوا أهل الْعلم عَمَّا أشكل عَلَيْكُم وَلَا تغتروا بِحلف الْكَذَّابين فقد حلف إِبْلِيس اللعين لأبويكم على أَنه لَهما من الناصحين وَهُوَ أعظم الخائنين وأكذب الْكَذَّابين كَمَا حكى الله عَنهُ ذَلِك فِي سُورَة الْأَعْرَاف حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ {وقاسمهما إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين}
فأحذروه وأحذروه وَأَتْبَاعه من المفترين فكم لَهُ وَلَهُم من الْإِيمَان الكاذبه والعهود الغدرة والأقوال المزخرفة للإغواء والتضليل عصمنى الله وَإِيَّاكُم وَسَائِر الْمُسلمين من شَرّ الشَّيَاطِين وَفتن المضلين وزيغ الزائغين وتلبيس أَعدَاء الله المبطلين الَّذين يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم ويلبسوا على النَّاس دينهم وَالله متم نوره وناصر دينه وَلَو كره أَعدَاء الله من الشَّيَاطِين وأتباعهم من الْكفَّار والملحدين
وَأما مَا ذكره هَذَا المفترى من ظُهُور الْمُنْكَرَات فَهُوَ أَمر وَاقع وَالْقُرْآن الْكَرِيم وَالسّنة المطهرة قد حذرا مِنْهَا غَايَة التحذير وَفِيهِمَا الْهِدَايَة والكفاية ونسأل الله أَن يصلح أَحْوَال الْمُسلمين وَأَن يمن عَلَيْهِم بإتباع الْحق والآستقامة عَلَيْهِ والتوبه الى الله سُبْحَانَهُ من سَائِر الذُّنُوب فَإِنَّهُ التواب الرَّحِيم والقادر على كل شَيْء
وَأما مَا ذكر عَن شُرُوط السَّاعَة فقد أوضحت الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة مَا يكون من أَشْرَاط السَّاعَة وَأَشَارَ الْقُرْآن الْكَرِيم الى بعض ذَلِك فَمن أَرَادَ أَن يعلم ذَلِك وجده فِي مَحَله من كتب السّنة ومؤلفات أهل الْعلم وَالْإِيمَان وَلَيْسَ بِالنَّاسِ حَاجَة الى بَيَان مثل هَذَا المفترى وتلبيسه ومزجه الححق بِالْبَاطِلِ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله وَسلم على عَبده وَرَسُوله الصَّادِق الْأمين وعَلى آله أَصْحَابه وَأَتْبَاعه بِإِحْسَان الى يَوْم الدّين أنْتَهى الْكتاب وَالْحَمْد لله