المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة … البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر تأليف: محمد بن علي - البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر

[الشوكاني]

الفصل: ‌ ‌مقدمة … البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر تأليف: محمد بن علي

‌مقدمة

البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر

تأليف: محمد بن علي الشوكاني

تحقيق: عبد الكريم بن صنيتان العمري

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيِّد الأولين والآخرين، وقائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن الله تعالى خلق الإنسان ليعبده وحده لا شريك له، كما قال جل شأنه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} 1.

وعبادة الله - تعالى- تتمثل في تنفيذ أوامره، وامتثالها، واجتناب نواهيه، والبعد عن محارمه، والتأدب بالآداب الإسلامية الفاضلة، والتحلي بالأخلاق الحميدة النبيلة، وقد جاء كل ذلك موجها إلى المؤمن، ومخاطبا به، في آيات القرآن الكريم، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تضمن هذان الأصلان (الكتاب والسنة) التكاليف الشرعية التي-أُمِر بها المسلم، وألزم بتنفيذها.

وضمانًا لامتثال ذلك كله أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب؛ لتبليغ شرع الله إلى خلقه، ومن أجل أن يقوم الإنسان بالمهمة الجليلة

1 الآية (56) من سورة الذاريات.

ص: 5

التي خلق. من أجلها، ميَّزه الله- تعالى- عن سائر المخلوقات، فوهبه العقل الذي يميز به بين الحق والباطل، والخير والشر، والنافع والضار، والحسن والقبيح.

فالعقل هو آلة التمييز والتفريق، ووسيلة الفهم والإدراك، أحاطه الشارع بسياج متينة، فجعله مناط التكليف في العبادات كلها يدور معه التكليف! وجودا وعدما، وذلك أمر ثابت في الشرع، ومعلوم من الدين بالضرورة.

فقد أشارت الكثير من الآيات القرآنية- التي خوطب بها المكلفون- إلى نعمة العقل {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 1 {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} 2 {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} 3

وذمَّ الله تعالى أولئك المعرضين عن التفكر بمخلوقات الله، الذين استخدموا عقولهم في غير ما كلفوا به {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} 4.

لذلك كله فإن الشريعة الإسلامية حرصت أشدَّ الحرص على حفظ العقل، وصيانته، وحمايته من كل ما يخل به، أو يتسبب

1 الآية (242) من سورة البقرة.

2 من الآية (109) من سورة يوسف.

3 الآية (10) من سورة الأنبياء.

4 الآية (58) من سورة المائدة.

ص: 6

إزالته، كما أكدتْ على وجوب حفظ الضرورات الأربع الأخرى: الدين، النفس، العرض، المال.

وإذا حفظ المرء عقله وحافظ عليه، وصانه عن كل ما يخدشه، أو يغيره، سهل عليه القيام بما كلف به، وفهم الخطاب الموجه إليه، وقام به على أكمل وجه، فيحفظ دينه، ويحافظ على نفسه، ويستبسل في الدفاع عن عرضه، ويحرص على إنفاق ماله في الوجوه المشروعة. أما إذا أهمل العقل وضيعه، واستعمله فيما لا ينفعه، فإن انحرافه عن جادة الصواب قريب، ووقوعه في مزالق الرذيلة وشيك.

إن العبث بالعقل، وإفساده، جريمة كبيرة تعد من أفظع الجرائم، وإن من أعظم الوسائل التي تفسد العقل، وتغيره، تعاطي المسكرات أو المخدرات، إذ إن تناولها يؤدي إلى تغطية العقل، وحجبه عن أداء واجبه الذي خلق من أجله، فلا يعرف ماهيته في هذه الحياة، ولا يدرك وظيفته فيها، فيكون بذلك قد فرط في المحافظة على إحدى الضرورات التي أمر بصيانتها، والعناية بها، وعدم الاعتداء عليها.

إن ذلك الفرد الذي اعتدى على عقله، وغيَّره عن صورته الحقيقية التي خلق عليها، يعد واحدًا من أفراد المجتمع، ولبنة من لبناته، يمثل مع غيره المجتمع بأسره، الذين باستقامتهم يستقيم المجتمع، وبصلاحهم تسعد الأمة الإسلامية، وتكون قوة ضاربة تقف في وجه أعدائها المتربصين بها من كل جانب.

لقد حرص أعداء الأمة الإسلامية شرقا وغربا، وفي كل مكان، على إفساد هذه الأمة، وهدم كيانها، وشلِّ حركتها، والقضاء عليها،

ص: 7

فبعد أن فشلوا في القضاء عليها بالقوة العسكرية، ابتكروا طرقا أخرى؛ لضربها من حيث لا تشعر، فجندوا كافة إمكانياتهم، وسخروا كل مبتكراتهم الحديثة، لتسهيل مهامهم الخبيثة، وتنفيذ مخططاتهم الماكرة، من خلال شنِّهم لغاراتهم المتلاحقة؛ لإفساد شباب هذه الأمة، ونخر أجسامهم وعقولهم؛ حتى يصبحوا لقمة سائغة لهم.

وقد تمثلت محاولة إفسادهم لشباب المجتمع المسلم، بضرب كل ميدان ومرفق من مرافق المسلمين، بغزوٍ نشط ومكثف من جميع الاتجاهات، ومن كل النواحي: الثقافية، والأخلاقية، والفكرية. ولعل سلاح المسكرات والمخدرات الذي صدَّروه إلى كافة المجتمعات الإسلامية، وتفنَّنوا في إرساله بشتى الصور، ومختلف المسمَّيات، هو من أكبر الأخطار المحدقة بالأمة، والتي تواجهها الشعوب الإسلامية، محاولة من أعدائها للقضاء على دينها، وأخلاقها، ومواردها.

ولقد هبَّ المخلصون والناصحون من أبناء هذه الأمة - كل في زمنه - لمواجهة هذا الداء الوبيل، وذلك الخطر المستشري، الذي بدأ يفتك بشبابها، فسخروا كل إمكانياتهم، وأمضوا أوقاتهم في بث الوعي الإسلامي بين الشباب، وبيان ذلك الخطر القادم إليهم، الهادف إلى استئصالهم والقضاء عليهم.

وكتب العلماء المتقدمون والمعاصرون الكثير من الرسائل والمؤلفات، بيَّنوا فيها الأضرار الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، الناتجة عن استعمال المسكرات والمخدرات، وأوضحوا الأدلة الشرعية

ص: 11

لمحرمة لها، كل منهم بحسب ما كان موجود في عصره منها.

ومن أولئك العلماء الأخيار الذين أسهموا في الكتابة عن هذا الموضوع، العلامة محمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة (1250 هـ)، حيث صنف كتابه هذا:[البحث المسفِرُ عن تحريم كل مُسْكر ومفتِّرٍ] .

وهو كتاب قيِّم ومفيد، أورد فيه المصنف رحمه الله الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم المسكرات والمخدرات، ونقل فيه أقوال المتقدمين، وأدلتهم في تحريم أنواع أخرى من المخدرات، كما ذكر فيه حكم البيع والاتجار في ذلك.

وقد عثرت على هذا الكتاب في إحدى زياراتي لمكتبة الحرم المكي الشريف، فأحببت أن أسهم في إخراجه إلى الإخوة القراء، وتزويد المكتبة الإسلامية بواحدٍ من أهم المصادر التي تحتاجها في هذه الحقبة من الزمن، ولاسيما أنه لواحد من العلماء المبرزين، والجهابذة المشهورين في مجال التأليف والتصنيف. أسأل الله تعالى أن يجنِّب هذه الأمة وشبابها كيد الكائدين، ومكر الماكرين، ويعيد لها عزّتها وكرامتها وسؤددها.

كما أسأله تعالى أن يحفظ على هذا البلد دينه، وأمنه، واستقراره، ويصدَّ عنه كل سوء ومكروه، وأن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه: أفقر العباد إلى الملك الجواد

عبد الكريم بن صنيتان بن خليوي العمري الحربي

غرة شهر رجب الفرد عام (1414هـ) .

في: الحناكية - المدينة المنورة

ص: 12