الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: (نشأته وحياته العلمية)
لو أمعنا النظر في نشأة العلامة الشوكاني، لوجدنا أنه نبغ وترعرع في بيت عريق في العلم والصلاح، فهو من أسرة عرفت بالنجابة، وكان لها في ابن منزلة كبيرة، فمنها علماء، ودعاة، وأدباء، وللكثير من أبنائها أياد طولى في الإصلاح والإفتاء والتدريس، ويأتي في مقدمتهم والده، الذي تولى قضاء (صنعاء) ، وكان كبير رجال الإفتاء والتدريس فيها1.
فبعد أن حفظ - المصنف الشوكاني - القرآن، وجوَّده على جماعة من معلميه، ومشايخه في مدينة (صنعاء) ، وهو في طفولته، وحفظ عددا من المختصرات في الفقه، واللغة وغيرهما، وحرص على مطالعة كتب التواريخ، ومجاميع الأدب2، شرع في طلب العلم، حيث وجد بيئة علمية مناسبة، تعلمه العلوم المختلفة، فكان يختلف إلى حلقات كبار المشايخ، والعلماء في (صنعاء) ، ولم يرحل إلى غيرها من المدن الأخرى طلبًا للعلم؛ وذلك لأعذارٍ لم تسمح له بالخروج منها،
1 الإمام محمد بن علي الشوكاني، أدبيًا، شاعرًا، للحكمي:314.
2 البدر الطالع 2/ 215.
أحد تلك الأعذار، عدم الإذن من الأبوين، كما ذكر ذلك1
وقد أشار الشوكاني رحمه الله إلى سبب آخر، ثناه عن الرحلة في طلب العلم، حيث قال في كتابه (فتح القدير) 2:
ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم، إثما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه، في الحضر من غير سفر.
وقد استنبط هذا السبب من مفهومه لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} 3.
وقد طبَّق رحمه الله هذا الفهم لحيثيات الرحلة، وبعد تردده في القيام بها، أو الإحجام عنها، استقر رأيه على البقاء داخل اليمن 4.
وهكذا نجد أنه آثر ملازمة كبار العلماء، والمشايخ في مدينته، فبدأ بقراءة كتب الفقه على والده، ثم على علماء عصره البارزين، وكانت (صنعاء) إذ ذاك زاخرة بالعلماء والأدباء، الذين أثروا علمه وثقافته 5.
وقد ذكر الشوكاني أسماء أساتذته الذين لازمهم، وأنواع العلوم
1 البدر الطالع 2/ 218.
2 فتح القدير 2/ 416..
3 الآية (122) من سورة التوبة.
4 الشوكاني، حياته وفكره 166.
5 المصدر السابق 157
التي تلقَّاها عنهم، وقرأها عليهم في التفسير، والحديث، والفقه، واللغة، والأدب، والمنطق وغيرها.
يقول الشوكاني رحمه الله بعد أن ذكر مشايخه والعلوم التي أخذها عنهم -:
هذا ما أمكن سرده من مسموعات صاحب الترجمة، ومقروءاته، وله غير ذلك من المسموعات، والمقروءات، وأما ما يجوز له روايته، بما معه من الإجازات فلا يدخل تحت الحصر1.
وبذلك يتضح لنا أنَّه قد درس دراسة واسعة، واطَّلع اطلاعا يندر أن يحيط به غيره، وقد أعانته الثقافة الواسعة والعميقة، وذكاؤه الخارق، إلى جانب إتقانه للحديث الشريف وعلومه، على الاتجاه وجهة اجتهادية، وخلع ربقة التقليد، وهو دون الثلاثين، وكان قبل ذلك على المذهب الزيدي، وصار علمًا من أعلام الاجتهاد، ومن أكبر الدعاة إلى ترك التقليد، وأخذ الأحكام اجتهادًا من الكتاب والسنة، وقد أحسَّ بوطأة الجمود، وجناية التقليد الذي ران على الأمة الإسلامية من بعد القرن الرابع الهجري، وأثر ذلك كله في زعزعة العقيدة الإسلامية في نفوس بعض الناس، واعتناق البدع والاعتقاد في الخرافات، وشيوعها، وتحلل بعض الناس من التعاليم الدينية، وانكبابهم على الموبقات والمنكرات، مما جعله يشرع قلمه ولسانه في وجه الجمود، والتقليد، فيعمل جاهدا على محاولة تغيير هذه الأوضاع، وتطهير تلك العقائد2، فكتب عدة
1 البدر الطالع 2/218.
2 مقدمة كتاب (قطر الولي) : 17.
رسائل في ذلك، ضمَّنَها دعوته إلى عقيدة السلف، وتطهيرها وتنقيتها من مظاهر الشرك والبدع، ونبذ التقليد، ومن تلك الرسائل1:
1-
شرح الصدور في تحريم رفع القبور.
2-
التحف في الإرشاد إلى مذاهب السلف.
3-
الدر النَّضيد في إخلاص كلمة التوحيد.
4-
القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد.
وبالجملة فإن الشوكاني- رحمه الله يُعدُّ من أبرز العلماء المجدِّدين، والمجتهدين في العصر الحديث، وأحد كبار الأئمة الذين شاركوا في إيقاظ الأمة الإسلامية في هذا العصر2.
1 جميع هذه الرسائل مطبوعة ضمن مجموع بعنوان: الرسائل السلفية.
2 مقدمة كتاب (قطر الولي) : 17