الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قسم التحقيق
…
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الإعانة والتوفيق 1 2
ما يقول سيِّدنا3 وشيخنا، مجدد العصر، الحائز بعلمه الدليل كل الفخر، العالم النِّحرير4، البدر المنير، أمدَّه الله بالتوفيق، وسلك به أوضح الطريق، في الزعفران، والجوز الهندي، ونوع من القات، هل يحرمن قياسا5 على الحشيشة بجامع التفتير لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كل مسكر ومفتِّر6؟، وهل التفتير العلة الجامعة
(وبه الإعانة والتوفيق) ، ليست في (ب) ، (ج) .
2 في بداية (ب) زيادة: لفظ سؤال إلى القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني، لفظه..) .
3 ذكر العلماء أنه لا بأس بإطلاق (فلان سيِّد) ، و (يا سيِّدي) ، وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلا خيِّرا، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك. وانظر: الأذكار للنووي-559، بدائع الفوائد لابن القيم 1/ 160- 161، تيسير العزيز الحميد 665.
وللشوكاني- رحمه الله رسالة بعنوان: (العرف النَّدي في جواز إطلاق لفظ سيِّدي)، انظر: مبحث مؤلفاته ص 57، من القسم الدراسي.
4 النحرير: الذكي الفطن.
(هل يحرمن قياسًا) ، أسقطت من (ج)، وفي (أ) :(هل يحرم) . يشير إلى حديث أم سلمة- رضي الله عنها الآتي- إن شاء الله تعالى - صـ 143.
6 يشير إلى حديث أم سلمة رضي الله عنها – الآتي - إن شاء الله تعالى - ص 143.
بين الحشيشة والخمر؟،. فإن حُكِم بتحريم1 ذلك، فهل يحرم2 القليل وإن لم يفتِّر، كما تحرم القطرة من الخمر وإن لم تسكر؟ وهل يجوز بيعه؟ والانتفاع به في غير مأكول؟، جزاكم الله خيرا، ونفع بعلومكم.
الحمد لله وحده، وصلاتُه وسلامه على رسوله وآله، ورضي الله عن الصحابة الراشدين، والتابعين لهم بإحسانٍ أجمعين.
كثَّر الله فوائدكم، ونفع بعلومكم.
الذي يقول3 الحقير: إنَّ الذي قامت عليه الأدلة، هو تحريم ما صَدَق عليه اسم المسكر4..
لما في حديث ابن عمر- رضي الله عنهما أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كُلُّ مُسْكِر خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَام".
1 في (ب) : (بالتحريم) .
(يحرم) : أسقطت من (أ) .
3 في نسختي (أ) و (ب) : (يقوله) .
4 الأشربة للإمام أحمد 25، الأشربة لابن قتيبة 22- 23، الإشراف لابن المنذر 2/ 379، شرح معاني الآثار للطحاوي 4/214، المحلى 7/ 478، التمهيد 3/ 229، المُعْلِمُ بفوائد مسلم 3/ 61، القبس في شرح موطأ مالك بن أنس 2/652، بدائع الصنائع 5/ 114- 115، بداية المجتهد 1/ 549، المغنى 12/ 495 شرح صحيح مسلم للنووي 13/ 148، فتح الباري 10/43، نيل الأوطار 8/ 172.
أخرجه مسلم1، وأحمد2، وأهل السنن 3 إلا ابن ماجة4.
وفي لفظ: "كل مسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ" أخرجه مسلم5، والدارقطني6.
وأخرج الشيخان7، وأحمد8، عن أبي موسى - رضي الله
1 صحيح مسلم/ كتاب الأشربة/ باب بيان أن كل مسكر خمر: 3/ 1587،- رقم (73) ، (2003) .
2 كتاب الأشربة 33، رقم (7) ، والمسند 2/29.
3 أبو داود/ كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر 4/85، رقم (3679) ، والترمذي/ أبواب الأشربة/ باب ما جاء في شارب الخمر 2/ 192، رقم (1923) ، والنسائي في كتاب الأشربة المحظورة باب إثبات اسم الخمر لكل مسكر من الأشربة 4/185، رقم (6811) .
4 قلت: قد أخرجه ابن ماجة – أيضا - في كتاب الأشربة باب كل مسكر حرام 2/ 1124 رقم (3390)، بلفظ:"كُلُّ مُسْكِرٍ خمْر، وكُلُّ خمْر حَرَامٌ".
5 صحيح مسلم/ كتاب الأشربة/ باب بيان أن كل مسكر خمر: 3/ 1588،، رقم (75)(2003) .
6 سنن الدارقطني كتاب الأشربة: 4/ 249، رقم (15) ، (18) .
7 صحيح البخاري/ كتاب المغازي/ باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع 3/ 72، وصحيح مسلم/ كتاب الأشربة/ باب بيان أن كل مسكر خمر: 3/ 1586، رقم (70) ، (1733) .
8 كتاب الأشربة 33، رقم (8) ، والمسند 33.
عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " كُلُّ مُسْكِر حَرَام".
وأخرج أحمد1، ومسلم2، والنَّسائي3، عن جابر- رضي الله عنه أن النَّبي- صلى الله عليه وآله وسلم قال:"كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"4. وأخرج أبو داود5، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن
1 المسند 3/ 361.
2 صحيح مسلم/ كتاب الأشربة/ باب بيان أن كل مسكر خمر: 3/ 1587، رقم (72) ، (2002) .
3 سنن النسائي/ كتاب الأشربة المحظورة/ باب تحريم كل شراب أسكر: 4/ 186، رقم (6818) .
4 وسبب الحديث: ما رواه جابر رضي الله عنه أن رجلا قدم من جيشان - وجيشان من االيمن - فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له: المَرْزُ؟، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم:"أو مُسْكِرٌ هو؟ ". قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إن على الله عز وجل عَهْدًا لِمَن يَشْرَبُ المسْكِرَ؛ أن يسقية من طِينَةِ الخَبَال"، قالوا: يا رسول الله. وما طينة الخبال؟ قال: " عَرَق أهل النَّار، أو عُصَارة أهل النَّار". أخرجه أحمد، ومسلم، والنسائي. الأجزاء والصفحات السابقة.
5 أبو داود/ كتاب الأشربة/ باب النهى عن المسكر 4/ 86، رقم (3685) . وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى/ كتاب الأشربة/ باب التشديد على من سقى صبيًّا خمرا 8/ 288.
قلت: سكت عنه أبو داود، والمنذري - رحمهما الله - وصححه الألباني في صحيح الجامع.
انظر: سنن أبي داود، الصفحة السابقة، ومختصر سنن أبي داود للمنذري 5 / 266، نيل الأوطار 8 / 174، صحيح الجامع الصغير 2 / 835، رقم (4548) .
النبي صلى الله عليه وسلم. " كل مخمِّر1 خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"2.
وأخرج أحمد3، والترمذي4 وصححه5، والنَّسائي6، وابن ماجة7، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -
1 هو كل ما يغطي العقل، من التخمير، وهو التغطية.
2 تمام الحديث: "
…
ومن شرب مُسْكِرًا بُخِسَتْ صلاتُه أربعين صباحا، فإن تاب تابَ الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال "، قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟، قال: " صَديدُ أهل النَّار، ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حَلاله من حَرَامه، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال".
انظر: سنن أبى داود، والسنن الكبرى. الأجزاء والصفحات السابقة.
3 كتاب الأشربة 61، رقم (116) ، المسند 2/ 429.
4 سنن الترمذي أبواب الأشربة/ باب ما جاء كل مسكر حرام 3/ 193، رقم (1926) .
5 سنن الترمذي. الصفحة السابقة، وحسنه الحافظ ابن حجر. وانظر: فتح الباري 10/ 44، نيل الأوطار 8/ 174- 175، -- الجامع الصغير 836، رقم (4550) .
6 سنن النسائى/ كتب الأشربة/ باب تحريم كل شراب أَسْكَر 8/ 297.
7 سنن ابن ماجة/ كتاب الأشربة/ باب النهى عن نبيذ الأوعية: 2/ 1127، رقم (3401)، وقال محققه: قال في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "كُلُّ مُسْكِر حَرَام". وأخرجه ابن ماجة1 من حديث ابن مسعود رضي الله.
وأخرج أحمد2، وأبو داود3، والترمذي4 وحسنه5، عن
1 سنن ابن ماجة/ كتاب الأشربة/ باب كل مسكر حرام 2/ 1123- 1124، رقم (3388)، وقال محققه: قال في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. وانظر: نيل الأوطار 8/ 174.
2 كتاب الأشربة رقم (26) ، (43) ، (97) ، المسند 6/ 131.
3 سنن أبي داود/ كتاب الأشربة/ باب النهي عن المسكر 4/ 91، رقم (3687) .
4 سنن الترمذي/ أبواب الأشربة/ باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 3/ 194، رقم (1927) .
وأخرجه بالاضافة إلى من ذكرهم المصنف: ابن قتيبة في كتابه الأشربة230، وابن أبي الدنيا في ذم المسكر 59، رقم (19)، والدارقطني/ كتاب الأشربة: 4/250، رقم (22) ، وابن الجارود في المنتقى 219، رقم (861) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار كتاب الأشربة./ باب ما يحرم من النبيذ 4/ 216، والبيهقى في السنن الكبرى/ كتاب الأشربة/ باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 8/ 296، وفي شعب الايمان اباب المطاعم والمشارب 5/ 6، رقم (5575) ، وفي معرفة السنن والآثار/ كتاب الأشربة 13/ 27، رقم (17349) ، وابن حبان في صحيحه/ كتاب الأشربة 12/ 203، رقم (5383) .
5 وأقره المنذري على تحسينه.
وانظر: سنن الترمذى. الصفحة السابقة، مختصر سنن أبي داود 5/ 275، فتح الباري 0 1/ 43، نيل الأوطار 8/ 180.
عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كُلُّ مُسْكِر حَرَامٌ، ومَا أسْكَرَ الفَرَق1 مِنْهُ2، فَمِلْئُ الكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ".
وأخرج أحمد3، وأهل السنن4،
(القرق) : بفتح الراء وسكونها، والفتح أشهر، انظر: اللسان 10/ 306 مادة (فرق) . ونيل الأوطار 8/ 181- 182.
2 جاء في نسخة (ج) بعد قوله (منه) مانصه: [مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع، ويحرك أو هو أفصح، أو يسع ستة عشر رطلا. ا.هـ قاموس] القاموس المحيط 3/ 284، مادة (فرق) .
فقوله (آصع) : جمع صاع، وهو يساوي (2172) غراما، أو (2.748) لترا، فيكون مقدار الفرق (6.5) كيلو غراما، أو (8.25) لترا، تقريبا.
وأما الرطل: فالذي يوزن به، ويساوى (5، 407) غراما، فيكون مقدار الفَرَق على هذا (6.5) كيلو غراما.
وانظر: اللسان 8/ 215،11/ 285، المصباح المنير 230، 471، معجم لغة الفقهاء 223، 270.
3 في كتاب الأشربة 67، رقم (148) ، والمسند 3/ 343.
4 أبو داود اكتاب الأشربة/ باب النهي عن المسكر 4/87، رقم (3681) ، والترمذي/ أبواب الأشربة/ باب ماأسكر كثيره فقليله حرام 3/ 194، رقم (1927) ، وابن ماجة/ كتاب الأشربة باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 2/ 1125، رقم (3393) ، كلهم من طريق جابر رضي الله عنه.
وأخرجه النسائي/ كتاب الأشربة/ باب تحريم كل شراب أسكر كثيره 4/ 186، رقم (6820) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال الحافظ في الفتح 10/ 43: وسنده إلى عمرو صحيح.
وأخرجه بالإضافة إلى من ذكرهم المصنف من حديت جابر: ابن أبي الدنيا في ذم المسكر 60، رقم (21) ، وابن الجارود في المنتقى 218، رقم (865) ، والبيهقي في السنن الكبرى/ كتاب الأشربة/ باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 8/ 296، وفي شعب الإيمان/ باب المطاعم والمشارب 715، رقم (5576) ، والبغوي في شرح السنة/ كتاب الأشربة/ باب تحريم الخمر 11/ 355، رقم (3010) .
وابن حبان1 في صحيحه2، أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم قال:"ما أسْكَرَ كثيرُه فقليلُه حَرَامٌ".
وحسَّنه الترمذي3، ورجال إسناده ثقات4.
وأخرج النسائي5، والبزَّار6، وابن حبَّان7، والدارقطني8،
1 في (ج) : (وابن ماجة)، بدل: وابن حبان. وهو خطأ بيِّن.
2 صحيح ابن حبان/ كتاب الأشربة/ 12/ 202، رقم (5382) .
3 سنن الترمذي 3/ 194.
4 وكذا قال الحافظ ابن حجر، والصنعاني، وغيرهما. وانظر. فتح الباري 10/ 43، التلخيص الحبير 4/ 73، سبل السلام 1321، نيل الأوطار 8/ 181.
5 سنن النَّسائي/ كتاب الأشربة باب تحريم كل شراب أسكر كثيره 8/301 (المجتبى) .
6 مسند البزار 3/ 306، رقم (1098) ، (1099) .
7 صحيح ابن حبان/ كتاب الأشربة 12/ 192، رقم (5370) .
8 سنن الدارقطني/ كتاب الأشربة 4/ 251، رقم (30)، (31) . وأخرجه بالإضافة إلى من ذكرهم المصنف: ابن أبى شيبة/ كتاب الأشربة 5/ 68، رقم (23763) ، وابن الجارود في المنتقى 219، رقم (862) ، وابن المنذر في الإقناع/ كتاب الأشربة/ باب تحريم ما أسكر كثيره 2/ 664، رقم (226) ، والطحاوي كتاب الأشربة/ باب ما يحرم من النبيذ 4/216، والبيهقى في السنن الكبرى كتاب الأشربة/ باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 8/ 296، وفي المعرفة/ كتاب الأشربة 13/ 27، رقم (17348) .
قال العلامة المنذري في مختصر سنن أبي داود 5/267: وحديث سعد بن أبي وقاص أجودها إسنادا.
عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه قال: نهى رسول الله- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - عن قليل ما أسكر كثيره.
وفي الباب عن علي رضي الله عنه عند الدارقطني1.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما غير حديثه المتقدم2، عند الطبراني3.
1 سنن الدارقطنى/ كتاب الأشربة/ 4/ 250، رقم (21) .قال الزيلعي في نصب الراية 4/ 304 وفيه عيسى بن عبد الله عن آبائه تركه الدارقطني.
وانظر: ميزان الاعتدال 3/ 315، التاريخ الكبير 6/390، كتاب المجروحين لابن حبان 2/ 121.
2 تقدم ص 92.
3 المعجم الكبير للطبراني 12/ 381، رقم (13411) . وأخرجه أيضا: أحمد في الأشربة 44، رقم (74) ، (75) ، وفي المسند 2/ 91، وابن أبي الدنيا في ذم المسكر 59، رقم (18) ، وابن ماجة/ كتاب الأشربة/ باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 2/ 1124، رقم (3392) ، والدارقطنى كتاب الأشربة 262، رقم (83) ، وصححه، والبيهقي السنن الكبرى/ كتاب الأشربة باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 8/ 296.
وعن خوَّات1 بن جبير رضي الله عنه عند الدارقطني2، والحاكم3، والطبراني4.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه عند الطبراني5.
1 الصحابى الجليل: خوَّات بن جبير بن النعمان، الأنصاري، الأوسي، كان أحد فرسان النبى- صلى الله عليه وسلم. مات سنة (40 هـ) . ترجمته في: طبقات ابن سعد 3/ 363، أسد الغابة 1/ 625، سير أعلام النبلاء2/329.
2 سنن الدارقطني كتاب الأشربة 4/ 254، رقم (44) .
3 المستدرك/ كتاب معرفة الصحابة/ باب مناقب خوَّات بن جبير 3/413، وسكت عنه.
4 المعجم الكبير 4/ 244، رقم (4149) ، والمعجم الأوسط 2/ 367، رقم (1639) .
ورواه العقيلي في الضعفاء الكبير 2/ 233، في ترجمة عبد الله بن إسحاق، وقال عنه: له أحاديث لا يتابع منها على شي، ومنها هذا الحديث. ورواه الهيثمي في. مجمع البحرين في زوائد المعجمين 7/ 99، رقم (4111) ، وأورده الذهبي في ميزان الاعتدال 2/ 392.
وانظر: مجمع الزوائد 5/ 57، فتح الباري 10/ 43، نصب الراية 4/ 305.
5 المعجم الكبير 5/ 154، رقم (4880) ، والأوسط (مجمع البحرين في زوائد المعجمين) 7/ 98، رقم (4110) . وهو ضعيف
وانظر: مجمع الزوائد 5/ 57، فتح الباري 10/ 43، نصب الراية 4/ 355.
و. عن عبد الله بن عمرو1- رضي الله عنهما عند الدارقطني2.
وكلها مصرحة بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام3.
وقد تقرر بهذا أن الشارع لم يحرّم نوعًا خاصا من أنواع المسكر دون نوع، بل حرمها على العموم4 وسمّى كل ما يتصف بوصف
1 في (ب) : عمر.
2 سنن الدارقطني/ كتاب الأشربة 4/ 258، رقم (61) .
وأخرجه أيضا: عبد الرزاق في مصنفه/ كتاب الأشربة 9/ 221، رقم (17007) ، وأحمد في كتاب الأشربة 26، رقم (5) ، وفي المسند 2/ 167، والنسائي/ كتاب الأشربة/ باب تحريم كل شراب أسكر كثيره 45/ 186 رقم (6820) ، وابن ماجة/ كتاب الأشربة/ باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 2/ 1124، رقم (3394) .، والحديث في إسناده مقال.
وانظر: فتح الباري: 10/ 43، نصب الراية 4/ 351، التعليق المغنى 4/257، بلوغ الأماني 17/ 131.
3 انظر المصادر في الحاشية رقم (4) صفحة (92) .
4 الأشربة لابن قتيبة 98، الإقناع لابن المنذر 2/ 667، المغني 12/ 495، شرح الخرشي 1/ 84، فتح الباري 10/ 42، 66، طرح التثريب 8/ 41، 42، 46، المحلى، 7/ 478، نهاية المحتاج 8/ 12.
الإسكار خمرا1.
فيتناول النص القرآني- أعني 2 قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ3 وَالأَنْصَابُ4 وَالأَزْلامُ5
1 قال الإمام النَّسائي في سننه 8/301 بعد أن ذكر الأحاديث التي نصَّت على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام: وفي هذا دليل على تحريم السُّكْر قليله وكثيره، وليس كما يقول المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشربة، وتحليلهم ما تقدمها الذي يُشربُ في الفَرَق قبلها، ولا خلاف بين أهل العلم أن السُّكر بكليته لا يحدث على الشَّربة الآخرة دون الأولى والثانية بعدها، وبالله التوفيق. انتهى كلامه زحمه الله تعالى.
2 في (جـ) : (عن) .
3الميسر: القمار، وهو: كل لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا، إلا ما أبيح من الرهان في الخيل، والقرعة في إفراز الحقوق. وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5213، فتح القدير للمصنف 1/ 220.
4 الأنصاب: جمع نُصُب، وهو الصنم المنصوب للعبادة، هذا قول الجمهور.
وقال مقاتل: أحجار حول. الكعبة يذبحون لها، النكت والعيون للماوردي 2/ 64، فتح القدير 2/ 73.
5 الأزلام: جمع ز لم، وهي قداح الميسر، والأزلام عند العرب ثلاثة أنواع:"
الأول: مكتوب فيه: (افعل) .
والثاني: مكتوب فيه: (لا تفعل) .
والثالث: لا شيء عليه. فيجعلها الشخص في كيس معه، فإذا أراد فعل شيء أدخل يدَه في الكيس، فأخرج واحدًا منها، فإن خرج الأول فعل ما عزم عليه، وإن خرج الثاني تركه، وإن خرج الثالث أعاد يده حتى يخرج واحد من الأوَّلين، وقيل في تفسيرها غير ذلك.
وانظر: معا لم التنزيل للبغوي 3/ 11- 12، زاد المسير لابن الجوزي 2/ 284، فتح القدير 2/ 10.
رِجْسٌ1 مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ2 فَاجْتَنِبُوهُ} 3 كل ما صدق عليه أنَّه مسكر4 فيكون تحريمه ثابتا بنص الكتاب5، وبما تواتر من السنَّة6.
1 رجس: يعنى حرامًا، وأصل الرجس: المستقذر الممنوع منه، فعبر به عن الحرام؛ لكونه ممنوعا منه. النكت والعيون للماوردي 2/ 65، زاد المسير 2/ 417.
2 أي من تزيين الشيطان، كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن الجوزي في زاد المسير 2/ 418: فإن قيل: كيف نُسِب إليه، وليس من فعله؛ فالجواب: أن نسبته إليه مجاز، وإنما نُسِب إليه، لأنه هو الداعي إليه، المزين له.
3من الآية (90) من سورة المائدة، وتمام الآية:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
4 أحكام القرآن لابن العربي 2/ 656- 657، الجامع للقرطبي هـ/ 288، معالم التنزيل للبغوي 3/ 94، فتح القدير 2/ 74.
5 المصادر السابقة.
6 شرح السنَّة 11/ 352- 353، المغني 8/ 305، معالم السنن 4/ 264- 266، القَبَس 2/ 652، المحلى 7/ 478، التمهيد 1/ 249، عارضة الأحوذي 8/ 55 فتح الباري 10/ 42- 43.
ويؤيد هذا أن جماعة من أئمة اللغة جزموا بأن الخمر إنما سميت خمرا؛ لمخامرتها العقل1 وسترها له2، منهم الدِّينَوْرِي3، والجوهري4، وابن الأعرابي5،
1 في (ب) و (ج) : للعقل) .
2 قولهم في: تاج العروس 3/ 186- 187، الصحاح 2/ 649، اللسان 4/ 255.
3 أحمد بن داود الدِّينَوْرِي، أبو حنيفة النحوي، أحد علماء النحو، واللغة، والهندسة، والتاريخ وغير ذلك، من مصنفاته:(الأخبار الطوال) في التاريخ، (النبات) ، (الفصاحة) ، (ما تلحن فيه العامة) ، وغيرها. مات سنة (282 هـ) .
ترجمته في: انباه الرواة 1/ 41، هدية العارفين 1/ 51، الأعلام 11/ 123.
4 إسماعيل بن حمَّاد، أبو نصر الجوهري من مشاهير علماء اللغة، كان يحب الأسفار والتغرب وهو أول من حاول الطيران فمات في محاولته تلك. من مصنفاته:(الصحاح) من أشهر كتب اللغة، وأكثرها تداولا، وله كتاب في العروض، ومقدمة في النحو. مات سنة (393 هـ) بنيسابور.
ترجمته في: إنباء الرواة 1/ 194، شذرات الذهب 3/ 142، الأعلام 1/ 313.
5 محمد بن زياد، أبو عبد الله، الشَّهير بابن الأعرابي، إمام أهل اللغة، من أهل الكوفة، كان صاحب سنة واتباع، صالحا، زاهدًا، ورعًا صدوقًا، وله معرفة كبيرة بأنساب العرب وأيامهم. من مصنفاته الكثيرة:(النوادر) ، (تفسير الأمثال) ، (أبيات المعاني) ، (أسماء الخيل وفرسانها) . مات بسامراء سنة (231 هـ) .
ترجمته في: إنباء الرواة 3/ 128، وفيات الأعيان 4/ 356ء، الأعلام 6/131.
وصاحب1 القاموس2، والراغب3 في مفردات القرآن4 وغيرهم5.
1 هو: محمد بن يعقوب بن محمد، أبو طاهر الفيروز آبادي، واحد من أبرز أئمة اللغة، رحل في طلب العلم حتى أصبح عالم أهل زمانه في التفسير، والحديث، واللغة وغيرها، من مصنفاته:(القاموس المحيط) ، (بصائر ذوي التمييز) ، (المغانم المطابة في معالم طابة) ، مات سنة (817 هـ) بزبيد من أرض اليمن.
ترجمته في: هدية العارفين 2/180، البدر الطالع 2/ 280، الأعلام 7/ 146.
2 القاموس المحيط 2/ 23.
3 الحسين بن محمد بن المفضل الأصبهاني، من أذكياء المتكلمين، والأدباء الحكماء، من مصنفاته:(المفردات) في غريب القرآن، وهو أشهرها، و (حل متشابهات القرآن) ، و (محاضرات الأدباء) مات سنة (552 هـ) .
ترجمته في: سير أعلام النبلاء 18/ 120، هدية العارفين 1/ 311، الأعلام 2/ 255.
4 مفردات القرآن 299.
5 انظر: المصادر اللغوية في الحاشية رقم (2) من الصفحة السابقة، والمصباح المنير 182.
ولكنه وقع الخلاف: هل الخمر حقيقة في عصير العنب فقط؟ ومجاز فيما عداه؟ /1 أو هي حقيقة في كل مسكر؟، أو في بعض المسكرات دون بعض؟.
قال الراغب في المفردات2: سُمِّي3 الخمر؛ لكونه خامرا للعقل؛ أي، ساترا له4. وهو عند5 بعض النَّاس/6 اسم لكل مسكر7.
وعند بعضهم: للمتَّخَذِ من العنب خاصة8.
وعند بعضهم: للمتَّخَذِ من العنب/9 والتمر10.
وعند بعضهم: لغير المطبوخ11.
ثم رجَّح أنَّ كلَّ شيء يستر العقل يُسَمَّى خمرا12.
1 نهاية لوحة: (1) من (ب) .
2 المفردات 299.
3 كذا في (أ) ، (ج)، وفي (ب) :(يسمى) .
4 المصدر السابق، واللسان 4/ 255، تاج العروس 3/ 186.
5 في (ج) : (وعند) ، وما أثبته موافق لما في المفردات.
6 نهاية لوحة: (2) من (ج) .
7 أسهل المدارك 1/ 46، مغني المحتاج 4/ 186، كشاف القناع 6/ 116، اللسان 4/ 255.
8 البحر الرائق 8/ 247، اللسان 4/ 255.
9 نهاية لوحة (1) من (أ) .
10 المفردات، الصفحة السابقة.
11 المفردات، الصفحة السابقة.
12 المفردات 299.
وبذلك جزم من قدَّمنا ذكره من أئمة اللغة1.
قال في القاموس2.
الخمر: ما أسكر من عصير العنب، أو عام كالخمرة.
قال: والعموم أصح؛ لأنَّها حرِّمت وما بالمدينة خمر عنب3، وما كان شرابهم إلا البسر4 والتمر. انتهى.
وجزم ابن سِيدَه5 في المحكم6 [بأن الخمر حقيقة إنما هي العنب7، وغيرها من المسكرات يسمى خمرا مجازا.
وحكى صاحب8 فتح الباري،] 9
1 الصحاح 2/ 649، اللسان 4/ 255، القاموس المحيط 2/ 23، تاج العروس 3/ 186- 187.
2 القاموس المجيط 2/ 23.
3 انظر حديث أنس- رضي الله عنه الآتي 115.
4 البسر: جمع بُسْرة، التمر قبل أن يرطب لغضاضته. اللسان 4/85.
5 علي بن إسماعيل المرسي، أبو الحسن، الشهير بابن سيدَه، من أئمة اللغة والأدب، من مصنفاته (المحكم والمحيط الأعظم) ، (المخصص) ، مات سنة (458 هـ) .
ترجمته في: إنباء الرواة 2/ 225، وفيات الأعيان 3/330، الأعلام 4/ 263.
6 المحكم 2/ 134 مادة (عنب) ، و 5/ 114 مادة (خمر) .
7 في (ب) : (للعنب) . وما أثبته موافق لما في المحكم.
8 هو الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، انظر قوله في كتابه فتح الباري 10/ 48.
9 ما بين الحاصرتين أسقط من (ج) .
عن صاحب1 الهداية من الحنفية2، أن الخمر عندهم ما اختمر من ماء العنب إذا اشتد.
قال: وهو المعروف عند أهل اللغة3، وأهل العلم4.
قال: وقيل: اسمٌ لكل مسكر5؛ لقوله- صلى الله تعالى عليه وسلم-: "كُلُّ مُسْكِرٍ خمْرٌ" 6، وقوله- صلى الله عليه وآله وسلم:"الخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ" 7، ولأنه من مخامرة العقل، وذلك موجود في كل مسكر8.
1 صاحب الهداية: علي بن أبي بكر المرغيناني، من أبرز فقهاء الحنفية. مات سنة (593هـ) .
ترجمته في: الفوائد البهيَّة 141، سير أعلام النبلاء21/ 232، الأعلام 4/ 266.
2 الهداية 4/ 158.
3 اللسان 4/ 255، مادة (خمر) .
4 تبيين الحقائق 6/ 44، ملتقى الأبحر 2/ 261، البحر الرائق 8/ 247.
5 القوانين الفقهية 117، بداية المجتهد 1/ 549، مغني المحتاج 4/ 117، المبدع 9/ 100 -101.
6 ورد هذا من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما وسبق تخريجه ص 92-93.
7 ورد هذا من حديث أبى هريرة- رضي الله عنه رواه مسلم/ كتاب الأشربة/ باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمرا 3/ 1573، رقم (1985) .
8 انظر: المصادر الفقهية السابقة في الحاشيتين رقم (4) ، (5) .
قال:1 ولنا: إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمر بالعنب ولهذا اشتهر استعمالها فيه، ولأن تحريم الخمر قطعي، وتحريم2 ماعدا المتخذ من العنب ظني.
قال3: وإنَّما سمِّي الخمر خمرًا4 لتخمره لا لمخامرته العقل.
قال5: ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصًا فيه، كما في النَّجم، فإنَّه مشتق من [النجوم وهو] 6 الظهور7، ثم هو خاصٌ بالثريا. انتهى8.
1 الهداية 4/ 108.
2 في (أ)(وتحريمها مما عدا المتخذ من العنب ظني) .
3 الهداية 4/ 108.
4 في (أ) : (خمرة) .
5 الهداية. الصفحة السابقة.
6 ما بين الحاصرتين زيادة من الهداية.
7 قال صاحب تكملة فتح القدير 9/ 25: [قال صاحب العناية: فإن النجم مشتق من نَجَم إذا ظهر، ثم هو خاصٌ بالثريا، انتهى، وتبعه العيني.
أقول: هذا شرح غير صحيح لا يطابق المشروح؛ لأن النجم إنما كان اسمًا خاصًا لجنس الكوكب، موضوعًا لظهوره، ثم صار علمًا للثريا بلا وضع واضع معيَّن، بل لأجل الغلبة، وكثرة استعماله في فرد من أفراد جنسه كما هو حال سائر الأعلام الغالبة 0000، انتهى كلامه.
انظر: تكملة فتح القدير. الصفحة السابقة، والعناية على الهداية بهامش التكملة 9/ 25.
8 الهداية 4/ 158، البحر الرائق 8/ 247، الاختيار 3/ 56.
قال الحافظ1: والجواب عن الحجة الأولى: ثبوت النقل عن بعض أهل2 اللغة بأنَّ غير المتخذ من العنب يُسمَّى خمرا3.
وقال الخطابيُّ4: زعم قوم أنَّ العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب.
فيقال لهم: إنَّ الصحابة الذين سمَّوا غير المتخذ من العنب خمرا فصحاء5، فلم لا يكون6 هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه7.
1 فتح الباري 10/ 48.
2 في (أ) : (علماء اللغة) .
3 اللسان 4/ 255. مادة: (خمر) .
4 العلامة حمد بن محمد الخطابي، من كبار فقهاء الشافعية، وأحد علماء اللغة، والحديث، والأدب، من مصنفاته:(غريب الحديث) ، (أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري) ، (معالم السنن في شرح سنن أبي داود) . مات سنة (388 هـ) .
ترجمته في: وفيات الأعيان 2/ 214، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 282، سير أعلام النبلاء17/ 23.
5 في (ج) : (فضيخا) .
6 في الفتح: فلو لم يكن.
7 معالم السنن للخطابي 4/ 262. وانظر: فتح الباري 10/ 48، نيل الأوطار 8/ 177، تحفة الأحوذي 5/ 619.
قال ابن عبد البر1: قال الكوفيون: الخمر من العنب، لقوله تعالى:{أَعْصِرُ خَمْراً} 2.
قالوا: فدل على أن الخمر هو ما يُعْتَصر لا ما يُنبَذ3.
قال: ولا دليل فيه على الحصر4.
وقال أهل المدينة، وسائر أهل الحجاز، وأهل الحديث كلُّهم: كل مسكر خمر، وحكمه حكم ما اتُّخِذَ من العنب5.
ومن الحجة لهم6:
أن القرآن لما نزل بتحريم الخمر، فهم الصحابة رضي الله عنهم، وهم أهل اللسان - أن كل شيء يسمى خمرا يدخل في النَّهي
1 التمهيد1/ 245.
2 من الآية (36) من سورة يوسف عليه السلام.
3 أحكام القرآن للجصاص 2/9، المبسوط 24/ 2، تحفة الأحوذي 5/ 619.
4 التمهيد 1/ 245، الكافي لابن عبد البر 1/ 381.
5 التمهيد، والكافي. الصفحات السابقة، وبداية المجتهد 1/ 549، المحلى 7/ 478. مقدمات ابن رشد1/ 442-443، شرح السنة 11/ 352، المهذب 2/ 286 0 المغني 12/ 495، شرح صحيح مسلم للنووي 13/ 148، فتح الباري 10/ 48، سبل السلام 4/ 1318، نيل الأوطار 8/ 177.
6 انظر: المصادر السابقة.
فأراقوا المتخذ من التمر والرطب، ولم يخُصُّوا ذلك بالمتخذ من العنب. وعلى تقدير التسليم1، فإذا ثبت تسمية كل مسكر خمرا من الشرع2، كان حقيقة شرعية3، وهى مقدمة على الحقيقة اللغوية4، كما تقرر في الأصول5.
والجواب عن قوله: إن تحريم الخمر قطعي، وتحريم ماعدا المتخذ من العنب ظني6:
بأنَّ اختلاف7 مشتركين في الحكم في الغلظ8، لا يلزم منه افتراقهما
1 فتح الباري 10/ 48، نيل الأوطار 8/ 177.
2 في (أ) : (الشارع) .
3 الحقيقة الشرعية: اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا في الشرع. انظر: البحر المحيط للزركشي 2/ 158، شرح الكوكب المنير 1/ 150، إرشاد الفحول 21.
4 الحقيقة اللغوية: اللفظ المستعمل في موضوعه الأصلي.
انظر: المصادر الأصولية السابقة.
5 هذا قول جمهور علماء الأصول، وفي المسألة خلاف بين الأصوليين يطول ذكره هنا.
ينظر قي هذه المسألة: البحر المحيط للزركشي 6/ 167، المستصفى 1/ 152، التمهيد للإسنوي 228 التمهيد لأبي الخطاب 2/263، شرح مختصر ابن الحاجب 1/ 215، إرشاد الفحول 21، نزهة الخاطر العاطر 2/ 12.
6 الهداية 4/ 108.
7 في (أ)، و (ج) :(باختلاف مشتركين) .
8 في (ج) : (اللفظ) .
في التسمية، كالزنا مثلا: فإنه يصدق على مَنْ1 وطئ أجنبية، وعلى من وطئ امرأة جاره، والثاني أغلظ من الأول كما ثبت في الحديث الصحيح2، أن ذلك من
(مَنْ) : أسقطت من (أ) .
2 من ذلك:
(أ) ما روى عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنب أعظم عند الله تعالى؟. قال: "أنْ تجعلَ لله نِدًّا وهو خَلَقك"، قال: قلت له: إن ذلك لعظيم، قال: قلت: ثم أيُّ؟، قال:"أن تَقْتُل وَلَدَك مخافَةَ أن يطعَمَ مَعَك" قال: قلت: ثم أيُّ؟، قال:"أنْ تُزَانِيَ حَلِيلَة جَارِكَ".
أخرجه البخاري في كتاب التفسير/ باب تفسير سورة البقرة 3/ 98، ومسلم في كتاب الإيمان/ باب كون الشرك أقبح الذنوب، وبيان أعظمها بعده 1/ 90، رقم (141) ، (86) .
(ب) عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "لأنْ يَزْني الرجلُ بِعَشْرِ نِسْوَه، أيْسَر غليه من أن يزني بامرأة جاره".
رواه أحمد 6/ 8، والبخاري في الأدب المفرد 1/ 193، رقم (103) ، والطبراني في المعجم الكبير 20/ 256، رقم (605) ، والأوسط (مجمع البحرين في زوائد المعجمين هـ/ 189- 190، رقم (2897) .
وأورده المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 279، وقال: رواته ثقات، وكذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 168.
أكبر1 الكبائر2. وكذلك يصدق اسم الزنا على وطء المَحْرَم3، وهو أغلظ من وطء من ليست كذلك4.
وأيضا: فالأحكام الشرعية5 لا يشترط فيها الأدلة القطعية6، فلا يلزم من القطع بتحريم المتخذ من العنب، وعدم القطع بتحريم المتخذ من غيره، أن لا يكون حراما، بل يحكم بتحريمه إذا ثبت بطريق ظني، فكذلك يُحكم بتسميته إذا ثبت بمثل تلك الطريق، وقد تقرر أن اللغة تثبت بالآحاد7، وكذلك الأسماء الشرعية8.
1 قال الإمام النووي قي شرح صحيح مسلم 2/ 81:
وهو- أي الزنا- مع امرأة الجار أشد قبحا، وأعظم جرمًا؛ لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه، وعن حريمه، ويأمن بوائقه، ويطمئن إليه، وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه، فإذا قابل هذا كلَّه بالزنا بامرأته، وإفسادها عليه، مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن غيره منه، كان في غاية من القبح. انتهى.
2 فتح الباري 8/ 494، الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 219، 223، الكبائر للذهبي 55- 56. شرح الكوكب المنير 2/ 401.
3 شرح السنة 10 / 305، معا لم السنن 3/ 328، المغني 12/ 343، زاد المعاد 5/ 41، نيل الأوطار 7/ 116، 8/ 177.
4 المصادر السابقة، والزواجر 2/ 224، 226، الكبائر للذهبي 55.
5 في فتح الباري 10/ 48..، ونيل الأوطار 8/ 177:(الفرعية) .
6 شرح مختصر ابن الحاجب 2/ 58، المستصفى 14711، شرح الكوكب المنير 2/ 361، إرشاد الفحول 49.
7 المزهر للسيوطي 1/ 138، شرح الكوكب المنير 1/ 290.
8 العدة 1/ 190، شرح مختصر الروضة 1/ 490.
وأما قوله1:إنَّ الخمر إنَّما يسمَّى خمرا، لتخمره، لا لمخامرته2 العقل.
فهذا مع كونه مخالفا لأقوال أئمة اللغة كما تقدم، هو أيضا، مخالف لما أسلفناه عنه صلى الله عليه وآله وسلم من الحكم على كل مسكر بأنَّه خمر، ومخالفٌ لما أخرجه أحمد3، ومسلم4، وأهل السنن5، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-: "الخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَة، والعِنَبَةِ".
وما أخرجه الشيخان6 عن أنس- رضي الله عنه قال: إنَّ
1 الهداية 4/ 108.
2 في (ب) و (ج) : (لا لمخامرة العقل) .
3 أحمد في كتاب الأشربة ص 58 رقم (137) ، هـ 62 رقم (155) ، وفي المسند 2/ 279، 0408، 409، 474، 517، 518، 526.
4 صحيح مسلم/ كتاب الأشربة/ باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمرا 3/ 1573، رقم (1985) ، وسبق أن ذكر المصنف هذا الحديث ص 108.
5 فأخرجه أبو داود في كتاب الأشربة 4/ 84، رقم (3678) ، والترمذي/ أبواب الأشربة/ باب ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر 3/ 198، رقم (1936) ، والنَّسائي/ كتاب الأشربة المحظورة 4/ 181، رقم (6788/ 1) ، وابن ماجة/ كتاب الأشربة/ باب ما يكون منه الخمر 2/ 1121، رقم (3378) .
6 صحيح البخاري/ كتاب الأشربة 3/ 321، وصحيح مسلم/ كتاب الأشربة/ باب تحريم الخمر 3/ 1571- 1572، رقم (1980) .
الخمر حُرِّمت والخمر يومئذٍ البسر والتمر.
وفي لفظ، قال1: حرِّمت علينا حين حرِّمت، وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا، وعامة2 خمرنا/3 البسر والتمر. رواه البخاري4.
وفي لفظ: لقد أنزل الله هذه الآية التي حرم فيها الخمر، وما في المدينة /5 شراب يُشرب6 إلا من تمر. أخرجه مسلم7.
وأخرج الشيخان8 عن أنس- رضي الله عنه أيضا، قال:
كنت أسقي أبا عبيدة9،
1 قال: أسقطت من (أ)، وفي (ج) :(قالت) .
2 في النسخ الثلاث (وغاية) ، وما أثبته لفظ الصحيح.
3 نهاية لوحة (2) من (أ) .
4 صحيح البخاري/ كتاب الأشربة/ باب الخمر من العنب 3/ 321.
5 نهاية لوحة (3) من (ج) .
(يشرب) زيادة من صحيح مسلم ليست في النسخ.
7 صحيح مسلم/ كتاب الأشربة باب تحريم الخمر 3/ 1572، رقم (1982) .
8 صحيح البخاري/ كتاب الأشربة/ باب نزول تحريم الخمر وهى من البسر والتمر 3/ 321، واللفظ له. وصحيح مسلم/ كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر 3/1572، رقم (1980) .
9 أبو عبيدة: عامر بن عبد الله بن الجراح القرشى، أحد السابقين الأولين، ومن العشرة المبشرين بالجنة، وأمين هذه الأمة. مات سنة 18هـ) . ترجمته في: طبقات ابن سعد 3/ 312، أسد الغابة 3/ 24، سير أعلام النبلاء1/ 5.
وأبا1 طلحة2، وأبيَّ بن كعب من فضيخ3 زهو4 وتمر، فجاءهم آت، فقال: إن الخمر قد5 حرِّمت، فقال أبو طلحة: قم6 ياأنس فأهرقها7 فأهرقتُها8
وأخرج البخاري9 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نزل تحريم الخمر، وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب.
(وأبا طلحة) : أسقطت من النسخ الثلاث.
2 أبو طلحة: زيد بن سهل بن الأسود الخزرجي، الصحابي الجليل، من الشجعان الرماة المعدودين في الجاهلية والإسلام، وكان جهير الصوت، مات سنة (34 هـ) . طبقات ابن سعد 3/ 382، أسد الغابة 2/ 137، الأعلام 3/ 58.
3 الفضيخ: الشراب المتخذ من التمر المشقق - قبل أن يرطب - يصب عليه الماء ويترك حتى يتحلل فيه.
غريب الحديث لأبي عبيد 1/ 303، النهاية 3/ 453، فتح الباري 10/ 38، معجم لغة الفقهاء347.
4 الزهو: البلح إذا بدأ فيه الاحمرار أو الاصفرار.
(قد) : أسقطت من جميع النسخ وهي في الصحيح.
(قم) : أسقطت من (أ) ، (ج) .
7 أي: أرقها: صُبَّها وأتلفها.
(فأهرقتها) زيادة من الصحيح.
9 صحيح البخاري/ كتاب تفسير القرآن/ باب تفسير سورة المائدة 3/ 125.
وأخرج الشيخان1 عن عمر2- رضي الله عنه أنه قال على منبر النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم -: أما بعد: أيها النَّاس، إنَّه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل 3. وأخرج أحمد4، وأبو داود5، والترمذي6، وابن ماجة7،
1 صحيح البخاري/ كتاب الأشربة باب الخمر من العنب 3/ 321، واللفظ له.
وصحيح مسلم كتاب التفسير/ باب نزول تحريم الخمر 4/ 2322، رقم (32)(3032) .
2 في (أ) ، (ابن عمر) .
3 قال الحافظ في الفتح 10/ 47:
قوله: (والخمر ما خامر العقل) : أي غطاه، أو خالطه فلم يتركه على حاله، وهو من مجاز التشبيه، والعقل هو آله التمييز، فلذلك حرم ما غطاه أو غيَّره؛ لأن بذلك يزول الإدراك الذي طلبه الله من عباده ليقوموا بحقوقه. انتهى.
4 في كتاب الأشربة 44، رقم (72) ، وفي المسند 4/ 267، 273.
5 سنن أبي داود/ كتاب الأشربة/ باب الخمر مما هي؟ 4/ 83، رقم (3676) .
6 سنن الترمذي/ أبواب الأشربة/ باب ما جاء في الحبوب التى يتخذ منها الخمر 3/ 197 رقم (1934) ، واللفظ له، وقال: هذا حديث غريب.
7 سنن ابن ماجة/ كتاب الأشربة/ باب ما يكون منه الخمر 2/ 1121، رقم (3379) .
وأخرجه أيضا: الحاكم في المستدرك/ كتاب الأشربة 4/ 148، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وابن حبان في صحيحه/ كتاب الأشربة 12/ 219-220، رقم (5398) ، والدارقطني/ كتاب الأشربة 4/ 253، رقم (41) ، والبيهقى في السنن الكبرى/ كتاب الأشربة 8/ 289، وفي معرفة السنن والآثار كتاب الأشربة/ 13/ 15، رقم (17306) . قال الحافظ عن هذا الحديث: صححه، ابن حبان
وانظر: مختصر سنن أبي داود 5/ 262، فتح الباري 10/46، نيل الأوطا ر 8/ 174.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم -: "إِنَّ مِنَ الحِنْطَةِ خَمْرًا، وَمِنَ الشَّعِيرِ خمْرًا، وَمِنَ الزّبِيبِ خَمْرًا، وَمِنَ التَّمْرِ خَمْرًا، وَمِنَ العَسَلِ خَمْرًا".
زاد أحمد1، وأبو داود2:"وأَنَا أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ".
فإن قيل: هذه الإطلاقات لا تنافي: أن يكون ما عدا عصير العنب من المسكرات خمرا مجازا.
فيقال: وأيُّ أمر سوَّغ المصير إلى المجاز مع ثبوت إطلاق اسم الخمر على كل مسكر، بنقل الجماهير من أئمة اللغة3، وثبوت ذلك
1 مسند أحمد 4/ 273.
2 سنن أبي داود 4/ 84، رقم (3677) .
3 الصحاح 2/ 649، اللسان 4/ 255، المصباح 182، القاموس 2/ 23.
عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم1، وعن أصحابه- رضي الله عنهم2-، وجمهور أهل العلم3.
وقد تقرر أن الأصل في الإطلاق الحقيقة4، فما الذي نقل عن هذا الأصل؟، وأوجب المصير إلى المجاز؟.
ولو سلَّمنا أن ذلك الإطلاق مجاز عند أهل اللغة، فلا نسلم أنه مجاز عند الشارع وأهل الشرع، والحقائق الشرعية مقدمة5.
وبالجملة فالأدلة المتقدمة قد دلت على تحريم كل مسكر، وذلك هو المطلوب.
قال6 القرطبي7:
1 انظر الأحاديث ص: 93، 94، 95.
2 أقوال الصحابة رضي الله عنهم في: مصنف ابن أبي شيبة 5/ 66- 67، مصنف عبد الرزاق 9/ 235، المعرفة للبيهقي 13/ 23، الإشراف لابن المنذر 2/ 377، المغني 12/ 495.
3 التفريع 1/ 409، المهذب 2/ 286، المقنع 3/ 476.
4 البحر المحيط للزركشى 6/ 166، ثرح الكوكب المنير 1/ 294، نزهة الخاطر 2/20.
5 انظر الحاشية رقم (5) ص 112.
6 قول القرطبي في كتابه: [المُفْهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم]، 3/ 3/ 278- 279. وقوله – أيضا - في: فتح الباري 10/49،، نيل الأوطار 8/ 178، تحفة الأحوذي 5/ 620.
7 أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبى، أبو العبَّاس الأندلسي، من أهل الحديث، ومن أعيان فقهاء المالكية، من مصنفاته:(المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم) ، و (مختصر صحيح مسلم) ، (ومختصر صحيح البخاري) ، و (كشف القناع عن حكم الوجد والسماع) . مات سنة (656 هـ) بالإسكندرية.
ترجمته في: الديباج المذهب 68، هدية العارفين 1/96، الأعلام 1/ 186.
الأحاديث الواردة عن أنس وغيره - على صحتها وكثرتها - تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأنَّ الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يُسمَّى1 خمرا، ولا يتناوله اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب، والسنة الصحيحة، وللصحابة؛ لأنَّهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب2 وبين ما يتخذ من غيره، بل سوَّوا بينهما، وحرموا كل مسكر، ولم يتوقفوا، ولا استفصلوا، ولم يشكل عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب3، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نَزَل القرآن، فلو كان عندهم فيه تردد،
1في (أ) : (فلايسمى) .
2 نهاية لوحة (2) من (ب) .
3 وقد ورد في إتلاف الصحابة - رضي الله، عنهم - الخمر، عدة أحاديث، منها:
أ- حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين، وقد ذكره المصنف ص116- 117.
2-
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يخطب بالمدينة قال: "يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله تعالى يعرِّضُ بِالخَمْرِ، ولعلَّ الله سيُنزلُ فيها أمْرًا، فَمَنْ كانَ عنده منْهَا شَيْء فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ".
قال: فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله تعالى حَرَّمَ الخَمْرَ، فَمَنْ أَدْركتْة هذه الآية وعِندَه مِنْهَا شيء فلا يشربْ ولا يبعْ"، قال: فاستقبل النَّاس بما كان عندهم منها، في طريق المدينة فسفكوها؛ أي أراقوها.
رواه مسلم في كتاب المساقاة باب تحريم بيع الخمر 3/ 1205، رقم (1578) .
لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا، ويستفصلوا، ويتحققوا التحريم، لما كان تقرر عندهم من النَّهي عن إضاعة المال1، فلما لم يفعلوا
1 وردت عدة أحاديث في النَّهى عن إضاعة المال، منها:
(أ) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
…
إن الله حَرَّم ثلاثا، ونَهى عن ثلاث حرَّم عُقُوق الوَالد، وَوَأْدَ البنات، ولا، وهات، ونهى عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
رواه البخاري / كتاب الاستقراض / باب ما ينهى عن إضاعة المال 2/59.
ومسلم/ كتاب الأقضية 3/ 1341، رقم (4 1)(593) ، واللفظ له.
(ب) عن أبي هريرة- رضي الله عنه. أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعة المال". رواه مسلم/ كتاب الأقضية 3/ 1340، رقم (10)(1715) .
ذلك بل بادروا إلى الإتلاف، علمنا: أنهم فهموا التحريم نَصًّا1، القائل بالتفريق سالكا مسلكا غير سليم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر رضي الله عنه بما يوافقه2، وهو من جعل الله على لسانه وقلبه3، وسَمِعَه الصحابة- رضي الله عنهم
1 فتح الباري 10/93.
2 صنف بعض العلماء رسائل في موافقات، عمر رضي الله عنه، منها رسالة بعنوان (نفائس الدرر في موافقات عمر) رأيت نسخة منه في دار الكتب بالقاهرة، وقد كتبها: أبو بكر بن زيد الجراعي الحنبلي، المتوفى سنة (883 هـ) .
وللسيوطي منظومة في موافقات عمر. مطبوعة ضمن كتاب الحاوي 2/ 113.
3 وردت أحاديث تنص على هذا، منها:
(أ) عن ابن عمر- رضي الله عنهما.- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "إن الله جَعَلَ الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ". رواه أحمد في المسند 2/ 95، وفي فضائل الصحابة 1/ 250، رقم (313) وقال محققه: إسناده حسن، والبغوي في شرح السنة 14/ 85، رقم (3875) كتاب فضائل الصحابة، والترمذي/ أبواب المناقب 5/ 280، رقم (3765)، وقال: حسن صحيح غريب، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/255، والطبراني في الأوسط 1/ 252 رقم (291) ، والهيثمي في مجمع البحرين في زوائد المعجمين 6/ 245، رقم (3662) ، وابن حبان في صحيحه/ كتاب مناقب الصحابة 15/ 318، رقم (6895) .
(ب) عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".
رواه أحمد في المسند 2/ 401، وفي فضائل الصحابة 1/251، رقم (315)، وقال محققه: إسناده حسن، وابن أيى عاصم في السنة 2/581، رقم (1247) ، وابن حبان في صحيحه /كتاب مناقب الصحابة 15/312، رقم (6889) ، والهيثمي قي مجمع البحرين 6/ 245، رقم (3661) .
(ج) عن أبي ذر- رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله وضَعَ الحق على لسان عمر يَقُولُ بِهِ". رواه أحمد في المسند 5/ 145، وفي فضائل الصحابة 1/ 251، رقم (316) ، وأبو داود/ كتاب الخراج/ باب تدوين العطاء3/ 365، رقم (2962) ، وابن ماجة في المقدمة 1/ 40، رقم (108) ، والبغوي في شرح السنة 14/ 85، رقم (3876) ، والحاكم 3/ 86 وصححه، ووافقه الذهبى، وابن سعد في الطبقات 2/ 255، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/ 375، رقم (1834) .
وغيرهم، فلم يُنقَل عن أحد منهم إنكار ذلك1.
1 التمهيد 1/ 251. وقال ابن قدامة- رحمه الله في المغنى 12/ 497: وذكر الأثرم أحاديثهم التي يحتجون بها عن النبي- صلى الله عليه وسلم والصحابة- رضي الله عنهم فضعفها كلَّها، وبيَّن عللها. ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري 10/ 43: عن أبي المظفر السمعاني الشافعي (ت 489)، أنه قال: ثبتت الأخبار عن النبي- صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر، ثم ساق كثيرا منها، ثم قال: والأخبار في ذلك كثيرة، ولا مساغ لأحد في العدول عنها والقول بخلافها، فإنها حجج قواطع.
قال: وقد زلَّ الكوفيون في هذا الباب، ورووا أخبارا معلولة لا تعارض هذه الأخبار بحال. انتهى.
قال1: وإذا ثبت أن كل ذلك يُسمَّى خمرا لزم تحريم قليله وكثيره. وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في ذلك ثم ذكرها2.
قال3: وأمَّا الأحاديث التي تمسَّك بها المخالف عن الصحابة، فلا يصح منها شيء على ما قاله عبد الله بن المبارك4، وأحمد5،
1 المفهم 3/ 3/ 278. وانظر: فتح الباري 0 1/ 49.
2 المفهم 3 / 3/ 279. وفتح الباري. الصفحة السابقة.
3 المفهم. الورقة السابقة، والفتح، الصفحة السابقة.
4 قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله: لا يصح في حل النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة شيء، ولا عن التابعين، إلا عن إبراهيم النخعي، قال: وقد ثبت حديث عائشة: "كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فهو حَرَام".
انظر قوله في: جامع العلوم والحكم 421، فتح الباري 10/ 43، 49. وانظر حديث عائشة ص 97من هذا الكتاب.
5 قال الإمام أحمد- رحمه الله: ليس في الرخصة في المسكر حديث صحيح.
وقال ابن رجب: أنكر الإمام أحمد أن يكون فيه شيء يصح، وقد صنَّف كتاب الأشربة، ولم يذكر فيه شيئا من الرخصة، وصنَّف كتابا في المسح على الخفين، وذكر فيه عن بعض السلف إنكاره، فقيل له: كيف لم تجعل في كتاب الأشربة الرخصة كماجعلت في المسح؟، فقال: ليس في الرخصة في السكر حديث صحيح. وانظر: المغنى 12/ 496، جامع العلوم والحكم لابن رجب 421، المبدع 9/101.
وغيرهما1.
وعلى تقدير ثبوت شيء منها فهو محمول على نقيع2 الزبيب والتمر، من قبل أن يدخل حد الإسكار جمعا بين الأحاديث3 0 انتهى.
قال ابن المنذر4:
قال: إنَّ الخمر من العنب ومن5 غير العنب: عمر، وعلي، وسعد، وابن عمر، وأبو موسى، وأبو هريرة، وابن عباس، وعائشة- رضى الله عنهم6-.
1 من ذلك ما قاله ابن المنذر- رحمه الله في كتاب الاشراف 2/ 377: قال: وجاء أهل الكوفة بأخبار معلولة
…
إلى أن قال.... فأما ما احتج به من روى عن بعض التابعين أنه شرب الشراب الذي يسكر كثيره: فللقوم ذنوب يستغفرون الله منها، وليس يخلو ذلك من أحد معنيين، إما مخطئ أخطأ في تأويل على حديث سمعه، أو رجل أتى ذنبا لعله أن يكثر الاستغفار منه، والنبي- صلى الله عليه وسلم حجة الله على الأولين والآخرين من هذه الأمة. انتهى.
2 في (ج) : (نقع) .
3 المفهم 3/ 3/ 279،. وفتح الباري 10/ 49، نيل الأوطار 8/ 178.
4 الإقناع لابن المنذر 2/ 665، الإشراف 2/ 377.
وقول ابن المنذر- أيضا- في: فتح الباري، ونيل الأوطار، الصفحات السابقة.
(من) : أسقطت من (أ) .
6 انظر أقوالهم في: المصادر السابقة، ومصنف عبد الرزاق 9/ 233-234، ومصنف ابن أبي شيبة 5/ 75- 76، السنن الكبرى للبيهقي 8/ 297- 298، معرفة السنن والآثار. له 13/ 22- 23، المغنى 12/ 495.
ومن التابعين1: ابن المسيب، وعروة، والحسن، وسعيد بن جبير، وآخرون2.
قال: وهو قول مالك3، والأوزاعي4، والثوري5، وابن المبارك6، والشافعي،7 وأحمد8، وإسحاق9، وعامة10 أهل الحديث11.
1 انظر أقوال التابعين في المصادر السابقة.
2 منهم: الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وطاووس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز رحمهم الله. أقوالهم في: مصنف ابن أبي شيبة 5/ 76، السنن الكبرى 8/ 298، المغني 12/ 495، نيل الأوطار 8/ 178.
3 المنتقى 3/ 142، الكافي لابن عبد البر 1/ 381، أسهل المدارك 3/ 175.
4 قول الأوزاعي في: فتح الباري 10/ 49، نيل الأوطار 8/ 178.
5 قول الثوري في المصدرين السابقين.
6 قول ابن المبارك في المصدرين السابقين، والتمهيد 1/ 255.
7 الأم 6/ 165، كفاية الأخيار 2/ 115.
8 المقنع 3/ 476، المذهب الأحمد 186.
9 المغني 12/ 495،، نيل الأوطار 8/ 178.
10 في (أ) : (وعليه أهل الحديث) .
11 التمهيد 1/ 246، المحلى 7/ 478، فتح الباري 10/ 49.
قال الحافظ/1 في فتح الباري2: يمكن الجمع بأن من أطلق الخمر على غير المتخذ من العنب حقيقة، يكون أراد الحقيقة الشرعية، ومن نفى أراد الحقيقة اللغوية.
وقد أجاب بهذا ابن عبد البر3، وقال: إن الحكم إنَّما يتعلق4 بالاسم الشرعي دون اللغوي. انتهى5.
وأيضا يقال: ما وقع من مبادرة6 الصحابة إلى إراقة ما لديهم من غير عصير العنب من المسكرات، وعدم استفصالهم7/ 8 عن ذلك؛ إما لفهمهم أن الخمر حقيقة في الكل، أو يكون فعلهم - على تقدير أنه حقيقة في البعض مجاز في البعض- دليلا على جواز استعمال اللفظ في جميع معانيه الحقيقية9. والمجازية؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم
1 نهاية لوحة (3) من (أ) .
2 فتح الباري 10/ 49.
3 التمهيد 1/ 245، ونقل قوله- أيضا- المصنف في: نيل الأوطار 8/ 178.
4 في (أ) : (تعلق) .
5 فتح الباري 10/ 49.
6 في (ج) : (مبادة) .
7 في (ج) : (استفتائهم) .
8 نهاية لوحة (4) من (ج) .
9 في (ج) : (بيان الحقيقية) كذا.
قررهم على ذلك، ولم ينكر عليهم1، فجاز إطلاق الخمر على كل مسكر بذلك، وهو المطلوب، فيكون تحريم كل مسكر ثابتا بنص القرآن2، كما هو ثابت بنص السنة كما تقدم3.
وإذا تقرر لك هذا، وعرفت قيامَ الدَّليل على تحريم كل مسكر من غير تقييد، فاعلم أن كل نوع ثبتت،4 له خاصية الإسكار فهو محرم، من غير فرق بين المائع والجامد، وما كان بعلاج وما كان بأصل الخلقة5.
والمسكر هو ما حصل به السُّكر، والسُّكر نقيض الصحو6.
قال في القاموس7: سَكِرَ كفرِحَ سُكْرًا، وسُكُرًا، وسَكْرًا8، وسَكَرًا9،
1 انظر الأحاديث هـ 116- 117، 121.
2 انظر ص 102،103.
3 انظر ص 92. وما بعدها.
4 في (أ)، (ج) :(ثبت) .
5 المنتقى 3/ 147، مغني المحتاج 4/ 187، زاد المعاد 5/ 747.
6 الصحاح 2/ 687، اللسان 4/ 372، مادة (سكر) .
7 القاموس 2/ 52.
(وسَكْرًا) : أسقطت من (أ) ، (ج) .
(وسَكَرًا) : أسقطت من جميع النسخ، وهي في القاموس.
وسَكَرانًا: نقيض صحا. انتهى.
وقد حقَّق معنى السُّكر جماعة من أهل العلم.
* فمنهم من قال1: هو الطرب2 والنَّشأة.
* ومنهم من قال: هو زوال الهموم، وانكشاف السر المكتوم3.
* ومنهم من قال بغير ذلك مما هو في الحقيقة راجع إليه4.
1 انظر: بلغة السالك 1/ 47، الشرح الكبير للدردير 1/ 50، حاشية العدوي 2/ 303.
2 الطرب: الفرح والحزن، وقال بعضهم: خفَّة تعتري الإنسان عند شدة الفرح أو الحزن أو الهم، وقال بعضهم: هو الحركة والشَّوق. ينظر: الصحاح 1/ 171، اللسان 1/ 557، القاموس 1/ 151، مادة (طرب) ، المصباح 37.
3 نُقِل هذا عن الشافعي- رحمه الله، وهو قول بعض الحنابلة. وانظر: زهر العريش للزركشي 103، مغني المحتاج 3/ 279، فتح الوهاب 2/ 72 الإنصاف 8/ 436.
4 سيذكر المصنف- رحمه الله بعد قليل تعريف السكر عند أبي حنيفة وصاحبيه، والشافعي نقلا عن كتاب التعريفات.
أما تعريف السكر عند المالكية:
فقال ابن العربي في كتابه أحكام القرآن 1/ 434:
السُّكْر: عبارة عن حبس العقل عر التصرف على القانون الذي خلق عليه في الأصل من النظام والاستقامة، ومنه قوله تعالى:{إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} (الحجر: من الآية15) ؛ أي حبست عن تصرفها المعتاد لها، ومنه سَكْر الأنهار، وهو محبس مائها، فكل ما حبس العقل عن التصرف فهو سكر.
وقال القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن 5/ 204:
وحُكِى عن مالك: إذا تغيَّر عقله عن حال الصحة، فهو سكران.
وأما الحنابلة فحد السكران عندهم، هو: من يخلط في كلامه وقراءته، ولا يعرف رداءه من رداء غيره، ولا نعله من نعل غيره، ويسقط تمييزه بين الأعيان؛ وذلك لأن الله تعالى قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: من الآية43)، فجعل علامة زوال السُّكر علمَه ما يقول. ينظر: المغني 10/ 348، المبدع 7/ 253، المطلع 373.
وقال القاضي أبو يعلى في كتابه الأحكام السلطانية 270:
حد السُّكر: هو الذي يجمع بين اضطراب الكلام فهمًا وإفهامًا، وبين اضطراب الحركة مشيًا وقيامًا، فيتكلم بلسان منكسر، ومعنى غير منتظم، ويتصرف بحركة مختبط، ومشي متمايل.
وقال العلامة ابن القيم- رحمه الله تعالى- في كتابه مدارج السالكين 3/ 287:
السُّكر لذة ونشوة يغيب معها العقل الذي يحصل به التمييز، فلا يعلم صاحبه ما يقول، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: من الآية43)، فجعل الغاية التي يزول بها حكم السُّكر: أن يعلم ما يقول، فإذا علم ما يقول خرج عن حد السُّكر، قال الإمام أحمد: السكران من لم يعرف ثوبَه من ثوب غيره، ونعله من نعل غيره.
وهو ضعيف لايحتج به1.
ونحوه من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما2- وفي إسناده عبد الملك بن نافع3، ابن أخي القعقاع4.
قال يحيى بن معين5: هم يضعفونه.
وقال البخاري6:
1 وقد ضعفه جمع من أئمة الجرح والتعديل. فقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وكذا قال ابن معين، وقال أيضا: لا يحتج بحديثه، وقال ابن حزم: ضعيف.
وانظر: كتاب المجروحين لابن حبان 3/ 99، ميزان الاعتدال 4/ 423، المحلى 7/ 484، تهذيب التهذيب 11/ 329.
2 السنن الكبرى 8/ 305، وأخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الأشربة 5/ 110، رقم (24210) ، وابن حزم في المحلى 7/ 483، والنسائي/ كتاب الأشربة (المجتبى) 8/ 324.
3 عبد الملك بن نافع الشيباني، الكوفي، روى عن ابن عمر- رضي الله عنهما، وروى عنه إسماعيل بن أبي خالد، والعوام بن حوشب وغيرهما. ترجمته في: الجرح والتعديل 5/ 371، ميزان الاعتدال 2/ 662، تهذيب التهذيب 6/427.
4 هو القعقاع بن شور، ضعيف الحديث، من كبار الأمراء في دولة بني أمية. الجرح والتعديل 7/ 137، ميزان الاعتدال 3/ 392، لسان الميزان 4/474.
5 تهذيب التهذيب 6/ 427، الجرح والتعديل 5/ 372.
6 التاريخ الكبير للبخاري 5/ 434.
لم يتابع عليه1.
وقال النَّسائي2: لا يحتج بحديثه.
وكل ما في هذا الباب لا3 يخلو من ضعف، حتى4 قال إسحاق بن راهويه: سمعت عبد الله/5 بن إدريس الكوفي6، يقول: قلت لأهل الكوفة: يا أهل الكوفة، إنما حديثكم الذي تحدثونه في النَّبيذ عن العميان والعوران7، أين أنتم من أبناء المهاجرين
1 المتابعة: موافقة الراوي لراو آخر برواية حديث عن شيخه أو عن شيخ شيخه.
2 سنن النسائي (المجتبى) 8/ 324.
3 في (أ) : (فلايخلو) .
(حتى) أسقطت من (أ) .
5 نهاية لوحة 4 من (أ) .
6 عبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي، أبو محمد الكوفي، الحافظ، المقرئ، أحد أعلام المحدثين، أراد الرشيد توليته قضاء الكوفة فامتنع، قال عنه الإمام أحمد: كان نسيج وحده، وقال أبو حاتم: حديثه حجة، وهو إمام من أئمة المسلمين، مات سنة (192هـ) .
وقد ذكر الذهبي له أبياتا في تحريم المسكر، يقول:
كُلُّ شراب مُسْكِرٍ كَثِيرُهُ
…
فَإِنَّهُ محرمٌ يسيرُهُ
إني لكم من شَرِّهِ نَذِيرُهُ
…
.........
وانظر ترجمته في: الجرح والتعديل 5/ 8، بحر الدم 231، سير أعلام النبلاء9/ 42.
7 في السنن 8/ 306، زيادة:(والعمشان)، والأعمش: الذي يسيل دمع عينه في معظم الأوقات مع ضعف بصره.
والأنصار1
وأيضا: هذه الأحاديث لا تدل على مطلوبهم، فإنَّ كسر2 النبيذ لا يتعيَّن أن يكون لأجل الشدة المستلزمة للسُّكر، فإنه قد يكون الكسر3 لاشتداد4 الحلاوة أو5 الحموضة، ومع الاحتمال لا ينتهض للاستدلال على فرض تجرده عن المعارض، فكيف إذا كان ذلك الضعيف6، معارضًا، بالأحاديث الصحيحة الكثيرة، القاضية بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام كما تقدم7.
فإذا8 كان الكثير من الزَّعفران9، والجوز الهندي10، ونوع من القات11، يبلغ بمستعمله إلى السُّكر حرم عليه قليله كمايحرم
1 رواه البيهقي في السنن الكبرى/ كتاب الأشربة والحدِّ فيها/ باب ما جاء في الكسر بالماء 8/ 306، وانظر: الأشربة لابن قتيبة 53.
2 في (ج) : (كثير) .
3 في (ج) : (السكر) ..
4 في (ج) : الاستلذاذ) .
5 في (ج) : (والحموضة) .
6 في (أ) : (الضَّعف) .
7 انظر ص 97.
8 في (ج) : (وإذا) .
9 انظر ص 152.
10 انظر ص 159.
11 انظر ص 168، 170.
عليه كثيره.
وإذا كان/1 يؤثر ذلك التأثير مع بعض المستعملين له دون البعض الآخر؛ كان التحريم مختصَّا بمن2 يحصل معه ذلك3 الأثر دون من، عداه.
فإن قيل: إن هذه الأمور المذكورة إنما يحصل بها التفتير دون السُّكر.
فيقال: إن بلغ هذا التفتير إلى حد. السُّكر كما يحصل من أكل الشيشة وشربها، فلا نزاع في أن ذلك من المحرمات. وإن لم يبلغ إلى ذلك الحد، بل مجرد التفتير، فقد ورد ما يدل على تحريم كل مُفَتِّر4.
فأخرج أبو داود5، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
1 نهاية لوحة (5) من (ج) .
(بمن) : أسقطت من (ج) .
(ذلك) : أسقطت من (أ) .
4 فيض القدير 6/ 338، سبل السلام 4/ 1321، عون المعبود 10/ 127، بلوغ الأماني 17/ 131- 132.
5 السنن/ كتاب الأشربة/ باب النَّهي عن المسكر 4/90، رقم (3686) . وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة/ كتاب الأشربة/ باب النهي عن المسكر 5/ 67، رقم (23746) ، وأحمد في كتاب الأشربة 26، رقم (4) ، وفي المسند 6/ 309، والطَّحاوي في شرح معاني الآثار/ كتاب الأشربة/ باب ما يحرم من النبيذ 4/ 216، والبيهقي في السنن الكبرى/ كتاب الأشربة/ باب ما أسكركثيره فقليله حرام 8/ 296 وصححه السيوطي في الجامع الصغير 2/ 193، وتبعه الألباني في: صحيح الجامع 2/1170، رقم (6977) ، وسيتكلم المصنف عن درجة الحديث.
نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر/1 ومفتِّر.
وهذا حديث صالح للاحتجاج به لأن أبا داود2 سكت عنه3، وقد روي عنه أنَّه لا يسكت إلا عن ما هو. صالح للاحتجاج4.
وصرح بمثل ذلك جماعة من الحفاظ، كابن5 الصلاح 6،
1 نهاية ل (3) من (ب) .
2 سنن أبي داود 4/ 90.
3 في (أ)(عليه) .
4 ذكر ذلك أبو داود في رسالته إلى أهل مكة.
ونقل ذلك عنه جماعة من العلماء، انظر: رسالة أبي داود إلى أهل مكة 27.
5 قول ابن الصلاح في: مقدمته 18.
6 هو العلامة، عثمان بن عبد الرحمن صلاح الدين عثمان الشهرزوري، الموصلي، الشافعي، أحد كبار الحفاظ، ومن أبرز علماء التفسير، والفقه، وأسماء الرجال، من مصنفاته كتابه المشهور ب (مقدمة ابن الصلاح) ، (شرح الوسيط) مات سنة (643 هـ) .
ترجمته في: وفيات الأعيان 2/ 243، سير أعلام النبلاء23/ 145، الأعلام 4/ 207.
وزين1 الدِّين2، والنووي3، وغيرهم4.
وإذا أردنا الكشف عن حقيقة رجال إسناده، فليس فيهم من هو متكلم عليه إلا شهر بن حوشب5. وقد اختلف في شأنه أئمة الجرح والتعديل، فوثقه الإمام6 أحمد،
1 قول زين الدين العراقي في كتابه: شرح ألفية العراقي، المعروف بالتبصرة والتذكرة 1/ 95.
2 هو الحافظ، عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، أبو الفضل، زين الدين العراقي، من أشهر علماء الحديث، وكان صالحا، خَيِّرا، ورعا، عفيفا، من المكثرين في التصنيف، من أشهر مصنفاته:(ألفية الحديث وشرحها) ، (التحرير) في أصول الفقه، (التقييد والإيضاح) . مات بالقاهرة سنة (806 هـ) .
ترجمته في: طبقات الحفاظ للسيوطي 543، هدية العارفين 1/ 562، الأعلام 3/ 344.
3 قول الإمام النووي في كتابه: التقريب 1/ 167.
4 انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر 1/ 436، تدريب الراوي 1/ 167، توضيح الأفكار للصنعاني1/ 197.
5 هو شهر بن حوشب، أبو سعيد الأشعري الشامي، مولى الصحابية أسماء بنت يزيد الأنصارية، من كبار علماء التابعين. مات سنة (100هـ) . ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/ 312، تهذيب التهذيب 4/ 369، الأعلام 3/ 178.
6 قال عنه الإمام أحمد رحمه الله: شهر ثقة، ما أحسن حديثه، وقال مرة: ليس به بأس، وقال الدارمي: بلغني أن أحمد بن حنبل كان يثني على شهر بن حوشب.
انظر أقوال الإمام أحمد في:
تهذيب الكمال 12/ 584، سير أعلام النبلاء4/ 374، ميزان الاعتدال 2/ 284، بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم 257، تهذيب التهذيب 4/ 5 37- 1 37.
ويحيى بن معين1، وهما إماما الجرح والتعديل2، ما اجتمعا على توثيق رجل إلا وكان ثقة، ولا على تضعيف رجل إلا وكان
1 وقال عنه يحيى بن معين: ثقة، وقال مرة: ثبت.
وانظر أقواله في: تهذيب الكمال 12/ 584، 585، سير أعلام النبلاء 4/ 374، ميزان الاعتدال 2 1 284، الجرح والتعديل 2/ 383، تهذيب التهذيب 4/ 371.
قلت: قال البخاري: حسن الحديث، وقال العجلي، ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، وقال الذهبي: الرجل غير مدفوع عن صدق وعلم، والاحتجاج به مترجح.
وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: لا يحتج به، وكذا قال أبو حاتم، وضعفه ابن سعد، والله أعلم بحاله.
وانظر: المصادر السابقة في الحاشيتين السابقتين، والضعفاء للنسائي 294، والكامل لابن عدي 4/ 1358 والمعرفة والتاريخ ليعقوب 2/ 97- 98.
2 مقدمة كتاب الجرح والتعديل 292، 314، سير أعلام النبلاء11/ 81- 82، 196- 197.
قال الذهبي: في سير أعلام النبلاء 11/ 82: ونحن لا نَدَّعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل، لكن هو) أكثر النَّاس صوابا، وأندرهم خطأ، وأشدهم إنصافا، وأبعدهم عن التحامل، وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح، فتمسَّك به، واعضض عليه بناجذيك، ولا تتجاوزه فتندم.
ضعيفا1.
فأقل أحوال حديث شهر المذكور أن يكون حسنا2.
والترمذي يصحح حديثه؛ يعرف ذلك من له ممارسة لجامعه3.
قال ابن رَسلان4 في شرح السنن5:
والمفتر - بضم الميم، وفتح الفاء، وتشديد المثناة فوق
1 نقل هذا صاحب عون المعبود 10/ 147 عن المصنف.
2 وكذا ذكر العراقي، وابن حجر أن إسناد هذا الحديث صحيح، وصححه السيوطي.
وانظر: فيض القدير 6/ 388، فتح الباري 10/ 44، الجامع الصغير للسيوطي 2/ 193. بلوغ الأماني 17/ 132.
3 عون المعبود 10/ 147.
4 أحمد بن حسين بن حسن بن أرسلان- بالهمزة، وقد تحذف في الأكثر- أبو العباس، الرملي الشافعي، المشهور بابن رسلان، كان زاهدا، ورعا، من مصنفاته: منظومة في الفقه (الزُبَد) ، (شرح سنن أبي داود- خ) ، (طبقات الشافعية) ، (تصحيح الحاوي) مات بالقدس سنة (844 هـ) .
ترجمته: في البدر الطالع 1/ 49، هدية العارفين 1/ 126، الأعلام1/ 117.
5 قوله في: عون المعبود 0 1/ 128،، انظر: بذل المجهود 16/ 22.
المكسورة، ويجوز فتحها، ويجوز تخفيف التاء مع الكسر- وهو كل شراب يورث الفتور والخدر في أطراف الأصابع، وهو مقدمة السكر1انتهى.
قال في النهاية2:
المفتر: الذي إذا شُرِب أحمى الجسد، وصار فيه فتور، وهو: ضعف وانكسار.
يقال: أفتر الرجل فهو مُفتَّر: إذا ضعفت جفونه، وانكسر طرفه، فإما أن يكون، أفتره بمعنى فَتَره أي جعله فاترا.
وإما أن يكون أفتر الشراب، إذا فتر صاحبه3، كأقطف الرجل، إذا قطفت4 دابته5.
ويقتضي هذا سكون الفاء، وكسر المثناة فوق مع التخفيف6.
وقال الخطابي7:
1 اللسان 5/ 43، مادة (فتر) .
2 النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3/ 408 (فتر) .
3 في النهاية: (شاربه)، وهو موافق لما في: اللسان 5/ 43 (فتر) .
4 يقال: دابة قطوف أي: بطيئة السير، ضيِّقة الخطو. اللسان: 9/ 286، الصحاح 4/ 1417، مادة (قطف) .
5 كلام ابن الأثير إلى هنا. الصفحة السابقة.
6 عود المعبود 10/ 127.
7 معالم السنن 4/ 267، وفيه (الأطراف) ، بدل (الأعضاء)، وزاد بعدها: وهو مقدمة السكر.
المفَتِّر: كل شراب يورث الفتور والخدر في الأعضاء.
قال في القاموس1:
فتر يفتُر ويَفْتِرُ2 فُتُورًا وفُتَارًا3: سكن بعد حِدَّه، ولان بعد شِدَّة، وفَتَّره4 تفتيرًا، وفتر الماء، سكن حَرُّه، فهو فاتر وفاتور، [والشيء كالَه بفِتْرِه] 5، وجسمه فتورا لانت مفاصلُه وضَعُفَ. والفَتَرُ- محرّكة- الضعف.
قال: والفُتَار كغُراب: ابتداء النَّشوة، وطَرْف فاتِر: ليس بحاد النَّظر.
قال: وأفتر؛ ضَعَفت جفونُه، وانكسر6 طَرْفه، والشراب فَتَر شاربه. انتهى.
وعطف المفتِّرِّ على المسكر يدل على أنه غيره7 لأن العطف
1 القاموس المحيط 2/ 110- 111، مادة (فتر) .
(ويَفْتِر) : زيادة من القاموس.
3 في (أ) : (وإفتارا) .
4 في (أ) : (وفَتَّر) .
5 ما بين الحاصرتين زيادة من القاموس (وكالَه) : قدَّره، (بفتره) : يقال شَبَره، إذا كاله وقدَّره بشبره، والشبر: مابين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر. وانظر: تاج العروس 3/ 462- 463، مادة (فتر) ، والقاموس 2/ 56، مادة (شبر) .
6 في القاموس: فانكسر.
7 عون المعبود 10/ 128.
ذُكِرِ أنَّ رجلا من العجم قدم القاهرة، وطلب الدليل على تحريم الحشيشة، وعُقِدَ لذلك مجلس حضره علماء العصر، فاستدل الحافظ زين الدين العراقي بهذا الحديث فأعجب من حضر.
انظر هذا في: فيض القدير 6/ 338، عون المعبود 10/ 127، بلوغ الأماني 17/131.
يقتضي المغايرة1.
قال ابن رسلان2: فيجوز حمل المسكر علي الذي فيه شدة مطربة، وهو محرم يجب فيه الحد، ويحمل المفَتِّر على النبات كالحشيش الذي يتعاطاه السفلة. وقد نقل الرافعي3، والنووي4 في باب الأطعمة
1 انظر: مغنى اللبيب لابن هشام 463، شرح المفصل لابن يعيش 95/8.
2 قوله في: عون المعبود 10/ 128.
3 عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، أبو القاسم الرافعي، القزويني، شيخ الشافعية في زمانه، كان بارعا في العلوم الدينية أصولها وفروعها، زاهدا، متواضعا.
من مصنفاته (فتح العزيز شرح الوجيز) لا يزال معظمه مخطوطا، (التدوين في ذكر أخبار قزوين)(المحرر)، مات سنة (623 هـ) . ترجمته في: طبقات الشافعية لابن السُّبكى 8/281، تهذيب الأسماء 2/ 264، الأعلام 4/ 55.
4 في (أ) ، (ب)(النواوي) ، ويجوز كتابتها كما أثبتها، وقد كان يكتبها بغير الألف.
وانظر: الأعلام 8/ 155.
عن الروياني1: أن النبات الذي يُسْكر وليس فيه/2 شدة مطربة يحرم أكله، ولا حدَّ فيه3.
قال ابن رسلان4: ويقال: إن الزعفران يسكر إذا استعمل مفردا، بخلاف ما إذا5 استهلك في الطعام.
وكذا البنج شرب القليل من مائه6 يزيل العقل، وهو حرام، إذا أزال العقل، لكن لا حدَّ فيه7 0 انتهى.
1 عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني، أبو المحاسن، الفقيه الشافعي، كان من كبار الفقهاء، وبلغ من تمكنه في الفقه الشافعي، أنه قال: لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي.
من مصنفاته: (بحر المذهب- خ) ، (الكافي) ، (حلية المؤمن) ، قتل سنة (552 هـ) .
ترجمته في: تهذيب الأسماء2/ 277، وفيات الأعيان 3/ 198، الأعلام 4/ 175.
2 نهاية لوحة (5) من (أ) .
3 روضة الطالبين 3/ 282، المجموع 9/ 37، مغني المحتاج 4/ 187.
4 قوله في: عون المعبود 10/ 128.
(ما) : أسقطت من (أ) .
6 في (أ)، (ج) :(القليل منه) ، وما أثبتُّه من (ب) ، وهو موافق لقول ابن رسلان.
7 أي إذا لم يصل إلى حد السكر، فإن أسكر ففيه الحد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما تعاطي البنج الذي لم يسكر فهو حرام باتفاق المسلمين، وفيه التعزير، فإن أسكر ففيه الحد.
وانظر: حاشية ابن عابدين 6/ 486، مواهب الجليل 1/ 90، نهاية المحتاج 8/ 12، مجموع الفتاوى لابن تيمية 34/ 214، السياسة الشرعية لابن تيمية 128.
والبنج: بكسر الباء وفتحها، نبات يسمى (الشيكران) أو (السيكران) ، مُخَبِّط للعقل، مجنِّن، مسكن لأوجاع الأورام. وانظر: القاموس المحيط 1/ 186) مادة (بنج) ، و 2/ 65، مادة (سكر) .
وإذا ثبت أن الزعفران مسكر إذا استعمل مفردا كما ذكره، فيحرم استعماله مخلوطا1 بغيره من الأطعمة وغيرها، لما تقدم أن:"مَا أَسْكَرَ كَثِيرُه فَقَلِيلُه حَرَامٌ"2. سواء كان مفردا أو مختلطا بغيره، وسواء كان يقوى على الإسكار بعد الخلط أو لا يقوى.
وأما إذا لم يكن الزعفران ونحوه من جنس المسكرات3، بل من جنس المفتِّرات، فلا يحرم منه إلا ما وجد فيه ذلك المعنى، أعني: التفتير بالفعل.
(مخلوطا) : أسقطت من (ج) .
2 نص حديث، سبق تخريجه ص 98.
3 الصواب: أن الزعفران لا يصح إدراجه في قائمة المسكرات أو المخدرات، إذ لا يحصل لمستعمله تغطية للعقل كلية ولا جزئية، بل ثبت- في الطب الحديث- أن المستخلص المائي لأزهار نبات الزعفران، يستخدم في طرد الديدان المعدية والمعوية، وأن الزعفران يحمل على تهدئة الجسم، وتنشيط الإدرار البولي، وإفراز العَرَق، وأنَّه يجلو البصر، ويقوي الأعصاب، وينشط القلب. غير أن بعض الأطباء المعاصرين، نصوا على أن كثرة استعماله يمكن أن يؤدي إلى تشنجات في المعدة أو إلى نزيف داخلي.
وانظر: عون المعبود 10/ 133، 134، مجلة البحوث الإسلامية ع 23، صح55، النباتات والأعشاب الطبية 437، معجم النباتات الطبية 58، النباتات السعودية المستعملة في الطب الشعبي 71 التداوي بالأعشاب والنباتات 103.
ولا يحرم القليل منه كما يخلط بين بعض الأطعمة؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المفتر، ولم يقل: ما أفتر كثيره فقليله حرام.
اللهم إلا أن يقال: يحرم قليل المفَتِّر قياسا على قليل المسكر، بجامع تحريم الكثير من كل واحد منهما، ولكن هذا إنما يتم بعد تصحيح هذا القياس، وعدم وجود فارقٍ يقدح في صحته.
قال الإمام المهدي1 في البحر2 مالفظه:
وما أسكر بأصل الخِلْقة كالحشيشة، والبنج، والجوزة فطاهر3،
1 أحمد بن يحيى بن المرتضى الحسني، من أئمة الزيدية في اليمن، من مصنفاته:(البحر الزَّخَّار) ، (الأزهار) ، (رياضة الأفهام) . مات سنة (840 هـ) .
ترجمته في: البدر الطالع 1/ 122، هدية العارفين 1/ 125، الأعلام 1/ 269.
2 البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار: 2/ 11.
3 وهذا قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة في كل ما ذكره المصنف، إلا الحشيشة فإن الصحيح عند الحنابلة أنها نجسة، وقيل: طاهرة، وقيل نجسة إن أميعت وإلا فلا، وقيل: رطبها نجس، ويابسها طاهر. وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول بنجاستها على أي حال كانت، فقال رحمه الله: والصحيح أن النجاسة تتناول الجميع - أي جميع أحوال الحشيشة -كما تتناول النجاسة جامد الخمر ومائعها، فمن سكر من شراب مسكر، أو حشيشة مسكرة لم يحل له قربان المسجد حتى يصحو، ولا تصح صلاته حتى يعلم ما يقول، ولابد أن يغسل فمه، ويديه، وثيابه في هذا وهذا
…
وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 34/ 206، حاشية ابن عابدين 14- 46 السهام المريشة 63، الشرح الصغير 1/ 47، مغنى المحتاج 1/ 77، الإنصاف 1/320- 321.
وعن بعضهم: نجس، قلت: وهو القياس/1 إن لم يمنع إجماع. انتهى.
فهذا الكلام يدل على أنَّ الأمور المذكورة مسكرة، وهكذا، يدل على ذلك قوله- رحمه الله في الأزهار2:
والمسكر وإن طبخ إلا الحشيشة، والبنج ونحوهما.
وفسَّره شارحه3 بالجوز الهندي4 ،
1 نهاية لوحة (6) من (ج) .
2 متن الأزهار ص 5.
3 الشارح هنا هو: عبد الله بن أبى القاسم، أبو الحسن بن مفتاح، من فقهاء الزيدية، وكتابه الذي يشير إليه المصنف، اسمه: المنتزع المختار من الغيث المدرار. توفي الشارح سنة (877 هـ) .
ترجمته في: البدر الطالع 1/ 394، الأعلام 4/ 114.
4 شرح الأزهار 1/ 36.
والقِرِّيط1.
وظاهر الاستثناء من المسكر أنَّ الحشيشة وما معها مسكرة2.
وقال الجلال3 في ضوء النهار4:
إنه استثناء منقطع؛ لأن المذكورات لا تسكر، وإنما تخدِّر، أو تفتِّر لأن السُّكر عبارة عن الطرب المثير للنخوة5، ولو كانت من المسكر6 لافتقر تخصيصها إلى دليل شرعي. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر7- مجيبا على من قال: إن الحشيشة ليست بمسكرة بل مخدِّرة-: إن ذلك مكابرة؛ لأنَّها تحدث ما يحدث الخمر من الطرب، والنَّشأة. انتهى.
وعلى الجملة أنه إذا سُلِّم أنها غير مسكرة فهي مفتِّرة، وكل
1 القريط: الأفيون.
2 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 34/ 204، السهام المريشة 52، زهر العريش 102، مواهب الجليل 1/ 95.
3 الحسن بن أحمد بن محمد بن علي، العلوي، المعروف بالجلال، من فقهاء الزيدية، من مصنفاته:(شرح الفصول) ، (شرح الكافية) ، مات سنة (1584هـ) . البدر الطالع 2/ 191، هدية العارفين 1/ 295، 1لأعلام 2/ 182.
4 اسم الكتاب: ضوء النهار، المشرق على صفحات الأزهار، وهو شرح لمتن (الأزهار) . للمهدي في فقه الزيدية.
5النخوة ة الكبر، والعظمة، والفخر.
6 في (أ) : (ولو كانت مسكرة) .
7فتح الباري لابن حجر: 10/ 45.
واحد من الأمرين يقتضى تحريمها.
وقد حكى القرافي1 2، وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة3، وقال: ومن استحلها فقد كفر4.
قالا: وإنما لم يتكلم فيها الأئمة، الأربعة، لأنها لم تكن في زمانهم، وإنما ظهرت في آخر المائة السادسة، وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار5
1 ورد في النسخ الثلاث (الفرياني) وهو تصحيف من الناسخ، وما أثبته هو الصواب، وقد عزاه للقرافي من نقل ذلك عنه من المصنفين، في كتبهم التالية: زهر العريش للزركشى 119، الزواجر لابن حجر 1/ 354، حاشية ابن عابدين 6/ 487، السهام المريشة 60، الروض النَّضير 3/ 364، عون المعبود 10/ 135، تحذير الثقات 233.
2 أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، أبو العباس الصنهاجي، القرافي أحد أشهر علماء المالكية، انتهت إليه رئاسة، الفقه على مذهب مالك في مصر. من مصنفاته:(الفروق) ، (الذخيرة) ، (شرح تنقيح الفصول) ، مات بمصر سنة (684 هـ) .
ترجمته في: الديباج المذهب 62، هدية العارفين 1/ 99، الأعلام 1/ 94.
3 الفروق للقرافي 1/ 216، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 34/ 204، 205،210، 211، اختيارات ابن تيمية 514، السياسة الشرعية لابن تيمية 128- 131.
4 مجموع الفتاوى 34/ 204، الدر المختار 6/ 487.
5 حدَّد الزركشي أول ظهور الحشيشة سنة (550 هـ) تقريبا، وقطع المقريزي بأن ظهورها كان سنة (608 هـ)، وقال بعضهم: إن ظهورها كان سنة (483 هـ) . والله أعلم.
وانظر: المصادر السابقة، وزهر العريش للزركشي 90، خطط المقريزي 2/ 517، والسهام المريشة 26، الكبائر للذهبي 146- 147.
وذكر ابن تيمية في كتاب السياسة1 2: أن الحدَّ واجبٌ في الحشيشة كالخمر3.
وحكى الماوردي4: أن النَّبات الذي فيه شدة مطربة يجب فيه الحد5.
1في (ج) : (السياسية) .
2 السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية: 128.
3 وقال- رحمه الله: يجلد صاحبُها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر، من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة، وغير ذلك من الفساد، والخمر أخبث، من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة، والمقاتلة، وكلاهما يصدُّ عن ذكر الله- عز وجل وعن الصلاة.
انظر: السياسة الشرعية. الصفحة السابقة.
4 علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي، الشافعي، كان حافظا لمذهب الشافعي، له مصنفات كثيرة في كل فن، منها:(الحاوي) ، (الأحكام السلطانية) ، (الإقناع) ، (أعلام النبوة) . مات ببغداد سنة (450 هـ) .
ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 102، وفيات الأعيان 3/ 282، طبقات الشافعية لابن السبكي 5/ 257.
5 قول الماوردي في كتابه: الحاوي 15/ 178.
وقال ابن البيطار1- وإليه انتهت الرئاسة في معرفة خواص النَّبات2-:
إن الحشيشة مسكرة جدًّا، إذا. تناول الإنسان منها قدر درهم أو درهمين3، أخرجته إلى حدِّ الرعونة4، وقد استعملها قوم فاختلت عقولهم5.
وقال ابن دقيق العيد6 في
1 عبد الله بن أحمد المالقي، ضياء الدين، الشهير بابن البيطار، عالم النبات والحشائش والأعشاب، وإليه انتهت معرفتها، حتى كان الحجة في معرفة أنواع النبات وتحقيقه، وصفاته، وأسمائه وأماكنه، من مصنفاته:(الأدوية المفردة) ، (ميزان الطبيب،) . (المغني في الأدوية المفردة) ، مات بدمشق سنة (646 هـ) .
ترجمته في: سير أعلام النبلاء23/ 256، هدية العارفين 1/ 461، الأعلام 4/ 67.
2 المصادر السابقة.
3 قدر الدرهم ما يعادل (171 ،3 غراما) . وانظر: معجم لغة الفقهاء 208.
4 الرعونة: الحمق والاسترخاء، الصحاح 5/ 2124 (رعن) .
5 قول ابن البيطار في كتابه: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية: 2/ 22.
6 هو محمد بن علي بن مطيع، تقي الدين ابن دقيق العيد الشافعي، من كبار علماء الفقه، والأصول، والحديث، من. مصنفاته:(إحكام الأحكام) ، (الاقتراح في بيان الاصطلاح) ، مات بالقاهرة سنة (702 هـ) .
ترجمته في: طبقات الشافعية لابن السبكي 2/6، هدية العارفين 2/ 140، البدر الطالع 2/ 229.
الجوزة1: إنها مسكرة2.
ونقله عنه المتأخرون من الحنفية3،
1 هى جوزة الطيب: نبات طبيعي يخرج من شجرة كبيرة، دائمة الخضرة، من فصيلة الجوزيات، وينتشر هذا النوع من النبات في شبه القارة الهندية، وحين تنضج تماما تتفتح الأغشية، وتظهر البذرة البنيَّة البراقة مغطاة بغشاء أحمر فاقع، وتبدو النواة داخل البذرة، وهي التي تسمى جوزة الطيب، وتستعمل عن طريق الاستحلاب داخل الفم، أو تذاب في المشروبات، أو تستنشق عن طريق الفم بعد سحقها، وقد ثبت طبيا أن (جوزة الطيب) مادة منبهة، وإذا أخذت بكميات كبيرة فإنها سامة، وتثير المعدة، وتؤدي إلى القئ، وفقدان الوعي، والتشنجات، ونشافة الفم، وسرعة نبضات القلب، واحمرار الوجه.
وقد نص الفقهاء على تحريم تناولها، وجعلوها في عداد المسكرات والمخدرات، بل ذهب بعضهم إلى أن جوزة الطيب أشد حرمة من الحشيش المتفق على تحريمه، وجعلوه مقيسا عليها، ونقل بعضهم إجماع الأئمة الأربعة على أنها من المسكرات.
وانظر: تحفة المحتاج 1/ 168، الدر المختار 6/ 487، زهر العريش 124، الزواجر 1/ 356، تحذير الثقات 229، السهام المريشة 55، التداوي بالأعشاب 93، المخدرات والعقاقير 160، المخدرات والمؤثرات العقلية 95، واضح البرهان 97، عون المعبود 10/ 128.
2قول ابن دقيق العيد في: الزواجر 1/ 355، تحذير الثقات. الصفحة السابقة، عون المعبود 10/ 134.
3الدر المختار. الصفحة السابقة.
والشافعية1، والمالكية2، واعتمدوه3.
وذكر ابن القسطلاني4 في: تكريم5
1 تحفة المحتاج 9/ 168، زهر العريش، الزواجر، تحذير الثقات. الصفحات السابقة.
2 انظر: مواهب الجليل 1/ 95، حاشية العدوي على شرح الخرشي 1/ 84.
3 تحذير الثقات، والزواجر. الصفحات السابقة.
4 محمد بن أحمد بن علي القيسي، أبو بكر القسطلاني، أحد علماء الحديث ورجاله، من مصنفاته:(مدارك المرام في مسالك الصيام) ، (الإفصاح عن المعجم من الغامض والمبهم) في الأسانيد، مات بالقاهرة سنة (686 هـ) .
ترجمته في: طبقات الشافعية لابن السبكي 5/ 18، هدية العارفين 2/ 135، الأعلام 5/ 323.
5 [تكريم المعيشة في تحريم الحشيشة] ، رسالة كتبها القسطلاني في تحريم الحشيشة، وبيان مضارها، ثم إن الحسن بن محمد العكبري (ت 695 هـ) ، كتب رسالة أخرى ردَّ فيها على رسالة القسطلاني، ومدح فيها الحشيشة، ثم إن القسطلاني كتب رسالة ثانية، رد فيها على العكبري، وسماها [تتميم التكريم لما في الحشيشة من التحريم] ، وقد طبعت هذه الرسالة الأخيرة، أما رسالة (تكريم المعيشة) فهي مخطوطة، وفي مكتبتي مصورة منها، وقد ذكر لي الدكتور ياسين الخطيب أنه فرغ من تحقيقها.
وانظر: كشف الظنون 1/ 470: 737، 2/ 1009، الأعلام هـ/ 323 مقدمة رسالة: تتميم التكريم 30.
المعيشة1، أن الحشيشة ملحقة بجوزة الطيب2، والزعفران3، والأفيون4، والبنج، وهذه من المسكرات المخدرات.
وقال الزركشي5 6: إن هذه الأمور المذكورة تؤثر في متعاطيهآ، المعنى: الذي يدخله في حر السكران7، فإنهم قالوا8: السكران: هو الذي اختل كلامه المنظوم، وانكشف سره المكتوم.
وقال بعضهم9: هو الذي لا يعرف السماء من الأرض، ثم
1قول القسطلاني في رسالته: تكريم المعيشة ورقة [36] ،، ونقل قوله هذا صاحب عون المعبود: 10/ 129.
2 انظر: ص 159 من هذا الكتاب.
3 انظر: ص 152 من هذا الكتاب.
4 انظر: ص 151 من هذا الكتاب.
5 محمد بن بهادر بن عبد الله المنهاجي، أبو عبد الله بدر الدين الزركشي، الشافعي، من كبار الفقهاء، عالم بالأصول، من مصنفاته الكثيرة:(إعلام الساجد بأحكام المساجد) ، (الديباج في توضيح المنهاج) ،
(لقطة العجلان) ، مات بمصر سنة (794 هـ) .
ترجمته في: هدية العارفين 2/ 174، شذرات الذهب 6/ 335، الأعلام 6/ 65.
6قول الزركشي في كتابه: زهر العريش في تحريم الحشيش 103.
7 في (أ) : (السكر) .
8 سبق الكلام على حد السكر ص 129.
9 سبق الكلام على حد السكر ص 129.
نقل عن القرافي1 الخلاف في ذلك2
قيل3: والأولى أن يقال: [إن أريد بالإسكار تغطية العقل، فهذه كلها صادق عليها معنى الإسكار و] 4 إن أريد بالإسكار تغطية العقل مع الطرب فهي خارجة عنه، فإنَّ إسكار الخمر يتولد منه النَّشأة، والنَّشاط، والطرب، والعربدة5، والحميَّة. والسَّكران/6 بالحشيشة ونحوها7 يكون فيه ضد ذاك.
فتقرر من هذا: أنها تحرم لمضرتها العقل، ودخولها في المفتِّر المنهي عنه، ولا يجب الحد على متعاطيها؛ لأن قياسها على الخمر مع الفارق - وهو8 انتفاء بعض الأوصاف - لا يصح9، كذا قيل10.
1 في النسخ الثلاث (الغزالي) ، وهو تصحيف- قطعا- من الناسخ، إذ إن الوارد في زهر العريش 154، والزواجر 1/ 356 (القرافي) ، ثم إن القرافي هو الذي خالف. انظر الحاشية التالية.
2 انظر: الفروق للقرافي 1/ 216- 217، وزهر العريش 104.
3 عون المعبود 10/ 129.
4 ما بين الحاصرتين أسقط من (ج) .
5 العَرْبَدة: سوء الخلق. الصحاح 2/ 508 مادة (عربد) .
6 نهاية ل (6) من (أ) .
7 في (ج) : (ونحوهما) .
8 في (ج) : (وقد) .
9 عون المعبود 10/ 129.
10 قال شيخ الاسلام ابن تيمية- رحمه الله في مجموع الفتاوى 34/ 198:- ومن ظن أن الحشيشة لا تسكر وإنما تغيِّب العقل بلا لذة فلم يعرف حقيقة أمرها، فإنه لولا ما فيها من اللذة لم يتناولوها، ولا أكلوها، بخلاف البنج ونحوه مما لا لذة فيه، والشارع فرق في المحرمات بين ما تشتهيه النفوس ومالا تشتهيه، فما لا تشتهيه النفوس كالدم والميتة اكتفى فيه بالزاجر الشرعي، فجعل العقوبة فيه التعزير، وأما ما تشتهيه النفوس فجعل فيه مع الزاجر الشرعي زاجرا طبيعيا وهو الحد، والحشيشة من هذا الباب، انتهى.
والحاصل: أن الحشيشة، وما في حكمها مماله عملها، لا شك ولا ريب في تحريمها؛ لأنها إن كانت من المسكرات فهي داخلة في عموم أدلة تحريم المسكر، وقد عرفتَ من جزم بأنها مسكرة1، وإن كانت من المفترات المخدرات فهي محرمة بالحديث المتقدِّم في تحريم كل مفتر2، ولا تخرج عن هذين الأمرين أصلا، والخَدَرُ ليس أمرا غير الفتور، بل هو فتور مع زيادة.
قال في القاموس3: الخَدَرُ- بالتحريك- امذلال4 يغشى الأعضاء، خدِرَ كفَرِح فهو خدِرْ، وفتور العين، أو ثقلٌ فيها من قذًى، انتهى.
ومع هذا فقد عرفت الإجماع على تحريمها بحكاية الإمامين5/ 6
1 انظر ص 155، ص 158، ومجموع فتاوى ابن تيمية 34/ 204، وفتح الباري 10/ 45.
2 حديث أم سلمة رضي الله عنها، تقدم ص 143.
3 القاموس 2/ 19، مادة (خدر) .
4 الامذلال: الخدر والفتور.
5 تقدَّم ص 156، وانظر: مجموع الفتاوى،34/204، الفروق للقرافي 1/ 216.
6 نهاية لوحة (4) من (ب) .
القرافي1 وابن تيمية، فلم يبق ارتيابٌ، في التحريم.
وقد أعمى الله بصر وبصيرة بعض الأدباء المتأخرين من أهل اليمن، فاشتهر بالحشيشة الخبيثة، واستعملها بمرأى من العامة ومسمع، وكان المسكين- رحمه الله2- ممن له صورة عند العامة جليلة، يعتقدون فيه أنه من أعيان العلماء،، ليته كان يتكتَّم باستعمال هذه الخبيثة، ويعترف بالمعصية، ويعلن3 بالتحريم كما يفعله كثير من العصاة، ولكنه كان يصرح بأنها حلال - بلا برهان - في مواقف جماعة من العامة الذين هم أتباع كل ناعق- فجعلوه حجة لهم - وبالغوا في تعظيمه، ووصفه بالعلم/4 لموافقته لأهوائهم.
وقد روى لي هذه القصة جماعة ممن لا أشك في صدقهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أحسن من قال5:
فساد كبير6 عالم متهتك
…
وأفسد منه جاهل متنسك
هما فتنة للعالمين كبيرة
…
لمن بهما في دينيه يَتَمَسَّكُ
1 في النسخ الثلاث (الفرياني) ، وقد تقدم نظير هذا والكلام عليه، ص 156.
رحمه الله : أسقطت من (أ)
3 في (ج) : (ويعلم) .
4 نهاية لوحة (7) من (ج) .
5 لم أقف على القائل.
6 في (ج) : (كثير) .
وقد صارت محنة ذلك الأديب الذي ضل وأضل بما صدر منه من قول1 وعمل في هذه القضية، التي هي من أعظم مزالق الزلل باقية إلى الآن، كما أخبرني بذلك من له خبرة بأحوال الناس واطلاع على أمورهم.
وقد سقنا في هذه الورقات من الأدلة، ونصوص العلماء الأكابر- على مسألة السؤال- مافيه كفاية، لمن له هداية. فالزعفران، والجوز الهندي، والأفيون ونحوها، لاحقة بالمسكرات إن صح قول من قال: إنهاا تسكر ولو في حالٍ من الأحوال2، وإن صح قول من قال: إنها مفترة، فهي- أيضا- محرمة كذلك لما سلف، فهي مشاركة للسكر على أحد التقديرين، وللمفَتِّر على الآخر، وكل واحد منهما يقتضي التحريم، وإن لم يصح3 فيها وصف الإسكار، ولا وصف، التفتير والتخدير مطلقا فلا وجه للحكم بتحريمها.
فمن أراد العثور على الحقيقة فليسأل من له اختبار عن التأثير الذي يحصل بالأمور المذكورة4، وبعد ذلك يحكم على كل واحد منها بما أودعناه في هذه الرسالة.، وهذا إذا5 لم يكتف بما نقلناه عن
(من قول) : أسقطت من (أ) .
2 انظر الصفحات 151، 152، 159، من هذا الكتاب.
(وإن لم يصح) : أسقطت من (أ) ، (ج) .
4 انظر الصفحات 151. 159.152،.
5 في هذا الكتاب. في (ب)، (ج) :(إن) .
العلماء في وصف تلك الأمور كما سلف.
وقد ثبت في الصحيح1 عن النبي- صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ"2..، والمؤمنون وقَّافون عند الشبهات "فمن تَرَكَهَا فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ"3.
1 صحيح البخاري/ كتاب الإيمان/ باب فضل من استبرأ لدينه 1/ 19، ورواه مسلم في صحيحه/ كتاب المساقاة/ باب أخذ الحلال وترك الشبهات 3/ 1219، رقم (1599) . وهذا لفظه. من حديث النعمان بن بشير، رضي الله عنهما.
2 قال الإمام النووي- رحمه الله في شرح صحيح مسلم 11/ 27: معناه- أي الحديث- أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بين واضح لا يخفى حله، كالخبز، والفواكه، والزيت، والعسل، والسمن، ولبن مأكول اللحم، وبيضه، وغير ذلك من المطعومات، وكذلك الكلام، والنظر، والمشي وغير ذلك من التصرفات فيها، حلال بين واضح لا شك في حله.
وأما الحرام البين فكالخمر، والخنزير، والميتة، والبول، والدم المسفوح، وكذلك الزنا، والغيبة، والكذب، والنميمة، والنظر إلى الأجنبية، وأشباه ذلك.
وأما المشتبهات، فمعناه: أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص، أو قياس، أو استصحاب أو غير ذلك
…
3 قوله: "فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ"، هذه العبارة جزء من الحديث السابق، ومعناها: أن من ترك الشبهات حصل له البراءة لدينه من الذم الشرعي، وصان عرضه عن كلام الناس فيه، وانظر شرح صحيح مسلم للنووي 11/ 28.
وأقل أحوال1 الجوز الهندي وما ذكر معه أن يكون من الأمور المشَبَّهات.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دَعْ ما يَرِيبُكَ إلَى مَالا يَرِيبُكَ"2.
صححه ابن حبان3، والحاكم4، والترمذي5.
(أحوال) ، أسقطت من (ب) .
2 يروى بفتح الياء، يَريبك -، وبضمها - يُريبك، ومعناه: دع ما تشك فيه إلى مالا تشك فيه. النهاية 2/ 286.
3 صحيح ابن حبان/ كتاب الرقائق، باب الورع والتوكل 2/ 498، رقم (722) .
4 المستدرك للحاكم/ كتاب البيوع 2./ 113، وصححه، ووافقه الذهبي.
5 سنن الترمذي/ أبواب صفة القيامة 4/ 77، رقم (2636)، وقال: هذا حديث صحيح. وأخرجه- أيضا.- أحمد 1/ 200، والنسائي كتاب الأشربة/ باب الحث على ترك. الشبهات 8/ 237، وعبد الرزاق/ باب القنوت 3/ 117، رقم (4984) ، والطبراني في الكبير 3/ 76، رقم (2711) ، والبيهقي/ كتاب البيوع 5/ 335، والطيالسي في مسنده 163، رقم (1178) ، والبغوي في شرح السنة/ باب الاتقاء عن الشبهات 8/ 16، رقم (2032) ، والدارمي/ كتاب البيوع/ باب دع ما يريبك إلى مالا يريبك 2/ 161، رقم (2535) ، وأبو يعلى، في مسنده 12/ 232، رقم (6762) . كلهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما.
وقد حكى1 في شرح الأثمار2، عن الإمام شرف الدين3:
أن الجوز الهندي، والزعفران ونحوهما، يحرم الكثير منه؛ لإضراره، لا لكونه مسكرًا، وكذلك القرِّيط وهو: الأفيون.
وأما القات4،
1 في (ج) : (حكا5) .
2 حاشية الأزهار 1/ 36.
3 هو يحيى بن أحمد بن يحيى الحسني، شرف الدين، من أئمة الزيدية، وفقهائهم، من مصنفاته:(الأثمار) اختصر فيه متن (الأزهار) ، مات سنة (965 هـ) .
ترجمته في: البدر الطالع 1/ 278، الأعلام 8/ 150، هدية العارفين 2/ 535.
4 القات: نبات ذو أوراق وشجرات صغيرة، دائمة الخضرة، يتراوح طول الشجرة ما بين متر واحد إلى مترين، إلا أنها عادة تُقَلَّم إذا زادت عن المترين ليسهل جنيها، وتزرع شجرات القات متباعدة عن بعضها، والأوراق هي الجزء الهام في النبات، وخاصة تلك التي على قمته، وهي ناعمة الملمس، مصقولة من الجهة العليا، ولونها أخضر غامق، وليس لها رائحة مميزة.
ويزرع القات بكثرة في اليمن، وكينيا، والصومال، وأثيوبيا، ويقال: إنه ورد إلى اليمن منها.
وتستعمل القات- عند متعاطيه- عن طريق مضغ أوراقه الطرية الخضراء الرطبة، داخل الفم، مضغا بطيئا؛ بغرض استخلاص العصارة من النبات، ومن ثم بلعها، وتستمر فترة المضغ مدة طويلة، حيث تضاف كميات أخرى من القات في كل مرة من النوع الطري لحدوث التأثير المنشود، ويشرب معه عادة جرعات من الماء، أو المشروبات الغازية، ويتم تعاطي القات في جلسات انفرادية أو جماعية، تسمى (جلسة التخزين) ، وفي بعض المناطق يستخدم القات مع الشاي، أو عن طريق التدخين.
وانظر: المخدرات والإدمان 33- 34، جحيم المخدرات 50- 51، أضرار تعاطي المخدرات 30، المخدرات في الفقه الإسلامي 45.
فقد أكلت منه أنواعًا مختلفة1، وأكثرت منها، فلم أجد لذلك أثرا في تفتير، ولا تخدير، ولا تغيير.
وقد وقعت فيه أبحاث طويلة بين جماعة من علماء اليمن عند أول ظهوره، وبلغت تلك المذاكرة إلى علماء مكة/2، وكتب ابن حجر الهيتمي3 في ذلك رسالة طويلة، سمَّاها [تحذير الثقات من أكل الكفتة والقات] 4، ووقفت عليها في أيام سابقة، فوجدته تكلم فيها كلام من لا يعرف ماهية القات.
وبالجملة إنه إذا كان بعض أنواعه يبلغ إلى حد السكر أو5
1 في (ج) : (نوعا مختلفا) .
2 نهاية لوحة (7) من (أ) .
3 أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، من فقهاء الشافعية بمصر، من مصنفاته:(تحفة المحتاج لشرح المنهاج) ، (الزواجر عن اقتراف الكبائر) ، (شرح المشكاة)، مات بمكة المكرمة سنة (974 هـ) . ترجمته في: شذرات الذهب 8/ 370، البدر الطالع 1/ 109، هدية العارفين 1/ 146.
4 طبعت هذه الرسالة ضمن كتاب [الفتاوى الكبرى، لابن حجر الهيثمي 4/ 223- 234 [.
5 في (ج) : (والتفتير) .
التفتير- من الأنواع التي لا نعرفها- توجه الحكم بتحريم ذلك النوع بخصوصه.
وهكذا إذا كان يضر بعض الطباع من دون إسكار وتفتير، حرم لإضراره، وإلا فالأصل الحل كما يدل على ذلك عمومات القرآن والسنة1.
1 قد أفتى العلماء السابقون على الشوكاني، والذين أتوا بعده، بحرمة القات، وبينوا أضراره، ومنعوا من تناوله وأكله، فقد أفتى الشيخ حمزة الناشري اليمني (ت 926 هـ) بحرمته، وكتب في ذلك منظومة ضمنها أضرار القات ومساوءه، وكتب الفقيه أبو بكر بن إبراهيم المقري الحرازي اليمني (ت 965 هـ) ، رسالة في تحريم القات، وصنف ابن حجر الهيتمي الرسالة التي ذكرها المصنف، ذكر فيها الأدلة على تحريم القات.
ثم توالت الرسائل والفتاوى من العلماء الأفاضل نصَّت جميعها على تحريمه، وكتب الشيخ حافظ الحكمي (ت 1377 هـ) ، منظومة بعنوان (نصيحة الإخوان عن تعاطي القات والشمة والدخان) ، وكتب سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت 1389هـ) رسالة في تحريم القات، جاء فيها قوله رحمه الله: وحيث إن هذه مسألة حادثة الوقوع، والحكم عليها يتوقف على معرفة خواص هذه الشجرة، وما فيها من المنافع والمضار، وأيهما يغلب عليها بموجبه، وحيث إننا لا نعرف حقيقتها لعدم وجودها لدينا فقد تتبعنا ما أمكننا العثور عليه من كلام العلماء فيها فظهر لنا بعد مزيد البحث والتحري، وسؤال من يعتد لقولهم من الثقات أن المتعيّن فيها المنع من تعاطي زراعتها، وتوريدها، واستعمالها، لما اشتملت عليه من المفاسد والمضار في العقول، والأديان، والأبدان، ولما فيها من إضاعة المال، وافتتان الناس بها، ولما اشتملت عليه من الصَّدِّ عن ذكر الله، وعن الصلاة، فهي شرّ ووسيلة لعدة شرور والوسائل لها حكم الغايات، وقد ثبت ضررها، وتفتيرها، وتخديرها، بل وإسكارها، ولا التفات لقول من نفى ذلك، فإن المثبت مقدَّم على النافي، فهاتان قاعدتان من قواعد الشريعة الأصولية تؤيدان القول بتحريمها، وقياسًا لها على الحشيشة المحرمة؛ لاجتماعهما في كثير من الصفات، وليس بينهما تفريق عند أهل التحقيق
…
ثم ساق الأدلة على تحريمها.
وقد اتفق العلماء المعاصرون على تحريمه، إذ صدر قرار المشاركين في (المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات) المنعقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (27- 30/ 5/ 01402هـ) ، بشأن القات، فجاء في التوصية التاسعة عشرة:[يقرر المؤتمر بعد استعراض ما قُدِّم إليه من بحوث حول أضرار القات الصحية، والنفسية، والخلقية، والاجتماعية، والاقتصادية أنه من المخدرات المحرمة شرعا، ولذلك فإنه يوصي الدول الإسلامية بتطبيق العقوبة الإسلامية الشرعية الرادعة، على من يزرع، أو يروج، أو يتناول هذا النبات الخبيث] .
يقول الشيخ محمد المجذوب معلقا على هذا القرار: وما أراني مبالغا إذا قلت بأن في هذا القرار. نوعا من الإجماع الملزم للمسلم، إذ هو منبثق من التوافق التام بين الدين والعلم؛ لأن المقرِّين له صفوة من فقهاء ومفكري العالم الإسلامي على امتداده، وعلى اختلاف مذاهبه، فمن حقه على أهل العلم أن يتلقوه بالقبول والرضا؛ لأنه حَسَمَ كل خلاف بينهم في شأن هذه المادة التي استهوت الكثيرين منهم حتى جعلتهم أسوة غير حسنة لعامة الناس.
هذا وقد أثبتت الدراسات والتقارير الصادرة عن مراكز الأبحاث الطبية، والتي أصدرها العلماء المتخصصون أن استعمال وتعاطي القات يؤدي إلى الإصابة بكثير من الأمراض، وأن الإدمان عليه لفترات طويلة يؤدي إلى الإصابة بالهلوسة والجنون، فضلا عن الساعات الطويلة المهدرة التي تستغرقها جلسات التخزين، والتي تؤدي إلي إصابة المجتمع بالشلل شبه التام، مما يؤدي إلى إلحاق الأضرار الاقتصادية بالمجتمع، وتعطيل المصالح.
وانظر في تحريم القات وبيان أضراره: تحذير الثقات عن استعمال القات، الزواجر 1/ 354، فتوى في حكما أكل القات للشيخ ابن إبراهيم، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (العدد السابع والخمسون) ص 319، أضرار تعاطي المخدرات 30، الأضرار الصحية للمخدرات. للدكتور البار 48، المخدرات والمؤثرات العقلية 94.
وأما قولكم؛ هل يجوز بيعه؟.
فالظاهر من الأدلة تحريم بيع كل شيء انحصرت منفعته في محرَّم، لا يقصد به إلا ذلك المحرم1.
أو لم تنحصر، ولكنه كان الغالب الانتفاع به في محرم2.
أو لم يكن الغالب ذلك3، ولكنه وقع البيع؛ لقصد الانتفاع
1 الاختيار 2/ 23، القوانين الفقهية 172، التنبيه 88، المغني 6/ 320، 321، الإجماع لابن المنذر 101، مراتب الإجماع لابن حزم 83، بداية المجتهد 2/ 126.
2 الشرح الصغير 3/ 24، المغنى 6/ 320.
(ذلك) : أسقطت من (أ) .
به في أمر محرم1.
فما كان على أحد هذه الثلاث الصور كان بيعه محرما، وما كان خارجا عنها كان بيعه حلالا.
ومن أدلة الصورة الأولى: أحاديث النَّهي2 عن بيع الخمر، والميتة3، والخنزير؛ لأن هذه الأمور لا ينتفع بها إلا في أمر محرم، ولا يتصور الانتفاع بها في أمر
1 زاد المعاد 5/ 763، جامع العلوم والحكم 415، المغنى 6/ 319.
2 منها: أولا: ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله ورسوله حرَّم بَيْع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام
…
".
أخرجه البخاري في كتاب البيوع/ باب بيع الميتة والأصنام 2/ 29، ومسلم / كتاب المساقاة/ باب تحريم بيع الخمر 3/1207، رقم (1581) .
ثانيا: عن أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرَّم الخمر وثَمَنَها، وحرَّمَ الميتة وثمَنَها، وحرَّم الخنزير وثَمَنَهَ".
أخرجه أبو داود/ كتاب البيوع والإجارات/ باب ثمن الخمر والميتة 3/ 756، رقم (3485) ، وأبو نعيم في الحلية 8/ 327، والدارقطني/ كتاب البيوع 3/ 7، رقم (21) ، والبيهقي/ كتاب البيوع/ باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام 6/ 12، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/ 360، رقم (1746)
3 يستثنى من ذلك السمك، والجراد، وجلد الميتة المدبوغ.
حلال1.
ومن هذا القبيل الحشيشة؛ فإن منفعتها منحصرة في الحرام2. ومن أدلة الصورة الثانية:
ما أخرجه الترمذي3
1 المبسوط 13/ 137، المنتقى 3/ 158، التمهيد 4/ 143، بداية المجتهد 2/ 126، الجامع للقرطبي 6/ 289.، مواهب الجليل 4/ 0258، المحلى 9/ 8، المجموع 9/ 226، شرح صحيح مسلم للنووي 11/ 7- 8، معالم السنن 3/ 133، شرح السنة 8/ 27، المغني 6/ 320، الكافي لابن قدامة 2/ 8، المبدع 4/ 14، جامع العلوم والحكم 413. فتح الباري 4/424، نيل الأوطار 5/142.
2 الدر المختار 6/ 482، السهام المريشة 38، 42، زهر العريش 137، واضح البرهان 96.
3 سنن الترمذي/ أبواب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع المغنيات 2/ 375، رقم (1300)، وقال: إنما نعرفه مثل هذا من هذا الوجه، وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد، وضعَّفه، وهو شامي.
والحديث أخرجه أيضا: أحمد في المسند. 5/ 252، 257، 264، 268، وابن ماجة./ كتاب التجارات/ باب مالا يحل بيعه 2/ 733، رقم (2168) ، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي 37، رقم (11) ، والطبري في تفسيره 10/ 252، والحميدي في مسنده 2/ 455، رقم (910) ، والآجري في كتاب تحريم النرد والشطرنج والملاهى 197، والطبراني في المعجم الكبير 8/ 251، رقم (7855) ، والطيالسي في مسنده 154- 155، رقم (1134)، وابن الجوزي في: تلبيس إبليس 257، وفي العلل المتناهية في الأحاديث الواهية 2/298، رقم (1306) ، والبغوي في تفسيره 6/ 284، وابن حزم في المحلى 9/ 58، والبيهقي في السنن الكبرى / كتاب البيوع / باب ما جاء في بيع المغنيات 6/14، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم 414: في إسناده مقال، وقال النووي في المجموع 9/ 255: اتفق الحفاظ على أنه ضعيف.
من حديث أبي أمامة1- رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَبِيعُوا القَيْنَاتِ2 المُغَنِّيَاتِ، وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ، وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ، وَلَا خَيْرَ في تجَارَةٍ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ".
ومن المعلوم أن منفعة القينات لم تنحصر في الحرام، ولكن لما كان الغالب الانتفاع به في الحرام، جعل الشارع حكمهن في تحريم البيع حكم مالا ينتفع به في غير /3 الحرام تنزيلا للأكثر منزلة الكل4.
1 صُدَيُّ بن عجلان، أبو أمامة الباهلي، أحد كبار الصحابة- رضي الله عنهم روى علمًا كثيرا، وحدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة 86 هـ، رضي الله عنه.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/ 288، أسد الغابة 2/ 398، 5/ 16، 1لإصابة 2/ 182.
2 القَيْنَات: جمع قينة: وهى الأمة غَنَّت أو لم تغن. والمراد بها هنا: الأمة المغنية.
وانظر: النهاية 4/ 135.
3 نهاية لوحة (8) من (ج) .
4 المغني 6/ 320، 14/ 161، نزهة الأسماع في مسألة السماع لابن رجب 32، جامع العلوم والحكم 414، أسهل المدارك 2/ 258، الشرح الصغير 3/ 24، نيل الأوطار 8/ 99.
ومن هذا القبيل البنج، والجوز الهندي وما شابههما.
[ومن أدلة الصورة الثالثة1:
ما أخرجه الطبراني2 في الأوسط3] 4، بإسناد حسَّنه الحافظ ابن حجر5، من حديث عبد الله بن بريدة6، عن أبيه7 -
1 في (أ) : (الثانية) .
2 سليمان بن أحمد بن أيوب، أبو القاسم الطبراني، الإمام الحافظ، صاحب المعاجم الثلاثة، مات سنة (365 هـ) .
ترجمته في: وفيات الأعيان 2/ 407، تذكرة الحفاظ 3/ 912، شذرات الذهب 3/ 30.
3 مجمع البحرين في زوائد المعجمين، الأوسط، والصغير/ كتاب البيوع/ باب ما نُهِيَ عن ثمنه 3/ 373- 374، رقم (1984) ، وسيأتي- في آخر الحديث- ذكر بقية من رواه.
4 ما بين الحاصرتين أسقط من (ج) .
5 قول الحافظ في: بلوغ المرام 148، وأورده في التلخيص الحبير 3/ 19، وسكت عنه. ونقله عنه المصنف في نيل الأوطار 5/ 154.
6 عبد الله بن بريدة بن الحُصَيب الأسلمي، الحافظ، من علماء التابعين، حدَّث عن أبيه فأكثر، وكان شيخ (مرو) وقاضيها، مات سنة (115هـ) .
ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1/ 102، سير أعلام النبلاء5/ 50، شذرات الذهب 1/ 151.
7 بريدة بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه الكثير من الأحاديث، أسلم عام الهجرة، ومات سنة (63 هـ) رضي الله عنه.
ترجمته في: أسد الغابة 1/ 209، الإصابة 1/ 146، شذرات الذهب 1/ 75.
رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: " مَنْ حَبَسَ العِنَبَ أَيَّامَ القِطَافِ1 حَتَّى يَبِيعَهُ مِمَّن يَتَّخِذُه خَمْرًا، فَقَدْ تَقَحَّمَ2 النَّارَ على بَصِيرَة"3.
ولا شك أن العنب في الغالب ينتفع به في الأمور الجائزة،
ولكنه4 لما كان القصد بيعه إلى من يستعمله في أمر محرم، كان بيعه محرما5 لأن وسيلة الحرام حرام6.
وأما مع عدم القصد [فلا تحريم7. ومن هذا الزعفران، فمن8 باعه إلى من يستعمله في أمر
1 أيام القطاف: أوان قطف ثمار العنب.
2 تقحم: رمى نفسه بالنَّار من غير روية ولا تثبت. النهاية 4/18.
3 الحديث رواه- بالإضافة إلى الطبراني- ابن حبان في كتاب المجروحين 1/ 236، وابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية 2/ 188، رقم (1126) ، والبيهقي في شعب الإيمان / باب المطاعم والمشارب 5/ 17، رقم (5618)، قال أبو حاتم في علل الحديث 1/389: هذا حديت كذب باطل، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 1/523: حديث موضوع.
4 في (أ) : الكنه) .
5 في (أ) : (حراما) .
6 المغني 6/ 317، منتهى الإرادات 1/ 348، النوازل 366، مغني المحتاج 2/ 37، نيل الأوطار 5/145.
7 المصادر السابقة.
8في (ج) : المن) .
جائز] 1 أو مع عدم القصد فبيعه حلال، ومن باعه إلى من يستعمله في أمر غير جائز، نحو: أن يبيعه إلى من يعلم أنه يأكل منه مقدارا يحصل به التفتير أو2 الإضرار بالبدن، قاصدا للبيع إلى من كان كذلك فبيعه غير جائز.
وإذا تقرر هذا التفصيل، ارتفع ما يرد من الإشكالات على حديث ابن عباس- رضي الله عنهما عند الحاكم3، والبيهقي4، بإسناد صحيح5، أن النبي- صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ الله إِذَا 6 حرَّمَ أَكْلَ شيء/ 7 حَرَّم ثَمَنَهُ"8.
1ما بين الحاصرتين أسقط من (أ) .
2 في (ج) : (والإضرار) .
3 وكذا عزاه ابن القيم- رحمه الله للحاكم في المستدرك. ولم أقف عليه فيه.
4 السنن الكبرى/ كتاب البيوع/ باب تحريم بيع ما يكون نجسا لا يحل أكله 6/13.
5 وصحح إسناده- أيضا- ابن القيم، والنووي- رحمهما الله-. زاد المعاد 5/ 746، المجموع 9/ 229، 238، التلخيص الحبير 3/ 4.
(إذا) : اسقطت من (ج) .
7 نهاية لوحة (5) من (ب) .
8 وأخرج الحديث – أيضا - أحمد في المسند 1/ 247، وأبو داود/ كتاب البيوع/ باب ثمن الخمر والميتة 3/ 758، رقم (3488) ، والدارقطني/ كتاب البيوع 3/ 7، رقم (20) ، والطبراني في الكبير 12/200، رقم (12887) ، وابن حبان في صحيحه/ كتاب البيوع/ باب البيع المنهي عنه 11/ 312، رقم (4938) .
فإنه قال بعض أهل العلم1: إنه يلزم من الأخذ بظاهر هذا الحديث تحريم بيع الحمر الأهلية، وغيرها، مما يصلح لحلالٍ وحرام. ويجاب:
بأن الحمر الأهلية إذا باعها البائع إلى من يأكلها كان البيع محرما مع القصد [لما سلف من أن وسيلة الحرام حرام، وإن باعها إلى من لا يأكلها أ] 2 ومع عدم القصد فلا وجه3 للتحريم، وهكذا كل ما كان من هذا القبيل4.
وقال ابن القيم5: إنه يراد بحديث ابن عباس- رضي الله عنهما المذكور6 أمران:
أحدهما: ما هو حرام العين والانتفاع جملة، كالخمر، والميتة، والدم، والخنزير، وآلات الشرك، فهذه ثمنها حرام كيفما اتفقت.
والثاني: ما يباح الانتفاع به في غير الأكل، وإنما يحرم أكله كجلد الميتة بعد الدباغ، وكالحمر الأهلية، والبغال ونحوها مما يحرم أكله دون الانتفاع
1 فتح الباري 4/ 415.
2 ما بين الحاصرتين أسقط. من: (أ) ، (ج) .
(فلا وجه) : أسقطت من (ب) .
4 المغنى 6/ 319، زاد المعاد 5/ 763، جامع العلوم والحكم 413.
5 زاد المعاد: 5/ 762.
6 الحديث سبق ذكره وتخريجه في الصفحة السابقة.
به، فهذا قد يقال: إنه لا يدخل في الحديث، وإنما يدخل فيه ما هو حرام على الإطلاق.
والصواب: ما ذكرنا من التفصيل، فإن هذه الأمور يحرم بيعها إذا بيعت لأجل المنفعة المحرمة، كما إذا بيع الحمار /1 والبغل لأكلهما.
وقد قيل: إن بيع الشيء الذي يحرم في بعض الأحوال إلى من2 ينتفع به في ذلك الأمر المحرم مع القصد حرام بالإجماع، ومما يؤيد تحريم بيع الشيء الذي ينتفع به في الأمور الجائزة في الغالب إلى من يستعمله فيما لا يجوز3، ما أخرجه البيهقي4، والبزَّار5، عن عمران بن حصين- رضي الله عنه مرفوعا في النهي عن بيع السلاح في الفتنة6.
1 نهاية لوحة (9) من (ج) .
(إلى من) : أسقطت من (أ) ، (ج) .
3 المغنى 6/319، زاد المعاد 5/ 763، مجمع الأبهر 2/ 548، المجموع 9/ 354، مجموع الفتاوى 22/ 141، 29/ 275، 332، فتح الباري 4/323.
4 السنن الكبرى / كتاب البيوع / باب كراهية بيع العصير ممن يعصر الخمر، والسيف ممن يعصي الله- عز وجل به 5/ 327، وقال: رفعه وهم، والموقوف أصح.
5 كشف الأستار عن زوائد البزار 4/ 117، رقم (333) .
6 ورواه ابن عدي في الكامل 6/ 2269، والطبراني في الكبير 18/ 136- 137، رقم (286) ، والعقيلي في ألضعفاء الكبير4/ 139، وعلقه البخاري في صحيحه/ كتاب البيوع/ باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها 2/11، موقوفا على عمران بلفظ: وكره عمران بن حصين بيعه في الفتنة.
قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله في التلخيص الحبير 3/18، وفي فتح الباري 4/ 323، وفي تغليق التعليق 3/ 226: إسناده ضعيف، والصواب وقفه.
وأما سؤال السائل عن تلك الأمور: هل يجوز الانتفاع بها في غير الوجه الذي حرمت لأجله؟.
فنقول: نعم، يجوز أن ينتفع بها في غير الوجه الذي تحرم من جهته، كما يجوز الانتفاع بالحيوانات التي يحرم أكلها في غير الأكل، والانتفاع بالعنب ونحوه في جميع المنافع ماعدا الصورة المحرمة التي هي جعله خمرا، وهي1 مما لا ينبغي أن يقع فيه خلاف بين أهل العلم والله أعلم.
حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني- غفر الله له- في شهر ربيع الأول سنة (1209هـ) ، وحرَّر النقل في شهر القعدة سنة (1294 هـ)2.
1 في (ب) : (وهذا) .
2 هذا آخر ما ورد في نسخة (أ) ، وانظر ص 81.