الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
42 ـ باب بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه
1/341 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه)) .
2/342 ـ وعن عبد الله ين دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمارٍ كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار: فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعت رسول الله يقول:((إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه))
وفي رواية عن ابن دينار عن ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا ملّ ركوب الراحلة، وعمامة يشد بها رأسه فبينا هو يوماً على ذلك الحمار إذ مر به أعرابي، فقال: ألست ابن فلان ابن فلان؟ قال بلى. فأعطاه الحمار، فقال: اركب هذا، وأعطاه العمامة وقال: اشدد بها رأسك، فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك! أعطيت هذا الأعرابي حماراً كنت تروح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك؟ فقال؟ : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من أبر البر أن يصل
الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى)) وإن أباه كان صديقاً لعمر رضي الله عنه. روى هذه الروايات كلها مسلم.
[الشَّرْحُ]
لما ذكر المؤلف رحمه الله أحكام بر الوالدين وصلة الأرحام؛ ذكر أيضاً حكام صلة من يصل الوالدين والأرحام، وذلك للعلاقة التي بينهم وبين أقاربه، أو بينهم وبين والديه، ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما وهي قصة غريبة ـ كان ابن عمر رضي الله عنه إذا خرج إلى مكة حاجاً يكون معه حمار يتروح عليه إذا مل الركوب على الراحلة ـ أي البعير ـ فيستريح على هذا الحمار ثم يركب الراحلة.
وفي يوم من الأيام لقيه أعرابي فسأله ابن عمر: أنت فلان ابن فلان؟ قال: نعم، فنزل عن الحمار وقال: خذ هذا اركب عليه، وأعطاه عمامة كان قد شد بها رأسه، وقال لهذا الأعرابي: اشدد رأسك بهذا.
فقيل لعبد الله بن عمر: أصلحك الله أو غفر الله لك! إنهم الأعراب، والأعراب يرضون بدون ذلك، يعنون: كيف تنزل أنت عن الحمار تمشي على قدميك، وتعطيه عمامتك التي تشد بها رأسك، وهو أعرابي يرضى بأقل من ذلك.
مات أبو الرجل أو أمه أو أحد من أقاربه أن تبر أهل وده، يعني ليس صديقه فقط بل حتى أقارب صديقه.
وإن أبا هذا كان صديقاً لعمر أي: لعمر بن الخطاب أبيه، فلما كان صديقاً لأبيه؛ أكرمه براً بأبيه عمر رضي الله عنه.
وفي هذا الحديث دليل على امتثال الصحابة، ورغبتهم في الخير ومسارعتهم إليه؛ لأن ابن عمر استفاد من هذا الحديث فائدة عظيمة، فإنه فعل هذا الإكرام بهذا الأعرابي من أجل أن أباه كان صديقاً لعمر، فما ظنك لو رأى الرجل الذي كان صديقاً لعمر؟ لأكرمه أكثر وأكثر.
فيستفاد من هذا الحديث أنه إذا كان لأبيك أو أمك أحد بينهم وبينه ود فأكره، كذلك إذا كان هناك نسوة صديقات لأمك؛ فأكرم هؤلاء النسوة، وإذا كان رجال أصدقاء لأبيك؛ فأكرم هؤلاء الرجال، فإن هذا من البر.
وفي هذا الحديث أيضاً: سعة رحمة الله عز وجل حيث إن البر بابه واسع لا يختص بالوالد والأم فقط؛ بل حتى أصدقاء الوالد وأصدقاء الأم، إذا أحسنت إليهم فإنما بررت والديك فتثاب ثواب البار بوالديه.
وهذه من نعمة الله عز وجل، أن وسع لعباده أبواب الخير وكثرها لهم، حتى يلجوا فيها من كل جانب، نسأل الله تعالى أن يجعلنا والمسلمين من البررة، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
3/343 ـ وعن أبي أسيد ـ بضم الهمزة وفتح السين ـ مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال:((نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنقاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما)) رواه أبو داود.
4/344 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها قط، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة فيقول: ((إنها كانت وكان لي منها ولد)) متفق عليه
وفي رواية: وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن
وفي رواية: كان إذا ذبح الشاة يقول ((أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة)) .
وفي رواية قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة، فارتاح لذلك فقال:((اللهم هالة بنت خويلد)) .
قولها ((فارتاح)) هو بالحاء، وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي:((فارتاع)) بالعين ومعناه: أهتم به.
[الشَّرْحُ]
كذلك أيضاً يبقى من البر بعد موت الوالدين ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل: هل بقي من بر أبواي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((نعم، الصلاة عليهما)) يعني الدعاء لهما وليس المراد صلاة الجنازة، بل المراد الدعاء. فالصلاة هنا بمعنى الدعاء وهي كقوله تعالى:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)[التوبة: 103] وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتته الصدقة قال: اللهم صل على آل فلان، كما قال عبد الله بن أبي أوفى أنه أتى بصدقة قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((اللهم صل على آل أبي أوفى)) ، فدعا لهم بالصلاة عليهم.
فقول النبي صلى عليه وسلم هنا: ((الصلاة عليهما)) يعني الدعاء لهما بالصلاة، فيقول: اللهم صلّ على أبوي، أو يدعو بدخول الجنة والنجاة من النار وما أشبه ذلك.
الثاني: ((الاستغفار لهما)) وهو أن يستغفر الإنسان لوالديه، يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، وما أشبه ذلك، وأما ((إنفاذ عهدهما)) يعني إنقاذ وصيتهما.
فهذه خمسة أشياء: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإكرام
صديقهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك إلا بهما، هذه من بر الوالدين.
كذلك الصدقة لهما؛ فإن الصدقة تنفع الوالدين، كذلك أيضاً إكرام صديقهما مثل حديث ابن عمر السابق، يعني إن كان له صديق فأكرمه، فإن هذا من بره.
الخامس: صلة الرحم التي لا صلة لك إلا بهما، يعني صلة الأقارب فإن هذا من برهما.
أما قراءة القرآن لهما، أو الصلاة ـ بأن يصلي الإنسان ركعتين ويقول لوالدي ـ فهذا لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولا أرشد إليه، بل قال:((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) ولم يقل: ولد صالح يتصدق له، أو يصلي له، أو يحج له، أو يعتمر له، بل قال: يدعو له، فالدعاء خير من العمل الصالح للوالدين.
لكن لو فعل الإنسان ونوى بهذا العمل لوالديه؛ فإن ذلك لا بأس به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنع سعد بن عبادة أن يتصدق لأمه بل أذن له، ولا الرجل الذي قال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها، ولو تكلمت لتصدقت.
فهذه خمسة أشياء من بر الوالدين بعد موتهما.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة رضي الله عنها، والغيرة انفعال يكون في الإنسان؛ يجب أن يختص صاحبه به دون غيره، ولهذا سميت غيرة؛ لأنه يكره أن يكون الغير حبيباً، والنساء الضرات هن أشد بني آدم غيرة.
وعائشة رضي الله عنها كانت حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحب أحداً مثلها في حياته بعد خديجة، وكان عليه الصلاة والسلام يحب خديجة؛ لأنها أم أولاده ـ إلا إبراهيم فمن مارية ـ ولأنها وازرته وساعدته في أول البعثة، وواسته في ماله، فلذلك كان لا ينساها.
فكان في المدينة إذا ذبح شاة أخذ من لحمها وأهداه إلى صديقات خديجة رضي الله عنها، ولم تصبر عائشة رضي الله عنها على ذلك، قالت: يا رسول الله، كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة.
قال: ((إنها كانت وكانت)) ، يعني كانت تفعل كذا، وتفعل كذا، وذكر من خصالها رضي الله عنها.
((وكان لي منها ولد)) حيث كل أولاده؛ أربع بنات وثلاثة أولاد كلهم منها إلا ولداً واحداً هو إبراهيم رضي الله عنه، فإنه كان من مارية القبطية التي أهداها إليه ملك القبط، فأولاده كلهم من خديجة فلذلك قال:((إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد)) .
والشاهد من هذا الحديث: أن إكرام صديق الإنسان بعد موته يعتبر إكراماً له، وبراً به، سواء كان من الوالدين، أو من الأزواج، أو من الأصدقاء، أو من الأقارب، فإن إكرام صديق الميت إكراماً له.
5/345 ـ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه في سفر، فكان يخدمني فقلت له: لا تفعل، فقال: إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً آليت على نفسي أن لا أصحب أحداً منهم إلا خدمته. متفق عليه.
[الشَّرْحُ]
ذكر المؤلف رحمه الله في بقية أحاديث بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه كان في سفر فجعل يخدم رفقته وهم من الأنصار، فقيل له في ذلك، يعني: كيف تخدمهم وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ !
فقال: إني رأين الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عيه وسلم شيئاً؛ آليت على نفسي ألا أصحب أحداً منهم إلا خدمته، يعني: حلفت.
وهذا من إكرام من يكرم النبي صلى الله عليه وسلم، فإكرام أصحاب الرجل إكرام للرجل، واحترامهم احترام له، ولهذا جعل رضي الله عنه إكرام هؤلاء من إكرام النبي صلى الله عليه وسلم.