الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 ـ باب حق الزوج على المرأة
قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء: 34] .
وأما الأحاديث فمنها حديث عمرو بن الأحوص السابق في الباب قبله.
1/281 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح)) متفق عليه.
وفي راوية لهما: ((إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح)) .
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها)) .
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف ـ رحمة الله تعالى ـ: باب حق الزوج على المرأة.
لما ذكر رحمه الله حقوق الزوجة على زوجها؛ ذكر حقوق الزوج على زوجته، ثم استدل بقوله الله تعالى:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) .
ثم بين سبب هذه القوامة والولاية التي جعلها الله، فقال:(بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) حيث فضل الرجل على المرأة في العقل والدين والقدرة والقوة وغير ذلك من وجوه الفضائل، والشريعة كلها عدل، تعطي كل أحد ما يستحقه بمقتضى فضله، فإذا كان الله قد فضل الرجال على النساء؛ فإنهم هم القوامون عليهن، وفي هذا لا يدرين الواقع على فضل جنس الرجال على النساء، وأن الرجال أكمل وأفضل وأولى بالولاية من المرأة، ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: مات كسرى وتولى الأمر بعده امرأة قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهذا الحديث إن كان يعني هؤلاء الفرس الذين نصبوا عليهم امرأة؛ فهو يعنيهم ولكن غيرهم مثلهم، وإن كان عاماً فهو عام، لن يفلح قوم ولوا على أمرهم امرأة، فالرجل هو صاحب القوامة على المرأة، وفي هذا دليل على سفه أولئك الكفار من الغربيين وغير الغربيين، الذين صاروا أذناباً للغرب يقدسون
المرأة أكثر من تقديس الرجل؛ لأنهم يتبعون لأولئك الأراذل من الكفار الذين لم يعرفوا لصاحب الفضل فضله، فتجدهم مثلاً في مخاطباتهم يقدمون المرأة على الرجل فيقول أحدهم: أيها السيدات والسادة، وتجد المرأة في المكان
الأعلى عندهم والرجل دونها. .
ولكن هذا ليس بغريب على قوم يقدسون كلابهم، حتى إنهم يشترون الكلب بالآلاف ويخصصون له من الصابون وآلات التطهير وغير ذلك ما يضحك السفهاء فضلاً عن العقلاء، مع أن الكلب لو غسلته بالأبحر السبعة، ما صار طاهراً؛ لأنه نجس العين، لا يطهر أبداً.
فالحاصل أن الرجال هم القوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، وهذا وجه آخر للقوامة على النساء، وهو أن الرجل هو الذي ينفق على المرأة، وهو المطالب بذلك، وهو صاحب البيت، وليس المرأة هي التي تنفق.
وهذه إشارة إلى أن أصحاب الكسب الذين يكسبون ويعملون هم الرجال، أما المرأة فصناعتها بيتها، تبق في بيتها تصلح أحوال زوجها، وأحوال أولادها، وأحوال البيت، هذه وظيفتها، أما أن تشارك الرجال بالكسب وطلب الرزق ثم بالتالي تكون هي المنفقة عليه؛ فهذا خلاف الفطرة وخلاف الشريعة، فالله تعالى يقول:(وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فصاحب الإنفاق هو الرجل.
قال الله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّه ُ) فالصالحات قانتات أي مديمات للطاعة، الصالحة تقنت ليس
معناها: الدعاء بالقنوت؛ بل القنوت دوام الطاعة كما قال تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة: 238] أي مديمين لطاعته (قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) يعني: يحفظن سر الرجل وغيبته وما يكون داخل جدرانه من الأمور الخاصة، وتحفظه بما حفظ الله، أي بما أمر الله تعالى بحفظه فهذه هي الصالحة، فعليك بالمرأة الصالحة؛ لأنها خير لك من امرأة جميلة ليست بصالحة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله فيما نقله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح)) .
ولعن الملائكة يعني أنها تدعو على هذه المرأة باللعنة، واللعنة هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله، فإذا دعاها إلى فراشه ليستمتع بها بما أذن الله له فيه فأبت أن تجيء، فإنها تلعنها الملائكة والعياذ بالله، أي تدعو عليها باللعنة إلى أن تصبح.
اللفظ الثاني: أنها إذا هجرت فراش زوجها، فإن الله تعالى يغضب عليها حتى يرضى عنها الزوج، وهذا أشد من الأول؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا سخط؛ فإن سخطه أعظم من لعنة الإنسان، نسأل الله العافية.
ودليل ذلك أن الله تعالى ذكر في آية اللعان أنه إذا لاعن الرجل يقول: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[النور: 7]، وهي إذا لاعنت تقول الرجل تقول:(أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[النور: 9] ،
وهذا يدل على أن الغضب أشد، وهو كذلك.
وأيضاً قال في الحديث: ((إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها)) أي الزوج، وهناك قال:((حتى تصبح)) ، أما هنا فعلّقه برضى الزوج، وهذا قد يكون أقل، وقد يكون أكثر يعني: ربما يرضى الزوج عنها قبل طلوع الفجر، وربما لا يرضى إلا بعد يوم أو يومين، المهم ما دام الزوج ساخطاً عليها فالله عز وجل ساخط عليها.
وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته، ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق الزوجة، أما إذا نشز ولم يقم بحقها؛ فلها الحق أن تقتص منه وألا تعطيه حقه كاملاً؛ لقول الله تعالى:
(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[البقرة: 194] ولقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ)[النحل: 126] .
لكن إذا كان الزوج مستقيماً قائماً بحقها فنشزت هي ومنعته حقه؛ فهذا جزاؤها إذا دعاها إلى فراشه فأبت أن تأتي.
والحاصل أن هذه الألفاظ التي وردت في هذا الحديث هي مطلقة، لكنها مقيدة بكونه قائماً بحقها، أما إذا لم يقم بحقها فلها أن تقتص منه وأن تمنعه من حقه مثل ما منعها من حقها؛ لقوله تعالى:(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) وقوله: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) .
وفي هذا الحديث دليل صريح لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة وسلف الأمة من أن الله عز وجل في السماء هو نفسه جل وعلا فوق عرشه، فوق سبع سموات، وليس المراد بقوله:((في السماء)) أي ملكه في
السماء؛ بل هذا تحريف للكلم عن مواضعه.
وتحريف الكلم عن مواضعه من صنيع اليهود والعياذ بالله الذين حرفوا التوراة عن مواضعها وعما أراد الله بها، فإن ملك الله سبحانه وتعالى في السماء وفي الأرض، كما قال الله تعالى:(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض)[آل عمران: 189]، وقال أيضاً:(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْه)[المؤمنون: 88]، وقال أيضاً:(لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض ِ)[الشورى: 12] .
كل السموات والأرض كلها بيد الله عز وجل، كلها ملك الله، ولكن المراد أنه هو نفسه عز وجل فوق سماواته على العرش استوى، ولذلك نجد أن المسألة فطرية لا تحتاج إلى دراسة وتعب حتى يقرّ الإنسان أن الله في السماء، بمجرد الفطرة يرفع الإنسان يديه إلى ربه إذا دعا ويتجه قلبه إلى السماء، واليد ترفع أيضاً نحو السماء.
بل حتى البهائم ترفع رأسها إلى السماء، حدثني أحد الأساتذة في الجامعة عندنا عن شخص اتصل عليه من القاهرة إبان الزلزلة التي أصابت مصر يقول: إنه قبل الزلزلة بدقائق، هاجت الحيوانات في مقرها الذي يسمونه:((حديقة الحيوانات)) هاجت هيجاناً عظيماً، ثم بدأت ترفع رأسها إلى السماء. سبحان الله، بهائم تعرف أن الله في السماء، وأوادم من بني آدم ينكرون أن الله في السماء والعياذ بالله، فالبهائم تدري وتعرف.
نحن نشاهد بعض الحشرات إذا طردتها أو آذيتها وقفت ثم رفعت
قوائمها إلى السماء نشاهدها مشاهدة، فهذا يدل على أن كون الله عز وجل في السماء أمر فطري لا يحتاج إلى دليل أو تعب أو عنت، حتى الذين ينكرون أن الله في السماء ـ نسأل الله لنا ولهم الهداية ـ لو جاءوا يدعون أين يرفعون أيديهم؟. . إلى السماء، فسبحان الله! أفعالهم تكذب عقيدتهم، هذه العقيدة الباطلة الفاسدة التي يخشى عليهم من الكفر بها.
وهذه جارية، أمة مملوكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أراد سيدها أن يعتقها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((ادعها)) ، فجاءت الجارية، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:((أين الله)) قالت: الله في السماء. قال: ((من أنا)) قالت: أنت رسول الله. قال لسيدها: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) .
سبحان الله! إن هؤلاء الذين يعتقدون أن الله ليس في السماء يقولون: من قال إن الله في السماء فهو كافر والعياذ بالله، نسأل الله لنا ولهم الهداية.
المهم أن من عقيدتنا التي ندين الله بها أن الله عز وجل فوق كل شيء، وهو القاهر فوق عباده، وأنه على العرش استوى، وأن العرش على السموات مثل القبة، كأنه قبة أي خيمة مضروبة على السموات والأرض، والسموات والأرض بالنسبة للعرش ليست بشيء.
وجاء في بعض الآثار: أن السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، حلقة الدرع حلقة ضيقة لا يدخل فيها مفتاح، إذا ألقيت في فلاة من الأرض ماذا تشغل من مساحة
هذه الفلاة؟ لا شيء.
قال: ((وإن فضل العرش على الكرسي، كفضل الفلاة على هذه الحلقة)) ، إذا الله أكبر من كل شيء ومحيط بكل شيء ولهذا قال الله عز وجل:(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) يعني أحاط بها، فما بالك بالرب عز وجل.
فالرب عز وجل فوق كل شيء، هذه عقيدتنا التي نسأل الله تعالى أن نموت عليها ونبعث عليها، هذه العقيدة التي يعتقدها أهل السنة والجماعة بالاتفاق.
* * *
2/282 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه)) متفق عليه. وهذا لفظ البخاري.
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لامرأة أن تصوم وزجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه)) .
هذا من حقوق الزوج على زوجته، أنه لا يحل لها أن تصوم إلا بإذنه ما دام حاضراً في البلد، أما إذا كان غائباً؛ فلها أن تصوم ما شاءت، لكن إذا
كان في البلد فلا تصوم.
وظاهر الحديث أنها لا تصوم فرضاً ولا نفلاً إلا بإذنه، أما النفل فواضح أنها لا تصوم إلا بإذنه؛ لأن حق الزوج عليها واجب والنفل تطوع لا تأثم بتركه وحق الزوج تأثم بتركه، وذلك أن الزوج ربما يحتاج إلى أن يستمتع بها، فإذا كانت صائمة وأراد الاستمتاع بها صار في نفسه حرج، وإلا فله أن يستمتع بها ويجامعها وهي صائمة صوم تطوع إذا لم يأذن فيه من قبل ولو أفسد صومها ولا إثم عليه.
لكن من المعلوم أنه سيكون في نفسه حرج، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)) .
أما صيام الفرض فإن كان قد بقي من السنة مدة أكثر مما يجب عليها، فلا يحل لها أن تصوم إلا بإذن زوجها إذا كان شاهداً، يعني مثلاً عليها عشرة أيام من رمضان، وهي الآن في رجب، وقالت: أريد أن أصوم القضاء، نقول: لا تصومي القضاء إلا بإذن الزوج؛ لأن معك سعة من الوقت، أما إذا كان بقي في شعبان عشرة أيام فلها أن تصوم إن لم يأذن؛ لأنه لا يحل للإنسان الذي عليه قضاء من رمضان أن يؤخر إلى رمضان الثاني، وحينئذ تكون فاعلة لشيء واجب فرض في الدين، وهذا لا يشترط فيه إذن الزوج ولا غير.
فصوم المرأة فيه تفصيل: أما التطوع فلا يجوز إلا بإذن الزوج، وأما الفرض فإن كان الوقت متسعاًَ، فإنه لا يجوز إلا بإذن الزوج، وإن كان لا يسع إلا مقدار ما عليها من الصوم، فإنه لا يشترط إذن الزوج، هذا إذا كان
حاضراً، أما إذا كان غائباً فلها أن تصوم.
وهل مثل ذلك الصلاة؟ يحتمل أن تكون الصلاة مثل الصوم، وأنها لا تتطوع في الصلاة إلا بإذنه، ويحتمل أن لا تكون مثل الصوم؛ لأن وقت الصلاة قصير بخلاف الصوم، الصوم كل النهار، والصلاة ليست كذلك، الصلاة ركعتان إذا كانت تطوعاً، والفريضة معروف أنه لا يشترط إذنه.
والظاهر أن الصلاة ليست كالصوم، فلها أن تصلي ولو كان زوجها حاضراً، إلا أن يمنعها فيقول: آنا محتاج إلى استمتاع، لا تصلين الضحى مثلاً لا تتهجدين الليلة.
على أنه لا يجوز للزوج أن يحرم زوجته الخير، إلا إذا كان هناك حاجة بأن غلبت عليه الشهوة، ولا يتمكن من الصبر، وإلا فعليه أن يكون عوناً لها على طاعة الله، وعلى فعل الخير؛ لأنه يكون مأجوراً بذلك كما أنها مأجورة أيضاً على الخير.
وأما إدخال أحد بيته بغير إذنه فظاهر. فلا يجوز أن تدخل أحداً بيته إلا بإذنه، لكن الإذن في إدخال البيت نوعان:
الإذن الأول: إذن العرف: يعني جرى به العرف مثل دخول امرأة الجيران والقريبات والصاحبات والزميلات وما أشبه ذلك، هذا جرى العرف به، وأن الزوج يأذن به، فلها أن تدخل هؤلاء إلا إذا منع وقال: لا تدخل عليك فلانة، فهنا يجب المنع، ويجب أن لا تدخل.
والإذن الثاني: إذن لفظي، بأن يقول لها: أدخلي من شئتي ولا حرج عليك إلا من رأيتي منه مضرة فلا تدخليه، فيتقيد الأمر بإذنه.
وفي هذا دليل على أن الزوج يتحكم في بيته أن يمنع حتى أم الزوجة إذا شاء أن يمنعها وحتى أختها وخالتها وعمتها، لكنه لا يمنعها من هؤلاء إلا إذا كان هناك ضرر عليه وعلى بيته؛ لأن بعض النساء والعياذ بالله لا يكون فيها خير تكون ضرراً على ابنتها وزوجها، تأتي إلى ابنتها وتحقنها من العداوة والبغضاء بينها وبين الزوج، حتى تكره زوجها، ومثل هذه الأم لا ينبغي أن تتصل بابنتها؛ لأنها تفسدها على زوجها، فهي كالسحرة الذين يتعلمون ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
* * *
3/283 ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)) متفق عليه.
4/284 ـ وعن أبي على طلق بن على رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور)) رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
5/285 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
6/286 ـ وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)) رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)) .
الخطاب للأمة جميعاً يبين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان راع ومسؤول عن رعيته. والراعي هو الذي يقوم على الشيء ويرعى مصالحة فيهيئها له، ويرعى مفاسده فيجنبه إياها، كراعي الغنم ينظر ويبحث عن المكان المربع حتى يذهب بالغنم إليه، وينظر في المكان المجدب فلا يتركها في هذا المكان.
هكذا بنو آدم كل إنسان راع، وكل مسؤول عن رعيته، فالأمير راع ومسؤول عن رعيته، والأمراء يختلفون في نفوذهم وفي مناطق أعمالهم، قد يكون هذا الأمير أميراً على قرية صغيرة، فتكون مسئوليته صغيرة، وقد يكون أميراً على مدينة كبيرة فتكون مسئوليته كبيرة، وفد يكون مسؤولاً عن أمة، كالأمير الذي ليس فوقه أمير في منطقته، كالملك مثلاً هنا، وكالرؤساء في البلاد الأخرى، وكأمراء المؤمنين في عهد عمر ابن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبي طالب، وكالخلفاء في زمن بني أمية وبني العباس وغيرهم.
فالرعاة تتنوع رعيتهم أو تتنوع رعايتهم ما بين مسؤولية كبيرة واسعة،
ومسؤولية صغيرة، ولهذا قال:((الأمير راع)) يعني هو مسؤول عن رعيته، الرجل راع لكن رعيته محصورة؛ هو راع في أهل بيته، في زوجته، في ابنه، في بنته، في أخته، في عمته، في خالته، كل من في بيته، راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، يجب عليه أن يرعاهم أحسن رعاية؛ لأنه مسؤول عنهم.
كذلك المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، يجب عليها، يجب أن تنصح في البيت،
في الطبخ، في القهوة، في الشاي، في الفرش، لا تطبخ أكثر من اللازم، ولا تجهز الشاي أكثر مما يحتاج إليه،
يجب عليها أن تكون امرأةً مقتصدة؛ فإن الاقتصاد نصف المعيشة، غير مفرطة فيما ينبغي.
مسؤولة أيضاً عن أولادها في إصلاحهم وإصلاح أحوالهم وشؤونهم، كإلباسهم الثياب، وخلع الثياب غير النظيفة، وتغيير فراشهم الذي ينامون عليه، وتغطيتهم في الشتاء وهكذا، مسؤولة عن كل هذا، مسؤولة عن الطبخ وإحسانه ونضجه، وهكذا مسؤولة عن كل ما في البيت.
كذلك العبد مسؤول وراع في مال سيده، ومسؤول عن رعيته، يجب عليه أن يحفظ مال سيده، وأن يتصرف فيه بما هو أحسن، وألا يفرط فيه، وألا يتعدى الحدود وهكذا، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.
أما بقية الأحاديث التي ساقها المؤلف؛ ـ ما عدا الأخير منها ـ فكلها أحاديث تحتاج إلى نظر في صحتها، لكن مجمل ما تدل عليه عظم حق الزوج على زوجته، وأن حق الزوج على زوجته عظيم، يجب عليها أن تقوم به، كما يجب عليه أن يقوم بحقها، كما قال الله تعالى:(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228] .
8/288 ـ وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) متفق عليه.
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ في نقله عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) .
والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأنه ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء، وذلك أن الناس كما قال تعالى:(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)[آل عمران: 14] .
كل هذه مما زين للناس في دنياهم، وصار سبباً لفتنتهم فيها، لكن أشدها فتنة النساء، ولهذا بدأ الله بها فقال:(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ)[آل عمران: 14] .
وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك يريد به الحذر من فتنة النساء، وأن يكون الناس منها على حذر؛ لأن الإنسان بشر إذا عرضت عليه الفتن، فإنه يخشى عليه منها.
ويستفاد منه سد كل طريق يوجب الفتنة بالمرأة، فكل طريق يوجب
الفتنة بالمرأة؛ فإن الواجب على المسلمين سده، ولذلك وجب على المرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب، فتغطي وجهها، وكذلك تغطي يديها ورجليها عند كثير من أهل العلم، ويجب عليها كذلك أن تبتعد عن الاختلاط بالرجال؛ لأن الاختلاط بالرجال فتنة وسبب للشر من الجانبين، من جانب الرجال ومن جانب النساء.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) وما ذلك إلا من أجل بعد المرأة عن الرجال، فكلما بعدت فهو خير وأفضل.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد، ولكنهن لا يختلطن مع الرجال، بل يكون لهن موضع خاص، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب الرجال وانتهى من خطبتهم، نزل فذهب إلى النساء فوعظهن وذكرهن، وهذا يدل على أن النساء كنّ في مكان منعزل عن الرجال.
وكان هذا والعصر عصر قوة في الدين وبُعد عن الفواحش، فكيف بعصرنا هذا؟
فإن الواجب توقي فتنة النساء بكل ما يستطاع، ولا ينبغي أن يغرنا ما يدعو إليه أهل الشر والفساد من المقلدين للكفار، من الدعوة إلى اختلاط المرأة بالرجال؛ فإن ذلك من وحي الشيطان والعياذ بالله، هو الذي يزين ذلك في قلوبهم، وإلا فلا شك أن الأمم التي كانت تقدم النساء وتجعلهن
مع الرجال مختلطات، لا شك أنها اليوم في ويلات عظيمة من هذا الأمر، يتمنون الخلاص منه فلا يستطيعون.
ولكن مع الأسف فإن بعض الناس منا ومن أبنائنا ومن أبناء جلدتنا يدعون إلى التحلل من مكارم الأخلاق، وإلى جلب الفتن إلى بلادنا، في توسع النساء، ومحاولة توظيفهن مع الرجال جنباً إلى جنب، نسأل الله تعالى أن يعصمنا والمسلمين من الشر والفتن إنه جواد كريم.