المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌45 ـ باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٣

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌28ـ باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة

- ‌29 ـ باب قضاء حوائج المسلمين

- ‌30 ـ باب الشفاعة

- ‌31 ـ باب الإصلاح بين الناس

- ‌32 ـ باب فضل ضعفة المسلمينوالفقراء والخاملين

- ‌33 ـ باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم، والتواضع معهم، وخفض الجناح لهم

- ‌34 ـ باب الوصية بالنساء

- ‌35 ـ باب حق الزوج على المرأة

- ‌36ـ باب النفقة على العيال

- ‌37ـ باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد

- ‌38 ـ باب وجوب أمر أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن المخالفة،وتأديبهم، ومنعهم من ارتكاب منهيٍّ عنه

- ‌39 ـ باب حق الجار والوصية به

- ‌40 ـ باب بر الوالدين وصلة الأرحام

- ‌41 ـ باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم

- ‌42 ـ باب بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه

- ‌43 ـ باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم

- ‌44 ـ باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبيهم

- ‌45 ـ باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة

- ‌46 ـ باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وماذا يقول له إذا أعلمه

- ‌47 ـ باب علامات حب الله تعالى للعبد والحث على التخلق بها والسعي في تحصيلها

- ‌48 ـ باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين

- ‌49 ـ باب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إلى الله تعالى

- ‌50 ـ باب الخوف

- ‌51 ـ باب الرجاء

- ‌52 ـ باب فضل الرجاء

- ‌53 ـ باب الجمع بين الخوف والرجاء

- ‌54 ـ باب فضل البكاء من خشية الله تعالى وشوقا إليه

- ‌55- باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها، وفضل الفقر

- ‌56- باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات

- ‌57- باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة

- ‌58- باب جواز الأخذ من غير مسألة ولا تطلع إليه

- ‌59- باب الحث على الأكل من عمل يده والتعفف به عن السؤال والتعرض للإعطاء

- ‌60- باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى

- ‌61- باب النهي عن البخل والشح

- ‌62- باب الإيثار والمواساة

- ‌63- باب التنافس في أمور الآخرة والاستنكار مما يتبرك به

- ‌64- باب فضل الغني الشاكر وهو من أخذ المال من وجهه وصرفه في وجوهه المأمور بها

- ‌65- باب ذكر الموت وقصر الأمل

- ‌66- بابُ استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر

- ‌67- باب كراهة تمني الموت بسبب ضُرّ نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين

- ‌68- باب الورع وترك الشبهات

- ‌69- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقع في حرام وشبهات ونحوها

- ‌71- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين

- ‌72- باب تحريم الكبر والإعجاب

- ‌73- باب حُسن الخُلق

- ‌74- باب الحلم والأناة والرفق

- ‌75- باب العفو والإعراض عن الجاهلين

- ‌76- باب احتمال الأذى

- ‌77- باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشّرع والانتصار لدين الله تعالى

- ‌78- باب أمر وُلاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم

- ‌79- باب الوالي العادل

- ‌80- باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية

الفصل: ‌45 ـ باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة

‌45 ـ باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة

قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً إلى قوله تعالى: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً)[60، 66] .

وقال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)[الكهف: 28] .

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ باب زيارة أهل الخير ومحبتهم وصحبتهم وطلب الزيارة منهم.

أهل الخير أهل العلم والإيمان والصلاح، ومحبتهم واجبة؛ لأن أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله، فإذا كان الإنسان محبته تابعة لمحبة الله، وبغضه تابعاً لبغض الله؛ فهذا هو الذي ينال ولاية الله عز وجل.

وأهل الخير إذا جالستهم فأنت على خير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح بحامل المسك؛ إما أن يحذيك يعني: يعطيك، وإما أن يبيعك، يعني يبيع عليك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة.

ص: 240

وكذلك ينبغي أن تطلب منهم أن يزوروك ويأتوا إليك لما في مجيئهم إليك من الخير.

ثم ذكر المؤلف قصة موسى عليه السلام مه الخضر فإن موسى قال لفتاه: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)[الكهف: 60] ؛ لأن الله أخبره بأن له عبداً من عباده آتاه رحمة منه وعلمه من لدنه علماً، فذهب موسى يطلب هذا الرجل حتى لقيه، وذكر الله تعالى قصتهما مبسوطة في سورة الكهف وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله، والله أعلم.

* * *

1/360 وعن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها: ما يبكيك أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم.

2/361 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال. هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟ قال: لا، غير أنى أحببته في الله تعالى، قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك

ص: 241

كما أحببته فيه)) رواه مسلم.

يقال: ((أرصده)) لكذا: إذا وكله بحفظه، و ((المدرجة)) بفتح الميم والراء: الطريق، ومعنى ((تربّها)) تقوم بها، وتسعى في صلاحها.

3/363 ـ وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عاد مريضاً أو زار أخاً في الله، ناداه منادٍ: بأن طبت، وطاب معشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ غريب..

4/363 ـ وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة)) متفق عليه.

((يحذيك)) : يعطيك.

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث في بيان فضل زيارة الإخوان بعضهم لبعض والمحبة في الله عز وجل.

ففي الحديث الأول في قصة الرجلين من الصحابة رضي الله عنهما،

ص: 242

زارا امرأة كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها. فزاراها من أجل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم إياها.

فلما جلسا عندها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله سبحانه وتعالى خير لرسوله؟ يعني خير من الدنيا.

فقالت: إني لا أبكي لذلك ولكن لا نقطاع الوحي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات انقطع الوحي، فلا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أكمل الله شريعته قبل أن يتوفى، فقال تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً)[المائدة: 3] ، فجعلا يبكيان؛ لأنها ذكرتهما بما كانا قد نسياه.

وأما الأحاديث الأخرى ففيها أيضاً فضل الزيارة لله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى يثيب من زار أخاه أو عاده في مرضه، فيقال له: طبت وطاب ممشاك. ويقال لمن زار أخاه لغير أمر دنيوي ولكن لمحبته في الله: إن الله أحبك كما أحببته فيه.

والزيارة لها فوائد فمع هذا الأجر العظيم، فهي تؤلف القلوب، وتجمع الناس، وتذكر الناسي، وتنبه الغافل، وتعلم الجاهل، وفيها مصالح كثيرة يعرفها من جربها.

وأما عيادة المريض ففيها كذلك أيضاً من المصالح والمنافع الشيء الكثير، وقد سبق لنا أنها من حقوق المسلم على المسلم: أن يعوده إذا مرض، ويذكره بالله عز وجل، بالتوبة والوصية وغير ذلك مما يستفيد منه.

فهذه الأحاديث وأشباهها تدل على أنه ينبغي للإنسان أن يفعل ما فيه المودة والمحبة لإخوانه؛ من زيارة وعيادة واجتماع وغير ذلك.

ص: 243

5/364 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) متفق عليه.

ومعناه: أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين، واظفر بها، واحرص على صحبتها.

6/365 ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: ((ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟)) فنزلت: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ) رواه البخاري.

7/366 ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) .

رواه أبو داود، والترمذي بإسناد لا بأس به.

8/367 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) .

رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن.

ص: 244

9/368 ـ وعن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((المرء مع من أحب)) متفق عليه.

وفي رواية قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟

قال: ((المرء مع من أحب)) .

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف رحمه الله فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها. فاظفر بذات الدين)) .

يعني لأن الأغراض التي تنكح من أجلها المرأة في الغالب تنحصر في هذه الأربع:

المال: من أجل أن ينتفع به الزوج.

والحسب: يعني أن تكون من قبيلة شريفة، من أجل أن يرتفع بها الزوج.

والجمال: من أجل أن يتمتع بها الزوج.

والدين: من أجل أن تعينه على دينه، وتحفظ أمانته وترعى أولاده.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) يعني تمسك بها واحرص عليها، وحث على ذلك بقوله:((تربت يداك)) وهذه الكلمة تقال

ص: 245

عند العرب للحث على الشيء.

ثم ذكر المؤلف أيضاً حديث جبريل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا تزورنا أكثر مما تزورنا)) فنزلت: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)[مريم: 64]

ففي هذا الحديث طلب زيارة أهل الخير إلى بيتك. فتطلب منهم أن يزوروك من أجل تنتفع بصحبتهم.

وكذلك في حديث أبي هريرة صحبة المرأة الدينة تعينك على دين الله.

وقد سبق أيضاً أن مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يحذيك يعني يعطيك منه، أو يبيعك، أو تجد منه رائحة طيبة.

ثم ذكر المؤلف أحاديث بهذا المعنى، مثل ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل)) يعني أن الإنسان يكون في الدين، وكذلك في الخلق على حسب من يصاحبه، فلينظر أحدكم من يصاحب، فإن صاحب أهل الخير؛ صار منهم، وإن صاحب سواهم؛ صار مثلهم.

فالحاصل أن هذه الأحاديث وأمثالها كلها تدل على أنه ينبغي للإنسان أن يصطحب الأخيار، وأن يزورهم ويزوروه لما في ذلك من الخير، والله الموفق.

* * *

ص: 246

10/369 ـ وعن أنس رضي الله عنه أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أعددت لها؟)) قال: حب الله ورسوله. قال: ((أنت مع من أحببت))

متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.

وفي رواية لهما: ما أعددت لها من كثير صوم، ولا صلاة ولا صدقة، ولكن أحب الله ورسوله.

11/370 ـ وعن أبن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((المرء مع من أحب)) متفق عليه.

12/371 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)) رواه مسلم.

وروى البخاري قوله: ((الأرواح)) إلخ من رواية عائشة رضي الله عنها.

ص: 247

13/372 ـ وعن أسير بن عمرو ويقال: ابن جابر وهو ((بضم الهمزة وفتح السبن المهملة)) قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟

حتى أتى على أويس رضي الله عنه، فقال له: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم قال: لك والدة؟ قال: نعم.

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن كان به برص، فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل)) فاستغفر لي فاستغفر له.

فقال له: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي.

فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافى عمر، فسأله عن أويس، فقال: تركته رث البيت قليل المتاع.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع امداد من أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل)) .

فأتى أويساً، فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدا ً بسفر صالح، فاستغفر لي قال: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له ففطن له الناس، فانطلق على

ص: 248

وجهه رواه مسلم.

وفي رواية لمسلم أيضاً عن أسير جابر رضي الله عنه أن أهل الكوفة وفدوا على عمر رضي الله عنه، وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل هاهنا أحد من القربيين؟ فجاء ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: ((إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له: أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض فدعا الله تعالى، فأذهبه إلا موضع الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فليستغفر لكم)) .

وفي رواية له عن عمر رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة وكان به بياض فمروه، فيستغفر لكم)) .

قوله: ((غبراء الناس)) بفتح الغين المعجمة، وإسكان الباء وبالمد، وهم فقراؤهم وصعاليكهم ومن لا يعرف عينه من أخلاطهم، و ((الأمداد)) جمع مدد وهم الأعوان والناصرون الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد.

14/373 ـ وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فإذن لي، وقال:((لا تنسنا يا أخي من دعائك)) فقال كلمة ما يسرني

ص: 249

أن لي بها الدنيا.

وفي رواية قال: ((أشركنا يا أخي في دعائك)) .

حديث صحيح رواه أبو داود، والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

15/374 ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور قباء راكباً وماشياً، فيصلى فيه ركعتين، متفق عليه.

وفي رواية: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت راكباً وماشياً، وكان ابن عمر يفعله))

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث تتعلق بالباب الذي ذكره المؤلف؛ من أنه ينبغي إكرام العلماء وتوقيرهم واحترامهم ومصاحبة أهل الخير والصلاح وزيارتهم ودعوتهم للزيارة وما أشبه ذلك.

ففي الحديث الأول عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أعرابياً قال: يا رسول الله؛ متى الساعة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ماذا أعددت لها؟)) قال: حب الله ورسوله.

ففي هذا الحديث دليل على أنه ليس الشأن كل الشأن أن يسأل الإنسان

ص: 250

متى يموت؟ ولكن على أي حال يموت؟ هل يموت على خاتمة؟ أو على خاتمة سيئة؟

ولهذا قال: ((ماذا أعددت لها؟)) يعني لا تسأل عنها فإنها ستأتي.

قال تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا)[النازعات: 42] وقال تعالى: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً)[الأحزاب: 63]، وقال تعالى:(وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)[الشورى: 17] .

لكن الشأن ماذا أعددت لها؟ هل عملت؟ هل أنبت إلى ربك؟ هل تبت من ذنبك؟ هذا هو المهم.

وكذلك حديث ابن مسعود وما ذكره المؤلف بعد من فضل محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الإنسان إذا أحب قوماً كان منهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:((المرء مع من أحب)) .

قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام بشيء فرحنا بهذا الحديث، فأنا أحب الله ورسوله. أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبا أبا بكر وعمر، فالمرء مع من أحب؛ لأنه إذا أحب قوماً فإنه يألفهم، ويتقرب منهم، ويتخلق بأخلاقهم، ويقتدي بأفعالهم، كما هي طبيعة البشر.

وأما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أراد أن يعتمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تنسنا من دعائك ـ أو ـ أشركنا في دعائك)) فهذا حديث ضعيف وإن صححه المؤلف، فطريقة المؤلف رحمه الله له أنه يتساهل في الحكم على الحديث إذا كان في فضائل الأعمال.

ص: 251

وهذا وإن كان يصدر عن حسن نية، لكن الواجب اتباع الحق؛ فالصحيح صحيح، والضعيف ضعيف، وفضائل الأعمال تدرك بغير تصحيح الأحاديث الضعيفة.

نعم أمر النبي عليه الصلاة والسلام من رأى أويساً القرني أو القرني أن يطلب منه الدعاء. لكن هذا خاص به؛ لأنه كان رجلاً باراً بأمه، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يرفع ذكره في هذه الدنيا قبل جزاء الآخرة.

ولهذا لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يطلب أحد من أحد أن يدعو له، مع أن هناك من هو أفضل من أويس؛ فأبو بكر أفضل من أويس بلا شك، وغيره من الصحابة أفضل منه من حيث الصحبة، وما أمر النبي عليه الصلاة والسلام أحداً أن يطلب الدعاء من أحد.

فالصواب أنه لا ينبغي أن يطلب أحد الدعاء من غيره ولو كان رجلاً صالحاً، وذلك لأن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي خلفائه الراشدين، أما إذا كان الدعاء عاماً، يعني تريد أن تطلب من هذا الرجل الصالح أن يدعو بدعاء عام، كأن تطلب منه أن يدعو الله تعالى بالغيث أو برفع الفتن عن الناس أو ما أشبه ذلك، فلا بأس؛ لأن هذا لمصلحة غيرك، كما لو سألت المال للفقير، فإنك لا تلام على هذا ولا تذم.

وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام فإن سؤال الصحابة له من خصوصياته، يسألونه أن يدعو الله لهم، كما قال الرجل حين حدث النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقام عكاشة ابن محصن قال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: ((أنت منهم)) ثم قال رجل آخر

ص: 252

فقال صلى الله عليه وسلم: ((سبقك بها عكاشة)) .

وكما قالت المرأة التي كانت تصرع، حيث طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها. فقال:((إن شئت دعوت الله لك، وإن شئت صبرت ولك الجنة)) . فقالت: أصبر ولكن ادع الله ألا تنكشف عورتي.

فالحاصل أن الرسول عليه الصلاة والسلام من خصوصياته أن يسأل الدعاء، أما غيره فلا.

نعم لو أراد الإنسان أن يسأل من غيره الدعاء وقصده مصلحة الغير، يعني يريد أن الله يثيب هذا الرجل على دعوته لأخيه، أو أن الله تعالى يستجيب دعوته؛ لأنه إذا دعا الإنسان لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله، فالأعمال بالنيات. فهذا لم ينو ذلك لمصلحة نفسه خاصة؛ بل لمصلحة نفسه ومصلحة أخيه الذي طلب منه الدعاء، فالأعمال بالنيات.

أما المصلحة الخاصة فهذا كما قال الشافعي رحمه الله يدخل في المسألة المذمومة، وقد بايع صلى الله عليه وسلم أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئاً.

ص: 253