الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ قَابِيلَ وَهَابِيلَ]
[الْمَائِدَةِ: 27 - 31] . قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَلْنَذْكُرْ هُنَا مُلَخَّصَ مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ، فَذَكَرَ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَنَّ آدَمَ كَانَ يُزَوِّجُ ذَكَرَ كُلِّ بَطْنٍ بِأُنْثَى الْأُخْرَى، وَأَنَّ هَابِيلَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِ قَابِيلَ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ هَابِيلَ، وَأُخْتُ قَابِيلَ أَحْسَنُ فَأَرَادَ قَابِيلُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِهَا عَلَى أَخِيهِ، وَأَمَرَهُ آدَمُ عليه السلام أَنْ يُزَوِّجَهُ إِيَّاهَا فَأَبَى، فَأَمَرَهُمَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا، وَذَهَبَ آدَمُ لِيَحُجَّ
إِلَى مَكَّةَ، وَاسْتَحْفَظَ السَّمَاوَاتِ عَلَى بَنِيهِ فَأَبَيْنَ، وَالْأَرَضِينَ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ، فَتَقَبَّلَ قَابِيلُ بِحِفْظِ ذَلِكَ، فَلَمَّا ذَهَبَ قَرَّبَا قُرْبَانَهُمَا، فَقَرَّبَ هَابِيلُ جَذَعَةً سَمِينَةً، وَكَانَ صَاحِبَ غَنَمٍ، وَقَرَّبَ قَابِيلُ حِزْمَةً مِنْ زَرْعٍ مِنْ رَدِيءِ زَرْعِهِ، فَنَزَلَتْ نَارٌ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ، وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ فَغَضِبَ. وَقَالَ: لِأَقْتُلَنَّكَ حَتَّى لَا تَنْكِحَ أُخْتِي. فَقَالَ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ، وَلَكِنْ مَنْعَهُ التَّحَرُّجُ أَنْ يَبْسُطَ إِلَيْهِ يَدَهُ.
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: أَنَّ آدَمَ كَانَ مُبَاشِرًا لِتَقَرُّبِهِمَا الْقُرْبَانَ، وَالتَّقَبُّلُ مِنْ هَابِيلَ دُونَ قَابِيلَ، فَقَالَ: قَابِيلُ لِآدَمَ: إِنَّمَا تَقُبِّلَ مِنْهُ لِأَنَّكَ دَعَوْتَ لَهُ، وَلَمْ تَدْعُ لِي. وَتَوَعَّدَ أَخَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ أَبْطَأَ هَابِيلُ فِي الرَّعْيِ، فَبَعَثَ آدَمُ أَخَاهُ قَابِيلَ لِيَنْظُرَ مَا أَبْطَأَ بِهِ، فَلَمَّا ذَهَبَ إِذَا هُوَ بِهِ فَقَالَ لَهُ: تُقُبِّلَ مِنْكَ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنِّي. فَقَالَ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. فَغَضِبَ قَابِيلُ عِنْدَهَا، وَضَرَبَهُ بِحَدِيدَةٍ كَانَتْ مَعَهُ فَقَتَلَهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ بِصَخْرَةٍ رَمَاهَا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَشَدَخَتْهُ. وَقِيلَ: بَلْ خَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا وَعَضًّا، كَمَا تَفْعَلُ السِّبَاعُ فَمَاتَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ لَهُ لَمَّا تَوَعَّدَهُ بِالْقَتْلِ: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28] . دَلَّ عَلَى خُلُقٍ حَسَنٍ، وَخَوْفٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَشْيَةٍ مِنْهُ، وَتَوَرُّعٍ أَنْ يُقَابِلَ أَخَاهُ بِالسُّوءِ الَّذِي أَرَادَ مِنْهُ أَخُوهُ مِثْلُهُ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» . وَقَوْلُهُ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 29] . أَيْ: إِنِّي أُرِيدُ تَرْكَ مُقَاتَلَتِكَ، وَإِنْ كُنْتُ أَشَدَّ مِنْكَ، وَأَقْوَى إِذْ قَدْ عَزَمْتَ عَلَى مَا عَزَمْتَ عَلَيْهِ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ. أَيْ: تَتَحَمَّلُ إِثْمَ قَتْلِي مَعَ مَا لَكَ مِنَ الْآثَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ آثَامَ الْمَقْتُولِ تَتَحَوَّلُ بِمُجَرَّدِ قَتْلِهِ إِلَى الْقَاتِلِ، كَمَا قَدْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَإِنَّ ابْنَ جَرِيرٍ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُورِدُهُ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْلَمُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَا تَرَكَ الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ذَنْبٍ» . فَلَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَيْضًا، وَلَكِنْ قَدْ يَتَّفِقُ فِي بَعْضِ الْأَشْخَاصِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُطَالِبُ الْمَقْتُولُ الْقَاتِلَ، فَتَكُونُ حَسَنَاتُ الْقَاتِلِ لَا تَفِي بِهَذِهِ الظُّلْمَةِ فَتُحَوَّلُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَقْتُولِ إِلَى الْقَاتِلِ، كَمَا ثَبَتَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي سَائِرِ الْمَظَالِمِ، وَالْقَتْلُ مَنْ أَعْظَمِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ حَرَّرْنَا هَذَا كُلَّهُ فِي التَّفْسِيرِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍّ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ فِتْنَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي» . قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ لِيَقْتُلَنِي. قَالَ: «كُنْ كَابْنِ آدَمَ» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مَرْفُوعًا. وَقَالَ «كُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ» . وَرَوَى مُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوَ هَذَا.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ; لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» . وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا مِثْلَ هَذَا سَوَاءً.
وَبِجَبَلِ قَاسِيُونَ شَمَالِيَّ دِمَشْقَ مَغَارَةٌ يُقَالُ لَهَا: مَغَارَةُ الدَّمِ. مَشْهُورَةٌ بِأَنَّهَا الْمَكَانُ الَّذِي قَتَلَ قَابِيلُ أَخَاهُ هَابِيلَ عِنْدَهَا. وَذَلِكَ مِمَّا تَلَقَّوْهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ كَثِيرٍ. وَقَالَ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمْرَ، وَهَابِيلَ، وَأَنَّهُ
اسْتَحْلَفَ هَابِيلَ أَنَّ هَذَا دَمُهُ فَحَلَفَ لَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْمَكَانَ يُسْتَجَابُ عِنْدَهُ الدُّعَاءُ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ: إِنَّهُ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمْرَ يَزُورُونَ هَذَا الْمَكَانَ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ. وَهَذَا مَنَامٌ لَوْ صَحَّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ كَثِيرٍ هَذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: 31] . ذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَهُ حَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ سَنَةً. وَقَالَ آخَرُونَ: حَمَلَهُ مِائَةَ سَنَةٍ. وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ. قَالَ السُّدِّيُّ: بِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ: أَخَوَيْنِ فَتَقَاتَلَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَلَمَّا قَتَلَهُ عَمَدَ إِلَى الْأَرْضِ فَحَفَرَ لَهُ فِيهَا، ثُمَّ أَلْقَاهُ وَدَفَنَهُ وَوَارَاهُ. فَلَمَّا رَآهُ يَصْنَعُ ذَلِكَ، قَالَ:{يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} [المائدة: 31] . فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْغُرَابُ فَوَارَاهُ، وَدَفَنَهُ.
وَذَكَرَ أَهْلُ التَّوَارِيخِ وَالسِّيَرِ أَنَّ آدَمَ حَزِنَ عَلَى ابْنِهِ هَابِيلَ حُزْنًا شَدِيدًا، وَأَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا، وَهُوَ قَوْلُهُ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ.
تَغَيَّرَتِ اَلْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا
…
فَوَجْهُ اَلْأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي طَعْمٍ وَلَوْنٍ
…
وَقَلَّ بَشَاشَةً اَلْوَجْهُ اَلْمَلِيحُ
فَأُجِيبَ
آدَمُ.
أَبَا هَابِيلَ قَدْ قُتِلَا جَمِيعًا
وَصَارَ اَلْحَيُّ كَالْمَيْتِ اَلذَّبِيحِ
…
وَجَاءَ بَشَرَّةٍ قَدْ كَانَ مِنْهَا
عَلَى خَوْفٍ فَجَاءَ بِهَا يَصِيحُ
وَهَذَا الشِّعْرُ فِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يَكُونُ آدَمُ عليه السلام قَالَ كَلَامًا يَتَحَزَّنُ بِهِ بِلُغَتِهِ فَأَلَّفَهُ بَعْضُهُمْ إِلَى هَذَا وَفِيهِ أَقْوَالٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ مُجَاهِدٌ: أَنَّ قَابِيلَ عُوجِلَ بِالْعُقُوبَةِ يَوْمَ قُتِلَ أَخَاهُ، فَعُلِّقَتْ سَاقُهُ إِلَى فَخِذِهِ، وَجُعِلَ وَجْهُهُ إِلَى الشَّمْسِ كَيْفَمَا دَارَتْ تَنْكِيلًا بِهِ وَتَعْجِيلًا لِذَنْبِهِ وَبَغْيِهِ وَحَسَدِهِ لِأَخِيهِ لِأَبَوَيْهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لِصَاحِبِهِ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» .
وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ التَّوْرَاةُ: أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَجَّلَهُ وَأَنْظَرَهُ، وَأَنَّهُ سَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ فِي شَرْقِيِّ عَدَنٍ، وَهُمْ يُسَمُّونَهُ قَيْنًا، وَأَنَّهُ وُلِدَ لَهُ خَنُوخُ، وَلِخَنُوخَ عُنْدَرُ،
وَلِعُنْدَرَ مَحْوَاوِيلُ، وَلِمَحْوَاوِيلَ مَتُّوشِيلُ، وَلِمَتُّوشِيلَ لَامَكُ، وَتَزَوَّجَ هَذَا امْرَأَتَيْنِ عَدَّا وَصَلَا، فَوَلَدَتْ عَدَّا وَلَدًا اسْمُهُ أَبُلُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَكَنَ الْقِبَابَ وَاقْتَنَى الْمَالَ، وَوَلَدَتْ أَيْضًا تَوْبَلَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ فِي ضَرْبِ الْوَنَجِ وَالصَّنْجِ، وَوَلَدَتْ صَلَا وَلَدًا اسْمُهُ تُوبَلْقِينُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ النُّحَاسَ وَالْحَدِيدَ، وَبِنْتًا اسْمُهَا نُعْمَى. وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ آدَمَ طَافَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَدَعَتِ اسْمَهُ شِيثَ، وَقَالَتْ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لِي خَلَفًا مِنْ هَابِيلَ الَّذِي قَتَلَهُ قَابِيلُ. وَوُلِدَ لِشِيثَ أَنُوشُ. قَالُوا: وَكَانَ عُمُرُ آدَمَ يَوْمَ وُلِدَ لَهُ شِيثُ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ عُمُرُ شِيثَ يَوْمَ وُلِدَ لَهُ أَنُوشُ مِائَةً وَخَمْسًا وَسِتِّينَ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ وَسَبْعِ سِنِينَ، وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ غَيْرُ أَنُوشَ، فَوُلِدَ لِأَنُوشَ قَيْنَانُ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ تِسْعُونَ سَنَةً،
وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ، فَلَمَّا كَانَ عُمْرُ قَيْنَانَ سَبْعِينَ سَنَةً وُلِدَ لَهُ مَهْلَائِيلُ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ، فَلَمَّا كَانَ لِمَهْلَائِيلَ مِنَ الْعُمُرِ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وُلِدَ لَهُ يَرْدُ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَلَمَّا كَانَ لِيَرْدَ مِائَةُ سَنَةٍ وَاثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً وُلِدَ لَهُ خَنُوخُ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ، وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَلَمَّا كَانَ لِخَنُوخَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وُلِدَ لَهُ مَتُّوشَلَخُ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ، وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَلَمَّا كَانَ لِمَتُّوشَلَخَ مِائَةٌ وَسَبْعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وُلِدَ لَهُ لَامَكُ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعَمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ، فَلَمَّا كَانَ لِلَامَكَ مِنَ الْعُمُرِ مِائَةٌ وَاثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سَنَةً وُلِدَ لَهُ نُوحٌ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ خَمْسَمِائَةٍ، وَخَمْسًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ، فَلَمَّا كَانَ لِنُوحَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وُلِدَ لَهُ بِنُونَ ; سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ. هَذَا مَضْمُونُ مَا فِي كِتَابِهِمْ صَرِيحًا.
وَفِي كَوْنِ هَذِهِ التَّوَارِيخِ مَحْفُوظَةً فِيمَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ نَظَرٌ، كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ طَاعِنِينَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُقْحَمَةٌ فِيهَا. ذَكَرَهَا
بَعْضُهُمْ عَلَى سَبِيلِ الزِّيَادَةِ وَالتَّفْسِيرِ. وَفِيهَا غَلَطٌ كَثِيرٌ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوَاضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ حَوَّاءَ وَلَدَتْ لِآدَمَ أَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي عِشْرِينَ بَطْنًا. قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَسَمَّاهُمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقِيلَ: مِائَةً وَعِشْرِينَ بَطْنًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، أَوَّلُهُمْ قَابِيلُ وَأُخْتُهُ قِلِيمَا، وَآخِرُهُمْ عَبْدُ الْمُغِيثِ وَأُخْتُهُ أَمَةُ الْمُغِيثِ، ثُمَّ انْتَشَرَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَثُرُوا وَامْتَدُّوا فِي الْأَرْضِ وَنَمَوْا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] . الْآيَةَ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّارِيخِ أَنَّ آدَمَ عليه السلام لَمْ يَمُتْ حَتَّى رَأَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ نَسَمَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْأَعْرَافِ: 189 - 190] .
الْآيَاتِ. فَهَذَا تَنْبِيهٌ أَوَّلًا بِذِكْرِ آدَمَ، ثُمَّ اسْتَطْرَدَ إِلَى الْجِنْسِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا ذِكْرَ آدَمَ وَحَوَّاءَ بَلْ لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الشَّخْصِ اسْتَطْرَدَ إِلَى الْجِنْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 12]
[الْمُلْكِ: 5] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ رُجُومَ الشَّيَاطِينِ لَيْسَتْ هِيَ أَعْيَانَ مَصَابِيحِ السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا اسْتَطْرَدَ مِنْ شَخْصِهَا إِلَى جِنْسِهَا.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَمَّا، وَلَدَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ، وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ فَإِنَّهُ يَعِيشُ. فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ فَعَاشَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفَاسِيرِهِمْ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ فَهَذِهِ عِلَّةٌ قَادِحَةٌ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا
عَلَى الصَّحَابِيِّ، وَهَذَا أَشْبَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَلَقَّاهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ. وَهَكَذَا رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُتَلَقًّى عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَمَنْ دُونَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ فَسَّرَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَاوِي الْحَدِيثِ هَذِهِ الْآيَةَ بِخِلَافِ هَذَا، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا لَمَا عَدَلَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَيْضًا فَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَ آدَمَ وَحَوَّاءَ لِيَكُونَا أَصْلَ الْبَشَرِ، وَلِيَبُثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً فَكَيْفَ كَانَتْ حَوَّاءُ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، كَمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا. وَالْمَظْنُونُ بَلِ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ رَفْعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ وَقْفُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ حَرَّرْنَا هَذَا فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. ثُمَّ قَدْ كَانَ آدَمُ وَحَوَّاءُ أَتْقَى لِلَّهِ مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُمَا فِي هَذَا فَإِنَّ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الْأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: " مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الرُّسُلُ مِنْهُمْ؟ قَالَ: " ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، جَمٌّ غَفِيرٌ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كَانَ أَوَّلَهُمْ؟ قَالَ: " آدَمُ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ. خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، ثُمَّ سَوَّاهُ قُبُلًا ".»
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ هُرْمُزَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ الْمَلَائِكَةِ جِبْرِيلُ، وَأَفْضَلُ النَّبِيِّينَ آدَمُ وَأَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَأَفْضَلُ الشُّهُورِ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَأَفْضَلُ اللَّيَالِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَأَفْضَلُ النِّسَاءِ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ» . وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ نَافِعًا أَبَا هُرْمُزَ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَيْسَ أَحَدٌ فِي الْجَنَّةِ لَهُ لِحْيَةٌ إِلَّا آدَمَ لِحْيَتُهُ سَوْدَاءُ إِلَى سُرَّتِهِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُكْنَى فِي الْجَنَّةِ إِلَّا آدَمُ كُنْيَتُهُ فِي الدُّنْيَا أَبُو الْبَشَرِ، وَفِي الْجَنَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ شَيْخِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا «. أَهْلُ الْجَنَّةِ يُدْعَوْنَ بِأَسْمَائِهِمْ إِلَّا آدَمَ فَإِنَّهُ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ» . وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا
مَرَّ بِآدَمَ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ لَهُ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قَالَ: وَإِذَا عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ عَنْ شِمَالِهِ بَكَى، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ . قَالَ: هَذَا آدَمُ وَهَؤُلَاءِ نَسَمُ بَنِيهِ فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ أَهْلِ الْيَمِينِ، وَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ أَهْلِ الشِّمَالِ، وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ بَكَى» . هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ عَقْلُ آدَمَ مِثْلَ عَقْلِ جَمِيعِ وَلَدِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَمَرَرْتُ بِيُوسُفَ وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ» . قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُسْنِ آدَمَ عليه السلام، وَهَذَا مُنَاسِبٌ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَصَوَّرَهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ فَمَا كَانَ لِيَخْلُقَ إِلَّا أَحْسَنَ الْأَشْيَاءِ. وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَمْرٍو أَيْضًا مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا:«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا رَبَّنَا اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ فَإِنَّكَ خَلَقْتَ لِبَنِي آدَمَ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدِيَّ كَمَنَ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ» . وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» . وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ «. إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ عز وجل» . وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَذَكَرُوا فِيهِ مَسَالِكَ كَثِيرَةً لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.