الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ مُرُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْحِجْرِ مِنْ أَرْضِ ثَمُودَ عَامَ تَبُوكَ]
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ عَلَى تَبُوكَ نَزَلَ بِهِمُ الْحِجْرَ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ، فَاسْتَقَى النَّاسُ مِنَ الْآبَارِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا ثَمُودُ، فَعَجَنُوا مِنْهَا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ فَأَهْرَاقُوا الْقُدُورَ، وَعَلَفُوا الْعَجِينَ الْإِبِلَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا النَّاقَةُ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا، وَقَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ» .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْحِجْرِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا مَرَّ بِمَنَازِلِهِمْ قَنَّعَ رَأْسَهُ، وَأَسْرَعَ رَاحِلَتَهُ، وَنَهَى عَنْ دُخُولِ مَنَازِلِهِمْ «إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ» . وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» . صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَوْسَطَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَاسْمُهُ: عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ، وَيُقَالُ: عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَسَارَعَ النَّاسُ إِلَى أَهْلِ الْحِجْرِ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَادَى فِي النَّاسِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُمْسِكٌ بَعِيرَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؟ فَنَادَاهُ رَجُلٌ: نَعْجَبُ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؟ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا وَسَدِّدُوا، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ لَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ» . إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْمَ صَالِحٍ كَانَتْ أَعْمَارُهُمْ طَوِيلَةً، فَكَانُوا يَبْنُونَ الْبُيُوتَ مِنَ الْمَدَرِ فَتَخْرَبُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ، فَنَحَتُوا لَهُمْ بُيُوتًا فِي الْجِبَالِ، وَذَكَرُوا أَنَّ صَالِحًا عليه السلام لَمَّا سَأَلُوهُ آيَةً، فَأَخْرَجَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ مِنَ الصَّخْرَةِ أَمَرَهُمْ بِهَا وَبِالْوَلَدِ الَّذِي كَانَ فِي جَوْفِهَا، وَحَذَّرَهُمْ بَأْسَ اللَّهِ إِنْ هُمْ نَالُوهَا بِسُوءٍ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ سَيَعْقِرُونَهَا، وَيَكُونُ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ لَهُمْ صِفَةَ عَاقِرِهَا، وَأَنَّهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ أَصْهَبُ، فَبَعَثُوا الْقَوَابِلَ فِي الْبَلَدِ مَتَى وَجَدُوا مَوْلُودًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَقْتُلْنَهُ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا، وَانْقَرَضَ جِيلٌ وَأَتَى جِيلٌ آخَرُ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَعْصَارِ خَطَبَ رَئِيسٌ
مِنْ رُؤَسَائِهِمْ عَلَى ابْنِهِ بِنْتَ آخَرَ مِثْلِهِ فِي الرِّيَاسَةِ، فَزَوَّجَهُ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا عَاقِرُ النَّاقَةِ، وَهُوَ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ، فَلَمْ تَتَمَكَّنِ الْقَوَابِلُ مِنْ قَتْلِهِ لِشَرَفِ أَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ فِيهِمْ، فَنَشَأَ نَشْأَةً سَرِيعَةً فَكَانَ يَشِبُّ فِي الْجُمُعَةِ، كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي شَهْرٍ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ خَرَجَ مُطَاعًا فِيهِمْ رَئِيسًا بَيْنَهُمْ، فَسَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ عَقْرَ النَّاقَةِ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَهُمُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَ صَالِحٍ عليه السلام، فَلَمَّا وَقَعَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا وَقَعَ مِنْ عَقْرِ النَّاقَةِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ صَالِحًا عليه السلام جَاءَهُمْ بَاكِيًا عَلَيْهَا فَتَلَقَّوْهُ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ عَنْ مَلَأٍ مِنَّا، وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا هَؤُلَاءِ الْأَحْدَاثُ فِينَا، فَيُقَالُ إِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِاسْتِدْرَاكِ سَقْبِهَا حَتَّى يُحْسِنُوا إِلَيْهِ عِوَضًا عَنْهَا، فَذَهَبُوا وَرَاءَهُ فَصَعِدَ جَبَلًا هُنَاكَ، فَلَمَّا تَصَاعَدُوا فِيهِ وَرَاءَهُ تَعَالَى الْجَبَلُ حَتَّى ارْتَفَعَ فَلَا يَنَالُهُ الطَّيْرُ، وَبَكَى الْفَصِيلُ حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ صَالِحًا عليه السلام، وَرَغَا ثَلَاثًا فَعِنْدَهَا قَالَ صَالِحٌ:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] . وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يُصْبِحُونَ مِنْ غَدِهِمْ صُفْرًا، ثُمَّ تَحْمَرُّ وُجُوهُهُمْ فِي الثَّانِي، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَتَتْهُمُ صَيْحَةٌ فِيهَا صَوْتُ كُلِّ صَاعِقَةٍ فَأَخْمَدَتْهُمْ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ، وَفِي بَعْضِ هَذَا السِّيَاقِ نَظَرٌ وَمُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ مَا يُفْهَمُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي شَأْنِهِمْ وَقِصَّتِهِمْ، كَمَا قَدَّمْنَا. وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.