الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ وَفَاةِ آدَمَ وَوَصِيَّتِهِ إِلَى ابْنِهِ شِيثَ]
وَمَعْنَى شِيثَ: هِبَةُ اللَّهِ، وَسَمَّيَاهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا رُزِقَاهُ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ هَابِيلُ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِائَةَ صَحِيفَةٍ وَأَرْبَعَ صُحُفٍ عَلَى شِيثَ خَمْسِينَ صَحِيفَةً» . قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا حَضَرَتْ آدَمَ الْوَفَاةُ عَهِدَ إِلَى ابْنِهِ شِيثَ، وَعَلَّمَهُ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَعَلَّمَهُ عِبَادَاتِ تِلْكَ السَّاعَاتِ، وَأَعْلَمَهُ بِوُقُوعِ الطُّوفَانِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: وَيُقَالُ إِنَّ أَنْسَابَ بَنِي آدَمَ الْيَوْمَ كُلُّهَا تَنْتَهِي إِلَى شِيثَ، وَسَائِرُ أَوْلَادِ آدَمَ غَيْرَهُ انْقَرَضُوا وَبَادُوا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِمَا تُوُفِّيَ آدَمُ عليه السلام، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَاءَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِحَنُوطٍ، وَكَفَنٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عز وجل مِنَ الْجَنَّةِ، وَعَزُّوا فِيهِ ابْنَهُ، وَوَصِيَّهُ شِيثَ عليه السلام قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَكَسَفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُتَيٍّ هُوَ ابْنُ ضَمْرَةَ السَّعْدِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ شَيْخًا بِالْمَدِينَةِ يَتَكَلَّمُ فَسَأَلْتُ عَنْهُ. فَقَالُوا: هَذَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَيْ بَنِيَّ إِنِّي أَشْتَهِي مِنْ ثِمَارِ
الْجَنَّةِ. قَالَ: فَذَهَبُوا يَطْلُبُونَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَمَعَهُمْ أَكْفَانُهُ وَحَنُوطُهُ، وَمَعَهُمُ الْفُئُوسُ وَالْمَسَاحِي وَالْمَكَاتِلُ، فَقَالُوا لَهُمْ: يَا بَنِي آدَمَ مَا تُرِيدُونَ وَمَا تَطْلُبُونَ؟ أَوْ مَا تُرِيدُونَ وَأَيْنَ تَطْلُبُونَ؟ قَالُوا: أَبُونَا مَرِيضٌ، وَاشْتَهَى مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ. فَقَالُوا لَهُمْ: ارْجِعُوا فَقَدْ قُضِيَ أَبُوكُمْ، فَجَاءُوا، فَلَمَّا رَأَتْهُمْ حَوَّاءُ عَرَفَتْهُمْ فَلَاذَتْ بِآدَمَ، فَقَالَ: إِلَيْكِ عَنِّي، فَإِنِّي إِنَّمَا أُتِيتُ مِنْ قِبَلِكِ فَخَلِّي بَيْنِي وَبَيْنَ مَلَائِكَةِ رَبِّي عز وجل فَقَبَضُوهُ، وَغَسَّلُوهُ، وَكَفَّنُوهُ، وَحَنَّطُوهُ، وَحَفَرُوا لَهُ، وَأَلْحَدُوهُ، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلُوا قَبْرَهُ فَوَضَعُوهُ فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ حَثَوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ. إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مَيْمُونٍ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كَبَّرَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى آدَمَ أَرْبَعًا» . وَكَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى فَاطِمَةَ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ صُهَيْبٌ عَلَى عُمَرَ أَرْبَعًا. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَيْمُونٍ فَقَالَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ دَفْنِهِ ; فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ دُفِنَ عِنْدَ الْجَبَلِ الَّذِي أُهْبِطَ عَلَيْهِ فِي الْهِنْدِ. وَقِيلَ: بِجَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ بِمَكَّةَ، وَيُقَالُ إِنَّ نُوحًا عليه السلام لَمَّا كَانَ زَمَنُ الطُّوفَانِ حَمَلَهُ هُوَ وَحَوَّاءُ فِي تَابُوتٍ فَدَفَنَهُمَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ. وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: رَأْسُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ إِبْرَاهِيمَ، وَرِجْلَاهُ عِنْدَ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَدْ
مَاتَتْ حَوَّاءُ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ عُمُرِهِ عليه السلام ; فَقَدَّمْنَا فِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: أَنَّ عُمُرَهُ اكْتَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَلْفَ سَنَةٍ. وَهَذَا لَا يُعَارِضُهُ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ أَنَّهُ عَاشَ تِسْعَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً ; لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا مَطْعُونٌ فِيهِ مَرْدُودٌ إِذَا خَالَفَ الْحَقَّ الَّذِي بِأَيْدِينَا مِمَّا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنِ الْمَعْصُومِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّ مَا فِي التَّوْرَاةِ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ مُقَامِهِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْإِهْبَاطِ، وَذَلِكَ تِسْعُمِائَةٍ وَثَلَاثُونَ سَنَةً شَمْسِيَّةً، وَهِيَ بِالْقَمَرِيَّةِ تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَيُضَافُ إِلَى ذَلِكَ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي الْجَنَّةِ قَبْلَ الْإِهْبَاطِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَغَيْرُهُ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ أَلْفَ سَنَةٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: لَمَّا مَاتَ آدَمُ بَكَتِ الْخَلَائِقُ عَلَيْهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، فَلَمَّا مَاتَ آدَمُ عليه السلام قَامَ بِأَعْبَاءِ الْأَمْرِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ شِيثُ عليه السلام، وَكَانَ نَبِيًّا بِنَصِّ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ صَحِيفَةً، فَلَمَّا حَانَتْ وَفَاتُهُ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ أَنُوشَ فَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ، ثُمَّ بَعْدَهُ وَلَدُهُ قَيْنَنُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُهُ مَهْلَائِيلُ، وَهُوَ الَّذِي تَزْعُمُ الْأَعَاجِمُ مِنَ الْفُرْسِ أَنَّهُ مَلَكَ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَطَعَ الْأَشْجَارَ وَبَنَى الْمَدَائِنَ
وَالْحُصُونَ الْكِبَارَ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَى مَدِينَةَ بَابِلَ، وَمَدِينَةَ السُّوسِ الْأَقْصَى، وَأَنَّهُ قَهَرَ إِبْلِيسَ وَجُنُودَهُ، وَشَرَّدَهُمْ عَنِ الْأَرْضِ إِلَى أَطْرَافِهَا، وَشِعَابِ جِبَالِهَا، وَأَنَّهُ قَتَلَ خَلْقًا مِنْ مَرَدَةِ الْجِنِّ وَالْغِيلَانَ، وَكَانَ لَهُ تَاجٌ عَظِيمٌ، وَكَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَدَامَتْ دَوْلَتُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمَّا مَاتَ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ يَرْدُ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى إِلَى وَلَدِهِ خَنُوخَ، وَهُوَ إِدْرِيسُ عليه السلام عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.