المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قصة إبراهيم خليل الرحمن - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ مَا سِوَاهُ تَعَالَى فَهُوَ مخلوق

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ فِي صِفَةِ خَلْقِ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ

- ‌وَأَمَّا الْكُرْسِيُّ

- ‌ذِكْرِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ

- ‌ما ورد في خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وما بينهما

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن مِنَ الْآيَاتِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَصِفَاتِهِمْ

- ‌فَصْلٌ ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ عليهم السلام بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هَيَّأَهُمُ اللَّهُ لَهُ أَقْسَامٌ *

- ‌فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاس فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ

- ‌باب خَلْقِ الْجَانِّ وَقِصَّةِ الشَّيْطَانِ

- ‌باب خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌احتجاج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌الأحاديث الواردة في خلق آدم

- ‌قصة قَابِيلَ وَهَابِيلَ

- ‌وَفَاةِ آدَمَ وَوَصِيَّتِهِ إِلَى ابْنِهِ شِيثَ

- ‌ إِدْرِيسُ عليه السلام

- ‌قصة نوح عليه السلام

- ‌ذِكْرُ شئ من أخبار نوح عليه السلام

- ‌صَوْمِهِ عليه السلام

- ‌حجه عليه السلام

- ‌وصيته لولده

- ‌قِصَّةُ هُودٍ عليه السلام

- ‌قصة صالح نبي ثمود عليه السلام

- ‌مرور النبي بِوَادِي الْحِجْرِ مِنْ أَرْضِ ثَمُودَ عَامَ تَبُوكَ

- ‌قصة إبراهيم خليل الرَّحمن

- ‌ذِكْرُ مُنَاظَرَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مع من ادعى الرُّبُوبِيَّةَ وَهُوَ أَحَدُ الْعَبِيدِ الضُّعَفَاءِ

- ‌ذِكْرُ مَوْلِدِ إسماعيل عليه السلام مِنْ هَاجَرَ

- ‌ذِكْرُ مُهَاجَرَةِ إبراهيم بِابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ إِلَى جِبَالِ فَارَانَ وَهِيَ أَرْضُ مَكَّةَ وَبِنَائِهِ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ

- ‌ قِصَّةُ الذَّبِيحِ

- ‌مولد اسحاق

- ‌بِنَاءِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

- ‌ذِكْرُ ثَنَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الكريم على عبده وخليله إبراهيم

- ‌قَصْرِهِ فِي الْجَنَّةِ

- ‌صِفَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

- ‌وفاة إبراهيم وَمَا قِيلَ فِي عُمُرِهِ

- ‌ذِكْرُ أَوْلَادِ إِبْرَاهِيمَ الخليل

- ‌قصة مدين قوم شعيب عليه السلام

- ‌باب ذرية إبراهيم

- ‌إِسْمَاعِيلَ عليه السلام

- ‌إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ

- ‌مَا وَقَعَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ فِي حَيَاةِ إسرائيل

- ‌قصة نبي الله أيوب

- ‌ قِصَّةَ ذِي الْكِفْلِ

- ‌باب ذكر أمم أهلكوا بعامة

- ‌أَصْحَابُ الرَّسِّ

- ‌قِصَّةُ قَوْمِ يس

- ‌قصة يونس

- ‌فضل يونس

- ‌قِصَّةُ مُوسَى الْكَلِيمِ

- ‌ذَكَرَ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ بِالْمَطَرِ وَاهْتِزَازَهَا بِإِخْرَاجِ نَبَاتِهَا فِيهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌هَلَاكِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ

- ‌سؤال الرؤية

- ‌قِصَّةُ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ في غيبة [كليم الله عنهم]

- ‌حَدِيثٍ آخَرَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّا

- ‌قِصَّةُ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ

- ‌قصة موسى والخضر عليهما السلام

- ‌قِصَّةُ قَارُونَ مَعَ مُوسَى عليه السلام

- ‌ذِكْرُ وَفَاتِهِ عليه السلام

- ‌أَمَّا الْخَضِرُ:

الفصل: ‌قصة إبراهيم خليل الرحمن

آخَرَ مِثْلِهِ فِي الرِّيَاسَةِ فَزَوَّجَهُ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا عَاقِرُ النَّاقَةِ وَهُوَ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ فَلَمْ تَتَمَكَّنِ الْقَوَابِلُ مِنْ قَتْلِهِ لِشَرَفِ أَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ فيهم فنشأ تشأة سَرِيعَةً فَكَانَ يَشِبُّ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي شَهْرٍ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ خَرَجَ مُطَاعًا فِيهِمْ رَئِيسًا بَيْنَهُمْ فَسَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ عَقْرَ النَّاقَةِ وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَهُمُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَ صَالِحٍ عليه السلام.

فَلَمَّا وَقَعَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا وَقَعَ مِنْ عَقْرِ النَّاقَةِ وَبَلَغَ ذَلِكَ صَالِحًا عليه السلام جَاءَهُمْ بَاكِيًا عَلَيْهَا فَتَلَقَّوْهُ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَقُولُونَ إِنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ عَنْ مَلَأٍ مِنَّا وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا هَؤُلَاءِ الْأَحْدَاثُ فِينَا.

فَيُقَالُ إِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِاسْتِدْرَاكِ سَقْبِهَا حَتَّى يُحْسِنُوا إِلَيْهِ عِوَضًا عَنْهَا فَذَهَبُوا وَرَاءَهُ فَصَعِدَ جَبَلًا هُنَاكَ فَلَمَّا تَصَاعَدُوا فِيهِ وَرَاءَهُ تَعَالَى الْجَبَلُ حَتَّى ارْتَفَعَ فَلَا يَنَالُهُ الطَّيْرُ وَبَكَى الْفَصِيلُ حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ.

ثُمَّ استقبل صالحاً عليه السلام ودعا (1) ثَلَاثًا فَعِنْدَهَا قَالَ صَالِحٌ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثلاثة أيام وذلك وعد غير مكذوب وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يُصْبِحُونَ مِنْ غَدِهِمْ صُفْرًا ثُمَّ تَحْمَرُّ وُجُوهُهُمْ فِي الثَّانِي وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ * فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ أتتهم صيحة فيها صوت كل صاعقة فأخذتهم فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ (2) جَاثِمِينَ * وَفِي بَعْضِ هَذَا السِّيَاقِ نَظَرٌ

وَمُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ مَا يُفْهَمُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي شَأْنِهِمْ وَقِصَّتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَا وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (3)

‌قصة إبراهيم خليل الرَّحمن

هو إبراهيم بن تسارخ " 250 " بن ناحور " 148 " بن ساروغ " 230 " بن راعو " 239 " ابن فالغ " 439 " بن عابر " 464 " بن شالح " 433 " بن أرفخشذ " 438 " بن سام " 600 " ابن نُوحٍ عليه السلام (4) * هَذَا نَصُّ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِهِمْ، وَقَدْ أَعْلَمْتُ عَلَى أَعْمَارِهِمْ تَحْتَ أَسْمَائِهِمْ بِالْهِنْدِيِّ كَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمُدَدِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى عُمُرِ نُوحٍ عليه السلام فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ * وَحَكَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه عن إسحق بْنِ بِشْرٍ الْكَاهِلِيِّ صَاحِبِ كِتَابِ " الْمُبْتَدَأِ " أَنَّ اسْمَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ " أُمَيْلَةُ " * ثُمَّ أَوْرَدَ عَنْهُ فِي خَبَرِ وِلَادَتِهَا لَهُ حِكَايَةً طَوِيلَةً وَقَالَ

(1) في الطبري والكامل: ورغا ثلاثا.

فقال صالح: لكل رغوة أجل يوم.

(2)

في الطبري: ديارهم.

(3)

نقل الخبر الطبري في تاريخه 1 / 117 - 118 دار القاموس.

والفصيل: ولد الناقة.

(4)

نسبه الموجود في التوراة والتواريخ هو: إبراهيم بن تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن ارفكشاذ بن سام بن نوح عليه السلام وفي تهذيب ابن عساكر (2 / 136 - 137) : إبراهيم بن ازار وهو تارخ بن ناحور بن شاروع بن أرغو بن فالغ بن شالح بن أرفشخد بن سام بن نوح ويكنى بأبي الضيفان.

وكما هو ملاحظ فأكثر الاسماء مخالفة لما في الاصل الذي نعتمده.

[*]

ص: 160

الكلبي اسمها " بونا " بنت كربنا بن كرثى من بني أرفخشذ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ (1) وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام يُكْنَى أَبَا الضِّيفَانِ (2) .

قَالُوا وَلَمَّا كَانَ عُمُرُ تَارَخَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً وُلِدَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَنَاحُورُ وَهَارَانُ

وَوُلِدَ لِهَارَانَ لُوطٌ * وَعِنْدَهُمْ إنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام هُوَ الْأَوْسَطُ وَأَنَّ هَارَانَ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا وَهِيَ أَرْضُ الْكَلْدَانِيِّينَ يَعْنُونَ أَرْضَ بَابِلَ * وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ (3) وَالْأَخْبَارِ وَصَحَّحَ ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ بعد ما رَوَى مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ بِغُوطَةِ دِمَشْقَ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا بَرْزَةُ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ قَاسِيُونَ * ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وُلِدَ بِبَابِلَ.

وَإِنَّمَا نُسِبَ إِلَيْهِ هَذَا الْمَقَامُ لِأَنَّهُ صَلَّى فِيهِ إِذْ جَاءَ مُعِينًا لِلُوطٍ عليه السلام.

قَالُوا فَتَزَوَّجَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ (4) وَنَاحُورُ مَلْكَا ابْنَةَ هَارَانَ يَعْنُونَ بِابْنَةِ أَخِيهِ.

قَالُوا وَكَانَتْ سَارَةُ عَاقِرًا لَا تَلِدُ قَالُوا وَانْطَلَقَ تَارَخُ بِابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَتِهِ سَارَةَ وَابْنِ أَخِيهِ لُوطِ بْنِ هَارَانَ فَخَرَجَ بِهِمْ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ إِلَى أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ فَنَزَلُوا حَرَّانَ فَمَاتَ فِيهَا تَارَخُ وَلَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً (5) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أنَّه لَمْ يُولَدْ بِحَرَّانَ وَإِنَّمَا مَوْلِدُهُ بِأَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَهِيَ أَرْضُ بَابِلَ وَمَا وَالَاهَا * ثُمَّ ارْتَحَلُوا قَاصِدِينَ أَرْضَ الْكَنْعَانِيِّينَ * وَهِيَ بِلَادُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَقَامُوا بِحَرَّانَ وَهِيَ أَرْضُ الْكَشْدَانِيِّينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ أَيْضًا وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ.

وَالَّذِينَ عَمَّرُوا مَدِينَةَ دِمَشْقَ كَانُوا عَلَى هَذَا الدِّينِ يَسْتَقْبِلُونَ الْقُطْبَ الشَّمَالِيَّ وَيَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْفَعَالِ وَالْمَقَالِ * وَلِهَذَا كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ دِمَشْقَ السَّبْعَةِ الْقَدِيمَةِ هَيْكَلٌ لِكَوْكَبٍ مِنْهَا وَيَعْمَلُونَ لَهَا أَعْيَادًا وَقَرَابِينَ * وَهَكَذَا كَانَ أَهْلُ حَرَّانَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَانُوا كُفَّارًا سِوَى إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَامْرَأَتِهِ وَابْنِ أَخِيهِ لُوطٍ عليهم السلام وَكَانَ الْخَلِيلُ عليه السلام هُوَ الَّذِي أَزَالَ اللَّهُ بِهِ تِلْكَ الشُّرُورَ وَأَبْطَلَ بِهِ ذَاكَ الضَّلَالَ فَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى آتَاهُ رُشْدَهُ فِي صِغَرِهِ وَابْتَعَثَهُ رَسُولًا وَاتَّخَذَهُ خَلِيلًا فِي كِبَرِهِ قَالَ تَعَالَى) (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ)[الأنبياء: 51] أَيْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ.

(1) في الطبري: عن غير واحد من أهل العلم: اسمها أنموتا من ولد افراهم بن أرغو بن فالغ..من ولد سام.

وقيل اسمها: انمتلى بنت يكفور.

(2)

تاريخ ابن عساكر 12 / 141 التهذيب.

(3)

قال الطبري: اختلف في الموضع الذي كان منه والموضع الذي ولد فيه ; قالوا بالسوس من أرض الاهواز - بابل - بناحية كوثى من السواد - بالوركاء بناحية الزوابى - حران ونقله منها أبوه إلى بابل (1 / 119 والكامل لابن الاثير 1 / 94)(4) في سارة أقوال: في رواية للطبري ولابن الاثير: انها ابنة عمه هاران وفي رواية أخرى عنده عن السدي: انها ابنة ملك حران وقد طعنت في دين قومها وآمنت بالله تعالى مع إبراهيم.

(5)

وفي المسعودي: مائتان وستين سنة 1 / 40.

[*]

ص: 161

وَقَالَ تَعَالَى (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ.

أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ.

إِنَّ اللَّهَ على كل شئ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ.

وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ.

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وَوَهَبْنَا له اسحق وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النبُّوة وَالْكِتَابَ.

وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [الْعَنْكَبُوتِ: 16 - 27] ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى مُنَاظَرَتَهُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَكَانَ أَوَّلُ دَعْوَتِهِ لِأَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِمَّنْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ لِأَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِإِخْلَاصِ النَّصِيحَةِ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً.

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ.

يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا

يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا.

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا.

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا.

يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً.

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً.

قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أن لا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شقيا) [مريم: 41 - 48] .

فذكر تَعَالَى مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ وَالْمُجَادَلَةِ وَكَيْفَ دَعَا أَبَاهُ إِلَى الْحَقِّ بِأَلْطَفِ عِبَارَةٍ.

وَأَحْسَنِ إِشَارَةٍ بيَّن لَهُ بُطْلَانَ ما هو عليه من عبادة الأوثان الَّتِي لَا تَسْمَعُ دُعَاءَ عَابِدِهَا وَلَا تُبْصِرُ مكانه فكيف تُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا أَوْ تَفْعَلُ بِهِ خَيْرًا مِنْ رِزْقٍ أَوْ نَصْرٍ؟ * ثُمَّ قَالَ مُنَبِّهًا عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ النَّافِعِ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا مِنْ أَبِيهِ (يا أبت إنه قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً) أَيْ مُسْتَقِيمًا وَاضِحًا سَهْلًا حَنِيفًا يُفْضِي بِكَ إِلَى الْخَيْرِ فِي دُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ (1) فَلَمَّا عَرَضَ هَذَا الرُّشْدَ عَلَيْهِ وَأَهْدَى هَذِهِ النَّصِيحَةَ إِلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ وَلَا أَخَذَهَا عَنْهُ بَلْ تَهَدَّدَهُ وَتَوَعَّدَهُ قَالَ (أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا ابراهيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) قيل بالمقال وقيل

(1) قال في أحكام القرآن: أي أرشدك إلى دين مستقيم فيه النجاة.

11 / 111 وقوله: يا أبت دليل على شدَّة الحب والرغبة في صونه عن العقاب وإرشاده إلى الصواب../ الرازي 21 / 226 /.

[*]

ص: 162

بالفعال (1)(وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً) أَيْ وَاقْطَعْنِي وَأَطِلْ هِجْرَانِي.

فَعِنْدَهَا قَالَ لَهُ إبراهيم (سَلامٌ عَلَيْكَ) أَيْ لَا يَصِلُكَ مِنِّي مَكْرُوهٌ وَلَا يَنَالُكَ مِنِّي أَذًى بَلْ أَنْتَ سَالِمٌ مِنْ نَاحِيَتِي وَزَادَهُ خَيْرًا فَقَالَ (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) * قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ أَيْ لَطِيفًا يَعْنِي فِي أَنْ هَدَانِي لِعِبَادَتِهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عسى أن لا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً)(2) .

وَقَدِ اسْتَغْفَرَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام كَمَا وَعَدَهُ فِي أَدْعِيَتِهِ.

فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)(3)

وقال البخاري: حدثنا إسمعيل بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي فَيَقُولُ لَهُ أَبُوهُ فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ وَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ فَيَقُولُ اللَّهُ إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ.

ثُمَّ يُقَالُ يَا إِبْرَاهِيمُ ما تحت رجليك فينظر فإذا هو بذبح مُتَلَطِّخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ " (4) هَكَذَا رَوَاهُ فِي قصَّة إِبْرَاهِيمَ مُنْفَرِدًا.

وَقَالَ فِي التَّفسير وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ ابْنِ أبي ذؤيب (5) عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ * وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ بِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.

وَفِي سِيَاقِهِ غَرَابَةٌ.

وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 74] هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ آزَرُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ النَّسَبِ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ تَارَحُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَقُولُونَ تَارَخُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَقِيلَ إِنَّهُ لُقِّبَ بِصَنَمٍ كَانَ يَعْبُدُهُ اسْمُهُ آزَرُ * وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْمَهُ آزَرُ وَلَعَلَّ لَهُ اسْمَانِ عَلَمَانِ أو أحدهما لقب والآخر

(1) قال الحسن: يعنى بالحجارة وقال الضحاك: بالقول أي لاشتمنك ; وقال ابن عبَّاس: لاضربنك ; وقيل لاظهرن أمرك / القرطبي 11 / 111 ; وقال الرازي في الرجم قولان: الرجم باللسان - والرجم باليد.

(2)

في القرطبي: أراد بهذا الدعاء أن يهب الله تعالى له أهلا وولدا يتقوى بهم حتى لا يستوحش بالاعتزال عن قومه ; (ومفارقته إياهم) .

وقال في تفسير الرازي: في الرجم.

(3)

سورة التوبة الآية 114.

(4)

فتح الباري 60 / 8 / 3350 ورواه ابن عساكر في 2 / 137 التهذيب.

(5)

كذا في الاصول وهو تحريف وفي البخاري ابن أبي ذئب ; وقد تقدم قبل قليل.

[*]

ص: 163

عَلَمٌ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (1) * ثُمَّ قَالَ تَعَالَى (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ

(1) يقول الدكتور النجار في قصص الأنبياء معللا ص 70 - 71: " هو أبراهيم خليل الله بن تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج بن عامر بن شالح بن أرفكشاذ بن سام بن نوح عليه السلام.

هذا هو نسبه الموجود في التوراة والتواريخ.

وقد جاء في الكتاب الكريم قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم لابيه آزر أتتخذ أصناما آلهة) .

اختلف المفسرون في اسم أبي إبراهيم - فقال بعضهم أن لفظ " آزر " في الآية بدل من لفظ " أب " في " أبيه " ويكون مقول القول " أتتخذ أصناما آلهة) ألخ وقال آخرون اسمه " تارح " وان لفظ " آزر " كلمة ذم في لغته ومعناه " أعرج " قاله السهيلي في التكلمة.

وقال آخرون أن معناه الخاطئ والخرف وفي التكلمة " يا مخطئ يا خرف " وقيل معناه " يا شيخ " أو هي كلمة زجر عن الباطل " راجع ص 12 ج 3 تاج العروس ".

أقول: بعيد في نظري أن يكون إبراهيم عليه السلام قد واجه آباه بكلمات فيها تحقير أو عيب أو زجر كأعرج وخرف ومخطئ لان والد إبراهيم عليه السلام لما هدده بقوله (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لارجمنك واهجرني مليا) لم يكن له جواب على هذه الجفوة القاسية وهذا التهديد العنيف إلا أن قال لابيه (سلام عليك سأستغفر لك ربي أنه كان بي حفيا) .

وقال آخرون: أن تارح اسمه العلم، وان آزر وصف له كما قال البيضاوي.

أقول: إذا صح أن والد إبراهيم كان له اسم علمي واسم وصفي، يكون معناه القوي أو الناصر أو المعين ; لان لفظ آزر من الازر أي القوة والنصر والعون ومنه الوزير أي المعين " تاج العروس ص 11 ج 3 " وهي كذلك في اللغات السامية التي منها لغة إبراهيم، ومن ذلك عازر وعزير وعازر في العبرية.

فإن هذه المادة تفيد التقوية والنصرة والاعانة في تلك اللغة كما هي في اللغة العربية.

قال تعالى (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه.

الخ) ومعلوم أن العين والهمزة يتعاوران على موضع واحد.

وفي أسماء ملوك الاشوريين " اسرحدون " ولفظا " اسر " و " ازر " في غاية القرب.

وفيهم أيضا " توخلات

أبال ازار " وعلى ذلك فلا يبعد عن علماء الفيلولوجيا وعلماء اللغات السامية على الخصوص أن يثبتوا النسب بين هذه الالفاظ في اللغات السامية وقد جاء في دائرة المعارف الاسلامية ما نصه: " آزر " اسم أبي إبراهيم في القرآن - سورة الانعام الآية 74 - ويظهر أن في هذا بعض الخلط لان اسم أزر لم يرد مطلقا على أنه أبو إبراهيم في غير هذا الموضع.

كما أن تارح أو تارخ قد ورد في روايات بعض المؤرخين والمفسرين من المسلمين على أنه أبو إبراهيم أيضا.

ولذلك لجئوا إلى التحاليل للتوفيق بين هاتين الروايتين.

ولكن هذا التحايل لا قيمة له.

ويقول مراتشي Prodrani Maracci، ج 4 - ص 90 " ان صيغة آزر نشأت عن قراءة خاطئة Agae التي وردت في = [*]

ص: 164

السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ.

فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ.

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي برئ مِمَّا تُشْرِكُونَ.

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ ربي كل شئ عِلْماً أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ.

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ.

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عليم) [الْأَنْعَامِ: 75 - 83] وَهَذَا الْمَقَامُ مَقَامُ مُنَاظَرَةٍ لِقَوْمِهِ وَبَيَانٌ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْرَامَ الْمُشَاهَدَةَ مِنَ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَةِ لَا تَصْلُحُ لِلْأُلُوهِيَّةِ وَلَا أَنْ تُعْبَدَ مع الله عزوجل لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مَرْبُوبَةٌ مَصْنُوعَةٌ مُدَبَّرَةٌ مُسَخَّرَةٌ تَطْلُعُ تَارَةً وَتَأْفُلُ أُخْرَى فَتَغِيبُ عَنْ هَذَا الْعَالَمِ والرب تعالى لا يغيب عنه شئ وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ بَلْ هُوَ الدَّائِمُ الْبَاقِي بِلَا زَوَالٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَوَّلًا عَدَمَ صلاحية الكواكب.

قبل هو الزهرة لذلك ثم تَرَقَّى مِنْهَا إِلَى الْقَمَرِ الَّذِي هُوَ أَضْوَأُ مِنْهَا وَأَبْهَى مِنْ حُسْنِهَا.

ثُمَّ تَرَقَّى إِلَى الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ الْأَجْرَامِ الْمُشَاهَدَةِ ضِيَاءً وَسَنَاءً وَبَهَاءً فَبَيَّنَ أَنَّهَا

مُسَخَّرَةٌ مُسَيَّرَةٌ مُقَدَّرَةٌ مَرْبُوبَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[فصلت: 37] وَلِهَذَا قَالَ (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً) أَيْ طَالِعَةً (قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قال يَا قَوْمِ إِنِّي برئ مِمَّا تُشْرِكُونَ.

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) [الأنعام: 78 - 80] أَيْ لَسْتُ أُبَالِي فِي هَذِهِ الْآلِهَةِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ شَيْئًا وَلَا تَسْمَعُ ولا تعقل بل هي مربوبة ومسخرة كَالْكَوَاكِبِ وَنَحْوِهَا أَوْ مَصْنُوعَةٌ مَنْحُوتَةٌ مَنْجُورَةٌ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَوْعِظَتَهُ هَذِهِ فِي الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ حَرَّانَ فإنهم كانوا يَعْبُدُونَهَا وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حِينَ خَرَجَ مِنَ السَّرَبِ لَمَّا كان صغيرا كما ذكره ابن إسحق وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى أَخْبَارٍ إِسْرَائِيلِيَّةٍ لَا يُوثَقُ بِهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا خَالَفَتِ الْحَقَّ * وَأَمَّا أَهْلُ بَابِلَ فَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَهُمُ الَّذِينَ نَاظَرَهُمْ فِي عِبَادَتِهَا وَكَسَرَهَا عَلَيْهِمْ وَأَهَانَهَا وَبَيَّنَ بُطْلَانَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

ثُمَّ يوم القيامة بكفر بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً.

وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [العنكبوت: 25] وَقَالَ فِي سورة الانبياء (ولقد

تاريخ الكنيسة ليوز بيوس ; إلا أنه لم يعين لا هو ولا من نقلوا عنه الفقرة التي ورد فيها هذا الاسم.

اضف إلى ذلك إن هذا المؤرخ قد ذكر في مواضع متعددة.

ومهما يكن من شئ فإن ما ذهب إليه مراتشي بعيد الاحتمال ".

[*]

ص: 165

آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ.

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ.

قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ.

قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.

قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ.

قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.

وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ.

فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ.

قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ.

قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ

إِبْرَاهِيمُ.

قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أأنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ.

قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كبيرهم هذا فاسئلوهم إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إنكم أنتم الظَّالِمُونَ.

ثُمَّ نُكِسُوا على رؤسهم.

لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ.

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مالا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ.

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ.

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الاخسرين) [الانبياء: 51 - 70] وقال في سورة الشعراء (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ.

قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ.

قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ.

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ.

قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ.

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ.

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ.

وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ.

وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ.

وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين) [الشُّعَرَاءِ: 69 - 83] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ.

أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ.

فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ.

فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ.

فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ.

فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ.

فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ.

قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ.

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ.

قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ.

فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ) [الصَّافَّاتِ: 83 - 98] يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ عليه السلام أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى قَوْمِهِ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَحَقَّرَهَا عِنْدَهُمْ وَصَغَّرَهَا وَتَنَقَّصَهَا فَقَالَ (مَا هذه التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) أَيْ مُعْتَكِفُونَ عِنْدَهَا وَخَاضِعُونَ لَهَا قَالُوا (وَجَدْنَا آبائنا لَهَا عَابِدِينَ) مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا صَنِيعُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَنْدَادِ (قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ.

أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأنبياء: 52] كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ.

أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ.

فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ قَتَادَةُ: فَمَا ظَنُّكُمْ بِهِ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ

غَيْرَهُ وَقَالَ لَهُمْ (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ.

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) سَلَّمُوا لَهُ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ دَاعِيًا وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهَا الِاقْتِدَاءُ بِأَسْلَافِهِمْ وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الضَّلَالِ مِنَ الْآبَاءِ الْجُهَّالِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) وَهَذَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ مَا

ص: 166

ادَّعَوْهُ مِنَ الْأَصْنَامِ لِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهَا وَتَنَقَّصَ بِهَا فَلَوْ كَانَتْ تَضُرُّ لَضَرَّتْهُ أَوْ تُؤَثِّرُ لَأَثَّرَتْ فِيهِ (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) يَقُولُونَ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي تَقُولُهُ لَنَا وَتَنْتَقِصُ بِهِ آلِهَتَنَا وَتَطْعَنُ بِسَبَبِهِ فِي آبَائِنَا تَقُولُهُ مُحِقًّا جَادًّا فِيهِ أَمْ لَاعِبًا (قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) يَعْنِي بَلْ أَقُولُ لَكُمْ ذَلِكَ جَادًّا مُحِقًّا وَإِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هو ربكم ورب كل شئ فاطر السموات وَالْأَرْضِ الْخَالِقُ لَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.

وَقَوْلُهُ (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) أَقْسَمَ لَيَكِيدَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا بَعْدَ أَنْ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ إِلَى عِيدِهِمْ.

قِيلَ إِنَّهُ قَالَ هَذَا خُفْيَةً فِي نَفْسِهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ سَمِعَهُ (1) بَعْضُهُمْ، وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ فَدَعَاهُ أَبُوهُ لِيَحْضُرَهُ (2) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ.

فقال إني سقيم) .

عَرَّضَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ حَتَّى تَوَصَّلَ إِلَى مَقْصُودِهِ مِنْ إِهَانَةِ أَصْنَامِهِمْ وَنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ الْحَقِّ فِي بُطْلَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ أَنْ تُكَسَّرَ وَأَنْ تُهَانَ غَايَةَ الْإِهَانَةِ * فلمَّا خَرَجُوا إِلَى عِيدِهِمْ واستقر هو في بلدهم (راغ إلى آلهتهم) أَيْ ذَهَبَ إِلَيْهَا مُسْرِعًا مُسْتَخْفِيًا فَوَجَدَهَا فِي بَهْوٍ عَظِيمٍ وَقَدْ وَضَعُوا بَيْنَ أَيْدِيَهَا أَنْوَاعًا مِنَ الْأَطْعِمَةِ قُرْبَانًا إِلَيْهَا (فَقَالَ) لَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالِازْدِرَاءِ (أَلَا تَأْكُلُونَ.

مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ.

فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) لِأَنَّهَا أَقْوَى وَأَبْطَشُ وَأَسْرَعُ وَأَقْهَرُ فَكَسَّرَهَا بِقَدُومٍ (3) فِي يَدِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً) أَيْ حُطَامًا كَسَّرَهَا كُلَّهَا (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) قِيلَ إِنَّهُ وَضَعَ الْقَدُومَ فِي يَدِ الْكَبِيرِ (4) إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ غَارَ أَنْ تُعْبَدَ مَعَهُ هَذِهِ الصِّغَارُ.

فَلَمَّا رَجَعُوا مِنْ عِيدِهِمْ وَوَجَدُوا مَا حَلَّ بِمَعْبُودِهِمْ (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا

بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) .

وَهَذَا فِيهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْقِلُونَ وَهُوَ مَا حَلَّ بِآلِهَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا فَلَوْ كَانَتْ آلِهَةً لَدَفَعَتْ عَنْ أَنْفُسِهَا مَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ لَكِنَّهُمْ قَالُوا مِنْ جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَكَثْرَةِ ضَلَالِهِمْ وَخَبَالِهِمْ (مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ.

قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) أَيْ يَذْكُرُهَا بِالْعَيْبِ وَالتَّنَقُّصِ لَهَا وَالِازْدِرَاءِ بِهَا فَهُوَ الْمُقِيمُ عَلَيْهَا وَالْكَاسِرُ لَهَا.

وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ يَذْكُرُهُمْ بِقَوْلِهِ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بعد أن تولوا مُدْبِرِينَ (قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) أي في الملأ الاكبر على رؤس الْأَشْهَادِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَقَالَتَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ وَيُعَايِنُونَ مَا يَحِلُّ بِهِ مِنَ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ وَكَانَ هَذَا أَكْبَرَ مَقَاصِدِ الْخَلِيلِ عليه السلام أَنْ يجتمع النَّاس كلَّهم

(1) قال الطبري: فخرجوا إليه خرج معهم إبراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال: إني سقيم.

وفي الكامل: لم يخرج معهم ; لانه كان يتوقع فرصة ينتهى بها ليفعل بأصنامهم ذلك (أي تكسيرها) .

(2)

في الكامل والطبري 1 / 122: سمعه ضعفي الناس ومن هو في آخرهم 1 / 96.

(3)

في الطبري: حديدة - وفي الكامل: بفأس في يده ; وهي كذلك في رواية للطبري.

(4)

أما في الطبري والكامل: فربط الفأس بيده.

(الصنم الاعظم) .

[*]

ص: 167

فَيُقِيمَ عَلَى جَمِيعِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ الْحُجَّةَ عَلَى بُطْلَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ مُوسَى عليه السلام لِفِرْعَوْنَ (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)[طه: 59] فلما اجتمعوا وجاؤوا بِهِ كَمَا ذَكَرُوا (قَالُوا أأنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ.

قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) قِيلَ مَعْنَاهُ هُوَ الْحَامِلُ لِي عَلَى تَكْسِيرِهَا (1) وإنما عرض لهم في القول (فاسئلوهم إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)[الأنبياء: 62 - 63] وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ هذا أن يبادروا إلى القول بأن هَذِهِ لَا تَنْطِقُ فَيَعْتَرِفُوا بِأَنَّهَا جَمَادٌ كَسَائِرِ الْجَمَادَاتِ (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظالمون) أَيْ فَعَادُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أنتم الظالمون أَيْ فِي تَرْكِهَا لَا حَافِظَ لَهَا وَلَا حارس عندها (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رؤسهم) قَالَ السُّدِّيُّ أَيْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْفِتْنَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ أَيْ فِي عِبَادَتِهَا * وَقَالَ قَتَادَةُ أَدْرَكَتِ

الْقَوْمَ حَيْرَةُ سَوْءٍ أَيْ فَأَطْرَقُوا ثُمَّ قَالُوا (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ) أَيْ لَقَدْ عَلِمْتَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَنَّ هَذِهِ لَا تَنْطِقُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا بِسُؤَالِهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمُ الْخَلِيلُ عليه السلام (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لا ينفعكم شيأ وَلَا يَضُرُّكُمْ.

أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله أفلا تعقلون) [البقرة: 258] كما قال (فَأَقْبَلُوا إليه يزفون) قَالَ مُجَاهِدٌ يُسْرِعُونَ * قَالَ (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) أَيْ كَيْفَ تَعْبُدُونَ أَصْنَامًا أَنْتُمْ تَنْحِتُونَهَا مِنَ الْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ وَتُصَوِّرُونَهَا وَتُشَكِّلُونَهَا كَمَا تُرِيدُونَ (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَا مَصْدَرِيَّةً أَوْ بِمَعْنَى الَّذِي قمقتضى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَخْلُوقُونَ وَهَذِهِ الْأَصْنَامَ مَخْلُوقَةٌ فَكَيْفَ يعبد مخلوق لمخلوق مِثْلَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِبَادَتُكُمْ لَهَا بِأَوْلَى مِنْ عِبَادَتِهَا لَكُمْ وَهَذَا بَاطِلٌ فَالْآخَرُ بَاطِلٌ لِلتَّحَكُّمِ إِذْ لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ تَصْلُحُ وَلَا تَجِبُ إِلَّا لِلْخَالِقِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ.

فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ) [الصافات: 97 - 98] .

عَدَلُوا عَنِ الْجِدَالِ وَالْمُنَاظَرَةِ (2) لَمَّا انْقَطَعُوا وَغُلِبُوا وَلَمْ تبقَ لَهُمْ حَجَّةٌ وَلَا شُبْهَةٌ إِلَى اسْتِعْمَالِ قُوَّتِهِمْ وَسُلْطَانِهِمْ لِيَنْصُرُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ سَفَهِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ فَكَادَهُمُ الرَّبُّ جل جلاله وَأَعْلَى كَلِمَتَهُ وَدِينَهُ وَبُرْهَانَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ.

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) [الأنبياء: 68 - 70] .

وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَرَعُوا يَجْمَعُونَ حَطَبًا مِنْ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنَ الْأَمَاكِنِ فَمَكَثُوا مُدَّةً يَجْمَعُونَ لَهُ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُمْ كَانَتْ إِذَا مَرِضَتْ تَنْذِرُ لَئِنْ عُوفِيَتْ لَتَحْمِلَنَّ حَطَبًا لِحَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ * ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى جَوْبَةٍ (3) عَظِيمَةٍ فَوَضَعُوا فِيهَا ذَلِكَ الْحَطَبَ وَأَطْلَقُوا فِيهِ النَّارَ فَاضْطَرَمَتْ وتأججت والتهبت وعلا لها شَرَرٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ قَطُّ * ثُمَّ وَضَعُوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق

(1) قال إبراهيم ساخرا مِنْهُمْ: إِنْ هَذَا الكبير، الصنم الكبير، غضب من أن تعبدوا معه هذه الصفار وهو أكبر منها فكسرها.

ويتابع الطبري قائلا: فارعوا ورجعوا عنه فيما ادعوه عليه.

ج 1 / 122.

(2)

أي فلما أعيتهم الحيلة فيه ووجدت موعظته منهم قلوبا غلقا وأذانا صما، عمدوا إلى ما يلجأ إليه القوي الجبار الذي لاحق معه بإزاء المحق الضعيف.

(3)

الجوبة: الحفرة.

[*]

ص: 168

صَنَعَهُ لَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْأَكْرَادِ يُقَالُ لَهُ هزن (1) وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَعَ الْمَجَانِيقَ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ أَخَذُوا يُقَيِّدُونَهُ وَيُكَتِّفُونَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَكَ فَلَمَّا وُضِعَ الْخَلِيلُ عليه السلام فِي كِفَّةِ الْمَنْجَنِيقِ مُقَيَّدًا مَكْتُوفًا ثُمَّ أَلْقَوْهُ مِنْهُ إِلَى النَّارِ قَالَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قِيلَ لَهُ (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً.

وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) [آل عِمْرَانَ: 173] الْآيَةَ.

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا أَبُو هشام الرفاعي حدثنا اسحق بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازيّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّار قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ فِي السَّمَاءِ وَاحِدٌ وَأَنَا فِي الْأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ "(2) .

وَذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ لَهُ فِي الْهَوَاءِ فَقَالَ أَلَكَ حَاجَةٌ فَقَالَ أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا * وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ جَعَلَ مَلَكُ الْمَطَرِ يَقُولُ مَتَى أُومَرُ فَأُرْسِلَ الْمَطَرَ فَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ أَسْرَعَ (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الأنبياء: 69] قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَيْ لَا تَضُرِّيهِ وَقَالَ ابْنُ عبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَةِ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَالَ وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ لَأَذَى إِبْرَاهِيمَ بَرْدُهَا * وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَمْ يَنْتَفِعْ أَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ بِنَارٍ وَلَمْ يُحْرَقْ مِنْهُ سِوَى وَثَاقِهِ * وَقَالَ الضَّحَّاكُ يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام كَانَ مَعَهُ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عن وجهه لم يصبه منها شئ غَيْرُهُ * وَقَالَ السُّدِّيُّ كَانَ مَعَهُ أَيْضًا مَلَكُ الظل.

وصار إبراهيم عليه السلام في ميل الجوبة حَوْلَهُ النَّارُ وَهُوَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ وَلَا هُوَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ أَحْسَنُ كَلِمَةٍ قَالَهَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَمَّا رَأَى وَلَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ يَا إِبْرَاهِيمُ * وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ (3) عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ نَظَرَتْ إِلَى ابْنِهَا عليه السلام فَنَادَتْهُ يَا بني إني أريد أن أجئ إِلَيْكَ فادعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّيَنِي مِنْ حَرِّ النَّارِ حَوْلَكَ.

فَقَالَ نَعَمْ فَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ لَا

يمسها شئ مِنْ حَرِّ النَّارِ.

فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَيْهِ اعْتَنَقَتْهُ وَقَبَّلَتْهُ ثُمَّ عَادَتْ * وَعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ أُخبرت أَنَّ إِبْرَاهِيمَ مَكَثَ هُنَاكَ إِمَّا أَرْبَعِينَ وَإِمَّا خَمْسِينَ يَوْمًا وَأَنَّهُ قَالَ مَا كُنْتُ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ أَطْيَبَ عَيْشًا إِذْ كُنْتُ فِيهَا وَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْشِي وَحَيَاتِي كُلَّهَا مِثْلُ إِذْ كُنْتُ فِيهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فَأَرَادُوا أَنْ يَنْتَصِرُوا فخُذلوا وَأَرَادُوا أَنْ يَرْتَفِعُوا فَاتَّضَعُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَغْلِبُوا فغُلبوا.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى (الأَسْفَلِيْن) فَفَازُوا بِالْخَسَارَةِ وَالسَّفَالِ هذا في

(1) في الطبري والكامل: هيزن.

(2)

ورواه ابن عساكر في تاريخه 2 / 147.

(3)

في رواية مطولة تراجع في تاريخه 2 / 145.

[*]

ص: 169