الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَامِلِ وَحَرَصْتُ عَلَى هِدَايَتِكُمْ بِكُلِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَتَوَصَّلُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَنْفَعْكُمْ ذَلِكَ لأنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ فَلَسْتُ أَتَأَسَّفُ بَعْدَ هَذَا عَلَيْكُمْ لِأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا تَقْبَلُونَ النَّصِيحَةَ وَلَا تَخَافُونَ يوم الفضيحة.
ولهذا قال فَكَيْفَ آسَى أي أحزن على قَوْمٍ كَافِرِينَ أَيْ لَا تَقْبَلُونَ الْحَقَّ وَلَا تَرْجِعُونَ إِلَيْهِ ولا تلتفون إِلَيْهِ فَحَلَّ بِهِمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُرَدُّ مَا لَا يُدَافَعُ وَلَا يُمَانَعُ وَلَا مَحِيدَ لِأَحَدٍ أُرِيدَ بِهِ عَنْهُ وَلَا مناص منه.
وقد ذكر الحافظ بن عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ شُعَيْبًا عليه السلام كَانَ بَعْدَ يُوسُفَ عليه السلام.
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ شُعَيْبًا عليه السلام مَاتَ بِمَكَّةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقُبُورُهُمْ غَرْبِيَّ الْكَعْبَةِ بَيْنَ دَارِ النَّدْوَةِ ودار بني سهم.
باب ذرية إبراهيم
قَدْ قَدَّمْنَا قِصَّتَهُ مَعَ قَوْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ عليه السلام وَالتَّحِيَّةُ وَالْإِكْرَامُ وَذَكَرْنَا مَا وَقَعَ فِي زَمَانِهِ مِنْ قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ.
وَأَتْبَعْنَا ذَلِكَ بِقِصَّةِ مَدْيَنَ قَوْمِ شُعَيْبٍ عليه السلام لِأَنَّهَا قرينتها في كتاب الله عزوجل في مواضع متعددة فذكر تَعَالَى بَعْدَ قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ قِصَّةَ مَدْيَنَ وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَا فَذَكَرْنَاهَا تَبَعًا لَهَا اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ * ثُمَّ نَشْرَعُ الْآنَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَفْصِيلِ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ النبُّوة وَالْكِتَابَ فَكُلُّ نَبِيٍّ أُرْسِلَ بَعْدَهُ فمن ولده.
إِسْمَاعِيلَ عليه السلام
وَقَدْ كَانَ لِلْخَلِيلِ بَنُونَ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَكِنَّ أَشْهَرَهُمُ الْأَخَوَانِ النَّبِيَّانِ الْعَظِيمَانِ الرَّسُولَانِ أَسَنُّهُمَا وَأَجَلُّهُمَا الَّذِي هُوَ الذَّبِيحُ عَلَى الصَّحِيحِ إِسْمَاعِيلُ بِكْرُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مِنْ هَاجَرَ الْقِبْطِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ عليها السلام مِنَ الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ * ومن قال إن الذبيح هو إسحق فَإِنَّمَا تَلَقَّاهُ مِنْ نَقَلَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ بدلوا وحرفوا وأولوا التوراة والإنجيل وخالفوا ما بِأَيْدِيهِمْ فِي هَذَا مِنَ التَّنْزِيلِ * فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ أُمِرَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ الْبِكْرِ * وَفِي رِوَايَةٍ الْوَحِيدِ وأياما كَانَ فَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بِنَصِّ الدَّلِيلِ فَفِي نَصِّ كِتَابِهِمْ إِنَّ إِسْمَاعِيلَ وُلِدَ وَلِإِبْرَاهِيمَ مِنَ الْعُمُرِ ست وثمانون سنة * وإنما ولد اسحق بَعْدَ مُضِيِّ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ عُمُرِ الْخَلِيلِ فَإِسْمَاعِيلُ هُوَ الْبِكْرُ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ الْوَحِيدُ صُورَةً وَمَعْنًى عَلَى كُلِّ حالةٍ * أَمَّا فِي الصُّورَةِ فَلِأَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ وَلَدَهُ أَزْيَدَ مِنْ ثلاثة عشر سَنَةً وَأَمَّا أَنَّهُ وَحِيدٌ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي هَاجَرَ بِهِ أَبُوهُ وَمَعَهُ أُمُّهُ هَاجَرُ وَكَانَ صَغِيرًا رَضِيعًا فِيمَا قِيلَ فَوَضَعَهُمَا فِي وِهَادِ جِبَالِ فَارَانَ وَهِيَ الْجِبَالُ الَّتِي حَوْلَ مَكَّةَ نِعْمَ الْمَقِيلُ وَتَرَكَهُمَا هُنَالِكَ لَيْسَ مَعَهُمَا مِنَ الزَّادِ وَالْمَاءِ إِلَّا الْقَلِيلُ وَذَلِكَ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ.
فَحَاطَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِعِنَايَتِهِ وَكِفَايَتِهِ فَنِعْمَ الْحَسِيبُ وَالْكَافِي وَالْوَكِيلُ وَالْكَفِيلُ فَهَذَا هُوَ الْوَلَدُ
الْوَحِيدُ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَلَكِنْ أَيْنَ مَنْ يَتَفَطَّنُ لِهَذَا السِّرِّ وَأَيْنَ مَنْ يَحُلُّ بِهَذَا الْمَحَلِّ وَالْمَعْنَى لَا يُدْرِكُهُ
وَيُحِيطُ بِعِلْمِهِ إِلَّا كُلُّ نَبِيهٍ نَبِيلٍ * وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَوَصَفَهُ بِالْحِلْمِ (1) وَالصَّبْرِ وَصِدْقِ الْوَعْدِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْأَمْرِ بِهَا لِأَهْلِهِ لِيَقِيَهُمُ الْعَذَابَ مَعَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّ الْأَرْبَابِ * قَالَ تَعَالَى (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى.
قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: 101 - 102] فطاوع أباه على ما إليه دعاه.
ووعده بأن سيصبر فوفى بذلك وصبر على ذلك.
وقال تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مرضيا)[مريم: 54 - 55] وقال تعالى (وَاذْكُرْ عبادنا ابراهيم واسحق وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ.
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ.
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الاخيار) [ص: 45 - 48] وقال تعالى (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ)[الأنبياء: 85 - 86] وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ واسحق وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ)[النِّسَاءِ: 163] الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ)[البقرة: 136] الْآيَةَ.
وَنَظِيرَتُهَا مِنَ السُّورَةِ الْأُخْرَى.
وَقَالَ تَعَالَى (أَمْ يقولون إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ واسحق وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ)[البقرة: 140] الْآيَةَ.
فَذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ صِفَةٍ جَمِيلَةٍ وَجَعَلَهُ نَبِيَّهُ وَرَسُولَهُ، وَبَرَّأَهُ مِنْ كُلِّ مَا نَسَبَ إِلَيْهِ الْجَاهِلُونَ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُؤْمِنَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ عِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَذَكَرَ عُلَمَاءُ النَّسَبِ وَأَيَّامِ النَّاسِ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ الْخَيْلَ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وُحُوشًا فَأَنَّسَهَا وَرَكِبَهَا.
وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: " اتخذوا الخيل واعتبقوها فإنها مراث
أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ " وَكَانَتْ هَذِهِ الْعِرَابُ وَحْشًا (2) فَدَعَا لَهَا بِدَعْوَتِهِ الَّتِي كَانَ أُعْطِيَ فَأَجَابَتْهُ وَإِنَّهُ أوَّل من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة * وكان قَدْ تَعَلَّمَهَا مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا عِنْدَهُمْ بِمَكَّةَ مِنْ جُرْهُمٍ وَالْعَمَالِيقِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْخَلِيلِ.
قَالَ الْأُمَوِيُّ: حدَّثني عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا مِسْمَعُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " أَوَّلُ مَنْ فَتَقَ لِسَانُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْبَيِّنَةِ إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً " فَقَالَ له يونس صدقت يا أبا سيار هَكَذَا أَبُو جُرَيٍّ حَدَّثَنِي.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ تَزَوَّجَ لَمَّا شَبَّ مِنَ الْعَمَالِيقِ امْرَأَةً وَأَنَّ أباه أمره بفراقها ففارقها * قال الاموي هي
(1) وفي نسخة: بالعلم.
(2)
وفي نسخة: وحوشا.
[*]