الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) وَقَدِ اسْتَعْمَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ هَذِهِ الرُّخْصَةَ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَتَوَسَّعَ آخَرُونَ فِيهَا حَتَّى وَضَعُوا كِتَابَ الْحِيَلِ فِي الْخَلَاصِ مِنَ الْأَيْمَانِ وَصَدَّرُوهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَأَتَوْا فِيهِ بِأَشْيَاءَ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ * وَسَنَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ أَنَّ أَيُّوبَ عليه السلام لَمَّا تُوُفِّيَ كَانَ عُمُرُهُ ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً.
وَقِيلَ إِنَّهُ عَاشَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَى لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَحْتَجُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسُلَيْمَانَ عليه السلام عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَبِيُوسُفَ عليه السلام عَلَى الْأَرِقَّاءِ وَبِأَيُّوبَ عليه السلام عَلَى أَهْلِ الْبَلَاءِ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِمَعْنَاهُ وَأَنَّهُ أَوْصَى إِلَى وَلَدِهِ حَوْمَلَ وَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ بِشْرُ بْنُ أَيُّوبَ وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ ذُو الْكِفْلِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَاتَ ابْنُهُ هَذَا وَكَانَ نَبِيًّا فِيمَا
يَزْعُمُونَ وَكَانَ عُمُرُهُ مِنَ السِّنِينَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ * وَلْنَذْكُرْ ههنا
قِصَّةَ ذِي الْكِفْلِ
إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ ابْنُ أَيُّوبَ عليهما السلام.
قِصَّةُ ذِي الْكِفْلِ (1) الذي زعم قوم إنه ابن أيوب
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ قِصَّةِ أَيُّوبَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ.
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصالحين) [الانبياء: 85 - 86] وقال تعالى بعد قصة أيوب أيضاً في سورة ص (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ واسحق وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ.
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ.
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ.
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الاخيار) [ص 45 - 48] فَالظَّاهِرُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مَقْرُونًا مَعَ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ نَبِيٌّ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَقَدْ زَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَإِنَّمَا كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا عَادِلًا * وَتَوَقَّفَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَإِنَّمَا كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَكَانَ قَدْ تكفل لبني قومه أن يكفيه امرهم ويقتضي بينهم بالعدل فسمى ذا الكفل.
وروى ان جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا كَبُرَ الْيَسَعُ قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَخْلَفْتُ رَجُلًا عَلَى النَّاسِ يَعْمَلُ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِي حَتَّى أَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُ، فَجَمَعَ النَّاس فَقَالَ: من يتقبل لي
(1) قال الزجاج: الكفل في اللغة الكساء الذي يجعل على عجز البعير، والكفل أيضا النصيب.
[*]
بِثَلَاثٍ أَسْتَخْلِفُهُ.
يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا يَغْضَبُ (1) .
قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ تَزْدَرِيهِ الْعَيْنُ (2)، فَقَالَ: أَنَا.
فَقَالَ أَنْتَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا تَغْضَبُ قَالَ نَعَمْ، قَالَ فَرَدَّهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَقَالَ مِثْلَهَا الْيَوْمَ الْآخَرَ، فَسَكَتَ النَّاسُ وَقَامَ ذَلِكَ الرَّجل فَقَالَ: أَنَا.
فَاسْتَخْلَفَهُ قَالَ: فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يَقُولُ لِلشَّيَاطِينِ عَلَيْكُمْ بِفُلَانٍ فَأَعْيَاهُمْ ذَلِكَ، فَقَالَ: دَعُونِي وَإِيَّاهُ فَأَتَاهُ فِي
صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ فَقِيرٍ، وَأَتَاهُ حِينَ أَخَذَ مَضْجَعَهُ لِلْقَائِلَةِ، وَكَانَ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، إِلَّا تِلْكَ النَّوْمَةَ فَدَقَّ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَظْلُومٌ * قَالَ: فَقَامَ فَفَتَحَ الْبَابَ، فَجَعَلَ يَقُصُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي خُصُومَةً وَإِنَّهُمْ ظَلَمُونِي وَفَعَلُوا بِي وفعلوا حَتَّى حَضَرَ الرَّوَاحُ (3) وَذَهَبَتِ الْقَائِلَةُ، وَقَالَ: إِذَا رحلت فَأْتِنِي آخُذْ لَكَ بِحَقِّكَ.
فَانْطَلَقَ وَرَاحَ.
فَكَانَ فِي مَجْلِسِهِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ هَلْ يَرَى الشَّيْخَ فَلَمْ يَرَهُ فَقَامَ يَتْبَعُهُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَعَلَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ وَيَنْتَظِرُهُ فَلَا يَرَاهُ.
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْقَائِلَةِ فَأَخَذَ مَضْجَعَهُ، أَتَاهُ فَدَقَّ الْبَابَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا فَقَالَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْمَظْلُومُ فَفَتَحَ لَهُ فَقَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِذَا قَعَدْتُ فَأْتِنِي فَقَالَ إِنَّهُمْ أَخْبَثُ قَوْمٍ إِذَا عَرَفُوا أَنَّكَ قَاعِدٌ قَالُوا نَحْنُ نُعْطِيكَ حَقَّكَ وَإِذَا قُمْتَ جَحَدُونِي قَالَ: فَانْطَلِقْ فَإِذَا رُحْتُ فَأْتِنِي قَالَ فَفَاتَتْهُ الْقَائِلَةُ فَرَاحَ فَجَعَلَ يَنْتَظِرُ فَلَا يَرَاهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ النُّعَاسُ فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ لَا تَدَعَنَّ أَحَدًا يَقْرُبُ هَذَا الْبَابَ حَتَّى أَنَامَ فَإِنِّي قَدْ شَقَّ عَلَيَّ النَّوْمُ.
فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ السَّاعَةَ جَاءَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ وَرَاءَكَ وَرَاءَكَ فَقَالَ إِنِّي قَدْ أَتَيْتُهُ أَمْسِ فَذَكَرْتُ لَهُ أَمْرِي فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ لَا نَدَعَ أَحَدًا يَقْرُبُهُ فَلَمَّا أَعْيَاهُ نَظَرَ فَرَأَى كُوَّةً فِي الْبَيْتِ فَتَسَوَّرَ مِنْهَا فَإِذَا هُوَ فِي الْبَيْتِ وَإِذَا هُوَ يَدُقُّ الْبَابَ مِنْ دَاخِلٍ قَالَ فَاسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا فُلَانُ أَلَمْ آمرك قَالَ أَمَّا مَنْ قبلي والله فلم تُؤْتَ فَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ؟ قَالَ: فَقَامَ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُغْلَقٌ كَمَا أَغْلَقَهُ وَإِذَا الرَّجُلُ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ فَعَرَفَهُ فَقَالَ أَعَدُوَّ اللَّهِ قَالَ: نَعَمْ أَعْيَيْتَنِي فِي كُلِّ شئ ففعلت ما ترى لأغضبنك، [فعصمك الله مني](4) فَسَمَّاهُ اللَّهُ ذَا الْكِفْلِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِأَمْرٍ فَوَفَّى بِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَرِيبًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ وَابْنِ حُجَيْرَةَ الْأَكْبَرِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ السَّلَفِ نَحْوُ هَذَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْجَمَاهِرِ أنبئنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ كِنَانَةَ بْنِ الْأَخْنَسِ قَالَ سَمِعْتُ الْأَشْعَرِيَّ - يَعْنِي أَبَا مُوسَى رضي الله عنه وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ: مَا كَانَ ذُو الْكِفْلِ نَبِيًّا، ولكن كان رجل صالح يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ صَلَاةٍ، فَتَكَفَّلَ لَهُ ذُو الْكِفْلِ مِنْ بَعْدِهِ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ صَلَاةٍ فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْلِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قتادة.
(1) زاد في القرطبي: ولا يغضب وهو يقضي.
(2)
في القرطبي: رجل من ذرية العيص.
(3)
الرواح: قيل الرواح العشي، وقيل: الرواح من لدن زوال الشمس إلى الليل.
(4)
الزيادة من القرطبي.
[*]