المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في البحار والأنهار - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ مَا سِوَاهُ تَعَالَى فَهُوَ مخلوق

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ فِي صِفَةِ خَلْقِ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ

- ‌وَأَمَّا الْكُرْسِيُّ

- ‌ذِكْرِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ

- ‌ما ورد في خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وما بينهما

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن مِنَ الْآيَاتِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَصِفَاتِهِمْ

- ‌فَصْلٌ ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ عليهم السلام بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هَيَّأَهُمُ اللَّهُ لَهُ أَقْسَامٌ *

- ‌فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاس فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ

- ‌باب خَلْقِ الْجَانِّ وَقِصَّةِ الشَّيْطَانِ

- ‌باب خَلْقِ آدَمَ عليه السلام

- ‌احتجاج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌الأحاديث الواردة في خلق آدم

- ‌قصة قَابِيلَ وَهَابِيلَ

- ‌وَفَاةِ آدَمَ وَوَصِيَّتِهِ إِلَى ابْنِهِ شِيثَ

- ‌ إِدْرِيسُ عليه السلام

- ‌قصة نوح عليه السلام

- ‌ذِكْرُ شئ من أخبار نوح عليه السلام

- ‌صَوْمِهِ عليه السلام

- ‌حجه عليه السلام

- ‌وصيته لولده

- ‌قِصَّةُ هُودٍ عليه السلام

- ‌قصة صالح نبي ثمود عليه السلام

- ‌مرور النبي بِوَادِي الْحِجْرِ مِنْ أَرْضِ ثَمُودَ عَامَ تَبُوكَ

- ‌قصة إبراهيم خليل الرَّحمن

- ‌ذِكْرُ مُنَاظَرَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مع من ادعى الرُّبُوبِيَّةَ وَهُوَ أَحَدُ الْعَبِيدِ الضُّعَفَاءِ

- ‌ذِكْرُ مَوْلِدِ إسماعيل عليه السلام مِنْ هَاجَرَ

- ‌ذِكْرُ مُهَاجَرَةِ إبراهيم بِابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ إِلَى جِبَالِ فَارَانَ وَهِيَ أَرْضُ مَكَّةَ وَبِنَائِهِ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ

- ‌ قِصَّةُ الذَّبِيحِ

- ‌مولد اسحاق

- ‌بِنَاءِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

- ‌ذِكْرُ ثَنَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الكريم على عبده وخليله إبراهيم

- ‌قَصْرِهِ فِي الْجَنَّةِ

- ‌صِفَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

- ‌وفاة إبراهيم وَمَا قِيلَ فِي عُمُرِهِ

- ‌ذِكْرُ أَوْلَادِ إِبْرَاهِيمَ الخليل

- ‌قصة مدين قوم شعيب عليه السلام

- ‌باب ذرية إبراهيم

- ‌إِسْمَاعِيلَ عليه السلام

- ‌إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ

- ‌مَا وَقَعَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ فِي حَيَاةِ إسرائيل

- ‌قصة نبي الله أيوب

- ‌ قِصَّةَ ذِي الْكِفْلِ

- ‌باب ذكر أمم أهلكوا بعامة

- ‌أَصْحَابُ الرَّسِّ

- ‌قِصَّةُ قَوْمِ يس

- ‌قصة يونس

- ‌فضل يونس

- ‌قِصَّةُ مُوسَى الْكَلِيمِ

- ‌ذَكَرَ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ بِالْمَطَرِ وَاهْتِزَازَهَا بِإِخْرَاجِ نَبَاتِهَا فِيهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌هَلَاكِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ

- ‌سؤال الرؤية

- ‌قِصَّةُ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ في غيبة [كليم الله عنهم]

- ‌حَدِيثٍ آخَرَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّا

- ‌قِصَّةُ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ

- ‌قصة موسى والخضر عليهما السلام

- ‌قِصَّةُ قَارُونَ مَعَ مُوسَى عليه السلام

- ‌ذِكْرُ وَفَاتِهِ عليه السلام

- ‌أَمَّا الْخَضِرُ:

الفصل: ‌فصل في البحار والأنهار

الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (1) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ الْجُدُدُ الطَّرَائِقُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ الْغَرَابِيبُ الْجِبَالُ الطِّوَالُ السُّودُ.

وهذا هو الشاهد مِنَ الْجِبَالِ فِي سَائِرِ الْأَرْضِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ بِقَاعِهَا وَأَلْوَانِهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْجُودِيَّ عَلَى التَّعْيِينِ وَهُوَ جَبَلٌ عَظِيمٌ

شرقي جزيرة ابن عمر إلى دِجْلَةَ.

عِنْدَ الْمَوْصِلِ امْتِدَادُهُ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشَّمال مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَارْتِفَاعُهُ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ أَخْضَرُ لِأَنَّ فِيهِ شَجَرًا مِنَ الْبَلُّوطِ وَإِلَى جَانِبِهِ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا قَرْيَةُ الثَّمَانِينَ لِسُكْنَى الَّذِينَ نَجَوْا فِي السَّفِينَةِ مَعَ نوح عليه السلام في موضعها فيما ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌فَصْلٌ فِي الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَهُوَ الَّذِي سخر لكم الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تهدون.

وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ.

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 14 - 15] وقال تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عذب فرات سائغ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[فَاطِرٍ: 12] وَقَالَ تَعَالَى (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْرًا مَحْجُورًا)[الفرقان: 53] وَقَالَ تَعَالَى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ)[الرَّحْمَنِ: 19 - 20] فَالْمُرَادُ بِالْبَحْرَيْنِ الْبَحْرُ الْمِلْحُ الْمُرُّ وَهُوَ الْأُجَاجُ وَالْبَحْرُ الْعَذْبُ هُوَ هَذِهِ الْأَنْهَارُ السَّارِحَةُ بين أقطار والامصار لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ من الأئمة.

وقال تعالى: (وَمَنْ آياته الجوار فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كسبوا وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 33] وقال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلا كل ختال كفور)[لقمان: 31] وقال تعالى: (إِنَّ في خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ

الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الحج: 65] فامتن تعالى

(1) سورة فاطر الآية 27.

الجدد جمع جدة.

قال الزهري: الطرائق أو الخطوط الواضحة المنفصل بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ.. [*]

ص: 23

عَلَى عِبَادِهِ بِمَا خَلَقَ لَهُمْ مِنَ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ فَالْبَحْرُ الْمُحِيطُ بِسَائِرِ أَرْجَاءِ الْأَرْضِ وَمَا ينبت مِنْهُ فِي جَوَانِبِهَا الْجَمِيعُ مَالِحُ الطَّعْمِ مُرٌّ وَفِي هَذَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ لِصِحَّةِ الْهَوَاءِ إِذْ لَوْ كَانَ حُلْوًا لَأَنْتَنَ الْجَوُّ وَفَسَدَ الْهَوَاءُ بسبب ما يموت فيه من الحيوانات فكان يؤدي إلى تفاني بني آدم ولكن اقتضت الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ.

وَلِهَذَا لَمَّا سُئل رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبَحْرِ قَالَ: " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ "(1) .

وَأَمَّا الْأَنْهَارُ فماؤها حلو عذب فرات سائغ شرابها لمن أراد ذلك.

وَجَعَلَهَا جَارِيَةً سَارِحَةً يُنْبِعُهَا تَعَالَى فِي أَرْضٍ وَيَسُوقُهَا إِلَى أُخْرَى رِزْقًا لِلْعِبَادِ.

وَمِنْهَا كِبَارٌ وَمِنْهَا صِغَارٌ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ.

وَقَدْ تَكَلَّمَ أصحاب علم الهيئة والتفسير عَلَى تَعْدَادِ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ الْكِبَارِ وَأُصُولِ مَنَابِعِهَا وَإِلَى أَيْنَ يَنْتَهِي سَيْرُهَا بِكَلَامٍ فِيهِ حِكَمٌ وَدَلَالَاتٌ عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ فَاعِلٌ بالاختيار والحكمة - قوله تَعَالَى (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [الطور: 6] فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَحْرُ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ المذكور في حديث الأوعال.

وأنه فوق السموات السَّبْعِ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَهُوَ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهُ الْمَطَرُ قَبْلَ الْبَعْثِ فَتَحْيَا مِنْهُ الْأَجْسَادُ مِنْ قُبُورِهَا.

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ.

وَالثَّانِي أَنَّ الْبَحْرَ اسْمُ جِنْسٍ يَعُمُّ سَائِرَ الْبِحَارِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ * وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فَقِيلَ الْمَمْلُوءُ وَقِيلَ يَصِيرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا تُؤَجَّجُ فَيُحِيطُ بِأَهْلِ الْمَوْقِفِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ علي وابن عباس وسعيد بن جبير وابن مجاهد وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَمْنُوعُ الْمَكْفُوفُ الْمَحْرُوسُ عَنْ أَنْ يَطْغَى فَيَغْمُرَ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا فَيَغْرَقُوا.

رَوَاهُ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (1) حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا

الْعَوَّامُ حَدَّثَنِي شَيْخٌ كَانَ مُرَابِطًا بِالسَّاحِلِ قَالَ " لَقِيتُ أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات [على الأرض] يستأذن الله عزوجل أن يتفصح عليهم فيكفه الله عزوجل " ورواه إسحاق بن راهويه

(1) اخرجه أحمد في مسنده 2 / 227، 261، 278، 292 ; 3 / 273 ; 5 / 265.

وأبو داود في الطهارة والترمذي في الطهارة والنسائي في الطهارة والمياه والصيد.

وأخرجه ابن ماجه في الطهارة.

وفي موطأ مالك والدارمي في الوضوء والصيد.

(2)

سورة الطور الآية 6.

في معنى المسجور قال مجاهد: الموقد ; وافقه الضحاك وشمر بن عطية ومحمد بن كعب والاخفش: انه بمنزلة التنور المسجور - الموقد المحمى -.

وعن ابن عباس قال: المسجور الذي ذهب ماؤه.

وقيل المسجور أي المفجور.

وعند المهايمي: أورده بعد السقف المرفوع للاشارة إلى أنه إذا ارتفع العمل إلى السماء فاض منها على العبد من العلوم ما يجعله بحرا من المحبة ما يسجر بنار الشوق إلى ربه.

[*]

ص: 24

عن يزيد بن هرون عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مُرَابِطٌ قال " خرجت ليلة المحرس لم يخرج أحد من المحرس غَيْرِي فَأَتَيْتُ الْمِينَاءَ فَصَعِدْتُ فَجَعَلَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أن البحر يشرف يحاذي برؤوس الْجِبَالِ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا مُسْتَيْقِظٌ فَلَقِيتُ أَبَا صَالِحٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ ثلاث مرات يستأذن الله أن يتفصح عليهم فيكفه الله عزوجل فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا مِنْ نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنْ كَفَّ شَرَّ الْبَحْرِ عَنْ أَنْ يَطْغَى عَلَيْهِمْ وَسَخَّرَهُ لَهُمْ يَحْمِلُ مَرَاكِبَهُمْ لِيَبْلُغُوا عَلَيْهَا إِلَى الْأَقَالِيمِ النَّائِيَةِ بِالتِّجَارَاتِ وَغَيْرِهَا وَهَدَاهُمْ فِيهِ بِمَا خَلَقَهُ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنَ النُّجُومِ وَالْجِبَالِ الَّتِي جَعَلَهَا لَهُمْ عَلَامَاتٍ يَهْتَدُونَ بِهَا فِي سَيْرِهِمْ وبما خلق لهم فيه من الآلئ وَالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ الْعَزِيزَةِ الْحَسَنَةِ الثَّمِينَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ إِلَّا فِيهِ وَبِمَا خَلَقَ فِيهِ مِنَ الدَّوَابِّ الْغَرِيبَةِ

وَأَحَلَّهَا لَهُمْ حَتَّى مَيْتَتَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ) وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ * وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ " وجدت في كتاب عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَغْدَادِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ " كَلَّمَ اللَّهُ هَذَا الْبَحْرَ الْغَرْبِيَّ وَكَلَّمَ الْبَحْرَ الشَّرْقِيَّ فَقَالَ لِلْغَرْبِيِّ إِنِّي حَامِلٌ فِيكَ عِبَادًا مِنْ عِبَادِي فَكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ بِهِمْ قَالَ أُغْرِقُهُمْ.

قَالَ بَأْسُكَ فِي نَوَاحِيكَ وَحَرَمَهُ الْحِلْيَةَ وَالصَّيْدَ، وَكَلَّمَ هَذَا الْبَحْرَ الشَّرْقِيَّ فَقَالَ إِنِّي حَامِلٌ فِيكَ عِبَادًا مِنْ عِبَادِي فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ بِهِمْ قَالَ أَحْمِلُهُمْ عَلَى يَدِي، وَأَكُونُ لَهُمْ كَالْوَالِدَةِ لِوَلَدِهَا فأثابه الحلية والصيد * ثم قال لا تعلم أحدا.

ما رَوَاهُ عَنْ سُهَيْلٍ إِلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

قال وقد رواه سهيل عن عبد الرحمن بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا.

قُلْتُ الْمَوْقُوفُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَشْبَهُ فَإِنَّهُ قَدْ كان وجد يوم اليرموك ذاملتين مَمْلُوءَتَيْنِ كُتُبًا مِنْ عُلُومِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ يحدِّث مِنْهُمَا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مِنْهَا المعروف والمشهور والمنكور والمردود.

فأما المعروف فترد بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبُو الْقَاسِمِ الْمَدَنِيُّ قَاضِيهَا.

قَالَ فِيهِ الإمام أحمد ليس بشئ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ * ثُمَّ مَزَّقْتُ حَدِيثَهُ كَانَ كذاباً وأحاديثه مناكير * وكذا ضعَّفه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالْجُوزَجَانِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنِّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ مَنَاكِيرٌ وَأَفْظَعُهَا حَدِيثُ الْبَحْرِ * قَالَ عُلَمَاءُ التفسير الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى الْعُرُوضِ وَالْأَطْوَالِ وَالْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْجِبَالِ وَالْمِسَاحَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمُدُنِ وَالْخَرَابِ والعمارات والأقاليم السبعة الحقيقة فِي اصْطِلَاحِهِمْ وَالْأَقَالِيمِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَمَا فِي الْبُلْدَانِ وَالْأَقَالِيمِ مِنَ الْخَوَاصِّ وَالنَّبَاتَاتِ وَمَا يُوجَدُ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْ صُنُوفِ

ص: 25

الْمَعَادِنِ وَالتِّجَارَاتِ قَالُوا الْأَرْضُ مَغْمُورَةٌ بِالْمَاءِ الْعَظِيمِ إِلَّا مِقْدَارَ الرُّبْعِ مِنْهَا وَهُوَ تِسْعُونَ دَرَجَةً

وَالْعِنَايَةُ الْإِلَهِيَّةُ اقْتَضَتِ انْحِسَارَ الْمَاءِ عَنْ هَذَا القدر منها لتعيش الحيوانات عليها وتنبت الزرع والثمار منها كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ فبأي آلاء ربكما تكذبان)[الرَّحْمَنِ: 10 - 13] قَالُوا الْمَعْمُورُ مِنْ هَذَا الْبَادِي مِنْهَا قريب الثلثين منه أو أكثر قليلاً.

هو خمس وتسعون دَرَجَةً.

قَالُوا فَالْبَحْرُ الْمُحِيطُ الْغَرْبِيُّ وَيُقَالُ لَهُ أُوقْيَانُوسُ وَهُوَ الَّذِي يُتَاخِمُ بِلَادَ الْمَغْرِبِ وَفِيهِ الْجَزَائِرُ الْخَالِدَاتُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ سَاحِلِهِ عَشْرُ دَرَجٍ مَسَافَةُ شَهْرٍ تَقْرِيبًا وَهُوَ بَحْرٌ لَا يُمْكِنُ سلوكه ولا ركوبه لكثرة موجه واختلاف ما فِيهِ مِنَ الرِّيَاحِ وَالْأَمْوَاجِ وَلَيْسَ فِيهِ صَيْدٌ ولا يستخرج منه شئ وَلَا يُسَافَرُ فِيهِ لِمَتْجَرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ آخِذٌ فِي نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ حَتَّى يُسَامِتَ الْجِبَالَ الْقُمْرَ وَيُقَالُ جِبَالُ الْقَمَرِ الَّتِي مِنْهَا أَصْلُ مَنْبَعِ نِيلِ مِصْرَ وَيَتَجَاوَزُ خَطَّ الِاسْتِوَاءِ * ثُمَّ يَمْتَدُّ شَرْقًا وَيَصِيرُ جَنُوبِيَّ الْأَرْضِ.

وَفِيهِ هُنَاكَ جزائر الزابج وَعَلَى سَوَاحِلِهِ خَرَابٌ كَثِيرٌ * ثُمَّ يَمْتَدُّ شَرْقًا وَشَمَالًا حَتَّى يَتَّصِلَ بِبَحْرِ الصِّينِ وَالْهِنْدِ * ثُمَّ يَمْتَدُّ شَرْقًا حَتَّى يُسَامِتَ (1) نِهَايَةَ الْأَرْضِ الشَّرْقِيَّةِ الْمَكْشُوفَةِ.

وَهُنَاكَ بِلَادُ الصِّينِ.

ثُمَّ يَنْعَطِفُ فِي شَرْقِ الصِّينِ إِلَى جِهَةِ الشَّمَالِ حَتَّى يُجَاوِزَ بِلَادَ الصِّينِ وَيُسَامِتَ سَدَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ.

ثُمَّ ينعطف ويستدير على أراضي غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْأَحْوَالِ * ثُمَّ يَمْتَدُّ مَغْرِبًا فِي شَمَالِ الْأَرْضِ وَيُسَامِتُ بِلَادَ الرُّوسِ وَيَتَجَاوَزُهَا وَيَعْطِفُ مَغْرِبًا وَجَنُوبًا وَيَسْتَدِيرُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَعُودُ إِلَى جِهَةِ الْغَرْبِ وَيَنْبَثِقُ مِنَ الْغَرْبِيِّ إِلَى مَتْنِ الْأَرْضِ الزُّقَاقِ الَّذِي يَنْتَهِي أَقْصَاهُ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ مِنَ الْغَرْبِ * ثُمَّ يَأْخُذُ فِي بِلَادِ الرُّومِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ.

وَيَنْبَعِثُ مِنَ الْمُحِيطِ الشَّرْقِيِّ بِحَارٌ أُخَرُ فِيهَا جَزَائِرُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ فِي بَحْرِ الْهِنْدِ أَلْفُ جَزِيرَةٍ وَسَبْعُمِائَةِ جَزِيرَةٍ فِيهَا مُدُنٌ وَعِمَارَاتٌ سِوَى الْجَزَائِرِ الْعَاطِلَةِ وَيُقَالُ لَهَا الْبَحْرُ الْأَخْضَرُ فَشَرْقِيُّهُ بَحْرُ الصِّينِ وَغَرْبِيُّهُ بَحْرُ الْيَمَنِ وَشَمَالُهُ بَحْرُ الْهِنْدِ وَجَنُوبِيُّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ * وذكروا أن بين بحر الهند وبحر اليمن جبالاً فاصلة بينهما وفيها فجاج يسلك الْمَرَاكِبُ بَيْنَهَا يُسَيِّرُهَا لَهُمُ الَّذِي خَلَقَهَا كَمَا جُعِلَ مِثْلُهَا فِي الْبَرِّ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بكم وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سبلا لعلكم تهتدون) * وَقَدْ ذَكَرَ بَطْلَيْمُوسُ أَحَدُ مُلُوكِ الْهِنْدِ فِي كِتَابِهِ

الْمُسَمَّى بِالْمَجِسْطِي الَّذِي عُرب فِي زَمَانِ الْمَأْمُونِ، وَهُوَ أَصْلُ هَذِهِ الْعُلُومِ أَنَّ الْبِحَارَ الْمُتَفَجِّرَةَ مِنَ الْمُحِيطِ الْغَرْبِيِّ وَالشَّرْقِيِّ وَالْجَنُوبِيِّ وَالشَّمَالِيِّ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

فَمِنْهَا مَا هُوَ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ يُسَمَّى بِحَسَبِ الْبِلَادِ الْمُتَاخِمَةِ لَهُ.

فَمِنْ ذَلِكَ بَحْرُ الْقُلْزُمِ.

وَالْقُلْزُمُ قَرْيَةٌ عَلَى سَاحِلِهِ قَرِيبٌ مِنْ أَيْلَةَ.

وَبَحْرُ فَارِسَ وَبَحْرُ الْخَزَرِ وَبَحْرُ وَرْنَكَ وَبَحْرُ الرُّومِ وَبَحْرُ بَنْطَشَ وَبَحْرُ الْأَزْرَقِ، مَدِينَةٌ عَلَى سَاحِلِهِ وَهُوَ بَحْرُ الْقَرْمِ أَيْضًا وَيَتَضَايَقُ حَتَّى يَصُبَّ فِي بَحْرِ الرُّومِ عِنْدَ جنوبي القسطنطينية وهو خليج القسطنطينية،

(1) يسامت: يسير.

[*]

ص: 26

وَلِهَذَا تُسْرِعُ الْمَرَاكِبُ فِي سَيْرِهَا مِنَ الْقَرْمِ إلى بحر الروم وتبطئ إِذَا جَاءَتْ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى الْقَرْمِ لِاسْتِقْبَالِهَا جَرَيَانَ الْمَاءِ.

وَهَذَا مِنَ الْعَجَائِبِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلَّ مَاءٍ جَارٍ فَهُوَ حُلْوٌ إِلَّا هَذَا وَكُلُّ بَحْرٍ رَاكِدٍ فَهُوَ مِلْحٌ أُجَاجٌ إِلَّا مَا يُذْكَرُ عَنْ بَحْرِ الْخَزَرِ وَهُوَ بَحْرُ جُرْجَانَ وَبَحْرُ طَبَرِسْتَانَ أَنَّ فِيهِ قِطْعَةً كَبِيرَةً مَاءً حُلْوًا فُرَاتًا عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الْمُسَافِرُونَ عَنْهُ.

قَالَ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَهُوَ بَحْرٌ مُسْتَدِيرُ الشَّكْلِ إِلَى الطُّولِ مَا هُوَ * وَقِيلَ إِنَّهُ مُثَلَّثٌ كَالْقَلْعِ وَلَيْسَ هُوَ مُتَّصِلًا بشئ مِنَ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ بَلْ مُنْفَرِدٌ وَحْدَهُ، وَطُولُهُ ثَمَانُمِائَةِ مِيلٍ وَعَرْضُهُ سِتُّمِائَةٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ ذَلِكَ الْبَحْرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَدُّ وَالْجَزْرُ عِنْدَ الْبَصْرَةِ وَفِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ نَظِيرُهُ أَيْضًا يَتَزَايَدُ الْمَاءُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَا يَزَالُ فِي زِيَادَةٍ إِلَى تَمَامِ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةَ عَشَرَ مِنْهُ وَهُوَ الْمَدُّ * ثُمَّ يَشْرَعُ فِي النَّقْصِ وَهُوَ الْجَزْرُ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ * وَقَدْ ذَكَرُوا تَحْدِيدَ هَذِهِ الْبِحَارِ وَمُبْتَدَاهَا وَمُنْتَهَاهَا وَذَكَرُوا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْبُحَيْرَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنَ الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا مِنَ السُّيُولِ وَهِيَ الْبَطَائِحُ * وَذَكَرُوا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَنْهَارِ الْمَشْهُورَةِ الْكِبَارِ، وَذَكَرُوا ابْتِدَاءَهَا وَانْتِهَاءَهَا وَلَسْنَا بِصَدَدِ بَسْطِ ذَلِكَ وَالتَّطْوِيلِ فِيهِ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَنْهَارِ الْوَارِدِ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ

دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لما ذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى قَالَ فَإِذَا يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ.

فَأَمَّا الْبَاطِنَانِ ففي الجنة وأما الظهران فالنيل والفرات * وفي لفط في البخاري وعنصرهما أَيْ مَادَّتُهُمَا أَوْ شَكْلُهُمَا وَعَلَى صِفَتِهِمَا وَنَعْتِهِمَا وليس في الدنيا مما في الجنة الاسماوية وفي صَحِيحِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَيَزِيدُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ الْفُرَاتُ وَالنِّيلُ وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ " وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

وَكَأَنَّ الْمُرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ تُشْبِهُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ فِي صَفَائِهَا وَعُذُوبَتِهَا وَجَرَيَانِهَا وَمِنْ جِنْسِ تِلْكَ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ " أَيْ تُشْبِهُ ثَمَرَ الْجَنَّةِ لَا أَنَّهَا مُجْتَنَاةٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْحِسَّ يَشْهَدُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ وَكَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ

ص: 27

فأبردوها بالماء " وكذا قوله " إذا اشتد الحمى فأبردوها بالماء فإن شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ " * وَهَكَذَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ أَصْلُ مَنْبَعِهَا مُشَاهَدٌ مِنَ الْأَرْضِ * أَمَّا النِّيلُ.

وَهُوَ النَّهْرُ الَّذِي لَيْسَ فِي أَنْهَارِ الدُّنْيَا لَهُ نَظِيرٌ فِي خِفَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ وَبُعْدِ مَسْرَاهُ فِيمَا بَيْنَ مُبْتَدَاهُ إِلَى مُنْتَهَاهُ فَمُبْتَدَاهُ مِنَ الْجِبَالِ الْقُمْرِ أَيِ الْبِيضِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ جِبَالُ الْقَمَرِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْكَوْكَبِ وَهِيَ فِي غَرْبِيِّ الْأَرْضِ وَرَاءَ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ إِلَى الجانب الجنوبي.

ويقال إنها حمر ينبع من بينها عيون * ثم يجتمع من عشر مسيلات متباعدة.

ثم يجتمع كل خمسة منها في بحر.

ثم يخرج منها أنهار ستة.

ثم يجتمع كُلُّهَا فِي بُحَيْرَةٍ أُخْرَى.

ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا نَهْرٌ وَاحِدٌ هُوَ النِّيلُ فَيَمُرُّ عَلَى بِلَادِ

السودان الحبشة ثُمَّ عَلَى النَّوْبَةِ وَمَدِينَتِهَا الْعُظْمَى دُمْقُلَةَ ثُمَّ عَلَى أُسْوَانَ ثُمَّ يفدُ عَلَى دِيَارِ مِصْرَ (1) .

وَقَدْ تَحَمَّلَ إِلَيْهَا مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ زِيَادَاتِ أَمْطَارِهَا وَاجْتَرَفَ مِنْ تُرَابِهَا وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِمَا مَعًا لِأَنَّ مَطَرَهَا قَلِيلٌ لَا يَكْفِي زُرُوعَهَا وَأَشْجَارَهَا.

وَتُرْبَتَهَا رِمَالٌ لَا تُنْبِتُ شَيْئًا حَتَّى يجئ النِّيلُ بِزِيَادَتِهِ وَطِينِهِ فَيَنْبُتُ فِيهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَهِيَ مِنْ أَحَقِّ الْأَرَاضِي بِدُخُولِهَا فِي قوله تعالى (أو لم يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ رزعا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) ثم يجاوز النِّيلُ مِصْرَ قَلِيلًا فَيَفْتَرِقُ شَطْرَيْنِ عِنْدَ قَرْيَةٍ عَلَى شَاطِئِهِ يُقَالُ لَهَا شَطَنُوفُ فَيَمُرُّ الْغَرْبِيُّ عَلَى رَشِيدٍ وَيَصُبُّ فِي الْبَحْرِ الْمَالِحِ * وَأَمَّا الشرق فَتَفْتَرِقُ أَيْضًا عِنْدَ جَوْجَرَ فِرْقَتَيْنِ تَمُرُّ الْغَرْبِيَّةُ مِنْهُمَا عَلَى دِمْيَاطَ مِنْ غَرْبِيِّهَا وَيَصُبُّ فِي الْبَحْرِ وَالشَّرْقِيَّةُ مِنْهُمَا تَمُرُّ عَلَى أَشْمُونِ طَنَّاحٍ فَيَصُبُّ هُنَاكَ فِي بُحَيْرَةٍ شَرْقِيِّ دِمْيَاطَ.

يُقَالُ لَهَا بُحَيْرَةُ تَنِّيسَ وَبُحَيْرَةُ دِمْيَاطَ * وَهَذَا بُعْدٌ عَظِيمٌ فِيمَا بَيْنَ مُبْتَدَاهُ إِلَى مُنْتَهَاهُ.

وَلِهَذَا كَانَ أَلْطَفَ الْمِيَاهِ * قَالَ ابْنُ سِينَا لَهُ خُصُوصِيَّاتٌ دُونَ مِيَاهِ سَائِرِ الْأَرْضِ * فَمِنْهَا أَنَّهُ أَبْعَدُهَا مَسَافَةً مِنْ مَجْرَاهُ إِلَى أَقْصَاهُ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى صُخُورٍ وَرِمَالٍ (1) لَيْسَ فِيهِ خَزٌّ وَلَا طُحْلُبٌ وَلَا أَوْحَالٌ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَخْضَرُّ فِيهِ حَجَرٌ وَلَا حَصَاةٌ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِصِحَّةِ مِزَاجِهِ وَحَلَاوَتِهِ وَلَطَافَتِهِ.

وَمِنْهَا أَنَّ زِيَادَتَهُ فِي أَيَّامِ نُقْصَانِ سَائِرِ الْأَنْهَارِ.

وَنُقْصَانَهُ فِي أَيَّامِ زِيَادَتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ أَصْلَ مَنْبَعِ النِّيلِ مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ فَرَأَى هُنَاكَ هَوْلًا عَظِيمًا وَجَوَارِيَ حِسَانًا وَأَشْيَاءَ غَرِيبَةً وَأَنَّ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ مِنْ خُرَافَاتِ الْمُؤَرِّخِينَ وَهَذَيَانَاتِ الْأَفَّاكِينَ * وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قال " لما فتح عمرو بن عاص مصر آتى أهلها إليه حين دخل شهر بؤنة من أشهر العجم (القبطية) فقالوا: (أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّ لِنِيلِنَا هَذَا سُنَّةً لَا يَجْرِي إِلَّا بِهَا فَقَالَ لَهُمْ وَمَا ذَاكَ قَالُوا إِذَا كَانَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ عَمَدْنَا إِلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ بَيْنَ أَبَوَيْهَا فَأَرْضَيْنَا أَبَوَيْهَا وَجَعَلْنَا عَلَيْهَا مِنَ الجلي وَالثِّيَابِ أَفْضَلَ مَا يَكُونُ ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا فِي هَذَا النِّيلِ، فَقَالَ لَهُمْ عَمْرٌو إِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ ما قبله فأقاموا بؤنة وَالنِّيلُ لَا يَجْرِي لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا * وفي رواية فأقاموا بؤنة وَأَبِيبَ وَمِسْرَى وَهُوَ لَا يَجْرِي حَتَّى هَمُّوا بِالْجَلَاءِ.

فَكَتَبَ عَمْرٌو إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ إِنَّكَ قَدْ أَصَبْتَ بِالَّذِي

فَعَلْتَ وَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِطَاقَةً دَاخِلَ كِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهَا فِي النِّيلِ فَلَمَّا قدِمَ كِتَابُهُ أَخَذَ عَمْرٌو

ص: 28