الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: " وَ
أَحْوَالُ الأَْبْنِيَةِ
قَدْ تَكُونُ لِلْحَاجَةِ كَالْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَالأَْمْرِ وَاسْمِ الفاعل وَاسْمِ الْمَفْعُولِ وَالصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ وَأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَالْمَصْدَرِ وَاسْمَيِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالآلَةِ وَالْمُصَغَّرِ وَالْمَنْسُوبِ وَالْجَمْعِ وَالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالابْتِدَاءِ وَالْوَقْفِ، وقدْ تَكُونُ لِلتَّوَسُّع كَالْمقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ وذِي الزيادة، وقد
رجل ضورب، لان هذا الالحاق لم يطرد فلا تقيسه.
وسألت أبا على (يريد أستاذه الفارسى) عن هذا الموضع في وقت القراءة بالشام والعراق جميعا وأنا أثبت ما تحصل من قوله فيه، قال: لو اضطر شاعر الان لجاز أن يبنى من ضرب اسما وصفة وفعلا وما شاء من ذلك، فيقول: ضربب زيد عمرا، ومررت برجل ضربب، وضربب أفضل من خرجج، لانه إلحاق مطرد، وكذلك كل مطرد من الالحاق نحو هذا رجل ضربني، لان هذا الالحاق مطرد، وليس لك أن تقول: هذا رجل ضيرب، ولا ضورب، لان هذا لم يطرد في الالحاق.
فقلت له: أترتجل اللغة ارتجالا؟ فقال: نعم، لان هذا الالحاق لما اطرد صار كاطراد رفع الفاعل، ألا ترى أنك تقول: طاب الخشكنان، فترفع وإن لم تكن العرب لفظت بهذه الكلمة لانه أعجمية.
قال: وإدخالهم الاعجمي في كلامهم كبنائك ما تبنيه من ضرب وغيره من القياس، وهذا من طريف ما علقته من أبى على، وهذا لفظه أو معنى لفظه " اه وحاصل هذا أن الالحاق عندهما على ضربين: قياسي، وسماعى، فأما القياسي
فقد ذكرا له موضعين: الاول: ما كان بتكرير اللام مع الثلاثي، والثانى: ما كان بريادة النون في وسط الكلمة، وأما السماعي فما كان بالواو كجمهور ورودن، أو بالياء كشريف وبيطر وزينب ومريم، أو بالالف كجعبى وسلقى ودنيا ومعزى ولكنك إذا رجعت إلى كلام أبى الفتح ابن حنى في عدة مواضع من شرحه على تصريف المازنى ومن كتابه الخصائص تبين لك أنهم لا يعدون من الالحاق قياسيا إلا ما كان بتكرير اللام سواء أكان ثلاثى الاصول وأريد إلحاقه بالرباعي أم كان رباعى الاصول وأريد إلحاقه بالخماسى، فليس لك أن تزيد للالحاق أي حرف ما لم يكن من جنس اللام، إلا أن تريد التمرين كأن تقول: ابن من خرج على مثال كوثر أو جهور أو بيطر أو جعبى أو غسل أو نحو ذلك (*)
تَكُونُ لِلْمُجَانَسَةِ كَالإِْمَالَةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلاسْتِثْقَالِ كَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ وَالإِْعْلَالِ وَالإِْبْدَالِ وَالإِْدْغَامِ وَالْحَذْفِ " أقول: قد مضى الكلام على جعله لهذه الأشياء أحوال الكلمة فلا نكرره (1) قوله " قد تكون للحاجة " أي: يحتاج إلى هذه الأشياء: إما لتغير المعنى باعتبارها كما في الماضي والمضارع، إلى قوله " والجمع " وَإما للاضطرار إلى بعضها بعد الإعلال كالتقاء الساكنين في نحو " لمْ يَقُلْ " أو بعد وصْل بعض الكلم ببعض كالتقائهما في نحو " اذْهَبِ اذْهَبْ " أو عند الشروع في الكلام كالابتداء، وإما لوجه استحساني لا ضروريّ كوجوه الوقف على ما يأتي وفي جعله للمقصور والممدود وذي الزيادة من باب التوسع مطلقاً نظر، لأن القصر والمد إنما صِيرَ إليهما في بعض المواضع بإعلال اقتضاه الاستثقال كاسم المفعول المعتل اللام من غير الثلاثي المجرد، واسمي الزمان والمكان، والمصدر مما
قياسه مفعل ومفعل، وسائر ما ذكره في المقصور، وكالمصادر المعتلة اللام من أفعل وفَاعَل وافْتَعَل كالإعطاء والرِّمَاءِ والاشتراء، وسائر ما نذكره في الممدود، وربما صير إليهما للحاجة كمؤنث أفعل التفضيل، ومؤنث أفْعَلَ الصفة، وكذا ذو الزيادة: قد تكون زيادته للحاجة كما في زيادات اسم الفاعل واسم المفعول ومصادر ذي الزيادة ونحو ذلك، وكزيادات الإلحاق، وقد يكون بعضها للتوسع في الكلام كما في سَعِيد وحِمَار وعُصْفور وكُنَابيل ونحو ذلك، ويجوز أن يقال في زيادة الإلحاق: إنها للتوسع في اللغة، حتى لو احتيج إلى مثل ذلك البنا في
(1) صواب العبارة أن يقول " على جعله لهذه الأشياء أحوال الابنية " وانظر (ص 4) من هذا الجزء (*)
الوزن والسجع كان موجوداً، وذهب أحمد بن يحيى إلى أنه لابد لكل زائد من معنى، ولا دليل على ما ادعى قوله " والإعلال " يدخل فيه إبدال حروف العلة، ونقل حركتها إلى ما قبلها، وحذفها، وحذف حركتهالا للجزم ولا للوقف، ويدخل في الإبدال إبدال حرف العلة والهمزة وغيرهما، وكذا الحذف يشمل حذف حرف العلة والهمزة وغيرهما، فقوله " الإبدال والحذف " يدخل فيها بعض وجوه الإعلال، وبعض وجوه تخفيف الهمزة قال:" الماضي: للثوثى المجرد ثلاثة أبنية: فعل، وفعل، وفعل، نحو ضربه وقتله جاس وَقَعَدَ وَشَرِبَهُ وَوَمِقَهُ وَفَرِحَ وَوَثِقَ وَكَرُمَ " أقول: ذكر لفَعَلَ أربعة أمثلة: مثالين للمتعدي: أحدهما من باب فَعَلَ يَفْعِلُ، والثاني من باب فَعَل يَفْعُلُ، ولم يذكر من باب فَعَلَ يَفْعَلُ - بفتحهما - لأنه فرعهما على ما يأتي في المضارع، ومثالين للَاّزم منهما، وذكر أيضاً لفَعَلَ أربعة
أمثلة: مثالين للمتعدي: أحدهما من باب فعل يفعل كشرب، والثاني من باب فَعَل يَفْعُلُ كومق، ومثالين للَاّزم منهما، وذكر لفَعُلَ مثالاً واحداً، لأنه ليس مضارعه إلا مضموم العين، وليس إلا لازماً قال:" وَلِلْمَزِيد فِيهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ: ملحق بدرج نَحْوُ شَمْلَلَ وَحَوقْلَ َوبَيْطَرَ وَجَهْوَرَ وقَلْنَسَ وَقَلْسَي، ومُلْحَقٌ بِتَدَحْرَجَ نَحْوُ تَجَلْبَبَ وَتَجَوْرَبَ وَتَشَيْطَنَ وَتَرَهْوَكَ وَتَمَسْكَنَ وَتَغَافَلَ وَتَكَلَّمَ، وَمُلْحَقٌ باحْرَنْجَمَ نَحْوَ اقْعَنْسَسَ وَاسْلَنْقى، وَغَيْرَ مُلْحَقٍ نَحْوٍ أخْرَجَ وَجَرَّبَ وَقَاتَل وانْطَلَقَ وَاقْتَدَرَ وَاسْتَخْرَجَ وَاشْهَابَّ وَاشْهَبَّ واغْدَوْدَنَ وَاعْلَوَّطَ، وَاسْتَكَانَ قيل: افْتَعَلَ مِنَ السّكُونِ فَالْمَدُّ شَاذٌّ، وَقِيلَ: اسْتَفْعَلَ مِن كانَ فَالْمَدُّ قِياسيٌّ " أقول: شملل: أي أسرع، وأيضاً بمعنى أخذ من النخل بعد لِقاطِهِ ما يبقى
من ثمره، وحَوْقَلَ: كبر وعجز عن الجماع، وجَهْوَرَ: رفع صوته، قَلْنَسْتُهُ وَقَلْسَيْتُهُ: ألبسته الْقَلَنْسُوَةَ، تَجَلْبَبَ: لبى الجِلْبَاب، تَجَوْرَب: لبس الْجَوْرَبَ، تَشَيْطَنَ الرجل: صار كالشيطان في تمرده، تَرَهْوَكَ الرجل في المشي: أي كان كأنه يَمُوجُ فيه، تمسكن: تشبه بالمسكين، احرنجم القوم: ازدحموا، اقْعَنْسَسَ: رجع وتأخر، اسْلَنْقَى: مطاوع سَلْقَيَ: أي صَرَعَ، اغْدَوْدَنَ النبتُ: طال، اعْلَوَّطْتُ البعير: تعلقت بعنقه وعلوته، استكان: ذل ومن الملحقات بفعلل شَرِيَف: أي قطع شِرْيَافَ الزرع، وهو ورقه إذا طال وكثر حتى يُخاف فساد الزرع قد تقدم أن نحو تكلَّم وتغافل ليس ملحقاً، وإن كان في جميع تصاريفه كتدحرج، وفى عد النجاة تمدرع وتمندل وتمكن من الملحق نظرا أيضا، وإن وافقت ترحرج في جميع التصاريف، وذلك لأن زيادة الميم فيها ليست
لقصد الإلحاق، بل هي من قبيل التوهم والغلط، ظَنُّوا أن ميم منديل ومسكين وَمِدْرَعَة فاءُ الكلمة كقاف قِنْدِيل ودال دِرْهَمْ، والقياس تَدَرَّعَ وتندل وتسكن كما يجئ في باب ذي الزيادة، وهذا كما تُوُهم في ميم مسيل الأصالةُ فجمعوه على مُسْلَان وَأَمْسِلَة، كقفزان وأقفزة في جمع قفيز، فتمدرع وتمندل وتمسكن - وإن كانت على تمفعل في الحقيقة - لكن في توهمهم على تَفَعْلَلَ وقد جاء من الملحقات بدحرج فَعْأل نحو: بَرْأَلَ الديكُ، إذا نَفشَ بُرَائله (1)
(1) البرائل كعلابط والبرائلي بوزنه مقصورا: ما استدار من ريش الطائر حول عنقه، أو خاص بعرف الخبارى، فإذا نفشه للقتال قيل برأل كدحرج وتبرأل كتدحرج، وابرأل كاشمأز، اه من القاموس، وفى اللسان: وقيل: هو الريش السبط الطويل لا عرض له على عنق الديك
…
قال: وهو البرائل لديك خاصة (*)
وَفَنْعَلَ نحو: دَنْقَعَ الرجل: اي افتقر ولَزِق بالدَّقْعَاء، وهي الأرض، وكذا فعلن وفمعل (وفعمل) وَفَعْلَمَ وَغَيْرُ ذلك، لكنها لم تُعَدَّ لغرابتها وكونها من الشواذ، وكذا جاء تَهَفْعَلَ وَافْعَنْمَل ونحو ذلك من النوادر (1) قوله " واستكان "، قيل: أصله اسْتَكَنَ فأُشبع الفتح، كما في قوله: -
(1) ذكر المؤلف رحمه الله هذه الاوزان ولم يذكر لها أمثلة، ونحن نذكر لك أمثلة لها: أما فعلن فمن أمثلتها قولهم: فرصن الشئ، إذا قطعه، وأصله الفرص وهو القطع وزنا ومعنى، ومنه قولهم: قحزن الرجل، إذا ضربه فصرعه، وأصله قحز الرجل إذا أهلكه، وأما فمعل فمن أمثلتها قولهم: حمظل الرجل، إذا حنى الحمظل، وهو الحنظل.
وأما فعمل فمن أمثلتها قولهم: قصمل الشئ، إذا قطعه، وأصله القصل وهو القطع وزنا ومعنى، وقولهم: جلط الرجل شعره، إذا حلقه، وأصله جلط.
وأما فعلهم فمن أمثلتها قولهم: فرصم الشئ، إذا قطعه وأصله الفرص.
وأما تهفعل
فمن أمثلتها قولهم: تهلقم مطاوع هلقم الشئ، إذا ابتلعه، وأصله لقم اللقمة إذا أخذها بفيه.
وأما أفضل؟ فمن أمثالها قولهم: اهرنمع الرجل، إذا أسرع في مشيته وكذلك إذا كان سريع البكاء والدموع.
وقالوا: اهرنمع في منطقه إذا انهمك وأكثر، النون فيه زائدة بلا خلاف، وأما الميم فقال ابن سيده: إنها زائدة، وقال ابن برى: هي أصلية فوزنها افعلل، وعلى كل فانه يتعين إبدال النون ميما وإدغامها في الميم بعدها هذا، وقد أشار المؤلف بقوله: وغير ذلك، وقوله فيما بعد: ونحو ذلك، إلى أوزان أخرى لم يتعرض لذكرها، فمنها يفعل (كدحرج) نحو: يرنا الرجل، إذا صبغ باليرناء (بضم ففتح فنون مشددة وبعد الالف همزة) وهى الحناء.
ومنها تفعل (كدحرج) نحو ترمس بمعنى رمسه: أي غيبة في الرمس وهو القبر، ومنه قولهم: ترفل ترفلة بمعنى رفل (كنصر) ، إذا جرذيله وتبختر.
ومنها نفعل كقولهم: نرجس الدواء، إذا وضع فيه النرجس.
ومنها فنعل نحو سنبل الزرع إذا ظهر سنبله.
ومنها هفعل نحو هلقم، إذا أكبر اللقم.
ومنها سفعل نحو سنبس بمعنى نبس: أي نطق، إلى غير ذلك ما تجده في كتب اللغة.
هذا، في أكثر هذه الاوزان مقال (*)
10 -
ينباع من ذفرى غصوب جَسْرَةٍ * * زَيَّافَةٍ مِثْلِ الْفَنِيقِ الْمُكْدَمِ إلا أن الإشباع في اسْتَكَانَ لازمٌ عند هذا القائل، بخلاف يَنْبَاعُ، وقيل: استفعل من الْكَوْنِ، وقيل: من الكين، والسين للانتقال، كما في اسْتَحْجَرَ: أي انتقل إلى كون آخر: أي حالة أخرى: أي من العزة إلى الذلة، أو صار كَالْكَيْن، وهو لحم داخل الفرج: أي في اللين والذلة قال: " ففعل لِمَعَانٍ كَثِيْرَةٍ، وَبَابُ الْمُغَالَبَةِ يُبْنَى عَلى فَعَلْتُهُ أَفْعُلُهُ - بالضم - نَحْوَ كَارَمَنِي فكَرَمْتُهُ أَكْرُمُهُ، إلا باب وَعَدْتُ وَبِعْتُ وَرَمَيْتُ، فَإِنَّهُ أَفْعِلُهُ - بالكسرِ - وَعَنِ الْكِسَائيِّ في نَحْوِ شَاعَرْتُهُ فَشَعَرْتُهُ أَشْعَرُهُ - بالفتح "
أقول: اعلم أن باب فَعَل لخفته لم يختص بمعنى من المعاني، بل استعمل في جميعها، لأن اللفظ إذا خف كثر استعماله واتسع التصرف فيه ومما يختص بهذا الباب بضم مضارعه المغالبة، ونعنى بها أن يغلب أحد الأمرين الآخر في معنى المصدر، فلا يكون إذن إلا معتديا.
نحو: كارمني فكَرَمْتُهُ اكْرُمُهُ: أي غلبته بالكرم، وخاصمني فَخَصَمْتُهُ أخْصُمُهُ، وغالبني فغلبته أغْلُبُه، وقد يكون الفعل من غير هذا الباب كغَلَبَ وخَصَمَ وَكَرُمَ، فإذا قصدت هذا المعنى نقلته إلى هذا الباب، إلا أن يكون المثَال الواوى كوعد، والاجوف
(1) هذا البيت من معلقة عنترة بن شداد العبسي.
وينباع: أصله ينبع (كيفتح) فاشبعت فتحة الباء فصارت ألفا.
والذفرى - بكسر فسكون مقصورا - الموضع الذى يعرق من الابل خلف الاذن.
والغضوب: الناقة الصعبة الشديدة.
والجسرة: الضخمة القوية.
والزيافة: المتبخترة في مشيها.
والفنيق: الفحل المكرم من الابل والمكدم: المعضوض، وروى المقرم، وهو الذى لا يذلل ولا يحمل عليه لكرمه وعتقه (*)
والناقص اليائيين كَبَاعَ وَرَمَى، فإنك لا تنقلها عن فَعَلَ يَفْعِلُ، بل تنقلها إليه إن كانت من غيره، لأن هذه الأنواع مضارعها يَفْعِلُ - بالكسر - إذا كان الماضي مفتوح العين قياساً لا ينكسر، كما يجئ وحكي عن الكسائي أنه استثنى أيضاً ما عينه أولامه أحد الحروف الحلقية، وقال: يلزمه الفتح، نحو: شَاعَرْتُهُ فَشَعَرْتُهُ أشْعَرُهُ، والحق ما ذهب إليه غيره، لان ما فيه حرف الحقل لا يلزم طريقة واحدة كالمثال الواوي والأجوف والناقص اليائيين، بل كثير منه يأتي على الأصل نحو بَرَأَ يَبْرُؤُ وهَنَأَ يَهْنِئُ، كما يأتي بيانه في موضعه، وقد حكى أبو زيد شاعَرْتُهُ فشَعَرْتُهُ أشْعُرُهُ - بالضم - وكذا
فاخرته أفْخُرُهُ - بالضم - وهذا نص في عدم لزوم الفتح في مثله واعلم (1) أنه ليس باب المغالبة قياساً بحيث يجوز لك نقل كل لغةٍ أردت إلى هذا الباب لهذا المعنى، قال سيبويه: وليس في كل شئ يكون هذا، ألا ترى أنك تقول نَازَعَنِي فَنَزَعْتُهُ انْزَعُهُ، اسْتُغْنِيَ عنه بِغَلَبْتُهُ، وكذا غيره، بل نقول: هذا الباب مسموع كثير قال: " وَفَعِلَ تَكْثُرُ فِيهِ الْعِلَلُ وَالأَحْزَانُ وأَضْدَادُها نَحْوَ سَقِمَ وَمَرِضَ وحزن وفرح، ويجئ الالوان وَالْعُيُوبُ وَالحُلى كُلُّها عَلَيْهِ، وَقَدْ جَاءَ أدِمَ وَسَمُِرٌ وَعَجُِف وَحَمُِقَ وَخَرُقَ وَعَجُِمَ وَرَعُِنَ (2) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ "
(1) قال في التسهيل: وهذا البناء (يقصد باب المغالبة) مطرد في كل ثلاثى متصرف تام خال من ملزم الكسر.
اه ويقصد بملزم الكسر ما ذكره المؤلف هاهنا وهو كونه مثالا واويا أو أجوف أو ناقصا يائيين.
ولا ينافيه قول سيبويه الذى ذكه المؤلف لانه يمكن حمل كلامه على أنه أراد به أنهم مع كثرة استعمالهم باب المغالبة تركوا استعماله في هذا الموضع استغناء عنه بغلبته وشبهه، وما قال ابن مالك هو الظاهر كما يدل عليه قولهم: باب المغالبة يبنى على كذا، دون أن يقولوا: جاء على كذا (2) أدم (كعلم وكرم) فهو آدم، إذا كان لونه مشربا سوادا وبياضا، (*)
أقول: اعلم أن فَعِلَ لازمهُ أكثر من متعديه، والغالب في وضعه أن يكون للإعراض من الْوَجَعِ وما يجري مجراه، كحَزِنَ ورَدِيَ وَشَعِثَ وَسَهِكَ وَنَكِدَ وعَسِرَ وَشَكِسَ وَلَحِزَ ولَحِجَ وَخَزِيَ، ومن الْهَيْجِ كَبَطِرَ وَفَرِحَ (1) وَخَمِطَ خَمَطًا، وهو الرائحة الطيبة، وقم قَنَمَةً، وهي الرائحة المكروهة، وغضب وغار يغار وَحَمِش وَقَلِقَ وحَارَ حَيْرَةً وَبَرِقَ (2) .
ومن الهيج ما يدل على الجوع والعطش وضديهما من الشبع وَالرَّيِّ، وقريب منه نَصِفَ القدحُ أي امتلأ نصفه وقرب إذا قارب الامتلاء، ويكثر في هذا
الباب الألوان وَالحِلَى، فالألوان نحو كَدِرَ وَشَهِبَ وَصَدِئَ وَقَهِبَ وَكَهِبَ وأدم (3)
واللون الادمة.
وسمر (ككرم وفرح) فهو أسمر، واسمار أيضا، إذا كان لونه السمرة، وهى منزلة بين السواد والبياض.
وعجف (كفرح وكرم) فهو أعجف، إذا ذهب سمنه، وهو العجف (بفتحتين) .
وحمق (ككرم وغنم) حمقا - بالضم وبضمتين - وحماقة فهو أحمق، إذا كان قليل العقل.
وخرق بالامر (ككرم وفرح) إذا لم يرفق به، وعجم - بضم الجيم - عجمة فهو أعجم وهى عجماء، إذا كان به عجمة وهى لكنة وعدم فصاحة، وظاهر كلام المؤلف أنه ورد كفرح أيضا، لكنا لم نجد بعد مراجعة ما بأيدينا من أمهات كتب اللغة إلا ما قدمناه، وقال في اللسان عن الكسائي: كل شئ من باب أفعل وفعلاء سوى الالوان فانه يقال فيه فعل يفعل مثل عرج يعرج وما أشبهه الا ستة أحرف فانه جاءت على فعل (ككرم) الاخرة والاحمق والارعن والاعجف والايمن اه ولم يذكر السادس، ولعله الاعجم.
(1)
ردى: هلك، وسقط في الهوة، وشعث: تلبد شعره واغبر، وسهك: خبثت رائحة عرقه، ونكد: صعب عيشه، وعسر: وقع في ضيق وشدة، أو عمل بيده اليسرى، وشكس: ساء خلقه، ولحز: بخل وشحت نفسه، ولعجت عينه: أصيبت ببثور، وخزى الرجل: وقع في بلية وشر، وبطر: لم يحتمل النعمة وكفرها (2) حمش: غضب، أو صار دقيق الساق، وبرق بصره: تحير، أو دهش فلم يبصر (3) كدر: إذا كان لونه بين السواد والغبرة، وشهب: إذا غلب بياضه على (*)
والأغلب في الألوان افْعَلَّ وافعَالَّ نحو ازْرَاقَّ وَاخْضَارَّ وَابْيَضَّ وَاحْمَرَّ واصفر، ولا يجئ من هذه الألوان فَعَلَ وَلَا فَعُلَ، ونعني بالحُلَى العلامات الظاهرة للعيون في أعضاء الحيوان، كَشَتِرَ وَصَلِعَ وَرَسِحَ وَهَضِمَ (1)
وقد يشاركه فَعُلَ مضمومَ العين في الألوان والعيوب وَالحُلَى، كالكلمات التي عدها المصنف، وفي الأمراض والأوجاع كَسُقِمَ وَعَسُِرَ، بشرط أن لا يكون لامه ياء، فإن فَعُلَ لا يجئ فيه ذلك، إلا لغةً واحدة، نحو بَهُوَ الرجل (2) وَبَهِيَ أي: صار بَهِيًّا وفَعِلَ في هذه المعاني المذكورة كلها لازم، لأنها لا تتعلق بغير من قامت به، وأما قولهم: فَرِقْتُهُ وَفَزِعْتُهُ فقال سيبويه: هو على حذف الجار، والأصل فرقت منه وفزعت منه، قال: وأما خشيته فأنا خاشٍ، والقياسُ خَشٍ، فالأصل أيضاً خشيت منه، فحمل على رَحِمْتُهُ، حمل الضد على الضد، ولهذا جاء اسم الفاعل منه على خاشٍ والقياس خَشٍ، لأن قياس صفة اللازم من هذا الباب فعل، وكذ كانقياس مصدره خشى فقيل خشْيَة حَمْلاً على رَحْمَة، وكذا حُمِلَ ساخط على راض مع أنه لازم، يقال: سخط منه أو عليه
سواده، وصدى: إذا كان أسود مشربا حمرة، وقهب إذا كان ذا غبرة مائلة إلى الحمرة، وكهب: إذا كان ذا غبرة مشربة سوادا، وأدم تقدم قريبا ص (71) (1) شتر: انشقت شفته السفلى، وشترت عينه: انقلب جفنها وتشنج، وصلع (بمهملة كفرح) فهو أصلع، إذا انحسر شعر مقدم رأسه لنقصان مادة الشعر في تلك البقعة في بعض النسخ " ضلع " وتقول.
ضلع السيف (بالمعجمة كفرح) : اعوج، ورسح: أي خف لحم عجيزته وفخذيه، وهضم: انضم كشحاه (أي جانباه) وضمرت بطنه (2) بهو الرجل وبهى وبها (ككرم وفرح ودعا وسعى) ، إذا صار بها (*)
قوله " رعن " أي: حمق، والرعونة: الحمق قال: " وَفَعُلَ لأَِفْعَالِ الطَّبَائِعِ وَنَحْوِها كَحَسُنَ وَقَبُحَ وَكَبُرَ وَصَغُرَ فَمِنْ ثَمَّةَ كانَ لازِماً، وشَذَّ رَحُبَتْكَ الدار: أي رحبت بك.
وأَما بَابُ سُدْتُهُ فَالصَّحيحُ أَنَّ الضَّمَّ لِبَيَانِ بَنَاتِ الْوَاوِ لَا لِلنَّقْلِ، وَكَذَا بَابُ بِعْتُهُ.
وَرَاعَوْا في بَابِ خَفْتُ بَيَانَ الْبِنْيَةِ " أقول: اعلم أن فعل في الأغلب للغرائز، أي: الأوصاف المخلوقة كالحسن وَالقُبْحِ وَالوَسَامَةِ وَالْقَسَامَة (1) وَالكِبَرِ والصغر وَالطُّول وَالقِصَرِ وَالغِلَظِ وَالسُّهُولَةِ وَالصُّعُوبَةِ والشرعة والبطء والثِّقَلِ والحلم والرِّفق، ونحو ذلك وقد يُجْرَى غير الغريزة مجراها، إذا كان له لُبْث (2) وَمُكْث نحو حَلُمَ وَبَرُع (3) وَكَرُمَ وفَحُشَ قوله " ومن ثمة كان لازماً " لأن الغريزة لازمة لصاحبها، ولا تتعدى إلى غيره هكذا قيل.
وأقول: أيْشٍ الْمَانِعُ (4) من كون الفعل المتعدى طبيعة أو كالطبيعة
(1) الوسامة: أثر الحسن، وهى الحسن الوضئ الثابت أيضا، والوسيم: الثابت الحسن، كأنه قد وسم، والقسامة: الحسن، يقال: رجل مقسم الوجه، أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال (2) اللبث - بفتح اللام وضمها مع إسكان الباء فيهما -: المكث أو الابطاء والتأخر.
قال الجوهرى: مصدر لبث لبث (بفتح فسكون) على غير قياس، لان المصدر من فعل (بالكسر) قياسه إذا لم يتعد، وقد جاء في الشعر على القياس، قال جرير: وَقَدْ أكُونُ عَلَى الْحَاجَاتِ ذَا لَبَثٍ * * وَأحْوَذِيّاً إذَا انْضَمَّ الذَّعَالِيبُ (3) برع (بضم الراء) : تم في كل فضيلة وجمال، وفاق أصحابه في العلم وغيره (4) أيش: أصلها أي شئ، فخففت بحذف الياء الثانية من أي الاستفهامية، وحذف (*)
قوله " رَحُبَتْكَ الدَّارُ "، قال الأزهري: هو من كلام نصر بن سيار وليس بحجة (1) .
واولى أن يقال: إنما عَدَّاه لتضمنه معنى وَسِعَ، أي:
همزة بشئ بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها، ثم أعل إعلال قاض، والمؤلف رحمه الله
يستعمل هذا اللفظ كثيرا، وقد وقع مثله لكثير من أفاضل العلماء، قال الشهاب الخفاجى في شفاء الغليل: أيش بمعنى أي شئ، خفف منه، نص عليه ابن السيد في شرح أدب الكاتب، وصرحوا بأنه سمع من العرب، وقال بعض الائمة: جنبونا أيش، فذهب إلى أنها مولدة، وقول الشريف في حواشى الرضى:" إنها كلمة مستعمل بمعنى أي شئ وليست مخففة منها " ليس بشئ، ووقع في شعر قديم أنشده في السير: - من آل قحطان وآل أيش قال السهيلي في شرحه: الايش: يحتمل أنه قبيلة من الجن ينسبون إلى أيش، ومعناه مدح، يقولون: فلان أيش وابن أيش، ومعناه شئ عظيم، وأيش في معنى أي شئ كما يقال: ويلمه، في معنى ويل لامه على الحذف لكثرة الاستعمال اه (1) قال اللسان:" كلمة شاذة تحكى عن نصر بن سيار: أرحبكم الدخول في طاعة ابن الكرماني؟ أي: أوسعكم؟ فعدى فعل (بالضم) وليست متعدية عند النحويين، إلا أن أبا على الفارسى حكى أن هذيلا تعديها إذا كانت قابلة للتعدى بمعناها، كقوله: - ولم تبصر العين فيها كلابا قال الازهرى: لا يجوز رحبكم عند النحويين، ونصر ليس بحجة " اه ملخصا ونصر: هو نصر بن سيار بن رافع بن حرى (كغنى) بن ربيعة بن عامر بن هلال بن عوف، كان أمير خراسان في الدولة الاموية، وكان أول من ولاه هشام ابن عبد الملك، وكانت إقامته بمرو، فهو عربي الاصل، وحياته كانت في العصر الذى يستشهد بكلام أهله فلا وجه لقولهم: ليس بحجة (*)
وَسِعَتْكُم الدار.
وقول المصنف " أي رحبت بك " فيه تعسف لا معنى له (1) .
ولا يجئ من هذا الباب أجوف يائي، ولا ناقص يائي، لأن مضارع فَعُلَ يَفْعُلُ بالضم لا غير، فلو أتيا منه لاحتجت إلى قلب الياء ألفاً في الماضي، وفي المضارع واواً،
نحو يَبُوعُ يرمو، من البيع والرَّمي، فكنت تنتقل من الأخف إلى الأثقل.
وإنما جاء من فَعِل المكسور العين أجوف وناقص: واويان كخاف خوفا وَرَضِيَ وغَبِيَ وَشَقِيَ رِضْوَاناً وَغَبَاوَةً وَشَقَاوَةً، لأنك تنتقل فيه من الأثقل إلى الأخف بقلب الواوفى يخاف أَلفاً وفي رضي ياء، بلى قد جاء في هذا الباب من الأجوف اليائي حرف واحد وهو هَيُؤَ الرَّجُلُ: أي صار ذاهيئة، ولم تقلب الياء في الماضي ألفاً إذ لو قلبت لوجب إعلال المضارع بنقل حركتها إلى ما قبلها واواً، لأن المضارع يتبع الماضي في الإعلال، فكنت تقول: هَاءَ يَهُوءُ، فيحصل الانتقال من الأخف إلى الأثقل، وجاء من الناقص اليائي حرف واحد متصرف (2) وهو بَهُوَ الرجل يَبْهُو، بمعنى بَهِيَ يَبْهَى: أي صار بَهِيًّا، وإنما لم تقلب الضمة كسرة لأجل الياء كما في التَّرَامي بل قلبت الياء واواً لأجل الضمة لأن الأبنية في الأفعال مراعاة لا يُخْلَطُ بعضها ببعض أبداً، لأن الفعلية إنما حصلت بسبب البنية والوزن، إذ أصل الفعل المصدر الذي هو اسم، فطرأ الوزن عليه فصار فعلاً، وقد يجئ على قلة في باب التعجب فَعُلَ من الناقص اليائي ولا يتصرف كنِعْمَ وبئس فلا يكون له مضارع كَقَضُوَ الرجل (3) وَرَمُوَتِ الْيَدُ (يده) ، ولم
إنما كان تخريج المصنف تعسفا عنده لان حاصله حذف الجار وإيصال العامل اللازم إلى ما كان مجرورا بنفسه، وباب الحذف والايصال شاذ عند النحاة، وأما تخريج الشارح فحاصله أنه ضمن كلمة معنى كلمة، والتضمين باب قياسي عند كثير من النحاة (2) نقول: قد جاء فعل آخر من هذا النوع، وهو قولهم: نهو الرجل: أي صار ذا نهية، والنهية (بضم فسكون) العقل (3) قضو الرجل: أي ما أقضاه، يقال ذلك إذا جاد قضاؤه.
ورموت اليد: أي ما أرماها (*)
يجئ المضاعف من هذا الباب إلا قليلاً لثقل الضمة والتضعيف.
وحكى يونس لببت تلب، ولبت تَلَبُّ أكثر، وأما حَبُبْتَ فمنقول إلى هذا الباب للتعجب كقضور وَرَمُو، ومنه قوله -:.
- * وَحُبُّ بِهَا مَقْتُولَةً حِينَ تُقْتَلُ (1) * فهو كقوله: - 11 - قصعد لَهُ وَصُحْبَتِي بَيْنَ ضَارِجٍ * * وَبَيْنَ العذيب بعد ما مُتَأَمَّلِي (2) على أحد التأويلين في بَعْدَ (3) والأصل حَبِبْتَ بالكسر (4) أي: صرت حبيباً، ولم يقولوا في القليل قللت كما قالوا في الكثير كَثُرَت، بل قالوا: قل
(1) سبق شرح هذا الشاهد (ص 43) والاستشهاد به هاهنا على أن أصل حب (بضم الحاء) حبب (بكسر الباء) ، ثم نقل إلى فعل (بضم العين) للمدح والتعجب، ثم نقلت الضمة إلى الفاء وادغمت العين في اللام (2) هذا البيت من طويلة امرئ القيس، والضمير في له يعود إلى البرق الذى ذكره في قوله: - أصاح ترى برقا أريك وميضه * * كلمع اليدين في حبى مكلل وضارج والعذيب: مكانان، وما: زائدة، ومتأملي: اسم مفعول من تأمل: أي بعد السحاب المنظور إليه، وهو فاعل بعد، ويجوز أن تجعل ما تمييزا، ويكون قوله متأملي هو المخصوص بالمدح (3) والتأويل الثاني أن يكون سكون العين أصليا، وتكون بعد ظرفا لا فعل تعجب، وما: زائدة، ومتأملي مصدر ميمى بمعنى التأمل والنظر.
وهذا التوجيهان يجريان في رواية بعد (بفتح الباء) ، وأما في رواية ضم الباء فلا تحتمل إلا وجها واحدا، وهو أن يكون بعد فعلا ماضيا للتعجب (4) لا وجه لتقييده بالكسر، فأنه قد جاء قبل نقله إلى باب التعجب من باب
ضرب ومن باب تعب، فكل منهما يجوز أن يكون أصلا للمضموم (*)
يَقِلُّ كرَاهةً للثقل، ولم يأت شَرُرْتَ بالضم (1) بل شَرِرتَ بالْفتح والكسر أي صرت شِرِّيراً، وقال بعضهم: عَزَّت الناقة - أي: ضاق إحليلها - تعُزُ بالضم وَشَرَّ وَدَمَّ: أي صار دميماً، وثلاثتها فَعُلَ بالضم.
ولم يثبت ما قاله سيبويه " لا يكاد يكون فيه - يعني في المضاعف - فَعُلَ " وقال الجوهري: إن لَبُبْتَ لا نظير له في المضاعف، وإنما غَرَّهم الدَّميم وَالشَّرير والدَّمَامة وَالشَّرَارَة! ! والمستعمل دَمَمْتَ بالفتح تَدُمُّ لا غير، ولم يستعمل من شديد فعل ثلاثي (2) استغناء باشْتَدَّ، كما استُغْنِيَ بافْتَقَرَ عن فقر، وبارتفععن رَفُعَ، فقالوا: افتقر فهو فقير، وارتفع فهو رفيه واشتد فهو شديد، وأما قول علي رضي الله عنه " لَشَدَّ ما تشطرا ضرعيها "(3) فمنوقول إلى فَعُلَ كما قلنا في حَبَّذا وَحَبُبْتَ، فلا يستعمل حَبَّ وَشَدَّ بمعنى صار حبيباً وشديداً إلا في التعجب كما في حبذا وَشَدَّمَا قوله " وأما باب سُدْتَهَ " جواب عن اعتراض وارد على قوله " كان لازماً " أجاب بأن سدته ليس من باب فَعُلَ بالضم في الأصل، ولا هو منقول إليه كما هو ظاهر قول سيبويه وجمهور النحاة، وذلك لأنهم قالوا: نقل قَوَلْتُ إلى قولت
(1) قال في اللسان (مادة حبب) : وحببت إليه (بالضم) صرت حبيبا، ولا نظير له إلا شررت (بالضم) من الشر ولببت من اللب، وتقول: ما كنت حبيبا ولقد حببت بالكسر: أي صرت حبيا اه (2) إن كان المؤلف رحمه الله يقصد أنه لم يستعمل لشديد فعل ثلاثى على فعل (بضم العين) فمسلم، وإن كان يريد أنه لم يستعمل له ثلاثى مطلقا فغير مسلم، لانه قد حكاه صاحب اللسان قال: رحل شديد: قوى، وقد شد يشد بالكسر (كخف يخف فهو خفيف) اه
(3)
يقوله رضى الله عنه في شأن الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما فضمير التثنية عائد إليهما، والضمير المؤنث يعود إلى الخلافة عن رسول الله يريد أنهما تقاسماها وأن كل واحد منهما قد أخذها شطرا من الزمن (*)
وبيعث إلى بَيِعَتُ لينقلوا بعد ذلك ضمة الواو وكسرة الياء إلى ما قبلها فيبقى بعد حذف الواو والياء ما يدل عليهما، وهو الضمة والكسرة، واعترض المصنف على قولهم بأن الغرض المذكور يحصل بدون النقل من باب إلى باب، وَبَابُ فَعُلَ المضموم العين وَفَعِلَ المكسور العين في الأغلب يختص كل منهما بمعنى مخالف لمعنى فَعَلَ المفتوح العين، ولا ضرورة ملجئة إلى هذا النقل، لا لفظية ولا معنوية، أما المعنى فلأنه لا يدعي أحد أن قُلْتُ وَبِعْتُ تَغَيَّرَا عما كانا عليه من المعنى، وأما اللفظ فلأن الغرض قيام دلالة على أن أحدهما واوي والآخر يائي، ويحصل هذا بضم الفاء قال وكسر فاء باع من أول الأمر بعد إلحاق الضمير المرفوع المتحرك بهما وسقوط ألفهما للساكنين من غير أن يُرْتَكب ضَمُّ العين وكسرها ثم نقل الحركة من العين إلى الفاء.
وَأَيْشٍ الْمَحْذُورُ في ذلك (1) ؟ وكيف نخالف أصلاً لنا مقرراً؟ وهو أن كل واو أو ياء في الفعل هي عين تحركت بأي حركة كانت من الضم والفتح والكسر وانفتح ما قبلها فإنها تقلب ألفاً، فَقَوَلْتُ بالفتح يجب قلب واوه ألفاً، وكذا لو حولت الفتحة ضمة، وكذا بَيَعْتُ بالكسر والفتح، وأَيُّ داعٍ لنا إلى إلحاق الضمائر المرفوعة بقَوَلَ وبَيَعَ اللذين هما أصلا قال وباع؟ وهل هي في الفاعلية إلا كالظواهر في نحو " قال زيد "، و " باع عمرو "؟ فالوجه إلحاق هذه الضمائر بقال وباع مقلوبي الواو والياء ألفاً، فنقول: تحركت الواو في قَوَلَ وَطَوُل وَخَوِف والياء في بَيَعَ وَهَيِب وانفتح ما قبلهما ألفاً، وإنما لم تقلب الياء في هَيُؤَ لما تقدم، فصار الجميع قال وطال وخاف وباع وهاب، فلم يمكن مع بقاء
الألف التنبيه على بنية هذه الأبواب وأن أصلها فَعَل أو فَعُل أَو فَعِل لأن الألف يجب انفتاح ما قبلها.
فلما اتصلت الضمائر المرفوعة المتحركة بها وجب تسكين اللام لما هو معلوم، فسقطت الالف في جميعها للسكانين، فزال ما كان مانعاً من التنبيه
(1) انظر (هـ 4 ص 74)
على الوزن - أي الألف - فقصدوا بعد حذفها إلى التنبيه على بِنْيَة كل واحد منها لما ذكرنا من أن بنية الفعل يُبَقَّى عليها وتراعى بقدر ما يمكن، وذلك يحصل بتحريك الفاء بمثل الحركة التي كانت في الأصل على العين، لأن اختلاف أوزان الفعل الثلاثي بحركات العين فقط، ولم يمكن هذا التنبيه في فَعَل المفتوح العين نحو قَوَلَ وَبَيَعَ، لأن حركتي الفاء والعين فيه متماثلتان، فتركوا هذا التنبيه فيه ونَبَّهُوا على البنية في فَعِلَ وَفَعُل فقط، فقالوا في فعل نحو خاف وهاب: خِفْتُ وَهِبْتُ، وَسَوَّوا بين الواوي واليائى لما ذكرنا أن المهم هو التنبيه على البنية، وقالوا في فعل نحو طال فهو طويل: طلت، والضمة لبيان البنية لا لبيان الواو، لما ذكرنا، ولم يجئ في هذا الباب أجوف يائى حتى يسووا بينه وبين الواوى في الضم كما سووا بينهما في فعل خفت وهبت، إلا هيؤ، كما ذكرنا، ولا تقلب ياؤه ألفا لما مر، فلما فرغوا من التنبيه على البنية في بابى فعل وفعل.
ولم يكن مثل ذلك في فعل ممكنا، كما ذكرنا، قصدوا فيه التنبيه على الواوي واليائي والفرقَ بينهما، كما قيل: إن لم يكن خَلّ فَخَمْرٌ (1) ، فاجتلبوا ضمة في قال بعد حذف الألف للساكنين، وجعلوها مكان الفتحة، وكذا الكسرة في باع، لتدل الأولى على الواو والثانية على الياء، وأما إذا تحركت الواو والياء عينين وما قبلهما ساكن متحرك الأصل في الأفعال والأسماء المتصلة بها فإنه ينقل حرك العين إليه وإن كانت فتحة رعايةً لِبِنْيَة الفعل والمتصل به، وذلك لأنه يمكن في مثله المحافظة على
البنية في المفتوح العين، كما أمكن في مضمومها ومكسورها، بخلاف المفتوحة المفتوح ما قبلها نحو قَالَ وبَاعَ، كما ذكرنا، لأن الفاء ههنا ساكنة، فإذا تحركت
(1) لم نجد هذا المثل في أمثال الميداني ولا في كتب اللغة، والذى في اللسان:" والخل والخمر: الخير والشر، وفى المثل ما فلان بخل ولا خمر: أي لا خير فيه ولا شر عنده " اه (*)
بالفتح وسكن العين علم أن ذلك حركة العين، ولا يراعى هنا الفرق بين الواوى واليائي أصلاً، لأنه إنما يراعى ذلك إذا حصل العجز عن مراعاة البنية كما مر، بلى يراعى ذل ك في اسم المفعول من الثلاثي، نحو مَقُول ومبيع، كما يجئ، فمن الواوي قولهم يَخَاف وَيَقُالُ وأُقِيمَ ونُقِيم ويَقُول ويَطِيح، عند الخليل، وأصله (1) يَطْوِحُ كما يجئ، ويقوم والمقام والمقيم والمعون، فقد رأيت كيف قصدوا في النوعين بيان البنية بنقل الضمة والكسرة والفتحة إى ما قبلها لَمَّا لزمهم إعلال العين بسبب حمل الكلمات المذكورة على أصولها، أعني الماضي الثلاثي كما يجئ في باب الإعلال، ولم يبالوا بالتباس الواويّ واليائى ثم الحركة المنقولة: إن كانت فتحة قلبت الواو والياء ألفاً، كما في يَخَاف ويَهَاب، لأن سكونهما عارض، فكأنهما متحركتان، وما قبلهما كان مفتوح الأصل، وقد تَحَرَّك بفتحة العين، فكأن الواو والياء تحركتا وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفاً، ولا سيما أن تطبيق الفرع بالأصل أولى ما أمكن.
وإن كانت ضمة - ولم يجى في الفعل والاسم المتصل به إلا على الواو، نحو يَقْوُلُ - نقلت إلى ما قبلها وسلمت الواو، بلى قد جاءت على الياء أيضاً في اسم
(1) من العرب من قال طوح يطوح (بتضعيف العين فيهما)، ومهم من قال: طيح يطيح (بالتضعيف أيضا) ، وقد حكوا طاح يطوح، فهو من باب نصر
عند جميع من حكاه، وحكوا طاح يطيح، فأما على لغة من قال طيح يطيح (بالتضعيف) فهو يأتي من باب ضرب من غير تردد، وأما على لغة من قال طوح يطوح فقد اختلف العلماء في تخريج طاح يطيح، فذهب الخليل إلى أنه من باب حسب يحسب (بكسر العين في الماضي والمضارع) ، وذلك أن فعل المفتوح العين لا يكون من باب ضرب إذا كان أجوف واويا، كما لا يكون من باب نصر إذا كان أجوف يائيا، وقيل: هو شاذ، وسيأتى لذلك بحث طويل في كلام المصنف والشارح في " باب المضارع "، وسنعيد الكلام هناك بايضاح أكثر من هذا.
(*)
لمفعول، لكنه روعى فيه الفرق بين الواوي واليائي كما يجئ، وقد جاء أيضاً في هَيُؤَ يَهْيُؤ، وقد مر حكمه (1) وإن كانت كسرة: فإن كانت على الياء سلمت بعد النقل نحو يَبْيِعُ، وإن كانت على الواو - نحو يُقِيم، ويَطِيح عند الخليل - قلبت ياء، لتعسر النطق بها ساكنة بعد الكسرة، ولا تقول: إن الضم والكسر في نحو يَقْوُلُ وَيَبْيِعُ نقلاً إلى ما قبلهما للاستثقال، إذ لو كان له لم تنقل الفتحة في نحو يَخَاف وَيَهَاب، وهي أخف الحركات، فلا يستثقل وخاصةًَ بعد السكون، ولا سيما في الوسط، وأيضاً فالضمة والكسرة لا تُسْتَثْقَلانِ على الواو والياء إذا سكن ما قبلهما كما في ظَبْيٍ ودَلْوٍ فان قيل: ذلك لأن الاسم أخف من الفعل، والأصل في الإعلال الفعل كما يجئ في باب الإعلال قلت: نعم، ولكن الواو والياء المذكورين في طرف الاسم، وهما في الفعل في الوسط، والطرف أثقل من الوسط فإن قيل: لم تستثقل في الاسم لكون الحركة الإعرابية عارضةً
قلت: نوع الحركة الإعرابية لازم، وإن كانت كل واحدة منهما عارضة، ولو لم يعتد بالحركة الإعرابية في باب الإعلال لم يُعَلَّ نحو قاضٍ وعَصاً، فإذا تبين أن النقل ليس للاستثقال قلنا: إنه وجب إسكان العين تبعاً لأصل الكلمة، وهو الماضي من الثلاثي، إذ الاصل في الاعلال الفعل كما يبين في بابه، وأصل الفعل الماضي، فلما أسكنت نُقلت الحركة إلى ما قبلها لتدل على البنية كما شرحنا وإنما فَرِقَ في اسم المفعول من الثلاثي بين الواوي واليائي نحو مَقُول وَمَبِيع، لأن الأصل في هذا الإعلال - أعني إسكان الواو والياء الساكن ما قبلهما -
(1) انظر (ص 76 من هذا الجزء)
هو الفعل كما ذكرنا، ألا ترى أن نحو دَلْو وَظَبْي لم يسكن الواو والياء فيهما مع تطرفهما، ثم حملت الأسماء المتصلة بالأفعال في هذا الإعلال على الفعل إذا وافقته لفظاً بالحركات والسكنات، كما في مَقَام وَمَعِيِشَة وَمُصِيبة، وَاسْمُ المفعول من الثلاثي وإن شابه الفعل معنى واتصل به لفظاً، لاشتقاقهما من أصل واحد، لكن ليس مثله في الحركات والسكنات فأجرِيَ مُجْرَى؟ ؟ ؟ من وجه، وجُعل مخالفاً له من آخر: فالأول بإسكان عينه، والثاني بالفرق بين واويه ويائيه، مع إمكان التنبيه على البنية، فالأولى على هذا أن نقول: حُذِفَت ضمة العين في مَقْوُول ومَبْيُوع إتباعاً للفعل في إسكان العين، وضمت الفاء في الواوي وكسرت في اليائي كما قلنا في قلت وبعد دلالة على الواوى واليائى قال:" وأفعل للتعددية غلبا، نحو أحلسته، ولِلتَّعْرِيضِ نَحْوُ أَبَعْتُهُ، وَلِصَيْرُورَتِهِ ذَا كَذَا نَحْوَ أَغَدَّ الْبَعِيرُ، وَمنْهُ أحْصَدَ الزَّرْعُ، وِلِوُجُوده عَلَى صِفَةٍ نَحْوَ أَحْمَدْتُهُ وَأَنْحَلْتُهُ، وَلِلسَّلْبِ نَحْوَ أشْكَيْتُهُ، وَبِمَعْنَى فَعَلَ نَحْوَ قِلْتُهُ وَأَقَلْتُهُ " أقول: اعلم أن المزيد فيه لغير الالحاق لابد لزيادته من معنى، لأنها إذا لم تكن لغرض لفظي كما كانت في الإلحاق ولا لمعنى كانت عبثا، فذا قيل مثلاً:
إن أقال بمعنى قال، فذلك منهم تسامح في العبارة، ذلك عل نحو ما يقال: إن الباء في (كفى بالله) و " من " في (مامن إله) زائدتان لَمَّا لم تفيدا فائدة زائدة في الكلام سوى تقرير المعنى الحاصل وتأكيده، فكذا لابد في الهمزة في " أقالني " من التأكيد والمبالغة والأغلب في هذه الأبواب أن لا تنحصر الزيادة في معنى، بل تجئ لمعان على البدل، كالهمزة في أفعل تفيد النقل، والتعريض، وصيرورة الشئ ذا كذا، وكذا فَعَّل وغيره
وليست هذه الزيادات قياساً مطرداً، فليس لك أن تقول مثلاً في ظَرُف: أَظْرَفَ، وفي نصر: أَنْصَرَ، ولهذا رُدَّ على الأخفش في قياس أظَنَّ وَأَحْسَبَ وأخَالَ على أعْلَمَ وَأرَى، وكذا لا تقول: نَصَّرَ ولا دَخَّلَ، وكذا في غير ذلك من الأبواب، بل يحتاج في كل باب إلى استعمل اللفظ المعين، وكذا استعماله في المعنى المعين (1) ، فكما أن لفظ أذهب وأدخل يحتاج في إلى
(1) قال سيبويه رحمه الله (ج 2 ص 233) : " هذا باب افتراق فعلت وأفعلت في الفعل للمعنى، تقول: دخل وخرج وجلس، فإذا أخبرت أن غيره وصيره إلى شئ من هذا قلت: أخرجه وأدخله وأجلسه، وتقول: فزع وأفزعته، وخاف وأخفته، وجال وأجلته، وجاء وأجأته، فأكثر ما يكون على فعل (بتثليث العين) إذا أردت ن غيره أدخله في ذلك يبنى الفعل منه على أفعلت، ومن ذلك أيضا مكث (بضم العين) وأمكثته، وقد يجئ الشئ على فعلت (بتشديد العين) فيشرك أفعلت، كما أنهما قد يشتركان في غير هذا، وذلك قولك: فرح وفرحته، وإن شئت قلت: أفرحته، وغرم وغرمته، وأغرمته إن شئت، كما تقول: فزعته وأفزعته، وتقول: ملح (بضم العين)، وسمعنا من العرب من يقول:
أملحته، كما تقول: أفزعته، وقالو ا: ظرف وظرفته، ونبل ونبلته (بضم عين الثلاثي فيهما) ، ولا يستنكر أفعلت فيهما، ولكن هذا أكثر واستغنى به " اه وقال ابن هشام في المغنى (في مبحث ما يتعدى به القاصر) :" الحق أن دخولها (يريد همزة التعدية) قياسي في اللازم دون المتعدى، وقيل: قياسي فيه وفى المتعدى إلى واحد، وقيل: النقل بالهمزة كله سماعي " اه ملخصا وقال في المغنى أيضا (في المبحث نفسه) : " النقل بالتضعيف سماعي في اللازم وفى المتعدى لواحد، ولم يسمع في المتعدى لاثنين، وقيل: قياسي في الاولين " اه ملخصا فأنت ترى من عبارة سيبويه أنه يسوغ لك أن تبنى على أفعلته للتعدية من الفعل القاصر من غير أن ينكر عليك ذلك، وإن لم تكن سمعت تعديته بالهمزة عن العرب، وذلك أصرح في عبارة ابن هشام.
وقال سيبويه أيضا (في ص 237 ج 2، في مباحث فعلت بالتضعيف) : " هذا باب دخول فعلت (بتضعيف العين) على فعلت لا يشركه في ذلك " أفعلت "، تقول: كسرتها وقطعتها، فإذا أردت كثرة العمل قلت: كسرته وقطعته ومزقته، ومما يدلك على ذلك قولهم: علطت البعير وإبل معلطة (*)
السماع فكذا معناه الذي هو النقل مثلاً، فليس لك أن تستعمل أذْهَبَ بمعنى أزال الذهاب أو عَرَّضَ للذهاب أو نحو ذلك والاغلب أن تجئ هذه الأبواب مما جاء منه فعل ثلاثي، وقد تجئ مما لم يأت منه ذلك، كألْجَمَ وَأسْحَمَ وَجَلَّدَ وَقَرَّدَ وَاسْتَحْجَرَ المكان واستنوق (1) الجمل، ونحو ذلك، وهو قليل بالنسبة إلى الاول
وبعير معلوط، وجرحته وجرحته (بتضعيف العين) أكثرت الجراحات في جسده " اه، فهذه العبارة تفيد أن استعمال فعل (بتضعيف العين) في معنى التكثير بين يديك متى أردت استعمالها منأى فعل ساغ لك ذلك.
ومثل ذلك كثير في عباراته وعبارات
غيره من العلماء والذى نراه أنه إذا كثر ورود أمثلة لصيغة من هذه الصيع في معنى من هذه المعاني كان ذلك دليلا على أنه يسوغ لك أن تبنى على مثال هذه الصيغة لافادة هذا المعنى الذى كثرت فيه وإن لم تسمع اللفظ بعينه (1) ألجم - بالجيم - تقول: ألجم الرجل فرسه، إذا وضع في فمه اللجام، ولم يأت منه ثلاثى، ووقع في جميع النسخ المطبوعة " ألحم " بالحاء المهملة، وهو تصحيف، فان هذه المادة قد جاء منها الثلاثي والمزيد فيه، تقول: لحم الرجل يلحم - من باب كرم، وفيه لغة من باب فرح عن اللحيانى - إذا كثر لحم بدنه، وإذا أكل اللحم كثيرا، وتقول: ألحم الرجل، إذا كثر عنده اللحم، وتقول: ألحم الرجل القوم، إذا أطعمهم اللحم.
وأسحم - بالسين المهملة - تقول: أسحمت السماء، إذا صبت ماءها، ولم يذكر صاحبا القاموس واللسان فعلا ثلاثيا من هذه المادة، ولكنذكر المصدر كفرح وكسعال وكحمرة، ووقع في جميع النسخ المطبوعة " أشحم " بالشين المعجمة - وهو تحريف، فانه قد استعمل من هذه المادة الثلاثي والمزيد فيه، تقول: شحم الرجل القوم - من باب فتح - وأشحمهم، إذا أطعمهم الشحم.
وجلد - بتضعيف اللام - تقول: جلد الجزور، إذا نزع جلده، ولا يقال: سلخ، إلا في الشاة، وقد ورد من هذه المادة فعل ثلاثى بغير هذا المعنى، تقول: جلدته، إذا أصبت جلده، كما تقول: رأسه وبطنه وعانه ويداه، إذا أصاب رأسه وبطنه وعينه ويده، وقرد - بتضعيف الراء تقول: قرد الرجل بعيره، إذا أزال قراده (وهو كغراب: دويبة تعض الابل) (*)
فإذا فهم هذا فاعلم أن المعنى الغالب في أفْعَلَ تعديةُ ما كان ثلاثياً، وهي أن يجعل ما كان فاعلاً للازم مفعولاً لمعنى الجعل فاعلاً لأصل الحدث على ماكان، فمعنى " أذهبت زيدا " جعل زيداً ذاهباً، فزيد مفعول لمعنى
الجعل الذي استفيد من الهمزة فاعل للذهاب كما كان في ذَهَبَ زيد، فإن كان الفعل الثلاثي غيزإر متعديا إلى واحد فو مفعول لمعنى الهمزة - أي: الجعل والتصيير - كأذهبته، ومنه أعظمت: أي جعلته عظيماً باعتقادي، بمعنى استعظمته، وإن كان متعدياً إلى واحد صار بالهمزة متعدياً إلى اثنين أولهما مفعول الجعل والثاني لأصل الفعل، نحو: أحفرت زيداً النهر: أي جعلته حافراً له، فالأول مجعول، والثاني محفور، ومرتبة المجعول مقدمة على مرتبة معفول أصل الفعل، لأن فيه معنى الفاعلية.
وإن كان الثلاثي متعدياً إلى اثنين صار بالهمزة
وقد ورد من هذه الماة الفعل الثلاثي، تقول: قرد الرجل والبعير - كفرح - إذا ذل وخضع، وقيل: قرد الرجل: أي سكت عن عى.
واستحجر المكان: كثرت الحجارة فيه، واستنوق الجمل: صار كالناقة في ذلها، لا يستعمل إلا مزيدا، قال ثعلب:" ولا يقال استناق الجمل (يقص أنه لا تنقل حركة الواو إلى الساكن قبلها، ثم تقل ألفا) وذلك لان هذه الافعال المزيدة أعنى " افتعل واستفعل " إنما تعتل باعتلال أفعالها الثلاثية البسيطة التى لا زيادة فيها، فلما كان استنوق واستتيس ونحوهما دون فعل بسيط لا زيادة فيه صحت الياء والواو، لسكون ما قبلهما " اه.
وقولهم " استنوق الجمل " مثل يضرب للرجل يكون في حديث أو صفة شئ ثم يخلطه بغيره وينتقل إليه، وأصله أن طرفة بن العبد كان عند بعض الملوك والمسيب (كمعظم) بن علس (كجبل) ينشده شعرا في وصف جمل ثم حوله إلى نعت ناقة، فقال طرفة: قد استنوق الجمل، فغضب المسيب، وقال:" ليقتلنه لسانه "، فكان كما تفرس فيه.
قال ابن برى: البيت الذى أنشده المسيب بن علس هو قوله: - وإنى لامضى لهم عند احتضاره * * بناج عليه الصيعرية مكدم (*)
متعدياً إلى ثلاثة أولها للجعل والثاني والثالث لأصل الفعل، وهو فعلان فقط: أعْلَمَ، وَأَرَى وقد يجئ الثلاثي متعدياً ولازماً في معنى واحد، نحو فَتَنَ الرجلُ: أي صار مُفْتَتِناً، وَفَتَنْتُهُ: أي أدخلت فيه الفتنة، وحزن وحزنته: أي أدخلت فيه الحزن، ثم تقول: أفتنته وأحزنته، فيهما، لنقل فَتَنَ وَحَزِنَ اللازمين لا المتعدين، فأصل معنى أحزنته جعلته حزيناً، كأذهبته وأخرجته، وأصل معنى حَزَنْتُه جعلت في الحزن وأدخلته فيه، ككَحَلْتُهُ وَدَهَنْتُهُ: اي جعلت فيه كحلاً ودهناً، والمغزى من أحزنته وَحَزَنْتُهُ شئ واحد، لأن مَنْ أدخلت فيه الحزن فقد جعلته حزيناً، إلا أن الأول يفيد هذا المعنى على سبيل التقل والتصيير لمعنى فعل آخر - وهو حَزِن - دون الثاني وقولهم أسْرَعَ وَأَبْطَأَ في سَرُعَ وَبَطُؤ، ليس الهمزة فيهما للنقل، بل الثلاثي والمزيد فيه مَعاً غير متعديين، لكنالفرق بينهما أن سرُع وَبَطُؤ أبلغ، لأنهما كأنهما غريزة كصَغُرَ وَكَبُرَ ولو قال المصنف مكان قوله " الغالب في أفْعَلَ أن يكون للتعدية ":" الغالب أن يجعل الشء ذا أصله " لكان أعم، لأنه يدخل فيه ما كان أصله جامداً، نحو أفْحَى قِدْرَهُ: أي جعلها ذات (1) فحا وهو الابرار، وأجداه: أي جعله ذا جَدًى (2)، وأذْهَبَه: أي جعله ذا ذَهَب وقد يجئ أفعل لجعل الشء نَفْسَ أصْلِهِ إن كان الأصل جامداً، نحو أهديت الشئ: أي جعلته هَدِيََةً أو هَدْياً (3)
(1) الفحا - بفتح أوله وكسره مقصورا: البزر، أو يابسه.
والابزار: التوابل كالفلفل ونحوه، واحدها بزر - بالفتح والكسر - وواحد التوابل تابل كخاتم (2) الجدى - بفتح أوله مقصورا - والجدوى: العطية
(3)
الهدية: اسم ما أتحفت به، والهدى: ما أهدى إلى مكة من النعم (أي: الابل)(*)
قوله " وللتعريض " أي: تفيد الهمزة أنك جعلت ما كان مفعولاً للثلاثي مًعَرَّضاً لأن يكون مفعولاً لاصل الحدث، سواء صار مفعولا له أو لا، نحو أقْتَلْته: أي عرضته لأن يكون مقتولاً قُتِل أولاً، وأبَعْتُ الفرس: أي عرضته للبيع، وكذا أسْقَيْتُهُ: أي جعلت له ماء وسِقْياً شَرِبَ أو لم يشرب، وسَقَيته: أي جعلته يشرب، وأقبرته: أي جعلت له قبرا قبر أو لا قوله " ولصيرورته ذا كذا " أي: لصيرورة ما هو فاعل أفْعَلَ صاحب شئ، وَهو على ضربين: إما أن يصير صاحب ما اشتق منه، نحو الْحَمَ زيد: أي صار ذا لحم، وأطْفَلَتْ: أي صارت طفل، وأعس وأيسر وأقل: أي صار ذا عُسْرٍ ويُسْرٍ وقلة، وأغَدَّ البعير: أي صار (1) ذا غُدَّة، وَأَرَابَ: أي صار ذا ريبة، وإما أن يصير صاحب شئ هو صاحب ما اشتق منه، نحو أجْرَبَ الرجل: أي صار ذا إبل ذات جرب، وأقطف: أي صار صاحب خيل تقطف (2) وأخبث: أي صار ذا أصحاب خبثاء، وألام: أي صار صاحب قوم يلومونه، فإذا صار له لوام قيل: هو مليم، ويجوز أن يكون من الاول: أي صار صاحب لوم، وذلك بأن يلام، كأحصد الزرع: أي صار صاحب الحصاد، وذلك بأن يحصد، فيكون أفعل بمعنى صار ذا أصله الذى هو مصدر الثلاثي، بمعنى أنه فاعله، نحو أجْرَبَ: أي صار ذا جَرَب، أو بمعنى أنه مفعوله، نحو أحْصَدَ الزرعُ، ومنه أكَبَّ: أي صار يُكَبُّ وقولهم " أكَبَّ مطاوع كَبّه " تدريس (3) ، لأن القياس كون أفْعَلَ لتعدية فَعَلَ لا لمطاوعته
(1) الغدة - بضم أوله وتشديد الدال مفتوحة -: كل عقدة يطيف بها شحم في جسد الانسان، وهى أيضا طاعون الابل
(2)
تقول: قطفت الدابة - من باب ضرب ونصر - قطفا وقطوفا (كنصر وخروج) أساءت السير وأبطأت، والوصف منه قطوف - بفتح القاف - (3) قال في اللسان: " كبه لوجهه فانكب: أي صرعه، وأكب هو على (*)
قوله " ومنه أحصد الزرع " إنما قال " ومنه " لأن أهل التصريف جعلوا مثله قسما آخر، وذلك أنهم قالوا: يجئ أفعل بمعنى حانَ وقتً يستحق فيه فاعلُ أفعل أن يُوقَع عليه أصل الفعل، كأحصد: أي حان أن يُحْصَد، فقال المصنف: هو في الحقيقة بمعنى صار ذا كذا، أي: صار الزرع ذا حصاد، وذلك
وجهه، وهذا من النوادر أن يقال: أفعلت أنا، وفعلت غيرى، يقال: كب الله عدو المسلمين، ولا يقال: أكب " اه.
وظاهر قول المؤلف: إن القول بأن أكب مطاوع كب تدريس (أي: تدريب وتمرين) أنه غير موافق على قصة المطاوعة بدليل أنه جعله من أمثلة الصيرورة، وقد سبقه بذلك الزمخشري رحمه الله، قال في تفسير سورة الملك من الكشاف:" يجعل أكب مطاوع كبه، يقال: كببته فأكب، من الغرائب والشواذ، ونحو قشعت الريح السحاب فأقشع، وما هو كذلك، ولا شئ من بناء أفعل مطاوع، ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبوية، وإنما أكب من باب أنفض وألام، ومعناه: دخل في الكب وصار ذا كب، كذلك أقشع السحاب دخل في القشع، ومطاوع كب وقشع انكب وانقشتع " اه كلامه بحروفه، وقد لخص الشهاب الخفاجى هذين القولين تلخيصا حسنا في شرحه على تفسير البيضاوى فقال في بيان مذهب من قال بالمطاوعة: " وهو على عكس المعروف في اللغة من تعدى الافعال ولزوم ثلاثيه، ككرم وأكرمت، وله نظائر في أحرف يسيرة: كأنسل ريش الطائر ونسلته، وأنزفت البئر ونزفتها، وأمرت الناقة (درت) ومرتها، وأشف البعير (رفع رأسه) وشففته، وأقشع الغيم وقشعته الريح: أي
أزالته وكشفته، وقد حكى ابن الاعرابي كبه الله وأكبه بالتعدية فيهما، على القياس " اه وقال في بيان رأى من قال بالصيرورة:" وليست الهمزة فيه للمطاوعة كما ذهب إليه ابن سيده في المحكم، تبعا لبعض أهل اللغة، كالجواهري، وتبعه ابن الحاجب وأكثر شراح المفصل، قال بعض المدققين: معنى كون الفعل مطاوعا كونه دالا على معنى حصل عن تعلق فعل آخر متعد به، كقولك باعدته فتباعد، فالتباعد معنى حصل من المباعدة، كما يفهم من كلام شراح المفصل والشافية، ومباينة المطاوعة للصيرورة غير مسلمة، وفى شرح الكشاف للشريف: الائتمار: معى صيرورته مأمورا، وهو مطاوع الامر، فسوى بين المطاوعة والصيرورة " اه (*)
يحينونة حصادة، ونحوه أجد النهل وَأَقْطَع (1) ويجوز أن يكون ألَامَ مثله: أي حان أن يُلَام ومن هذ النوع - أي: صيرورته ذا كذا - دخول الفاعل في الوقت المشتق منه أفعل، نحو أصْبَحَ وأمْسَى وأفْجَر وأشْهَرَ: أي دخل في الصباح والمساء والفجر والشهر، وكذا منه دخول الفاعل في وقت ما اشتق منه أفعل، نحو أشْمَلْنَا وأَجْنَبْنَا وَأَصَبَيْنا وَأَدْبِرْنَا: أي دخلنا في أوقات هذه الرياح (2) قال سيبويه: ومنه أدنف، ومنه الدخول في المكان الذي هو أصله، والوصول إليه، كأكدى: أي وصل إلى الكدية (4) وأنجد وأجبل: أي وصل إلى نجد وإلى الجبل، ومنه الوصول إلى العدد الذي هو أصله، كأعْشَرَ وأَتْسَعَ وآلَفَ: اي وصل إلى العشرة والتسعة والالف، فجميع هذا بمعنى صار ذا كذا: أي صار ذا الصبح، وذا المْسَاء، وذا الشَّمال، وذا الجنوب، وذا الْكُدْية، وذا الجبل، وذا العشرة قوله " ولوجوده عليها " أي: لوجودك مفعول أفعل على صفة، وهى كونه
(1) أجد النخل: حان له أن يجد: أي يقطع تمره.
وأقطع النخل أيضا:
حان قطاعه (2) أشملنا: دخلنا في وقت ريح الشمال (وهى التى تهب من ناحية القطب) وأجنبنا: دخلنا في وقت ريح الجنوب (وهى التى تقابل ريح الشمال)، وأصببنا: دخلنا في وقت ريح الصبا (وهى ريح مهبها مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار) وأدبرنا: دخلنا في وقت ريح الدبور (وهى ريح تهب من ناحية المغرب تقابل الصبا)(3) الدنف - بفتحتين -: المرض الملازم، وقيل: المرض مطلقا (4) الكدية - بضم فسكون -: الارض الصلبة، وهى أيضا الصخرة تعترض حافر البئر، فإذا وصل إليها قيل: أكدى (*)
فاعلا لاصل الفعل، نحو أكرمن فاربُطْ: أي وجدت فرساً كريماً، وأسْمَنْتَ: أي وجدت سميناً، وَأَبْخَلْتُهُ: أي وجدته بخيلاً، أو كونه مفعولاً لأصل الفعل، نحو أحْمَدْته: أي وجدته محموداً، وأما قولهم " أفْحَمْتُكَ: أي وجدتك مفحماً " فكأنَّ أفعل فيه منقول من نفس أفعل، كقولك في التعجب: مَا أَعْطاكَ للدنانير، ويقال: أفحمت الرجل: أي أسكتُّه، قال عمرو بن معدي كرب لمُجَاشِع بن مسعود السلمي - وقد سأله فأعطاه -: لله دركم يا بنى سليم، سألنا كم فما أبخلناكم، وقاتلناكم فما أجبناكم، وهاجَيْناكم فما أفحمناكم: أي ما وجدناكم بُخلاء وجُبَناء وَمُفْحَمين (1) قوله " وللسلب " أي: لسلبك عن مفعول أفعل ما اشتق منه، نحو أشكيته: أي أزلت شكواه قوله " وبمعنى فَعَل " نحو قِلْتُ البيعَ وأقلته.
وقد ذكرنا أنه لابد للزيادة من معنى، وإن لم يكن إولا التأكيدَ
وقد جاء أفعل بمعنى الدعاء، نحو أَسْقَيْتُه: أي دعوت له بالسُّقْيا، قال ذو الرمة: - 12 - وَقَفْتُ عَلى رَبْعٍ لمَيَّةَ نَاقَتِي * * فما زلت أبكى عنده وأخاطبه
(1) قال ابن برى: " يقال هاجيته فأفحمته بمعنى أسكته، قال: ويجئ أفحمته بمعنى صادفته مفحما تقول: هجوته فأفحمته: أي صادفته مفحما، قال: ولا يجوز في هذا هاجيته، لان المهاجاة تكون من اثنين، وإذا صادفته مفحما لم يكن منه هجاء فإذا قلت: فما أفحمناكم بمعنى ما أسكتناكم جاز، كقول عمرو بن معد يكرب: " وهاجيناكم فما أفحمناكم ": أي فما أسكتناكم عن الجواب " اه كلام ابن برى وبهذا يعلم ما في كلام الشارح المحقق، فأن الشاهد الذى ذكره ليس بمعنى وجده ذا كذا بل معناه ذا كذا (*)
وَأُسْقِيهِ حَتَّى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهُ * * تُكَلِّمُنِي أَحْجَارُهُ وَمَلاعِبُهْ (1) والأكثر في باب الدعاء فَعَّل، نحو جَدَّعَه وعَقَّرَه: أي قال: جدعه الله، وعقره (2) ، وَأَفْعَلَ داخل عليه في هذا المعنى، والأغلب من هذه المعاني المذكورة النقلُ، كما ذكرنا وقد يجئ أفْعَلَ لغير هذه المعاني، وليس له ضابطة كضوابط المعاني المذكورة كأبصره: أي رآه، وأوعزت إليه، وقد يجئ مطاوع فَعَّلَ، كفَطَّرته فَأَفْطَر وبَشَّرْتُهُ فأبشر، وهو قليل قال:" وَفَعَّلَ لِلتَّكثِيرِ غَالِباً، نحو غَلَّقْتُ وَقَطَّعْتُ وَجَوَّلْتُ وَطَوَّفْتُ وَمَوَّتَ الْمَالُ، وَلِلتَّعْدِيَةِ نَحْوُ فَرَّحْتُهُ، وَمِنْهُ فَسَّقْتُهُ، وَلِلسَّلْبِ نَحْوُ جَلَّدْتُهُ وَقَرَّدْتُهُ، وَبِمَعْنَى فَعَّلَ نَحْوُ زِلْتُهُ وَزَيَّلْتُهُ " أقول: الأغلب في فَعَّلَ أن يكون لتكثير فاعله أصلَ الفعل، كما أن
الأكثر في أفعل النقل، تقول: ذَبَحْتُ الشاة، ولا تقول ذَبَّحتها، وأغلقت الباب مرة، ولا تقول: غَلَّقْت، لعدم تصور معنى التكثير في مثله، بل تقول: ذَبَّحْتُ الغنم، وغَلَّقْتُ الأبواب، وقولك: جَرَّحْتُه: أي أكثرت جراحاته، وأما جَرَحْتُه - بالتخفيف - فيحتمل التكثير وغيره، قال الفرزدق: -
(1) هذان البيتان مطلغ قصيدة لذى الرمة واسمه غيلان بن عقبة.
وتقول: وقفت الدابة وقفا ووقوفا: أي منعتها عن السير.
والربع: الدار حيث كانت، وأما المربع (كملعب) فالمنزل في الربيع خاصة.
ومية: اسم امرأة.
وأسقيه: معناه أدعوا له بقولى: سقالك الله، أو بقولى: سقيا لك، وأبثه - بفتح الهمزة أو ضمها - أخبره بما تنطوى عليه نفسي وتسره، والملاعب: جمع ملعب، وهو المكان الذى يلعب فيه الصبيان (2) الجدع: القطع، وقيل: القطع البائن في الانف والاذن والشفة واليد ونحوها، وتقول: عقر الفرس والبعير بالسيف، إذا قطع قوائمه، ثم اتسع في العقر حتى استعمل في القتل والهلاك (*)
13 -
ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها * * حَتَّى أَتَيْتُ أبَا عَمْرِو بْنِ عَمَّارِ (1) أي: أُفَتِّحُها وأُغَلِقُّها، وَمَوَّتَ المال: أي أقع الْمَوْتان في الإبل فكثر فيها (2) الموت، وَجَوَّلْتُ وَطَوَّفْتُ: أي أكثرت الجَوَلان والطواف، قيل: ولذلك سمي الكتاب العزيز تَنْزِيلاً، لأنه لم يُنَزَّل جملةً واحدة، بل سورةً سورة وآيةً آية، وليس نصافيه، ألا ترى إلى قوله تعالى:(لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً واحدة) وقوله: (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آية) ثم إن التكثير يكون في المتعدي كما في غَلَّق وقَطَّع، وقد يكون في اللازم كما في جَوَّل وَطَوَّفَ ومَوَّتَ قوله " وللتعدية نحو فَرَّحْته " معنى التعدية في هذا الباب كما في باب أفعل
على ما شرحنا، والأولى أيضاً ههنا أن يقال في مقام التعدية:(هو) بمعنى جعل الشئ ذا أصله، ليعم نحوَ فَحَّى الْقِدْرَ: أي جعلها ذات فَحَّا، وشسع النعل (3) ، وهذا لا يتعدى إلى ثلاثة كأفعل إلا محمولاً على أفعل كَحَدَّثَ وخَبَّرَ، كما مرَّ في أفعال القلوب
(1) المراد بأبى عمرو في البيت هو أبو عمرو بن العلاء، قال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالى:" إن أبا عمرو بن العلاء كان هاربا من الحجاج مستترا، فجاء الفرزدق يزوره في تلك الحالة، فكان كلما يفتح له باب يغلق بعد دخوله، إلى أن وصل إليه، فأنشده أبياتا منها هذا البيت "، والشاهد فيه كما قال الاعلم الشنتمرى دخول أفعلت على فعلت - بتشديد العين - في إفادة التكثير، ولكن الذى يؤخذ من كلام المؤلف أن الشاهد في البيت دخول فعلت - بالتخفيف - وأفعلت، على فعلت - بالتشديد - (2) عبارة المؤلف يفهم منها أن الموتان غير الموت، وبالرجوع إلى كتب اللغة كاللسان والقاموس والمصباح وغيرها يعلم أنهما بمعنى واحد (3) شسع نعله - بتضعيف العين - جعل لها شسعا - ومثله شسعها - بالتخفيف من باب منع - وكذا أشسعها، والشسع - بكسر فسكون وبكسرتين - قبال النعل، وهو أحد سيورها، وهو الذى يدخل بين الاصبع الوسطى والتى تليها (*)
قوله " ومنه فَسَّقْته " إنما قال ذلك لأن أهل التصريف جعلوا هذا النوع قسماً برأسه، فقالوا: يجئ فَعَّل لنسبة المفعول إلى أصل الفعل وتسميته به، نحو فَسَّقْته: أي نسبته إلى الفسق وسميته فاسقاً، وكذا كَفَّرْته، فقال المصنف: يرجع معناه إلى التعدية، أي: جعلته فاسقاً بأن نسبته إلى الفسق ويجئ للدعاء على المفعول بأصل الفعل، نحو جَدَّعْتُه وعَقَّرْته: أي قلت له جَدْعاً لك، وعَقْراً لك، أو الدعاء له، نحو سَقَّيْته: أي قلت له سَقْياً لك
قوله " وللسلب " قد مر معهاه، نحو قَرَّدْتُ البعير: أي أزلت قُرَاده، وجَلَّدْته: أي أزلت جِلْدَه بِالسَّلْخ قوله " وبمعنى فَعَل " نحو زَيَّلْته: أي زِلْتُهُ أَزيله زَيْلاً: أي فَرَّقْتُهُ، وهو أجوف (1) يائي، وليس من الزوال، فهما مثل قلته وأقلته
(1) يريد تقرير أنه فعل - بالتشديد - وليس فيعل، وهو كما قال، والدليل على ذلك أنهم قالوا في مصدره الزييل، ولو كان فيعل لقالوا في مصدره زيلة - بفتح الزاى وتشديد الياء مفتوحة، كالبيطرة - قال في اللسان:" ابن سيده وغيره: زال الشئ يزيله زيلا، وأزاله وإزالا، وزيله فتزيل، كل ذلك فرقه فتفرق، وفى التنزيل العزيز (فزيلنا بينهم) وهو فعلت - بالتضعيف - لانك تقول في مصدره تزييلا، ولو كان فيعلت لقلت: زيلة " اه وقول المؤلف " أجوف يائى " هو هكذا عند عامة أهل اللغة إلا القتبى، فانه زعم أنه أجوف واوى، وقد أنكروه عليه.
قال في اللسان: " وقال القتيبى في تفسير قوله تعالى " فزيلنا بينهم ": أي فرقنا، وهو من زال يزول، وأزلته أنا، قال أبو منصور: وهذا غلط من القتيبى، لم يميز بين زال يزول، وزال يزيل، كما فعل الفراء، وكان القتيبى ذابيان عذب، وقد نحس حظه من النحو ومعرفة مقاييسه " اه (*)
ويجئ أيضاً بمعنى صار ذا أصله، كَوَرَّق: أي أورق: أي صار ذا ورق، وقيح الجرج: أي صار ذا قَيْح (1) وقد يجئ بمعنى صَيْرورة فاعلة أصْلَهُ المشتقَّ منه، كَروَّض المكانُ: أي صار رَوْضاً، وعَجَّزَت المرأة، وثَيَّبَت، وَعوَّنَت: أي صارت عَجُوزاً وَثيِّباً وَعَوَانا (2) ويجئ بمعنى تصيير مفعوله على ما هو عليه، نحو قوله " سبحان الذي ضَوَّأَ
الأَْضْوَاء، وكَوَّفَ الكوفة، وبَصَّر الْبَصْرة " أي: جعلها أضواء وكوفة وبصرة ويجئ بمعنى عمل شئ في الوقت المشتق هو منه، كَهَجَّر: أي سار في الهاجرة (3)، وصَبَّح: أي أتى صباحاً، ومَسَّى وغَلَّسَ (4) : أي فعل في الوقتين شيئاً
(1) القيح: المدة الخالصة التى لا يخالطها دم، وقيل: هو الصديد الذى كأنه الماء وفيه شكلة دم (2) العوان - بزنة سحاب - من البقر وغيرها: النصف في سنها، وهى التى بين المسنة والصغيرة، وقيل العوان من البقر ولخيل: لتى نتجت بعد بطنها البكر، ويشهد للاول قوله تعالى:(لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) .
وفى المثل " لا تعلم العوان الخمرة " قال ابن برى: أي المجرب عارف بأمره كما أن المرأة التى تزوجت تحسن القناع بالخمار.
ويقال: حرب عوان: أي قوتل فيها مرة، كأنهم جعلوا الاولى بكرا (3) الهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر، أو من عند زوالها إلى العصر، لان الناس يستكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا، وهى أيضا شدة الحر.
وتقول: هجرنا تهجيرا، وأهجرنا، وتهجرنا: أي سرنا في الهاجرة (4) الغلس - بفتحتين -: ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح (*)
ويجئ بمعنى المشي إلى الموضع المشتقِّ هو منه، نحو كَوَف: أي مشى إلى الكوفة، وَفَوَّزَ وَغَوَّر: أي مشى إلى المفازة والْغَوْر (1) وقد يجئ لمعان غير ما ذكر غير مضبوطة بمثل الضوابط المذكورة، نحو جرب وكلم
قال " وفَاعَلَ لِنِسْبَةِ أَصْلِهِ إِلَى أَحَدِ الأَْمْرَيْنِ متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا فيجئ الْعَكْسُ ضِمْنًا، نَحْوُ ضَارَبْتُهُ وَشَارَكْتُهُ، وَمِنْ ثَمَّ جاءَ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي مُتَعَدِّياً (نَحْوَ كَارَمْتُهُ وشَاعَرْتُهُ) وَالْمُتَعَدِّي إلَى واحِدٍ مُغَايِرٍ لِلْمُفَاعَلِ مُتَعَدِّياً إلى اثْنَيْنِ نَحْوَ جَاذَبْتُهُ الثَّوْبَ، بِخِلَافِ شَاتَمْتُهُ، وَبِمَعْنَى فَعَّلَ نَحْوُ ضاعفته، وبمعنى فَعَلَ نَحْوَ سَافَرْتُ " أقول " لنسبة أصله " أي: لنسبة المشتق منه فَاعَلَ إلى أحد الأمرين: أي الشيئين، وذلك أنك أسندت في " ضَارَبَ زَيْدٌ عَمْرًا " أصل ضارب - أي الضَّرْبَ - إلى زيد، وهو أحد الأمرين، أعني زيداً وعمراً، وهم يستعملون الامر بمعنى الشئ فيقع على الأشخاص والمعاني قوله " متعلقاً بالآخر " الذي يقتضيه المعنى أنه حال من الضمير المستتر في قوله " لنسبة " وذلك أن ضارب في مثالنا متعلقٌ بالأمر الآخر، وهو عمرو، وَتَعَلُّقُه به لأجل المشاركة التي تضمنها، فانتصب الثاني لأنه مشارك - بفتح الراء - في الضرب لا لأنه مضروب، والمشارَكُ مفعول، كما انتصب في " أذْهَبْتُ عمراً " لانه مجعول
(1) المفازة: الصحراء، وأصلها اسم مكان من الفوز، وإنما سميت بذلك مع أنها مضلة ومهلكة، تفاؤلا لسالكها بالنجاة، كما قالوا للديغ: سليم.
والغور - بفتح فسكون -: بعد كل شئ وعمقه، ومنه قولهم: فلان بعيد الغور، إذا كان لا تدرك حقيقته.
وسموا ما بين ذات عرق إلى البحر الاحمر غورا، وسموا كل ما انحدر مغربا عن تهامة غورا.
والغور أيضا: موضع منخفض بين القدس وحوران، وموضع بديار بنى سليم (*)
ويَسْمُج جعله حالاً من قوله " أصله " أو من قوله " أحد الأمرين " لأن الظاهر من كلامه أن قوله " لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحاً "
مقدمةٌ يريد أن يبني عليها صيرورة الفعل اللازم في فَاعَل متعدياً إلى واحد، والمتعدي إلى واحد غير مشارك متعدياً إلى اثنين، مشيراً إلى قوله في الكافية " المتعدي ما يتوقف فَهْمُهُ على متعلق " فعلى هذا الذي يتوقف فهمه على هذا الأمر الآخر الذي هو المشارك - بفتح الراء - ويتعلق به هو معنى فَاعَل، لكونه متضمناً معنى المشاركة، لا أصْلُه، فإن قولك " كارمت زيداً " ليس فهم الكرم فيه متوقفاً على زيد، إذ هو لازم، وكذا " جاذبت زيداً الثوب " ليس الْجَذْبُ متعلّقاً بزيد، إذ هو ليس بمجذوب، بلى في قولك " ضارب زيد عمراً " الضرب متعلق بعمرو، لأنه مفعول له، لكن انتصابه ليس لكونه مضروباً، بل لكونه مشاركاً، كما في قولك " كارمت زيداً " و " جاذبت زيداً الثوب " وكذا ليس أحد الأمرين متعلقاً بالآخر في " ضاربت زيداً " تعلقاً يقصده المصنف، إذ هو في بيان كون فال متعديا بالنقل، وإنما يكون متعديا إذا كان معنى الفعل متعلقاً بغيره، على ما ذكر في الكافية، ومن ثم قال في الشرح " ومن ثم جاء غير المتعدي متعدياً لتضمنه المعنى المتعلّق " يعني المشاركة، وفي جعله حالاً من المضاف إليه - أعني الضمير المجرور في قوله " أصله " - ما فيه، كما مر في باب (1) الحال، والظاهر أنه قصد جعله حالأً من أحد الأمرين مع سماجته، ولو قال " لتعلق مشاركة أحد الأمرين الآخَرَ في أصل الفعل بذلك الآخر صريحاً
(1) يريد أنه لا يصح اعتبار قول المصنف " متعلقا " حالا من الضمير المضاف إليه في قوله " أصله "، لان المضاف ليس عاملا في المضاف إليه، ولا هو جرء المضاف إليه، ولا هو مثل جرئه في صحة الاستغناء به عنه وإحلاله محله، على ما هو شرط مجئ الحال من المضاف إليه (*)
فيحئ العكس ضمناً " لكان أصرح فيما قصد من بناء قوله " ومن ثم كان غير المتعدي " إلخ عليه.
قوله " صريحاً " أي: أن أحد الأمرين صريحاً مشارِك والآخر مشارك، فيكون الاولى فاعلاً صريحاً والثاني مفعولاً صريحاً، " ويجئ العكس ضمناً " أي: يكون المنصوب مشاركاً - بكسر الراء - والمرفوع مشارَكَاً ضِمْناً، لأن من شاركته فقد شاركك، فيكون الثاني فاعلاً والأول مفعولاً من حيث الضِّمْنُ والمعنى قوله " ومن ثم " أي: من جهة تضمن فَاعَلَ معنى المشاركة المتعلقة بعدَ أحد الأمرين بالآخر.
قوله " والمعتدى إلى واحد مغاير للمفاعَل " بفتح العين: أي إلى واحد هو غيرُ المشارَك في هذا الباب - بفتح الراء - أي: إن كان المشارَك ههنا - بفتح الراء - مفعول أصل الفعل كان المتعى إلى واحد في الثلاثي متعدياً إلى واحد ههنا أيضاً، نحو " ضَارَبْت زيداً " فإن المشارَك في الضرب هو المضروب فمفعول أصل الفعل ومفعول المشاركة شئ واحد، فلم يزد مفعولٌ آخر بالنقل، وإن كان المشارَكُ ههنا غيرَ مفعول أصل الفعل، نحو " نازعت زيداً الحديث " فإن مفعول أصل الفعل هو الحديث إذ هو المنزوع، والمُشارَكُ زيد، صار الفعل إذن متعدياً إلى مفعولين، وكذا " نازعت زيداً عمراً " فاعلم أن المشارك - بفتح الراء - في باب فَاعَل قد يكون هو الذي أُوقِعَ أصل الفعل عليه ك " ضاربت زيداً " في المتعدي ر و " كارمته " في اللازم، وقد يكون غير ذلك نحو " نازعت زيداً الحديث " في المتعدي، و " سايرته في البرية " في اللازم، وقد يكون ما زاد من المفعول في باب المفاعلة هو المعامَلَ - بفتح الميم - بأصل الفعل، لا على وجه المشاركة كما في قول علي رضي الله عنه " كاشَفْتُكَ الْغِطَاءاتِ " وقولك: عاودته، وراجعته.
قوله " بمعنى فعل " يكون للتكثير كَفَعَّلَ، نحو " ضَاعَفْتُ الشئ " أي: كثرت أضعافه كضَعَّفَتْه، و " نَاعَمه الله " كنَعَّمه.
أي كثّر نَعْمَتَهُ (1) بفتح النون.
قوله " بمعنى فَعَلَ " كسافَرت بمعنى (2) سَفَرْتُ: أي خرجت إلى السفر ولا بدّ في " سافرت " من المبالغة كما ذكرنا، وكذا " ناولته الشئ " أي: نُلْتُه إياه - بضم النون - أي أعطيته، وقرئ (إن الله يَدْفَع) و (يُدَافِع) وقد نجئ بمعنى جعل الشئ ذا أصله كأَفْعَلَ وَفَعَّلَ، نحو " رَاعِنا سَمْعَكَ " أي: اجعله ذا رعاية لنا كأرعِنا، و " صَاعَرَ خَدَّه " أي: جعله ذا صَعَرٍ (3) و " عافاك الله " أي جعلك ذا عافية، و " عاقَبْتُ فلاناً " أي: جعلتُه ذا عقوبة وأكثر ما تجئ هذه الابواب الثلاثة متعدية.
قال: " وَتَفَاعَلَ لِمُشَارَكَةِ أَمْرَيْنِ فَصَاعِداً فِي أَصْلِهِ صَرِيحاً نَحْوَ تَشَارَكَا، ومن ثم نقص مفعولاً عن فاعل، وليدل على أن الفاعل أَظْهَرَ أَنَّ أَصْلَهُ حَاصِلٌ لَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْهُ نَحْوُ تَجَاهَلْتُ وتغافلت، وَبِمَعْنَى فَعَل نَحْوُ تَوَانَيْتُ، وَمُطَاوعَ فَاعَلَ نَحْوُ باعدته فتباعد ".
النعمة: المسرة والفرح والترفة (2) ظاهر هذه العبارة أن الثلاثي ن هذه المادة مستعمل، ويؤيده ما في الصحاح واللسان، قال ابن منظور:" يقال: سافرت أسفر (من باب طلب وضرب) سفورا: خرجت إلى السفر، فأنا سافر، وقوم سفر، مثل صاحب وصحب " اه.
لكن قال المجد في القاموس: " ورجل سفر وقوم سفر وسافرة وأسفار وسفار: ذوو سفر، لضد الحضر، والسافر: المسافر، لا فعل له " اه (3) الصعر - بفتحتين -: ميل - بفتحتين - في الوجه، وقيل: في الخد خاصة، وربما كان خلقة في الانسان، يقال: صعر خده وصاعره، إذا أماله من الكبر، قال الله تعالى:(ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا)(*)
أقول: لا شك أن في قول المصنف قبلُ " لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحاً " وقوله ههنا " لمشاركة أمرين فصاعدا في أصله صريحا " تخليطاً وَمَجْمَجَةً (1) وذلك أن التعلق المذكور في الباب الأول والمشاركة المذكورة ههنا أمران معنويان، لا لفظيان، ومعنى " ضَارَبَ زيد عمراً " و " تضارب زيد وعمرو " شئ واحد، كما يجئ، فمعنى التعلق والمشاركة في كلا البابين ثابت، فكما أن للمضاربة تعلقا بعمر وصريحا في قولك " ضارب زيد عمراً " فكذا للتضارب في " تضارب زيد وعمرو " تعلق صريح به، وكما أن زيداً وعمراً متشاركان صريحاً في " تضارب زيد وعمرو " في الضرب الذي هو الأصل فكذاهما متشاركان فيه صريحا في " ضارب زيد عمرا " فلو كان مطلق تعلق الفعل بشئ صريحاً يقتضي كون المتعلِّق به مفعولاً به لفظاً وجب انتصاب عمرو في " تَضَارَبَ زيد وعمرو " ولو كان مطلق تشارك أمرين فصاعداً صريحاً في أصل الفعل يقتضي ارتفاعهما لارتفع زيد وعمرو في " ضارب زيد عمراً " فظهر أنه لا يصح بناء قوله في الباب الأول " ومن ثم جاء غير المتعدي متعدياً "، ولا بناء قوله في هذا الباب " ومن ثم نقص مفعولاً عن فاعل " على المشاركة، وكان أيضاً من حق اللفظ أن يقول: تفاعل لاشتراك أمرين، لأن المشاركة تضاف إما إلى الفاعل أو إلى المفعول تقول: أعجبتني مشاركة القولا عَمْرَاً، أو مشاركة عمرو القومُ، وأما إذا قصدت بيان كون المضاف إليه فاعلاً ومفعولاً مَعاً فالحق أن تجئ بباب التفاعل أو الافتعال، نحو أعجبني نشاركنا، واشتراكنا، هذا، والأولى ما قال المالكي (2) وهو أن فاعل
(1) المجمجة: تغيير الكتاب وإفساده، ومجمج الرجل في خبره: لم يبينه (2) هكذا في كافة أصول الكتاب، ولم يتبين لنا مقصود المؤلف من الماكلي، ويخطر على البال أنه أراد الامام أبا القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الخثعمي
الاندلسي (المالقي) وهو شارح الجمل للزجاجي، وتلميذ ابن الطراوة النحوي وأبي بكر بن العربي الماكلي، وكانت وفاته في سنة 581 هـ (أي قبل وفاة الرضي بنحو قرن)(*)
لاقسام الفاعلية والمفعولية لفظاً، والاشتراك فيهما معنى، وتفاعل للاشتراك في الفاعلية لفظاً، وفيها وفي المفعولية معنى واعلم أن الأصل المُشْتَرَكَ فيه في بابي المفاعلة والتفاعل يكون معنى، وهو الأكثر، نحو: ضاربته، وتضاربنا، وقد يكون عيناً نحو (1) سَاهَمْتُهُ: أي قارعته وسَايَفْتُهُ، وساجلته، وتقارعنا، وتسابقنا، وَتَسَاجَلْنا (2) ثم اعلم أنه لا فرق من حيثُ المعنى بين فَاعَلَ وَتَفَاعَلَ في إفادة كون الشئ بين اثنين فصاعداً، وليس كما يتوهم من أن المرفوع في باب فَاعَلَ هو السابق بالشروع في أصل الفعل على المنصوب بخلاف باب تَفَاعَلَ، ألا ترى إلى قول الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما لبعض من خاصمه: سَفِيهٌ لم يجد مُسَافِهاً، فإنه رضي الله عنه سمى المقابل له في السفاهة مُسَافِهاً وإن كانت سفاهته لو وجدت بَعْدَ سفاهة الأول، وتقول: إن شتمتني فما أشاتمك، ونحو ذلك، فلا فرق من حيث المغزى والمقصد الحقيقي بين البابين، بل الفرق بينهما من حيث التعبير عن ذلك المقصود، وذلك
(1) قال في اللسان: " السهم: القدح الذي يقارع به، واستهم الرجلان: تقارعا، وساهم القوم فسهمهم سهما قارعهم فقرعهم، وفي التنزيل: " فساهم فكان من المدحضين) يقول: قارع أهل السفينة فقرع (بصيغة المبنى للمجهول)" اه (2) قال ابن بري: " أصل المساجلة أن يستقي ساقيان فيخرج كل واحد منهما في سجله (دلوه) مثل ما يخرج الاخر، فأيهما نكل فقد غلب، فضربته العرب مثلا للمفاخرة، فإذا قيل: فلان يساجل فلانا، فمعناه أنه يخرج من الشرف مثل ما يخرجه الاخر، فأيهما نكل فقد غلب ".
وقالوا: الحرب سجال: أي سجل منها
على هؤلاء وسجل على هؤلاء.
وبالتأمل في عبارة ابن بري يتبين ن الاشتراك في المساجلة بين المتساجلين: بالنظر إلى أصل الاستعمال في عين، وبالنظر إلى المثل في معنى لا عين، فتمثيل المؤلف بساجلته للاشتراك في العين إنما هو بالنظر إلى أصل استعمال اللفظ (*)
أنه قد يعبر عن معنى واحد بعبارتين تخالف مفرداتُ إحداهما مفردات الأخرى معنى من حيث الوضع، وكذا إعراباتها، كما تقول: جاء في القوم إلا زيداً، وجاءني القوم ولم يجئ من بينهم زيد، أو جاءوني وتخلّف زيد، أو لم يوافقهم زيد، ونحو ذلك، والمقصود من الكل واحد، فكذا " ضارب زيد عمرا ": أي شاركه في الضرب، و " تضارب زيد وعمرو " أي: تشاركا فيه، والمقصود من شاركه وتشاركا شئ واحد مع تعدي الأول ولزوم الثاني قوله " ومن ثم نقص " أي: ومن جهة كون تفاعل في الصريح وظاهر اللفظ مسنداً إلى الأمرين المشتركين في أصل الفعل بخلاف فَاعَلَ فإنه لإسناده في اللفظ إلى أحد الأمرين فقط ونصب الاخر لفظ شَارَكَ لمفعوله، فإن كان فَاعَلَ متعدياً إلى اثنين نحو " نازعتك الحديث " كان تفاعل متعديا إلى ثانيهما فقط، ويرتفع الاول داخلا في الفاعلية، نحو " تنازعنا الحديث " و " تنازع زيد وعمرو الحديث " وإن كان فَاعَلَ متعدياً إلى واحد نحو " ضاربتك " لم يتعد تفاعل إلى شئ لدخول الأول في جملة الفاعل، نحو " تضاربنا " و " تضارب زيد وعمرو " قوله " نقص مفعولاً " انتصاب " مفعولاً " على المصدر، وهو بيان النوعي كقولك: ازددت درجة، ونقصت مرتبة، ودنوت إصبعاً، أي: نقص هذا الْقَدْرَ من النقصان، ويجوز أن يكون تمييزاً، إذ هو بمعنى الفاعل: أي نقص مفعول واحد منه
قوله " وليدل على أن الفاعل أظْهَرَ إلخ " معنى " تَغَافَلْتُ " أظهرت من نفسي الغفلة التي هي أصل تغافلت، فتغافل على هذا لإبهامك الأمر على من تخالطه وَتُرِيَ من نفسك ما ليس فيه منه شئ أصلاً، وأما تَفَعَّلَ في معنى التكلف نحو: تَحَلَّمَ وَتَمَرَّأَ (1) فعلى غير هذا لأن صاحبه يتكلف أصل ذلك الفعل
(1) تحلم: تكلف الحلم، وهو العقل والاناة.
وتمرأ: تكلف المروءة، وهي (*)
ويريد حصوله فيه حقيقة، ولا يقصد إظهار ذلك إيهاماً على غيره أن ذلك فيه وفي تَفَاعَلَ لا يريد ذلك الأصل حقيقة، ولا يقصد حصوله له، بل يوهم الناس أن ذلك فيه لغرض له قوله " وبمعنى فعل " لابد فيه من المبالغة كما تقدم قوله " مطاوع فَاعَلَ " ليس معنى المطاوع هو اللازم كما ظنَّ، بل المطاوعة في اصطلاحهم التأثر وقبول أثر الفعل، - سواء كان التأثر متعدياً، نحو: عَلَّمْتُهُ الفقه فتعلَّمهُ: أي قبل التعليم، فالتعليم تأثير والتعلم تأثر وقبول لذلك الأثر، وهو متعدٍّ كما ترى، أو كان لازما، نحو: كَسَرْتُهُ فانكسر: أي تأثر بالكسر، فلا يقال في " تنازع زيد وعمرو الحديث "، إنه مطاوع " نازع زيد عمر الحديث " ولا في " تضارب زيد وعمرو " إنه مطاوع " ضارب زيد عمراً " لأنهما بمعنى واحد، كما ذكرنا، وليس أحدهما تأثيراً والآخر تأثرأً، وإنما يكون تَفَاعَلَ مطاوع فَاعَل إذا كان فاعل لجعل الشئ ذا أصله، نحو: باعدته: أي بَعَّدْتُهُ، فتباعد: أي بَعُدَ، وإنما قيل لمثله مطاوع لأنه لما قبل الأثر فكأنه طاوعه ولم يمتنع عليه، فالمطاوع في الحقيقة هو المفعول به الذي صار فاعلاً، نحو " بَاعَدْتُ زيداً فتباعد " المطاوع هو زيد، لكنهم سَمَّوا فعله المسند إلى مطاوعا مجازا وقد يجئ تَفَاعَلَ للاتفاق في أصل الفعل لكن لا على معاملة بعضهم بعضا
كمال الرجولية، وقال الاحنف: المروءة العفة والحرفة، وسئل بعضهم عن المروءة
فقال: المروءة ألا تفعل في السر أمرا وأنت تستحى أن تفعله جهرا.
ويقال: تمرأ أيضا، إذا صار ذا مروءة، ويقال: تمرأ بنا، إذا طلب كرامنا اسم المروءة، قال سيبويه (ج 2 ص 240) :" وإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه في أمر حتى يضاف إليه ويكون من أهله فانك تقول تفعل، وذلك: تشجع وتبصر وتحلم وتجلد وتمرأ: أي صار ذا مروءة، وقال حاتم الطائي: - تحلم عن الادنين واستبق ودهم * * ولن تستطيع الحلم حتى تحلما وليس هذا بمنزلة تجاهل، لان هذا يطلب أن يصير حليما " اه (*)
بذلك، كقول علي رضي الله تعالى عنه " تَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ ذَاتِهِ " (1) وقولهم:" بمعنى أفْعَلَ نحو تَخَاطأَ بمعنى أَخْطَأَ " مما لا جدْوَى له، لأنه إنما يقال هذا الباب بمعنى ذلك الباب إذا كان الباب المحال عليه مختصا بمعنى عام مضبوط بضابط فيتطفل الباب الآخر عليه في ذلك المعنى، أما إذا لم يكن كذا فلا فائدة فيه، وكذا في سائر الأبواب، كقولهم: تعاهد بمعنى تَعَهَّدَ، وغير ذلك كقولهم تَعَهَّدَ بمعنى تعاهد (2) قال:" وَتَفَعَّلَ لِمُطَاوَعَةِ فَعَّلَ نَحْوُ كسَّرْتُهُ فَتَكَسَّرَ، وَلِلتَّكَلُّفِ نَحْوُ تَشَجَّعَ وَتَحَلَّمَ، وَلِلاِتِّخَاذِ نَحْوُ تَوَسَّدَ، وَلِلتَّجَنُّبِ نَحْوُ تَأَثَّمَ وَتَحَرَّجَ، وَلِلْعَمَلِ الْمُتَكَرِّرِ في مُهْلَةٍ، نَحْوُ تَجَرَّعْتُهُ، وَمِنْهُ تَفَهَّمَ، وَبِمَعْنَى اسْتَفْعَلَ، نَحْوَ تَكَبَّرَ (وَتَعَظَّمَ) " أقول: قوله " لمطاوعة فَعَّلَ " يريد سواء كان فَعَّلَ للتكثير نحو قَطَّعْتُهُ فَتَقَطَّعَ، أو للنسبة نحو قيسته ونزرته وَتَمَّمْتُهُ: أي نسبته إلى قَيْس وَنِزار وتميم فتقيس وتنزر وَتَتَمَّمَ، او للتعدية نحو عَلَّمْتُهُ فَتَعَلَّمَ والأغلب في مطاوعة فَعَّلَ الذي للتكثير (3) هو الثلاثي الذي أصل فَعَّلَ، نحو عَلَّمْتُهُ فَعَلِمَ، وفَرَّحْتُهُ فَفَرِحَ، فقوله:" وللتكليف " هو من القسم الأول: أي مطاوع فَعَّلَ الذى هو
(1) المراد من هذه العبارة أن أهل الله تعالى قد اتفقوا في العى والعجز عن
إدراك كنه ذاته وصفاته.
قال في اللسان: " عى بالامر (بوزن مد) عيا - بكسر العين - وعى وتعايا واستعيا، هذه عن الزجاجي، وهو عى (مثل حى) وعي (كزكى) وعيان (كريان) عجز عنه ولم يطق إحكامه " اه (2) قال في اللسان: " وتعهد الشئ وتعاهده واعتهده: تفقده وأحدث العهد به
…
ثم قال: وتعهدت ضيعتي وكل شئ، وهو أفصح من قولك تعاهدته، لان التعاهد إنما يكون بين اثنين، وفى التهذيب: ولا يقال تعاهدته، قال: وأجازهما الفراء " اه (3) الاولى أن يقول: " والأغلب في مطاوعة فَعَّلَ الذي للتعدية " بدليل التمثيل الذى مثل به (*)
للنسبة تقديراً، وإن لم يثبت (1) استعماله لها، كأنه قيل: شَجَّعْتُهُ وَحَلَّمْتُهُ: أي نسبته إلى الشجاعة والحلم، فَتَشَجَّعَ وَتَحَلَّمَ: أي انتسب إليهما وتكلفهما وَتَفَعَّلَ الذي للاتخاذ مطاوعُ فَعَّلَ الذي هو لجعل الشئ ذا أصله، إذا كان أصله اسماً لا مصدراً، " فَتردَّى الثوبَ " مطاوعُ " رَدَّيْتُهُ الثوبَ ": أي جعلته ذا رداء، وكذا " تَوَسَّدَ الحجرَ ": أي صار ذا وِسادة هي الحجر مطاوعُ " وسَّدْته الحجر " فهو مطاوع فَعَّلَ المذكور المتعدي إلى مفعولين ثانيهما بيان لأصل الفعل، لأن الثوب بيان الرداء والحجر بيان الوسادة، فلا جرم يتعدى هذا المطاوع إلى مفعول واحد.
وَتَفَعَّلَ الذي للتجنب مطاوعُ فَعَّلَ الذي للسلب تقديراً، وإن لم يثبت استعماله (1) كأنه قيل: أئمته وحرجتهه بمعنى جَنَّبْتُهُ عن الحَرَجِ والإثم وأزلتهما عنه كقَرَّدْته، فتأثم وتَحَرَّجَ: أي تجنب الإثم والحرج وَتَفَعَّلَ الذي للعمل المتكرر في مُهْلَةٍ مطاوعُ فَعَّلَ الذي للتكثير، نحو
جَرَّعْتُكَ الماءَ فَتَجَرَّعْتَهُ: أي كثَّرْتُ لك جَرْعَ الماء (2) فتقبَّلْت ذلك التكثير وَفَوَّقْتُه اللَّبَنَ فَتَفَوَّقَهُ وَحَسَّيْتُهُ الْمَرَقَ فَتَحَسَّاه: أي كثَّرتُ له فيقه وهو
(1) انظر هذا مع قول الشارح فيما سبق: " وليست هذه الزيادات قياساً مطرداً، بل يحتاج في كل باب إلى سماع استعمال اللفظ المعين وكذا استعماله في المعنى المعين الخ " فانك تجد بين الكلامين تضاربا، وقد بينا لك فيما سبق اختيارنا في المسألة (انظر ص 84 هـ ا) (2) تجرع الماء: تابع جرعه مرة بعد أخرى كالمتكاره، قال تعالى:(يتجرعه ولا يكاد يسيغه) قال ابن الاثير: " التجرع: شرب في عجلة، وقيل: " هو الشرب قليلا قليلا " اه، فكأنه من الاضداد، والحديث ههنا عن المعنى الثاني (*)
جنس الفِيقَةِ (1) : أي قدر اللبن المجتمع بين الحلبتين، وكثرت له حَسَاءه (2) قوله " ومنه تَفَهَّمَ " إنما قال " ومنه " لان معنى الفعل المتكرر في مُهْلَة ليس بظاهر فيه، لأن الفهم ليس بمحسوس كما في التجرع والتحسى، فَبَيَّنَ أنه منه، وهو من الأفعال الباطنة المتكررة في مهلة، هذا، والظاهر أن تَفَهَّمَ للتكلف في الْفَهْمِ كالتَّسَمُّعِ والتبصر قوله " وبمعنى استفعل " تفعل يكون بمعنى استفعل في معنيين مختصين باستفعل: احدهما الطلب، نحو تَنَجَّزْتُهُ: أي استنجزته: أي طلبت نجازه: أي حضوره والوفاء به، والآخر الاعتقاد في الشئ أنه على صفة أصلِهِ، نحو اسْتَعْظَمْتُهُ وتعظمته: أي اعتقدت فيه أنه عظيم، واستكبر وَتَكَبَّرَ: أي اعتقد في نفسه أنها كبيرة
(1) الفيقة والفيق: اسم اللبن الذى يجتمع بين الحلبتين في الضرع، وذلك بأن تحلب الناقة ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب، والياء فيهما منقلبة عن الواو، لسكونها إثر كسرة، يقال: فاقت الناقة تفوق فواقا (كغراب) وفيقة (كديمة)، والفيقة: واحدة الفيق كما ذكر المؤلف، وجمع الفيق أفواق كشبر وأشبار،
وأفاويق جمع الجمع.
قال ابن برى: " وقد يجوز أن تجمع فيقة على فيق ثم تجمع فيق على أفواق، فيكون مثل شيعة وشيع وأشياع ".
والفواق (كسحاب وغراب) : ما بين الحلبتين من الوقت.
قال في اللسان: " وفوقت الفصيل: أي سقيته اللبن فواقا فواقا، وتفوق الفصيل إذا شرب اللبن كذلك " اه.
وبين هذا وبين كلام المؤلف بعد فتأمله، فان عبارة أهل اللغة تدل على أن معنى فوقته سقيته اللبن وقتا بعد وقت فأين معنى التكثير الذى ذكره المؤلف؟ (2) قال في القاموس:" حسا الطائر الماء حسوا، ولا تقل شرب، وحسا زيد المرق: شربه شيئا بعد شئ، كتحساه واحتساه، وأحسيته أنا وحسيته، واسم ما يحتسى الحسية (كالغنية) والحسا (كالعصا) ويمد، والحسو كدلو، والحسو كعدو، والحسوة (بالضم) : الشئ القليل منه " اه.
ومثله في اللسان.
وأنت ترى أن مدلول حسيته سقيته الحساء شيئا بعد شئ، وتحساه شربه شيئا بعد شئ، فمن أين جاء تكثير الحساء الذى ذكره المؤلف؟ (*)
والأغلب في تَفَعَّلَ معنى صيرورة الشئ ذا أصله كتأهل وتألم وتأكل وَتَأَسَّفَ وتَأَصَّلَ وتفكَّك وتألَّبَ: أي صار ذا أهل، وألم، وأكلْ: اي صار مأكولاً، وذا أسف، وذا أصل، وذَا فكَكٍ (1) وذا أَلْب (2) فيكون مطاوع فَعَّلَ الذي هو لجعل الشئ ذا أصله، إما حقيقة كما في أَلَّبْتُهُ فَتَأَلَّبَ وأصَّلْتُهُ فتأصل، وإما تقديراً كما في تأهل، إذ لم يستعمل أهَّل بمعنى جعل ذا أهل وقد يجئ تَفَعَّلَ مطاوعَ فَعَّلَ الذي معناه جعل الشئ نفس أصله، إما حقيقة أو تقديراً، نحو تَزَبَّبَ العنب، وتأجَّل الوحش (3) وَتَكَلَّلَ: أي صار إكليلاً (4) : أي محيطا
(1) الفكك - بفتح الفاء والكاف - انفساخ القدم وانكسار الفك وانفراج
المنكب استرخاء وضعفا، وهو أفك المنكب.
(2)
الالب: مصدر ألب القوم إليه - كضرب ونصر - إذا أتوه من كل جانب.
والالب أيضا الجمع الكثير من الناس، وأصله المصدر فسمى به، قال حسان بن ثابت للنبى صلى الله عليه وسلم: - الناس ألب علينا فيك ليس لنا * * إلا السيوف وأطراف القناوزر (3) الاجل - بكسر الهمزة وسكون الجيم -: القطيع من بقر الوحش والظبا، وتأجلت البهائم: صارت آجالا، قال لُبيدُ بن ربيعة العامريِّ: - والعين ساكنة على أطلائها * * عوذا تأجل بالفضاء بهامها (4) الاكليل - بكسر الهمزة وسكون الكاف - شبه عصابة مزينة بالجواهر، وهو التاج أيضا، ولما كان التاج والعصابة يحيط كل منهما بالرأس صح أن يسمى كل ما أحاط بشئ إكليلا على سبيل التشبيه، وأن يشتق له من ذلك فعل أو وصف، من ذلك تسميتهم اللحم المحيط بالظفر إكليلا، ومن ذلك قولهم روضة مكللة: أي محفوفة بالنور، وعمام مكلل: أي محفوف بقطع من السحاب، فتقول: تكلل النور والسحاب: أي صار كل منهما إكليلا، أي محيطا.
ولم نعثر على الفعل المطاوع (بفتح الواو) لهذا إلا في شعر لا يحتج به، فالظاهر أن المؤلف مثل بتأجل الوحش وتكلل للمطاوع (بكسر الواو) تقديرا (*)
قال: " وَانْفَعَلَ لَازِمٌ مُطَاوعُ فَعَلَ نَحْوُ كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ، وَقَدْ جَاءَ (مُطَاوعَ أَفْعَلَ نَحْوُ) أَسْفَقْتُهُ فأسفق وَأَزْعَجْتُهُ فَانْزَعَجَ، قَلِيلاً، وَيَخْتَصُّ بِالْعِلَاجِ وَالتَّأْثِيرِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ انْعَدَمَ خَطَأ " أقول: باب انفعل لا يكون إلا لازماً، وهو في الأغلب مطاوع فَعَلَ، بشرط أن يكون فَعَلَ عِلاجاً: في من الأفعال الظاهرة، لأن هذا الباب موضوع
للمطاوعة، وهي قبول الأثر، وذلك فيما يظهر للعيون كالكسر والقطع والجذب أولى وأوفق، فلا يقال عِلِمْتُهُ فانعلم، ولا فَهِمْتُهُ فانفهم، وأما تَفَعَّلَ فإنه وإن وضع لمطاوعة فَعَّلَ كما ذكرنا، لكنه إنما جاز نحو فَهَّمْتُهُ فَتَفَهَّمَ وَعَلَّمْتُهُ فتعلم، لأن التكرير الذي فيه كأنه أظهره وأبرزه حتى صار كالمحسوس، وليس مطاوعة انفعل لِفَعَلَ مطردةً في كل ما هو علاج، فلا يقال: طردته فانطرد، بل طردته فذهب وقد يجئ مطاوعاً لأفْعَلَ نحو أزعجته فانزعج، وهو قليل، وأما انسفق فيجوز أن يكون مطاوع سَفَقْتُ البابَ: أي أوردته لان سفقت وأسفقت بمعنى قال: " وافْتَعَلَ لِلْمُطاوَعَةِ غَالِباً نَحوُ غَمَمْتُهُ فَاغْتَمَّ، وَللاِتِّخَاذِ نَحْوُ اشْتَوَى وَلِلتَّفَاعُلِ نَحْوُ اجْتَوَرُوا، ولِلتَّصَرُّفِ نَحْوُ اكْتَسَبَ ".
أقول: قال سيبويه: الباب في المطاوعة انْفَعَلَ، وَافْتَعَلَ قليلٌ، نَحْو جَمَعْتُهُ فاجتمع، وَمَزَجْتُهُ فامتزج قلت: فلما لم يكن موضوعاً للمطاوعة كانفعل جاز مجيئه لها في غير العلاج، نحو غَمَمْتُهُ فَاغْتَمَّ ولا تقول فَانْغَمَّ (1) ويكثر إغناء افْتَعَلَ عن انْفَعَلَ في مطاعوة ما فاؤه لام أو راء أو واو أو نون
(1) في اللسان عن سيبويه أنك تقول: اغتم وانغعم.
قال سيبويه " وهى عربيه "(*)
أو ميم، نحو لأََمْت الجرح، أي: أصلحته، فالتأم، ولا تقول انلام، وكذا رميت به فارتمى، ولا تقول انْرَمَى، ووصلته فاتَّصل، لا انوصل، ونفيته فانتفى انَّفَى، وجاء امتحى وامَّحى (1) ، وذلك لأن هذه الحروف مما تدغم النونُ الساكنة فيها، ونون انفعل علامة المطاوعة فكره طَمْسُها، وأما تاء افتعل في نحو ادكروا طلب فلما لم يختص بمعنى من المعاني كنون انفعل صارت كأنها ليست
بعلامة، إذ حق العلامة الاختصاص قوله " وللاتخاذ " أي: لاتخاذك الشئ أصْلَهُ، وينبغي أن لا يكون ذلك الأصل مصدرأً، نحو اشْتَوَيْتُ اللحم: أي اتخذته شواء، وَاطَّبَخَ الشئ: أي جعله طبيخاً، واختبز (2) الخبز: أي جعله خُبْزاً، والظاهر أنه لاتخاذك الشئ أصله لنفسك، فاشتوى اللَّحْمَ: اي عمله شواه لنفسه، وامتطاه: أي جعله لنفسه مطية، وكذا اغْتَذَى وَارْتَشَى (3) واعْتَادَ قوله " وللتفاعل " نحو اعْتَوَرُوا: أي تناوبوا، واجتوروا: أي تجاوروا، ولهذا لم يُعَلَّ، لكونه بمعنى ما لا يعمل
(1) الذى في جميع النسخ " انمحى " بالنون الظاهرة والذى في القامس واللسان " امحى " بابدال النون ميما وإدغامها في الميم، قال في اللسان:" والاصل فيه انمحى، وامتحى لغة رديئة " اه (2) كان الاولى أن يقول: اختبز الدقيق: أي عالجه حتى جعله خبزا، ولعله أطلق الخبز على الدقيق باعتبار ما يؤول إليه الامر (3) في اللسان:" غذاه وغذوا وغذاه بالتضعيف فاغتذى وتغذى " اه وهو ظاهر في أن اغتذى مطاوع غذا وليس للاتخاذ كما ذهب إليه المؤلف، ولم نعثر على نحو قولك اغتذى الشئ، حتى يصير معناه اتخذه غذاء، وفى اللسان أيضا:" رشاه يرشوه رشوا: أعطاه الرشوة (مثلثة الراء) ، وارتشى منه رشوة، إذا أخذها " اه وهو ظاهر أيضا في المطاوعة لا الاتخاذ.
وأما اعتاد فقد ورد بمعنى الاتخاذ نحو اعتاد الشئ جعله عادة له، وورد مطاوعا أيضا نحو عودته (بالتضعيف) فاعتاد (*)
قوله " وللتصرف " أي: الاجتهاد والاضطراب في تحصيل أصل الفعل، فمعنى كَسَبَ اصاب، ومعنى اكتسب اجتهد في تحصيل الإصابة بأن زاول أسبابها، فلهذا قال الله تعالى:(لَهَا مَا كَسَبَتْ) أي: اجتهدت في الخير أوْ لَا فإنه
لا يضيع (وَعَلَيْهَا ما اكتسبت) أي: لا تؤاخذ إلا بما اجتهدت في تحصيله وبالغت فيه من المعاصي، وغير سيبويه لم يفرق بين كسب واكتسب وقد يجئ افْتَعَلَ لغير ما ذكرنا مما لا يضبط، نحو ارْتَجَلَ الخُطْبَةَ، ونحوه قال " وَاسْتَفْعَلَ لِلسُّؤَالِ غَالِباً: إِمَّا صَرِيحاً نَحْوُ اسْتَكْتَبْتُهُ، أَوْ تَقْدِيراً نَحْوُ اسْتَخْرَجْتُهُ، ولِلتَّحَوُّلِ نَحْوُ اسْتَحْجَرَ الطِّيْنُ، وَ * إنَّ الْبِغَاثَ بِأَرْضِنَا يَسْتَنْسِرُ * وقد يجئ بِمَعْنَى فَعَلَ نَحْوُ قَرَّ وَاسْتَقَرَّ " أقول: قوله " أو تقديراً نحو استخرجته " تقول: استخرجت الْوَتِدَ، ولا يمكن ههنا طلبٌ في الحقيقة، كما يمكن في " استخرجت زيداً " إلا أنه بمزاولة إخراجه والاجتهاد في تحريكه كأنه طلب منه أن يخرج، فقولك أخرجته لا دليل فيه على أنك أخرجته بمرة واحدة أو مع اجتهاد، بخلاف استخرج، وكذلك " استعجلت زيداً " أي: عجلته، فإذا كان بمعنى عَجَّلْتُ (1) فكأنه طلب العجلة من نفسه، ومن مجاز الطلب قولهم: اسْتَرْفَعَ الخوان، واسترم البناء، واسنرقع الثوب (2)
(1) تقول: عجلت عجلا - كفرح فرحا - وعجلة، ومنه قوله تعالى (وعجلت إليك رب لترضى) وتقول أيضا: عجل - بالتضعيف - وتعجل بمعناه: أي أسرع.
ويأتى عجل - بالتضعيف - وتعجل متعديين أيضا: بمعنى طلب العجلة، والذى في كلام المؤلف يجوز أن يكون مخففا مكسور العين، وأن يكون مضعفا لازما.
(2)
الخوان - ككتاب وغراب -: ما يوضع عليه الطعام، وضع أو لم يوضع، (*)
ويكون للتحول إلى الشى حقيقة، نحو اسْتَحْجَرَ الطين: أي طار حجرا حقيقية، أو مجازا: أي صار كالحجر في الصلابة، وَإِنَّ الْبِغَاثَ بأرضا يَسْتَنْسِرُ (1) أي: يصير كالنسر في القوة، والبغاث - مثيلث الفاء - ضعافُ الطير قوله " بمعنى فَعَلَ " نحو قر واستقر، ولابد في استقر من مبالغة
ويجى أيضا كثيرا للاعتقاد في الشئ أنه على صفة أصله، نحو اسْتَكْرَمْتُهُ: أي اعتقدت فيه الكرم، وَاسْتَسْمَنْتُهُ: أي عددته ذا سِمَنٍ، واستعظمته: أي عددته ذا عَظَمة ويكون أيضاً للاتخاذ كما ذكرنا في افتعل، نحو استلام (2)
والمائدة: ما يكون عليه الطعام، وقيل: الخوان والمائدة واحد.
قال الليث: هو معرب، وقولهم: استرفع الخوان (بالرفع) معناه حان له أن يرفع.
واسترم البناء: حان له أين يرم، إذا بعد عهده بالتطيين والاصلاح.
واسترقع الثوب: حان له أن يرقع، وقد رأى المؤلف ن هذه الحينونة تشبه أن تكون طلبا، لان هذه الاشياء لما أصبحت في حالة تستوجب حصول أصل الفعل (وهو ههنا الرفع والرم والرقع) صارت كأنها طلبت ذلك (1) هذا مثل يضرب للضعيف يصير قويا، وللذليل يعز بعد الذل، وفى اللسان " يضرب مثلا للئيم يرتفع أمره، وقيل: معناه من جاوزنا عز بنا ".
والبغاث: اسم جنس واحدته بغاثة وهو ضرب من الطير أبيض بطئ الطيران صغير دوين الرخمة، ويستنسر: يصير كالنسر في القوة عند الصيد، يصير ولا يصاد.
وجمع البغاث بغثان (كرغفان)(2) اللاءمة - بفتح اللام وسكون الهمزة وربما خففت - أداة من أدوات الحرب، قيل: هي الدرع، وقيل: جميع أدوات الحرب من سيف ودرع ورمح ونبل وبيضة ومغفر يسمى لامة، ويقال: استلام الرجل، إذا لبس اللاءمة، (*)
وقد يجئ لمعان أخر غير مضبوطة وأما افْعَلَّ فالأغلب كونه للَّوْن أو العيب الحسي اللازم (1) وافْعَالَّ في اللون والعيب الحسي العارض، وقد يكون الاول فيما اشتق منه، نحو اعْشَوْشَبَتِ الأرضُ: أي صارت ذات عُشْب (2)
كثير، وكذا اغْدَوْدَنَ (3) النبت، وقد يكون متعدياً، نحو اعْرَوْرَيْتُ الفرسَ (4) وافْعَوَّلَ بناءٌ مرتجل ليس منقولاً من فعل (5) ثلاثي، وقد يكون متعدياً كاعْلَوَّطَ: أي علا، ولازماً كاجْلَوَّذَ واخْرَوَّطَ: أي أسرع (6) وكذا افعنلى مرتجل، نحو
وحكى أبو عبيدة أنه يقال: تلام - بتضعيف الهمزة - أيضا (1) المراد باللازم في هذا الموضع ما لا يزول والمراد بالعارض ما يزول (2) العشب: هو الكلاء مادام رطبا، واحدته عشبة (كغرفة) وقال أبو حنيفة الدينورى: العشب: كل ما أباده الشتاء وكان بناته ثانية من أرومة وبذر.
(3)
يقال: اغدودن النبت، إذا اخضر حتى يضرب إلى السواد من شدة ريه قال أبو عبيد: المغددون: الشعر الطويل، وقال أبو زيد: شعر مغدودن: شديد السواد ناعم.
(4)
اعرورى الفرس: صار عريا، واعرورى الرجل الفرس: ركبه عريا، فهو لازم متعد، ولا يستعمل إلا مزيدا، وقد استعاره تأبط شرا لركوب المهلكة فقال: - يظل بموماة ويمسى بغيرها * * جحيشا، ويعرورى ظهور المهالك (5) مراده بهذا أنه ليس واحد مما ذكر من الامثلة منقولا عن فعل ثلاثى مشترك معه في أصل معناه، فأما المادة نفسها بمعنى آخر فلا شأن لنا بها، وأكثر ما ذكر من الامثلة قد ورد لها أفعال ثلاثية ولكن بمعان أخر.
(6)
قول الشارح " أي اسرع " تفسير لا جلوذ واخروط جميعا (*)
اغرندى (1) ، وقد يجئ افعوعل كذلك، نحو إذ لولى: أي استتر (2) ، وكذا افْعَلّ وافْعَالّ يجيئان مرتجلين، نحو اقطر واقطار: اي أخذ في الجفاف وجميع الأبواب المذكورة يجئ متعدياً ولازماً، إلا انْفَعَلَ وافْعَلَّ وافعال واعلم أن المعاني المذكورة للأبواب المتقدمة هي الغالبة فيها، وما يمكن ضبطه،
وقد يجئ كل واحد منها لمعان أخر كثيرة لا تضبط كما تكررت الاشارة إليه قال: " وللرباعي المجرد بناء واحد نَحْوُ دَحْرَجْتُهُ وَدَرْبَخَ، وَلِلْمَزِيدِ فِيهِ ثَلَاثَةٌ: تَدَحْرَجَ، وَاحْرَنْجَمَ، وَاقْشَعَرَّ، وَهِيَ لَازِمَةٌ " أقول: دَرْبَخَ: أي خضع، وفعلل يجئ لازماً ومتعدياً، وَتَفَعْلَلَ مطاوع فعلل المتعدي كَتَفَعَّلَ لفعل، نحو دحرحته فتدحرج، واحر نجم في الرباعي كانْفَعَلَ في الثلاثي، واقْشَعَرَّ واطْمَأَنَّ من الْقُشَعْرِيرَة والطُّمَأْنِينَة، كاحْمَرَّ في الثلاثي، وافْعَنْلَلَ المحلق باحر نجم كاقعنس غير متعد مثل المحلق به، وكذا تَجَوْرَبَ وَتَشَيْطَنَ الملحقان بتدحرج، وكذا احر نبى المحلق باحر نجم، وقد جاء متعدياً في قوله: - 13 - إِنِّي أَرَى النّعَاسَ يَغْرَنْدَيني * * أَطْرُدُهُ عنى ويسر ندينى (3)
(1) تقول اغرنداه واغرندى عليه، إذا علاه بالشتم والضرب والقهر، وإذا غلبه، وقد وقع في بعض نسخ الاصل بالعين المهملة ولم نجد له أصلا في كتب اللغة (2) هذا الذى ذكره المؤلف في اذلولى أحد وجهين، وهو الذى ذكره سيبويه رحمه الله، فمادتها الاصلية على هذا (ذل ي) زيد فيه همزة الوصل أولا وضعفت العين وزيدت الواو فارقة بين العينين، والوجه الثاني أن أصوله (ذل ل) ، وأن الاصل فيه ذل يذل ذلا، ثم ضعفت العين فصار ذلل يذلل تذليلا، ثم استثقل ثلاثة الامثال فقلبو الثالث ياء، كما قبلوا في نحو تظنى وتقضى وربى، وأصلها تظنن وتقضض وربب، ثم زيدت فيه الواو وهمزة الوصل فوزنه افعوعل أيضا، ولكن على غير الوجه الاول.
(3)
هذا بيت من الرجس استشهد به كثير من النحاة منهم أبو الفتح بن (*)
وكأنه محذوف الجار: أي يغرندى علي، ويسرندى علي: أي يغلب ويتسلط
واعلم أن المعاني المذكورة للابنية المذكورة ليس مختصة بمواضيها، لكنه إنما ذكرها في باب الماضي لأنه أصل الافعال قال: " المضارع بزيادة حرف المُضَارِعَةِ عَلَى المَاضِي، فَإِنْ كَانَ مُجَرَّداً عَلَى فَعَل كُسِرَتْ عَيْنُهُ أَوْ ضُمَّتْ أَوْ فُتِحَتْ إِنْ كانَ الْعَيْنُ أوِ اللَاّمُ حَرْفَ حَلْقٍ غَيْرَ واف، وَشَذَّ أبَى يَأْبَى، وَأَمَّا قَلَى يَقْلَى فَعَامِرِيَّةٌ (1) وركن
جنى والسخاوى وابن هشام، ولم ينسبه واحد منهم، ويروى: - قد جعل النعاس يغرندينى * * أدفعه عنى ويسرندينى ويغرندينى ويسرندينى كلاهما بمعنى يغلبنى، وقد اختلف العلماء في تخريجه، فجعله جماعة كالمؤلف من باب الحذف والايصال، وجعله ابن هشام شاذا، وجعله ابن جنى صحيحا لا شذوذ فيه، وقسم افعنلى إلى متعد ولازم، قال:" افعنليت على ضربين متعد وغير متعد، فالمتعدى نحو قول الراجز (وذكر البيت) ، وغير المتعدى نحو قولهم: احر بنى الديك " اه ومثله للسخاوي في شرح المفصل، والجوهري في الصحاح.
(1)
الذى في اللسان: " قلاه يقليه (كرماه يرميه) ، وقليه يقلاه (كرضيه يرضاه) .
وحكى سيبويه قلاه يقلاه (كنهاه ينهاه) قال: وهو نادر، وله نظائر حكاها، شبهوا الالف بالهمزة، وحكى ابن الاعرابي لغة رابعة وهى قلوته أقلوه (كدعوته أدعوه)، وأنكرها ابن السكيت فقال: يقال قلوت البر والبسر وبعضهم يقول قليت، ولا يكون في البغض إلا قليت " اه كلامه ملخصا.
وقوله " وله نظائر " منها أبى بأبى، وغشى يغشى، وشجب يشجى، وجبى يجبى، كل هذه قد جاءت في بعض اللغات بفتح عين الماضي والمضارع.
وقوله: " شبهوا الالف بالهمزة " هذا وجه آخر غير الذى ذكره المؤلف، وحاصله أن فتح العين في الماضي ليس للاعلال ولكن لاقتضاء ما أشبه حرف الحلق إياها، وسيأتى بيان
ما ذكره المؤلف (*)
يَرْكَنُ مِنَ التَّدَاخُلِ (1) ، وَلَزِمُوا الضَّمَّ فِي الأَْجْوَفِ بالواو المنقوص بِهَا، وَالْكَسْرَ فِيهِما بِاليَاءِ، وَمَنْ قَالَ طَوَّحْتُ وَأَطْوَحُ وَتَوَّهْتُ وَأَتْوَهُ فَطَاحَ يَطِيحُ وَتَاهَ يَتِيهُ شاذٌ عِنْدَهُ أَوْ مِنَ التَّدَاخُلِ (2) ، وَلَمْ يَضُمُّوا في المثال، ووجد
(1) قد ورد هذا الفعل من باب علم، ومن باب نصر، والمصدر فيهما ركنا وركونا (كفهم ودخول) ، وحكى بعضهم لغة ثالثة وهى ركن يركن (كفتح يفتح) وحكى كراع فيه لغة رابعة وهى ركن يركن (بالكسر في الماضي والضم في المضارع)، واختلف في تجريج اللغتين الثالثة والرابعة: فقيل: هما شاذتان، والرابعة أشذ من الثالثة، ونظيرها فضل يفضل، وحضر يحضر، ونعم ينعم، وقيل في اللغتين الثالثة والرابعة: هما من التداخل بين اللغتين الاولى والثانية اه ملخصا من اللسان مع زيادة (2) قد مضى قولنا في هذه الكلمة (هـ 1 ص 81) ونزيدك ههنا أن من العرب من يقول: طوحه وطح به، وتوهه (بالتضعيف في الكل)، ومنهم من قال: طيحه وتيهه (بالتضعيف أيضا)، فعلى الاول: الكلمتان من الاجوف الواوى، وعلى الثاني هما من الاجوف اليائى، ومنهم من قال: طاح يطوح، وتاه يتوه، وذلك بناء على أنهما من الاجوف الواوى، وأنهما من باب نصر ينصر، وهو ظاهر، ومنهم من قال: طاح يصيح، وتاه يتيه، فان اعترتهما من الاجوف اليائى فأمرهما ظاهر وهما من باب ضرب يضرب، وإن اعتبرتهما من الاجوف الواوى فهما محل خلاف في التخريج بين العلماء: فقال سيبويه: هما من باب فعل يفعل (بالكسر فيهما) ولم يجز عنده أن يكونا من باب ضرب يضرب، لانه لا يكون في بنات الواو، كراهية الالتباس ببنات الياء، كما لا يكون باب نصر ينصر في بنات
الياء، كراهية الالتباس ببنات الواو، فأصل طاح وتاه وتوه (كفرح) تحركت الواو فيهما وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وأصل يطيح ويتيه يطوح ويتوه (كيضر) نقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها ثم قلبت الواو ياء لسكونها أثر كسرة، وقال غير سيبويه: الكلمتان من باب ضرب فهما بهذا الاعتبار شاذتان، ووجه الشذوذ فيه أن الاجوف الواوى من باب فعل المفتوح العين (*)
يَجِدُ ضَعيفٌ، وَلَزِمُوا الضَّمَّ في الْمُضَاعَفِ الْمُتَعَدِّي نَحْوُ يَشُدُّهُ وَيَمُدُّةُ (1) وجاء في الْكَسْرُ في يَشِدُّهُ وَيَعِلُّهُ (2) وَيَنِمُّهُ وَيَبِتُّهُ، وَلَزِمُوهُ في حَبَّهُ يَحِبُّهُ وهو قليل (3) "
لا يكون مضارعه الا مضمونا، وقول المؤلف " أو من التداخل " سيأتي ما فيه في كلام الشارح (وانظر ص 127)(1) اعلم أن المد يجئ متعديا بمعنى الجذب، نحو مددت الحبل أمده، والبسط نحو قوله تعالى:(والارض مددناها) وطموح البصر إلى الشئ، لانه قوله تعالى:(ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم) ، وبمعنى الامهال، ومنه قوله تعالى:(ويمدهم في طغيانهم يعمهون) ، ويجئ لازما بمعنى السيل أو ارتفاع النهار أو كثرة الماء، تقول: مد النهر، إذا سال، وتقول: مد النهار، إذا ارتفع، وتقول: إذا ارتفع أيضا، وظاهر كتب اللغة أنه في كل هذه المعاني من باب نصر، فأما المتعدى فقد جاء على القياس فيه، وأما اللازم فهو حينئذ شاذ (2) العلل (بفتحتين) والعل بالادغام: الشرب بعد الشرب، ويسمى الشرب الاول نهلا، وقد ورد فعل هذا متعديا ولازما، وورد كل من المتعدى واللازم من بابى نصر وضرب: أما مجئ المعتدى كنصر، ومجئ اللازم كضرب فهو القياسي، وأما العكس فيهما فشاذ، وقد جاء هذا الفعل من العلة بمعنى مرض لازما، ولم يسمع فيه الا كسر المضارع على القياس (3) الكثير في الاستعمال أجبته أحبه فأنا محب إياه على مثال أكرمته
أكرمه فأنا مكرمه، والكثير في اسم المفعول محبوب، وقد جاء المحب قليلا في الشعر نحو قول عنترة: - ولقد نزلت، فلا تظنى غيره، * * منى بمنزلة المحب المكرم وقد جاء حبه يحبه (ثلاثيا)، وقد استعمل اللغتين جميعا غيلان بن شجاع النهشلي في قوله: - أحب أبا مروان من أجل تمره * * وأعلم أن الجار بالجار أرفق (*)
أقول: اعلم أن أهل التصريف قالوا: إن فعلَ يفعَل - بفتح العين فيهما - فرع على فَعَل يفعل أو يفعُل - بضمها أو كسرها في المضارع -، وذلك لأنهم لما رأوا هذا الفتح لا يجئ إلا مع حرف الحلق، ووجدوا في حرف الحلق معنىً مقتضياً لفتح عين مضارع الماضي المفتوح عينه، كما يجئ، غلب على ظنهم أنها علة له، ولما لم يثبت هذا الفتح إلا مع حرف الحلق غلب على ظنهم أنه لا مقتضِيَ له غيرها، إذ لو كان لثبت الفتح بدون حرف الحلق، فغلب على ظنهم أن الفتح ليس شيئاً مطلقاً غير معلل بشئ، كالكسر والضم، إذ لو كان كذلك لجاء مطلقاً بلا حرف حلق أيضا كما يجئ الضم والكسر، وقَوَّى هذا الظن نحو قولهم وَهَبَ يَهَبُ وَوَضَعَ يَضَعُ وَوَقَعَ يَقَعُ، لأنه تمد لهم أن الواو لا تحذف إلا في المضارع المكسور العين، فحكموا أن كل فتح في عين مضارع فعَل المفتوح العين لأجل حرف الحلق، ولولاها لكانت إما مكسورة أو مضمومة فقالوا: قياس مضارع فَعَل المفتوح عينه إما الضم أو الكسر، وتعدَّى بعض النحاة - وهو أبو زيد - هذا، وقال: كلاهما قياس، وليس أحدهما أولى به من الآخر، إلا أنه ربما يكثير أحدهما في عادة ألفاظ الناس حتى يُطْرَح الاخر
فأقسم لولا تمره ماحببته * * وكان عياض منه أدنى ومشرق قال الجوهري: " وحبه يحبه بالكسر فهو محبوب شاذ، لانه لا يأتي في
المضاعف يفعل بالكسر إلا ويشركه يفعل بالضم ما خلا هذا الحرف " اه لكن ذكر أبو حيان أنه سمع فيه الضم أيضا، فيكون فيه وجهان، وعلى هذا لا يتم قول المؤلف ولزموه في حبه يحبه، ولا تعليل الجوهري شذوذه بعدم مجئ الضم فيه، ولو أنه علل الشذوذ بما هو علته على الحقيقة - وذلك أن القياس المضعف المتعدى (*)
ويقبح استعماله، فإن عَرِف الاستعمال فذاك، وإلا اسْتُعْمِلا معاً، وليس على المستعمل شئ، وقال بعضهم: بل القياس الكسر، لأنه أكثر، وأيضاً هو أخف من الضم وبعد، فاعلم أنهم استعملوا اللغتين في ألفاظ كثيرة كعرَش يعرُِشُ، ونفرَ ينفُِرُ، وشتَمَ يَشْتُِمُ، ونَسَلَ يَنْسُِلُ، وعَلُِفَ يعلِفُ، وفَسقَ يفسَِقُ، وحسدَ يَحسُِدُ ويلمُِزِ، ويعتُِلِ، وَيَطمُِثُ، ويقتُِرُ، وغير ذلك مما يطول ذكره وفي الأفعال ما يلزم مضارعه في الاستعمال إما الضم وإما الكسر، وذلك إما سماعي أو قياسي، فالسماعي الضم في قتَل يَقْتُلُ، ونصرَ يَنْصُرُ، وخرجَ يخرُجُ، مما يكثر، والكسر في ضَرَب يضرِبُ، ويعتِب (1) ، وغير ذلك مما لا يحصى، والقياسي كلزوم الضم في الأجوف والناقص الواويين، والكسر فيهما يائيين وفي المثال اليائى (2) كما يجئ، ومن القاسي الضم في باب الغلبة، كما مر.
ثم نقول: إنما ناسب حرف الحلق - عينا كان أولاما - أن يكون عين المضارع معها مفتوحاً لأن الحركة في الحقيقة بعض حروف المد بعد الحرف المتحرك بلا فصل، فمعنى فتح الحرف الاتيان ببعض الالف عقيبها، وضمها الاتيان ببعض الواو عقيبها، وكسْرِها الإتيان ببعض الياء بعدها، ومن شدَّة تعقُّب أبعاض هذه الحروف الحرف
ظاهر عبارة المؤلف أن هذا الفعل لم يرد إلا من باب ضرب، وقد نص
في المصباح على أنك تقول: " عتب عليه عتبا من بابى ضرب وقتل، ومعتبا أيضا إذا لامه في تسخطه " ومثله في القاموس واللسان (2) لا وجه لتخصيص المؤلف المثال باليائى لانه سيأتي له أن يبين علة اختصاص المثال مطلقا بباب ضرب، على أن أمثلة المثال الواوى التى وردت من باب ضرب أضعاف أمثلة المثال اليائى منه (*)
المتحرك التبس الأمر على بعض الناس فظنوا أن الحركة على الحرف، وبعضهم تجاوز ذلك وقال: هي قبل الحرف، وكلاهما وهم، وإذا تأملت أحسست بكونها بعده، ألا ترى أنك لا تجد فرقاً في المسموع بين قولك الْغَزْوْ - بإسكان الزاي والواو - وبين قولك الْغَزُ - بحذف الواو وضم الزاي - وكذا قولك الرَّمْيْ - بإسكان الميم والياء - وَالرَّمِ - بحذف الياء وكسر الميم - وذلك لأنك إذا أسكنت حرف العلة بلا مد ولا اعتماد عليه صار بعض ذلك الحرف فيكون عين الحركة إذ هي أيضاً بعض الحرف، كما قلنا، ثم إن حروف الحلق سافلة في الحلق يتعسر النطق بها، فأرادوا أن يكون قبلها إن كانت لاماً الفتحة التي هي جزء الألف التي هي أخف الحروف، فتعدل خفها ثقلها، وأيضاً فالألف من حروف الحلق أيضاً فيكون قبلها جزء من حرف من حَيِّزها، وكذا أرادوا أن يكون بعد حرف الحلق بلا فصل إن كانت عينان الفتحة الجامعد للوصفين، فجعلوا الفتحة قبل الحلقي إن كان لاماً، وبعده إن كان عيناً، ليسهل النطق بحروف الحلق الصعبة، ولم يفعلوا ذلك إذا كان الفاء حلقياً: إما لأن الفاء في المضارع ساكنة فهى ضعيفة بالسكون (ميتة) ، وإما لأن فتحة العين إذن تبعد من الفاء، لأن الفتحة تكون بعد العين التي بعد الفاء، وليس تغيير حرف الحلق من الضم أو الكسر إلى الفتح بِضَرْبَةِ لَازِبٍ، بل هو أمر استحساني، فلذلك جاء بَرَأَ يَبْرُؤُ (1) ، وَهَنَأَ يَهْنِئُ، وغير ذلك، وهي لا تؤثر في فتح ما يلزمه وزن واحد
(1) الذى جاء من باب نصر هو برأ المريض، وقد جاء فيه لغات أخرى إحداها من باب نفع، والثانية من باب كرم، والثالثة من باب فرح، وأما برأ الله الخلق (أي خلقهم) فلم يأت إلا من باب جعل.
قال الازهرى: " ولم نجد فيما لامه همزة فعلت أفعل (من باب نصر ينصر) .
وقد استقصى العلماء باللغة هذا فلم يجدوه إلا في هذا الحرف (يريد برأ المريض يبرؤ) ، ثم ذكر قرأت أقرؤ، (*)
مطرد، فلذلك لا تفتح عين مضارع فعُل يفعُل - بضم العين - نحو وضؤ (1) يوضؤ، ولا في ذوات الزوائد مبنية للفاعل أو للمفعول، نحو أَبْرَأَ يبرئ (2) ، واستبرأ يستبرئ (3) وَأُبْرَئَ وَاسْتُبْرِئَ، وذلك لكراهتهم خَرمَ قاعدة مُمَهَّدة، وإنما جاز في مضارع فعل لانه لم يلزم هذا المضارع ضم أو كسر، بل كان يجئ تارة مضموم العين، وتارة مكسورها، فلم يستنكر أيضا أن يجئ شئ منه يخالفهما، وهو الفتح، ولما جاء في مضارع فَعِلَ - بالكسر - مع يفعِل - بالكسر - يفعَل - بالفتح - وهو الاكثر، كما يجئ، جَوَّزوا تغيير بعض المكسور إلى الفتح لأجل حرف الحلق، وذلك في حرفين وَسِعَ يَسَع (4) وَوَطِئَ يطأ، دون ورع يرع يَلِهُ وَوَهِلَ يَهِلُ وَوَغِرَ يَغِرُ وَوَحِرَ يَحِرُ (5) ، وإيما
وهنأت الابل أهنوها، إذا طليتها بالهناء - وهو ضرب من القطران -، وقد جاء فيه يهنئها ويهنؤها (من بابى ضرب ونفع) ، وجاء هنأنز الطعام يهنئني ويهنؤني (من بابى ضرب ونفع أيضا) ، إذا أتاك بغير تعب ولا مشقة.
(1)
تقول وضؤ يوضؤ وضاءة، إذا صار وضيئا، والوضاءة: الحسن والنظافة (2) تقول: أبرأنه من كذا، وبرأته أيضا (بالتضعيف)، إذا خلصته (3) الاستبراء: الاستنقاء (أي طلب النقاء والبراءة)، والاستبراء أيضا: ألا يطا اجرية؟ ؟ ؟ حتى تحيض عنده حيضة (4) السعة: نقيض الضيق، وقد وسعه يسعه ويسعه (بفتح السين وكسرها) :
وكسر السين في المضارع قليل في الاستعمال مع أنه الاصل، فأصل الفعل بكسر العين في الماضي والمضارع، وإنما فتحها في المضارع حرف الحلق، والدليل على أن أصلها الكسر حذف الواو، ولو كانت مفتوحة العين في الاصل لثبتت الواو وصحت أو قلبت ألفا على لغة من يقول ياجل.
وتقول: وطئ الشئ يطؤه وطئا، إذا داسه، قال سيبويه:" أما وطئ يطأ فمثل ورم يرم ولكنهم فتحوا يفعل وأصله الكسر كما قالوا قرأ يقرأ " اه (5) الورع: التحرج والتقى، وقد ورع يرع ويورع (كيضرب ويفتح) ورعا (*)
لم يغير ماضي فَعُلَ يَفْعُلُ، نحو وَضُؤَ يَوْضُؤ، لأنه لو فتح لم يعرف بضم المضارع أن ماضيه كان في الأصل مضموم العين، لأن ماضي مضموم العين يكون مضموم العين ومفتوحها، وكلاهما أصل، بخلاف مضارع فَعَل، فإن الفتح في عين الماضي يرشد إلى أن عين المضارع إما مكسورة أو مضمومة، كما تَقَرَّرَ قبل، فيعلم بفتح عين الماضي فرعية فتح عين المضارع، واما فتحة عين يَسَع ويَطَأ فلا يلتبس بالأصلية في نحو يَحْمَد ويَرهَب، وإن كان فتح عين مضارع فَعِلَ - بكسرها - أكثر من الكسر، لأن سقوط الواو فيهما يرشد إلى كونهما فرعا للكسرة، وإنما لم تغير لحرف الحلق عين فَعِل المكسور العين إلى الفتح نحو سَئِمَ، لأن يَفْعَلُ في مضارع فعل المفتوح العين فرع كما ذكرنا، وفَعُلَ المضموم العين لا يجئ مضارعه مفتوحها، فماضي يَفْعَل المفتوح العين إذن يكون مكسورها مطرداً، وقد ذكرنا أن كل ما اطرد فيه غير الفتح لا يُغَيَّر ذلك كراهةً لخرم القاعدة كما في أُبرئ وَيَسْتَبْرئُ، وأيضاً كان يلتبس بفَعَل يَفْعَل المفتوح الماضي المغير مضارعه لحرف الحلق
ورعة (بكسر الراء) وورعا (بسكون الراء) وفيه لغة أخرى من باب كرم وروعا
ووراعة.
والوله: ذهاب العقل من الحزن ومن السرور، وفعله وله يله ويوله (بالكسر والفتح في المضارع) وفيه لغة أخرى كوعد يعد.
والوهل: الضعف والفزع، والذى يؤخذ من القاموس واللسان أن وهل قد جاء من باب علم يعلم ومن باب ضرب يضرب، وليس فيهما لغة في هذا الفعل كوثق يثق، وهى التى حكاها المؤلف.
والوغر: الحقد والغيظ، والذى في القاموس واللسان أن فعله قد جاء من باب علم يعلم كوجل يوجل، ومن باب ضرب كوعد يعد، وليس فيهما اللغة التى حكاها المؤلف.
والوحر: بمعنى الوغر، وفعله وحر يحر ويوحر (بكسر العين في الماضي وفتحها وكسرها في المضارع) ، فالتى ذكرها المؤلف إحدى اللغتين في هذه الكلمة (*)
ثم إن الحروف التي من مخرج الواو، كالباء والميم، من ضَرَبَ يَضْرِبُ وصَبَرَ يَصْبِرُ ونَسَم (1) يَنْسِمُ وحَمَلَ يَحْمِلُ، لا تُغيِّر كسر العين إلى الضم الذي هو من مخرج الواو، وكذا الحروف التي من مخرج الياء، كالجيم والشين، في شَجَبَ يَشْجُب وَمَجَنَ يَمْجُنُ وَمَشَقَ (2) يَمْشُق، لا تُحَوَّل ضم العين إلى الكسر الذي هو من مخرج الياء، كما فعل حرف الحلق بالضمة والكسرة، على ما تقدم، لأن موضعي الواو والياء بمنزلة حيز واحد، لتقارب ما بينهما واجتماعهما في الارتفاع عن الحلق، فكأن الحروف المرتفعة كلها من حيز واحد، بخلاف المُسْتَفِلة - أي: الحلقية - وأيضاً فتحنا هناك لتعديل ثقل الحلقية بخفة الفتحة
(1) نسمت الريح تنسم - من باب ضرب - نسما ونسيما ونسمانا هبت ضعيفة، ونسم البعير بخفه: ضرب، ونسم الشئ - كضرب وعلم -: تغير (2) الواو والباء والميم مخرجها من الشفتين، والياء والجيم والشين مخرجها من بين وسط اللسان ووسط الحنك الاعلى، وحديث المخارج الذى ذكره المؤلف ههنا
يقصد به دفع اعتراض يرد على قوله فيما سبق: " وأيضاً فالألف من حروف الحلق أيضاً، فيكون قبلها جزء من حرف من حيزها " وحاصله أنه إذا كان فتح العين فيما إذا كانت هي واللام حرفا من حروف الحلق سببه أن الفتحة جزء من الالف التى هي من حروف الحلق قصدا إلى التجانس بين حرف الحلق والحركة التى قبله أو بعده بلا فصل ة فان اطراد العلة يقتضى ضم العين في المضارع الذى تكون عينه أو لامه من مخرج الواو كالباء والميم كما يقتضى كسر عين المضارع الذى تكون عينه أو لامه من مخرج الياء كالجيم والشين، فأجاب المؤلف بهذا الذي ذكره.
وتقول: مجن يمجن - كنصر - مجونا ومجانه ومجنا (بالضم)، إذا كان لا يبالى قولا أو فعلا وتقول: شجب يشجب - كقعد - شجوبا، وشجب يشجب - كفرح - شجبا (بفتحتين) إذا حزن أو هلك، وتقول: شجبه الله يشجبه - كنصره - أي: أهلكه والمشق: السرعة في الطعن والضرب، والاكل، وفى الكتابة مد حروفها، وفعله من باب نصر (*)
قوله " غير ألف " أي: أن فعل يفعل المفتوح عيهما لا يجئ بكون العين ألفاً، نحو: قال يَقَال، مثلاً، أو يكون اللام ألفاً، نحو: رَمَى يَرْمَى، لأن الألف لا يكون في موضع عين يَفْعَل ولا لامه إلا بعد كون العين مفتوحة، كما في يَهَاب وَيَرْضَى، فإذا كانت الفتحة ثابتة قبل الألف وهي سبب حصول الألف فكيف يكون الألف سبب حصول الفتحة؟ ! ! " وشذ أبى يأبى " قال بعضهم: إنما ذلك لأن الألف حلقية، وليس بشئ لما ذكرنا أن الفتحة سبب الألف فكيف يكون الألف سببها؟ قال سيبويه:" ولا نعلم إلا هذا (1) الحرف "، وذكر أبو عبيدة جَبَوْتُ الخراج (2) أجبى،
(1) لعلك تقول: كيف يذكر عن سيبويه أنه لا يعلم كلمة قد جاءت على فعل
يفعل - كنفع يفنع - ولامها ألف وليست عينها حرفا من حروف الحلق إلا أبى يأبى، ثم يذكر عنه بعد ذلك أفعالا أخرى، من هذه البابة، فنقول لك: إنه لا تنافى، لان سيبويه رحمه الله قد ذكر كل هذه الافعال التى نقلها عنه المؤلف، إلا أنه احتج لابي يأبى وخرجه، ولم يحتج لسائر الافعال، لان الاول روى كذلك عن العرب كافة، وأما غيره فلم يثبت عنده إلا من وجيه ضعيف، فلهذا أمسك عن الاحتجاج له.
انظر الكتاب (ج 2 ص 254) .
قال أبو سعيد السيرافي: " يدل كلام سيبويه على أنه ذهب في أبى يأبى إلى أنهم فتحوا من أجل تشبيه ما الهمزة فيه أولى بما الهمزة فيه أخيرة " اه.
قال ابن سيده: " إن قوما ما قالوا في الماضي أبى - بكسر العين - فيأبى بفتحها على لغتهم جار على القياس، كنسى ينسى " اه.
قال ابن جنى: وقد قالوا أبى يأبى - كضرب يضرب - وأنشد أبو زيد يا إبلى ماذامه فتأبيه * * ماء رواء ونصى حوليه انتهى كلام ابن جنى.
وأنت خبير أنه على ما حكاه ابن سيده من مجئ أبى من باب علم، وما حكاه ابن جنى من مجيئه من باب ضرب يجوز أن يكون قولهم: أبى يأبى - بالفتح فيهما - من باب تداخل اللغتين (2) الذى في القاموس أن " جبى " قد جاء واويا ويائيا، وأنه في الحالين (*)
وَأَجْبُو هو المشهور، وحكى سيبويه أيضاً قَلَى يَقْلَى، والمشهورُ يَقْلِي بالكسر، وحكى هو وأبو عبيدة عضضت تعض، والمشهور عضضت بالكسر، وحكى غيرُ سيبويه رَكَنَ يَرْكَنُ وزَكَنَ يَزْكَنُ، من الزَّكَن (1) ، وزَكِنَ بالكسر أشهرُ، وحكى أيضاً غَسَا الليلُ - أي: أظلم - يَغْسَى، وشَجَا يَشْجَى، وعَثا (2) يَعْثَى، وسَلَا يَسْلَا، وقَنَط يَقْنَط، ويجوز أن يكون غسَا وَشَجَا وَعَثَا وسَلَا طائيةً كما في قوله: -
*
…
بُنَتْ عَلَى الكريم (3) *
من باب سعى ورمى، ولم يذكر " يجبو " في الواوى، فإذا صح نقله فيهما كان مجئ الواوى من باب رمى شاذا كما أن مجيئه فيهما من باب سعى شاذ، وقال في اللسان:" جبا الخراج يجباه ويجبيه: جمعه، وجباه يجباه مما جاء نادرا مثل أبى يأبى، وذلك أنهم شبهوا الالف في آخره بالهمزة في قرأ يقرأ وهدأ يهدأ " اه فليس فيه يجبوه أيضا، فيجبوه غير معروف في كتب اللغة التى أيدينا وإن كان هو القياس، ثم اطلعنا بعد ذلك على قول ابن سيده في لمخصص (ج 14 ص 211) :" وقد حكى أبو زيد في كتاب المصادر جبوت الخراج أجباه وأجبوه " اه (1) الزكن - بفتحتين - العلم أو الظن أو التفرس، ولم يحك في القاموس فعله إلا من باب فرح (2) عثى: أفسد، وقد جاء على ثلاث لغات كرمى ودعا وأبى، والاخيرة نادرة، وهى محل الكلام، وقد حكيت هذه اللغات الثلاث في غسى الليل أيضا.
وأما سلى فقد حكى فيه ثلاث لغات كدعا ورضى ورمى، ولم يذكروه كسعى، وهو الذى ذكره المؤلف.
وأما شجا، فقد حكوه متعديا كدعا ولازما كفرح ولم يذكروه كسعى: فأن صح ما ذكره المؤلف جاز أن يكون من باب التداخل وأن يكون على لغة طئ (3) هذه قطعة من بيت من بحر المنسرح وهو بتمامه: (*)
لأنه جاء عَثِيَ يَعْثَى وَغَسِيَ يَغْسَى وَشَجِيَ يَشْجَى وَسَلِيَ يَسْلَى وأما قلى فلغة ضعيفة عامرية، والمشهور كسر مضارعه، وحكى بعضهم قَلِيَ يَقْلَى - كتعب يتعب - فيمكن أن يكون متداخلاً، وأن يكون طائياً، لأنهم يجوزون قلب الياء ألفاً في كل ما آخره ياء مفتوحة فتحةً غير إعرابية مكسورٌ ما قبلها،
نحو بَقَى في بَقِيَ، وَدُعَى في دُعِيَ، ونَاصَاة في ناصِيَةٍ (1) واما زَكَّنَ يَزْكَنُ بالزاي إن ثبت فشاذَّ، وكذا ما قرأ الحسن:(وَيَهْلَكَ الْحَرْثُ) بفتح اللام، وَرَكَنَ يَرْكَنُ كما حكاه أبو عمرو من التداخل، وذلك لأن رَكَنَ يَرْكُنُ - بالفتح في الماضي والضم في المضارع - لغة مشهورة، وقد حكى أبو زيد عن قوم رَكِنَ بالكسر يَرْكَنُ بالفتح، فركب من اللغتين رَكَنَ يَرْكَنُ بفتحهما، وكذا قال الاخفش في قَنَطَ يَقْنط لأن قَنَطَ يقنط كيقعد ويجلس مشهوران، وحكى قَنِطَ يَقْنَط كتعب يتعب قوله " ولزموا الضم في الأجوف بالواو والمنقوص بها "، إنما لزموا الضم فيما ذكر حرصاً على بيان كون الفعل واوياً، لا يائياً، إذ لو قالوا في قال وغزا: يَقُوِلُ ويَغزِوُ، لوجب قلب واو المضارعين ياء لما مر من أن بيان البنية عندهم أهم من الفرق بين الواوي واليائي، فكان يلتبس إذن الواويُّ باليائي في الماضي والمضارع ولهذا بعينه التزموا الكسر في الاجوف والناقص اليائيين، إذ لو قالوا في بَاعَ ورمى:
نستوقد النبل بالحضيض ونصطاد نفوسا بنت على الكرم وهو بيت لرجل من بنى القين بن جسر، والنبل: السهام، ومعنى " نستوقد النبل " نرمى بها رميا شديدا فتخرج النار لشدة رمينا وقوة سواعدنا، والحضيض: الجبل أو قراره وأسفله، وأراد بقوله " نفوسنا بنت على الكرم " أنه إنما يقتل الرؤساء والسادة.
(1)
الناصية: شعر مقدم الرأس (*)
يبيع ويرمى لوجب قلب الياء واواً لبيان البنية، فكان يلتبس بالواويّ اليائيُّ في الماضي والمضارع فإن قلت: أليس الضمة في قُلْتُ والواو في غَزَوْت وغَزَوَا والكسرة في بِعْتُ
والياء في رَمَيْتُ وَرَمَيَا تَفْرِقان في الماضي بين الواوي واليائي؟ ؟ قلت: ذلك في حال التركيب، ونحن نريد الفرق بينهما حال الإفراد فإن قلت: أليس يَلْتَبِسَان في الماضي والمضارع في خَافَ يَخَاف من الخوف وهَابَ يَهَابُ من الْهَيْبَةِ وشَقِيَ يَشْقَى من الشقاوة وَروِي يَرْوَى؟ ؟ قلت: بلى، ولكنهم لم يضمؤا في واويِّ هذا الباب ولم يكسروا في يائيِّه، لأن فَعِل المسكور العين اطرد في الأغلب فتحُ عين مضارعه، ولم ينكسر إلا في لغات قليلة كما يجئ، فلم يقلبه حرفُ العلة عن حاله، بخلاف فَعَلَ بالفتح فإن مضارعه يجئ مضموم العين ومكسورها، فأثر فيه حرف العلة بإلزام عينه حركة يناسبها ذلك الحرف، وهذا كما تقدم من أن حرف الحلق لم يغير كسرة يُنْبئ ويستنبئ لما اطرد فيهما الكسر فأما إن كان لام الأجوف اليائي أو عين الناقص اليائي - حلقياً، نحو شاء يشاء وشاخ يَشِيخُ وَسَعَى يسعى وَبَغَى يَبْغى فلم يلزم كسر عين المضارع فيهِ كما لزم في الصحيح كما رأيت، وكذا إن كان عينُ الناقص الواويِّ حلقيًّا نحو شَأَى يَشْأَى - أي: سبق - ورَغا يرْغُو (1) لم يلزم ضمُّ عين مضارعه كما لزم في الصحيح على ما رأيت، وذلك لأن مراعاة التناسب في نفس الكلمة بفتح العين للحلقي، كما ذكرنا، مساويةٌ للاحتراز من التباس الواوي باليائي، وما عَرَفْتُ أجوفَ واويًّا حلقي اللام من (باب) فَعَلَ يَفْعَلُ بفتحهما، بل الضمُّ في عين المضارع لازم، نحو نَاءَ يَنُوءُ ونَاحَ يَنُوحُ
(1) رغا البعير والناقة يرغوا رغاء: صوت (*)
ولنا أن نعلل لزوم الضم في عين مضارع نحو قَالَ وَغَزَا، ولزومَ الكسر في عين مضارع نحو باع ورَمَى، بأنه لما ثبت الفرق بين الواوي واليائي في مواضي
هذه الأفعال أتبعوا المضارعات إياها في ذلك، وذلك أن ضم قلت وكسر فاء بِعْتُ للتنبيه على الواو والياء، ونحو دَعَوْتُ ودَعَوَا يدل على كون اللام واواً، ونحو رَمَيْتُ وَرَمَيَا يدل على كونها ياء، وأما نحو خِفْتَ تَخَاف وَهِبْتَ تهاب وشَقِيَ يشقى ورَوِي يَرْوَى وطاح يَطِيح عند الخليل (1) فإن أصله عنده طَوِحَ يَطْوِح كحَسِبَ يَحْسِبُ فلما لم يثبت في مواضي هذه الأفعال فرقٌ بين الواوي وَاليائي في موضع من المواضع لم يفرق في مضارعاتها قوله " ومن قال طَوَّحْت وأطْوَح وتَوَّهْت وأَتْوَه " اعلم أنهم قالوا: طوحت - أي: أذهب وحيرت - وطَيَّحْت بمعناه، وكذا تَوَّهْت وتيَّهْت بمعناهما، وهو أطوح منك وأطيح، وأتوه وأتيه، فمن قال طَيَّح وتَيَّه فطاح يطيح وتاه يتيه عنده قياس كباع يبيع، ومن قال طَوَّحَ وأطْوَح منك وتَوَّه وأتْوَه منك فالصحيح كما حكى سيبويه عن الخليل أنهما من باب حَسِبَ يَحْسِبُ فلا يكونان أيضاً شاذين ومثله آن يَئِينُ من الأوان: أي حان يحين (2) ، ولو كان طاح فَعَلَ واوياً كقال
(1) انظر (ص 81، ص 115)(2) قال سيبويه رحمه الله تعالى (ج 2 ص 361) : " وأما طاح يطيح وتاه يتيه فزعم الخليل أنهما فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب وهى من الواو، يدلك على ذلك طوحت وتوهت (بالتضعيف) وهو أطوح منه وأتوه منه، فانما هي فعل يفعل من الواو كما كانت منه فعل يفعل (بفتح عين المضارع) ومن فعل يفعل اعتلتا، ومن قال: طيحت وتيهت، فقد جاء بها على باع يبيع مستقيمة، وإنما دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك منكثرة هذين الحرفين، فلو لم يفعلوا ذلك وجاء على الاصل أدخلت الضمة على الياء والواو، والكسرة عليهما في فعلت (بالضم) وفعلت (بالكسر) ويفعل (بالضم) ويفعل (بالكسر) ففروا من أن يكثر هذا
لوجب أن يقال: طُحْتُ - بضم الطاء - وَيَطُوح، ولم يسمعا، وكذا لم يسمع تُهْتُ ويَتُوه، وقال المصنف " من قال طَوَّح وَتَوَّه فطاح يطيح وتاه يتيه شاذان " بناء على أن الماضي فعل بفتح العين، ووجه الشذوذ فيه أن الأجوف الواوي من باب فعل المفتوح العين لا يكون مضارعه إلا مضمومها وفي بعض نسخ هذا الكتاب " أو من التداخل " وكأنه ملحق وليس من المصنف، وإنما وهم من ألحقه نظراً إلى ما في الصحاح أنه يقال: طَاحَ يَطُوحُ، فيكون اخْذُهُ من طَاحَ يَطُوح الواوي الماضيَ، ومن طاح يطيح اليائي المضارعَ فصار طاح يطيح، والدى ذكره الجوهري من يَطُوح ليس بمسموع (1) ، ولو ثبت طاح يطوح لم يكن طاح يطيح مركباً (2) ، بل كان يطوح كقال يقول وطاح يطيح كباع يبيع، وليس ما قال المصنف من الشذوذ بشئ، إذ لو كان
في كلامهم مع كثرة الياء والواو، فكان الحذف والاسكان أخف عليهم، ومن العرب من يقول: ما أتيهه وتيهت وطيحت، وقال: آن يئين، فهو فعل يفعل (كحسب يحسب) من الاوان وهو الحين " اه (انظر: ص 81، وص 115 من هذا الجزء) (1) لقد تبع الجوهرى في ذلك كثير من أئمة اللغة كالمجد وابن منظور والرازي على أن الجوهرى وحده كاف في إثبات يطوح لانه نقل ما صح عنده من لغة العرب، وهو يقول:" قد أودعت هذا الكتاب ما صح عندي من هذه اللغة " ومن حفظ حجة على من لم يحفظ (2) إن كان غرض المؤلف من هذا الكلام أن التركيب حينئذ لا محوج له، لان الاولى حمل الواوى على باب نصر واليائى على باب ضرب كما هو القياس المطرد في اللغة فهذا كلام مسلم لاشية فيه، وإن كان غرضه أن التركيب حينئذ غير ممكن فلا نسلم له ذلك، لان من الممكن أن نأخذ الماضي من الواوى على لغة من قال
طوح ونأخذ المضارع من اليائى (*)
طاح كقال لقيل طُحْتُ كقلت بضم الفاء، ولم يُسْمَع، والأولى أن لا تحمل الكلمة على الشذوذ ما أمكن قوله " ولم يضُمُّوا في المثال " يعني معتل الفاء الواوي واليائي، فلم يقولوا وَعَدَ يَوْعُد ويَسَرَ يَيْسُرُ، لأن قياس عين مضارع فَعَلَ المفتوح العين على ما تقدم إما الكسر أو الضم، فتركوا الضم استثقالاً لياء يليها أو واو بعدها ضمة، إذ فيه اجتماع الثقلاء، ألا ترى إلى تخفيف بعضهم واو يَوْجَل وياء يَيْأَس بقلبهما ألفاً نحو يَاجَلُ ويَاءَسُ، وإن كان بعدهما فتحة وهي أخف الحركات، فكيف إذا كانت بعدهما ضمة؟ فإن قلت: أو ليس ما فَرُّوا إليه أيضاً ثقيلاً، بدليل حذف الواو (نحو) يَعِدُ وجوباً وحذفِ ياء (نحو) يَيْسِر عند بعضهم، كما يجئ في الإعلال؟ قلت: بلى، ولكن وَيْلٌ أهْوَنُ من ويلين فإن قلت: فإذا كان منتهى أمرهم إلى الحذف للاستخفاف، فهلا بَنَوْا بعضه على يَفْعُل أيضاً بالضم وحذفوا حرف العلة حتى تخف الكلمة كما فعلوا ذلك بالمكسور العين؟ قلت: الحكمةُ تقتضي إذا لم يكن بد من الثقيل أو أثقل منه أن تختار الثقيل على الأثقل، ثم تخفف الثقيل، لا أن تأخذ الأثقل أولاً وتخففه فإن قلت: أو ليس قد قالوا: يَسُرَ يَيْسُرُ (1) من اليُسْر وَوَسُمَ يَوْسُم؟ قلت: إنما بَنَوْهما على هذا الأثقل إذْ لم يكن لفعل المضموم مضارع
(1) قد قالوا: يسر ييسر فهو يسير، إذا قل، وإذا سهل، وبابه كرم، وقالوا أيضا: يسر ييسرا من باب فرح، بالمعنى السابق، وقالوا: يسر الرجل ييسر
من باب ضرب فهو ياسر، إذا لعب الميسر، ومنهم من قال: يسر يسر بحذف الياء التى هي فاء الكلمة في هذا المعنى الاخير (*)
إلا مضموم العين، فكرهوا مخالفة المعتل الفاء لغيره بكسر عنى مضارعة، بخلاف فعل مفتوح العين، فإن قياس مضارعه إما كسر العين أو ضمها على ما تكرر الإشارة إليه، فأثر فيه حرف العلة بإلزام عين مضارعه الكسر.
فإن قلت: فلما ألجئوا في فَعُلَ المضموم العين إلى هذا الاءثقل فهو خففوه بحذف الفاء؟ قلت: تطبيا للفظه بالمعنى، وذلك أن معنى فَعُلَ الغريزة الثابتة والطبيعة اللازمة، فلم يغيروا اللفظ أيضاً عن حاله لما كان مستحقُّ التغيير بالحذف فاء الكلمة وهي بعيدة عن موضع التغيير، إذ حق التغيير في آخر الكلمة أو فميا يجاور الآخر، فلذلك غُير في طَالَ يَطُولُ وَسَرُو يَسْرُو (1) ، وإن كانا من باب فعل أيضاً، وأما وَهَبَ يَهَبُ وَوَضَعَ يَضَعُ وَوَقَعَ يَقَعُ وَوَلَغَ يَلَغ فالأصل (2) فيها كسر عين المضارع، وكذا وَسِعَ يَسَعَ وَوَطِئَ يطأ، فحذف الواو، ثم فتح العين لحرف الْحَلْقِ، وكذا وَدَعَ - أي ترك - يدع والماضي لا يستعمل إلا ضرورة (3)، قال: -
(1) تقول سر ويسرو - ككرم يكرم - وسرا يسرو - كدعا يدعو - وسرى يسرى - كرضى يرضى - إذا كان شريفا ذا مروءة (2) المراد بالاصل هنا الحالة الاولى السابقة على الحذف، وليس المراد به الغالب والكثير (3) قول المؤلف " والماضي لا يستعمل إلا ضرورة " يخالفه قوله في باب الاعلال:" ويدع مثل يسَع، لكنه أميت ماضيه " فان مقتضاه أنه لم يسعمل في نثر ولا نظم
ومقتضى قوله هنا: " لا سيتعمل إلا ضرورة " أنه يستعمل في الشعر، هذا، وقد زاد غير المؤلف أنه لم يستعمل مصدر هذا الفعل ولا اسم فاعله ولا اسم مفعوله وكل ذلك غير صحيح، فقد قرأ عروة بن الزبير، ومجاهد، ومقاتل، وابن أبي عبلة، ويزيد النحوي (وما ودعك ربك وما قلى) بالتخفيف، وجاء في الحديث:(*)
15 -
ليت شعري عن خليلي من الَّذِي * غَالَهُ في الْحُبِّ حَتَّى وَدَعَهْ (1) وحمل يَذَرُ على يَدَعُ لكونه بمعناه (2) ، ولم يستعمل ماضيه لا في السعة ولا في الضرورة
" لينتهين أقوام عن وَدْعِهِمُ الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم " قال ابن الأثير في النهاية: " أي عن تركهم إياها والتخلف عنها، يقال: ودع الشئ يدعه ودعا، إذا تركه، والنحاة يقولون: إن العرب أماتوا ماضي يدع ومصدره واستغنوا عنه بترك، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح، وإنما يحمل قولهم على قلة استعماله، فهو شاذ في الاستعمال فصيح في القياس " اه كلام ابن الاثير.
ومن مجئ اسم الفاعل ما أنشده ابن برى من قول معن بن أوس: عليه شريب لين وادع العصا * يساجلها حماته وتساجله وما أنشده الفارسي في البصريات: فأيهما ما أتبعن فانني * حزين على ترك الذي أنا وادعه وقد استشهد الجوهري على مجئ اسم المفعول من هذا الفعل بقول خفاف ابن ندبة: إذا ما استحمت أرضه من سمائه * جرى وهو مودوع وواعد مصدقى (1) هذا البيت من كلام أبي الاسود الدؤلى، قاله ابن برى، وقال الازهري: إنه لانس بن زنيم الليثي، وأنشد معه بيتا آخر، وهو قوله:
لا يكن برقك برقا خلبا * إن خير البرق ما الغيث معه والشاهد فيه مجئ ودع ماضيا مخففا، ومثله قول سويد بن أبي كاهل اليشكري: سل أميري ما الذي غيره * عن وصالي اليوم حتى ودعه وقول الاخر: فسعى مسعاته في قومه * ثم لم يدرك ولا عجزا ودع (2) اعلم أنهم استعملوا الفعل المضارع من هذه المادة فقالوا: يذر، ومنه قوله (*)
فإن قيل: فهلا حذفت الواو من يوعه أوْعَدَ مع أن الضمة أثقل قلت: بل الضمة قبل الواو أخف من الفتحة قبلها للمجانسة التي بينهما وإنما لم تحذف الياء من نحو ييئس إذ هو أخف من الواو، على أن بعض العرب يُجْرِي الياء مجرى الواو في الحذف، وهو قليل، فيقول: يَسَرَ يَسِرُ وَيَئِسَ يئس بحذب الياء قوله " ووَجَدَ يَجُدُ ضعيف " هي لغة بني عامر، قال لُبيدُ بن ربيعة العامريِّ: - 16 - لَوْ شئت قد نقع الفؤاد بشربة * تدع الصوادي لا يجدن غليلا (1)
تعالى (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) واستعملوا منه الامر فقالوا: ذر، ومنه قوله تعالى (ذرني ومن خلقت وحيدا) وقوله (ذرني والمكذبين) ولم يستعملوا منه اسم فاعل ولا اسم مفعول ولا مصدرا ولا فعلا ماضيا، وهذا المضارع المسموع قد ورد بالفتح، إلا ما حكى عن بعضهم من قوله:" لم أذر ورائي شيئا "، ومقتضى القواعد المقررة أن يكون ماضى هذا الفعل المقرر مكسور العين، فيكون فتح عين مضارعه هو الاصل والقياس، وحينئذ فيسأل عن علة حذف الواو، إذ كان المعروف أنها لا تحذف إلا بين الياء والكسرة حقيقة أو تقديرا، وجواب هذا هو الذى عناه المؤلف بقوله: حمل على يدع، يريد أنه
حمل عليه في حذف الواو لكونه بمعناه، إذ ليس فيه نفسه ما يقتضى حذفها، ويمكن أن يقدر أن الماضي مفتوح العين، فيكون قياس المضارع كسر العين، لان المثال الواوي المفتوح العين في الماضي لا يكون إلا من باب ضرب، فيكون حذف الواو جاريا على القياس، لانها وقعت بين ياء مفتوحة وكسرة أصلية، ويسأل حينئذ عن سر فتح العين في المضارع مع أنه ليس فيه ما يقتضى الفتح فيجاب بأنه حمل على يدع في فتح العين لكونه بمعناه، وفي يدع موجب الفتح وهو حرف الحلق، وهذا يماثل ما قال بعضهم في أبى يأبى: إنه فتحت عينه حملا له على منع يمنع لانه بمعناه (1) تبع المؤلف الجوهري في نسبة هذا البيت للبيد.
قال ابن برى في حواشيه (*)
يجوز أن يكون أيضاً في الأصل عندهم مكسور العين كأخواته، ثم ضم بعد
على الصحاح: " الشعر لجرير وليس للبيد كما زعم "، وكذا نسبه الصاغانى في العباب لجرير، وقد رجعنا إلى ديوان جرير فألفيناه فيه، وقبله وهو أول قصيدة يهجو فيها الفرزدق: لم أر قبلك يا أمام خليلا * أنأى بحاجتنا وأحسن قيلا واستشهد المؤلف بالبيت على أن الضم في مضارع وجد لغة ضعيفة خاصة ببني عامر، ووجه ضعفها أنها جارجة عن القياس والاستعمال، إذ القياس ألا تحذف فاء المثال إذا كانت واوا إلا من المضارع المكسور العين، والاستعمال الغالب في هذه الكلمة الكسر، قال الله تعالى (فان لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم)(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) فيكون الضم شاذا قاسا؟ ؟ ؟ واستعمالا، ثم إن ابن مالك ذهب في التسهيل إلى أن لغة بنى عامر ليس مقصورة على يجد، بل هي عامة في كل ما فاؤه واو من المثال: أي أنهم يحذفون الفاء ويضمون العين في كل مثال واوي على فعل (بفتح العين) فيقولون في وكل: يكل، وفي ولد: يلد، وفى وعد: يعد، وهكذا، وهذا القول الذي قاله ابن مالك مخالف لما ذهب إليه فحول النحويين، قال السيرافي: " إن بني عامر يقولون ذلك في يجد من الموجدة والوجدان، وهم في غير
يجد كغيرهم " وكذا قال صاحب الصحاح، وقال ابن جنى في سر الصناعة: " ضم الجيم من يجد لغة شاذة غير معتد بها لضعفها وعدم نظيرها ومخالفتها ما عليه الكافة فيما هو بخلاف وضعها " اهـ وقال الرازي في المختار: " ويجد بالضم لغة عامرية لا نظير لها في باب المثال " اه وقال ابن عصفور: " وشذ من فعل الذي فاؤه واو لفظة واحدة فجاءت بالضم وهي: وجد يجد، قال: وأصله يوجد (بالكسر) فحذفت الواو لكون الضمة هنا شاذة والاصل الكسر " اه، وقال ابن جنى في شرح تصريف المازني: " فأما قول الشاعر: لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة * تدع الحوائم لا يجدن غليلا فشاذ، والضمة عارضة، ولذلك حذفت الفاء، كما حذفت في يقع ويدع، وإن كانت الفتحة هناك، لان الكسر هو الاصل، وإنما الفتح عارض " اه (*)
حذف الواو، ويجوز أن يكون ضمُّه أصلياً حذف منه الواو لكون الكلمة بالضمة بعد الواو أثقل منها بالكسرة بعدها قوله " ولزموا الضم في المضاعف المتعدي " نحو مَدَّ يَمُدُّ، ورَدَّ يَرُدُّ، إلا أحرفا جاءت على يَفْعِلُ أيضاً، حكى المبرد عَلَّهُ يَعِله وهَرَّه يَهُِرُّهُ: أي كرهه، وروى غيره نَمَّ الحديث يَنِمُّه، وَبَتَّهُ يَبِتُّهُ، وشَدَّهُ يَشُِدُّهُ: وجاء في بعض اللغات: حَبَّهُ يَحِبُّه، ولم يجئ في مضارعه الضم وما كان لازماً فإنه يأتي على يَفْعِل بالكسر، نحو عَفَّ يَعِفُّ، وكَلَّ يَكِلُّ - إلا ما شذَّ من عّضَضْتَ تَعَضُّ على ما ذكرنا، وحكى يونس أنهم قالوا: كَعَعْتَ - أي: جبنت - تَكَعُّ بالفتح فيهما (1) وتَكِعُّ بالكسر أشهر، فمن فتح فلأجل حرف الحلق، قال سيبيويه: لما كان العين في الأغلب ساكناً بالإدغام لم يؤثر فيه حرف الحلق كما أثر في صَنَعَ يَصْنَع.
ومن فَتَحَ فلأنها قد تتحرك في
لغة أهل الحجاز، نحو: لَمْ يَكْعَعْ وفي يَكْعَعْنَ اتفاقاً كيَصْنَعُ ويصنعن قال: " وَأِنْ كَانَ عَلَى فَعِل فُتِحَتْ عَيْنُهُ أوْ كُسِرَتْ إنْ كَانَ مِثَالاً، وَطَيِّئٌ تَقُولُ في باب بَقَى يَبْقَى، وَأَمَّا فَضِلَ يَفْضُلُ وَنَعِمَ يَنْعُمُ فمن التداخل "
وظاهر كلام ابن جنى وابن عصفور أن الشذوذ في يجد من جهة ضم العين لا من جهد حذف الفاء لان العين على كلامهما مكسورة في الاصل فيتحقق مقتضى الحذف، فيكون قياسيا، ويجوز كما قال المؤلف أن تكون الضمة أصلية لا عارضة، فيكون الشذوذ في حذف الفاء، ورواية الكسر التى حكاها السيرافي في هذا البيت لا ترد هذا الاحتمال كما زعم البغدادي في شرح الشواهد (1) هذه لغة حكاها يونس، وحكى غيره في هذا اللفظ ثلاث لغات أخرى: إحداها كنصر، والثانية كضرب، والثالثة كعلم، وقد أشار المؤلف إلى الثانية (*)
أقول: اعلم أن القياس في مضارع فَعِلَ المكسور العين (1) فَتْحُهَا، وجاءت أربعة أفعال من غير المثال الواوي، يجوز فيها الفتح والكسر، والفتح أقيس، وهي حَسِبَ يَحْسَِبُ، ونَعِمَ يَنْعِمُ، ويَئِسَ يَيْئَِسُ، ويَبِسَ يَيْبَِسُ، وقد جاءت أفعال من المثال الواوي لم يرد في مضارعها الفتح، وهي وَرِثَ يرث، ووثيق يَثِقُ، وَوَمِقَ يَمِقُ، وَوَفِقَ يَفِقُ، ووَرِمَ يَرِمُ، وَوَلِيَ يَلِي، وجاء كلمتان رُوِي في مضارعهما الفتح، وهما: وَرَي الزَّند يَرِي، وَوَبِقَ يَبِقُ، وإنما بَنَوْا هذه الأفعال على الكسر ليحصل فيها علة حذف الواو فتسقط، فتخفّ الكلمة، وجاء وَحِر صدره من الغضب، ووغر بمعناه، يَحِر ويَغِر، وَيوْحَر
(1) توضيح المقام وتفصيله أن القياس في مضارع فَعِلَ بالكسر يفعل (بالفتح) ، لانهم أرادوا أن يخالف المضارع الماضي لفظا كما خالفه معنى، ولا تنحصر الالفاظ التي جاءت على القياس من هذا الباب في عدد معين، بل تستطيعان تجزم بأن كل فعل
ثلاثي ماضيه بكسر العين لابد أن يكون مضارعه بفتح العين إلا أفعالا محصورة ستسمع حديثها قريبا، وما جاء بالكسر من هذا الباب فهو شاذ مخالف للقياس، وما جاء بالضم منه فهو متداخل، والذي جاء بالكسر ضربان: ضرب جاء فيه - مع الكسر الذي هو شاذ - الفتح الذي هو القياس، وضرب لم يجئ فيه إلا الكسر الذى هو شاذ، فأما الضرب الاول فأربعة عشر فعلا، خمسة منها من غير المثال الواوى: ذكر المؤلف منها أربعة، والخامس بئس (بالموحدة) يبئس ويبأس، وتسعة من المثال الواوى: ذكر المؤلف منها ثمانية والتاسع وهل يهل ويوهل، وأما الضرب الثاني فتسعة عشر فعلا، ستة عشر منها من المثال الواوي، ذكر المؤلف منها عشرة والباقي هو: وروى المخ يرى: أي سمن، ووجد يجد وجدا: أي أحب، ووعق عليه يعق: أي عجل، وورك يرك وروكا: أي اضطجع، ووكم يكم وكما: أي اعنتم، ووقه له يقه: أي سمع له وأطاع، والثلاثة الباقية من الاجوف الواوي، وهي من هذا الضرب على ما ذهب إليه الخليل، وقد ذكرها المؤلف كلها (وهى طاح وتاه وآن) وأما الضرب الثالث - وهو المضموم في المضارع - فقد ذكر المؤلف منه جملة صالحة (وهي فضل ونعم وحضر ودمت ومت ونكل وبحد) وقد سبق له ذكر ركن (*)
ويَوْغَر أكثر، وجاء وَرِع يَرِع بالكسر على الأكثر، وجاء يَوْرَع، وجاء وَسِعَ يَسَع وَوَطِئ يَطَأَ، والأصل الكسر بدليل حذف الواو لكنهم ألزموهما بعد حذف الواو فتح عين المضارع، وقالوا: جاء وَهِمْتُ أهِمُ، والظاهِر أن أهم مضارع وَهَمْتُ - بفتح العين - ومضارع وهمت بالكسر أو هم بالفتح، ويجوز أن يكون وَهِمْتُ أهِمُ - بكسرهما - من التداخل، وجاء آن يَئِين من الأوان، وطاح يطيح، وتاه يتيه، كما ذكرنا، وجاءَ وَلِهَ يَلِهُ، وَيَوْلَه أكثر، قالوا: وجاء وَعِمَ يَعِمُ، بمعنى نعم يَنْعَم، ومنه عِمْ صَبَاحاً، وقيل: هو من انْعِمْ بحذف النون تشبيهاً
بالواو، فقوله " أَو كسرت إن كان مثالاً " أي: مثالاً واوياً، وليس الكسر بمطرد في كل مثال واوي أيضاً، فما كان ينبغي له هذا الإطلاق، بل ذلك محصور فيما ذكرناه.
قوله " وطئ تقول في باب بَقِيَ يَبْقَى " مضى شرحه قوله " وأما فضل يفضل ونعم ينعم فمن التداخل " المشهورُ فَضَل يَفْضَل، كدخل يدخل، وحكى ابن السكيت فَضِلَ يَفْضَل، كحَذِرَ يَحْذَر، ففَضِلَ يَفْضُل يكون مركبا منها، وكذا نَعِمَ يَنْعُم مركب من نَعِمَ ينْعَمُ كحَذِرَ يَحْذَرُ وهو المشهور، ونَعُمَ يَنْعُم كظرف يظرف، وحكى أبو زيد حَضِرَ يَحْضُر، والمشهور حَضَرَ بالفتح وجاء حرفان (1) من المعتل: دِمْتَ تَدُوم ومِتَّ تَمُوت - بكسر الدال والميم في الماضي - والمشهور ضمهما كقُلْت تقول، وهما مركبان، إذ جاء دِمْتَ تَدَام ومِتَّ تَمَات، كخفت تخاف، قال: -
(1) زاد ابن القطاع على هذين الحرفين حرفين آخرين، وهما: كِدْتَ تَكُود وجِدْتَ تَجُودُ - بكسر أول الماضي فيهما - والاصل فيهما كاد يكود وجاد يجود - مثل قال يقول - وكان يكاد وجاد يجاد - مثل خاف يخاف - فأخذ المضارع من الاولى مع الماضي من الثانية (*)
17 -
بنيتي سيدة البنات * عيشي ولأ نَأْمَنُ أن تَمَاتِي (1) وحكى أبو عبيدة نَكِلَ يَنْكُل، وأنكره الأصمعي، والمشهور (2) نكل يَنْكُلُ، كقتل يقتل، وحُكِيَ نَجِدَ يَنْجُد (3) : أي عرق، ونَجِدَ يَنْجَد كحذر يحذر هو المشهور قال:" وأن كان على فعل ضمت "
(1) لم يتيسر لنا الوقوف على نسبة هذا البيت إلى قائل معين، وقد أنشده الجوهري
في الصحاح، وابن جنى في الخصائص (ح 1 ص 386) ولكنه رواه هكذا بنى يا سيدة الْبَنَاتِ * عِيشِي وَلَا يُؤْمَنُ أنْ تماتى وبنيتي في رواية المؤلف تصغير بنت أضيف الى ياء المتكلم، وهو منادى بحرف نداء محذوف، و " سيدة البنات " جعله بعضهم نعتا للمنادى، وأجاز فيه الرفع والنصب، ويجوز أن يكون بدلا أو عطف بيان أو منادى بحرف نداء محذوف و " عيشي " فعل دعاء، و " تمانى " لغة في تموتين، فقد جاء هذا الفعل من باب نصر، كقال يقول، قال الله تعالى (قل موتوا بغيظكم) ومن باب علم، كخاف يخاف، وقد قرئ في قوله تعالى (ياليتني مت قبل هذا) وفي قوله تعالى (ولئن متم أو قتلتم لالى الله تحشرون) بضم الميم على أنه من اللغة الاولى، وبكسرها على أنه من اللغة الثانية، قال الصاغانى في العباب:" قد مات يموت، ويمات أيضا، وأكثر من يتكلم بهاطئ، وقد تكلم بها سائر العرب " اه وحكى يونس في هذه الكلمة لغة أخرى كباع يبيع (2) في اللسان والقاموس أن هذا الفعل قد جاء كضرب، ونصر، وعلم، فالتركيب من ماضى الثالثة ومضارع الثانية، ولم يذكر التركيب الذى حكاه أبو عبيدة واحد منهما.
(3)
النجد - بفتحتين -: العرق من علم أو كرب أو غيرهما، قال النابغة الذبياني: يظل من خوفه الملاح معتصما * بالخيزرانة بعد الاين والنجد والفعل نجد ينجد - كعلم يعلم - ومقتضى التركيب أن يكون فيه لغة أصلية ثانية (*)
أقول: اعلم أن ضم عين مضارع فَعُل المضموم العين قياسٌ لا ينكسر، إلا في كلمة واحدة، وهي كُدْتَ بالضم تَكَاد، وهو شاذ، والمشهور كدت تكاد خفت تَخَافُ، فإن كَانَ كُدْتَ بالضم كَقُلْتَ فهو شاذ (1) أيضاً، لأن فعل يفعل
بفتحهما لابد أن يكون حلقيَّ العين أو اللام قال: " وإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ كُسِرَ مَا قَبْلَ الآخِرِ، مَا لَمْ يَكُنْ أَوَّلُ مَاضِيهِ تَاءً زَائِدَةً نَحْوُ تَعَلَّمَ وَتَجَاهَلَ فَلَا يُغَيَّر، أَوْ لَمْ تَكُنْ الَّلامُ مكررة،
من باب نصر أو كرم بهذا المعنى، لكن الذى في اللسان والقاموس وكتاب الافعال لابن القوطية أنه قد أتى هذا الفعل بهذا المعنى من باب علم، كما تقدم، ومن باب عنى مبنيا للمجهول، ونص في اللسان على أن المضارع قد جاء كينصر، كما ذكر المؤلف ولم يذكر ما يصح أن يكون ماضيا له، وعلى هذا يكون هذا الفعل شاذا، ليس من باب التداخل.
نعم قد جاء هذا الفعل من باب كرم بمعنى صار ذا نجدة، وجاء متعديا من باب نصر بمعنى أنجده وأعانه، ولكن واحدا من هذين البابين لا يتحقق به التداخل ما دام من شرطه اتحاد المعنى في البابيين اللذين تتركب منهما اللغة الثالثة (1) اعلم أن هذا الفعل قد جاء واويا ويائيا: أما الواوى فقد جاء من باب علم ومن باب نصر، مثل خفت تخاف، وقلت تقول، فتقول في الماضي المسند للضمير: كدت - بكسر الكاف - على الاول - وضمها - على الثاني، وأما اليائى فجاء من باب علم ليس غير، وجاء من باب باع بمعنى آخر، تقول: كاد الرجل الرجل يكيده كيدا: أي دبر له، ومنه قوله تعالى (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا)، وتقول: كادت المرأة تكيد كيدا، إذا حاضت، فأذا علمت هذا تبين لك أن قول العرب: كدت - بضم الكاف - تكاد من باب التداخل، وأن الماضي أخذ من باب نصر والمضارع أخذ من باب علم، كما أن قولهم: كدت - بكسر الكاف - تكود متداخل أيضا، ماضيه من باب علم ومضارعه من باب نصر، فاعتبار المؤلف تبعا لسيبويه كدت - بالضم - تكاد شاذ، سواءا كان من العرب كرم أو نصر، ليس بوجيه، بل هو من التداخل، لانه لا يعدل إلى القول بالشذوذ ما أمكن الحمل على وجه صحيح كما كرر المؤلف نفسه مرارا (*)
نحو احمر واحمار فيدعم، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ أَصْلُ مَضَارِع أَفْعَلَ يُؤَفْعِلُ إلا أَنَّهً رُفِضَ لما يَلْزَمُ مِنْ تَوَالِي الْهَمْزَتَيْنِ في الْمُتَكَلِّمِ فَخُفَّفَ في الْجَمِيع، وَقَوْلُهُ: 18 - * قوله أهل لان يؤ كرما * شَاذٌّ، وَالأَْمْرُ واسْمُ الْفَاعِلِ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ وَأَفْعَلُ التفضيل تقدمت "
(1) هذا بيت من الرجز المشطور أورده الجوهري في الصحاح، ونقله اللسان، ولم نقف على نسبته إلى قائل معين، ولا وقفنا له على سابق أو لاحق، والاستشهاد به في قوله يؤ كرم حيث أبقى الهمزة، فلم يحذفها كما هو القياس في استعمال أمثاله، ولم يخففها بقلبه واوا، وإن لم يكن ذلك القلب واجبا، لعدم الهمزتين.
قال سيبويه (ح 2 ص 330) : " وزعم الخليل أنه كان القياس أن تثبت الهمزة في يفعل ويفعل (ويقصد المضارع المبنى للمعلوم والمبنى للمجهول) وأخواتهما، كما ثبتت التاء في تفعلت وتفاعلت في كل حال، ولكنهم حذفوا الهمزة في باب أفعل من هذا الموضع فاطرد الحذف فيه لان الهمزة تثقل عليهم كما وصفت لك، وكثر هذا في كلامهم فحذفوه.
واجتمعوا على حذفه كما اجتمعوا على حذف كل وترى، وكان هذا أجدر أن يحذف حيث حذف ذلك الذي من نفس الحرف لانه زيادة لحقته زيادة فاجتمع فيه الزيادة وأنه يستثقل وأن له عوضا إذا ذهب، وقد جاء في الشعر حيث اصظر الشاعر، قال الراجز، وهو خطام المجاشعي: * وصاليات ككما يؤثفين * وإنما هو من أثفيت، وقالت ليلى الاخيلية: - * كراة غلام من كساء مؤرنب * انتهى كلامه بحروفه.
وخطام بزنة كتاب، وما أنشده لليلى الاخيلية هو عجز بيت تصف فيه قطاة تدلت على فراخها وفراخها خص الرؤوس (أي: لا ريش عليها)
وصدره: - * تدلت على حص الرؤوس كأنها * (*)
أقول: يعني وإن كان الماضي غيرَ الثلاثيّ المجرد كَسِرَ ما قبل الآخر، في غير ما أوله التاء، لأنه يتغير أوله فيه، سواء كان رباعيًّا، أو ثلاثيًّا مزيداً فيه، أو رباعيًّا كذلك، نحو دحرج يدحرج، وانكسر ينكسر، واحرنجم يحر نجم، وإنما كسر ما قبل الآخر في غير ما في أوله التاء لأنه يتغيَّر أوله في المضارع عما كان عليه في الماضي: إما بسقوط همزة الوصل فيما كانت فيه، وإما بضم الأول، وذلك في الرباعي نحو يُدَحْرِجُ (ويُدخل) ويُقاتل ويُقَطّع، والتغيير مُجَرّئ على التغيير، وأما ما فيه تاء فلم يتغير أوله إلا بزيادة علامة المضارعة التي لا بدَّ منها قوله " أو لم تكن اللام مكررة " كان أولى أن يقول: أو تكن اللام مدغمة، لأن نحو يَسْحَنْكِكُ مكر اللام ولم يدغم (1) قوله " ومن ثم " إشارة إلى قوله قبلُ:" المضارع بزيادة حرف المضارعة على الماضي " وقد مرّ في شرح الكافية (2) في باب المضارع ما يتعلق بهذا الموضع
(1) اسخكك الليل: أي اشتدت ظلمته، واسخكك الشعر فهو مسحنكك: أي اشتد سواده، وقول المؤلف:" كان أولى أن يقول أو تكن اللام مدغمة " ليس بأولى مما ذكره صاحب الاصل، بل العبارتان مشتملتان على قصور، فكما أن عبارة الاصل لا تشمل نحو اسحنكك بسحنكك وجلبب يجلبب واقعنسس يقعنسس، كذلك عبارته التى اختارها لا تشمل نحو عازه يعازه وماده الحبل يماده وشاقه في الامر يشاقه، فأن هذه الكلمات على زنة فاعل، وليس مكررة اللام واللام فيها مدغمة بل هي مدغم فيها، إلا أن يقال: إن عبارته من باب الحذف والايصال، وأصلها " أو تكن اللام مدغما فيها " فحذف حرف الجر وأوصل العامل الى الضمير فاستتر
وهو بعيد، على أن استثناء مكرر اللام أو مدغمها ليس بوجيه، لان حركة ما قبل الاخر قبل الادغام هي الكسر، فالامر فيه جار على الاصل قبل الاستثناء، وتكون القاعدة أن المبدوء بالتاء الزائدة لا يكسر ما قبل آخره، وغيره يكسر ما قبل آخره تحقيقا كيستغفر أو تقديرا كيحمر إلا أن يكون نظرهم إلى ظاهر الامر من غير التفات إلى الاصل (2) قال المؤلف في شرح الكافية: " إنه قد يطرد في الاكثر الحكم الذي (*)
واعلم أن جميع العرب، إلا أهل الحجاز، يُجَوِّزُونَ كسر حرف المضارعة سوى الياء في الثلاثي المبني للفاعل، إذا كان الماضي على فِعل بكسر العين، فيقولون: أنا إعْلَم ونحن نِعْلَم وأنت تِعْلَم، وكذا في المثال والأجوف والناقص والمضاعف، نحو إيجل وإدخال وَإِشْقَى وَإِعَضّ، والكسرة في همزة إخال وحده أكثر وأفصح من الفتح، وإنما كسرت حروف المضارعة تنبيهاً على كسر عين الماضي، ولم يكسر الفاء لهذا المعنى، لأن أصله في المضارع السكون، ولم يكسر العين لئلا يلتبس يفعل المفتوح بيفعل المسكور، فلم يبق إلا كسر حروف المضارعة، ولم يكسر والياء استثقالاً، إلا إذا كان الفاء واواً، نحو ييجل، لاستثقالهم الواو والتي بعد الياء المفتوحة وكرهوا قلب الواو ياء من غير كسرة قبلها، فأجازوا الكسر مع الواو في الياء أيضاً لتخف الكلمة بانقلاب الواو ياء، فأما إذا لم يكسر والياء فبعض العرب يقلب الواو ياء، نحو ييجل، وبعضهم يقلبه ألفاً لأنه إذا كان القلب بلا علة ظاهرة فإلى الألف التي هي الأخف أولى، فكسر الياء لينقلب الواو ياء، لغةُ جميع العرب إلا الحجازيين، وقلبها ياء بلا كسر الياء وقلبها ألفاً لغةُ بعضهم في كل مثال واوي، وهي قليلة.
وجيع العرب إلا أهل الحجاز اتفقوا على جواز كسر حرف المضارعة في أبى، ياء كان أو غيره، لان كسر أوله شاذ، إذ هو حق ما عين ماضيه مكسور، وأبي
مفتوح العين، فجر أهم الشذوذ على شذوذ آخر وهو كسر الياء (1) ، وأيضا فان
ثبتت علته في الاقل، كحذفهم الواو في تعدو أعد ونعد، لحذفهم لها في يعد، وكذا حذفوا الهمزة في يكرم ونكرم، لحذفهم لها في أكرم " (1) " أبى " مفتوح العين، فلم يكن يستحق أن يكسر حرف المضارعة في مضارعه.
إلا أنهم شذوا فيه فكسروا حرف المضارعة الذي يجوز كسره في غيره وهو الالف والنون والتاء، ثم استمرءوا طعم الشذوذ فوق ذلك بكسر الياء من حروف المضارعة أيضا (*)
الهمزة الثقيلة يجوز انقلابها مع كسر ما قبلها ياء فيصير يِيبَى كيِيْجَل (1) وإنما ارتكبوا الشذوذ في جواز كسر أول تَأبَى وَنَأبَى وَآبَى لأن حق ماضيه الكسر لما كان المضارع مفتوح العين، فكأن عين ماضيه مكسور، ولا يمتنع أن يقال: إن أصل ماضيه كان كسر العين لكنه اتفق فيه جميع العرب على لغة طيِّئ في فتحه، ثم جُوِّز كسر حروف المضارعة دلالة على أصل أبَى وكذا كسروا حروف المضارعة مع الياء في حَبَّ فقالوا: إِحِبُّ نِحِبُّ يِحِبُّ تِحِبُّ، وذلك لأن حَبَّ يَحِبُّ كَعَزَّ يَعِزُّ شاذ قليل الاستعمال، والمشهور أحَبَّ يُحِبُّ، وهو أيضاً شاذ من حيث إن فَعَلَ إذا كان مضاعفاً متعدياً فمضارعه مضموم العين، ويَحِبُّ مكسور العين، ففيه شذوذان، والشذوذ يجرئ على الشذوذ، فكسروا أوائل مضارعه ياء كان أو غيره وإن لم يكن ماضيه فعل، وقال غير سيبويه: إن إحب ونحب ويَحِبُّ وتِحِبُّ بكسر حروف المضارعة مضارعاتُ أحَبَّ، وشذوذه لكسر المضموم، كما قالوا في الْمُغِيرة الْمِغِيرَة، وكذا الْمِصْحَف (2) وَالْمِطْرَف (3) في الْمُصْحَف والْمُطْرَف
(4) حاصل هذا أنهم إنما كسروا ياء المضارعة في يأبى، ليتسنى لهم تحفيف
الهمزة بقلبها ياء، لسكونها إثر كسرة فيصير ييبى، وهو أخف من يئبى، لان حرف العلة أخف من غيره، ونقول: لو أن ذلك الذي ذكره المؤلف من غرضهم لكان بقاء الياء مفتوحة أولى من كسرها، وذلك لانهم لو أبقوها مفتوحة لامكنهم أن يقلبو الهمزة ألفا، لسكونها إثر فتحة، فيصير يأبى، والالف أخف حروف العلة (2) قال في اللسان: " المصحف بضم فسكون ففتح - والمصحف - كمنبر: الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين، كأنه أصحف: أي جعل جامعا للصحف المكتوبة بين الدفتين، والفتح فيه لغة، قال أبو عبيد: تميم تكسرها وقيس تضمنها، ولم يذكر من يفتحها ولا أنها تفتح، إنما ذلك عن اللحياني عن الكسائي
…
استثقلت العرب الضمة في حروف فكسرت الميم وأصلها الضم فمن ضم جاء به على أصله ومن كسر فلاستثقاله الضمة اه " (3) قال في اللسان: " المطروف والمطرف - بكسر الميم وضمها مع سكون (*)