المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تصغير الترخيم - شرح شافية ابن الحاجب - الرضي الأستراباذي - جـ ١

[الرضي الأستراباذي]

الفصل: ‌ تصغير الترخيم

وإذا صغرت مبيطرا وميسطرا كان التصغير بلفظ المكبر، لأنك تحذف الياء كما تحذف النون في منطلق، وتجئ بياء التصغير في مكانه، ولو صغرتهما‌

‌ تصغير الترخيم

لقلت: بطير، وسطير قال:" وَتَصْغِيرُ التَّرْخِيمِ أنْ تَحْذِفَ كلَّ الزَّوائِدِ ثُمَّ تُصَغِّرَ كَحُمَيْدِ فِي أَحْمَدَ " أقول: اعلم أن مذهب الفراء أنه لا يصغر تصغير الترخيم إلا العلم، لأن ما أبقى منه دليلٌ على ما ألقى لشهرته، وأجاز البصرية في غير العلم أيضاً، وقد ورد في المثل " عَرَفَ حُمَيْقٌ جَمَله " (1) تصغير أحمق وإذا صغرت مُدَحْرجاً تصغير الترخيم قلت: دُحَيْرج، وما قال بعض العرب في تصغير إبراهيم وإسماعيل - أعني بُرَيْه وسُمَيع - فإما أن يكون جعل الميم واللام زائدتين، وإن لم يكونا من الغوالب في الزيادة في الكلم العربية في مثل مواضعهما، كما يجئ في باب ذي الزيادة، لكنهم جعلوا حكم العجمية غير حكم العربية، أو يكون حذف الحرف الأصلي شاذاً، لأن تصغير الترخيم شاذ، والأعجمي غريب شاذ في كلامهم، فشبهوا الميم واللام لااصليتين، لكونهما من حروف " اليوم تنساه " بحروف الزيادة، وحذفوهما حذفاً شاذاً، لإتباع الشذوذ للشذوذ، فعلى هذا يكون الهمزة أصلاً كما في إصطبل، فيكون تصغيرهما على بُرَيْهيم وسُمَيْعِيل، بحذف الهمزة وهما المشهوران، شاذا أيضا، والقياس

(1) قال العلامة الميداني في مجمع الامثال (ج 1 ص 401 طبع بولاق) " عرف حميق جمله: أي عرف هذا القدر وإن كان أحمق، ويروى عرف حميقا جمله: أي

أن جمله عرفه فاجترأ عليه.

يضرب في الافراط في مؤانسة الناس.

ويقال: معناه عرف قدره.

ويقال: يضرب لمن يستضعف إنسانا ويولع به فلا يزال يؤذيه ويظلمه " (*)

ص: 283

ما قال المبرد: أي أبيريه وأسيميع، وقد مر، وتصغير الترخيم شاذ قليل قال:" وَخُوْلِفَ بِاسْمِ الإِشَارَةِ وَالْمَوْصُولِ فَأُلْحِقَ قَبْلَ آخِرِهِما يَاءٌ، وَزِيدَتْ بَعْدَ آخِرِهما ألِفٌ، فَقِيلَ: ذَيَّا وتيا وأوليا واللذيا واللتيا واللَّذيَّانِ وَاللَّتَيَّانِ وَاللَّذَيُّونَ وَاللَّتَيَّات " أقول: كان حق اسم الإشارة أن لا يصغر، لغلبة شبه الحرف عليه، ولأن أصله وهو " ذا " على حرفين، لكنه لما تصرف تصرف الأسماء المتمكنة فوُصِف (ووُصف) به وثني وجُمِع وأُنث أُجْرِيَ مُجْرَاها في التصغير، وكذا كان حق الموصولات أن لا تصغر، لغلبة شبه الحرف عليها، لكن لما جاء بعضها على ثلاثة أحرف كالَّذي والتَّي وتُصُرف فيه تصرف المتمكنة فوصف به وأنث وثنى وجمع جاز تصغيره وتصغير ما تصرف منه، دون غيرهما من الموصولات، كمن وما قيل: لما كان تصغيرهما على خلاف الأصل خولف بتصغيرهما تصغير الأسماء المتمكنة، فلم تُضم أوائلهما، بل زيد في الآخر ألف بدل الضمة بعد أن كملوا لفظ " ذا " ثلاثة أحرف بزيادة الياء على آخره، كما تقدم أنه يقال في تصغير مَنْ: مُنَيّ، فصار ذايا، فأدخلوا ياء التصغير ثالثة بعد الألف ما هو حقها، فوجب فتح ما قبلها كما في سائر الأسماء المتمكنة، فقلبت الألف ياء، لا واواً، ليخالف بها الألفات التي لا أصل لها في المتمكنة، فإنها تقلب في مثل هذا الموضع واواً، لوقوعها بعد ضمة التصغير كما في ضُوَيْرِب، فصار ذَيَيّا أو تقول: كان أصل " ذا " ذَيَيُ أو ذَوَيُ، قلبت اللام ألفاً، وحذفت العين

شاذاً كما في سَهٍ، ورُدَّت في التصغير كما هو الواجب، وزيد ياء التصغير بعد العين، فرجعت الألف إلى أصلها من الياء كما في الْفَتى إذا صغر، فصار ذَيَيًّا، أو ذَوَيًّا، وكون

ص: 284

عينه واواً في الأصل أولى (1) ، لكون باب طوى أكثر من باب حيى، وأما

(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ج 2 ص 28) : " قال الاخفش: هو - يريد ذا اسم الاشارة - من مضاعف الياء لان سيبويه حكى فيه الامالة، وليس في كلامهم تركيب نحو حيوت فلامه أيضا ياء، وأصله ذيى بلا تنوين لبنائه، محرك العين، بدليل قلبها ألفا، وإنما حذفت اللام اعتباطأ أولا كما في يد ودم ثم قلبت العين ألفا، لان المحذوف اعتباطا كالعدم، ولو لم يكن كذا لم تقلب العين، ألا ترى إلى نحو مرتو.

فان قيل: فلعله ساكن العين وهى المحذوفة لسكونها والمقلوب هو اللام المتحركة، قلت: قيل ذلك، لكن الاولى حذف اللام لكونها في موضع التغيير، ومن ثم قل المحذوف العين اعتباطا كسه، وكثر المحذوف اللام كدم، ويد، وغد، ونحوها.

وقيل: أصله ذوى، لان باب طويت أكثر من باب حييت، ثم إما أن نقول: حذفت اللام فقلبت العين ألفا، والامالة تمنعه، وإما أن نقول: حذفت العين وحذفها قليل كما مر فلا جرم كان جعله من باب حييت أولى.

وقال الكوفيون.

الاسم الذال وحدها والالف زائدة، لان تثنيته ذان بحذفها، والذي حمل البصريين على جعله من الثلاثية لا من الثنائية غلبة أحكام الاسماء المتمكنة عليه كوصفه، والوصف به، وتثنيته، وجمعه، وتحقيره، ويضعف بذلك قول الكوفيين، والجواب عن حذ الالف في التثنية أنه لاجتماع الالفين، ولم يرد إلى أصله فرقا بين المتمكن وغيره، نحو فتيان وغيره، كما حذف الياء في اللذان.

قال ابن يعيش: لا بأن بأن نقول هو ثنائي كما، وذلك أنك إذا سميت به قلت: ذاء، فتزيد ألفا أخرى ثم تقلبها همزة، كما تقول: لاء، إذا سميت ب " لا " وهذا حكم الاسماء التي لا ثالث لها وضعا إذا كان ثانيها حرف لين وسمى بها، ولو كان أصله ثلاثة قلت:

ذاى، رداله إلى أصله " اه كلام المؤلف في شرح الكافية.

وأنت إذا تدبرته وجدته يرجح فيه غير ما رجحه هنا، فهو هنا يرجح أن أصل " ذا " ذوى ويدفع ما اعترض به على ذلك من حكاية سيبويه فيها الامالة الدالية على كون العين ياء بأن المحذوف هو العين وهذه الالف بدل من اللام التي هي ياء، مع أنه يرجح فيما نقلناه أن المحذوف هو اللام، لان حذف اللام اعتباطا أكثر من حذف العين كذلك، (*)

ص: 285

إمالة ذا فلكون الالف لا ما في ذوي والعين محذوفة، ثم حذفوا العين شاذاً لكون تصغير المبهمات على خلاف الأصل كما مر، فجرأهم الشذوذ على الشذوذ، ألا ترى أنهم لم يحذفوا شيئا من الياآت في حُيَيّ وطُوَيّ تصغيري حَي وطَي، ولا يجوز أن يكون المحذوفة ياء التصغير لكونها علامة، ولا لام الكلمة للزوم تحرك ياء التصغير بحذفها، فصار ذَيًّا.

ولم يصغر في المؤنث إلا تا وتي، دون ذي، لئلا يلتبس بالمذكر، وأما ذِهِ، فأصله ذي كما يجئ في باب الوقف (1)

وهذه الالف بدل من الياء التي هي عين (ثم انظر ج 3 ص 126 من شرح ابن يعيش للمفصل)(1) ذكر في باب الوقف أن بنى تميم يقلبون ياء هذى في الوقف هاء، فيقولون هذه بسكون الهاء، وإنما أبدلت هاء لخفاء الياء بعد الكسرة في الوقف، والهاء بعدها أظهرتها، وإنما أبدلت هاء لقرب الهاء من الألف التي هي أخت الياء في المد، فإذا وصل هؤلاء ردرها ياء، فقالوا: هذى هند، لأن ما بعد الياء يبينها، وقيس وأهل الحجاز يجعلون الوقف والوصل سواء بالهاء الح، وقال ابن يعيش:(ج 3 ص 131) : " وأماذه فهى ذى والهاء فيها بدل من الياء وليس للتأنيث أيضا، فان قيل: فلم قلتم إن الهاء بدل من الياء في ذى، وهلا كان الامر فيهما بالعكس؟ قيل: إنما قلنا إن الياء هي الاصل لقولهم في تصغير ذا ذيا، وذى إنما هو تأنيث ذا فكمال أن الهاء ليس لها

أصل في المذكر فكذلك هي في المؤنث لانها من لفظه، فان قيل: فهلا كانت الهاء للتأنيث على حدها في قائمة وقاعدة؟ فالجواب أنه لو كانت للتأنيث على حدها في قائمة وقاعدة لكانت زائدة وكان يؤدى إلى أن يكون الاسم على حرف واحد، وقد بينا ضعف مذهب الكوفيين في ذلك، وأمر آخر أنك لا تجد الهاء علامة للتأنيث في موضع من المواضع، والياء قد تكون علامة للتأنيث في قولك اضربي، فاما قائمة وقاعدة فانما التأنيث بالتاء، والهاء من تغيير الوقف، ألا تراك تجدها تاء في الوصل نحو طلحتان، وهذه طلحة يا فتى، وقائمة يا رجل، فإذا وقفت كانت هاء، والهاء (*)

ص: 286

وحذفوا في المثنى الألف المزيد عوضاً من الضمة، اكتفاء بياء التصغير، وذلك لاجتماع ألفي المثنى والعوض، والقياس في اجتماع الساكنين حذف الأول، إذا كان مداً، كما يجئ في بابه وقالوا في " أولى " المقصور وهو مثل هُدًى: أُولَيَّا، والضمة في أُوَليَّا هي التي كانت في أُولَى وليست للتصغير، فلذا زيد الألف بدلاً من الضمة، وأما " أولاء " بالمد فتصغيره أولياء، قال المبرد: زيد أَلف العوض قبل الآخر، إذ لو زيدت في الآخر كما في أخواته لالتبس تصغير أولاء الممدود بتصغير أولى المقصور.

وذلك أن أولاء كقَضَاء لما صرفته وجعلته كالأسماء المتمكنة قَدَّرت همزته التي بعد الألف منقلبة عن الواو أو الياء كما في ردَاء وكساء، فكما تقول في تصغير رداء: ردى، بحذف ثالثة الياآت، فكذا كنت تقول أُوليٌّ ثم تزيد الألف على آخره فيصير أوَليَّا فيلتبس بتصغير المقصور، فلذا زدت ألف العوض قبل الهمزة بعد الألف، فانقلبت ألف " أولاء " ياء كالف حمار إذا قلت حُمَيِّر، لكنه لم يكسر الياء كما كسرت في نحو حُمَيِّر لتسلم ألف العوض، فصار أولَيَّاء وأما الزجاج فإنه يزيد ألف العوض في آخر أولاء كما في أخواته، لكنه

يقدر همزة " أولاء " في الأصل ألفاً، ولا دليل عليه، قال: فإذا دخلت ياء التصغير اجتمع بعدها ثلاث ألفات: الاولى الذي كان بعد لام أُولاء، والثاني أصل الهمزة على ما ادعى، والثالث ألف العوض، فينقلب الأول ياء كما في حمار

في " ذه " ثابتة وصلا ووقفا، والكلام إنما هو في حقيقته وما يندرج عليه، ألا ترى أننا نبدل من التنوين ألفا في النصب وهو في الحقيقة تنوين على ما يندرج عليه الكلام.

ويؤيد ذلك أن قوما من العرب وهم طيئ يقفون على هذا بالتاء فيقولون شجرت، وجحفت، فثبت بما ذكرناه أن الهاء في " ذه " ليست كالهاء في قائمة فلا تفيد فائدتها من التأنيث " اه (*)

ص: 287

ويبقى الأخيران، فيجعل الأخير همزة كما في حمراء وصفراء، فتكسر كما كانت في المكبر وتقول في الذى والتي: اللَّذيَّا واللَّتَيَّا بزيادة ياء التصغير ثالثة وفتح ما قبلها، وفتح الياء التي بعد ياء التصغير، لتسلم ألف العوض، وقد حكى اللّذَيَّا واللُّتَيَّا بضم الأول جمعاً بين العوض والمعوض منه وتقول في المثنى: اللَّذَيَّان واللَّتَيَّان، واللَّذَيَّيْنِ وَاللَّتَيَّينِ، بحذف ألف العوض قبل علامتي المثنى، لاجتماع الساكنين، فسيبويه يحذفها نَسْياً فيقول في المجموع: اللَّذَيُّون واللَّذيِّينَ، بضم الياء وكسرها، يحذف ألف العوض في المثنى والمجموع نَسْياً، كما حذف ياء الذي في المثنى، والأخفش لا يحذفها نَسْياً، لا في المثنى ولا في المجموع، فيقول في الجمع: اللَّذَيُّونَ وَاللَّذَيِّينَ (بفتح الياء) كالمَصطَفَوْنَ وَالمُصْطَفينَ فيكون الفرق عنده بين المثنى والمجموع في النصب والجر بفتح النون وكسرها، والمسموع في الجمع ضم الياء وكسرها كما هو مذهب سيبويه ونما اطرد في المصغر اللَّذَيُّون رفعاً وَاللَّذَيَّينَ نصباً وحراوشد في المكبر

اللَّذُون رفعاً لأنه لما صغر شابه المتمكن فجرى جمعه في الإعراب مجرى جمعه وعند سيبويه استغنوا باللَّتَيَّات جمع سلامة اللَّتَيَّا بحذف ألف العوض للساكنين عن تصغير اللاتي واللائي، وقد صغرهما الأخفش على لفظهما، قياساً لا سماعاً، وكان لا يبالي بالقياس في غير المسموع فقال في تصغير اللاتي: اللَّوَيْتَا، بقلب الألف واواً كما في الجمع: أي اللواتي، وحذف ياء اللاتي لئلا يجتمع مع ألف العوض خمسة أحرف سوى الياء، وقال في تصغير اللائي: اللَّوَيْئَا، بفتح اللام فيهما، وقال المازني: إذا كان لابد من الحذف فحذف الزائد أولى، يعني الألف التي بعد اللام فتصغير اللاتي كتصغير التي سواء، قال بعض البصريين: اللَّوَيْتِيَا (*)

ص: 288

وَاللَّوَيْئِيَا، من غير حذف شئ، وكل لك هَوَسٌ وتجاوز عن المسموع بمجرد القياس، ولا يجوز، هذا ما قيل وأنا أرى أنه لما كان تصغير المبهمات على خلاف الأصل، كما ذكرنا، جُعِلَ عوض الضمة ياء، وأدغم فيها ياء التصغير، لئلا يستثقل الياآن، ولم يدغم في ياء التصغير لئلا يتحرك ياء التصغير التي لم تجر عادتها بالتحرك، فحصل في تصغير جميع المبهمات ياء مشددة: أولاهما ياء التصغير، والثانية عوض من الضمة، فاضطر إلى تحريك ياء العوض، فألزم تحريكها بالفتح، قصداً للخفة، فإن كان الحرف الثاني في الاسم ساكناً كما في " ذا " و " تا " و " ذان " و " تان " جعلت هذه الياء المشددة بعد الحرف الأول، لأنها إن جعلت بعد الثاني - كما هو حق ياء التصغير - لزم التقاء الساكنين، فألف ذياوتيا، على هذا، هي التي كانت في المكبر، وإن كان ثاني الكلمة حرفاً متحركاً كأولى وأولاء جعلت ياء التصغير في موضعها بعد الثاني، فعلى هذا كان حق الذي والتي اللَّذَيَّيْ واللَّتَيَّيْ بياء ساكنة في الآخر بعد ياء مفتوحة مشددة، لكنه خفف ذلك بقلب الثالثة ألفاً كراهة لاجتماع الياآت،

ويلحق بذيّا وَتَيّا ومثنييهما وجمعيهما من هاء التنبيه وكاف الخطاف ما لحقها قبل التصغير، نحو هذيا وذيا لك، قال 30 - * من هؤليائكن الضال والسمر * (1) قَالَ:" وَرَفَضُوا تَصْغِيرَ الضَّمَائِرِ، وَنَحْو مَتَى وَأَيْنَ ومن وما وحيت وَمُنْذُ وَمَعَ وَغَيْرِ وَحَسْبُكَ، وَالاسْمِ عَامِلاً عَمَلَ الْفِعْلِ، فَمِنْ ثَمَّ جَازَ ضُوَيْرِبُ زَيْدٍ وَامْتَنَعَ ضُوَيْرِبٌ زَيْداً " أقول: إنما امتنع تصغير الضمائر لغلبة شبه الحرف عليها مع قلة تصرفها، إذ

(1) انظر (ص 190 هـ 1)(*)

ص: 289

لا تقع لا صفة ولا موصوفة كما تقع أسماء الإشارة، ولمثل هذه العلة لم تصغر أسماء الاسفتهام والشرط، فانه تشابه الحرف ولا تتصرف بكونها صفات وموصوفات وأما مَنْ ومَا الموصولتان فأوغل في شبه الحرف من " الذي " لكونهما على حرفين ولعدم وقوعهما صفة كالذي وحيث وإذ وإذا ومُنْذُ مثل الضمائر في مشابهة الحرف، وأقلُّ تصرفاً منها، لانها مع كونه لا تقع صفات ولا صفات وَلا موصوفات تلزم في الأغلب نوعاً من الإعراب وأما مع فإنه وإن كان معرباً لكنه غير متصرف في الاعراب، ولا يقع صفة ولا موصوفاً، مع كونه على حرفين وكذا عند لا يتصرف (1) وإن كان معرباً على ثلاثة، وكذا لم يصغر لَدُن لعدم تصرفه وإنما لم يصغر غير كما صغر مثل وإن كانت المغايرة قابلةً للقلة والكثرة كالمماثلة، لقصوره في التمكن، لأنه لا يدخله اللام ولا يثنى ولا يجمع بخلاف مثل ولا يصغر سوى (2) وسواء بمعنى غير أيضاً، ولا يصغر حَسْبُك لتضمنه معنى

(1) قال سيبويه (ح 2 ص 136) : " ولا تحقر عندكما تحقر قبل وبعد ونحوهما لانك إذا قلت عند فقد قللت ما بينهما وليس يراد من التقليل أقل من ذا، فصار ذا كقولك قبيل ذاك إذا أردت أن تقلل ما بينهما " اه.

وهذا وجه من التعليل لعدم تصغير عند حاصله أنه لما كان مصغرا بمعناه الاصلى لم يحتج إلى التصغير لان المصغر لا يصغر، وهو وجه حسن (2) هذا الذي ذكره المؤلف في هذه الكلمة هو ما ذكره سيبويه في الكتاب (ح 2 ص 135) حيث قال: " ولا يحقر غير لانها ليست بمنزلة مثل، وليس كل شئ يكون غير الحقير عندك يكون محقرا مثله، كما لا يكون كل شئ مثل الحقير حقيرا، وإنما معنى مررت برل غيرك معنى مررت برجل سواك، وسواك لا يحقر، لانه ليس اسما متمكنا، وإنما هو كقولك مررت برجل ليس بك، فكما قبح تحقير (*)

ص: 290

الفعل، لأنه بمعنى اكتف، وكذا ما هو بمعناه من شَرْعك (1) وكَفيك ولا يصغر شئ من أسماء الأفعال، وكذا لا يصغر الاسم (2) العامل عمل الفعل، سواء كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة، لأن الاسم إذا صغر صار

ليس قبح تحقير سوى، وغير أيضا ليس باسم متمكن، ألا ترى أنها لا تكون إلا نكرة، ولا تجمع ولا تدخلها الالف واللام " اه.

والذي نريد أن ننبهك إليه هو أن عدم التمكن في سوى الذي علل به سيبويه عدم تصغير ما ليس معناه عدم التصرف أي ملازمة هذه الكلمة للنصب على الظرفية كما هو المعروف من مذهب سيبويه، بل معناه أنها ليس كسائر الاسماء المتمكنة كما أشار إليه، مع أن القائلين بخروجها عن النصب على الظرفية والجر بمن إلى سائر مواقع الاعراب قد ذهبوا أيضا إلى أنها لا تصغر، ومنهم من علل عدم تصغيرها بأنها غير متمكنة، فوجب أن يكون التمكن في هذا الموضع بمعنى آخر، ويشير إلى ذلك المعنى تعليل بعضهم عدم

جواز التصغير بشدة شبه هذه الكلمة بالحرف ودلالتها على معناه وهو إلا الاستثنائية (1) تقول: هذا رجل شرعك من رجل فتصف به النكرة ولا تثنيه ولا تجمعه ولا تؤنثه، ومعناه كافيك من رجل، وقد ورد في المثل شرعك ما بلغك المحل أي حسبك من الزاد ما بلغك مقصدك (انظر مجمع الامثال ح 1 ص 319 طبع بولاق) قال في اللسان:" قال أبو زيد: هذا رجل كافيك من رجل، وناهيك، وجازيك من رجل، وشرعك من رجل، كله بمعنى واحد " اه وفى القاموس: " وكافيك من رجل، وكفيك من رجل مثلثة الكاف: حسبك " اه زاد في اللسان أنك تقول: هذا رجل كفاك به، وكفاك به، بكسر الكاف أو ضمها مع القصر، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث (2) قد أطلق الشارح القول هنا كما أطلقه المصنف، وفي المسألة تفصيل خلاصته أنك لو قلت: هذا ضارب زيدا، فأعملت اسم الفاعل فيما بعده النصب لم يجز تصغيره بحال، وإذا قلت هذا ضارب زيد، فأضفت اسم الفاعل إلى ما بعده فان أردت به الحال أو الاستقبال لم يجز أن تصغره: لانه حينئذ كالعامل، وإن أردت به المضى جاز تصغيره.

قال سيبويه (ح 2 ص 136) : " واعلم أنك لا تحقر الاسم إذا كان (*)

ص: 291

موصوفاً بالصغر، كما تكررت الإشارة إليه، فيكون معنى " ضُوَيْرب " مثلاً ضارب صغير، والأسماء العاملة عمل الفعل إذا وصفت انعزلت عن العمل، فلا تقول: " زَيْدٌ ضاربٌ عظيم عمراً ولا أضَارِبٌ عظيم الزَّيْدَانِ، وذلك لبعدها إذَنْ عن مشابهة الفعل، إذ وضعه على أن يسند ولا يسند إليه، والموصوف يسند إليه الصفة، هذا في الصفات، أعني اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، أما المصدر فلا يعزله عن العمل كونه مسندأً إليه، لقوة معنى الفعل فيه، إذ لا يعمل الفعل الذي هو الأصل في الفاعل ولا في المفعول إلا لتضمنه معنى المصدر، كما ذكرنا في شرح

الكافية في باب المصدر، فيجوز على هذا أن تقول أعجبني ضَرْبُكَ الشديدُ زَيْداً، وَضُرَيْبُكَ زَيْداً (1) وقيل: إنما لم يصغر الاسم العامل عمل الفعل لغلبة شبه الفعل عليه إذن، فكما لا يصغر الفعل لا يصغر مشبهة، ويلزم منه عدم جواز تصغير المصدر العامل عمل الفعل

بمنزلة الفعل ألا ترى أنه قبيح هو ضويرب زيدا وهو ضويرب زيد إذا أردت بضارب زيد التنوين، وإن كان ضارب زيد لما مضى فتصغيره جيد " اه (1) هذا الذي ذكره المؤلف ههنا من أن المصدر يعمل مصغرا ويعمل موصوفا في المفعول به أيضا غير المعروف عن النحاة، أما المصغر فقد قال ابن هشام في شرح القطر: " ويشترط (أي في إعمال المصدر عمل الفعل) ألا يكون مصغرا، فلا يجوز أعجبني ضريبك زيدا، ولا يختلف النحويون في ذلك " اه.

بل الذي ذكره المؤلف نفسه في شرح الكافية يناقض ما قاله هنا ويوافق ما قاله ابن هشام فيما سمعت.

قال في شرح الكافية (ح 2 ص 183)" والتصغير يمنع المصدر عن العمل كما يمنع اسم الفاعل والمفعول لضعف معنى الفعل بسبب التصغير الذى لا يدخل الافعال، ومن ثمت يمنع الوصف ثلاثتها عن العمل " اه وأما ما ذكره في المصدر المنعوت فهو رأى ضعيف من ثلاثة آراء وحاصله جواز إعمال المصدر المنعوت مطلقا: أي سواء (*)

ص: 292

ويصغر الزمان المحدود من الجانبين، كالشهر واليوم والليلة والسَّنَة، وإنما تصغر باعتبار اشتمالها على أشياء يستقصر الزمان لأجلها من المسار (1) وأما غير المحدود كالوقت والزمان والحين فقد يصغر لذلك، وقد يصغر لتقليله في نفسه وأما أمس وغد فإنهما لم يصغرا وإن كانا محدودين كيوم وليلة لأن الغرض

الأهم منهما كون أحد اليومين قبك يومك بلا فصل والآخر بعد يومك، وهما من هذه الجهة لا يقبلان التحقير، كما يقبله قبل وبعد، كما ذكرنا في أول باب التصغير، ولم يصغرا (أيضاً) باعتبار مظروفيهما وإن أمكن ذلك كما لم يصغرا باعتبار تقليلهما في أنفسهما لما كان الغرض الأهم منهما ما لا يقبل التحقير ومثل أمس وغد عند سيبويه كل زمان يعتبر كونه أولاً وثانياً وثالثاً ونحو ذلك، فلا تصغر عنده أيام الأسابيع كالسبت والأحد والاثنين إلى الجمعة، وكذا أسماء الشهور كالمحرم وصفر إلى ذي الحجة، إذ معناها الشهر الأول والثاني ونحو ذلك، وجوز الجرمي والمازني تصغير أيام الأسبوع وأسماء الشهور، وقال بعض

أكان نعته سابقا على المعمول أم متأخرا عنه، والرأى الثاني المنع مطلقا، والثالث إن تقدم المعمول عن النعت جاز وإ فلا وهذا اختيار ابن هشام.

قال في شرح القطر: " ويشترط ألا يكون موصوفا قبل العمل، فلا يقال: أعجبني ضربك الشديد زيدا، فأن أخرت الشديد جاز، قال الشاعر: إن وجدى بك الشديد أرانى * عاذرا فيك من عهدت عذولا فأخر الشديد عن الجار والمجرور المتعلق بوجدي "(1) المسار: جمع مسرة، ووقع في النسخ التي بين أيدينا كافة " من المساد " بدال مهملة، وهو تحريف (*)

ص: 293

النحاة: إنك إذا قلت اليوم الجمعة أو السبت بنصب اليوم فلا تصغر الجمعة والسبت إذ هما مصدران بمعنى الاجتماع والراحة، وليس الغرض تصغيرهما، وقال: ولا يجوز تحقير اليوم المنتصب أيضاً لقيامه مقام وقع أو يقع، والفعل لا يصغر، وإذا رفعت اليوم فالجمعة والسبت بمعنى اليوم فيجوز تصغيرهما، وحكى عن بعضهم عكس هذا القول، وهو جواز تصغير الجمعة والسبت مع نصب اليوم وعدم جوازه مع رفعه

زيدا، فأن أخرت الشديد جاز، قال الشاعر: إن وجدى بك الشديد أرانى * عاذرا فيك من عهدت عذولا فأخر الشديد عن الجار والمجرور المتعلق بوجدي " (1) المسار: جمع مسرة، ووقع في النسخ التي بين أيدينا كافة " من المساد " بدال مهملة، وهو تحريف (*)

ص: 294

النحاة: إنك إذا قلت اليوم الجمعة أو السبت بنصب اليوم فلا تصغر الجمعة والسبت إذ هما مصدران بمعنى الاجتماع والراحة، وليس الغرض تصغيرهما، وقال: ولا يجوز تحقير اليوم المنتصب أيضاً لقيامه مقام وقع أو يقع، والفعل لا يصغر، وإذا رفعت اليوم فالجمعة والسبت بمعنى اليوم فيجوز تصغيرهما، وحكى عن بعضهم عكس هذا القول، وهو جواز تصغير الجمعة والسبت مع نصب اليوم وعدم جوازه مع رفعه واعلم أنك إذا حقرت كلمة فيها قلب لم ترد الحروف إلى أماكنها نقول في لاثٍ وأصله لائث وشاكٍ واصله شائك وفي قِسِي علماً وأيْنُق وأصلهما قووس وأنوق: لُوَيْثٍ وشُوَيْكٍ - بكسر الثاء والكاف - وقُسَيٌّ بحذف تالثة الياآت نسيا، وأُيَيْنِقٌ، وذلك لأن الحامل على القلب سعة الكلام ولم يزلها التصغير حتى ترد الحروف إلى أماكنها.

والحمد لله، وصلى الله على رسوله وآله بحمد الله تعالى وحسن توفيقه قد انتهينا من مراجعة الجزء الاول من شرح شافية ابن الحاجب الذي ألفه العلامة المحقق رضى الدين الاستراباذى، في أثناء سبعد أشهر آخرها يوم الاثنين المبارك الثالث عشر من شهر ذي الحجة أحد شهور عام 1356 ست وخمسين وثلثمائة وألف من الهجرة.

ويليه الجزء الثاني مفتتحا بباب " النسب " نسأل الله الذي جلت قدرته أن يعين على إكماله.

ص: 294