المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صفة الصلاة - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٣

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌باب صفة الصلاة

‌باب صفة الصلاة

205 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إِذَا قمتَ إِلى الصَّلاه فأسْبغ الوضوءَ، ثم استقبل القبْلَة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثمَّ اركع حتَّى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتَّى تعتدلَ قائِمًا، ثم اسْجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". أخرجه السبعة (1) واللفظ للبخاري (2).

ولابن ماجه بإسناد مسلم: "حتى تطمئِنَّ قائمًا"(3) ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان (4).

وفي لفظٍ لأحمد: "فأقِمْ صُلْبَكَ حتَّى تَرجِعَ العِظَامُ"(5).

وللنسائي وأبي داود (6) من حديث رفاعة بن رافع: "إِنها لن (أ) تتم صلاة

(أ) في هـ: لم، ولفظ أبي داود لا تتم، ولفظ النسائي: لم، وفي نسخة البلوغ المخطوطة: لن.

_________

(1)

البخاري، الاستئذان، باب من رد فقال: عليك السلام 11/ 36 ح 6251، مسلم، الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وأنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها 1/ 298 ح 45 - 397، أبو داود، الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود 1/ 534 ح 856، الترمذي، الصلاة، ما جاء في وصف الصلاة 2/ 100 ح 302، النسائي، الإمامة، باب الرخصة في ترك الذكر في الركوع 2/ 151، ابن ماجه، إقامة الصلاة والسنة فيها 1/ 336 ح 1060، أحمد 4/ 340.

(2)

قلتُ: ولفظ البخاري مجموع من روايتين عنده:

1 -

يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة 2/ 276 ح 793.

2 -

ابن نمير عن عبيد الله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة 11/ 366 ح 6251.

(3)

مسلم 1/ 298 ح 397 - 46 م.

(4)

و (5) أحمد 4/ 340، ابن حبان (الموارد)، صفة الصلاة 131 ح 484.

(6)

أبو داود 1/ 536 ح 858، والنسائي، باب الرخصة في ترك الذكر في السجود 2/ 179.

ص: 5

أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى، ثم يكبر الله ويحمده ويثنى عليه" وفيها:"فإِنْ كانَ مَعَكَ قُرآنٌ فَاقْرَأْ (أ)، وإِلا فاحْمِدِ الله وَكَبّرْهُ وَهَلّلهُ"(1).

ولأبي داود: "ثُمَّ اقرأْ بأمِّ الكِتَابِ (ب). وَبِمَا شاءَ الله"(2).

ولابن حبان: "ثم بما شِئتَ"(3).

الحديث أخرجه البخاري في مواضع فمنها ما هو مختصر ذكر الوضوء، وهو في باب صفة الصلاة ويذكر في الوضوء، في باب الاستئذان من رواية ابن نمير (4) بلفظ "فأسبغِ الوضوء"، وفي رواية يحيى بن علي (5):"فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم"، وأخرجه النسائي (6) من رواية إسحاق بن أبي طلحة:"إِنَّها لَنْ تَتِمَّ صَلاةُ أحَدِكمْ حتىِ يسْبغَ الوِضوءَ كما أمره الله تعالى فَيَغْسلَ وجْهَهُ ويديه إلى المِرْفَقَيْنِ ويَمْسحَ برأَسه وِرجْلَيْه إِلى الكَعْبَيْنِ، ثمَّ يكبر الله ويَحْمَده ويمجده" وعندَ أبي داود (7) بدل "يمجده""ويثني عليه".

(أ) بهامش هـ.

(ب) في الأصل: القرآن وباقي النسخ الكتاب وهو موافق لأبي داود.

_________

(1)

أبو داود 1/ 538 ح 861.

(2)

أبو داود 1/ 537 ح 859.

(3)

ابن حبان 131 ح 484 (موارد). ولفظه: "ثم اقرأ بما شئت".

(4)

البخاري 11/ 36 ح 6251.

(5)

ليس عند البخاري رواية يحيى بن علي وإنما يحيى بن سعيد ورواية يحيى بن علي عند أبي داود 1/ 538 ح 861.

(6)

النسائي 2/ 179.

(7)

أبو داود 1/ 536 ح 857.

ص: 6

وفي هذا دلالة على [وجوب](أ) إسباغ الوضوء، فإن كان المراد به إكمال الأعضاء فهو على ظاهره، وإن كان المراد به تثليث الأعضاء مع الإكمال فلعله (ب) يحمل تمام الصلاة على إكمال الفضيلة لا على الأجر أو يتعين حمل الإسباغ على إكمال الأعضاء، ويدل عليه الرواية الأخرى بقوله:"كما أمرك الله"(1)، وتفصيل المأمور به ليس فيه التثليث، ويدل التفصيل أيضًا على عدم وجوب المضمضة والاستنشاق، ويصح أن يكون هذا قرينة على حمل الأمر بهما على الندب.

وقوله: "ثم استقبل القبلة": فيه دلالة على وجوب ذلك، وهو مجمع عليه، وقد تقدم تفصيل ذلك (2) وعفوه عن الراكب.

وقوله: "فكبِّر": فيه دلالة على استفتاح الصلاة بالتكبير وتعين ذلك اللفظ، ويدل على تعين هذا اللفظ (جـ) رواية الطبراني لحديث رفاعة بلفظ:"ثم يقول: الله أكبر (3) وحديث أبي حميد أخرجه ابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان: "إذا قامَ إلى الصلاة اعْتَدَلَ قائمًا ورفع يديه ثم قال: الله أكبر" (4) وروى البزار بإسنادٍ صحيِح على شرط مسلم عن علي رضي الله عنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كَان إذَا قَام إلى الصَّلاةِ قال: الله أكبر" (5)، وأخرج

(أ) بهامش الأصل.

(ب) زاد في هـ: المراد به.

(جـ) في جـ، هـ: هذه الألفاظ.

_________

(1)

أبو داود 1/ 538 ح 861.

(2)

انظر 612 ح 160.

(3)

الطبراني الكبير، 5/ 29 - 30 ح 4526، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، المجمع 2/ 104.

(4)

ابن ماجه 1/ 280 ح 862، ابن خزيمة 1/ 234 - 235 ح 461، ابن حبان 133 ح 491 (موارد).

(5)

مسند البزار ل 177.

ص: 7

أحمد والنسائي من (أ) طريق واسع بن حبان أنه سأل ابن عمر رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الله أكبر كُلما وَضَعَ وَرَفَع"(1) فهذه فيها بيان للمراد من قوله "فَكبر"، وأن المراد اللفظ لا الإتيان بما فيه معنى التكبير، وهذا (ب) قول الجمهور (2) وأبي يوسف (3) وعن الحنفية وزيد بن علي أنه يجزئ كل لفظ يفيد التعظيم كالتسبيح (4)، وقال أحمد بن يحيى وأبو العباس (5) وأبو طالب: أنه يجزئ كل ما فيه صيغة التفضيل نحو: "الله أجَلُّ وأعظَمُ"، ونحو ذلك، وقال أبو طالب (6): وكذا التهليل، والحجة لقول (جـ) الجمهور ما مر [وهو اتباع (د) اللفظ، وظاهره تعين التكبير ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات (هـ) ويكثر ذلك فيها، والاحتياط فيها الاتباع (و)، وأيضًا فإن الخصوص قد يكون مطلوبًا أعني خصوص التعظيم بلفظ:"الله أكبر" لأن رتب هذه الألفاظ مختلفة. كما تدل عليه الأحاديث، فقد لا تتأتى مرتبة بما يُقْصَدُ من أخري كما أَنَّا نفهم أن الركوع المقصود منه التعظيم والخضوع، فلو أقام غيره مقامه خضوعًا لم

(أ) في الأصل: في.

(ب) في جـ: وهو.

(جـ) في هـ: لقوله.

(د) في هـ: إيقاع.

(هـ) ساقطة من جـ.

(و) في جـ: للاتباع.

_________

(1)

أحمد 2/ 152، النسائي 3/ 53.

(2)

المجموع 3/ 233 - 234 - 235، بداية المجتهد 1/ 123، المغني 1/ 460 قلت: وعند مالك وأحمد بلفظا "أكبر" فقط، وأجاز الشافعي الأكبر ونحوه.

(3)

الهداية، وقال: إن كان يحسن التكبير لم يجزئه إلا قول الله أكبر أو الكبير أو الأكبر 1/ 406 - 247.

(4)

الهداية 1/ 46، والبحر 1/ 239.

(5)

و (6) البحر 1/ 239.

ص: 8

يكتف به، وكما أنه شرع (أ) التكبير عند القيام والسجود، ولا يقوم غيره مقامه من التسبيح والتحميد] (ب).

واختلف العلماء في تكبيرة الإحرام فقال الجمهور: إنها ركن (1)، وقيل: شرط، وهو عند الحنفية (2)، ووجه عند الشافعية، وقيل: سنة، وقال ابن المنذر: لم يقل به أحد غير الزهري (3). ونقله غيره عن سعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك، ولم يثبت عن أحدٍ منهم تصريحًا وإنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعًا: تجزئه تكبيرة الركوع، ونقله الكرخيُّ من الحنفية عن ابن عُلَيَّةَ وأبي بكر الأصم (جـ).

وقوله "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن": فيه دلالة على وجوب قراءة القرآن في الصلاة سواء كان الفاتحة أو غيرها، ولا تتعين الفاتحة، وقد ذهب إلى هذا أبو حنيفة وأصحابه (4)، فتجزِئ عنده آية، وعن أبي يوسف ومحمد: آية طويلة، أو ثلاث آيات، وأجاب من أوجب الفاتحة (5) بأن قوله "ما تيسر" وإن أفهم ما ذكره وهو كذلك في رواية أبي هريرة، ولم

(أ) يشرع.

(ب) بهامش الأصل، وهـ.

(جـ) زادت هـ في الهامش: وظاهر الأمر أن التكبير مرة واحدة، ولعله إجماع إلا ما روى عن الصادق أنه يكون سبع مرات كذا في "الأم".

_________

(1)

المجموع 3/ 232.

(2)

الهداية 1/ 279 وقال النووي: حكاه الكرخي عن أصحاب أبي حنيفة ومنهم من حكاه عن أبي حنيفة، قلت: وقال حكاه صاحب الهداية للمذاهب، المجموع 3/ 232، وقال ابن حجر: إنه وجه عند الشافعية، الفتح 2/ 217.

(3)

حكي ابن المنذر وبعض أصحاب الشافعي عن الزهري أنه قال: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير، قال ابن المنذر: ولم يقل به أحد غير الزهري، المجموع 3/ 232.

(4)

الهداية 1/ 293.

(5)

وهم: الجمهور: المغني 1/ 476، المجموع 3/ 261.

ص: 9

يختلف الرواة فيه (أ) فقد ورد في حديث رفاعة مختلف بألفاظ ففي رواية إسحاق: "ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله"(1)، وفي رواية يحيى بن علي (2):"فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله تعالى وكبره وهلله". وفي رواية محمد بن عمرو عند أبي داودة "ثم اقرأ بأُمِّ القرآن وبما شاء الله تعالى"(3)، ولأحمد وابن حبان من هذا الوجه (ب) "ثم اقرأ بأمِّ القرآن ثم اقرأ بما شئت" وترجم له ابن حبان (4):"باب فرض المصلي فاتحة الكتاب في كل ركعة"، فمع هذه الرواية المصرحة بأم القرآن: ثم اقرأ بما شئت يحمل ما تيسر علي الفاتحة، وكانت هي (جـ) المتيسرة لحفظ المسلمين لها فهي المتيسرة أو أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة، ومن كان كذلك وهو يحفظ غيرها فله أن يقرأه، أو أنَّ ذلك منسوخ بحديث تعيين الفاتحة أو أن المراد ما تيسر فيما زاد على الفاتحة، ولعل الرواي ذهل عن ذكر الفاتحة، ويؤيد هذا برواية أحمد وابن حبان، وأيضًا فإن في هذه الرواية زيادة وهي غير (د) معارضة مع الجمع بين الأمرين، وهذا أرجح.

ويؤخذ من الحديث أنه لا يجب على من لم يحسن القراءة والتعلم وإن أمكنه بل يعدل إلي التسبيح ونحوه.

(أ) ساقطة من جـ.

(ب) زاد في جـ: تا.

(جـ) في جـ: هذه وزاد في هـ: قبل.

(د) ساقطة من جـ.

_________

(1)

النسائي 3/ 179.

(2)

أبو داود 1/ 538 ح 861.

(3)

أبو داود 1/ 537 - 538 ح 859.

(4)

ترجم: ذكر البيان بأن فرض المرء في صلاته قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة من صلاته لا أن قراءته إياها في ركعة واحدة تجزئه عن باقي صلاته، الإحسان 3/ 138.

ص: 10

وأنه لا يتعين منه قدر مخصوص ولا لفظ مخصوص، وقد ورد في تعيين اللفظ حديث عبد الله بن أبي أوفى (1) قال: جاء رجل إلي النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي لَا أسْتَطيعُ أنْ آخُذَ منْ القُرآن شَيْئًا فَعَلِّمني مَا يُجزئ مِنْهُ، قالَ:"قلْ سبْحانَ الله والحَمْدُ لله وَلَا إلهَ إلَّا اللهَ والله أكْبَرُ، ولا حوْلَ وَلَا قُوةَ إلَّا بالله العَليِّ العظيم" ولكن لا دلالة فيه على أنه يتعين ذلك إذ هو مَقَيَّد موافق لمطلق ولا (أ) دلالة على التقييد بمفهوم ولا منطوق والله أعلم.

وقوله: "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا": فيه دلالة على وجوب الركوع وعلى وجوب الطمأنينة في الركوع لأن قوله: "حتى تطمئن" إنما هو صفة الركوع المتمكن، فلا يتوهم المغايرة من الغاية، وفي رواية أحمد لهذا الحديث:"فَإذَا رَكَعْتَ فاجْعلْ رَاحَتَيْكَ علَى رُكْبَتَيْكَ، وامْدُدْ ظَهْرَكَ وَمَكِّنْ رُكُوعَكَ"(2) وفي رواية إسحاق بن طلحة: "ثمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ حَتَّى تطمئن مَفَاصِلَهُ وتَسْتَرْخِي (3).

وقوله: "ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائمًا" فيه دلالة على وجوب الرفع وعلى وجوب الانتصاب قائمًا، وأما الطمأنينة في حال القيام فقال إمام الحرمين: في القلب من وجوبها شيء؛ لأنها لم تذكر في حديث المسيء صلاته

(أ) ساقطة من جـ.

_________

(1)

أبو داود 1/ 521 ح 832، النسائي 2/ 110، أحمد 4/ 353. وابن خزيمة 1/ 273 ح 544، وابن حبان 129 ح 473 (موارد)، وابن الجارود 73 ح 189، والحاكم 1/ 241، والبيهقي، 2/ 381.

قلت: والحديث مداره على إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي أبو إسماعيل الكوفي صدوق ضعيف الحفظ ضعفه أحمد، قال النسائي: وليس بالقوي وثقه ابن حبان. التقريب 21، الثقات 6/ 26، المغني في الضعفاء 1/ 18، هدي الساري 388.

(2)

أحمد 4/ 340.

(3)

النسائي 2/ 179.

ص: 11

وكأنه لم يقف على ما صح فيها، ففي رواية ابن نمير عند ابن ماجه:"حتى تطمئن قائما"(1) من رواية ابن أبي شيبة عنه وهو على شرط مسلم، وكذا أخرجه إسحاق ابن راهوية في "مسنده" عن أبي أسامة وهو في "مستخرج أبي نعيم" من طريقه، وكذا أخرجه السراج عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخاري عن أبي أسامة فهو على شرط البخاري أيضًا، ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان، وفي لفظ لأحمد:"أَقِمْ صُلْبَكَ حَتَّى تَرْجِعَ العِظَامُ إلى مَفَاصِلهَا"(2) والخلاف في الرفع لأبي حنيفة (3) فقال: الواجب هو الركوع فقط لقوله تعالى: {ارْكَعُوا} ، والجواب ما ثبت في الحديث.

وقوله: "ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا": فيه دلالة على وجوب السجود والطمأنينة فيه (أ) وفي رواية إسحاق بن طلحة: "ثم يكبر ويسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي"(4) وهو مجمع على وجوب السجود (5)، والخلاف في الطمأنينة لأبي حنيفة (6) قال: لقوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (7) ولم يوجب ما زاد على ذلك، والجواب ما ثبت في الحديث.

وقوله: "ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِن جَالسًا": وفي رواية إسحاق: "ثم يكبر

(أ) زاد في هـ: هذا.

_________

(1)

ابن ماجه 1/ 336 - 337 ح 1060.

(2)

أحمد 4/ 340، ابن حبان 137 ح 484 (موارد).

(3)

الهداية 1/ 46.

(4)

النسائي 1/ 179.

(5)

المغني 1/ 514.

(6)

الهداية 1/ 49، وأبو يوسف كالجمهور.

(7)

الآية، 77 من سورة الحج.

ص: 12

فيرفع رأسه حتّى يستوى قَاعدًا على مقعدته ويقيم صلبهُ" (1)، وفي رواية محمّد بن عمرو: "فإِذَا رفعت رأَسك فاجلس على فخذك اليسرى" (2): فيه دلالة على وجوب الرفع وعلى الطمأنينة في حال الرفع، وقال أبو حنيفة: (3) يكتفي بأدنى رفع ولو مقدار حد السيف، وقال مالك: يكون أقرب إلى الجلوس، وفي قوله "تجلس على فخذك اليسرى": دلالة على أنّ هيئته افتراش اليسرى ونصب اليمنى، والخلاف فيه لأحد قولي الشّافعيّ أنه يقعد على رؤوس أصابعه (4).

وقوله "ثُمَّ اسْجُدْ حتّى تطمئن ساجدًا ثمّ افعل كذلك في صلاتك كلها": دليل على أنه لا يقعد للاستراحة حيث لا قعود للتشهد، ولكنه قد وقع في رواية ابن نمير ذكره البخاريّ في باب الاستئذان بعد السجود (أ) الثاني "ثمّ ارفع حتّى تطمئن جالسًا"، ولكن البخاريّ أشار إلى أنّ هذه

(أ) في جـ: واو زائدة.

_________

(1)

النَّسائيُّ 2/ 179 - 180.

(2)

أبو داود، بلفظ (فاقعد) 1/ 537 ح 859.

(3)

الهداية 1/ 49.

(4)

وهو الإقعاء. قلت: وقال النووي: إن الإقعاء والافتراش كلاهما سنة ولكن إحدي السنتين أكثر وأشهر وهي الافتراش من رواية أبي حميد لكونها صدقها عشرة من أصحاب رسول الله وهذا يدلُّ على مواظبته صلى الله عليه وسلم وشهرتها عندهم فهي أفضل وأرجح مع أنّ الإقعاء سنة. قلت: وجعل الشّافعيّة الإقعاء صورتين: صورة جائزة وسنة وهي ما ذكر وصورة ورد النّهي عنها وهي أنّ يجلس الإنسان على إليتيه ناصبًا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع. قلت: وكره الحنابلة الإقعاء ولعلّه إقعاء الكلب أنها الصورة الثّانية في صحيح مسلم فلا أري أنهم يكرهونها ولقد تكلم ابن قدامة في المغني على الإقعاء وخرج مخرجًا سليمًا في جمعه بين كلام الأئمة الحنابلة وعدم معارضة صحيح مسلم، وبالله التوفيق. المجموع 3/ 381 وما بعدها، المغني 1/ 524، المطلع 85.

ص: 13

الزيادة وهم، فإنّه عَقَّبه بأن قال: قال أبو أُسامة (1) في الاُخير "حتَى تَسْتَوي قَائِمًا" ولكنه إذا كان ذلك اللّفظ محفوظًا فيحمل على القعود للتشهد، ويدلُّ عليه أنّ في رواية إسحاق:"فإذَا جَلَسْتَ في وَسَط الصَّلاة فاطْمَئن جَالسًا ثُمَّ افْتَرِشْ فَخْذَكَ اليُسْرَى ثُمّ تَشَهَّدْ"(2)، فذكر جلَوس التشَهد لكن رواه إسحاق ابن راهوية في "مسنده" عن أبي أُسامة كما قال ابن نمير بلفظ " ثُمَّ اسْجُدْ حتّى تَطْمَئِن سَاجدًا، ثمَّ اقعدْ حتّى تَطْمَئِن قَاعدًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتى تَطْمَئِن سَاجدًا، ثمَّ اقْعُدْ حتّى تَطْمَئِنَ قَاعدًا، ثمَّ افعلْ ذَلِكَ في كلِّ رَكْعةٍ"(3).

وأخرجه البيهقي من طريقه قال: وكذا قال إسحاق ابن راهويه عن أبي أُسامة، والصّحيح رواية عبيد الله بن سعيد أبي قلابة ويوسف بن موسى عن أبي أُسامة، بلفظ "ثُمَّ اسْجُدْ حتّى تَطْمَئِن سَاجدًا ثمَّ ارْفَعْ حتّى تستوي قائمًا" ثمّ ساقه من (أ) طريق يوسف بن موسى كذلك.

واعلم أنه تكرر من العلماء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه، وعلى عدم وجوب ما لم يُذْكَرْ أنها الوجوب فللأمر بذلك، وأما عدمه فلكون المقام مقام تعليم الواجب في الصّلاة فلو لم يذكر بعض ما يجب (ب) لكان فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو لا يجوز بالإجماع، فإذا حصرت ألفاظ هذا الحديث الصحيحة أخذ منها بالزائد ثمّ إنْ عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوي منه عُمِلَ به، وإن جاءت صيغة أمر بشيء لم

(أ) في جـ: ثمّ.

(ب) في الأصل: (ما يحجب) ولعلّه سبق قلم.

_________

(1)

البخاريّ 11/ 36 ح 6251.

(2)

أبو داود من رواية محمّد بن إسحاق 1/ 538 ح 860.

(3)

الفتح 2/ 279.

ص: 14

يذكر في هذا الحديث احتمل أنْ يكون هذا الحديث قرينة على حمل الصيغة على الندب واحتمل البقاء على الظّاهر فيحتاج إلى مرجح (أ) للعمل به، وقد ذكرنا الزيادات الواردة في طرق هذا الحديث.

واعلم أنّ من الواجبات المتفق عليها ولم تُذْكَر في هذا الحديث: النية (1) والقعود الأخير (2)، ومن المختلف فيه التشهد الأخير (3). والصلاة على النَّبيِّ، صلى الله عليه وسلم فيه، السّلام في آخر الصّلاة (4).

واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصّلاة، وبه قال الجمهور (5) واشتهر عن الحنفية (6) أنّ الطمأنينة سنة، وصرح بذلك كثير من مصنفيهم قالوا: لأن هذا الحديث خبر آحاد، وفيه زيادة على النص وهو قوله تعالى:{ارْكَعُوا واسْجُدُوا} (7) وهما حاصلان بغير طمأنينة والطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالآحاد لا تعتبر، وعورض بأن ذلك ليس زيادة بل بيان للمراد بالسجود والركوع، وأنه مخالف للسجود اللغوي، وِهو وضع الجبهة على الأرض مطلقًا وكذا الركوع مجرد انحناء الظهر (ب) فَبَيَّنَت السنة أنّ المأمور به في الصّلاة ما كان على هذه الكيفية المخصوصة من التمكن، ويؤيده أنّ الآية الكريمة إنّما نزلت بعد ثبوت كون

(أ) في جـ: ترجيح.

(ب) في جـ: و.

_________

(1)

الكافي 1/ 208، الهداية 1/ 44، وجعلها الأحناف من الشروط التي تتقدم الصّلاة، المغني 1/ 464، قال الخرقي: ولا نعلم خلافًا بين الأئمة في وجوب النية للصلاة.

(2)

المغني 1/ 450 الكافي 1/ 209، الهداية 1/ 46.

(3)

المراجع السابقة.

(4)

نقل الشَّرح والجمع ببن الروايات من الفتح 2/ 277 - 280.

(5)

الأئمة الثّلاثة. المجموع 3/ 349.

(6)

الهداية وشرحها. فتح القدير 1/ 300 - 301.

(7)

الآية، 77 من سورة الحج.

ص: 15

النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّي ويركع ويسجد ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بغير طمأنينة.

وأما الطحاوي (1)، فظاهر كلامه موافقة الحنفية للجمهور في الوجوب، فإنّه ترجم:"مقدار الركوع والسجود" ثمّ ذكر حديث أبي داود في قول: "سبحان ربي العظيم" ثلاثًا في الركوع وذلك أدناه، قال: فذهب قوم إلى أنّ هذا مقدار الركوع والسجود لا يجزئ أدنى منه. قال: وخالفهم آخرون فقالوا: إذا استوى راكعًا، واطمأن ساجدًا أجزأ (أ)، ثمّ قال: وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.

فائدة: الرَّجل الّذي علمه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم اسمه: خلادُ بن رافع جد علي بن يحيى راوي الحديث، وصرح ابن أبي شيبة (2) باسمه في روايته لحديث رفاعة، وفي رواية التّرمذيّ (3):"جاء رجل كالبدوي" لا ينافي ذلك لأنه شبه بالبدوي؛ لأنه أخف صلاته، ووقع في رواية النَّسائيّ (4) أنه صلّى ركعتين وفيه إشعار بأن الصّلاة نفل ولعلّها تحية المسجد، وفي الرِّواية المذكورة:"وقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته" زاد في رواية إسحاق بن طلحة (5) ولا يدري ما يعيب منها (ب) [ووقع في رواية رفاعة بن رافع عند

(أ) في هامش: هـ.

(ب) في هـ: فيها.

_________

(1)

شرح معاني الآثار 1/ 232 - 233، وفيه انقطاع بين عون وعمه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود. عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي هو ابن أخي عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل ثقة، أرسل عن عمه عبد الله، ثقات العجلي 377، التهذيب 8/ 171، سنن التّرمذيّ 2/ 47.

(2)

لم أقف عليه وفي رواية رفاعة لم يذكر الاسم ولكن في جزء القراءة للبخاري إشارة إلى ذلك 32.

(3)

التّرمذيّ 2/ 100 - 101 ح 302.

(4)

النَّسائيُّ "فصلّي" بدون قوله "ركعتين" 2/ 151.

(5)

النَّسائيُّ 2/ 179.

ص: 16

ابن أبي شيبة (1) في هذه القصة: دخل رجلٌ فصلّى صلاةً خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها، وأشار في البخاريّ إلى هذا في (أ) ترجمة الباب فقال: باب أمر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الّذي لا يتم ركوعه بالإعادة ثمّ أورد الحديث] (2)(ب) و (جـ) يؤخذ منها أنّ الدخول في النافلة يوجب إتمامها ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم عرف من حاله أنه لا يعرف استكمال الصّلاة من حيث هي فعرفه كيفية الصّلاة وإن لم يكن المقصود إلزامه بتأدية تلك النافلة ويحتمل أنها صلاة فرض، وفيه ما عرفت والحديث بكماله وقد اشتمل على فوائد وآداب فمن أراد استيفاء ذلك فليرجع إلى شروح الحديث.

206 -

وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "رأيْتُ رَسُولَّ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْه حذو منكبيه، وإذَا رَكعَ أمْكَنَ يديه مِنْ رُكبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظهره، فإِذَا رَفَعَ رأسَهُ اسْتَوى حَتَّى يَعُودَ كلُّ فَقَارٍ مكَانَهُ، فإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْه غَيْرَ مُفْترشٍ ولا قَابِضْهُما واستَقْبَلَ بأطْرَافِ أصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، وإذَا جَلَسَ في الرَّكعَتَيْنِ جَلَسَ علَى رجله اليُسْرَى، ونَصَبَ اليُمْنَى وإِذَا جَلَسَ في الرَّكْعَة الأخِيرَة قَدَّمَ رجله اليُسْرَى ونَصَبَ الأخْرَى وقَعَدَ علَى مقْعَدَتِهِ" أخرجه البَخاري (3).

(أ) زاد في الأصل: "كا"، ولا معنى لها.

(ب) في هامش الأصل.

(جـ) ساقطة من جـ، هـ.

_________

(1)

ابن أبي شيبة 1/ 287.

(2)

البخاريّ 2/ 276.

(3)

البخاريّ، الأذان، باب سنة الجلوس في التشهد 2/ 305 ح 828، أبو داود، نحوه الصّلاة، افتتاح الصّلاة 1/ 467 ح 730، الترمذي نحوه: الصّلاة، باب 227، 2/ 105 ح 304، النَّسائيُّ (مختصرًا) السّهو، باب رفع اليدين في القيام إلى الركعتين الأخيرتين 3/ 30، النَّسائيُّ (مختصرًا) السّهو. باب صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصّلاة 3/ 29، ابن ماجة (نحوه) إقامة الصّلاة، باب رفع اليدين إذا ركع فإذا رفع رأسه من الركوع 1/ 280 ح 862، أحمد (نحوه) 5/ 424.

ص: 17

هو أبو حُمَيد عبد الرّحمن بن سعد -ويقال: عبد الرّحمن بن عمرو (أ) بن سعد الأنصاري الخزرجي الساعدي، منسوب إلى ساعدة (1) وهو أبو الخزرج المدني غلب عليه كنيته.

روي عنه جابر بن عبد الله والعباس بن سهل وعروة بن الزُّبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، ومحمد بن عمرو (ب) بن عطاء، مات في آخر ولاية معاوية (2).

و (جـ) الحديث روي عن أبي حميد قولا وروي عنه فعلا. أراه صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والجمع بين الروايتين ممكن بالقول وبالفعل.

قوله: "إِذَا كبَّرَ جعل يَدَيْهِ حَذْو منكبيه": زاد ابن إسحاق: "ثُمّ قرأ بَعْضَ القُرآن" ونحوه لعبد الحميد، فيه دلالة على أنّ ذلك من أفعال الصّلاة، وأنه مقارن للتكبيرة وهو موافق لحديث (د) وائل بن حُجْرْ (3) عند أبي دود (هـ) رفع يديه مع التكبيرة، والمعية تقتضي أنه ينتهي بانتهائها، وهو

(أ) في جـ: عمر.

(ب) في جـ، هـ: عمر.

(جـ) الواو ساقطة من جـ، هـ.

(د) في هـ: بالحديث.

(هـ) زاد في جـ: و.

_________

(1)

وقيل: المنذر بن سعد بن المنذر، الاستيعاب 11/ 199.

(2)

الاستيعاب 11/ 199، الإصابة 11/ 89، سير أعلام النُّبَلاء 2/ 481.

(3)

أبو داود 1/ 465 ح 725 قلت: والحديث له علل:

1 -

المسعودي صدوق اختلط، التقريب 205.

2 -

عبد الجبار بن وائل، أرسل عن أبيه، التقريب 196.

3 -

أهل بيته مجهولون.

ص: 18

الّذي صححه النووي في شرح المهذب (1)، نقله عن نصّ الشّافعي، وهو المرجّح عند المالكية (2)، وصحح في الروضة (3) تبعًا لأصلها أنه لا حَدّ لانتهائه.

وقد ورد تقديم الرفع على التكبير وعكسه أخرجهما مسلم فأخرج من حديث ابن شهاب لفظ (أ) رفع يديه ثمّ كبر (4)، وفي حديث مالك بن الحويرث:"كبر ثمّ رفع يديه"(5)، وذهب إلى تقديم الرفع على التكبير صاحب "الهداية" (6) من (ب) الحنفية قال: لأن الرفع نفي صفة الكبرياء عن غير الله تعالى، والتكبير إثبات ذلك له والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشّهادة. وهذا منه بناء على أنّ هذه (جـ) الحكمة في الرفع، وقال غيره: الحكمة في الجمع بين التكبير والرفع في افتتاح الصّلاة أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى، وقيل معنى الرفع: الإشارة إلى طَرْح الدنيا والإقبال بكليته على العبادة، وقيل إلى الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله:"الله أكبر" وقيل: إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل: إلى تمام (د)

(أ) ساقطة من جـ، هـ.

(ب) في جـ، هـ: و.

(جـ) في الأصل وهـ: هذا.

(د) في هـ: إتمام.

_________

(1)

المجموع 3/ 242 - 243.

(2)

جواهر الإكليل 1/ 50.

(3)

الروضة 1/ 231.

(4)

أخرج من حديث ابن عمر "رفع يديه ثمّ كبر" 1/ 292 ح 22 - 390 م.

(5)

أخرج من حديث مالك بن الحويرث "إذا صلّى كبر ثمّ رفع يديه" 1/ 293 ح 24 - 391.

(6)

الهداية، 1/ 46.

ص: 19

القيام، وقيل: إلى رَفْعِ الحجاب بين العبد والمعبود، وقيل: ليستقبل بجميع بدنه.

قال القرطبي (1): هذا أنسبها.

وقال الربيع قلت: للشافعي: ما معنى رفع اليدين؟ قال: تعظيم الله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ونقل ابن عبد البرّ (2) أنه قال: رفع اليدين من زينة الصّلاة.

وعن عقبة بن عامر قال: "لكل رفع عشر حسنات وكل (أ) إصبع حسنة"، ولم يقل أحد بتقديم التكبير على الرفع (3) واختلف العلماء في حكم الرفع فقال النووي (4): أجمعت الأمة على استحبابه، وهو منقوض بأن داود وأحمد بن سيار (ب) قالا بوجوبه ونقله القرطبي (5) في أوائل تفسيره عن بعض المالكية، وهو مقتضي قول ابن خزيمة أنه رُكن، واحتج له بمواظبة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، على فعله، وقد قال:"صَلُّوا كَمَا رَأَيِتُمُوني أُصَلي".

[وقال بالوجوب أيضًا الأوزاعي والحميدي شيخ البخاريّ، وحكاه القاضي حسين عن الإمام أحمد (6).

(أ) في جـ، هـ: بكل.

(ب) في جـ: يسار

_________

(1)

المفهم ل 110.

(2)

التمهيد 7/ 83 وعزاه إلي ابن عمر.

(3)

لكن ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم كما في مسلم من حديث مالك بن الحويرث 1/ 293 - 24 - 391.

(4)

شرح مسلم 2/ 21 وقول الشارح أنه منقوض، أنها داود فإن النووي لا يعتد بخلافه وقد حكيناه فيما مضى، أنها أحمد بن سيار فلعلّه أراد إجماع من قبل المذكورين الفتح، 2/ 219.

(5)

نقله الحاكم عنه في ترجمة محمّد بن علي العلوي، الفتح، 2/ 219.

(6)

قال ابن قدامة: لا نعلم خلافًا في استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصّلاة. المغني 1/ 469.

ص: 20

وقال ابن عبد البرّ: كلّ مَنْ نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصّلاة بتركه، إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي، ونقل بعض (1) الحنفية عن الإمام أبي حنيفة أنه يأثم تاركه] (أ)، وقد تؤول قول النووي بأنه أراد إجماع من سلف قبل المخالفين، أو أنّ الاستحباب لا ينافي الوجوب.

وقال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصّلاة، وهو منقوض بما تقدّم والجواب كما تقدّم.

قال المصنِّف رحمه الله تعالى (2) -: ونقل العبدريّ عن الزيدية أنه لا يرفع (ب)، قال: وفي رواية عن مالك أنه لا يستحب، نقله صاحب:"التبصرة" منهم، وحكاه (جـ) الباجيّ عن كثيرٍ مِنْ متقدميهم، انتهى كلامه.

وأقول: وفي حكايته عن الزيدية الجميع نظر فإن القول بعدم الرفع إنّما هو للهادي ورواية عن القاسم (3)، وقال زيد بن علي (4) والمؤيد بالله ورواية عن القاسم، والناصر والإمام يحيى: يستحب رفع اليدين للافتتاح، واحتج القائلون به بهذا الحديث وغيره من سائر الأحاديث الواردة في ذلك من الطرق الصحيحة المعتبرة، حتّى قال المصنِّف رحمه الله (5): عددت من روى

(أ) في هامش الأصل: وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.

(ب) زاد في هامش جـ (ولا يعتد بخلافهم)، وهي موجودة في الفتح 2/ 219.

(جـ) في جـ: وحكى.

_________

(1)

إنّه لا يرفع يديه إلا لتكبيرة الإحرام، وله قال الثّوريّ وابن أبي ليلى.

(2)

الفتح 2/ 219.

(3)

البحر 1/ 239.

(4)

البحر 1/ 240.

(5)

ذكر ابن حجر في الفتح أنّ شيخه أبا الفضل العراقي تتبع من رواه من الصّحابة فبلغوا خمسين رجلا، وذكر الحاكم وأبو القاسم في مسنده ممّن رواه العشرة المبشرون بالجنة.

ص: 21

رفع اليدين في ابتداء الصّلاة خمسين صحابيا، منهم العشرة المشهود لهم بالجنة.

وروى البيهقي عن الحاكم قال: لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة، ثمّ العشرة الشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصّحابة على تفرقهم في البلاد (أ) الشاسعة غير هذه السنة.

قال البيهقي: هو كما قال أستاذنا أبو عبد الله.

وقد صنف السبكي في ذلك كتابًا ونسب إلى الزيدية إنكار ذلك وفيه ما عرفت، وقد رواه أبو خالد الواسطي في مجموع عن (ب) زيد بن عليّ، ورواه محمّد بن منصور في أمالي أحمد بن عيسى من حديث أنس ومن حديث وائل بن حجر، ورواه أيضًا عن القاسم واحتج المانعون للرفع بحديث جابر بن سَمُرَة أخرجه مسلم قال:"خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مَا لِي أرَاكُمْ رَافعِي أيْدِيَكُمْ كأَنَّهَا أذْنَابُ (جـ) خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلاةِ" (1).

[وشُمَّسٍ: جمع شموس وهي النفور من الدواب التي لا تستقر لشغبه وحدته، كذا في "النهاية"(2)، وقال النووي في "شرح مسلم" (3) شمس: بإسكان الميم وضمها -وهي التي لا تستقر بل تضطرب وتتحرك بأذنابها

(أ) في هامش هـ.

(ب) في هـ ساقط: (عن).

(جـ) في ب: أذيال.

_________

(1)

مسلم، 1/ 322 ح 119 - 430.

(2)

النهاية، 2/ 501.

(3)

شرح مسلم، 2/ 74.

ص: 22

وأرجلها] (أ) فدل الحديث على النهي عن ذلك فكان ناسخًا لما ثبت من الرفع.

وأجاب الأولون بأنَّ أصل هذا الحديث الّذي أخرجه مسلم (1) قال: "كُنَّا إِذَا صَلَّينَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السَّلامُ عليكم ورحمة الله، السَّلَامُ عليكم ورحمة الله، وَأشار بيده إلى الجانبين فقال لهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم "علام تومئون بأيديكم كانها أذناب خيل شمس، إنّما يكفي أحدكم أنّ يضع يده على فخذه ثمّ يسلم على أخيه من عن يمين ومن عن شمال".

وفي رواية: "إِذَا سلم أَحدُكُمْ فلْيَلتَفِتْ إلى صَاحِبِه ولا يُوُمئ بيديه"(2).

وقال ابن حبّان: تقدّم (ب) ذكرُ الخبر المقتضي للقصة المتقدمة المختصرة بأن القوم إنّما أمروا بالسكون في الصّلاة عند الإشارة بالتسليم دون الرفع الثابت عند الركوع، ثمّ رواه (جـ) كنحو رواية مسلم.

قال البخاريّ (3): من احتج بحديث جابر بن سمرةَ على منع الرفع عند الركوع فليس له حظ من العلم، هذا مشهور، لا خلاف، إنّما كان في حال التشهد.

وأجاب الإمام المهدي في "البحر"(4) عن هذا قال: وحملهم إياه على

(أ) مثبت: بهامش الأصل.

(ب) هـ: بعد.

(جـ) في جـ: ثمّ روي، وساقطة من هـ.

_________

(1)

مسلم 1/ 322 ح 120 - 431.

(2)

مسلم 1/ 322 ح 121 - 431 م.

(3)

قرة العين برفع اليدين في الصّلاة 31.

(4)

البحر 1/ 240.

ص: 23

الإشارة عند التسليم بعيد إذ قال "أيْدِيَكُمْ" ولم يقل "أَصَابِعَكمْ" ولضعف التشبيه معه انتهى (1).

وهو يريد أنّ تشبيه الأيدي بأذناب الخيل الشّمس في حال الإشارة وقت السّلام ضعيف لبُعْد المشابهة، بخلاف رفعها عند التكبير فهو ظاهر وجه الشبه، وهو محل تأمَل، والله أعلم.

وقوله: "حَذو منكبيه" -بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة أي: مقابلها، والمَنْكب مجمع عظم العضد والكتف (2)، وبهذا أخذ الشّافعيّ (3) والجمهور، وذهب الحنفية (4) إلى أنه ترفع حتّى تحاذي بهما فروع أذنيه لحديث مالك بن الحويرث الآتي (5)، وعند أبي داود من حديث وائل بن حجر بلفظ:"حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ"(6)، ورجح الأوّل بكون إسناده أصح، وروي أبو ثَوْر عن الشّافعيّ أنه جمع بينهما، فقال: يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأطرافِ أنامله الأُذُنَين (7)، ويؤيده رواية أخرى عن وائل عند أبي داود:"حتّى كَانتْ حيَالَ مَنْكَبَيْه وحَاذَي بإبْهَامِيهِ أُذُنَيْهِ"(8)، وبهذا قال المتأخرون من المالكية فيما حكاه ابن سابق في "الجواهر"، لكن روي مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه في الافتتاح

(1) بل رواية مسلم المتقدمة تدل على خلاف ما قال المهدي في البحر، وأن المراد عند السّلام.

(2)

مختار الصحاح 47.

(3)

المجموع 3/ 243، وعند أحمد أنه يتخير بينهما ولا فضيلة لأحدهما، المغني 1/ 470.

(4)

الهداية 1/ 280.

(5)

وهو: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتّى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع

وإذا رفع رأسه

، فعدل مثل ذلك" مسلم 1/ 294 ح 25 - 391 م.

(6)

أبو داود 1/ 465 ح 726.

(7)

المجموع 1/ 247، فقه أبي ثور 214.

(8)

أبو داود 1/ 464 ح 723.

ص: 24

وفي غيره دون ذلك (1) أخرجه أبو داود (2).

ويعارضه قول ابن جُرَيْج: قلت لنافع: كان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهما؟ قال: لا (3)، ذكره أبو داود أيضًا، وقال: لم يذكر رفعهما دون ذلك غير مالك فيما أعلم، والله أعلم.

فائدة: لم يَردْ ما يدلُّ على التفرقة في الرفع بين الرَّجل والمرأة، وعند الحنفية (4): يرفع الرَّجل إلى الأُذُنَين والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها (5).

وقوله "أمْكَنَ يَدَيْه مِنْ رُكْبَتَيْه" في رواية أبي داود "كأنه قابض عَلَيْهِما"(6) وهذا تفسير الإمكان.

وقوله "ثُمَّ هَصر ظهره"(7) بالهاء والصاد المهملة المفتوحتين "أي ثَنَاهُ في استواء من غير تقويس ذكره الخطابي (8)، وفي رواية الكشميهني "ثُمَّ حَنَى" -بالحاء المهملة والنون وهو بمعناه، وفي رواية عيسى: "غَيْرَ مُقْنِع رَأَسَهُ ولَا مُصَوِّبه" ونحوه (9) لعبد الحميد ولأبي داود في رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، "وفَرَّجَ بين أصَابِعِهِ" (10).

(1) الموطَّأ 70.

(2)

أبو داود 1/ 475، ح 742، وقال: لم يذكر رفعهما دون ذلك أحد غير مالك.

(3)

أبو داود 1/ 474 - 475 ح 741.

(4)

الهداية 1/ 46 - 47.

(5)

قال الشوكاني: اعلم أنّ هذه السنة يشترك فيها الرجال والنساء ولم يرد ما يدلُّ على الفرق بينهما، وكذا لم يرد ما يدلُّ على الفرق ببن الرَّجل والمرأة في مقدار الرفع، ويروى عن الحنفية أنّ الرَّجل يرفع إلى الأُذُنَين والمرأة إلى المنكبين ولا دليل على ذلك. النيل، 4/ 198.

(6)

أبو داود 1/ 471 ح 734.

(7)

هصر الغصن، أخذ برأسه فأماله إليه. مختار الصحاح 204.

(8)

وفي معالم السنن (هصر ظهره) ثنى ظهره وخفضه 1/ 357.

(9)

و (10) أبو داود 1/ 467 ح 730، 1/ 468 ح 731.

ص: 25

وقوله: "فإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى": زاد عيسى عند أبي داود فقال: "سَمِعَ الله لمَنْ حَمدَه اللَّهُمَّ رَبَنَّا لَكَ الْحَمْدُ، ورفع يديه"(1) ونحوه لعبد الحميد وزادَ "حتى يحاذي بِهِمَا منكبيه مُعْتَدِلا"(2).

وقوله: "حَتى يَعُودَ كلّ فَقَارٍ مَكَانَهُ": الفقار (3) -بفتح الفاء والقاف- جمع فقارة وهي عظام الظهر وهي العظام التي يقال لها خرز الظهر، قاله الفراء، وقال ابن سيده (4): هي من الكاهل إلى العَجْب، وحكى ثعلب عن نوادر ابن الأعرابي "أنّ عدتها سبع"، وفي أمالي الزجَّاج: أصولها سبع غير التوابع، وعن الأصمعي: هي خمس وعشرون؛ سبع في العنق وخمس في الصلب وبقيتها في أطراف الأضلاع.

وحُكى في: "المطالع" أنه وقع في رواية الأصيلي: بفتح الفاء وكسرها، ولابن السكن بكسرها، والصواب بفتحها.

(أقال المصنِّف رحمه الله (5) وفي روايتنا قفار بتقديم القاف على الفاء وكذا للأصيلي، وعند الباقين بتقديم الفاء كرواية يحيى بن بكير، لكن ذكر صاحب "المطالع" أنهم كسروا الفاء، وجزم جماعة من الأئمة بأن تقديم القاف تصحيف، وقال ابن المُنَيِّر: لم يتبين لي وجهه (أ) انتهى.

(أ - أ) الفقرة متأخرة في الأصل، وهـ (حتّى يقع كلّ عظم موضعه) في الصفحة التالية.

_________

(1)

أبو داود 1/ 470 ح 733.

(2)

أبو داود 1/ 467 - 468 ح 730.

(3)

النهاية 3/ 462 - 463.

(4)

قال: ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب، المحكم 6/ 231.

(5)

الفتح 2/ 308.

ص: 26

والمراد بذلك كمال الاعتدال تفسره رواية هشيم عن عبد الحميد: ثمّ يمكث قائما حتّى يقع كلّ عظم موقعه (1).

وقوله "غير مفترش": أي لهما، ولابن حبّان:"غير مفترش ذراعيه" وهي مفسرة.

وقوله "ولا قابضهما": أي بأن يضمهما إليه.

وقوله: "فإذا جلس في الركعتين": أي في الأوليين ليتشهد.

وقوله "وإذا (أ) جلس في الركعة الأخيرة" إلخ فيه دلالة قوية للشافعي (2) ومن يقول بقوله إن هيئة الجلوس في التشهد الأوّل مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير، وخالف في ذلك المالكية والحنفية (3) فقالوا: يسوّي بينهما، لكن قال المالكية: يتورك فيهما كما جاء في التشهد الأخير، ويقاس عليه الأوسط، وعكسه الآخرون، وهو قول الهادي (4) والقاسم والمؤيد بالله وزيد بن عليّ لثبوت ذلك في الأوسط، قالوا: وتوركه صلى الله عليه وسلم في الأخير بيان للجواز لطوله، [والتورك: هو أنّ يفضي بوركه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى] (ب)(5).

وقد قيل في حكمه المغايرة بينهما أنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد

(أ) في هـ: فإذا.

(ب) بهامش الأصل، وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.

_________

(1)

التّرمذيّ: عن يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بلفظ: "ورفع يديه واعتدل حتّى يرجع كلّ عظم في موضعه معتدلا" 2/ 105 - 106 ح 304.

(2)

التّرمذيّ المجموع 3/ 394.

(3)

الهداية 1/ 51، الكافي 1/ 208.

(4)

البحر 1/ 272.

(5)

ويجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى، المغني 1/ 539، المطلع 84.

ص: 27

الركعات، ولأن الأوّل تعقبه حركة بخلاف الثّاني، ولأن المسبوق إذا رآه علم قدر ما سبق به، واستدل به الشَّافعيُّ على أنّ حُكْمَ تشهد صلاة الصُّبح حكم الأخير لعموم قوله "الركعة الاخيرة"(1)، واختلف فيه قول أحمد، والمشهور عنه اختصاص التورك بما فيه تشهدان.

207 -

وعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَنَّهُ كانَ إِذَا قَامَ إِلى الصَّلاة قال: "وَجَّهْت وجهي" إِلى قوله "من المُسْلمين، اللهُمَّ أنت الملك لا إِله إِلا أنت، أنت ربي وأنا عَبْدُكَ" إِلى آخره". رواه مسلم (2).

وفي رواية له أنّ ذلك في صلاة اللّيل (3).

تمامه: "ظلمتُ نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لَبَّيْكَ، وسعدَيْك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك".

(1) واستدل الشّافعيّ بقوله في حديث أبي حميد: "في الركعة الأخيرة، واستدل الحنابلة بقوله في الحديث "فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى"، المجموع 3/ 394، والمغني 1/ 533.

(2)

مسلم، صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة اللّيل وقيامه 1/ 534 ح 201 - 771، أبو داود و (نحوه) الصّلاة، باب ما يستفتح به الصّلاة من الدُّعاء 1/ 481 ح 760، التّرمذيّ، الدعوات، باب ما جاء في الدُّعاء عند افتتاح اللّيل 5/ 485 ح 3421، النَّسائيُّ، الافتتاح، نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة 2/ 100 - 101، وابن ماجة مختصرًا، إقامة الصّلاة، باب سجود القرآن 1/ 335 ح 1054، ابن خزيمة في الصّلاة، باب ذكر الدُّعاء بين تكبيرة الافتتاح والقراءة 1/ 235 - 236 ح 462 - 463 - 464، أحمد 1/ 94 - 95.

(3)

لم أقف عند مسلم على أنّ ذلك في صلاة اللّيل من حديث علي، وأخرجه مسلم من حديث عائشة 1/ 534 ح 200 - 770.

ص: 28

وإذا ركع قال: "اللَّهُمَّ لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظم، وعصبي".

وإذا رفع رأسه قال: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لك الحمد، ملء السموات وملء والأرض (أ)، ملء ما شئت من شيء بعد".

وإِذا سجد قال: "اللَّهُمَّ لك سجدت، ولك آمنت، ولك أسلمت، سَجَد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين".

ثمّ يكون (ب) آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللَّهُمَّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

وروى هذا الحديث أحمد والترمذي وصححه.

معنى "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ": قصدتُ بعبادتي.

"وفطر السموات والأرض" أي (جـ): ابتدأ خلقهما من غير مثال سابق، وجَمَعَ "السموات" ووحد "الأرض" في هذا وفي غيره، قيل لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُسْرِي به ووطئَها بقدميه، وأما الأرض فلم يطأ بقدمه (د) إلا العلّيا فشرفت بذلك، أو (هـ) لأن "السموات" محل الملائكة ولم يثبت في سائر الأرضين مثل ذلك ولذلك كانت السموات أفضل. وقد قيل إن الأرضين

(أ) ساقطة من هـ.

(ب) زادت هـ من (ثمّ يكون من).

(جـ) ساقطة من جـ.

(د) زاد في هـ: منها.

(هـ) في هـ: و.

ص: 29

السبع لها سكن فروى البيهقي (1) عن أبي الضحى عن ابن عبّاس أنه قال: في قوله {وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ} (2) قال: "سبع أرضين في كلّ أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم"(أ).

ثمّ قال: إسناد هذا الحديث عن ابن عبّاس صحيح، غير أني لا أعلم لأبي الضحى متابعًا.

و"حنيفًا": قال الأكثرون معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام، والحنف (ب): الميل ويكون في الخير والشر، وقيل المراد بالحنيف هنا المستقيم، قاله الأزهري وغيره.

وقال أبو عبيد: الحنيفية عند العرب: من كان على دين إبراهيم.

وقوله "وما أنا من المشركين" بيان للحنيف وإيضاح لعناه، والمشرك يطلق على كلّ كافر من عابد وثن وغيره.

وقوله (جـ): "إن صلاتي ونسكي": النسك: العبادة (3) وكل ما يتقرب به إلى الله تعالى، وهو مِن عطف العام على الخاص، والنسيكة في

(أ) في هـ: كعيسايكم.

(ب) في جـ: والحنيف.

(جـ) في هـ: وكقوله.

_________

(1)

الأسماء والصفات 389 - 390 قال البيهقي: إسناد هذا الحديث عن ابن عبّاس رضي الله عنهما صحيح، وهو شاذ بمرة ولا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا.

وقال ابن كثير وقال: وهو محمول إن صح نقله عنه أنه أخذه ابن عبّاس من الإسرائيليات، البداية والنهاية 1/ 21.

(2)

الآية، 12 من سورة الطّلاق.

(3)

النهاية 5/ 48.

ص: 30

الأصل: الفضة المذابة المصفاة من كلّ خلط.

وقوله: "ومحياي ومماتي": أي حياتي، ويجوز فتح الياء وإسكانها، والأكثر على فتح ياء "محياي".

وقوله "لله": اللام لام الملك والاختصاص، وكلاهما مراد هنا.

وقوله "رب العالمين": في معنى الرب (1) أربعة أقوال: المالك والسيد والمدبر والمربي (أ)، فعلى الأولين هو صفة ذات، وعلى الأخيريْن صفة فِعْل ومتى دخلت عليه اللام اختص بالله سبحانه [وقد أطلق على غيره نادرًا مع القرينة كقول ابن حِلِّزة:

وهو الرب والشهيد على يو

م الحيارين والبلاء بلاء (2)] (ب)

"والعَالَمين": جمع عَالَم، والعالم مشتقٌّ من العلم وهو اسم لجميع المخلوقات يعني أنه يصح إطلاقه على جميع (جـ) الأجناس، فيقال: عالم الملك وعالم الإنس وعالم الجن وعالم الأفلاك وعالم النبات إذا كان المراد بعالم ما يُعْلمُ به الخالق.

وإن كان المراد به من يَعْلَمُ كان مختصا بالمَلك والثَّقَلين، ويتناول غيرهم على جهة الاستتباع.

وقيل: عنى به هنا الإنس وحدهم لأن كلّ واحد منهم يشتمل على

(أ) في هـ: والمربي والمدبر.

(ب) بهامش الأصل.

(جـ) ساقطة من هـ.

_________

(1)

القاموس 1/ 72 - 73.

(2)

هذا البيت من معلقة الحارث بن حلزة، شرح المعلقات السبع 236، وقبله.

ص: 31

نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض يعلم بها الصانع، ولذلك (أ) رود عن عليّ، رضي الله عنه:(1).

أتحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم (ب) الأكبر

وقال الله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (2).

وأما جمعه مع القول بشموله في حال التعريف فلدلالته (جـ) على أنّ القصد إلى الإفراد دون الحقيقة.

وقوله: "لَا شَرِيكَ له": تأكيد لقوله: و (د)"لله رَبِّ العَالَمِينَ" المفهوم منه معنى الاختصاص.

وقوله: "وأنَا أولُ المسلمين" أي من هذه الأمة، وفي رواية لمسلم:"وأنا من المسلمين"(3).

وقوله "اللَّهُمَّ أنت المَلِكُ" أي القادر على كلِّ شيء المالك لجميع المخلوقات.

وقوله "ظَلَمْتُ نَفْسِي": اعتراف بالتقصير، قدَّمه على سؤال المغفرة أدبًا.

وقوله: "اهدني": أي: أرشدني ووفقني للتخلق بها.

وقوله: "سيئها": أي: قبيحها (هـ).

(أ) في جـ: وذلك.

(ب) في جـ: العلم.

(جـ) في جـ: فلدلالة.

(د) الواو ساقطة من هـ، جـ.

(هـ) في هـ: قبيحا.

_________

(1)

ديوان الإمام علي 57.

(2)

الآية 21 من سورة الذاريات.

(3)

مسلم 1/ 536 ح 202 - 771 م.

ص: 32

وقوله: "لَبَّيْكَ" مصدر مثنى مضاف من لَبِّ بالمكان أي أقام، أو من أُلب ومعناه، أنا مقيم على طاعتك وامتثال أمرك إقامة متكررة، أو من اللُّباب أي: الخالص؛ أي مخلص في عبادتك وتوجهي إليك، أو بمعنى اتجاهي وقصدي إليك.

وقوله "سَعْديك" ومعناه أي أسعد أمرك وأتبعه إسعادًا متكررًا، وهو كذلك مصدر مثنى مضاف.

وقوله: "الخير كله في يديك، والشر ليس إليك": ومعناه: أنّ الفواضل والآلاء كلها من إنعامك على عبادك، والمزيد ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، كله بيديك والشر ليس إليك، قال الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري (أ) وغيرهم: معناه: لا يتقرب به إليك.

وقال المزني كما حكاه عنه الشّيخ أبو حامد معناه: لا يضاف إليك على جهة الانفراد، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير، ولا يا رب الشر. وإن كان هو خالق كلّ شيء، وإنّما يدخل على جهة العموم (ب) بأن يقال خالق كلّ شيء.

وقيل معناه: والشر لا يصعد إليك، وإنّما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح.

وقيل: معناه: والشر ليس مضافًا ومعدودًا، ومنتهيًا نسبته إليك، كما يقال:"فلان إلى بني فلان" إذا كان عداده فيهم، ويحتمل أنّ يكون معناه: والشر ليس إليك؛ أي ليس ما أوجدته شرًّا بل كلّ ما فعلته

(أ) في جـ: الزّهريُّ.

(ب) في جـ: بأنه.

ص: 33

وأوجدته فهو خير، وكون فيه مضرة للغير ليس هو بشر باعتبار عاقبته المحمودة وما تضمن من الحكمة البالغة.

وقوله: "أنا بك وإليك": أي التجائي إليك وانتمائي إليك وتوفيقي بك.

وقوله: "تباركت": أي استحققت الثّناء، أو معناه: ثبت الخير عندك.

وقوله: "ملء السموات" إلخ .. بكسر اليم، وهو منصوب صفة مصدر (أ)، محذوف، ويجوز رفعه خبرًا لمبتدأ محذوف، والأظهر النصب ومعناه: حمدًا لو كان أجسامًا لملأ السموات والأرض لعظمه، وهو من باب الاستعارة بالكناية شبه الحمد الصادر منه الكبير بالأجسام المتكاثرة المالئة للسموات والأرض فاستغنى عن ذكر ما يدلُّ على ذلك، بما يلزم تلك الأجسام وهو شغل الحيز الوسيع.

وقوله "سجد وجهي": يحتمل أن يراد به الذات، ويحتمل أن يراد به حقيقة الوجه، فيستدل به على الوجه الأخير على أنّ الأُذُنَين من الوجه.

وقوله: "أحسن الخالقين": أي: المقدِّرين أو المصورين.

وقوله "أنت المقدم": أي: تقدّم مَنْ شئت بطاعتك وغيرها وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك.

وهذا الحديث يدلُّ على أنه يستحب الاستفتاح بهذا وسائر ما ذكر في أركان الصّلاة، ورواية أنّ ذلك في صلاة اللّيل لا ينافي الاستحباب مطلقا، والله أعلم.

208 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله إِذا كبر في الصّلاة سكت هنيهة قبل أنّ يقرأ. فسألته فقال: أقول: اللَّهُمَّ

(أ) في جـ: مقدرة.

ص: 34

باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللَّهُمَّ نقني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيض من الدنس، اللَّهُمَّ اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد" متفق عليه (1).

قوله "سكت" المراد بالسكوت هنا هو ترك الجهر بالقراءة.

وقوله: "هنيهة" هكذا في رواية الكشميهني (2) للبخاري، وهي رواية إسحاق والحميدي في مسنديهما (أ) عن جرير والهاء مقلوبة من الياء وأصلها هنية تصغير هيوة (ب)، اجتمعت الواو والياء، والياء ساكنة فقلبت الواو إليها فقيل: هنية وهي الثابتة عند الأكثر، وذكر عياض (3) والقرطبي أنّ أكثر الرواة قالوه بالهمز، وقال النووي (4): الهمزة خطأ.

وقوله " باعد": المراد بالمباعدة: محو ما حصل منها والعصمة عما

(أ) في جـ: مسندهما.

(ب) في هـ: بالهمزة.

_________

(1)

البخاري، (نحوه) الأذان، باب ما يقول بعد التكبير 2/ 227 ح 743، مسلم (نحوه) المساجد، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة 1/ 419 ح 147 - 598، أبو داود، الصّلاة، باب السكتة عند الافتتاح 1/ 493 ح 781، النَّسائيُّ، الافتتاح، باب الدُّعاء بين التكبيرة والقراءة 2/ 99، ابن ماجة، إقامة الصّلاة والسُّنَّة فيها، باب افتتاح الصّلاة 1/ 264 ح 805، ابن خزيمة، الصّلاة. باب إباحة الدُّعاء بعد التكبير 1/ 237 ح 465.

(2)

الفتح 2/ 229.

(3)

مشارق الأنوار 2/ 271.

(4)

شرح مسلم 2/ 243.

ص: 35

سيأتي منها، وهو مجاز عن (أ) عدم اجتماعه بالخطايا كعدم اجتماع الشرق والغرب إذ الاجتماع حقيقة إنّما هو بين أجسام، كما في المشبّه به، والمراد أنّ لا يبقي لها منه اقتراب بالكلية، وأعاد "بين" في المعطوف لئلا تعطف على الضمير المجرور من دون إعادة الخافض.

وقوله "نقني": مجاز عن زوال الذنوب ومحو أثرها، ولما كان الدنس في الثّوب الأبيض أظهر من غيره وقع التشبيه به.

وقوله: "بالماء والثلج والبرد" قال الخطابي (1) ذكر الثلج والبرد تأكيدًا، ولأنهما ماءان لم تستعملهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال. وقال ابن دقيق العيد (2): عبر بذلك عن عامة المحو، فإن الثّوب الّذي تتكرر عليه ثلاثة أشياء مُنَقِّية يكون في غاية النقاء. قال: ويحتمل أنّ يكون المراد أنّ كلّ واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو، وكأنه كقوله تعالى:{وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} (3).

و (ب) قال الطيبي (4): المراد من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول الرّحمة والمغفرة بعد العفو، لإطفاء حرارة عذاب النّار الّتي هي في غاية الحرارة، ومنه قولهم: بَرَّدَ الله مضجعه؛ أي رحمه الله ووقاه عذاب النّار، انتهى.

(أ) في جـ: على.

(ب) الواو ساقطة من جـ.

_________

(1)

أعلام الحديث ولفظه: والثلج والبرد ماءان لم تمسها للأيدي ولم تمتهنهما بمرس واستعمال 1/ 221.

(2)

إحكام الأحكام 2/ 269 - 271.

(3)

الآية 286 من سورة البقرة.

(4)

الفتح 2/ 230.

ص: 36

ويؤيده ورود وصف الماء بالبرودة في حديث عبد الله بن أبي أوفى. عند مسلم (1) وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم، لكونها مسببة عنها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه (2).

وقال التوربشتي (3): خصَّ هذه الثّلاثة بالذكر لأنها منزلة من السَّماء.

وقال الكرماني (4): يحتمل أنّ يكون في الدعوات الثلاث إشارة إلى الأزمنة الثّلاثة، فالمباعدة للمستقبل والتنفية للحال والغسل للماضي انتهى. وكان تقديم المستقبل للاهتمام بدفع ما سيأتي قبل رفع ما حصل.

وفي الحديث دلالة علي مشروعية السكوت للمصلّي، ونقل ابن بطّال (5) عن الشّافعيّ أنّ سبب هذه السكتة للإمام أنّ يقرأ المأموم الفاتحة، ودفعه بأنه لو كان كذلك لقال في الجواب: أسكت ليقرأ من خلفي والنقل هو غير معروف عن الشّافعيّ ولا عن أصحابه، إلا أنّ الغزالي قال في "الإحياء" (6): إن المأموم يقرأ الفاتحة إذا اشتغل الإمام بدعاء الافتتاح، وقال

(1) مسلم 1/ 346 - 347 ح 204 - 476 م.

(2)

انظر كلام ابن حجر في الفتح 2/ 230.

(3)

الفتح 2/ 230.

(4)

الكرماني 5/ 112.

(5)

الفتح 8/ 229 - 230.

(6)

قال: إن كان خلف الإمام اختصر إن لم يكن للإمام سكتة طويلة يقرأ فيها ثمّ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثمّ يقرأ الفاتحة يبتدئ فيها ببسم الله الرّحمن الرحيم 1/ 150.

ص: 37

المتولي (1) أنه يكره تقديم المأموم قراءة الفاتحة على الإمام، ووجه (أ) أنّ فراغ المأموم من قراءة الفاتحة قبل الإمام يبطل صلاته (2)، والمعروف عن الشّافعيّ أنّ المأموم يقرؤها في سكتة الإمام بين الفاتحة والسورة.

وفي الحديث دلالة على مشروعية (ب) الدُّعاء بين التكبير والقراءة خلافًا للمشهور عن مالك (3)، وقد ورد فيه الحديث المتقدم عن علي رضي الله عنه، وقد أخرجه الشّافعيّ وابن خزيمة وغيرهما بلفظ "إذا صلّى المكتوبة .. "(4)، واعتمده الشّافعيّ في "الأم"(5).

ثمّ هذا الدُّعاء صدر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وقيل قاله على سبيل التعليم لأمته، واعترض بأنه لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بأنه قد ورد الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار (6).

وفيه (جـ) ما كان الصّحابة عليه من المحافظة على تتبع أحوال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وإسراره وإعلانه حتّى حفظ الله تعالى بهم الدين،

(أ) غير واضحة في هـ ولعلّها: ووجهه.

(ب) زاد في هـ: تقديم.

(جـ) ساقطة من هـ.

_________

(1، 2) الفتح 2/ 230.

(3)

المجموع 3/ 256، المغني 1/ 473، بداية المجتهد 1/ 123.

(4)

مسند الشّافعيّ 46، ابن خزيمة 1/ 236 ح 464.

(5)

الأم 1/ 91 - 92.

(6)

كشف الأستار 1/ 254، ومجمع الزوائد 2/ 106، وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير وإسناده ضعيف.

ص: 38

وهذا حديث أبي هريرة أصح ما ورد في هذا.

209 -

وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: "سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إِله غيرك" رواه مسلم بسند منقطع، والدارقطني موصولا وهو موقوف (1).

ونحوه عن أبي سعيد مرفوعًا عند الخمسة وفيه: "وكان يقول: بعد التكبير "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفثه ونفخه".

حديث عمر (أرواه مسلم أ) موقوفًا بإسناد منقطع، وقال الحاكم، قد صح ذلك (2) عن عمر.

وقال في "الهدي"(3): إنّه صح عن عمر أنه كان يستفتح به في مقام النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ويجهر به ويعلمه النَّاس، وهو بهذا (ب) الوجه في حكم المرفوع، ولذا قال الإمام أحمد (4): أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر، ولو أنّ رجلا استفتح ببعض ما روي كان حسنا، وهو أيضًا في "صحيح ابن خزيمة" (5) و (جـ) أخرجه أبو داود والحاكم من حديث عائشة مرفوعًا قالت: "كان النَّبيُّ

(أ - أ) ساقطة من جـ، في هـ: مثبتة ومضروب عليها.

(ب) في هـ: بهذى.

(جـ) الواو ساقطة من هـ وجـ.

_________

(1)

مسلم، الصّلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة 1/ 299 ح 52 - 399 م. قلت: وانقطاع سنده أنّ عبدة بن أبي لبابة الأسدي مولى قريش، أبو القاسم، الكُوفيُّ البزاز، ثقة لم يسمع من عمر، رضي الله عنه، تهذيب الكمال 2/ 873، شرح مسلم 2/ 36، التقريب 223، الدارقطني، باب دعاء الاستفتاح بعد التكبير 1/ 300.

(2)

المستدرك 1/ 235.

(3)

و (4) الهدي 1/ 205.

(5)

ابن خزيمة 1/ 240 ح 471.

ص: 39

- صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصّلاة قال: "سبحانك

" (1) الحديث، ورجال إسناده ثقات، وبه انقطاع (2)، وأعله أبو داود (3)، وقال الدارقطني (4): ليس بالقوي، ورواه التّرمذيّ وابن ماجة (5) من طريق حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة، وحارثة (6) ضعيف، وروى الطَّبرانيُّ (7) نحوه عن عطاء عن عائشة، وحديث أبي سعيد رواه أيضًا أحمد والحاكم (8)، وفيه بعد (أ) قوله: "لا إله غيرك" (ب) "ولا إله إلا الله ثلاثًا، ثمّ يقول "الله أكبر" ثلاثًا ثمّ يقول: "أعوذ

" إلى آخره.

قال التّرمذيّ (9) حديث أبي سعيد أشهر حديث في الباب، وقد (جـ)

(أ) زاد في جـ: و.

(ب) في جـ: غيره.

(جـ) ساقطة من جـ.

_________

(1)

أبو داود 1/ 491 ح 776، والحاكم 1/ 235 وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي.

(2)

قلت: لعلّه للاختلاف في سماع أبي الجوزاء من عائشة، قال البخاريّ: في إسناده نظر، يريد أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة، وذكر ابن عبد البرّ أنه لم يسمع منها، التهذيب 1/ 383 - 384.

(3)

قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السّلام بن حرب، لم يروه إلا طَلق بن غنام، وقد روى قصة الصّلاة عن بديل جماعة لم يذكروا فيه شيئًا من هذا، سنن أبي داود 1/ 491.

(4)

سنن الدارقطني 1/ 299.

(5)

التّرمذيّ 2/ 11 ح 243، ابن ماجة 1/ 265 ح 806.

(6)

حارثة بن أبي الرجال الأنصاري النجاري المدني ضعيف، قال النَّسائيُّ: متروك. التقريب 61، الخلاصة 69.

(7)

الطَّبرانيُّ، في الدُّعاء من طريق مالك بن مغول عن عطاء عن عائشة 3/ 9 / ب.

(8)

أبو داود 1/ 490 ح 775، التّرمذيّ 2/ 9 ح 242، ابن ماجة 1/ 264 ح 804 ح، والنَّسائيّ 2/ 102، الطحاوي 1/ 197، الدارقطني 1/ 298، البيهقي 2/ 34، ابن خزيمة 1/ 238 ح 467، أحمد 3/ 50، والحاكم 1/ 564.

(9)

سنن التّرمذيّ 2/ 10.

ص: 40

تكلم في إسناده، وقال أحمد (1): لا يصح هذا الحديث، وقال ابن خزيمة (2): لا أعلم في الافتتاح "سبحانك اللَّهُمَّ " خبرًا ثابتًا عند أهل المعرفة بالحديث، وأحسن أسانيده حديث أبي سعيد، ثمّ قال (أ): لا نعلم أحدًا ولا سمعنا به استعمل هذا الحديث على وجهه.

وروى أحمد (3) من حديث أبي أمامة، نحوه وفيه:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". وفي إسناده مَنْ لم يسم، وروى ابن ماجة وابن خزيمة (4) من حديث ابن مسعود أنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول:"اللَّهُمَّ إنِّي أعوذ بك من الشيطان الرجيم من هَمْزِه ونفخه ونفثه. ورواه الحاكم (5) بلفظ: "كان إذا دخل في الصّلاة"، وعن أنس نحوه رواه الدارقطني (6)، وفيه الحسين بن علي بن الأسود، وفيه مقال، وله طريق أخرى ذكرها ابن أبي حاتم في "العلل" وضعفها.

(أ) زاد في جـ: و.

_________

(1)

المرجع السابق 2/ 11.

(2)

ابن خزيمة 1/ 238.

(3)

مسند أحمد 5/ 253.

(4)

ابن ماجة ح 808، ابن خزيمة 1/ 240 ح 472، قال في الزوائد: في إسناده مقال فإن عطاء بن السائب اختلط بآخر عمره سمع منه محمّد بن فضيل بعد الاختلاط وفي سماع أبي عبد الرّحمن السلمي من ابن مسعود كلام، قال شعبة: لم يسمع، وقال أحمد: أرى قول شعبة وهمًا، وقال أبو عمرو الداني: أخذ أبو عبد الرّحمن القراءة عرضًا عن عثمان وعلي وابن مسعود.

(5)

الحاكم 2/ 27، البيهقي 2/ 36.

(6)

السنن 1/ 300 الحسين بن عليّ بن الأسود العجلي الكُوفي نزيل بغداد صدوق يخطئ كثيرًا ضعفه الأزدي وقال ابن عدي يسرق الحديث، التقريب 74 الميزان 1/ 543.

ص: 41

والحديث يدلُّ على مشروعية افتتاح الصّلاة بما ذكر فيه، وقد ذهب إليه أحمد وأبو حنيفة (1) وسفيان الثّوريّ، وإسحاق ابن راهويه وغيرهم، وظاهره عدم الجمع بينه وبين:"وجهت وجهي" الّذي قد مر، وقد ورد الجمع بينهما في حديث ابن عمر، رواه الطَّبرانيُّ (2) في "الكبير"، وفي روايته (أ) عبد الله بن عامر الأسلمي (3) عن محمّد (ب) بن المنكدر، وهو ضعيف (4)، وفيه عن جابر أخرجه البيهقي (5) بسند جيد ولكنه من رواية ابن المنكدر (6)، وقد اختلف عليه فيه، وفيه عن عليّ رضي الله عنه.

وقوله "مِنْ نَفْخِهِ" وهو بالخاء المعجمة قال عمر رضي الله عنه (7): نفخه الكبر، ونفثه الشعر، وهمزة المؤتة والمراد بها الجنون، ولعلّ الشعر المراد به ما لا يجوز من الهجاء، ونحوه، والله أعلم.

210 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسَتَفْتِح الصّلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إِذا ركع لم

(أ) في هـ: رواية.

(ب) في النسخ: عبد الله، والتصويب من التلخيص والطبراني الكبير والبيهقي وانظر: التلخيص 1/ 230، البيهقي 2/ 35، الطَّبرانيُّ الكبير 12/ 353 - 354.

_________

(1)

المغني 1/ 473، الهداية 1/ 48.

(2)

الطَّبرانيُّ الكبير 12/ 353 - 354 ح 13324، البيهقي 2/ 35 وقال أبو يوسف بالجمع، الهداية 1/ 48.

(3)

عبد الله بن عامر الأسلمي، أبو عامر المدني ضعيف، التقريب 178، تهذيب الكمال 2/ 698.

(4)

قول الشارح "وهو ضعيف" يعود إلى عبد الله بن عامر لأن ابن المنكدر ثقة.

(5)

البيهقي 2/ 35.

(6)

محمّد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي المدني ثقة فاضل، التقريب 320، ثقات العجلي 414، التهذيب 9/ 473، الثقات 5/ 350.

(7)

ابن خزيمة، وعزاه إلى ابن مسعود 1/ 240 ح 472، وفي المصنِّف كذلك 2/ 84 ح 2581، وفي سنن البيهقي عن عطاء 2/ 36.

ص: 42

يُشخِص رأسَه، ولم يُصَوبه ولكن بيْنَ ذلك، وكان إِذا رفع من الركوع لم يسجد حتّى يستوى [قائمًا] وكان إِذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتّى يستوي] (أ) جالسًا، وكان يقول في كلّ ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرَّجل ذراعيه افتراش السَّبعُ، وكان يختم الصّلاة بالتسليم".

أخرجه مسلم وله علة (1).

العلّة فيه أنه رواه مسلم من رواية أبي الجوزاء عنها، وقال ابن عبد البرّ: هو مرسل لم يسمع أبو الجوزاء من (ب) عائشة، ورواه أبو نعيم في "الحلية" (2) في ترجمة أبي الجوزاء ولفظه:"إذا دخل في الصّلاة قال: الله أكبر" لكن في إسناده أبان بن أبي عياش (جـ)(3) وهو متروك.

وقولها: "بالتكبير": فيه دلالة على تعين (د) التكبير، وقد تقدّم الخلاف فيه.

(أ) بهامش الأصل.

(ب) في جـ: عن.

(ب) في النسخ ابن عياش والتصحيح من الحلية وانظر التّرجمة.

(د) في هـ: تعيين.

_________

(1)

مسلم، الصّلاة باب ما يجمع صفة الصّلاة وما يفتتح ويختم به 1/ 357 ح 240 - 498، أبو داود (نحوه)، الصّلاة، باب مَنْ لم ير الجهر ببسم الله الرّحمن الرحيم 1/ 494 ح 783، ابن ماجة (مختصرًا) إقامة الصّلاة، باب الركوع في الصّلاة 1/ 282 ح 869، وباب الجلوس بين السجدتين 1/ 288 ح 893.

(2)

حلية الأولياء 3/ 81.

(3)

مر في ح 1.

ص: 43

وقودها "والقراءة بالحمدُ لله"(أ): هو برفع الدال على الحكاية يستدل به من يقول أنّ البسملة (1) ليست من الفاتحة، وهو قول أنس وأبي وغيرهما (ب) ومالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وقراء المدينة والبصرة والشام، والجواب عنه بأن قولها:"الحمد لله رب العالمين" قصد به اسم سورة الفاتحة، فالمعنى (جـ) أنه يبدأ (د) بهذه السورة، لا بغيرها من السور، كما تقول "قرأت سورة البقرة" أي (هـ): السورة الّتي يذكر فيها، تسميته السورة بذلك لما كانت البقرة مذكورة فيها، كذلك الفاتحة سميت بالحمد لله لما كان (و) مذكورًا فيها.

ويجاب عنه بأنه لو كان كذلك لقالت بالحمد إذ هو المشهور في اسم (ز) الفاتحة، وأما ذكر الآية كاملة فلا يظهر فيما ذكر.

(أ) زاد في هـ: و.

(ب) في جـ: وغيرهم.

(جـ) في هـ: والمعنى. وفي جـ: المغني.

(د) في هـ: يبتدأ.

(هـ) في جـ: هي.

(و) في جـ: وسميت الحمد لله لما كانت.

(ز) في جـ: باسم.

_________

(1)

آراء العلماء في البسملة هل هي آية أم لا، أجمع العلماء على أنّ البسملة آية من سورة النمل وأنها ليست بآية في أول سورة التوبة واختلفوا فيما عداهما:

أ) قال ابن عبّاس وابن عمر وعطاء: إنها آية من سورة الفاتحة ومن كلّ سورة غير براءة.

ب) حكى عن أحمد وإسحاق والثوري أنها آية من الفاتحة.

جـ) عن مالك وأبي حنيفة وداود والأوزاعي ورواية عن أحمد أنها ليست بآية في الفاتحة ولا في أوائل السور كلها.

د) حكى بعض الحنفية أنها آية بين كلّ سورتين غير الأنفال وبراءة وليست من السورة بل هي قرآن مستقل لسورة قصيرة وتحكى عن داود، ويروى عن أحمد. المغني 1/ 476 المجموع 3/ 266، الكافي 1/ 201، الهداية 1/ 48.

ص: 44

[وهو مدفوع بأنه قد ثبت في "صحيح البخاري": "ألا أعلمك بأفضل سورة فذكر الحديث" (1)، وفيه قال: الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني .. "، فسمى (أ) السورة بالآية (ب) كاملة](جـ) ويحتمل أنه لم يجهر بها فذكرت ما يجهر به كما سيأتي في حديث أنس.

وقولها "لم يشخص"(2): أي يرفعه. "ويُصَوِّبه": هو بضم الياء وفتح الصاد المهملة وكسر الواو المشددة، لم يخفضه خفضًا بليغًا بل بين الرفع والخفض وهو التسوية.

وقولها: "حتّى يستوي قائمًا" فيه دلالة على وجوب الاعتدال.

وقولها "حتّى يستوي جالسًا": فيه دلالة على وجوب الاعتدال بين السجدتين.

وقولها "في كلّ ركعتين التحية": فيه دلالة لأحمد بن حنبل ومَنْ وافقه من فقهاء أصحاب الحديث أنّ التشهد الأوّل والأخير واجبان (3)، وقال مالك وأبو حنيفة والأكثرون: هما سُنَّتان ليسا بواجبين (د)(4)، وقال الشافعي وهو قول (هـ) الهادي: الأوّل سنة (5) والثاني واجب.

(أ) في جـ: سمى.

(ب) في جـ: في الآية.

(جـ) بهامش الأصل.

(د) في هـ: بواجبتين.

(هـ) في جـ: وقول.

_________

(1)

البخاريّ، بلفظ "ألا أعلمك سورة" 9/ 54 ح 5006.

(2)

هذه المادة تدل على الارتفاع، ومنه أشخص بصره إذا رفعه نحو جهة العلّو.

(3)

بل الأخير ركن، المغني 1/ 540.

(4)

الهداية، 1/ 46، الكافي 1/ 204.

(5)

المجموع 3/ 394، البحر 1/ 272.

ص: 45

احتج أحمد بهذا الحديث مع قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلّى أحدُكم فليقل: التحيات لله"(1)، والأمر للوجوب، واحتج أبو حنيفة والأكثر (أ) بأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ترك التشهد الأوّل وجبره بسجود السّهو، ولو وجب لم يصح جبره كالركوع وغيره من الأركان. قالوا: وإذا ثبت هذا في الأوّل فالأخير مثله، (ب) لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يعلمه الأعرابي حين علمه فروض الصّلاة.

حجة القول الثّالث ما ورد في قول ابن مسعود -كما سيأتي من رواية النَّسائيِّ- (2): "كنا نقول قبل أنّ يفرض علينا التشهد .. " إلخ فصرح فيه بالفرض. وبوب له النسائي في "سننه": باب فرض التشهد وعدم وجوب التشهد الأوّل بسجوده (جـ) صلى الله عليه وسلم لما تركه فدل على عدم وجوبه.

وقولها " وكان يفرش .. " إلخ: ومعناه يجلس مفترشًا، ظاهره في جميع جَلَسَاته، ففيه (د) دلالة لقول من يقول بذلك وهو أبو حنيفة ومن وافقه، وقال مالك: يجلس متوركًا في جميع الجلسات، وقال الشّافعيّ مثل قول أبي حنيفة (3) إلا الجلوس للتشهد الأخير فمثل قول مالك (هـ)، قال النووي (4): وجلوس المرأة كالرجل، والنفل كالفرض، وهذا مذهب مالك والشّافعيّ والجمهور (5).

(أ) في هـ: بأن والأكثر، "والأكثر" مثبتة بهامش هـ.

(ب) الواو ساقطة من جـ.

(جـ) في هـ: لسجوده.

(د) في جـ: فيه.

(هـ) في هامش هـ. وقد تقدّم الكلام في ذلك.

_________

(1)

البخاريّ 2/ 311 ح 831.

(2)

النَّسائيُّ 3/ 34.

(3)

مر في 733 ح 206.

(4)

شرح مسلم 2/ 133 - 134.

(5)

المجموع 3/ 455.

ص: 46

وحكى القاضي عياض عن بعض السلف أنه سنة المرأة التربع (1)، وعن بعضهم: التربع في النافلة، والصواب الأوّل.

ثمّ هذه الهيئة مسنونة فلو جلس في الجميع مفترشًا أو متوركًا أو متربعًا أو مقعيا أو مادا رجليه صحت صلاته انتهى (2).

ولعلّ وجه ذلك عدم تعليمه صلى الله عليه وسلم ذلك (أ) للمسيء صلاته، والله أعلم.

وقولها "عن عُقْبَة الشيطان"(3) فسرت بأن يفرش (ب) قدميه ويجلس بإليتيه على عقبيه، [وقيل أنّ يلصق الرَّجل إليتيه بالأرض، وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب](جـ)، وقد سمى ذلك الإقعاء، وهي بضم العين، وفي رواية أخرى لمسلم (4)"عَقِب" بفتح العين وكسر القاف، وحكى القاضي عياض (5) عن بعضهم ضم العين أيضًا وضعفه.

وقولها "أن يفترش الرَّجل

" إلخ: افتراش الذراعين هو بسطهما على الأرض، والمراد بالسبع هنا هو الكلب، وقد ورد ذلك مصرحًا به في رواية مسلم (6).

وقولها: "يختم الصّلاة بالتسليم": فيه دلالة على شرعية التسليم، وقد

(أ) ساقطة من هـ.

(ب) في جـ: يفترش.

(جـ) بهامش الأصل.

_________

(1)

ذكر في المغني، أنّ عمر كان يأمر النِّساء بالتربع.

(2)

شرح مسلم 2/ 133 - 134.

(3)

مر في 721 ح 205، الإقعاء، وبينها الصورة المكروهة، والصورة الصحيحة الّتي وردت في مسلم فليرجع إليه.

(4)

من رواية ابن نمير عن أبي خالد، مسلم 1/ 358 ح 240 - 498.

(5)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار 2/ 98 - 99.

(6)

مسلم 2/ 355 ح 333 - 493.

ص: 47

احتج به على الوجوب وهو لا يظهر إلا مع قرينة قوله صلى الله عليه وسلم "تحْرِيمُها التَّكبير، وتَحْليلُهَا التسليم"(1) فإن ظاهر هذا أنه جزء من الصّلاة كالتكبير، فهو واجب، وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف (2) وقال أبو حنيفة (3) والثوري والأوزاعي هو سنة لو تركه صحت صلاته، بدليل أنه لم يعلمه الأعرابي، وليس في هذا الحديث دلالة على القدر من التسليم، وسيأتي (أ)(4).

211 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يرْفَعُ يَدَيْهِ حذو مَنْكَبَيه إِذا افْتَتَحَ الصَّلاة، وإذَا كَبَّرَ للرُّكوع، وإذا رَفَعَ رأسه من الركُوع" متفق عليه (5).

(أ) في هامش هـ:

"قال ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث: ولا ظهر لبعض فقهاء المتأخرين من المالكية قوة الرفع في الأماكن الثلاثة على حديث ابن عمر اعتذر عن تركه في بلاده فقال: وقد ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه فيهما أي في الركوع والرفع منه ثبوتًا لا يردّ له صحة فلا وجه للعدول عنه إلا أنّ في بلادنا هذه يستحب للعالم تركه؛ لأنه إنْ فعله نُسِبَ إلى البدعة وتأذى في عرضها، وربما تعدت الأذية إلى بدنه فوقاية العرض والبدن بتركه سنة واجب في الدين. اهـ: بلفظه من شرح العمدة.

_________

(1)

سيأتي في ح 245.

(2)

المغني 1/ 551.

(3)

الهداية 1/ 46.

(4)

سيأتي في ح 245.

(5)

البخاريّ: بلفظه (وله بقية) الأذان، باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء 2/ 218 ح 735، مسلم بمعناه الصّلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود 1/ 292 ح 21 - 22 - 23 - 390، أبو داود بمعناه الصّلاة، باب رفع اليدين في الصّلاة 1/ 463 ح 722، التّرمذيّ بمعناه الصّلاة، باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع 2/ 35 ح 255، النَّسائيُّ بمعناه كتاب الافتتاح، باب العمل في افتتاح الصّلاة 2/ 93، أحمد بمعناه 2/ 147، الشّافعيّ في الأم، باب رفع اليدين في التكبير في الصّلاة 1/ 89 - 90.

ص: 48

وفي حديث أبي حُمَيْد (1) عند أبي داود: يرفعُ يديه حتّى يُحَاذِي بهما منكبيه. ثُمَّ يُكَبِّر".

ولمسلم عن مالك بن الحويرث نحو حديث ابن عمر لكن قال: حَتَّى يُحَاذي بهما فُروع أُذُنَيه" (2).

تقدّم الكلام في الرفع عند افتتاح الصّلاة، وفي قوله "فإذا (أ) كبر للركُوع .. " إلخ، فيه دلالة على شرعية ذلك في الحالين جميعا (3)، وقد ذَهب إلى هذا الشّافعيّ، واختلفت الرِّواية عن مالك.

قال ابن عبد الحكم (4): لم يرو أحدٌ عن مالك تَرك الرفع فيها إلا ابن القاسم، وقال محمّد بن نصر المروزي (5): أجمع (ب) علماء الأمصار على مشروعية ذلك، إلا أهل الكوفة (6)، والخلاف فيه للحنفية .. فقالوا: إنّه لا

(أ) في جـ: وإذا.

(ب) في الأصل: جمع.

_________

(1)

حديث أبي حميد تقدّم في 725 ح 206.

(2)

البخاريّ، الأذان، باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع، وإذا رفع 2/ 219 ح 737 مسلم الصّلاة، باب استحباب رفع اليدين 1/ 293، أبو داود الصّلاة، باب افتتاح الصّلاة 1/ 476 ح 745، ابن ماجة إقامة الصّلاة والسُّنَّة فيها، باب رفع اليدين إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع 1/ 279 ح 859. النَّسائيُّ الافتتاح، رفع اليدين حيال الأُذُنَين 2/ 94، أحمد 2/ 147.

(3)

قال الإمام النووي: هذه مسألة مهمة جدًّا فإن كلّ مسلم يحتاج إليها في كلّ يوم مرات متكاثرات لا سيما طالب الآخرة، ومكثر الصّلاة، ولهذا اعتنى العلماء يرحمهم الله بها حتى صنف الإمام البخاريّ كتابًا كبيرًا في إثبات الرفع في هذين الموضعين .. المجموع 3/ 336.

(4)

في الفتح ابن عبد البرّ، وقال المحقق: إن في النسخة الأخرى ابن عبد الحكم حاشية الفتح 2/ 220، فلعلّ الشارح اعتمد على تلك النسخة، ويؤيده أنّ ابن عبد البرّ، قال في الاستذكار، قال مالك فيما يروي عنه ابن القاسم يرفع للإحرام عند افتتاح الصّلاة لا في غيرها، الاستذكار 2/ 123.

(5)

الاستذكار 2/ 123.

(6)

الأصل: 1/ 13، النهاية 2/ 113 - 114.

ص: 49

يشرع، بل قال بعض الحنفية (1): إنّه يبطل الصّلاة، ونسب بعض متأخري المغاربة فاعله إلى البدعة (2)، واحتجوا على ذلك برواية مجاهد أنه صلّى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك (3)، وبما أخرجه أبو داود من حديث ابن مسعود (4) أنه رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يرفع يديه عند الافتتاح ثمّ لا يعود.

وأجيب بالطعن في إسناد (أ) الأوّل لأن فيه أبا بكر بن عياش (5) وقد ساء حفظه، وأيضًا فقد أثبت نافع وسالم ذلك من فعْل ابن عمر (6)، وهما مثبتان، وهو ناف، وأيضًا فإن ترك ذلك مثبتًا (ب) لجواز ذلك لأنه لم يكن يراه واجبًا، وحديث ابن مسعود رده الشّافعيّ بأنه لم يثبت (7)، قال ولو ثبتا لكان في رواية ابن عمر إثباتًا وهذا نفي، وهي أقدم، والطحاوي احتج بما ذكر على من يقول بوجوب الرفع، كالأوزاعي وبعض أهل الظّاهر وهو

(أ) في جـ: في إسناده.

(ب) في جـ: مبينا.

_________

(1)

الفتح 2/ 220.

(2)

قلت: ولا يصح بل قال الإمام البخاريّ: من زعم أنه بدعة فقد طعن بالصحابة فإنّه لم يثبت عن أحد منهم تركه، قال: والأسانيد أصح من أسانيد الرفع. قرة العين 35.

(3)

مصنف ابن أبي شببة / 237. شرح معاني الآثار 1/ 225.

(4)

أبو داود، بمعناه 1/ 477 - 478 ح 748، والترمذي 2/ 40 ح 257، النَّسائيُّ 2/ 142، شرح معاني الآثار 1/ 224، البيهقي 2/ 78.

(5)

أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي، مشهور بكنيته اختلف في اسمه، ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، التقريب 396، الكواكب النيرات 435.

(6)

مصنف ابن أبي شيبة عن سالم 1/ 234، شرح معاني الآثار 1/ 222.

(7)

الفتح 1/ 220، قلت: وحسنه النووي، المجموع 3/ 338؛ لأن فيه عاصم بن كليب بن شهاب الكُوفيُّ وهو مختلف فيه، فوثقه ابن معين وأحمد في رواية عنه، والنَّسائيّ وأحمد المصري، وقال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد، وقال ابن سعد: يحتج به بكثير الحديث، التهذيب 5/ 56، الثقات 7/ 256، الخلاصة 283، الطبقات 6/ 341، الميزان 2/ 356.

ص: 50

مستقيم، وقد بالغ البخاريّ في مصنفه في إثبات الرفع، وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال أنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك، قال البخاريّ: ولم يستثن الحسن أحدًا، ونقل عن شيخه علي بن المديني قال: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه لحديث ابن عمر هذا، وذكره في "جُزء (أ) رفع اليدين (1) وزاد: وكان علي أعلم أهل زمانه، وقال فيه: مَنْ زعم أنه بدعة فقد طعن في الصّحابة فإنّه لم يثبت عن أحدٍ منهم تركه (2)، وذكر البخاريّ أيضًا أنه رواه سبعة عشر رجلًا من الصّحابة، وذكر الحاكم وابن منده ممّن رواه العشرة المبشرة بالجنة.

قال المصنِّف -رحمه الله تعالى (3) - وذكر شيخنا أبو الفضل أنه تتبع مَنْ رواه من الصّحابة فبلغوا خمسين رجلًا.

وفي قوله "وإِذا كَبَّر" أي: عند ابتداء الركوع، وفي حديث مالك بن الحويرث:"إذا أراد أنّ يركع رفع يديه".

وقوله: "إِذا رفع رأسه من الركوع": أي: إذا أراد ان يرفع، ويؤيده راواية أبي داود:"ثمّ إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما"(4) ومقتضاه أنه يبتدئ رفع يديه عند ابتداء القيام من الركوع ويتأول رواية أحمد: "وبعدما يرفع رأسه

(أ) في هـ: خبر.

_________

(1، 2) قرة العين.

(3)

الفتح 2/ 220.

(4)

أبو داود 1/ 463 ح 722.

ص: 51

من الركوع (1) بأنَّ معناه بعدما يشرع في الرفع.

وقوله "حتّى يحاذي بهما .. " إلخ تقدّم الكلام في ذلك.

212 -

وعن وَائِلِ بن حُجْر رضي الله عنه قال: "صَليْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَوَضع يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى يده الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ". أخرجه ابن خزيمة (2).

هو أبو (أ) هُنَيْدة -بضم الهاء وفتح النون وائل بن حجْر بن ربيعة الحضرمي، كان قيلا من أقيال حضرموت وكان أبوه من ملوكهم، وَفَدَ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ويقال إنّه بشر به النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل قدومه وقال: يأتيكم وائل بن حجْر من أرض بعيدة من حضرموت طائعًا راغبًا في الله عز وجل،

(أ) في جـ: ابن.

_________

(1)

أحمد 2/ 147.

(2)

ابن خزيمة، باب وضع اليمين على الشمال في الصّلاة قبل افتتاح القراءة 1/ 243 ح 479، النَّسائيُّ من حديث طويل وفيه:"ثمّ وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد"، أبو داود (ونحوه) النسائي الصّلاة، باب رفع اليدين في الصّلاة 1/ 466 ح 727، أحمد نحوه، ولم يذكر "على صدره" 4/ 318، ابن الجارود من حديث طويل ولم يذكر "على صدره" 81 ح 208، البيهقي الصّلاة، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصّلاة 2/ 280، ولم يذكر "على صدره"، قلت: أنها رواية ابن خزيمة، فإن فيها مؤمل بن إسماعيل البصري أبو عبد الرّحمن نزيل مكّة صدوق سيئ الحفظ، التقريب 353، الخلاصة 393، وفيه عاصم بن كليب مختلف فيه. مر في ح 211، الجرمي الكُوفيُّ وثقه العجلي، قال ابن سعد: رأيتهم يستحسنون حديثه، ويحتجون به، وقال النَّسائيُّ: لا نعلم أحدًا روى عنه غير ابنه عاصم وغير إبراهيم بن مهاجر، ثقات العجلي 398، التهذيب 8/ 445.

وأما رواية وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصّلاة فإنها حسنه لأنها فيها عاصم بن كليب ولم يتابع وله شاهد من حديث سهل بن سعد عند البخاريّ 2/ 224 ح 740 فهي صحيحة لغيرها.

ص: 52

وفي رسوله، وهو بقية أبناء الملوك". فلما دخل على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رَحَّبَ به وأدناه من نفسه وبسط له رداءه فأجلسه عليه، وقال: "اللَّهُمَّ بارك في وائل وولده وولد ولده (1)، واستعمله على الأقيال من حضرموت.

قال في النُّبَلاء (2): روى له الجماعة إلا البخاريّ، والظاهر أنه عاش إلى زمن معاوية وبايع له، وقيل: قتل بصفين مع علي، رضي الله عنه. انتهى.

وذكر القاسم بن إبراهيم - رحمة الله عليه - أنه كان يكتب بأسرار عليّ إلى معاوية، وهو الّذي شهد على حُجر بن عديّ أنه نزع يده من الطّاعة، فكتب زياد بذلك إلى معاوية فقتله معاوية والله أعلم.

روى عنه ابناه علقمة وعبد الجبار وكليب بن شهاب وعبد الرّحمن اليحصبي (3).

حديث وائل (أ) أخرجه أبو داود والنَّسائيُّ بلفظ: "ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى على كَفِّه اليُسْرَى والرُّسغ من (ب) الساعد"، وأصله في مسلم (4) بدون "والرسغ من الساعد"، والرُّسغِ بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها معجمة هو المفصل بين الساعد والكف، وأخرجه البزار أيضًا، وفيه:"عند صدره"، في محل "على صدره" وقد أخرجه محمّد بن منصور في

(أ) زاد في هـ: بن حجر.

(ب) ساقطة من هـ.

_________

(1)

ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ولم يسنده 5/ 79.

(2)

2/ 574.

(3)

الإصابة 10/ 294، سير أعلام النُّبَلاء 2/ 572.

(4)

مسلم 1/ 301، ح 54 - 401.

ص: 53

"علوم آل محمّد" المعروف "بأمالي أحمد بن عيسى" في باب التغليس بالفجر.

وفي الحديث دلالة على مشروعية الوَضع المذكور في الصّلاة، وقد ذهب إلى هذا زيد بن عليّ (1) وأحمد بن عيسى، والحنفية والشّافعيّة، ومحله فوق السرة عند الشّافعيّة (2) وتحتها عند الحنفية (3)، وحجة الحنفية ما في زيادات "المسند" من حديث (4) علي رضي الله عنه. أنه وضعهما تحت السرة، وإسناده ضعيف (5)، وحجة الشّافعيّة حديث الباب المذكور بقوله "على صدره"، وفي الرِّواية الآخرة "عند صدره" متقاربتان في تعيين المحل المذكور (6).

وذهب القاسية والناصرية (7) إلى أنّ ذلك غير مشروع وتبطل به الصّلاة (8) عند الهادي والقاسم وأبي طالب، قالوا: لأنه فعل كثير، وعند المؤيد والإمام يحيى: لا تبطل به الصّلاة وإنّما يكره، قالوا: إذ لا دليل

(1) البحر 1/ 242.

(2)

المجموع 3/ 249.

(3)

الهداية 1/ 47.

(4)

أبو داود 1/ 480 ح 756، البيهقي 2/ 31، الدارقطني 1/ 286.

(5)

لأنه فيه عبد الرّحمن بن إسحاق الواسطي، أبو شيبة، قال البخاريّ: فيه نظر، قال يحيى والنَّسائيّ: متروك. الميزان 2/ 548، المجروحين 2/ 54، التقريب 198.

(6)

وعند الإمام أحمد روايتان: تحت السرة وفوق السرة، وعنه أنه مخير في ذلك لأن الجميع مرويّ والأمر واسع في ذلك، المغني 1/ 472 - 473.

(7)

و (8) البحر 1/ 242 - 253.

ص: 54

على بطْلان الصّلاة به، وحجتهم حديث جابر بن سمرة (1):"ما لي أراكم رَافِعِي أيْديكُمْ" قالوا: هو ناسخ لرفع الأيدي. وقوله. "لو خشع قلبه لخَشعت جَوارحه"(2) وقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) وحركة الأيدي تنافي الخشوع.

والقول بالنسخ لا يكاد يتم مع ما عرفت من سبب ورود قوله: "ما لي أراكم" فيما مر، وقولهم: إنّه ينافي الخشوع غير مسلم، بل قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع.

ومن اللطائف (4) قول بعضهم: القلب موضع النية، والعادة أنَّ من أحرز على حفظ شيء جعل يديه (أ) عليه.

وقال ابن عبد البرّ (5): لم يأت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول جمهور الصّحابة والتابعين، وقال: وهو الّذي ذكره مالك في "الموطَّأ"(6)، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره، وروى ابن (ب) القاسم عن مالك

(أ) في جـ: يده.

(ب) ساقطة من جـ.

_________

(1)

تقدّم تخريج الحديث في ح 206 المراد به عند السّلام.

(2)

والبيهقي 2/ 289 موقوفًا معلقًا، قال الألباني: موضوع الإرواء 2/ 92.

(3)

الآية: 2 من سورة المؤمنون.

(4)

الفتح 2/ 224.

(5)

شرح الزرقاني 1/ 286.

(6)

الموطَّأ 117.

ص: 55

الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه (1) وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة. [فكرهها في الفرض، وأجازها في النفل](أ).

ومنهم من كره الإمساك، ونقل ابن الحاجب أنّ ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة، ويؤيد ما ادعاه ابن عبد البرّ (ب) ما أخرجه البخاريّ عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: "كان النَّاس يؤمرون أن يَضَعَ الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصّلاة (2) قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.

وظاهر (جـ) قوله "يؤمرون" أنّ الآمر هو النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وأن ذلك لعموم مَنْ كان حاضرا، وأمكن أمره. وأردف البخاريّ باب الخشوع (3) لهذا الّذي رفعه لعلّه ردا (د) على من يقول إنّه ينافي الخشوع بناء منه على أنّ ذلك من الخشوع. والله أعلم.

وردد الإمام الهدي في "البحر" الكلام في هذه المسألة فقال: أما فعله صلى الله عليه وسلم فلعلّه لعذر لاحتماله (4)، وأما الخبر فإنْ صَحَّ فقوي، ثمّ قال:

(أ) بهامش الأصل.

(ب) في جـ: "أنه لم يأت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم" وقد كشط عليها، ومثبتة في حاشية هـ.

(جـ) في جـ: وظاهره.

(د) في جـ: راد.

_________

(1)

قال ابن عبد البرّ: ووضع اليمنى على اليسرى أو أرسلهما كلّ ذلك سنة في الصّلاة، الكافي 1/ 206.

(2)

البخاريّ 2/ 224 ح 740.

(3)

البخاريّ 2/ 225.

(4)

البحر 2/ 242.

ص: 56

وتركه أحوط، ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام، والله أعلم.

213 -

وعن عُبَادة بن الصَّامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ" متفق عليه (1).

وفي رواية لابن حبّان والدارقطني: "لا تجْزِئ، صَلَاةٌ لَا يُقْرأ فيها بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ"(2).

وفي أخرى لأحمد وأبي داود والترمذي (أ) وابن حبّان: "لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤون خلف إِمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تَفْعَلُوا إلا بفَاتحَة الْكتَاب، فإنَّهُ لا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرأ بها"(3).

هو أبو الوليد عبادة بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري السالمي كان نقيبا وشهد العقبة الأولى، والثّانية، والثالثة (4)، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(أ) في جـ: للترمذي.

_________

(1)

البخاريّ الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الحضر والسفر ما يجهر فيها وما يخافت 2/ 236 ح 756، مسلم الصّلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كلّ ركعة 1/ 295 ح 34 - 394، أبو داود الصّلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب 1/ 514 ح 822. التّرمذيّ الصّلاة، باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب 2/ 25 ح 247، النَّسائي باب إيجاب قراءة الفاتحة 2/ 106، ابن ماجة إقامة الصّلاة، باب القراءة خلف الإمام 1/ 273 ح 837، أحمد 1/ 325.

(2)

الدارقطني، باب وجوب قراءة أم الكتاب في الصّلاة وخلف الإمام 1/ 321 - 322.

(3)

أبو داود، بلفظ 1/ 515 ح 923، التّرمذيّ نحوه 2/ 116 ح 311 ابن حبّان (موارد) 127 ح 460، أحمد 5/ 316.

(4)

ذكر بيعة العقبة الثّالثة وهم فإن بيعة العقبة ثنتان وقد تبع الصنعاني الشارح في وهمه فذكر الثّالثة ولم يقل ذلك في حواشيه على شرح العمدة 2/ 386، السبل 1/ 329. أقول: على أن بعض المؤخرين يقولون بالعقبة الثّالثة. انظر مثلًا: ابن سيد النَّاس: عيون الأثر 1/ 161 وما بعدها.

ص: 57

بينه وبين أبي مرثد الغنوي، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، ثمّ وجهه عمر إلى الشّام قاضيا ومعلما فأقام بحمص ثمّ انتقل إلى فلسطين، ومات بها في الرملة، وقيل: بيت المقدس سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، روي عنه أنس بن مالك وجابر بن (أ) عبد الله وفضالة بن عبيد والمقداد وغيرهم من الصّحابة والتابعين، وقيل إنّه أقام إلى زمن معاوية.

وعُبَادة بضم العين المهملة والباء الموحدة المخففة والدال المهملة (1).

قوله: "لا صلاة" إِلخ: ظاهره نَفْي ذات الصّلاة لمن لم يقرأ؛ لأن المراد هنا (ب) الصّلاة الشرعية، وهي مركبة من أقوال وأفعال. والمركب ينتفي بانتفاء جميع أجزائه وبانتفاء البعض، ولا حاجة إلى تقدير يكون هو النفي من الكمال أو الإجزاء لأن التقدير إنّما يكون عند تعذر نفي الذات كما هو المعنى الحقيقي.

إلا أنّ هذا الحديث قد (جـ) رواه الإسماعيلي بالإسناد الّذي لحديث الكتاب من طريق العباس بن الوليد القُرَشيّ -أحد شيوخ البخاريّ- عن سفيان بلفط: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"(2)، وتابعه على ذلك زياد بن أَيّوب (3) -أحد الأثبات- أخرجه الدارقطني (4).

(أ) زاد في هـ: سمرة.

(ب) هـ: هنا هي

(جـ) ساقطة من جـ.

_________

(1)

سير أعلام النُّبَلاء، 2/ 5، الإصابة 5/ 322.

(2)

الفتح 2/ 241.

(3)

زياد بن أَيّوب بن زياد البغدادي أبو هاشم الطوسي الأصل ثقة حافظ، التقريب 109.

(4)

سنن الدارقطني 1/ 321 - 322.

ص: 58

وله شاهد من طريق العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا بهذا اللّفظ أخرجه ابن خزيمة وابن حبّان وغيرهما (1)، ولأحمد من طريق عبد الله بن سوادة القشيري عن رجل عن أبيه مرفوعًا:"لا تقْبل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب"(2) فهذه الألفاظ يمكن أنّ تجعل مفسرة للنفي المذكور أنه متوجه إلى مُقَدَّر وهو الإجزاء والقبول وهو مجاز مشهور قريب من نفي الحقيقة متبادر من اللّفظ.

وفي الحديث دلالة على وجوب قراءة الفاتحة في الصّلاة وتعينها، وقد ذهب إلى هذا الهادي وأتباعه وزيد بن عليّ والناصر وغيرهم من أهل البيت والشافعي ومالك (3)، وخالف في الطرف الأوّل نفاة الأذكار فقالوا: لا تجب الفاتحة ولا غيرها، قالوا: لقوله تعالي: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} ولم يذكرها، والجواب قوله:{فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّرَ منَ القُرْآنِ} والأحاديث الواردة في ذلك.

وخالف في الطرف الثاني: أبو حنيفة وأصحابه (4) فيكفي عنده آية واحدة طويلة كانت أو قصيرة، وقال أبو يوسف ومحمد: آية طويلة أو ثلاث آيات قصار، قالوا لقوله تعالي:{فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ} ولحديث تعليم (أ) المسئ صلاته بقوله: "ثمّ اقرأ ما تيسر"(ب) والجواب أنّ في

(أ) زاد في جـ: النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.

(ب) زاد في جـ: من القرآن.

_________

(1)

ابن خزيمة 1/ 248 ح 490، ابن حبّان (موارد) 126 ح 457.

(2)

أحمد 5/ 78.

(3)

البحر، 1/ 243، 244 الكافي 1/ 201، المجموع 3/ 261.

(4)

قالوا: لا تتعين الفاتحة بل تستحب، وفي رواية: تجب ولا تشترط، الهداية 1/ 248 والمجموع 3/ 261 - 262.

ص: 59

هذه الأحاديث تتعين الفاتحة، ونحوها بيان القدر الواجب من المتيسر، وحديث المسئ، قد ورد في بعض ألفاظه ذِكْر الفاتحة (1) فلا حجة فيه.

[واعلم أنّ الحنفية (2) إنّما نفوا كون الفاتحة شرطًا في الصّلاة، وأما الوجوب فإنهم قائلون به، قالوا: لأن وجوبها إنّما ثبت بالسُّنَّة والذي لا تتم الصّلاة إلا به فرض، والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن](3)(أ).

وظاهر هذا الحديث وجوب الفاتحة، وهو محتمل لتكررها في كلّ ركعة أو يكفي قراءتها في ركعة، إلا أنه قد زاد الحميدي (4) في رواية هذا الحديث عن سفيان لفظ "فيها" فقال:"لمن لم يقرأ فيها" هكذا في "مسنده"، وهكذا رواه سفيان بن يعقوب عن الحميدي، أخرجه البيهقي (5)، وكذا لابن أبي عمر عند الإسماعيلي، ولقتيبة وعثمان بن أبي شيبة عند أبي نعيم في "المستخرج": فإن كانت الركعة الواحدة تسمى

(أ) بهامش الأصل وفيه بعض واستدركه من نسخة هـ.

_________

(1)

عند أحمد وأبي داود وابن حبّان راجع ح 303.

(2)

الهداية 1/ 248، الفتح 2/ 240.

(3)

وهذا بناء على قاعدتهم أنّ الفرض غير الواجب فمع وجوبها ليست شرطًا في صحة الصّلاة لأن وجوبها إنّما ثبت بالسُّنَّة والذي لا تتم الصّلاة إلا به فرض، والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى:{فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ} فالفرض قراءة ما تيسر وتعيين الفاتحة إنّما ثبت بالحديث فيكون واجبًا يأثم بتركه وتجزئ الصّلاة بدونه، الفتح 2/ 242، روضة الناظر 25 - 26.

(4)

الحميدي 1/ 191 ح 386.

(5)

البيهقي 27/ 38.

ص: 60

صلاة فبهذه الزيادة يتقرر وجوب قراءتها في كلّ ركعة، وقد ذهب إلى هذا الشّافعيّ واختاره الإمام شرف الدين، ويتأيد ذلك بما ورد في حديث المسئ صلاته وهو قوله:"وافعل ذَلِكَ في صَلَاتكَ كُلِّها" بعد أن علَّمه صلاة ركعة، فإنّه قد سمى كلّ ركعة صلاة وقد أمره بالقراءة في الركعة الأولى، فتكون القراءة مأمور بها في سائر الركعات (1)، وفي رواية لأحمد وابن حبّان:"ثمّ افعل ذَلكَ فِي كلِّ رَكْعَةٍ"(2) والخلاف في ذلك للهادي (3) وأتباعه فقالوا: تكفي قراءتها مرّة واحدة في جُمْلَة الصّلاة مفرقة أو في ركعة.

وقال بهذا أيضًا من السلف: الحسن البصري (4) رواه عنه ابن المنذر بإسناد حسن، قالوا: لأن الصّلاة اسم لمجموع الفريضة بدليل قوله "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ الله عَلَى العِبَاد"(5) وغير ذلك، فإطلاق الصّلاة على الركعة الواحدة يكون مجازًا وقال زيد بن عليّ والناصر: إن الواجب قراءة الفاتحة فقط في الركعتين الأوليين (6).

وفي قوله "لعلّكم تقرؤون خلف إمامكم .. " إلخ: في الحديث دلالة على النهي عن قراءة ما عدا الفاتحة بعد الإمام، وأنه لا بد من قراءة

(1) وبه قال أكثر العلماء.

(2)

ابن حبّان موارد 131 ح 484، أحمد 4/ 340، ولفظهما (اصنع ذلك).

(3)

البحر 1/ 244.

(4)

في المجموع: لا تجب القراءة إلا في ركعة من كلّ الصلوات 3/ 291.

(5)

البخاريّ 5/ 287 ح 2678، مسلم 1/ 40 - 41 ح 8 - 11.

(6)

البحر 1/ 244.

ص: 61

"الفاتحة، وظاهره سواء كانت الصّلاة سرية أم (أ) جهرية، وقد ذهب إلى هذا الشّافعيّ (1) فقال بوجوب الفاتحة ولو كانت الصّلاة جهرية سواء سمع قراءة الإمام أو لا، وهو صريح الحديث المذكور (2)، وظاهر مذهب الشّافعيّ أنه يقرأ الفاتحة المأموم سواء قرأ الفاتحة في حال قراءة الإمام أو في حالة سكوته (3)، ويشرع للإمام السكوت بعد القراءة ليقرأ المؤتم [فإنْ ركع الإمامُ قبل تمام المؤتم فوجهان أحدهما: يتابعه ويسقط عن المأموم باقيها، والثّاني: ذكره صاحب "التهذيب" وقطع به وصححه النووي (4) أنه لا يسقط بل عليه أنّ يتمها ويلحق الإمام ما لم يسبقه بأكثر من ثلاثة أركان. فإن زاد على الثّلاثة فوجهان: أحدهما: يعزل صلاته، وأصحهما يستمر على المتابعة ويجري على أثره، والأصح أنه يوافقه فيما هو فيه ثمّ يقضي ما فاته بعد سلام الإمام، ذكر هذا في الروضة"(5)(ب).

وقد روى عبد الرزّاق عن سعيد بن جُبَيْر قال: لا بد من أم القرآن، ولكن من مضى من الأمة كان الإمام يسكت ساعة قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن (6). انتهى.

(أ) في جـ: أو.

(ب) بهامش الأصل.

_________

(1)

وهو قول أكثر أهل العلم قال التّرمذيّ: رأى أكثر أهل العلم من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم القراءة خلف الإمام، السنن 2/ 122 وانظر الوسيط 2/ 609.

(2)

وحكى العبدري عن الإمام أحمد أنه يستحب له أنّ يقرأ في سكتات الإمام. المجموع 3/ 294.

(3)

المجموع 3/ 294.

(4)

المجموع 3/ 294.

(5)

الروضة 1/ 246.

(6)

المصنف 2/ 135 ح 2794.

ص: 62

فإن لم يسكت الإِمام كان له القراءة وله تمام الفاتحة ولو سبقه الإِمام بالركوع فهو عذر في التأخر، والخلاف في قراءة المأموم لمن عدا الشافعي على جهة الجملة والتفصيل، قالت الحنفية (1): لا يقرأ المأموم لا في سرية، ولا جهرية: لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صلى خلف الإِمام فقراءة الإِمام له قراءة"(2) وهو حديث ضعيف عند الحفاظ وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني وغيره.

وقال الهادي والقاسم وزيد بن عليّ وأَحمد وأحد قولي الشَّافعيّ ومالك وغيرهم (3): لا يقرأ المأموم في الجهرية، قالوا لقوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (4) والحديث: "فإِذَا قَرأَ فَأنْصِتُوا"، وهو (أ) حديث صحيح، أخرجه مسلم (5)، ويجاب عن ذلك بأنه مخصوص بحديث "لا تفعلوا إلَّا بأم الكتاب" والعمل به لازم لخصوصه لا مدفع له [وقول الإِمام المهدي في "البحر" أنَّه معارض بقوله صلى الله عليه وسلم:"ما لي أنازع القرآن" ويجاب عنه بأنه لا يعارضه علي القول بأن العام يبنى على الخاص مطلقًا وعلى قول من يقول: إن العام المتأخر يكون ناسخًا للخاص المتقدم فمع جهل التاريخ يحصل التعارض مع أن حديث "ما لي أنازع" ورد في حديث

(أ) في جـ: وهذا.

_________

(1)

وهو قول الثَّوريّ وابن عيينة، الهداية 1/ 48.

(2)

سنن الدارقطني، 1/ 323 - 326، 1/ 402 تاريخ بغداد 13/ 94، قال الحافظ ابن حجر: مشهور من حديث جابر، وله طرق عن جماعة من الصَّحَابَة كلها معلولة. الفتح 1/ 242.

(3)

المجموع 3/ 296، البحر 1/ 244، المغني 1/ 652، الكافي 1/ 201.

(4)

الآية 204 من سورة الأعراف.

(5)

مسلم 1/ 304 ح 63 - 404 م.

ص: 63

عبادة بلفظ: "ما لي أنازع القرآن، فلا تقرءوا بشيء إذا جهر الإِمام القراءة" وفي بعض ألفاظه: "فلا تفعلوا إلَّا بأم القرآن" وبأنه لا صلاة لن لم يقرأ بها، وفي بعض ألفاظه:"فلا يقرأن أحد منكم إذا جهر الإِمام القراءة" فتحمل الروايات في غير المطلقة على هذه الرواية فهي قضية واحدة وإنما بعض الرواة حفظ الحديث بكماله فرواه وبعضهم لعله نسي التمام وحفط أصل الحديث فاقتصر عليه أو بعثه حامل على الاستشهاد بأول الحديث وأحال معرفته على علم السامع لكون الفاتحة قراءتها معروفة لا نزاع فيها فلا تعارض حينئذ رأسًا ومثل هذا واقع في كثير من الروايات والحمل على تعدد القضية بعيد] (أ). وعلى قول هؤلاء فإذا (ب) قرأ المأموم فَسَدَتْ صلاتُه لأن النهي يقتضي فساد العبادة، وقال المؤيد: لا تفسد.

فائدة: حديث عبادة فيه زائد في رواية معمر عن الزُّهْرِيّ (جـ) لفظ: "فصاعدا" أخرجه النَّسائيّ (1) وغيره، واستدل به على وجوب قدْر زائد على الفاتحة، وقال البُخَارِيّ في جزء القراءة" (2): وهو نطر قوله (د)"تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا"(3) يعني إنما هو لدفع توهم حصر الحكم على الفاتحة

(أ) بهامش الأصل وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ وساقطة من جـ.

(ب) في جـ: إذا.

(جـ) زاد في هـ: عن.

(د) زاد في هـ: له.

_________

(1)

النسائي 2/ 106.

(2)

قال البُخَارِيّ: عامة الثِّقات لم يتابع معمرا في قوله "فصاعدًا". ص 6.

(3)

أخرجه البُخَارِيّ 12/ 96 ح 6789 وسيأتي في كتاب الحدود.

ص: 64

وادعى ابن حبان والقرطبي (1) وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد عليها، وفيه نظر (2) كثوبته عن بعض الصَّحَابَة وغيرهم فيما حكاه ابن المنذر، وقال به الهادي (3) وأتباعه من الأئمة فأخرج (أ) البُخَارِيّ من حديث أبي هريرة:"وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت"(4)، ولابن خزيمة من حديث ابن عباس:"أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلَّا بفاتحة الكتاب"(5)، وفي حديث المسيء (ب) من رواية أبي داود "ثُمَّ اقْرأ بِأمُ القُرآنِ وَبمَا شَاءَ الله أن تَقْرأْ"(6) وهذه الروايات يؤخذ من مجموعها عدم وجوب ما زاد على الفاتحة، وفي قوله:"وبما شاء الله" فيه إيماء إلى عدم الوجوب؛ لأن القراءة مقيدة بالمشيئة، ومفهومها إذا لم تحصل المشيئة فلا قراءة عليك (جـ) والله أعلم.

214 -

وعن أنس رضي الله عنه "أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأَبا بكر وعمر

(أ) في جـ، هـ. وأخرج

(ب) زاد في هـ: صلاته.

(جـ) في جـ: عليه.

_________

(1)

المفهم ولفظه: "ولا قائل أعلمه يقول بوجوب قراءة السورة زيادة على أم القرآن، وإنما الخلاف في أم القرآن خاصة وقد أجمعوا على أنَّه لا صلاة إلَّا بقراءة في الركعتين الأخيرتين". ل 120.

(2)

الفتح 2/ 243.

(3)

البحر 1/ 244.

(4)

البُخَارِيّ 2/ 251 ح 772.

(5)

ابن خزيمة 1/ 258 ح 513، والحديث ضعيف لأن فيه: حنظلة السدوسي، أبو عبد الرَّحِيم ضعيف. التقريب 86، الميزان 1/ 621.

(6)

أبو داود 1/ 537 - 538 ح 859.

ص: 65

كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" متفق عليه (1). زاد مسلم "لا يذكرون بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم في أول قراءة ولا في آخرها" (2).

وفي رواية لأحمد والنَّسائيّ وابن خزيمة: "لا يجهرون ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم"(3)، وفي أخرى لابن خزيمة "كانوا يسرون"(4).

وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم خلافًا لمن أعلَّهَا.

قوله "كانوا يفتتحون بالحمد لله" بضم الدال وقد تقدم الكلام على هذا.

وقوله: زاد مسلم الحديث: حديث مسلم من طريق الأَوْزَاعِيّ عن قتادة، والعلة فيه أنَّه رواه الأَوْزَاعِيّ عنه مكاتبة (5)، وقد ردت هذه العلة بأن الأَوْزَاعِيّ لم ينفرد به فقد رواه أبو يعلى (6) عن أَحْمد الدورقي (أ) والسراج

(أ) في هـ: الزورقي.

_________

(1)

البُخَارِيّ كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير 2/ 226 ح 743، مسلم نحوه وزاد (وعثمان) كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة 1/ 299 ح 50 - 319، أبو داود وزاد (وعثمان) وباب من لم ير الجهر ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم 1/ 494 ح 782، التِّرْمِذِيّ وزاد (وعثمان) الصلاة، باب ما جاء في افتتاح الصلاة بالحمد لله رب العالمين 2/ 15 ح 246، النَّسائيّ، باب القراءة بفاتحة الكتاب قبل السورة 2/ 103، ابن ماجه، باب افتتاح القراءة 1/ 268 ح 813، أَحْمد، وزاد (وعثمان) 3/ 101.

(2)

رواية مسلم 1/ 299 ح 52 - 399 م.

(3)

أَحْمد 3/ 179، النَّسائيّ 2/ 104، ابن خزيمة 1/ 249 - 250 ح 495 - 496 - 497.

(4)

1/ 250 ح 498، الطَّبْرَانِيّ الكبير 1/ 255 - 256 ح 739، قال الهيثمي: رجاله موثقون مجمع 2/ 1870 وشرح معاني الآثار 1/ 203.

(5)

قلت: وأورده ابن الصلاح مثالًا للعلة في المتن، وتكلم عليه العراقي في تقييده على ابن الصلاح، وابن حجر في نكته، راجع: ابن الصلاح 83، التقييد والإيضاح 115 - 124، النكت على ابن الصلاح 2/ 748 - 771.

(6)

مسند أبي يعلى 6/ 18.

ص: 66

عن يعقوب الدورقي وعبد الله بن أَحْمد بن عبد الله السلمي ثلاثتهم عن أبي داود الطَّيالِسيّ (1) عن شعبة، وكذلك القَدْح فيه من تدليس قتادة فإنَّ ذلك زائل بتصريحه بالسماع من أنس، قال شعبة (2): قلتُ لقتادة: سمعته من أنس، قال: نحن سألناه، فزال تدليس احتمال الإرسال منه، وظاهر هذه الرواية حجة لمن لم يثبت البسملة آية من الفاتحة، ولا من غيرها فإن قوله في أول قراءة أراد به أول قراءة الفاتحة.

وقوله: "ولا في آخرها" مُرَادُ به بآخر قراءة الفاتحة عند الشروع في السورة وهو مؤول عند من أثبتها برواية ابن خزيمة (3) وأن المراد به إنما هو ترك الجهر بها، ويقولونها سرا فلا ينتهض دليلًا لهم، ورواية "لا يجهرون" رواه سعيد بن أبي عروبة عند (أ) النسائي، وابن حبان، وهمام عند الدارقطني، وشيبان عند الطحاوي، وابن حبان وشعبة أَيضًا من طريق وكيع عنه عند أَحْمد أربعتهم عن قتادة (4) ولا يقال هذا اضطراب من قتادة لأنه قد رواه جماعة من أصحاب أنس عنه كذلك، فرواه البُخَارِيّ في "جزء القراءة"(5) والسراج وأبو عوانة في "صحيحه"(6) من طريق إسحاق بن أبي طلحة. والسراج من طريق ثابت البناني، والبخاري فيه من طريق مالك بن دينار كلهم عن أنس باللفظ الأول، رواه الطَّبْرَانِيّ في الأوسط (7) من طريق

(أ) في جـ: عن.

_________

(1)

الطَّيالِسيّ 266 ح 1976.

(2)

انظر المرجعين السابقين.

(3)

ابن خزيمة، 1/ 350 ح 498.

(4)

النَّسائيّ، 2/ 104، الدارقطني 1/ 316، شرح معاني الآثار 1/ 202، أَحْمد 3/ 179.

(5)

32 ح 120.

(6)

مسند أبي عوانة، 2/ 122.

(7)

مجمع الزوائد، 2/ 108 وعزاه إلى الطَّبْرَانِيّ الأوسط.

ص: 67

إسحاق أَيضًا، وابن خزيمة (1) من طريق ثابت أَيضًا، والنَّسائيّ (2) من طريق منصور بن زاذان، وابن حبان من طريق أبي قلابة، والطبراني من طريق أبي نعامة، كلهم عن أنس باللفظ الثاني للجهر.

وطريق الجمع بين هذه الروايات حمل نَفْي القراءة على نفي السماع ونفي السماع على نفي الجهر، ويؤيد هذا التأويل رواية ابن خزيمة (3):"كانوا يسرون" وكذلك رواية منصور بن زاذان: "فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم"، وإذا تقرر أن محصل (أ) حديث أنس نفي الجهر بالبسملة فمتى وجدت رواية فيها إثبات الجهر قدمت على نفيه لا لمجرد تقديم المثبت على النافي؛ لأن أنسًا يبعد جدًّا أن يصحب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مدة عشر سنين ويصحب الثلاثة الخلفاء مدة خمس (ب) وعشرين سنة فلا (جـ) يسمع منهم الجهر بها في صلاة حتَّى يقدم المُثبتُ عليه وهذه تكون طريقة النفي على هذه الكيفية تفيد العلم اليقين، فلا يقدم (د) الإثبات عليها، بل يكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا الحكم، كأنه لبعد عهده به لم يذكر منه الجزم بالافتتاح بالحمد لله جهرًا، فلم يستحضر الجهر بالبسملة (4)، فيتعين الأخذ بحديث من أثبت ذلك.

(أ) زاد في هـ: قراءة.

(ب) في جـ: خمسة.

(جـ) في جـ: فلم.

(د) في هـ: تقديم.

_________

(1)

ابن خزيمة 1/ 250 ح 497.

(2)

النسائي 2/ 104.

(3)

ابن خزيمة 1/ 250 ح 418، النَّسائيّ 2/ 104.

(4)

نقل المؤلف الشرح من الفتح، وكان بناء على ترتيب كلامه أن يثبت إسرار البسملة، ولعله مشي على مذهب الشَّافعيّ من إثبات الجهر بالبسملة، والله أعلم والأولى تقديم ما دل عليه حديث أنس من شرعية الإمرار بالبسملة لصحته وصراحته في هذه المسألة، والله أعلم.

ص: 68

واعلم أنَّه اختلفت الروايات المتكثرة من كلا الجانبين (أ) وظاهرها التباين، وقد أشار إلى الجمع بينهما القرطبي وأحسن قال بعد ذكر الأحاديث من الجانبين (أ): وقد روى عن سعيد بن جبير قال: "كان المشركون يحْضرون المسجد، فإذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: هذا محمَّد يذكر رحمن اليمامة -يعنون مسيلمة- فأُمر أنّ يخافت ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ونزلت: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} (1) قال التِّرْمِذِيّ الحكيم أبو عبد الله (2): فبقى ذلك إلى يومنا هذا على ذلك الرسم، [وبقيت المخافتة في صلاة النهار وإن زالت العلة](ب) انتهى.

وقريب منه (جـ) ما ذكره ابن القيم في "الهَدْي"(3) قال: كان يجهر ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تارة، ويخفيها أكثر مما جهر بها، ولا ريب أنَّه لم يكن يجهر بها دائمًا في كل يوم وليلة، خمس مرات أبدًا حضرًا وسفرًا ويخفى ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال حتَّى (د) يحتاج إلى التشبث فيه بألفاظ مجملة وأحاديث واهية، "فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحها غير صحيح". انتهى.

(أ- أ) بهامش جـ.

(ب) بهامش الأصل.

(جـ) في جـ: منها.

(د) في هـ: حتَّى، وباقي النسخ حين المثبت موافق للهدي.

_________

(1)

الآية 110 من سورة الإسراء.

(2)

نوادر الأصول 393، تفسير القرطبي 10/ 342 - 343.

(3)

الهدي 1/ 206، (زاد المعاد).

ص: 69

وأقول والله أعلم: لعل أحوال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اختلفت فمتى حضر الصلاة من يريد الطعن والتشبث بظاهر ما سمع من المعاندين أخفى قراءة البسملة، ومتى زال ذلك الشائع أظهرها، وهذا أنسب بالجمع بين رواية النافي والمثبت؛ لأنه لو أديم أحدهما في بعض المدة بعد أن قد فعل خلافه ما خفي على الملازمين لتلك الحضرة الشريفة، والله أعلم.

واعلم أن كثيرًا من الأئمة احتج على كون البسملة ليست بآية من الفاتحة بعدم قراءتها واشتهر ذلك، ولم أر من رده، وذلك لا يصح، فإن من روى أنَّه لم يقرأها أو يجهر بها لم يتعرض لكونها آية أو غير آية ولعلها آية ولم يقرأها، ويكون عدم قراءتها مبينًا لأن يقرأ من الفاتحة ما عداها فبينهما فرق، فتنبه لذلك، والله سبحانه أعلم.

تنبيه: وقع في رواية الصنف هنا في رواية أنس ذكر أبي بكر وعمر دون عثمان وقد وقع ذكر عثمان في رواية عمر بن مرزوق عن شعبة عند البُخَارِيّ في "جزء القراءة"(1) وكذا في رواية حجاج بن محمَّد عن شعبة عند أبي عوانة (2)، وهو في رواية شيبان وهشام والأوزاعي وقد أشرنا إلى روايتهم فتنبه.

215 -

وعن نُعَيْم المُجمِر قال: (صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ بسم الله الرحمن الرَّحِيم. ثم قرأ بأم القرآن حتَّى إِذا بلغ

(1) جزء القراءة 32 ح 118. قلت: ومن رواية أبي عاصم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس 32 ح 121، ومن رواية محمَّد بن يوسف قال: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيّ كتب إلى قتادة قال: حَدَّثني أنس 32 ح 119، وهناك روايات أخرى.

(2)

مسند أبي عوانة 2/ 122.

ص: 70

"ولا الضالين" قال: آمين. ويقول كما سجد وإذا قام من الجلوس: "الله أكبر" ثم يقول إِذا سلم "والذي نفسي بيده، إِني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه النسائي وابن خزيمة (1).

هو أبو عبد الله نُعَيْم بن عبد الله المُجْمر -بضم النُّون وفتح المهملة مصغر- والمجْمِر -بضم الميم وسكون الجَيم وكسر الميم وبالراء -مولى عمر بن الخَطَّاب، سمع أَبا هريرة، روى عنه ابنه محمَّد ومالك بن أنس، وسُمى المُجْمِر لما ذكر سعيد بن منصور عن نُعَيْم بن عبد الله المجمر أن عمر بن الخَطَّاب، رضي الله عنه أمر أنْ يجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار (2).

(1) النَّسائيّ، الافتتاح قراءة "بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم" 2/ 103 - 104، ابن خزيمة، باب ذكر الدليل على أن الجهر ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم والمخافتة بها جميعًا مباح 1/ 251 ح 499، وابن حبان (موارد) 125 ح 450، الحاكم 1/ 232 وصححه ووافقه الذهبي، البيهقي الصلاة، باب جهر الإِمام بالتأمين 2/ 58 الدارقطني 1/ 305، 306، والحديث فيه سعيد بن أبي هلال الليثيّ مولاهم أبو العلاء المصري روى له الجماعة وقد وثقه ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي والعجلي وابن حبان والذهبي وقال ابن حزم: شذ الساجي فضعفه وقال أبو حاتم: لا بأس به وقال أبو زرعة: صدوق، وضعفه قوم، وقال الشيخ حماد الأَنْصَارِيّ: لم يصب في ذلك، قيل: اختلط، ولم يعتبر ذلك الشيخان أو لعل روايتهم عنه قبل الاختلاط، فهو ثِقَة لاتفاق جل العلماء على ذلك، والله أعلم. ثقات العجلي 189، الميزان 2/ 162، التهذيب 4/ 94، ثقات ابن حبان 6/ 374، الكواكب النيرات 468، المحلى 3/ 9. قلت: وقع عند النسائي "أبو هلال"، وعند ابن خزيمة "ابن أبي هلال" وهو الصواب انظر ابن حبان (موارد)، وتحفة الأشراف 10/ 384، والتقريب 126، وسير أعلام النبلاء 5/ 227، قلت: فالحديث إسناده صحيح والله أعلم.

وقد أخرج البُخَارِيّ بمعناه موصولًا: "يكبر كلما خفض ورفع ويقول: إنِّي لأشهبكم

" 2/ 269 ح 785.

(2)

سير أعلام النبلاء 5/ 227، تهذيب الكمال 3/ 1421، تهذيب التهذيب 10/ 465.

ص: 71

الحديث ذكره البُخَارِيّ تعليقًا، وأخرجه أَيضًا السَّرَّاج وابن حبان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم، وبوب عليه النَّسائيّ (1) الجهر ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، وهو أصح حديث ورد في ذلك.

وقوله: "قال آمين" فيه دلالة على مشروعيتها للإمام وهو قول الحنفية والشافعية (2) وعن مالك (3): يقولها المأموم فقط وعنه يسرها الإِمام.

وهذا الحديث حجة عليه وفيه دلالة على أن التكبير مشروع عند إرادة السجود وعند الانتهاض للقيام وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

وقوله "ثم يقول": نفهم من هذا أنَّه حكاية لصلاة متكررة اعتادها أبو هريرة فمتى فرغ قال ذلك.

وقوله "أشبهكم" ظاهره أن المشابهة بجميع ما ذكر فيها، ويحتمل أن تتم المشابهة بالموافقة ولو في الأكثر. والله أعلم.

216 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذ قرأتم الفاتحة فاقرؤوا بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، فإِنها إِحدى آياتها".

رواه الدارقطني وصوب وقفه (4).

وعنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قرأة أمِّ القرآن رفع صوته وقال: آمين" رواه الدارقطني وحسنه، والحاكم وصححه (5).

(1) النسائي 2/ 103.

(2)

الهداية 1/ 48 - 49، المجموع 3/ 305.

(3)

الكافي 1/ 206.

(4)

الدارقطني، باب وجوب قراءة بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم في الصلاة 1/ 312، البيهقي الصلاة، باب الدليل على أن بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آية تامة من الفاتحة 2/ 45.

(5)

الدارقطني، باب التأمين في الصلاة بعد فاتحة الكتاب والجهر بها 1/ 335، وقال: هذا إسناد حسن، البيهقي الصلاة، باب التأمين 2/ 58، الحاكم الصلاة 1/ 223.

ص: 72

ولأبي داود والتِّرمذيّ من حديث وائل بن حجْر نحوه (1).

الحديث أخرجه الدارقطني من رواية أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر قال: أخبرني نوح بن أبي بلال عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رفعه، وأخرجه أَيضًا عن أبي بكر الحنفي قال: لقيتُ نوحًا فحدثني به ولم يرفعه، فرفعه نوح تارة ووقفه أخرى، وصحح غير واحد من الأئمة وقفه على رفعه (2)، فأعله (أ) ابن القطَّان (3) بهذا التردد، وتكلم فيه ابن الجوزي (4) من أَجل عبد الحميد بن جعفر (ب) فإن فيه مقالا (5)، ولكن قد رواه أبو بكر عن نوح بغير واسطة عبد الحميد (ب) في طريق الوقف ولذلك صوب الدارقطني وقفه ولكن مثل هذا الموقوف في حكم المرفوع إذ لا مدخل للاجتهاد فيه (6).

وقد رواه البيهقي من طريق أخرى ترجع إلى عبد الحميد بن جعفر بالإسناد المذكور بلفظ: "إنه كان يقول الحمد لله رب العالمين سبع آيات

(أ) في جـ: وأعله.

(ب- ب) بهامش هـ.

_________

(1)

سيأتي تخريج حديث وائل عند شرح الحديث.

(2)

التلخيص 1/ 248.

(3)

الوهم والإيهام ل 52.

(4)

التحقيق 1/ 296.

(5)

عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ روى له الجماعة إلَّا البُخَارِيّ وثقه أَحْمد وابن معين، وقال النَّسائيّ: ليس به بأس، ضعفه سفيان، قال علي بن المدينيّ: كان يقول بالقدر وكان عندنا ثِقَة، الميزان 2/ 538، التهذيب 6/ 111.

(6)

قال الدارقطني في العلل: هذا الحديث يرويه نوح بن بلال واختلف عليه فيه فرواه عبد الحميد بن جعفر عنه واختلف عنه فروي مرفوعًا وموقوفًا وهو الصواب. التلخيص 1/ 248.

ص: 73

إحداهن بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، وهي السبع المثاني، وهي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب" (1)، وروى الدارقطني (2) من طريق أخرى عن أبي هريرة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم "أنَّه كان إذا قرأ وهو يؤم النَّاس افتتح ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم" (3) قال أبو هريرة: هي الآية السابعة.

في الحديث دلالة على وجوب قراءة بسم الله الرَّحْمَن الرحيم مع قراءة الفاتحة، وتحقيق أنها إحدى آياتها وليست بآية مستقلة، وقد ذهب إلى هذا جمهور السلف والعِتْرة جميعا والشافعي وقراء مكة والكوفة (4)، وقال محمَّد بن كعب وابن المسيب: هي آية من الفاتحة فقط، قيل: إن منها بعض آية من غيرها، وقال أَحْمد وداود (5) ورازي الحنفية: آية مستقلة مُنزّلة بين كل سورتين، وقد تقدم بقية الأقوال فيها.

وهذا الحديث لا ينافيه ما مر من عدم سماعها أو ترك الجهر بها.

إذ مدلوله الأمر بقراءتها من غير تعرض للجهر أو الإسرار.

وقوله "وعنه قال: كان .. إلخ"(أ) الحديث أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق الزبيدي، وقال الدارقطني: إسناده (ب) حسن، وقال الحاكم:

(أ) ساقطة من هـ.

(ب) في جـ: إسناده

_________

(1)

سنن البيهقي 2/ 45.

(2)

الدارقطني 1/ 306.

(3)

الحديث فيه أبو أويس المدنِيُّ عبد الله بن عبد الله بن أوس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي صدوق يهم مر في ح 4، 7.

(4)

وكلام العلماء عليها طويل جدًّا، انظر تفصيل المسألة في: المجموع 3/ 267، المغني 1/ 480، حاشية رد المحتار 1/ 491، الاستذكار 2/ 175.

(5)

الإنصاف 2/ 48، المجموع 3/ 268.

ص: 74

إسناده صحيح على شرطهما، وقال البيهقي: حسن صحيح (1).

وحديث وائل أخرجوه (2) عن طريق الثَّوريّ بلفظ: "صليت خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال: ولا الضالين، قال آمين ومد بها صوته".

ورواه أَيضًا ابن ماجه من طريق أخرى عنه بلفظ: "قال آمين فسمعناها منه".

ورواه أَحْمد والدارقطني من هذه الطريق بلفظ: "مد بها صوته".

وقال التِّرْمِذِيّ في "جامعه"(3) رواه شعبة فقال: "وخفض بها صوته" قال: وسمعت محمدًا -يعني البُخَارِيّ- يقول: حديث سفيان يعني الثَّوريّ أصح، وأخطأ فيه شعبة (4).

(أ) في الحديث دلالة على أن الإِمام يشرع له قول "آمين" بعد قراءة الفاتحة جهرًا في الجهرية، وقد ذهب إلى هذا الشَّافعيّ (5)، وقال أبو حنيفة بل يسر الإِمام في الجهرية (6) وعن مالك في رواية (ب) أبي القاسم أن الإِمام

(أ) زاد في هـ: و.

(ب) زاد في جـ وهـ: ابن.

_________

(1)

قلت: الحديث فيه إسحاق بن إبراهيم الزبيدي، قال أبو حاتم: لا بأس به، وقال النَّسائيّ: ليس بثقة، وقال أبو داود: ليس بشيء وثقة ابن معين، الميزان 1/ 181، التهذيب 1/ 216، قلت: وللحديث شواهد أخرى عند أبي داود والنَّسائيّ وابن ماجه.

(2)

أبو داود 1/ 574 ح 932، التِّرْمِذِيّ 2/ 27 ح 248، ابن ماجه 1/ 278 ح 855، الدارقطني 1/ 335، البيهقي 2/ 57، أَحْمد 4/ 316، شرح السنة 3/ 58.

(3)

سنن التِّرْمِذِيّ 2/ 28 - 29.

(4)

قال ابن معين: ليس أحد يخالف الثَّوريّ إلَّا كان القول قول سفيان، قيل: وشعبة إن خالفه، قال: نعم، التاريخ 2/ 211 وقال شعبَّة: سفيان أحفظ مني، التهذيب 4/ 113 - 115.

(5)

المجموع 3/ 305.

(6)

الهداية 3/ 48 - 49.

ص: 75

لا يقولها، ورواية عنه كأبي حنيفة (1)" وهذا الحديث لم يكن فيه تعرض لحكم المؤتم والمنفرد في التأمين، وقد وليس البُخَارِيّ من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا أمن الإِمام فأمّنوا فإنَّه مَنْ وافقَ تأمِينُه تأمين الملائكة غفِرَ له مَا تَقَدَّم مِنْ ذنبه" (2).

وأخرج من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا قال الإِمام: غير المغضوب عليهم ولا الضَّالين فقولوا: آمين، فإنَّه مَن وافَقَ قوله قوِلَ الملائكة غُفر له مَا تقدم من ذنبه"(3) وذكر تعليقًا (4): أمَّن ابنُ الزُّبير ومنْ وراءه حتَّى إن للمسجد لَلَجَّة، وكان أبو هريرة ينادي الإِمام لا تفتني بآمين (5).

وقال نافع: كان ابن عمر لا يدعه ويحضهم (6)، وسمعت منه في ذلك خبرًا.

وأخرج أَيضًا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال أحدكم "آميِن" وقالت الملائكة في السماء "آمين" فوافقت إحداهما الأخرى، غُفِر له ما تقدم من ذنبه"(7).

ففي هذه الأحاديث دلالة على شرعية ذلك للمؤتم والمنفرد، والحديث

(1) الكافي 1/ 206.

(2)

البُخَارِيّ 2/ 262 ح 780، مسلم 1/ 307 ح 72 - 410.

(3)

البُخَارِيّ 2/ 266 ح 782، مسلم 1/ 307 ح 76 - 410 م.

(4)

البُخَارِيّ 2/ 262، ووصله عبد الرَّزّاق في المصنف 2/ 96 - 97.

(5)

وصله عبد الرَّزّاق 2/ 96 ح 2639 بلفظ (لا تسبقني) وابن أبي شيبة 2/ 425.

(6)

أخرجه عبد الرَّزّاق في المصنف 2/ 97 ح 2641.

(7)

البُخَارِيّ 2/ 266 ح 781.

ص: 76

الأخير للقارئ مطلقًا في الصلاة أو في غيرها، وفي بعض هذه الألفاظ (أ) ما يدل على أن تأمين المأموم (1) يتأخر عن تأمين الإِمام لأنه رتبه عليه بالفاء وقد (ب) ذهب الجمهور (2) إلى أن المشروع المقارنة، قال الشيخ محمَّد الجويني (3) لا تستحب مقارنة الإِمام في شيء من الصلاة غيره، وتأويل الجمهور الرواية المذكورة بأن المعنى إذا أراد أن يقول آمين، وحمل الجمهور (4) هذا الأمر على الندب، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملًا بظاهر الأمر، قال: وأوجبه الظاهرية على كل مُصَلٍّ (5)، وظاهره أنَّه يؤمن المأموم ولو كان مشغولًا بقراءة الفاتحة، وبه قال أكثر الشافعية، ثم اختلفوا هل تنقطع به موالاة الفاتحة على وجهيْن أصحهما (6): لا تنقطع لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كتشميت العاطس (7) والخلاف في شرعية التأمين في الصلاة للعترة جميعًا كذا رواية الإِمام المهدي في "البحر"(8) وفي "جامع آل محمَّد" رواه أحمد بن عيسى عن علي رضي الله عنه عند القول بالجهر ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، ونقل في "البيان" عن أَحْمد بن عيسى

(أ) ساقطة من جـ.

(ب) ساقطة من جـ.

_________

(1)

من ذلك حديث أبي هريرة عند البُخَارِيّ: "إذا أمَّنَ الإمامُ فأَمنوا .. " 2/ 262 ح 780.

(2)

المجموع 3/ 304، المغني 1/ 490.

(3)

المجموع 3/ 304، الوسيط 2/ 615.

(4)

الفتح 2/ 264.

(5)

قال ابن حزم: يقوله الإِمام والمنفرد ندبًا وسنة ويقولها المأموم فرضًا ولا بد. المُحلى 3/ 262.

(6)

الفتح 2/ 264.

(7)

قال شيخنا عبد العزيز بن باز في تعليقه على الفتح: والصواب أن تأمين المأموم وحمده إذا عطس لا يقطع عليه القراءة لكونه شيئًا يسيرًا، مشروعًا 2/ 265.

(8)

البحر 1/ 250.

ص: 77

القول به، ففي نسبة الإِمام المهدي ذلك إلى الجميع فيها نظر فقالوا: إنه بدعة لقوله صلى الله عليه وسلم لمن شمت العاطس في الصلاة "لا يَصْلُح فيها شيءٌ مِنْ كَلامِ النَّاس"(1) قال الإِمام المهدي: والراوي لفعله وائل بن حجْر (2) وهو ضعيف الرواية، قالِ: سلمنا. فمعارض بقوله "لا يَصلح فِيهَا شيء مِن كَلامِ النَّاس" ومَنْ جوزه جوز الدعاء، والتشميت دعاء، وقد أنكر عليه. انتهى.

وقد علمت أنَّ ذلك قد ثبت من غير رواية وائل على فرض صحة ضعفه (3)، والمعارضة غير صحيحة لما عرفت من أن معناه من تكليم النَّاس كما مر، ولو كان معناه ما ذكر فهذا خاص وذلك عام، والتلازم الذي ذكره غير صحيح إذ غاية الأمران هذا يصير من جملة أذكار الصلاة التي منْ غير القرآن ثابتة بدليلها، وإلا لزم قصر الصلاة على فهمه من حديث السلمي ألا يتكلم في الصلاة إلَّا بقرآن، فما قال في ثبوت سائر الأذكار قيل في هذا والأمر واضح.

ولفظ "آمين"(4) هي بالمد والتخفيف في جميع الروايات وعن جميع القراء، وحكى أبو نصر عن حمزة والكسائي الإمالة، وفيها ثلاث لغات أخرى شاذة؛ القصر حكاه ثعلب وأنشد له شاه"، وأنكره ابن درستويه

(1) تقدم في 627 ح 166.

(2)

وائل بن حجر صحابي جليل رضي الله عنه وأرضاه- والصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم وتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلا يلتفت إلى كلام الإِمام المهدي في "البحر" أو لنقل الشارح.

(3)

لا ينبغي افتراض صحة الضعف.

(4)

القاموس 4/ 199، تفسير أبي السعود 1/ 33، تفسير القرطبي 1/ 127 - 131.

ص: 78

وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر، وحكى عياض (1) ومن تبعه عن ثعلب أنَّه إنما أجازه في الشعر خاصة.

والتشديد مع المد والقصر وخطأهما جماعة من أهل اللغة.

وآمين من أسماء الأفعال مثل صه للسكوت، ويُفتح في الوصل لأنها مبنية بالاتفاق، ولم يكسر لثقل الكسرة بعد الياء مثل كيف، ومعناها: اللهمَّ استجيب، وقيل: كذلك يكون، وقيل معناه: اللهمَّ آمنا بخير، وقيل: درجة في الجنة تجب لقائلها، وقيل: لمن استجيب له كما استجيب للملائكة (2)، وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى، رواه عبد الرَّزّاق (3) عن أبي هريرة بإسناد ضعيف، وعن هلال بن يساف (أ) التابعي مثله (4) وقال: من مد وشدد معناها (ب) قاصدين إليك، ونُقل ذلك عن جعفر الصادق.

وقال: من قصر وشدد هي كلمة عبرانية أوسريانية، وعند أبي داود (5) من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم "إن خَتَمَ بآمين فقد أوْجَبَ، والمستحب الاقتصار على التأمين. وقد أخرج البيهقي (6) حديث وائل قال: صلى الله عليه وسلم ولا الضَّالين ربّ

(أ) في النسخ: يسار، وفي مصنف عبد الرَّزّاق يساف 2/ 99.

(ب) في جـ: معناه.

_________

(1)

مشارق الأنوار 1/ 38.

(2)

المجموع 3/ 301 - 302.

(3)

المصنف 2/ 99 ح 2651.

(4)

المصنف 2/ 99 ح 2650.

(5)

1/ 577 ح 938.

(6)

سنن البيهقي 2/ 85.

ص: 79

اغفرْ لي آمين، وفي إسناده أبو بكر النهشلي (أ) وهو ضعيف (1)، وفي "الأم" للشَّافعي (2): فإن قال: آمين رب العالمين كان حسنًا، ونقله النووي من زوائده في "الروضة"(3).

217 -

وعن عبد الله بن أبي أوْفَى رضي الله عنه قال: "جاء رَجُلٌ إِلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إِنِّي لا أستَطِيِعُ أنْ آخذَ منْ القُرآن شيئًا، فَعَلمني مَا يُجْزِئني، فقال: "قُلْ سُبْحَانَ الله، والحمدُ لله، وَلَا إِلهَ إلا الله، والله أكْبَر ولَا حَوْلَ ولَا قوةَ إلا بالله العَلي العَظِيم".

الحديث رواه أَحْمد، وأبو داود، والنَّسائيّ، وصححه ابن حبان، والدارقطني، والحاكم (4).

هو أبو إبراهيم، ويقال: أبو محمد، ويقال أبو معاوية، واسم أبي أوفى: علقمة بن قيس بن خالد بن الحارث بن أبي أسيد الأسلمي، شهد الحديبية؛

(أ) في النسخ: السهيلي، والتصحيح من البيهقي، وانظر الترجمة.

_________

(1)

أبو بكر النهشلي عبد الله بن قطاف الكُوفيّ مشهور بكنيته وثقه أَحْمد ويحيى والعجلي وضعفه ابن حبان، قال الذهبي: صدوق حسن الحديث، التقريب 397، الميزان 4/ 496، الثِّقات للعجلي 493.

(2)

الأم 1/ 95.

(3)

الروضة 1/ 247. قلت: والأولى الاتباع والأخذ بما ورد عن سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم.

(4)

أَحْمد 4/ 353، أبو داود الصلاة، باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة، النَّسائيّ، الافتتاح، باب ما يجزئ من القرآن لمن لا يحسن القرآن 2/ 110، ابن حبان، (موارد) 129 ح 473، سنن الدارقطني، باب ما يجزيه من الدعاء عند الفجر عن قراءة فاتحة الكتاب 1/ 312، الحاكم، كتاب الصلاة، 1/ 241، ابن خزيمة، الصلاة، باب إجازة الصلاة بالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل 1/ 723 ح 544، ابن الجارود في المنتقى، باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم 73 ح 189، سنن البيهقي، باب الذكر يقوم مقام القراءة 2/ 381.

ص: 80

وخيبر وما بعدها من المشاهد ولم يَزَلْ بالمدينة حتَّى قُبض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثم تحول إلى الكوفة، وهو آخر منْ مات من الصَّحَابَة بالكوفة سنة سبع وثمانين، وقيل سنة ست، وكان قد كف بصره، وكان من أصحاب الشجرة، روى عنه الشعبي وإسماعيل بن أبي خالد وعمرو بن مرة.

وأسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة (1).

الحديث أخرجوه من حَدَّثَنَا إبراهيم بن إسماعيل السكسكي (2) وهو من رجال البُخَارِيّ، وقد عيبَ على البُخَارِيّ إخراج حديثه، وضعفه النَّسائيّ (3)، وقال ابن القطان: ضعفه قوم فلم يأتوا بحجة، وذكره النووي في "الخلاصة"(4) في فصل الضعيف، وقال في "شرح المهذب" (5): رواه أبو داود والنَّسائيّ بإسناد ضعيف، وكان سببه كلامهم في إبراهيم وقد قال ابن عدي (6) لم أجد له حديثًا منكر المتن، وقد رواه الطَّبْرَانِيّ (أ) وابن حبان في "صحيحه"(7) أَيضًا من طريق طلحة بن مصرف (ب) عن ابن أبي أوفى، وفي إسناده الفضل بن موفق (8) ضعّفه أبو حاتم.

(أ) في جـ: الطبري.

(ب) في جـ: مطرف.

_________

(1)

الاستيعاب 6/ 110، الإصابة 6/ 18، سير أعلام النبلاء 4/ 428.

(2)

ليس ابن إسماعيل إنما ابن عبد الرَّحْمَن أبو إسماعيل. راجع ترجمته في ح 205 ص 11.

(3)

قال النَّسائيّ: ليس بذاك القوي. الضعفاء والمتروكين 284.

(4)

الخلاصة ل 51 باب: ما يقول مَنْ لم يُحْسِنْ من القرآن شيئًا، فصل في ضعيفه.

(5)

المجموع 3/ 309.

(6)

الكامل 1/ 214.

(7)

ابن حبان (الإحسان) 3/ 148 ح 1807.

(8)

الفضل بن موفق بن أبي المتئد أبو الجهم الكُوفيّ، ضعفه أبو حاتم وقال كان قرابة لابن عيينة. التقريب 276، الميزان 3/ 360.

ص: 81

والحديث فيه دلالة على أن ذلك المذكور يقوم مقام القراءة لمن لا يحسنها، وظاهره أنَّه يكفي قوله مرة واحدة، ولعله بالقياس على قراءة الفاتحة أن الخلاف في تكريره في كل ركعة، أو أنه لا يجب تكريره كما تقدم في الفاتحة.

وتقدم تمام الكلام في هذه المادة في حديث أبي هريرة تعليم المسئ صلاته (1).

218 -

وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا، فَيَقرأ في الظُّهْرِ والعَصْرِ في الركعَتَيْنِ الأوليينِ بفَاتحَة الْكِتَابِ وَسورَتَيْنِ، ويُسمعُنَا الآية أحْيَانًا، ويطَوّلُ الرَّكعَة الأوَلىَ، وَيَقرأْ في الآخرتين بِفَاتِحةِ الْكِتَاب" متفق عليه (2).

قوله: "الأولَيَينِ" بياءين تثنية أُولَى، وكذا (أ) آخرتين تثنية أخرى.

في الحديث دلالة على شرعية قراءة الفاتحة في كل ركعة وقراءة السورة في الركعتين الأوليين.

وفيه دلالة على قراءة سورة كاملة وإن قصرت أفضل من قراءة قدرها

(أ) ساقطة من جـ.

_________

(1)

انظر ح 205.

(2)

مسلم (نحوه) الصلاة، باب القراءة في الظهر والحصر 1/ 333 ح 154 - 151، البخاري (بمعناه)، الأذان، باب القراءة في الظهر 2/ 243 ح 759، أبو داود (نحوه) الصلاة، باب ما جاء في القراءة في الظهر 1/ 503 ح 798، النَّسائيّ الافتتاح، باب القراءة في الركعتين الأوليين في صلاة العصر 2/ 128، ابن ماجه (نحوه) إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الجهر في الآية؛ أحيانًا في صلاة الظهر والعصر 1/ 271 ح 829، أَحْمد 5/ 311.

ص: 82

من سورة طويلة (1)، إذ لفظ كان يفعل تدل بحسب الأغلب على الدوام أو الغالب.

وقوله "ويسمعنا الآية أحيانًا": فيه دلالة على أن الإسرار في السرية ليس بواجب وأنه لا يجب سجود السهو على من فعل ذلك، وسواء قلنا كان يفعل ذلك عمدًا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر.

وقوله: "أحيانًا" يدل على تكرر ذلك منه.

وقد أخرج النَّسائيّ (2) من حديث البراء: "كنا نصلي خلف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان (أ) والذاريات"، ولابن خزيمة (3) من حديث أنس نحوه ولكن قال:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} .

وقوله "ويطول الرَّكعة الأولى": ونحوه لأبي داود وابن خزيمة (4) ومن رواية عبد الرَّزّاق عن عطاء قال: "إنِّي لأحبُّ أنَّ يُطَولَ الإمامُ الرَّكْعَةَ الأولى من كلِّ صلاةٍ حتَّى يكثرَ النَّاسُ في الأولى، ويقصر في الثَّانية" وروى عبد الرَّزّاق (5) في آخر حديث أبي (ب) قتادة: "فظننا أنَّه يريد بذلك أن

(أ) هـ: القمر.

(ب) ساقطة من جـ وهـ.

_________

(1)

شرح مسلم 2/ 95، الفتح 2/ 244.

(2)

النَّسائيّ 2/ 126. وفيه أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثِقَة عابد كان صوامًا قوامًا، غزا مرارًا، اشتهر بالتدليس واختلط بآخره. مر في ح 84.

(3)

ابن خزيمة 1/ 257 ح 512، النَّسائيّ 2/ 126، ابن حبان 128 ح 469 (موارد) كشف الأستار 1/ 236.

(4)

أبو داود 3/ 501 ح 798، ابن خزيمة 1/ 255 ح 507.

(5)

في المصنف 2/ 104 ح 2675.

ص: 83

يدرك النَّاس الركعة الأولى".

في الحديث دلالة على استحباب التطويل للركعة الأولى وظاهره التطويل بالقراءة وادعى ابن حبان أن الطول إنما هو بترتيل القراءة فيها مع استواء المقروء، وقد روي مسلم من حديث حفصة:"كان يرتل السورة حتَّى تكون أطول منْ أطول منها"(1) ويؤخذ من هذا أن للإمام تطويل ركن الركوع ليلحق به المأموم (2)، وقد ذكر البُخَارِيّ (3) في "جزء القراءة"(أ) ما معناه أنَّه لم يرد عن أحد من السلف في انتظار الداخل (ب) في الركوع شيء والله أعلم.

[وعن أبي حنيفة (4): يطوِّل في أولى (ب) الصبح خاصة، وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح دائمًا وغيرها إنْ كان يرجى كثرة المأمومين، وصلاته في أول الوقت وإلا فلا](د).

وقال: مَنْ يستحب استواء الركعتين في القراءة: إنما طالت الأولى

(أ) في جـ: القرآن.

(ب) في جـ: الرَّجل.

(جـ) في هـ: أول.

(د) بهامش الأصل.

_________

(1)

مسلم 1/ 705 ح 118 - 733.

(2)

ذكره بعض الشافعية، وقال القرطبي: لا حجة فيه لأن الحكمة لا يعلل بها لخفائها أو لعدم انضباطها، ولأنه لم يكن يدخل في الصلاة يريد تقصير تلك الركعة ثم يطيلها لأجل الآتي.

وإنما كان يدخل فيها ليأتي بالصلاة على سنتها من تطويل الأولى فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق اهـ. الفنح 2/ 244 - 245.

(3)

الفتح 2/ 245.

(4)

الهداية 1/ 55، وعلل بإعانة النَّاس على إدراك الجماعة.

ص: 84

بدعاء الافتتاح والتعوذ، وأما في القراءة فهما سواء، ويدل عليه حديث أبي سعيد الآتي: وقال البيهقي (1) في الجمع بين أحاديث المسألة يطول في الأولى إنْ كان منتظرًا أحدًا وإلا فيسوي بين الأولين.

وقوله "ويقرأ في الآخريين بفاتحة الكتاب": ظاهره من غير زيادة عليهما، وكذا الثالثة من المغرب حكمها كذلك، وإنْ كان مالك قد أخرج في الموطأ (2) من طريق الصنابحي أنَّه سمع أَبا بكر يقرأ فيها:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} (3) الآية، وللشافعي قولان في استحباب قراءة السورة في الآخريين (4).

وفي الحديث دلالة على جواز الإخبار بما يفيد الظن والعمل به وإلا فالصلاة السرية لا طريق إلى معرفة قراءة السورة فيها يفيد اليقين بذلك، وإنما ذلك بما يظهر من شاهد الحال مع قرينة سماع الآية والآيتين من السورة. والقول بأن ذلك يجوز أن يكون مأخوذًا من إخبار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يفيد مع "كان" التي تفيد الدوام أو الأغلبية، وفي حديث أبي سعيد الآتي:(5) دلالة على ما قلنا، وكذلك في جواب خباب بن الأرت لمن سأله عن قراءة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر والعصر، بأي شيء كنتم تعلمون قراءته؟ قال: باضطراب لحيته (6) والله أعلم.

219 -

وعن أبي سعيد الخدرِيّ رضي الله عنه قال: "كنا نحْزُر

(1) المجموع 3/ 322.

(2)

الموطأ باب القراءة في المغرب والعشاء 71.

(3)

الآية 8 من سورة آل عمران.

(4)

وصحح النووي عدم الاستحباب 3/ 321.

(5)

ح 219.

(6)

البُخَارِيّ 2/ 245 ح 761.

ص: 85

قِيَامَ رسول الله (أ) صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر: آلم تنزيل .. السجدة، وفي الآخريين قدر النصف من ذلك، وفي الأولَيين من العصر قدر الآخريين من الظهر، والآخريين على النصف من ذلك" رواه مسلم (1).

نَحْزُر بضم الزاي وبعدها مهملة وهو بمعنى الخرص والتقدير (2)، وفي رواية لابن ماجه (3) أنّ الحازرين لذلك ثلاثون رجلًا من الصَّحَابَة.

وفيه دلالة على استواء الركعتين الأوليين واستواء الآخريين، وعلى تطويل الظهر أكثر من العصر، وقد عرفت ما مر، قال النووي (4): قال العلماء: السنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل، ويكون الصبح أطول، وفي العشاء والعصر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، قالوا: والحكمة في إطالة الصبح والظهر: أنهما في وقت غفلة بالنوم في آخر الليل وفي القائلة، فطوّلتا (ب) ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، والعصر ليست كذلك بل إنها تفعل (جـ) في وقت تعقب أهل الأعمال فخففت عن ذلك، والمغرب لضيق الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك ولحاجة النَّاس إلى

(أ) في جـ: النَّبِيّ.

(ب) في جـ: فطولها.

(جـ) ساقطة من جـ

_________

(1)

مسلم نحوه الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر 1/ 334 ح 156 - 452، النَّسائيّ بمعناه الافتتاح، باب تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر 2/ 127، ابن ماجه إمامة الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر 1/ 270 ح 825، ابن خزيمة، باب إباحة القراءة الآخريين من الظهر والعصر بأكثر من فاتحة الكتاب 1/ 256 ح 509.

(2)

القاموس 2/ 8.

(3)

ابن ماجه 1/ 270.

(4)

شرح مسلم 2/ 96.

ص: 86

عشاء صائمهم وضيفهم، والعشاء في وقت غلبة النَّوم والنعاس ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر. انتهى، وهذا الذي ذكروه هو مضمون الحديث الآتي.

وأقول: إن الأحاديث في هذه المادة مختلفة لا يوقف منها، على الضابط المذكور فإنَّه قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن صلاة الظهر تُقَام ويذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها (1). وقد ورد في صلاة العصر أنها على النصف من صلاة الظهر إذا طالت الظهر ومثلها إذا قصرت (2). وقد روى أنَّه قرأ في المغرب بـ:{المص} (3)(أ) وأنه قرأ فيها بـ {الصافات} وأنه قرأ فيها بـ {حم} الدخان (4)(أ) وأنه قرأ فيها {سَبِّح اسْمَ رَبكَ الأعْلَي} (5) وأنه قرأ فيها بـ {التين والزَيْتُّونِ} (6)، وأنه قرأ فيها بالمَعوذتين، وأنه قرأ فيها بـ {المرّسَلات} (7)، وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل (8). وهي كلها آثار صحاح، وأما المداومة على قِصَار المْفَصَّل في المغرب فإنما هو فعل مروان. و (ب) لهذا أنكر عليه يزيد بن ثَابت، وقال له:"ما لك تقرأ بقصار المفصل؟ "

(أ- أ) ساقطة من جـ.

(ب) الواو ساقطة من جـ.

_________

(1)

مسلم 1/ 335 ح 161 - 454.

(2)

مسلم 1/ 334 ح 156 - 452.

(3)

البُخَارِيّ 2/ 246 ح 764، بلفظ (بطول الطوليين) ولم يذكر {المص} وقد مرت برواية النَّسائيّ بـ {المص} 2/ 131.

(4)

النسائي 2/ 131.

(5)

النسائي 2/ 131.

(6)

مجمع الزوائد وعزاه إلى الطَّبْرَانِيّ الكبير 2/ 118 وفي البُخَارِيّ أنَّه قرأ في صلاة العشاء 2/ 250 ح 767.

(7)

البُخَارِيّ 2/ 246 ح 763.

(8)

النَّسائيّ 2/ 129 - 130، ابن ماجه 1/ 270 - 271 ح 827، أَحْمد 2/ 300.

ص: 87

وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الغرب بطولى الطوليين (1) وهي الأعراف [والطولى الأخرى الأنعام، يريد بواحدة من الطوليين](أ).

وقد أخرج النَّسائي "أنَّه فرق الأعراف في ركعتي المغرب (2)، وقد قرأ في العشاء {بالتين والزيتون} (3) وَوَقَّت لعاذ فيها "بالشمس وضحاها" (4)، و {سبح اسم ربك الأعلى} و {واللّيلِ إِذَا يَغشَى} ونحوها"، وقد أخرج النَّسائيّ من حديث ابن عمر:"كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف، ويؤمنا بالصافات"(5) فالصافات بيان للتخفيف المأمور به.

والجمع بين هذه الروايات أنَّه وقع الجميع من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأنه كان يختلف باختلاف الأوقات والأشغال والنشاط والفتور والإقبال في الصلاة بالقلوب والإدبار، والله أعلم.

وقوله و (ب)"في الآخريين على النصف من ذلك": احتَّج به الشَّافعيّ (6) على قراءة سورة في الركعتين الآخريين، وهو مأخذ قريب، إذ من البعيد سكوته صلى الله عليه وسلم عن الذكر في الصلاة، والقول بترتيل قراءة الفاتحة فيهما محتمل بعيد، والله أعلم.

(أ) ساقطة من الأصل، وبهامش جـ وهـ.

(ب) الواو ساقطة من جـ.

_________

(1)

البُخَارِيّ 2/ 246 ح 764.

(2)

النسائي 2/ 132.

(3)

البُخَارِيّ 2/ 250 ح 767.

(4)

البُخَارِيّ 2/ 192 ح 701.

(5)

النَّسائيّ 2/ 74، أَحْمد 2/ 26.

(6)

وهو القول الجديد أما القديم فلا يستحب، المجموع 3/ 320 - 321.

ص: 88

220 -

وعن سليمان بن يَسَار رضي الله عنه قال: "كانَ فلانٌ يُطِيل الأوُلَيَيْن من (أ) الظهر ويُخَفِّفُ العَصر، ويَقْرأ في المَغْرِب بقصَار المُفَصَّل، وفي العِشَاءِ بوَسْطِهِ، وفي الصبْح بِطِوَاله".

فقال أبو هريرة: "ما صليتُ وراء أحدٍ أشْبَهَ صَلَاةً بِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم من هذا" أخرجه النَّسائيّ بإسناد صحيح (1).

هو أبو أَيُّوب -ويقال: أبو عبد الرَّحْمَن، ويقال: أبو عبد الله- سليمان بن يسار -بفتح الياء التحتانية وتخفيف السين المهملة- مولى ميمونة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأخو عطاء بن يسار، من أهل المدينة، وكبار التابعين، كان فقيهًا فاضلًا ثِقَة عابدًا وَرعًا حجة، وهو أحد الفقهاء السبعة، قال الحسن بن محمَّد: سليمان بن يسار أفهم عندنا من سعيد بن المسيّب ولم يقل أعلم ولا أفقه، روى عن ابن عباس وأبي هريرة (ب) وأم سلمة، روى عنه الزُّهْرِيّ (ب) ويحيى بن سعيد الأَنْصَارِيّ وغيرهما من الأعلام، مات سنة سبع ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة (2).

وقوله: "كان فلان": قال في "شرح السنة": هو رجل كان أميرًا

(أ) ساقطة من جـ.

(ب- ب) ساقطة من جـ.

_________

(1)

النَّسائيّ، الافتتاح، باب القراءة في المغرب بقصار المفصل 2/ 130، ابن ماجه، إقامة الصلاة والسنة فيها، باب القراءة في الظهر والعصر 1/ 270 - 217 ح 827، وأَحمد 2/ 300 وأخرجه: الطهارة مقتصرًا على صلاة المغرب، باب القراءة في صلاة المغرب 1/ 214، ابن حبان، (إحسان) 3/ 157 ح 1834.

(2)

سير أعلام النبلاء 4/ 444، تهذيب التهذيب 4/ 228، حلية الأولياء 2/ 190، تهذيب الكمال 2/ 549.

ص: 89

على المدينة، وقيل اسمه عمر بن سلمة بن نفيع البَصْرِيّ إمام بني خزيم بالبصرة، وكنيته أبو يزيد، وليس هو بعمر بن عبد العزيز كما قاله التوربشتي؛ لأن ولادة عمر بن العزيز كانت بعد وفاة أبي هريرة.

في الحديث دلالة على أن هذه الصفة كانت عادة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أو قريبًا منها، وقد عرفت ما فيه (أ) في الحديث الذي قبله.

221 -

وعن جبير بن مُطْعم رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور" متفق عليه (1).

في الحديث دلالة على أن المغرب لا يختص بقراءة قِصَار المُفَصل، وقد تقدم الكلام في ذلك.

222 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: {الم تَنْزيل} .. السجدة و {هل أتى عَلَى الإِنْسَانِ} متفق عليه (2).

وللطبراني من حديث ابن مسعود: "يديم ذلك".

في الحديث دلالة على أن قراءة السورتين في فجر الجمعة مندوبة

(أ) في هـ: ما فيها.

_________

(1)

البُخَارِيّ: كتاب الأذان، باب الجهر في المغرب 2/ 247 ح 756، مسلم: الصلاة، باب القراءة في المغرب 1/ 338 ح 174 - 463، أبو داود: في الصلاة، باب قدرة القراءة في المغرب 1/ 508 ح 811، النَّسائيّ: الافتتاح، باب القراءة في المغرب بالطور 2/ 131، أَحْمد 8/ 40.

(2)

البُخَارِيّ: كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة 2/ 377 ح 891، مسلم: كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في يوم الجمعة 66/ 879 م، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب القراءة في صلاة الفجر يوم الجمعة 1/ 269 ح 823، النسائي: الافتتاح القراءة في الصبح يوم الجممة 2/ 122 - 123.

ص: 90

لا سيما رواية الطَّبْرَانِيّ، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية (1): السر في قراءتهما في فجر الجمعة؛ لأنها تضمنتا ما كان و (أ) يكون في يومهما، فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة ففي قراءتهما تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والله أعلم.

223 -

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "صليتُ مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فما مَرَّتْ به آية رحمة إِلا وقف عندها يسأل، ولا آية عذاب إِلا تَعوَّذَ منها .. " أخرجه الخمسة وحسنه التِّرْمِذِيّ (2).

في الحديث دلالة على أنَّه ينبغي للمصلي تدبر القرآن، وترتيل آياته، والانزجار عند الزواجر، والاشتياق لما أعده من الرحمة والزلفى في اليوم الآخر، وأن هذا من تمام خشوع الصلاة، والله أعلم.

224 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنِّي نُهِيتُ؛ أنْ أقْرأَ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعَظِّموا فيه الرَّبَّ وأما السُّجودُ فَاجْتَهِدُوا في الدعَاءِ فَقمنٌ أنْ يُسْتَجَاب لكم .. " رواه

(أ) زاد في جـ: ما.

_________

(1)

فتاوى شيخ الإسلام 24/ 206.

(2)

مسلم مطولًا: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل 1/ 536 ح 203 - 772، أبو داود: وفيه زيادة (الصلاة)، باب ما يقول الرَّجل في ركوعه وسجوده 1/ 543 ح 871، التِّرْمِذِيّ (مثل أبي داود): الصلاة: باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود 2/ 48 ح 262، النَّسائيّ: الافتتاح تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب 2/ 137، ابن ماجه (نحوه): إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل 1/ 429 ح 1351، أَحْمد وله زيادات 5/ 384 - 389 - 394.

ص: 91

مسلم (1).

قوله: "نُهِيتُ" فيه دلالة على أن ذلك منهيّ عنه، فلو فعل ذلك فقد ارتكب النهي، وظاهر النهي التحريم، إلَّا إذا دل دليل بخلافه، وقد (أ) اختلف العلماء فيما إذا قرأ شيئًا من القرآن فيهما، فعند الهادوية وغيرهم، أنَّه لا تفسد الصلاة إذا كان قليلًا مطلقًا، بأن كان كثيرًا أفسد إذا كان عمدًا، ويجب سجود السهو [في القليل مطلقًا، وفي الكثير إذا كان سهوًا](ب)، (جـ وعند الشافعية (2) كذلك جـ) في غير الفاتحة يكره ولا تفسد الصلاة، وظاهره سواء كان كثيرًا أو قليلًا إذا كان عمدًا، وفي الفاتحة وجهان: أحدهما لا تبطل بها الصلاة كغيرها (3)، والثاني تحرم وتبطل الصلاة، وإن (د) كان سهوًا فلا كراهة وسجد للسهو عند الشَّافعيّ.

وقوله: "وأما الركوع فعظّموا فيه الرَّبَّ ": المراد بالتعظيم هو قول: "سبحان ربي العظيم" كما رواه مسلم (4) في حديث حذيفة: "فجعل يقول: سبحان ربي العظيم ثم قال: سمع الله لمن حمده ثم سجد فجعل

(أ) ساقطة من هـ.

(ب) في هامش الأصل.

(جـ - جـ) في هامش هـ.

(د) في هـ: وإذا.

_________

(1)

مسلم وطرفه: "كشف رسول الله الستارة" الصلاة، باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود 1/ 348 ح 207 - 479، أبو داود (نحو مسلم: الصلاة، باب في الدعاء في الركوع والسجود 1/ 545 - 546 ح 876، النَّسائيّ (نحو مسلم): الافتتاح، باب الأمر بالاجتهاد بالدعاء والسجود 2/ 172.

(2)

المجموع 3/ 354.

(3)

وهو الأصح.

(4)

مسلم: 1/ 536 ح 203 - 772.

ص: 92

يقول: سبحان ربي الأعلى"، وظاهره وجوب التسبيح في الركوع، وقد ذهب إلى هذا أَحْمد وطائفة من أئمة الحديث (1)، وخالف في ذلك الجمهور وحملوا الأمر على الاستحباب لحديث المسئ صلاته، فإنَّه لم يعلمه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تسبيح الركوع ولو كان واجبًا لأمر به، وظاهر حديث حذيفة، وإطلاق قوله: "فعَظِّموا فيه الرَّبَّ" أن المرة الواحدة يحصل بها المأمور به، وقد أخرج أبو داود من حديث عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا رَكع أحَدُكُم فَلْيَقلَ: ثلاث مَرَاتٍ: "سبْحَانَ ربي العَظيم"، وذلك أدناه وإذا سجد فليقل:"سُبحانَ رَبي الأعلى" ثلاثًا، وذلك أدناه" (2) رواه أبو داود والتِّرمذيّ وابن ماجه، وقال أبو داود (3)، فيه إرسال؛ لأن عونًا (4) لم يدْرِك ابن مسعود، وكذا قال البُخَارِيّ في "تاريخه" (5)، وكذا التِّرْمِذِيّ (6)، ففيه دلالة على أن المرة الواحدة [غير كافية] (أ)، ولا سيما مع قوله: "وذلك أدناه" وأما حمله على الندب فهو مثل الحديث الأول.

وفي قوله (ب): "فاجتهدوا في الدعاء" فيه دلالة على قُرْبِ المصلي من المعبود جل وعلا لما في ذلك من الخضوع والاستكانة، وقد اختلف

(أ) بهامش الأصل.

(ب) في جـ: وقوله.

_________

(1)

المغني 1/ 502، المجموع 3/ 354، وقال ابن قدامة: وهو المشهور عن أَحْمد وعنه أنَّه غير واجب وهو قول أكثر الفقهاء.

(2)

أبو داود 1/ 550 ح 886، التِّرْمِذِيّ 2/ 46 ح 216، ابن ماجه 1/ 287 ح 890.

(3)

السنن 1/ 550، وانظر تهذيب الكمال 2/ 1066، التهذيب 8/ 171.

(4)

مضى ح 502.

(5)

التاريخ الكبير 7/ 13 - 14.

(6)

قال التِّرْمِذِيّ: حديث ابن مسعود ليس إسناده بمتصل، عون بن عبد الله بن عتبة لم يلق ابن مسعود. سنن التِّرْمِذِيّ 2/ 47.

ص: 93

العلماء في الأفضل من السجود أو القيام في الصلاة على ثلاثة أقوال (1): الأول أن السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل حكاه التِّرْمِذِيّ والبغوي عن جماعة وروي عن ابن عمر في السجود.

والثاني: أن القيام أفضل، ذهب إليه الشَّافعيّ وجماعة لحديث مسلم "أفضل الصلاة طول القنوت"(2) ولأن ذكره قراءة القرآن، وهو أفضل من التسبيح، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يطول القيام بئر من تطويل السجود.

والثالث: أنهما سواء، وتوقف أَحْمد، وقال إسحاق ابن راهويه: أما في النهار فتكثير (أ) الركوع والسجود أفضل، وأما في الليل فالقيام، وذلك لأن صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الليل قد وُصِفَتْ (ب) بطول القيام (3).

واعلم أنَّه يجْمَع بين الدعاء والتسبيح للأحاديث الواردة في ذلك.

وقوله: "فَقَمِن": وهو بفتح القاف وكسر اليم وفتحهما لغتان مشهورتان فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع، ومن كسر فهو صفة، وفيه لغة ثالثة:"قَمِين"(جـ) بزيادة ياء وفتح القاف وكسر اليم ومعناه: حقيق وجدير.

(أ) في هـ: فتكبير.

(ب) في هـ: وصف.

(جـ) في جـ: فقمين.

_________

(1)

ذكر شيخ الإِسلام روايات عن الإِمام أَحْمد. الفتاوى 23/ 69.

(2)

مسلم 1/ 520 ح 164 - 756.

(3)

ذكر شيخ الإملام أن هذه المسألة لها صورتان:

أ) أن يُطيل القيام مع تخفيف الركوع والسجود فيقال: إنما أفضل هذا، أما تكثير الركوع والسجود مع تخفيف القيام ويكون هذا قد عدل بين الركوع والسجود فخفف الجميع.

ب) أنَّه يُطيلُ القيام فيطيل معه الركوع والسجود فيقال إنما أفضل هذا أما أن يكثر من الركوع والسجود والقيام، وذكر حكم الصورتين. الفتاوى 23/ 69 - 71.

ص: 94

225 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: في ركُوعه وسُجُوده: "سُبْحَانَكَ اللهُم وَبحَمْدكَ، اللهُم اغْفرْ لي".

متفق عليه (1).

الحديث ورد بألفاظ، ففي لفظ كما في الأصل، وفي لفظ قالت:"ما صلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت (أ) عليه،: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلا يقول: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهمَّ اغفر لي"(2)، وثبت في رواية بحذف الواو وفي كثير من الروايات بإثباتها.

فيه دلالة على قول ذلك في الركوع والسجود، وهو لا ينافي الحديث الذي قد مر وهو:"أما الركوع فَعَظِّموا فيهِ الرَّبَّ"؛ لأن ذلك يدل على أنَّه محل للتعظيم (ب)، وهذه الزيادة مفهومة من هذا الحديث فيجمع بين الروايتين جميعًا بالجمع بين مدلوليهما مع أن في قوله:"فاجتهدوا فيه بالدعاء" يدل بمفهومه أن غيره لا يجتهد فيه، وأما اليسير من الدعاء فلا يضر، إذ معنى الاجتهاد هو الإكثار منه.

وقوله: "سبحانك" منصوب على المصدرية بتقدير "أسبحك" ومعنى التسبيح التنزيه والتقديس من النقص.

(أ) في جـ: نزل.

(ب) زاد في جـ، هـ: و.

_________

(1)

لفظ البُخَارِيّ ومسلم، بزيادة (ربنا)، وفي النسخ المخطوطة بإسقاطها، البُخَارِيّ: الأذان، باب الدعاء في الركوع 2/ 281 ح 794، مسلم: الصلاة، باب ما يقال في الركوع 1/ 350 ح 217 - 484، أبو داود: الصلاة، باب في الدعاء في الركوع والسجود 1/ 546 ح 877، النَّسائيّ: نوع آخر من الذكر في الدعاء 1/ 149، ابن ماجه بإسقاط لفظ (ربنا): إقامة الصلاة والسنة فيها، باب التسبيح في الركوع والسجود 1/ 286 ح 889.

(2)

البُخَارِيّ 8/ 733 ح 4967.

ص: 95

وقوله: "وبحمدك": يحتمل أن تكون الواو للعطف، والمعطوف متعلق "بحمدك" والتقدير: وألتبس (أ) بحمدك والمعنى وأحمدك (ب) يحتمل أن تكون للحال والمعنى أسبحك وأنا ألتبس بحمدك أي في حال كوني ملتبسا بحمدك، وهذا هو الأنسب لما روي عن عائشة رضي الله عنها في تمام رواية الحديث:"يَتَأوَّل القرآن"(1)، أي يتأول قوله سبحانه:{فَسَبِّح بَحَمْدِ رَبِّكَ} (2)، وعلى رواية حذف الواو يحتمل أيضًا الحال، ويحتمل أن تكون الباء للسببية ويناسبه أَيضًا ما روي عن عائشة "بحمدك لا بحمد غيرك" أي وقع هذا بسبب حمد الله أي بفضله وإحسانه فعبّر عنهما بالحمد لأنهما مسببان عنه.

وقوله: "اللهمَّ اغفر لي" لموافقة قوله: {واسْتَغْفِرْهُ} وفي هذا دلالة على سرعة (جـ) امتثاله صلى الله عليه وسلم لما أمر به وقيامه بحق العبودية وكمال معرفته بعظمة الربوبية، زاده الله شرفا وفضلًا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

226 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَه"، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنِ الرُّكُوع، ثمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: ربنا وَلَكَ الحَمْدُ، ثم يكبر حين يهوي سَاجدًا، ثم يكبر حِينَ يَرْفَعُ رأسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يرفع، ثمّ يَفْعَلُ ذَلِك في الصَّلاةِ كُلِّها، ويُكَبِّرُ حِينَ

(أ) في جـ: واللبس.

(ب) في جـ: التعظيم.

(جـ) في هـ: شرعية.

_________

(1)

البخاري 2/ 299 ح 817.

(2)

الآية 3 من سورة النصر.

ص: 96

يقوم من الثنتين بَعْدَ الجُلُوسِ". متفق عليه (1).

قوله (أ)"يكبر حين يقوم" أي حين يقوم إلى الصلاة، وظاهره أن التكبير مُقَارنُ لحال القيام، والقيام هو الانتصاب واستواء القامة فلا يجزئه أن يكبِّر وهو على غير حال القيام، كما إذا أهوى إلى الركوع أو نحوه، وهذا التكبير واجب وقد دل على وجوبه ما تقدم في حديث المسيء صلاته (ب).

وقوله: "ثم يكبر حين يركع .. " إلخ، فيه دلالة على شرعية التكبير في كل خفض ورفع، وهذا مُجْمعٌ عليه في هذه الأعصار، وقد كان وقع فيه خلاف في زمن أبي هريرة (2) فكان (جـ) بعضهم لا يرى التكبير إلَّا في افتتاح الصلاة، وبعضهم يزيد عليه بعض ما في هذا الحديث، ولعلهم لم يبلغهم

(أ) زاد في جـ: ثم.

(ب) زيادة من: جـ، هـ.

(جـ) في هـ: وكان.

_________

(1)

لفظ مسلم وزاد (رأسه) بعد قوله (يكبر حين يرفع) ولفظ (المثنَّى) بدل ثنتين، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة 1/ 293 - 294، ح 28 - 392 م، البُخَارِيّ: الأذان، باب التكبير إذا قام من السجود 2/ 272 ح 789، أبو داود:(نحوه) الصلاة. باب تمام التكبير 1/ 522 ح 836، النَّسائيّ: نحوه كتاب الافتتاح، باب التكبير للركوع 2/ 141، أحمد: نحوه 2/ 270.

(2)

نقل الكلام من شرح مسلم للنووي، وقال في المجموع: رُوي عن جماعة من السلف أنَّه لا يكبر إلَّا تكبيرة الإحرام ونقل قول الإِمام البَغَوِيّ: اتفقت الأمة على هذه التكبيرات وقال: لعله لم يبلغه مَنْ نقلنا عنه، أو أنه أراد اتفاق العلماء بعد التابعين على مذهب من يقول الإجماع بعد الخلاف برفع الخلاف، وهو المختار عند متأخري الأصوليين. المجموع 3/ 334.

ص: 97

فعْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لذلك قال أبو هريرة لما فعل مثل هذا المروي في صلاته فَلما انصرف قال: والله إنِّي لأشْبَهُكمْ صَلَاةً برسولِ الله (1) واستقر العمل على ما في هذا الحديث (أ) في كل صلاة ثنائية إحدي عشرة تكبيرة، وهي تكبيرة الإحرام وخمس في كل ركعة، وفي الثلاثية سبع عشرة وهي تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام من التشهد الأول، وخمس في كل ركعة، وفي الرباعية ثنتان وعشرون ففي المكتوبات الخمس: أربع وتسعون تكبيرة، وظاهره فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم ومداومته على ذلك يدل على وجوبه.

وقد ذهب إلى هذا أَحْمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه (2)، والجمهور (3) على خلاف ذلك، قالوا لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك المسئ صلاته وإنما عَلَّمه تكبيرة الإحرام، وهو موضع بيان للواجب، ولا يجوز التأخير عن وقت الحاجة.

وظاهر قوله: "يكبر حين" كذا: أنَّه يقارن التكبير (ب) هذه الحركات فيشرع في التكبير عند ابتدائه للركن ويمده حتَّى يتم الحركة لذلك، وهذا مذهب كافة العلماء، إلَّا ما روي عن عمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك (4): إنه لا يكبر للقيام من الركعتين حتَّى يستوي قائمًا.

(أ) زاد في هـ: كما.

(ب) ساقطة من جـ.

_________

(1)

مسلم 2/ 597 ح 61 - 877.

(2)

المغني 1/ 495 - 496.

(3)

المجموع 3/ 334، التمهيد 9/ 212 - 213، والرواية عن الإِمام أَحْمد كالجمهور، المغني 1/ 502.

(4)

الكافي 1/ 208.

ص: 98

وقوله: ثم يقول حين يَرْفَعُ صُلْبَهُ منَ الْركُوع: "سَمِعَ الله لمَنْ حَمدَه"، ويقول وهو قائم:"ربنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" ظاهره أنَّه يقول ذلك كل مُصَلّ، إذ هو حكاية لمطلق صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وإن كان يحتمل أن ذلك حكايته لصلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذ الصلاة المتبادر منها الصلاة الواجبة، والغالب على صلاته الجماعة وهو الإِمام فيها، وأيضًا في رواية لمسلم منْ فعْل أبي هريرة وهو إمام بالمدينة في أيام مروان (1) حكاية ذلك وقالَ: وَالله إنِّي لأشْبَهُكُمْ صَلَاةً برَسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولكن ذلك لا يُكَدر هذا الظاهر لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كَمَا رأيتموني أصلي"(2)، وظاهر الأمر إطلاق المشابهة لكل مصلّ يصلي كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب إلى هذا الشَّافعيّ (3)، وذهب الهادي (4) والقاسم وأبو حنيفة ورواية عن الناصر أن التسميع للإمام والمنفرد، وِالحمد للمؤتم، قالوا لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا قَالَ الإمَامُ سَمِع الله لمنْ حَمدَه فقُولوا: اللهُم ربنا لَكَ الحَمْدُ فإنهُ مَنْ وَافَقَ قَولهُ قوْلَ الملائكَةَ غُفِرَ لهَ مَا تَقَدَّم مِنْ ذنبهِ"(5).

وذهب أَبو يوسف ومحمَّد إلى أنَّه يجمع بينهما الإِمام والمنفرد (6)، ويأتي

(أ) بهامش الأصل.

_________

(1)

أخرج مسلم في صحيحه عن ابن أبي رافع قال: استخلف مروان أَبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة. 2/ 597 ح 61 - 877.

(2)

البُخَارِيّ من حديث مالك بن الحويرث. سيأتي في ح 252.

(3)

المجموع 3/ 358 - 359.

(4)

المجموع 3/ 358، البحر 1/ 258، والمغني 1/ 509، الهداية 1/ 49، ورواية عن مالك، التمهيد 9/ 230.

(5)

البُخَارِيّ 2/ 283 ح 796.

(6)

الهداية 1/ 49.

ص: 99

بالتحميد المؤتم [قال في "شرح القُدُوري" وذكر الجخندي هذه المسألة وقال: هو قول أصحابنا جميعًا](أ) جمعًا بين الحديثين حكاية فعله وقوله، وقد عرف أن قوله:"إذا قال الإِمام سَمِع الله لمَنْ حمده فقولوا ربَّنَا لَكَ الحمْدُ" لا ينفي قول المؤتم: "سَمِعَ الله لِمنْ حمده"، وَإنما دلالته على أن قول المؤتم:"رِبنا لَكَ الحمْدُ"، يكون عقيب قول (ب) الإِمام:"سَمِعَ الله لمَنْ حَمده"، والواقع في التصوير ذلك لأن الإِمام يقول التسميع في حَال انتقاله والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، واستفيد الجمع بينهما من الحديث الأول.

وادعى الطحاوي (1) وابن عبد البر (2) الإجماع على كون المنفرد يجمع بينهما وجعل (جـ) الحجة جمع الإِمام بينهما لاتحاد حكم الإِمام والمنفرد.

ومعنى "سَمِعَ الله لمَنْ حَمده": أجاب، ومعناه أنَّ مَنْ حمد الله متعرضًا لثوابه استجاب الله له وأعطاه ما تعرض له، فناسب بعده أن يقول:"ربنَا لَكَ الحمْدُ".

وإثبات الواو ثبت في (د) طرق كثيرة، وفي بعضهما بحذف الواو (هـ).

(أ) بهامش الأصل.

(ب) ساقطة من هـ.

(جـ) في جـ: وهل.

(د) في جـ: من.

(هـ) زاد في هـ: و.

_________

(1)

شرح معاني الآثار 1/ 238 - 239، وخالفه صاحب الهداية في حكاية الإجماع في المذهب فضلًا عن الإجماع المطلق، فقال: والمنفرد يجمع بينهما في الأصح. شرح فتح القدير 1/ 299.

(2)

قال ابن عبد البر: ولا أعلم خلافًا أن المنفرد يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد أو ولك الحمد، التمهيد 6/ 148، قلت: ونفية العلم بالخلاف لا يعني الإجماع فتنبه.

ص: 100

قال النووي (1): المختار أن لا ترجيح لأحدهما على الآخر. قال ابن دقيق العيد: زيادة الواو تدل على تقدير استحب بعد قوله: "ربنا" بناءً منه على أن الواو عاطفة، وقال أَيضًا النووي في "شرح المهذب" (2): يحتمل أنها عاطفة على محذوف (أ): ربنا أطعناك وحمدناك ولك الحمد.

وذكر ابن السكن في "صحيحه"(3) عن أَحْمد بن حنبل أنَّه قال: من قال: ربنا ولك الحمد، ومن قال: اللهمَّ ربنا قال: لك الحمد.

قال الأصمعيّ: سألت أَبا عمرو بن العلاء عن الواو في قوله: "ربنا ولك الحمد" فقال: هي زائدة، ويحتمل أن تكون واو الحال (4)، والله أعلم.

227 -

وعن أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ رأسَه منْ الركوع قال: "اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلءَ السَّموات والأرضِ وملء مَا شئْت مِنْ شيءٍ بَعْدُ، أهْل الثَّناءِ والْمَجْدِ، أحقُّ ما قالَ العبدُ، وكلنا لَكَ عبد، اللهمَّ لا مَانِعَ لمَا أعْطَيتَ ولَا مُعْطِي لمَا مَنَعتَ، ولَا يَنْفَعُ ذَا الجد مِنْكَ الجَدّ". رواه مسلم (5).

(أ) زاد في هـ: أي.

_________

(1)

المجموع 3/ 358.

(2)

المجموع 3/ 358.

(3)

الفتح 2/ 272.

(4)

رجحه ابن الأثير وضعف ما عداه. الفتح 2/ 273.

(5)

مسلم، الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع 1/ 347 ح 205 - 477، أبو داود (نحوه) الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع. 1/ 529 ح 847، النَّسائيّ، الافتتاح، باب ما يقول في قيامه من الركوع 2/ 156، ابن خزيمة، باب التحميد والدعاء بعد رفع الرأس من الركوع 1/ 300 ح 613، البيهقي، الصلاة، باب القول عند رفع الرأس من الركوع وإذا استوى قائمًا 2/ 94.

ص: 101

في الحديث دلالة على شرعية هذا الذكر في الاعتدال، وتطويل هذا الركن، وظاهره: لكل مصلٍّ.

وقوله: "مِلْءَ" بنصب الهمزة نصب على الصدرية ويجوز الرفع، ورجع ابن خالويه النصب، وحكى عن الزجاج وجوب الرفع، ورفعه على خبرية مبتدأ محذوف، ومعناه المبالغة في كثرة الحمد حتَّى ولو كان أجساما لملأ السموات والأرض،

"وأهل": منصوب على النداء أو الاختصاص، والنصب هو الأشهر، ويجوز رفعه على خبرية مبتدأ محذوف. و"الثناء" الوصف الجميل والمدح.

"والمجد: العظمة ونهاية الشرف، وهذا اللفظ هو المشهور في رواية مسلم وقال القاضي (1) عياض: وقع في رواية ابن ماهان: "أهل الثناء والحمد".

وقوله: "أحق" بالهمزة كذا في رواية مسلم وغيره.

و"كلنا": بالواو كذلك، ووقع في كتب الفقهاء:"حق ما قال العبد كلنا" .. بحذف الهمزة والواو، والمعنى الصحيح (2). وتوجيه هذا علي الرواية الأولى أن "أحق" مبتدأ وخبره:" [اللهمَّ] (أ) لا مانع لما أعطت"، "وكلنا" .. جملة اعتراضية من مبتدأ وخبر، وعلى الرواية الثانية حق: مبتدأ، وخبره كلنا لك عبد.

وقوله: "لا مانع لما أعطيت": جملة مستأنفة، وفي هذا دلالة واضحة

(أ) مثبتة في هامش الأصل وساقطة من جـ.

_________

(1)

شرح مسلم للنووي 2/ 115.

(2)

قال الإِمام النووي: غير معروف من حيث الرواية وإن كان كلامًا صحيحًا 2/ 119.

ص: 102

على أفضلية هذا الذكر، وقد تضمن التفويض إلى الله، والإذعان له، والاعتراف بوحدانيته، والتصريح بأن لا حول ولا قوة إلَّا به وأن الأمر كله له، والحث على الزهادة في الدنيا، والإقبال على الأعمال الصالحة.

وقوله: "ذا الجد": المشهور فتح الجيم (1)، وقال ابن عبد البر: منهم من بقاه بالكسر، وقال (أ) أبو جعفر محمَّد بن جرير الطبري: هو بالفتح قال: وقاله الشَّيبانِيّ بالكسر، قال: وهذا خلاف ما عِرفه أهل النقل. قال ولا نعلم من قاله غيره ومعناه بفتح الجيم: الحظ والغنى والعظمة والسلطان، لا ينفعه حظه وينجيه منك وإنما ينجيه العمل الصالح، وعلى رواية الكسر وإن ضعف -فمعناه الاجتهاد أي لا ينفعه اجتهاده، وإنما تنفعه رحمتك، وقيل: المراد السعي التام في الحرص على الدنيا وقيل: معناه الإسراع في الهرب (ب أي لا ينفع ذا الإسراع في الهرب ب) منك هربه فإنَّه في قبضتك وسلطانك (2).

228 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة -وأشار بيده إِلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين" متفق عليه (3).

(أ) في هـ: ومنهم قال:

(ب- ب) ساقطة من جـ.

_________

(1)

القاموس 2/ 291.

(2)

شرح مسلم 2/ 116 - 117.

(3)

البُخَارِيّ، الأذان، باب السجود على الأنف 2/ 297 ح 812، مسلم، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب 1/ 354 ح 230 - 490، النَّسائيّ بمعناه، الافنتاح السجود على الأنف 21164 - 165، ابن ماجه، إقامة الصلاة والسنة فيها، باب السجود 1/ 286 ح 884، البيهقي، الصلاة، السجود على الكعبين والركبتين والقدمين والجبهة 2/ 103، الدَّارميّ، الصلاة السجود على سبعة أعظم وكيف العمل في السجود 1/ 302، قلت: ولفظ على أنفه متفق عليه، وإلى أنفه هي رواية كريمة في بعض النسخ وأوردها صاحب العمدة.

ص: 103

قوله: "أمرتُ": هذه إحدى روايات البُخَارِيّ، وفي رواية له:"أمرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم"، و (1) في رواية له:"أُمرنا"(2) على البناء للمفعول فيهما.

(أ) قوله: "أعَظم" وفي رواية للبخاري: "أعضاء"(3): قال ابن دقيق العيد (4) سمى كل عضو عَظْمًا باعتبار الجملة وإن اشتمل كل واحد على عظام، ويكون من باب تسمية الكل باسم البعض.

وقوله: "على الجبهة"، وأشار إلى أنفه، ولفظ البُخَارِيّ:"وأشار بيده على أنفه": كأنه ضمن أشار معنى أمَرَّ بتشديد الراء فلذلك عداه بعلى ولفظ المحكي هنا هي (ب) في بعض النسخ من رواية كريمة (5)، وفي النَّسائيّ (6) بعد حكاية هذا الحديث: قال ابن طاوس: ووضع يده علي جبهته وأمَرَّهَا على أنفه، وقال: هذا واجب، فهذه رواية مفسرة قال القرطبي (7): وهذا يدل على أن الجبهة الأصل في السجود، والأنف تَبعٌ.

وقال ابن دقيق العيد (8): قيل معناه أنهما جُعِلَا كَعُضْوٍ واحد وإلا لكانت الأعضاء ثمانية.

(أ) زاد في هـ: من.

(ب) في جـ: هو.

_________

(1، 2) البُخَارِيّ 2/ 295 ح 809 - 810.

(3)

البُخَارِيّ 2/ 295 ح 809.

(4)

إحكام الأحكام 2/ 306.

(5)

كريمة بنت أَحْمد المروزية، إحدى رواة صحيح البُخَارِيّ، قال ابن الأثير: انتهى إليها علو الإسناد للصحيح، توفيت سنة 463، عن عمرٍ يناهز الثامنة والتسعين، الأعلام 5/ 222.

(6)

النسائي 2/ 165.

(7)

المفهم ل 117 أ.

(8)

إحكام الأحكام 2/ 310.

ص: 104

قوله: "واليَدَيْنِ": المراد بهما الكفين، وقد وقع بلفظ "الكفين" في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عند مسلم (1).

وقوله: "وأطراف القدمين": وقع بهذا اللفظ في رواية للبخاري (2) عن ابن طاوس، وقع بلفظ آخر:"والرجلين"(3)، والرواية الأولى مبينة للمراد، والمراد من هذا أن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما، وعقباه مرتفعان فيستقبل بظهور قدميه القبلة، وقد ورد في حديث أبي حميد في صفة السجود هذا (4)، ومن ثم قيل: إنه يندب ضم الأصابع في السجود لأنها لو انفرجت انحرفت رؤوس بعضها عن القبلة.

والحديث فيه دلالة على وجوب السجود على ما ذكر فيه، إذ (أ) الأمر حقيقة في الوجوب وما وجب عليه صلى الله عليه وسلم وجب على أمته إلَّا الخاص به صلى الله عليه وسلم وقد ذهب إلى هذا العترة وأحد قولي الشَّافعيّ (5)، وذهب أبو حنيفة واحد قولي الشَّافعيّ وأكثر الفقهاء (6) إلى أن الواجب الجبهة فقط، قالوا: لقوله في حديث تعليم المسئ صلاته: "ويمكن جَبْهَته"، فكان قرينة على

(أ) في هـ: إذا.

_________

(1)

مسلم 1/ 354 ح 227 - 490.

(2)

البُخَارِيّ 2/ 297 ح 812.

(3)

البُخَارِيّ 2/ 295 ح 809.

(4)

مر في ح 206.

(5)

المجموع 3/ 368، البحر 1/ 266 - 267، المغني 1/ 515.

(6)

المجموع 3/ 365، المغني 1/ 515، وعند أبي حنيفة إن اقتصر على أحدهما جاز، وخالفه صاحباه. الهداية 1/ 50، قال ابن المنذر: لا يحفظ هذا عن أحد غير أبي حنيفة. المجموع 3/ 365، قلت: ثم رأيت أن صاحب السبل قد وهم الشارح 1/ 353.

ص: 105

حَمْل الأمر على غير الوجوب، وكذا قوله:"سجد وجهي" ويجابُ عنه بأن هذا الاحتجاج يتوقف على تقدم هذا الحديث على تعليم المسئ صلاته ليكون قرينة، وأما لو فرض تأخره ففي هذا زيادة شرع ويمكن أن تتأخر شرعية وجوب ما ذكره فمع جهل التاريخ ترجع العمل بالموجب لزيادة الاحتياط مع احتمال أن يكون قد علمه جميع ما ذكر في هذا الحديث، ونسي الراوي ولم يذكر إلَّا الجبهة.

ويدل الحديث على وجوب السجود على الأنف، وإشارته إليها عند ذكْرِ الجبهة فيه دلالة على أنهما في حكم العضو الواحد بين ذلك بالفعل، وقد ذهب إلى هذا النَّخَعيّ وسعيد بن المسيّب، وأَحمد وإسحاق (1).

وأجاب منْ لم يوجب ذلك بذكر السبعة إذ لو قيل بوجوبهما لكانت الأعضاء ثمانية، ولا يخفى عليك الجواب عنه مما ذكر، وظاهره وجوب السجود على العضو جميعه، ولا يكفي بعض ذلك.

وفي الجبهة يضع منها على الأرض ما أمكنه بدليل "ويمكن جبهته"، وظاهره أنَّه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء؛ لأن مسمى السجود يحصل بوصفها (أ) دون كشفها، ولا خلاف أن كشف الركبتين غير واجب لا يحذر من كشف العورة، واختلف في غيرها فذهب الهادي والقاسم والشافعي إلى أنَّه لا يجب كشف شيءٍ من السبعة، وذهب الناصر والمرتضى وأبو طالب وأحد قولي الشَّافعيّ إلى أنَّه لا يجب في غير الجبهة (2).

(أ) في هـ: بوضعها، وهو المناسب للسياق.

_________

(1)

المغني 1/ 516 ورواية أنَّه لا يجب.

(2)

المجموع 3/ 364 - 365، البحر 1/ 266 - 267.

ص: 106

واعلم أنَّه قد ورد في هذا الباب حديث خباب بن الأرت: "شَكَوْنَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرَّمْضاءِ في جبَاهنا وأكفنا فلم يشكنا"(1) رواه الحاكم في "الأربعين" له من حديث ابن وهب، ورواه البيهقي أيضًا من هذا الوجه، ومن طريق زكريا بن أبي زائدة (2)، وأخرجه (أ) مسلم (3) بغير لفظ:"حرّ" وبغير لفظ "جباهنا وأكفنا" وهو معار ضبحديث أنس: "فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهتَهُ مِن الأرض بَسَطَ ثوْبَه فسجد عليه"(4)، وهو يدل على أنَّهم عند الحاجة يتقون الحُر وعند السعة يباشرون الأرض بجباههم، فيمكن حمل الحديث بأن الشكاية إنما كانت لأجل تأخير الصلاة حتَّى يبرد الحر لا لأجل السجود على الحائل، إذ لو كان كذلك لأمرهم بالحائل المنفصل كما كان يصلي على الخمرة.

وعلق البُخَارِيّ (5) عن الحسن: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرَّجل منهم على عمامته"، ووصله البيهقي (6) وقال: هذا أصح ما في السجود موقوفًا على الصَّحَابَة، وأخرج أبو داود في "المراسيل" (7): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسجد على جبهته وقد اعتمّ على جبهته فحسر عن جبهته، وعن عياض بن عبد الله

(أ) في جـ: وأخرج.

_________

(1)

البيهقي 1/ 438.

(2)

البيهقي 2/ 104 - 105.

(3)

مسلم 1/ 433 ح 189 - 619، 190 - 619.

(4)

مسلم 1/ 433 ح 191 - 620، وبمعناه البُخَارِيّ 1/ 492 ح 358.

(5)

بلفظ: "كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه" ووصله عبد الرَّزّاق بلفظ: (لا بأس بالسجود على كور العمامة). المصنف 1/ 399 ح 1563.

(6)

البيهقي 3/ 106.

(7)

المراسيل 130 ح 78.

ص: 107

قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يسجد على كور العمامة فأومأ بيده ارفع عمامتك" (1).

وقد رويت أحاديث أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور عمامته من حديث ابن عباس، أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(2) في (أ) ترجمة إبراهيم بن أدهم، وفي إسناده ضعف، ومن حديث ابن أبي أوفى أخرجه الطَّبْرَانِيّ في "الأوسط"(3) وفيه فائد أبو الورقاء (4)، وهو ضعيف، ومن حديث جابر أخرجه ابن عدي في "الكامل"(5) وفيه عمرو بن شمر (6) وجابر الجعفي (7)، وهما متروكان، ومن حديث أنس أخرجه في "علل أبي حاتم"(8)، وفيه حسان بن سِيَاه (9) وهو ضعيف، وقال أبو حاتم: هذا حديث منكر (10)،

(أ) في جـ: من.

_________

(1)

ابن أبي شيبة 1/ 268.

(2)

الحلية ولم أقف عليه في ترجمة إبراهيم بن أدهم.

(3)

مجمع الزوائد 2/ 125 وقال في سعيد بن عنبسة: فإن كان الرَّازيّ فهو ضعيف وإن كان غيره فلا أعرفه، وابن أبي شيبة 1/ 267.

(4)

فائد بن عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ أبو ورقاء العطار متروك اتهموه قال النسائي: يأتي عن ابن أبي أوفى بالمعضلات لا يجوز الاحتجاج به، التقريب 274، المجروحين 2/ 203.

(5)

الكامل 5/ 1781.

(6)

عمرو بن شمر الجعفي الكُوفيّ، أبو عبد الله، قال البُخَارِيّ: منكر الحديث، وقال يحيى: لا يكتب حديثه وقال النَّسائيّ: متروك الحديث. الميزان 3/ 268، الكامل 5/ 1779.

(7)

جابر بن يزيد الجعفي أبو يزيد: رافضي ضعيف، الميزان 1/ 379، الكامل 2/ 537، التقريب 53.

(8)

العلل 1/ 187 ح 535.

(9)

حسان بن سياه، أبو سهل الأزرق: بصري، ضعفه الدارقطني وابن عدي، وقال: الضعف يتبين على رواياته وأحاديثه، الميزان 1/ 478، الكامل 2/ 779.

(10)

العلل 1/ 187 ح 535.

ص: 108

ورواه عبد الرَّزّاق (1) عن عبد الله بن محرز عن سليمان بن موسى عن مكحول مرسلًا، وعن يزيد بن الأصم أنَّه سمع أَبا هريرة يقول:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته". قال ابن أبي حاتم: هذا حديث باطل (2).

وقال البيهقي (3) بعد ذكْر هذه الأحاديث: أحاديث (أ) كان يسجد على كور عمامته لا يثبت منها شيء يعني مرفوعًا، وحكي عن الأَوْزَاعِيّ أنَّه قال: كانت عمائم القوم صغارًا البتة وكان السجود على كورها لا يمنع من وصول الجبهة إلى الأرض.

229 -

وعن ابن بحَيْنَة رضي الله عنه "أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حتَّى يَبْدُو بَيَاضَ إِبطَيْهِ". متفق عليه (4).

هو عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَة -بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء تحتها نقطتان وبعدها نون- هي أمه، وأبوه (ب): مالك بن القشب الأَزدِيّ، وقيل: هي أم أَبيه مالك، والأول أصح، وهي بنت الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصيّ، مات في ولاية معاوية ما

(أ) ساقطة من جـ.

(ب) في هـ: وأبو.

_________

(1)

المصنف 1/ 401 ح 1564.

(2)

علل ابن أبي حاتم 1/ 175 ح 500.

(3)

السنن 2/ 106.

(4)

البُخَارِيّ، كتاب الأذان، باب بيدي ضبعيه ويجافي في السجود 2/ 294 ح 807، مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به وصفة الركوع والاعتدال 1/ 356 ح 235 - 495، النَّسائيّ، التطبيق، باب صفة السجود 2/ 168، ابن خزيمة، باب التجافي في السجود 1/ 326 ح 648، البيهقي: الصلاة، باب يجافي مرفقيه عن جنبيه 2/ 114، أَحْمد 5/ 345.

ص: 109

بين سنة أربع وخمسين و (أ) ثمان وخمسين (1).

قوله: "فَرَّجَ بيْنَ يَدَيْهِ": أي نحي كل يد عن الجنب الذي (ب) تليها.

واختلف ما الحكمة في ذلك؟ فقال القرطبي (2): الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السجود أنَّه يخفف بها اعتماده على وجهه، ولا تتأثر أنفه ولا جبهته، ولا يتأذى بملاقاة الأرض، وقال غيره: هو (جـ) أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان.

وقال ابن المنير (3): الحكمة في ذلك أن يظهر كل عضو بنفسه ويتميز حتَّى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنه عدد، ومقتضى هذا أن يستقل كل عضو بنفسه ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض، وقد ورد هذا المعنى مصرحًا فيما أخرجه الطَّبْرَانِيّ (4) وغيره من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف أنَّه قال:"لا تفترش افتراش السَّبُع، واعتمد على راحتيك، وأبد إصبعيك، فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك".

(أ) في جـ: أو.

(ب) في جـ: التي.

(جـ) في هـ: هي.

_________

(1)

الاستيعاب: 6/ 112، الإصابة 6/ 204.

(2)

المفهم ل 117 ب.

(3)

الفتح 2/ 294.

(4)

مجمع الزوائد 2/ 126 بلفظ: "إذا صليت فلا تبسط ذراعيك بسط السبع" قال رواه الطَّبرَانِيّ في الكبير ورجاله ثقات. قلت: وقال ابن حجر في الفتح: بإسناد صحيح 2/ 294. وقد أخرج أَحْمد وأبو داود وابن ماجه والنَّسائيّ وابن خزيمة وابن حبان من حديث عبد الرَّحْمَن بن شبل بالنهي عن افتراش السبع، أَحْمد 4/ 428، أبو داود 1/ 228 ح 862، ابن ماجه 1/ 459 ح 1429، النَّسائيّ 2/ 169، ابن خزيمة 2/ 280 ح 1319، ابن حبان 1/ 130 (الوارد).

ص: 110

وظاهر هذا الحديث وجوب هذه الكيفية، وفي حديث ميمونة أَيضًا عند مسلم (1):"كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يجافي بيديه، فلو أن بهيمة أرادت أن تمر لمرت"، ولكنه قد أخرج أبو داود (2) ما يدل على أن ذلك مستحب من حديث أبي هريرة:"شكا أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم له مشقة السجود عليهم إذا تفرجوا، فقال: استعينوا بالركب" وترجم له الرخصة (أ) في ذلك، أي في ترك التفريج.

قال ابن عجلان أحد رواته: وذلك أن يضع مرْفقَيْه على ركبتيه إذا أطال السجود.

وفي قوله: "حتَّى يبدو بياض إبطيه": أخذ منه ابن التين أنَّه لم يكن عليه صلى الله عليه وسلم قميص، وتُعقّب بأنه يجوز أن يكون القميص واسع الكمين فتدرك منهما الإبطان. وقد روي التِّرْمِذِيّ في "الشمائل"(3) عن أم سلمة أنَّه كان أحب الثياب إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم القميص.

ويحتمل أنَّه أراد بياض إبطيه لو لم يكن عليهما ساتر وهو بعيد.

[ويحتمل رؤية بياض إبطيه في بعض الحالات وهو إذا لم يكن لابسًا القميص، ومع لبسه على ذلك القدر بحيث لولا القميص لرآه الرائي](ب).

(أ) في جـ: للرخصة.

(ب) بهامش الأصل.

_________

(1)

مسلم (وليس بلفظه) 1/ 356 ح 237 - 496 - 238 - 239، أبو داود 1/ 554 ح 898، ابن ماجه 1/ 285 ح 880، النَّسائيّ 2/ 168، أَحْمد 6/ 331.

(2)

أبو داود ليس بلفظه 1/ 556 ح 922، والتِّرمذيّ 2/ 77 ح 286، قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث سفيان بن عيينة وغير واحد عن سمي بن النُّعمان بن أبي عياش عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نحو هذا. وكأن رواية هؤلاء أصح من رواية الليث 2/ 78.

(3)

الشمائل المحمدية 50.

ص: 111

واستدل بهذا على أنَّه لم يكن شعر بإبطيه، ولكنه قد حكى المحب الطبري في الاستسقاء من "الأحكام" له أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن إبطه لم يكن متغير اللون بخلاف غيره (1).

وظاهر إطلاق هذه الرواية أن التفريج في السجود والركوع، ولكن البُخَارِيّ ذكر الحديث في المناقب (2) وقيده بالسجود، والمطلق يحمل على المقيد.

230 -

وعن البَرَاء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا سَجَدْتَ فَضعْ كَفَّيْكَ وارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ" رواه مسلم (3).

هو أبو عمارة -وقيل: أبو عمرو، (أوقيل أبو عمر أ)، وقيل: أبو الطفيل والأشهر الأول- البَرَاء -بفتح الباء الموحدة والراء (ب) - ابن عازب بن الحارث الأوسيّ، الأَنْصَارِيّ، الحارثيّ. أول مشهد شهده الخندق لأنه استصغر قبل ذلك من الشاهد، نزل الكوفة، وافتتح الريّ سنة أربع وعشرين

(أ- أ) ما بينهما بهامش هـ.

(ب) في هـ: البراء.

_________

(1)

وقد قال شيخنا في تعليقه علي الفتح: مثل هذا التخصيص يحتاج إلى دليل ولا أعلم في الأحاديث ما يدل على ما قاله المحب، فالأقرب ما قاله القرطبي، وهو ظاهر كثير من الأحاديث، ويحتمل أن يكون شعر إبطيه صلى الله عليه وسلم كان خفيفًا فلا يتضح للناظر من بعد سوى بياض الإبطين، والله أعلم، الفتح 2/ 215.

(2)

البُخَارِيّ 6/ 567 ح 3564.

(3)

مسلم. الصلاة، باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض 1/ 356 ح 234 - 494، البيهقي، الصلاة، باب يضع كفيه ويرفع مرفقيه ولا يفترش ذراعيه 2/ 113، ابن خزيمة -باب وضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين في السجود 1/ 329 ح 656، أَحْمد 4/ 283، الطَّيالِسيّ 101 ح 748.

ص: 112

في قول، وشهد مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه الجمل وصفِّين والنهْرَوان، ومات بالكوفة أيام مصْعَب بن الزُّبَيْر. روى عنه أبو جحيفة وعبد الله بن يزيد الأنصاري، وبنوه الربيع ويزيد وعبيد، وأبو إسحاق السبيعي بفتح السين (1).

الحديث يدل على شرعية هذه الهيئة في الصلاة. وهذا أدب متفق على استحبابه، فلو تركه كان مسيئا مرتكبا لنهي التنزيه، وصلاته صحيحة.

قال العلماء، والحكمة من هذا أنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالي، فإن المنبسط يشبه الكلب، ويشعر حاله (أ)، بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها، والله أعلم.

وهذا في حق الرجل، والمرأة تخالفه في ذلك، فقد أخرج أبو داود في "مراسيله" (2) عن يزيد (ب) بن أبي حبيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل.

قال البيهقي: وهذا المرسل أحسن من موصولَين فيه [يعني من حديثين موصولين ضعفهما البيهقي وذكرهما في "سننه الكبرى"](جـ).

(أ) زادت هـ: المرأة (وكأنه مضروب عليها).

(ب) في جـ، هـ: زيد.

(جـ) بهامش الأصل وفي جـ: موصولين ذكرهما البيهقي في سننه الكبرى وضعفهما.

_________

(1)

سير أعلام النبلاء 3/ 194، الاستيعاب 1/ 288، الإصابة 1/ 234.

(2)

المراسيل 130 ح 81، سنن البيهقي 2/ 223.

ص: 113

231 -

وعن وائل بن حُجْر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ركع فَرَّج بين أصَابِعِهِ وإِذَا سَجَدَ ضمَّ أصَابِعَهُ" رواه الحاكم (1).

تفريج الأصابع في الركوع رواه أبو داود من حديث أبي حميد "أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسك راحتيه على ركبتيه كالقابض عليهما ويفرِّج بين أصابعه"(2).

وحديث وائل أخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان.

ولعل الحكمة في الضم في حال السجود لتكون متوجهة إلى سَمْت القبلة، والله أعلم.

232 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي مُتَربعًا" رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة (3).

(1) ابن خزيمة، بلفظ:"إذا سجد ضم أصابعه" باب ضم أصابع اليدين في السجود 1/ 324 ح 642، البيهقي، الصلاة، باب يضم أصابع يديه في السجود ويستقبل القبلة 2/ 112، الحاكم، وقد أخرجه من طريق عمر بن عون ثنا هشيم عن عاصم بن كليب عن علقمة ابن وائل عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرَّج بين أصابعه"، وأخرجه من طريق الحارث بن عبد الله الحازن مثله إذا سجد ضم أصابعه فالمنصنف جمع بين الحديثين. قلت: الحديث فيه عاصم بن كليب مختلف فيه، مر في ح 211 وفيه هشيم بن بشير بن القاسم السلمي، أبو معاوية بن أبي حازم ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي. التقريب 365، طبقات المدلسين 34 علقمة بن وائل بن حجر، صدوق اختلف في سماعه من أبيه وسيأتي في ح 245 وأن الحافظ صح سماعه من أبيه.

(2)

مر في ح 206.

(3)

النسائي، كتاب قيام الليل، باب كيف صلاة القاعد 3/ 183، ابن خزيمة، باب التربع في الصلاة إذا صلى جالسا 2/ 236 ح 1238، البيهقي من طريق أبي داود الحفري ومن طريق محمد بن سعيد الأصبهاني، الصلاة، صلاة المريض ما روى في كيفية هذا القعود 2/ 305.

ص: 114

الحديث أخرجه النسائي من رواية أبي داود الحفري (1) وقال: لا أعلم أحدًا رواه غيره ولا أحسبه إلا خطأ، وقد رواه ابن خزيمة والبيهقي من طريق محمد بن سعيد بن الأصبهاني بمتابعة أبي داود، فلا خطأ فيه.

وروى البيهقي (2) من طريق ابن عيينة عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا: ووضع يديه على ركبتيه وهو متربع جالس". ورواه البيهقي (3) عن حميد، رأيتُ أنسًا يصلي متربعًا على فراشه وعلقه البخاري (4).

والحديث فيه دلالة على كيفية قعود العليل إذا صلى من قعود، إذ الحديث وارد في ذلك وهو في صلاته صلى الله عليه وسلم لما سقط عنِ (5) فرسه فانفكَّت قدمه فصلى متربعًا، والتربع في الجلوس خلاف الإقْعاء والجثوّ (6)، وقد ذهب إلى العمل بظاهر الحديث في جلوس المريض الهادوية والإمام يحيى. قالوا: وصفة التربع أن يجعل باطن القدم اليمنى تحت الفخذ اليسرى، وباطن اليسرى تحت اليمنى مطمئنًا، وكفاه على ركبتيه مفرقًا أنامله كالراكع.

وذهب زفر وأحد قولي الشافعي إلى أنه يقعد مفترشًا اليسرى ناصبًا لليمنى قالوا لأنه قعود العبادة، والتربع إنما هو للعادة، وذهب محمد وعن أبي حنيفة أنه يقعد كيف شاء، إذ هي حالة ضرورية فيوكل إلى رأيه

(1) أبو داود الحفري عمر بن سعد بن عبيد، أبو داود الحفري ثقة عابد. التقريب 353، الكاشف 2/ 311، التهذيب 7/ 452.

(2)

و (3) البيهقي 2/ 305، ابن أبي شيبة 2/ 221.

(4)

البخاري، باب الصلاة على الفراش وصلى أنس على فراشه 1/ 491.

(5)

في البخاري، ولم يرد إثبات صفة التربع 2/ 173 ح 689.

(6)

الجُثو: القيام على الركب، مشارق الأنوار 1/ 140.

ص: 115

وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه يقعد واضعًا ركبته اليسرى على الأرض وينصب اليمنى ويفضي بمقعدته إلى الأرض، وقد عرفت من تفسير معنى التربع لغة احتماله لهذه الأقوال، ولا يجزئ الإقعاء ولا الجثو على هذا، وقال في "البحر" (1): إنه لا يجزئ الإقعاء للنهي.

233 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني" رواه الأربعة إلا النسائي واللفظ لأبي داود، وصححه الحاكم (2).

ورواه الترمذي بلفظ: "واجبرني" بدل "ارحمني" ولم يقل "وعافني".

وجمع ابن ماجه بين "ارحمني"، و"اجبرني"، ولم يقل "اهدني" ولا "عافني".

وجمع الحاكم بينها (أ) إلا أنه لم يقل "وعافني"، وفيه كامل أبو العلاء وهو مُخْتَلفٌ فيه (3).

(أ) في جـ: بينهما.

_________

(1)

البحر 1/ 270.

(2)

أبو داود: الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين 1/ 530 ح 850، الترمذي: الصلاة، باب ما يقول بين السجدتين 2/ 76 ح 284، ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين 1/ 290 ح 898، الحاكم، الصلاة 1/ 262 - 273، البيهقي: الصلاة، باب ما يقول بين السجدتين 2/ 122.

(3)

قلت: والحديث مداره على كامل بن العلاء أبو العلاء السعدي الكوفي وثقه العجلي وابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن حبان: كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل. قال ابن حجر: صدوق يخطئ. الكامل 5/ 210، التقريب 384، تاريخ الثقات 396، لسان الميزان 3/ 400.

قلت: الحديث حسن الإسناد، وله شاهد.

ص: 116

234 -

وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي، فإِذا كان في وِتْرٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا" رواه البخاري (1).

وفي لفظ للبخارى (2)(أفإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس، واعتمد على الأرض ثم قام" أ)، وللبخاري (3) من حديث أبي هريرة في قصة المسئ صلاته:"ثم اسْجُدْ حتى تَطْمَئن ساجدًا، ثم ارْفعْ حتى تطْمَئِن جَالِسًا"، وفي رواية أخرى له:"حتى تطْمَئِن قائَمًا"(4) وهو أشبه.

وأخرج أبو داود (5) في وصف أبي حميد الساعدي لصلاة، النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة من أصحابه، فقال:"ثم أهوي ساجدا، ثم ثَنَى رجله، وقعد حتى [رَجع] (ب) كل عضو في موضعه ثم نَهَضَ"، وأخرجه الترمذي (6).

ولا التفات إلى إنكار الطحاوي لهذه القعدة في حديث أبي حميد لما

(أ- أ) بهامش هـ.

(ب) بهامش الأصل، وساقطة من جـ: وأثبتها المصحح هناك.

_________

(1)

البخاري، الأذان، باب مَنْ استوى قاعدًا، في وِتْرِ من صلاته ثم نهض 2/ 302 ح 823، أبو داود، الصلاة: باب النهوض في الفرد 1/ 527 ح 844، الترمذي، الصلاة: باب ما جاء كيف النهوض من السجود 2/ 79 ح 287، النسائي، باب الاستواء للجلوس عند الرفع من السجدتين 1/ 186.

(2)

البخاري 2/ 303 ح 824.

(3)

البخاري 2/ 276 - 277 ح 793.

(4)

ليس عند البخاري بهذا اللفظ، وإنما عند البخاري "حتى تستوي قائمًا" ولفظ "حتى تطمئن قائمًا" عند ابن ماجه 1/ 336 ح 1060 وهو بإسناد مسلم.

(5)

أخرجه أبو داود بمعناه 1/ 469 ح 730.

(6)

الترمذي 2/ 100 ح 302.

ص: 117

سمعت من رواية أبي داود والترمذي، وكذلك إنكار النووي (1) أن يكون في حديث المسئ صلاته لما سمعت عند البخاري، وهو ذِكر ذلك في باب الاستئذان، إلا أنه قال عقيب الرواية: قال أبو أسامة في الأخير: "حتى تستوي قائمًا". ويمكن أن يحمل إن كان محفوظًا على الجلوس للتشهد (2). انتهى كلامه، فشكك البخاري رواية ابن نمير لمخالفة أبي أسامة بقوله:"إن كان محفوظا"، لكن رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن أبي أسامة كما قال ابن نمير بلفظ:"ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا ثم افعل ذلك في كل ركعة"(3)، وأخرجه البيهقي من طريقه كذلك (4).

وقد ذهب إلى شرعية قعدة الاستراحة الشافعي على المشهور (5)، وعلى غير المشهور عنه لا تُسن، وذهب العترة وأبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق وغير المشهور عن الشافعي أنه لا يقعد في الركعة الثانية للاستراحة، قالوا: لحديث وائل بن حُجر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من

(1) وأنكر النووي أن تكون ثابتة في حديث المسئ في صلاته، المجموع 3/ 387 ولكنها ثابتة عند البخاري في كتاب الاستئذان 11/ 36 ح 6251 كذا قال ابن حجر في التلخيص 1/ 259 .. قلت: وإنكار النووي لا يزال قائمًا في وصف جلسة الاستراحة.

(2)

الفتح 2/ 279.

(3)

الفتح 2/ 279.

(4)

انظر: مختصر الخلافيات 2/ 586.

(5)

المغني 1/ 529، المجموع 3/ 386.

ص: 118

السجدتين استوى قائمًا، أخرجه البزار في "مسنده"(1) وقد ذكره النووي في "الخلاصة" في فصل الضعيف (2)، وبيَّضَ له المنذري في الكلام على "المهذب"، وأخرج الطبراني (3) عن معاذ في أثناء حديث طويل أنه كان يمكِّن جبهته وأنفه من الأرض ثم يقوم كأنه السهم، وفي إسناده الخصيب بن جحدر، وقد كذبه شعبة ويحيى القطان، وأخرج أبو داود (4) من حديث وائل:"وإذا نهض نهض (أ) على ركبتيه واعتمد على فخذيه".

وروي ابن المنذر (5) من حديث النعمان بن أبي عياش قال: "دركتُ غيرَ واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة وفي الثالثة قام كما هو ولم يجلس".

(أ) بهامش الأصل.

_________

(1)

البزار وليس بلفظه لأن ابن حجر قال: عثرت عليه في أثناء حديث طويل في الوضوء والصلاة. كشف الأستار 1/ 140 - 141، مجمع الزوائد 1/ 232 وقال: فيه سعيد بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي الكوفي ضعيف، قال النسائي: ليس بالقوي. الميزان 2/ 147، التقريب 133، مجمع الزوائد 1/ 232، وقال: فيه محمد بن حجر، وهو ضعيف، محمد بن حجر ابن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن عمه سعيد. له مناكير، وقال البخاري: فيه بعض النظر، الميزان 3/ 511، مجمع الزوائد 1/ 232، الكامل 5/ 2166.

(2)

الخلاصة: باب استحباب جلسة الاستراحة، فصل في ضعيفه ل 55.

(3)

مجمع الزوائد 2/ 135، وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه الخصيب بن جحدر وهو كذاب. والخصيب بن جحدر شيخ من أهل البصرة كذبه شعبة والقطان وابن معين وقال أحمد: لا يكتب حديثه، وقال البخاري: كذاب، الميزان 1/ 653، المجروحين 1/ 287.

(4)

سنن أبي داود 1/ 525، ح 839.

(5)

الفتح 2/ 302.

ص: 119

وحديث القعدة يحتمل أن تكون لضَعفٍ عرض له، وهذا الاحتمال لا يستقيم ردا على ما ورد في تعليم المسئ صلاته. [وأما قيامه بعد التشهد (أ) الأوسط فذكر في "الهدي النبوي" (1) أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهض مكبرا على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمدا على فخذيه](ب)، والله أعلم.

235 -

وعن أنس رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه" متفق عليه (2).

ولأحمد والدارقطني نحوه من وجه آخر وزاد: "فأما (جـ) في الصبح فلم يزل يَقنُتُ حتى فارق الدنيا"(3).

وعنه رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يَقنُتُ إلا إذا دعا لقومٍ أو دعا على قوم" صححه ابن خزيمة (4).

حديث أنس، قد روى مختصرًا كما في رواية الصحيحين المتفق عليها، وهي من رواية عاصم الأحول، ولفظه في البخاري قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت فقال: قد كان القنوت، قلتُ: قبل الركوع أو بعده؟

(أ) في جـ: وأما قبل التشهد.

(ب) في هامش الأصل.

(جـ) في جـ: وأما.

_________

(1)

الهدي النبوي 1/ 240.

(2)

البخاري (نحوه): الوتر، باب القنوت قبل الركوع وبعده 1/ 489 ح 1002، مسلم: المساجد، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة 1/ 469 ح 304 - 677 م، أبو داود 2/ 123. ح 1445، النسائي باب القنوت بعد الركوع 1/ 157، أحمد 3/ 115.

(3)

الدارقطني: كتاب صفة القنوت، باب بيان موضعه 2/ 39، أحمد 3/ 161، البيهقي: الصلاة، باب الدليل على أنه لم يترك أصل القنوت في صلاة الصبح 2/ 201.

(4)

ابن خزيمة، باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت دهره كله 1/ 314 ح 620.

ص: 120

قال: قبله، قال: فإن فلانًا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع، فقال: كذب، إنما قَنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا، أراه كان بعث قوما يقال لهم القُراءُ زهاء سبعين رجلا إلى قِومٍ من المشركين دون أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فقَنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو عليهم" (1).

ورواية الدارقطني (2) هي من حديث عبيد الله (أ) بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس، ومن طريق عبد الرزاق (3) وأبي نعيم (4) عن أبي جعفر مختصرًا، وأحمد رواه عن عبد الرزاق (5)، ورواه أيضًا البيهقي (6) من حديث عبد الله بن موسى وأبي نعيم (ب)، وصححه الحاكم في كتاب "القنوت".

وأبو جعفر الرازي (7) قال أحمد: ليس بالقوي، وقال ابن معين: ثقة لكنه يخطئ ولكنه قد وجد (جـ) لهذا شاهد من رواية الحسن بن سفيان عن جعفر بن مهران عن عبد الوارث عن عمرو عن الحسن عن أنس قال: "صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يقنت في صلاة الغذاة حتى فارقته،

(أ) في جـ: عبد الله.

(ب) في هـ: وابن نعيم، ولعله تصحيف.

(جـ) في هـ: وجب.

_________

(1)

البخاري 2/ 489 - 490 ح 1002.

(2)

الدارقطني 2/ 39.

(3)

و (4) الدارقطني 2/ 39 ح 9 - 14.

(5)

أحمد 3/ 162.

(6)

البيهقي 2/ 201.

(7)

أبو جعفر عيسى بن أبي عيسى: عبد الله بن ماهان -وقيل: عيسي بن ماهان- الرازي التميمي مولاهم صالح الحديث قال ابن معين: ثقة، وقال ابن المديني، ثقة كان يخلط، قال في التقريب: صدوق سيء الحفظ، الكنى والأسماء 1/ 175، الميزان 3/ 274.

ص: 121

وخلف أبي بكر كذلك، وخلف عمر كذلك (1).

وقد ضعفت هذه الطريق بعمرو بن عبيد (2).

ويعارض هذا ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان قال: قلت لأنس: إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر، فقال: كذبوا إنما قنت شهرا واحدا يدعو على أحياء من أحياء المشركين.

وقيس (3) وإن كان ضعيفا لكنه لم يتهم بكذب، وحديث ابن خزيمة (4) من طريق سعيد عن (أ) قتادة عن أنس، فهذه الروايات عن أنس مضطربة كما ترى، وقد روى البيهقي (5) عن عبد الرحمن بن مهدي بسند صحيح الجمع بين روايات أنس المضطربة بأن المنفي هو الدعاء على الكفار في القنوت، وهذا هو المؤقت بالشهر، والمستمر هو مطلق الدعاء وقال في "الهدي النبوي" (6): أحاديث أنس كلها صحاح يصدّق بعضها بعضًا ولا

(أ) في جـ: بن.

_________

(1)

التلخيص 1/ 245.

(2)

عمرو بن عبيد التميمي مولاهم، أبو عثمان البصري، المعتزلي المشهور. قال النسائي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، الميزان 3/ 274، التقريب 261.

(3)

قيس بن الربيع، أبو محمد الأسدي، من ولد الحارث بن قيس الذي أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعنده تسع نسوة فأمره النبي أن يمسك أربعا، تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس بحديثه، وذكره البخاري في الضعفاء "الضعفاء" للبخاري 273، التقريب 283، الكواكب النيرات 492.

(4)

ابن خزيمة 314 ح 620.

(5)

في السنن: يحكى عن عبد الرحمن بن مهدي في حديث أنس "قنت شهرا ثم تركه" قال عبد الرحمن رحمه الله: إنما ترك اللعن 1/ 201.

(6)

الهدي النبوي 1/ 282.

ص: 122

تناقض، والقنوت الذي ذكره قبل الركوع غير الذي ذكره بعده، والذي وقته غير الذي أطلقه، فالذي ذكره قبل الركوع هو إطالة القيام للقراءة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصلاة (أ) طول القيام"(1)، والذي ذكره بعده هو إطالة القيام للدعاء، ففعله شهرا يدعو على قوم ويدعوا لقوم (ب)، ثم استمر يطيل هذا الذكر للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا كما في "الصحيحين" عن ثابت عن أنس قال:"إني لا آلو أن أصلي لكم صلاة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعوه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل: قد نسى وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسى"(2) فهذا هو القنوت الذي ما زال عليه حتى فارق الدنيا ومعلوم أنه لم يكن يسكت في مثل هذا الوقوف الطويل، بل كان يثني على ربه ويمجده ويدعوه، وهذا هو غير القنوت المؤقت لشهر (جـ) فإن ذلك دعاء على رعل وذكوان وعُصيَّة وبني لحيان، ودعاء للمستضعفين الذين كانوا بمكة، وأما تخصيص هذا بالفجر فبحسب سؤال السائل، فإنه إنما سأله عن قنوت الفجر فأجابه عما سأله عنه، وأيضًا فإنه كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات، إلا أنه صار في لسان الفقهاء وأكثر الناس أن القنوت هو الدعاء بقول "اللهم اهدني .. " إلخ فحصل الوهم في قوله إنه لم يزل (د) يقنت إلا

(أ) في هـ: الصلوات.

(ب) في جـ، هـ: القوم.

(جـ) في جـ: بشهر وهو الأوفق للسياق.

(د) في جـ: يزال.

_________

(1)

مسلم بلفظ طول القنوت 1/ 520 ح 164 - 756.

(2)

البخاري 2/ 301 ح 821، مسلم 1/ 344 ح 195 - 472.

ص: 123

أنه حافظ على هذا الدعاء فحصل الخلاف في أن هذا هل هو ثابت أم لا؟ ويدل على أن هذا مراد (أ) أنس ما رواه سلمان بن حارث ثنا أبو هلال ثنا حنظلة إمام مسجد قتادة -قلت: هو السدوسي- قال: اختلفت أنا وقتادة في القنوت في صلاة الصبح، فقال قتادة: قبل الركوع، وقلت أنا: بعد الركوع. فأتينا أنس بن مالك فذكرنا له ذلك فقال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فكبر وركع ورفع رأسه ثم سجد ثم قام في الثانية فكبر وركع ثم رفع رأسه وقام ساعة ثم وقع ساجدا"(1) فبين هذا أن مراده بالقنوت هو القيام بعد الركوع فاتفقت أحاديثه كلها، وبالله التوفيق (2). انتهى.

وقد صحح الحاكم حديث ابن أبي فديك عن عبد الله بن سعيد القبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية، يرفع يديه فيدعو بهذا الدعاء: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت (ب، إنك (جـ) تقضي ولا يقضى عليك ب) إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت" (3) ولكن عبد الله ضعيف لا تقوم بحديثه حجة (4)، وروى الطبراني في "الأوسط" (5) من

(أ) في جـ: على أنه مراد.

(ب - ب) ما بينهما في هامش جـ.

(جـ) في جـ: فإنك.

_________

(1)

الحديث فيه أبو هلال الراسبي محمد بن سليم البصري، صدوق فيه لين. التقريب 299 وحنظلة السدوسي أبو عبد الرحيم إمام مسجد سدوس، اختلط بآخره، ضعفه أحمد وقال: منكر الحديث، الكواكب 141، الميزان 1/ 621، التهذيب 3/ 62.

(2)

الهدي النبوي 1/ 282 وما بعدها.

(3)

الحاكم 1/ 270.

(4)

عبد الله بن سعيد المقبري، أبو عباد، الليثي: متروك. مر في ح 9.

(5)

مجمع الزوائد قال: رواه الطبراني في الأوسط وقال: لم يروه إلا أبو حفص عمر ولم أجد من ترجمه 2/ 138.

ص: 124

حديث بريدة نحوه، وفي إسناده مقال أيضًا.

وقد صح من حديث أبي هريرة أنه قال: "والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم"، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح، بعد ما يقول سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكافرين (1)، فهو (أ) يقوي ذلك.

ومن تأمل هذه الروايات علم أن له أصلًا في الجملة، وأنه ثابت عند حدوث نازلة وموسع في شأنه عند غيرها غير حتم، وهو غير واجب إجماعا، وذهب جماعة من السلف والخلف إلى أنه مسنون، منهم علي وأبو بكر وعمر وعثمان، وهو مذهب الهادي والقاسم وزيد بن علي والناصر والمؤيد والشافعي ومالك والنخعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح (2) وروي عن العبادلة (3) وأبي الدرداء، وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه منهي عنه في الفجر.

236 -

وعن سعد (ب) بن طارق الأشْجَعي قال: قلت: لأبي يا أبَتِ إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلى أفكانوا (جـ)

(أ) في (جـ): فهذا

(ب) قلت: في النسخ: سعيد، وذكر الصنعاني أنه كذلك في نسخ البلوغ ولكن في نسختي الخطية سعد وهو كذلك في تحفة الأشراف وفي أسماء الصحابة. سبل 1/ 361، تحفة الأشراف 4/ 205، بلوغ المرام ل 20.

(جـ) في جـ: أفكانون.

_________

(1)

البخاري 2/ 284 ح 797، مسلم 1/ 468 ح 296 - 676.

(2)

المجموع 3/ 445 وما بعدها، البحر 1/ 258، الكافي 1/ 207.

(3)

المجموع 3/ 445، الهداية 1/ 66.

ص: 125

يقنتون في الفجر؟ قال (أ): أيْ بُنَي مُحْدَثٌ. رواه الخمسة إلا أبا داود (1).

الحديث إسناده حسن، وهو معارض بما أخرجه البيهقي (2) من طريق العوام بن حمزة قال: سألتُ أبا عثمان عن القنوت في الصبح، فقال: بعد الركوع، فقلتُ عمن؟ فقال: عن أبي بكر وعمر وعثمان.

ومن طريق قتادة (3) عن الحسن عن أبي رافع أن عمر كان يقنت في الصبح، ومن طريق حماد (4) عن إبراهيم عن الأسود قال:"صليتُ خلف عمر في الحضر والسفر فما كان يقنت إلا في صلاة الفجر".

وروي أيضًا (5) بسند صحيح عن عبد الله بن معقل عن مقرن المزني قال: قنت على رضي الله عنه في الفجر.

ورواه الشافعي أيضًا.

(أ) في جـ: فقال.

_________

(1)

الترمذي، الصلاة، باب ما جاء في ترك القنوت 2/ 252 ح 402، النسائي (نحوه) التطبيق، في ترك القنوت 2/ 160، ابن ماجه، إقامة الصلاة، باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر 1/ 393 ح 1241، أحمد (ولم يذكر عليا) 6/ 394، ابن حبان. الموارد، الصلاة، باب ما جاء في القنوت 1/ 137 ح 511، ابن أبي شيبة (ولم يذكر عليا)، الصلاة من كان لا يقنت في الفجر 2/ 308.

(2)

البيهقي، الصلاة 2/ 202 وقال، هذا إسناد حسن، ويحيى بن سعيد لا يحدث إلا عن الثقات. قلت: وفيه العوام بن حمزة المازني، قال أحمد: له مناكير وقال ابن عدي: أرجو أن لا بأس به، وقال: يحيى ليس حديثه بشيء وقال ابن حجر: صدوق ربما وهم. الميزان 3/ 303، الكامل 5/ 2020، التهذيب 8/ 163.

(3)

سنن البيهقي من طريق وهيب بن الحسن 2/ 208.

(4)

البيهقي 2/ 204.

(5)

البيهقي 2/ 204.

ص: 126

ومما عرفت في الحديث الأول يمكن الجمع بين هذا بالتوسعة في الأمر، وأنه قد فعل ذلك وترك. والله أعلم.

237 -

وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقوُلهنَّ في قُنوتِ الوتْر.

اللهم اهدني فيمن (أ) هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإِنك تقضي ولا يُقْضى عليك، إِنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت" رواه الخمسة (1).

وزاد الطبراني: والبيهقي: "ولا يَعزُّ مَنْ عاديت"(2).

زاد النسائي من وجهٍ آخر في آخره: "وصلى الله على النبي"(3).

(أ) في جـ: فيما.

_________

(1)

أبو داود، الصلاة، باب القنوت في الوتر 2/ 133 ح 1425. الترمذي، الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر 2/ 328 ح 464 النسائي، باب الدعاء في الوتر 3/ 206، ابن ماجه، إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في القنوت في الوتر 1/ 372 ح 1178، أحمد 1/ 199، الدارمي، باب الدعاء في القنوت 1/ 373، الصلاة، باب في قنوت الوتر ولم يذكر مقنوتا 3/ 300، ابن الجارود في المنتقى باب قنوت الوتر 1/ 103، الحاكم، كتاب معرفة الصحابة 3/ 172، البيهقي، الصلاة، باب دعاء القنوت 2/ 209، الطيالسي 163 ح 1179، ابن حبان (الموارد) الجماعة باب ما جاء في القنوت 137 ح 512، قلت: والحديث صحيح بمجموع طرقه.

(2)

الطبراني 3/ 73 ح 2701، البيهقي 202، وتكلم المؤلف عليها.

(3)

النسائي، باب الدعاء في الوتر 3/ 206، وهذه الرواية عند النسائي فيها انقطاع. فإن عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قبول وذكره ابن حبان في الثقات وهو لم يسمع من عم أبيه الحسن فإن أباه علي بن الحسين لما توفي الحسن كان سنه دون البلوغ فضلًا عن ابنه فروايته مرسلة. التهذيب 5/ 324، تهذيب الكمال 2/ 713، الكاشف 2/ 111.

ص: 127

وللبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت في صلاة الصبح"، وفي سنده ضعف (1).

الحديث في قوله "قنوت الوتر" هذه تفرد بها أبو إسحاق عن يزيد بن أبي مريم وتبعه ابناه يونس وإسرائيل. كذا قال ابن خزيمة وابن حبان، وقد رواه شعبة فلم يذكر فيه القنوت ولا الوِتْر، وإنما قال: كان يعلمنا هذا الدعاء، وهو أحفظ، وكذا رواه الدولابي في "الذرية الطاهرة" والطبراني في "الكبير" (2) من طريق الحسن بن عبد الله عن يزيد بن أبي مريم عن أبي الجوزاء أنه قال: "وكلمات علمنيهن

". فذكرهن.

قال يزيد: فدخلت على محمد بن علي في الشعب فحدثته، فقال:"صدق أبو الجوزاء، هن كلمات علمناهن نقولهن في القنوت".

وقد رواه البيهقي من طريق قال في بعضها: قال يزيد بن أبي مريم فذكر ذلك لابن الحنفية فقال: "إنه للدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر".

ورواه البيهقي (3) من طريق أخرى عن يزيد بن أبي مريم: سمعتُ ابن الحنفية وابن عباس يقولان: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات" [وفي إسناده عبد الرحمن بن هرمز يحتاج إلى

(1) البيهقي، باب دعاء القنوت 2/ 210، وفي إسناده ضعف ذكر الشارح المقال في عبد الرحمن بن هرمز، وعبد الرحمن بن هرمز قال فيه الحافظ في التلخيص: يحتاج للكشف عن حاله، وقال الألباني: لم أجد من ذكر عبد الرحمن، التلخيص 1/ 248، إرواء الغليل 2/ 174 - 175.

(2)

الطبراني 3/ 75 - 76 ح 2708.

(3)

البيهقي 2/ 210.

ص: 128

الكشف عن حاله (1)(أ)(ب).

وروي من طريق أخرى عن ابن جريج (2) بلفظ: "فعلمنا دعاءً ندعو به في القنوت في صلاة".

ورواه مخلد (جـ) بن زيد عن ابن جريج فقال (د): في قنوت الوتر.

وقوله: وفي إسناده ضعف لما عرفت من المقال في عبد الرحمن بن هرمز، وقد وقع شك في هذا الحديث في الحسن أو الحسين (3)، وأحمد بن حنبل أخرجه في "المسند"(4) عن الحسين من غير تردد، والتردد وقع من أبي إسحاق، والأصح أنه من رواية الحسن كما في رواية يونس عن يزيد ابن أبي مريم، ورواية شعبة عنه (5).

(أ، ب) جاء في هامش الأصل: (قال الخزرجي في الخلاصة، عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبو داود المدني الأعرج القاري عن أبي هريرة ومعاوية وأبي سعيد وعنه الزهري وأبو الزبير وأبو الزناد وخلق، وثقه جماعة قال أبو عبيد: توفي سنة سبع عشرة ومائة بالإسكندرية) وفي هـ في صلب الكتاب.

(جـ) في جـ: محمد.

(د) في جـ: قال.

_________

(1)

التلخيص 1/ 248.

(2)

البيهقي 2/ 210.

(3)

في رواية البيهقي عن الحسن أو الحسين 2/ 209.

(4)

مسند أحمد 1/ 201.

(5)

قال ابن الملقن: ورواه شعبة وهو أحفظ من مائتين مثل أبي إسحاق وابنيه، ونقلها الحافظ في التلخيص، البدر 3/ 32، التلخيص 1/ 249.

ص: 129

قال المصنف -رحمه الله تعالى- (1): وقد وقع لنا عاليًا متصلًا بالسماع، وساق إسناده إلى الحسن بن علي قال:"علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر، اللهم اهدني .. " الحديث.

والحديث فيه دلالة على شرعية القنوت في الوتر، وهو مُجْمَعٌ عليه في النصف الأخير من رمضان، وذهب العترة وأبو حنيفة وأحمد والتبريزي من أصحاب الشافعي، وكذا في غيره، وذهب الشافعي ومالك إلى أنه لا يشرع إلا فيه إذ كان أُبَيّ لا يَقْنُتُ في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان، وكان عمر يلعن الكفرة في الوتر في النصف الأخير من رمضان، والجواب ثبوت ذلك في الأحاديث، والعمل بها هو الواجب والله أعلم (2).

238 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا سجد أحدُكم، فلا يبْرك كما يَبرك البعير، وليضع يَدَيْهِ قبل ركبتيه" أخرجه الثلاثة (3).

(1) التلخيص 1/ 249.

(2)

الهداية 1/ 66، البحر 1/ 260 والكافي 1/ 207، المجموع 3/ 445 ..

(3)

أبو داود، الصلاة: باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه 1/ 525 ح 840، الترمذي، الصلاة، باب آخر منه 2/ 57 ح 269، النسائي، باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده 2/ 163، أحمد 2/ 381، شرح معاني الآثار، باب ما يبدأ بوضعه في السجود اليدين أو الركبتين 1/ 254، البيهقي، الصلاة، باب من قال يضع يديه قبل ركبتيه 2/ 99 - 100، الدارقطني، باب ذكر الركوع والسجود 1/ 344 - 345، الدارمي، باب أول ما يقع من الإنسان على الأرض إذا أراد أن يسجد 1/ 303، والحديث إسناده صحيح، وتكلم بعضهم في محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بالنفس الزكية خرج على المنصور سنة 145 وجرت بينهما حروب. وهو ثقة. تهذيب التهذيب 9/ 295، الجرح 7/ 295، الميزان 3/ 59.

ص: 130

وهو أقوى من حديث وائل: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إِذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه"، أخرجه الأربعة (1) فإن للأول شاهدًا، من حديث ابن عمر (2) صححه ابن خزيمة وذكره البخاري، معلقًا موقوفًا (3).

حديث أبي هريرة: أخرجه أصحاب السنن، وقد علله البخاري والترمذي والدارقطني قال البخاري (4): محمد بن عبد الله لا يتابع عليه، وقال: لا أدري سمع من أبي الزناد أم لا (5)، وقال الترمذي (6): غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه.

(1) حديث وائل: أبو داود 1/ 524 ح 838، الترمذي، الصلاة، باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود 2/ 56 ح 268، ابن ماجه، إقامة الصلاة باب السجود 1/ 286 ح 883، النسائي، باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده 2/ 163، ابن خزيمة، الصلاة، البدء بوضع الركبتين على الأرض قبل اليدين إذا سجد 1/ 318 ح 626، شرح معاني الآثار 1/ 254، الدارقطني، الصلاة، باب ذكر الركوع والسجود وما يجري فيهما 1/ 345، الحاكم الصلاة 1/ 226، الدارمي، باب أول ما يقع من الإنسان إذا أراد أن يسجد 1/ 303، البيهقي، الصلاة، باب وضع الركبتين قبل اليدين 2/ 98.

(2)

شرح معاني الآثار باب ما يبدأ بوضعه في السجود 1/ 254، الحاكم، في الصلاة 1/ 226، الدارقطني 1/ 344، البيهقي 2/ 100، ابن خزيمة 1/ 318 ح 627.

(3)

البخاري 2/ 290.

(4)

التاريخ الكبير 1/ 139.

(5)

قال الألباني عن كلام البخاري: ليست بعلة إلا عند البخاري بناء على أصله المعروف وهو اشتراط معرفة اللقاء، وليس ذلك بشرط عند جمهور المحدثين بل يكفي عندهم مجرد إمكان اللقاء مع أمن التدليس، وهذا متوفر هنا فإن محمدًا لم يعرف بتدليس ثم هو قد عاصر أبا الزناد وأدركه زمنًا طويلًا فإنه مات سنة 145 وله من العمر 53، وشيخه أبو الزناد مات سنة 130، فالحديث صحيح لا ريب فيه. الإرواء 2/ 79. وقال الدراوردي: لم ينفرد به بل توبع عليه في الجملة فقد أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي مختصرًا من طريق عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن. الإرواء 2/ 79.

(6)

السنن 1/ 58.

ص: 131

وقال الدارقطني: تفرد به (1) الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي عن أبي الزناد وقد ذكر النسائي عن قتيبة: ثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يعمد (أ) أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل" ولم يزد.

وقال ابن أبي داود: ثنا يوسف بن عدي ثنا فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه" (2).

وقوله: "وهو أقوى .. " إلخ (3): الشاهد الذي علقه البخاري قول البخاري قال نافع: "كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه"(4)، وأخرج أصبغ بن الفرج عن الدراوردي عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه ويقول:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك" رواه الحاكم في "المستدرك"(5) من طريق محمد بن سلمة عن الدراوردي، وقال: على شرط مسلم.

وأخرج ابن خزيمة في "صحيحه"(6) من حديث مصعب بن سعد عن

(أ) في جـ: يعمل.

_________

(1)

النسائي 2/ 163.

(2)

شرح معاني الآثار 1/ 255، البيهقي 2/ 100، وسنده ضعيف، لأن فيه عبد الله بن سعيد القبري، أبو عباد الليثي متروك، مر في ح 9.

(3)

رجح ابن القيم حديث وائل على حديث أبي هريرة من عشرة وجوه ذكرها في الهدي النبوي 1/ 230 - 231.

(4)

انظر 832 ح 238.

(5)

الحاكم 1/ 226.

(6)

ابن خزيمة 1/ 319 ح 628 والحديث فيه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل الحضرمي أبو إسحاق الكوفي ضعيف، التقريب 119، وإسماعيل والده متروك، التقريب 35.

ص: 132

أبيه قال: "كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأُمِرْنَا بالركبتين قبل اليدين".

وحديث وائل أخرجه أصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة وابن السكن في صحاحهم من طريق شريك عن عاصم عن كليب عن أبيه، قال البخاري والترمذي وابن أبي داود والبيهقي (1): تفرد به شريك، قال البيهقي (2): وإنما تابعه همام بن عاصم (أعن أبيه مرسلًا.

وقال الترمذي: رواه همام عن عاصم أ) مرسلًا.

وقال الحازمي (3): رواية مَنْ أرسله أصح، وقد تعقب على الترمذي بأن هماما رواه عن شقيق عن عاصم عن أبيه مرسلًا، ورواه همام أيضًا عن محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه موصولًا، وهذه الطريق في "سنن أبي داود"(4) إلا أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه (5).

وله شاهد من طريق حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه". أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي (6)، وقال الحاكم: هو على شرطهما، قال

(أ- أ) ساقط من هـ.

_________

(1)

زاد المعاد 1/ 228، الدارقطني 1/ 345، البيهقي 2/ 99.

(2)

البيهقي 2/ 99.

(3)

الاعتبار 54.

(4)

1/ 525 ح 839.

(5)

عبد الجبار وإن لم يسمع من أبيه فإن شريكًا لم ينفرد بل تابعه راو آخر فقد أخرج ابن حبان بسنده قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا.

(6)

الدارقطني 1/ 345، الحاكم 1/ 226، البيهقي 2/ 99.

ص: 133

البيهقي: تفرد به العلاء بن العطار، والعلاء مجهول (1). والحديث فيه دلالة على الهيئة المذكورة بتقديم اليدين على الركبتين عند الانحطاط للسجود وظاهر الحديث الوجوب، للنهي بقوله:"فلا يبرك"، والأمر بقوله:"وليضع"، والظاهر أنه لم يَقلْ به أحد فتعين حمل ذلك على الندب، ولعله قد يجعل حديث تعليم المسئ صلاته قرينة على ذلك.

واختلفت أقوال السلف والخلف في العمل، فذهب العترة ورواية عن مالك (2) والأوزاعي إلى العمل بحديث أبي هريرة حتى قال الأوزاعي (3): أدركنا الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم.

وقال ابن أبي داود (أ)(4) هو قول أصحاب الحديث، وذهب الحنفية والشافعية (5) ورواية عن مالك إلى العمل بحديث وائل بن حجر، وهو مروي عن عمر أخرجه عبد الرزاق (6) وعن ابن مسعود، أخرجه الطحاوي (7)، وقال به إبراهيم النخعي ومسلم بن يسار والثوري وأحمد وإسحاق وأهل الكوفة.

وروي عن مالك وأحمد (8) التخيير، وهو قول الناصر ورواية عن مالك.

(أ) زاد في هـ: و.

_________

(1)

العلاء بن إسماعيل العطار مجهول قال ابن حجر في اللسان: وسئل أبو حاتم عن الحديث الذي رواه فقال: منكر، اللسان 4/ 182 - 183.

(2)

الكافي 1/ 207، البحر 1/ 265.

(3)

زاد المعاد 1/ 230.

(4)

زاد المعاد 1/ 230.

(5)

زاد المعاد 1/ 230، المغني 1/ 514، المجموع 3/ 361، الكافي 1/ 207 الهداية 1/ 50.

(6)

المصنف 2/ 176 ح 2955.

(7)

شرح معاني الآثار 1/ 256.

(8)

الكافي 1/ 207، المغني 1/ 514، البحر 1/ 266.

ص: 134

وقال النووي (1): لا يظهر ترجيح أحد المذهبين على الآخر، احتج أهل القول الأول بحديث أبي هريرة ورجح على حديث وائل بما ذكره المصنف (2)، واحتج أهل القول الثاني بحديث وائل، وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأنه مضطرب إذ قد رُوى عنه الأمران وادعى بعض المحققين (3) بأن فيه قلبا من الراوي في قوله:"وليضع يديه قبل ركبتيه" بأن "وليضع ركبتيه قبل يديه" قال: ويدل عليه أول الحديث وهو قوله "فلا يبرك كما يبرك البعير" فإن المعروف مِنْ بُروُك البعير هو تقديم اليدين على الرجلين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بمخالفة سائر الحيوانات في هيئات الصلاة فنهى عن التفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي كأذناب خيل شمس.

وتأويل أهل القول الثاني بأن البعير يبرك على ركبتي يديه مردود (4) بأن ذلك غير متعارف، وإن الركب إنما هي في الأرجل لا في اليد وبعضهم أجاب بالقول بالنسخ، وفي الحديث الذي أخرجه ابن خزيمة (5) دلالة على

(1) المجموع 3/ 361.

(2)

قلت: ولحديث وائل شاهد من حديث أنس ومتابعات، وقد تتبع ابن القيم المسألة وتكلم عليها ورجح حديث وائل من عشرة وجوه في الهدي النبوي 1/ 230.

(3)

ابن القيم في الهدي 1/ 226.

(4)

ساق ابن القيم الردود فقال: إن هذا القول فاسد لوجوه:

1 -

أن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أولًا، وتبقي رجلاه قائمتين، فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولًا، وتبقي يداه على الأرض وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم وفعل خلافه.

2 -

أن الركبة في الرجلين وأن من قال ركبتا البعير في يديه لا يعقل، ولا تعرفه أهل اللغة.

قلت: وقوله لا تعرفه أهل اللغة مردود ففي اللسان: ركبة البعير في يده وكل ذي أربع ركبتاه في يديه، لسان العرب 1/ 417.

(5)

ابن خزيمة 1/ 319 ح 628، وهو ضعيف قد تقدم قريبا.

ص: 135

ذلك، وحديث وائل له شاهد وإن كان في إسناده المقال الذي عرفت لكنه لا يزيد على المقال الذي في حديث أبي هريرة، وفي تمام حديث وائل:"وإذا نهض -أي من السجدة الثانية أو الأولى- رفع يديه قبل ركبتيه" أخرجه أبو داود والبيهقي (1).

وقد استدل بهذا أحمد بن حنبل على أنه (2) إذا نهض للقيام بعد سجدتيه نهض على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه بيديه رافعا يديه قبل ركبتيه، قال القاضي (3) في (أ) أصحابه: إنه لا يختلف (ب) قوله: إنه لا يعتمد على الأرض سواء قلنا يجلس للاستراحة أو لا يجلس، وجاء في لفظ في "سنن أبي داود" (4) لحديث وائل:"إذا نهض على ركبتيه واعتمد "أي بيديه على فخذيه. وذهب (جـ) الهادوية إلى أن من هيئة القيام أن يقدم رفع ركبتيه ويعتمد بيديه على الأرض، وقال الفقيه على الوشليّ من الهادوية: إنه إذا قعد للاستراحة فسدت الصلاة لأنها زيادة ركن، وقال الفقيه يحيى: لا تفسد، وهو المفهوم من كلام شرح القاضي زيد، والله أعلم.

239 -

وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إِذا

(أ) في هـ: من

(ب) ساقطة من هـ.

(جـ) في هـ: وذهبت.

_________

(1)

انظر: تخريج الحديث.

(2)

المغني 1/ 529.

(3)

المغني 1/ 530.

(4)

1/ 524 ح 839.

ص: 136

قعد للتشهد، وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، واليمنى على اليمنى، وعقد ثلاثا وخمسين، وأشار بإِصبعه السبابة". رواه مسلم (1).

وفي رواية له: "وقبض أصابعه كلها وأشار بالتي تلي الإِبهام"(2).

وضع اليد على الركبتين وارد في هذه الرواية، وللطبراني في "الأوسط":"كان إذا جلس في الصلاة للتشهد نصب يديه على ركبتيه".

وفي رواية للدارقطني (3): "وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وألقم كفه اليسرى ركبته. والمراد بالإِلقام هو عطف (أ) الأصابع على الركبة.

وفي الحديث دلالة على استحباب وضع اليدين على الركبتين (4)، وهو مجمع عليه، وقد ذهب إلى عطف أصابع اليسرى على الركبة بعضهم عملا بالرواية المذكورة، وكأن الحكمة في هذه الهيئة منع اليد من العبث.

وقوله: "وعقد ثلاثا وخمسين": وصورة عقد ذلك عند أهل الحساب: أن يضع طرف الخنصر على البنصر، وليس ذلك مرادا، بل المراد أنه يضع الخنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها الحساب تسعة وخمسين، ولعله في الحديث تقدير لفظ قريبا من ثلاثة وخمسين.

(أ) في جـ: عصو.

_________

(1)

مسلم (بلفظ مغاير)، المساجد: باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين 1/ 408 ح 115 - 580 م، أبو داود، الصلاة، باب الإشارة في التشهد 1/ 602 ح 987، النسائي، السهو، باب موضع الكفين 3/ 31.

(2)

مسلم 1/ 408 - 409 ح 116 - 580 م

(3)

الدارقطني، من حديث عبد الله بن الزبير 1/ 349 - 350، وقد أخرجها مسلم في صحيحه 1/ 408 ح 113 - 579.

(4)

المغني 1/ 534.

ص: 137

وقوله: "وقبض أصابعه كلها .. " إلخ: تُحمل الروايتان على أنه فعلهما في وقتيْن.

وقوله: "وأشار بالتي تلي الإِبهام" فيدل على استحباب ذلك، ويشير عند قوله "إلا الله" من الشهادة بمسبحته اليمنى لا غير، موجهة إلى القبلة، وينوي بالإشارة (أ) التوحيد، والإخلاص لله، ولذلك "نهى النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ أشار بإصْبعين وقال له: أحد" (1)، وفي حديث وائل بن حجر (2): أنه يحرك إصبعه ولا يشير بها وهي ساكنة.

وعارضه حديث ابن الزبير عند أبي داود: "أنه يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها"(3) ولكن رواية وائل مثبتة وهذه نافية (4)، مع أن مسلما لم يذكر في روايته هذه الزيادة. وقد ذكر حديث وائل أبو حاتم في "صحيحه".

240 -

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "التفت إِلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إِذا صلَّى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلاة والطيبات، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء

(أ) في هـ: الإشارة.

_________

(1)

أبو داود، عن سعد بن أبي وقاص قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بإصبعي فقال: "أحدٌ أحد" وأشار بالسبابة 2/ 169 ح 1499.

(2)

البيهقي 1/ 132.

(3)

1/ 603 ح 989، وعند مسلم، ولم يذكره ولا يحركها، 1/ 408 ح 113 - 579 م.

(4)

قال النووي: قال البيهقي: ونحن نخيره ونختار ما في حديث ابن عمر وابن الزبير لثبوت خبرهما وقوة إسنادهما ومزية رجالهما ورجحانهم في الفضل على عاصم بن كليب راوي حديث وائل، المجموع 3/ 397.

ص: 138

أعجبه إِليه فيدعو" متفق عليه، واللفظ للبخاري (1).

وللنسائي: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد"(2).

ولأحمد (3): "أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد وأمره أن يعلمه الناس".

ولمسلم عن ابن عباس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد، التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله .. إلى آخره"(4).

حديث ابن مسعود متفق على صحته وثبوته، وأكثر الروايات فيه بتعريف السلام في الموضعَيْن، ووقع في رواية للنسائي بتنكير:"سلام (أ) علينا"(5)، وفي رواية للطبراني (6):"سلام عليكم"، بالتنكير. قال

(أ) في هـ: السلام.

_________

(1)

البخاري (بلفظه مع بعض الحذف): الأذان، باب التشهد في الآخرة 2/ 311 ح 831، مسلم، نحوه (الصلاة، باب التشهد في الصلاة 1/ 301 ح 55 - 402، أبو داود نحوه، الصلاة، باب التشهد 1/ 591 ح 968، الترمذي، الصلاة، باب ما جاء في التشهد 2/ 81 ح 289، النسائي: التطبيق، باب كيف التشهد 3/ 35، ابن ماجه، نحوه إقامة الصلاة، باب ما جاء في التشهد 1/ 291 ح 899، أحمد 1/ 382 - 440.

(2)

النسائي، باب إيجاب التشهد 3/ 34، الدارقطني الصلاة، باب صفة التشهد ووجوبه 1/ 350.

(3)

الفتح الرباني في ترتيب المسند 5/ 4 ح 711.

(4)

مسلم، الصلاة، باب التشهد في الصلاة 1/ 302 ح 60 - 403. أبو داود، الصلاة، باب التشهد 1/ 596 ح 974، الترمذي، الصلاة، باب ما جاء في التشهد 2/ 83 ح 290، النسائي: التطبيق مختصرًا، تعليم التشهد كتعليم السورة من القرآن 3/ 35، ابن ماجه إقامة الصلاة. باب ما جاء في التشهد 1/ 291 ح 900، الدارقطني، باب صفة التشهد ووجوبه واختلاف في الروايات فيه 1/ 349.

(5)

لم أقف عليه من رواية ابن مسعود بالتنكير، وإنما هو عند النسائي من حديث ابن عباس في السنن الكبرى 3/ 1381 ح 676، وروايات ابن مسعود فيها التعريف كلها أشار إلى ذلك ابن حجر، الفتح 2/ 313.

(6)

الطبراني 1/ 680 ح 9942، بلفظ "سلام عليكم" قال الهيثمي في المجمع 2/ 142 - 143: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وستأتي ترجمته في صفحة 147.

ص: 139

الترمذي (1): وهو أصح حديث روي في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.

وقال (أ) البزار (2): أصح حديث في التشهد عندي حديث ابن مسعود روي عنه من نيف وعشرين طريقًا، ولا نعلم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد أثبت منه ولا أصح (ب) إسنادًا، ولا أشهر رجالًا ولا أشد تضافرًا لكثرة الأسانيد والطرق.

وقال مسلم: إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضا، وغيره قد اختلف أصحابه.

وقال محمد بن يحيى الذهلي: هو أصح ما روي في التشهد.

وحديث النسائي وقوله: "قبل أن يفرض علينا": أخرجه من طريق ابن عيينة قال ابن عبد البر في "الاستذكار": تفرد ابن عيينة بذلك (3)، وأخرج مثله الدارقطني، والبيهقي وصححاه (4).

وحديث ابن عباس (5): أخرجه مسلم والشافعي والترمذي والدارقطني وابن ماجه من طريق طاوس عنه بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التشهد كما يُعلِّمُنَا السورة من القرآن" ووقع في رواية الشافعي (6) تنكير السلام في

(أ) ساقطة من هـ.

(ب) زاد في جـ: من.

_________

(1)

السنن 2/ 82.

(2)

الفتح 2/ 315.

(3)

أي أن ابن عيينة تفرد بزيادة جملة "قبل أن يفرض علينا".

(4)

النسائي 3/ 304، الدارقطني 1/ 350، والبيهقي 2/ 183.

(5)

مر تخريجه في أول الحديث.

(6)

الأم 1/ 101، الترمذي 2/ 83.

ص: 140

الموضعيْن، وكذا عند الترمذي وأما رواية مسلم فهي بالتعريف فيهما، وكذا إحدى روايتي الدارقطني، وفي "صحيح ابن حبان" تعريف الأول وتنكير الثاني، وعكسه الطبراني (1). وقد روى حديث التشهد ستة وعشرون صحابيا بألفاظ مختلفة (2)، فقد روي من حديث ابن مسعود وابن عباس وجابر وأبي موسى وعائشة وسمرة بن جندب وعلى وابن الزبير ومعاوية وسليمان وأبي حميد وعن أبي بكر موقوفًا ومرفوعًا، وعن عمر كذلك، وابن عمر والحسين بن علي وطلحة بن عبد الله وأنس وأبي هريرة وأبي سعيد والفضل بن عباس وأم سلمة وحذيفة والمطلب بن ربيعة وابن أبي أوفى هي مختلفة، فبعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف (3).

والحديث فيه دلالة على وجوب التشهد لقوله: "فليقل"، ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد قال "صلوا كما رأيتموني أصلي"(4).

وقد ذهب إلى وجوبه عمر وابن مسعود والهادي والقاسم وأبو حنيفة وأحد قولي الشافعي (5)، وذهب علي رضي الله عنه والثوري ومالك (6) إلى أنه غير واجب، قالوا لقوله تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} ولعدم تعليمه المسئ صلاته.

وأجيب بأنه ورد بصيغة الأمر في السنة، وظاهره الوجوب، ورده بعض

(1) الطبراني 11/ 46 ح 10996.

(2)

قال الشارح: ستة وعشرون صحابيًّا، وفي التلخيص: أربعة وعشرون والذي سمي من الصحابة هنا أربعة وعشرون.

(3)

ذكرها في التلخيص ومظانها وبين الصحيح والضعيف فارجع إليه 1/ 264 - 268.

(4)

سيأتي في 876 ح 252.

(5)

الهداية 1/ 52، المجموع 3/ 394، البحر 1/ 276.

(6)

البحر 1/ 276، الكافي 1/ 204 - 205.

ص: 141

المالكية بأن (أ) التسبيح في الركوع والسجود كذلك وردا بصيغة الأمر ولم يجبا، وأجيب بأن الإجماع هنا صرف الأمر عن الوجوب إلى الندب، وفيه نظر فإنه لا إجماع على عدم وجوبه. إذ قد (ب) قال بوجوبه أحمد (1) وغيره من أهل الظاهر.

واختلفوا في الواجب من ألفاظ التشهد فنقل الطحاوي عن بعض العلماء القول بوجوب تشهد عمر رضي الله عنه قالوا: لأن عمر علمه الناس على المنبر ولم ينكر عليه (2)، [ولفظه نحو تشهد ابن عباس، إلا أنه قال "الزاكيات" بدل "المباركات"، وفيه زيادة "ليسم الله في أوله"، وقد ضعفت الزيادة (3) ورجح الحافظ عدمها (جـ).

وذهب جماعة من محدثي الشافعية كابن المنذر إلى اختيار تشهد ابن مسعود، وذهب ابن خزيمة وغيره إلى عدم الترجيح، ونقل جماعة من

(أ) في جـ: فإن.

(ب) في هـ: وقد.

(جـ) بهامش الأصل، وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.

_________

(1)

المغني 1/ 355.

(2)

شرح معاني الآثار 1/ 261، الموطأ باب التشهد في الصلاة 1/ 77، الرسالة للشافعي 268 رقم 738، الحاكم 1/ 266، البيهقي 2/ 144 قال الزيلعي: وإسناده صحيح.

(3)

مالك في الموطأ موقوفًا عن ابن عمر 78، وأخرجها عبد الرزاق موصولة من حديث هشام بن عروة عن أبيه 2/ 202 ح 3069، والبيهقي في سننه 2/ 142، والحاكم 1/ 266، وقال: صحيح.

وله شاهد من حديث جابر المرفوع ابن ماجه 1/ 292، والحاكم 1/ 266. من رواية أيمن بن نابل وليس له متابع، قال ابن حجر: حَكَمَ الحفاظ البخاري وغيره على أنه أخطأ في إسناده والصواب رواية أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس وفي الجملة لم تصح هذه الزيادة، وبدل على عدم اعتبارها أنه ثبت في حديث أبي موسى المرفوع: "فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله: "التحيات لله" أخرجها مسلم 1/ 304 ح 62 - 404. انظر الفتح 2/ 316.

ص: 142

العلماء الاتفاق على جواز التشهد بكل ما ثبت، وقال الإمام المهدي في "البحر"(1). والأفضل الأخذ بأحد المأثور (أ) عن علي وزيد بن علي وابن مسعود، والمعروف عند الحنفية أنه واجب (2) غير فرض، وقالا الشافعي: هو فرض، لكن قال: لو لم يزد رجل على قوله: "التحيات لله سلام عليك أيها النبي .. " إلخ كرهتُ له ذلك ولم أر عليه إعادة الصلاة، هذا لفظه في "الأم"(3)، وقال الشافعي (4) بعد أن أخرج حديث ابن عباس: رويت أحاديث في التشهد مختلفة فكان هذا أحب إلى لأنه أكملها، وقال في موضع آخر لما سُئل عن اختياره تشهد ابن عباس: لما رأيته واسعًا وسمعته عن ابن عباس صحيحا (5) كان عندي أجمع وأكثر لفظًا من غيره، فأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح، ورجحه بعضهم لكونه مناسبًا للفظ القرآن في قوله:{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} (6).

* شرح ألفاظ التشهد: التحيات: جمع تحية، ومعناها السلام، وقيل: النقاء، وقيل: العظمة، وقيل: السلامة من الآفات والنقص، وقيل: الملك، وقيل: الكَلام الذي يُحيَّا به الملك.

وقال ابن قتيبة: لم يكن يحيا إلا الملك، وكان لكل ملك تحية تخصه

(أ) في ب: الأخذ بالثأر.

_________

(1)

البحر 1/ 279.

(2)

بناء على مذهبهم أن الفرض ما ثبت بالقرآن، والواجب ما ثبت بالسنة.

(3)

الأم 1/ 102.

(4)

الأم 1/ 101.

(5)

سنن البيهقي 1/ 145 - 146.

(6)

الآية 61 من سورة النور.

ص: 143

فلهذا جمعت فكان المعنى: التحيات التي كان يعظم بها الملوك المستحق لها هو الله، والمعنى أنواع التعظيم له.

والصلوات: قيل: المراد الخمس، أو ما هو أعم من ذلك من الفرض والنفل والعبادات كلها أو الدعوات كلها أو الرحمة.

وقيل: التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية والطيبات: العبادات المالية.

والطيباب: أي ما طاب من الكلام، وحَسُنَ أن يثني به على الله، أو ذكر الله، أو الأقوال الصالحة، أو الأعمال الصالحة، أو ما هو أعم من ذلك وطيبها كونها كاملة خالصة عن الشوائب.

والتحيات: مبتدأ خبره "لله"، والصلوات والطيبات عطف على المبتدأ، أو أن الصلوات مبتدأ والخبر محذوف. والطيبات معطوف عليها، أو يقدر لها خبر أيضًا ويكون من عطف الجمل، ورجح ابن مالك هذا الأخير قال: لأن على رواية حذف الواو "الصلوات" صفة للتحيات، ولو عطف عليه عطف الصفة على موصوفها.

وقوله: "السلام عليك" بإثبات اللام في جميع روايات حديث ابن مسعود، واللام فيه (أ) إما للعهد، والمعنى: السلام الذي يوجه إلى الرسل والأنبياء عليك، وكذلك السلام الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا، أو أنه للإشارة (ب) إلى السلام الذي عين في قوله: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ

(أ) في هـ: وفيها.

(ب) في جـ: إشارة.

ص: 144

اصْطَفَى} (1)(أأو للجنس، والمعنى: إن حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد أ)، وأفردوه صلى الله عليه وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم، ثم خصصوا أنفسهم ثم عمموا السلام على الصالحين للإعلام بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملًا لهم.

والسلام بمعنى السلامة كالمقام بمعنى المقامة، أو أنه من أسماء الله تعالى بمعنى المسلم، أو المعني أنه سالم من كل عيب وآفة ونقص وفساد ويكون المعنى على الأول: السلامة من المكاره عليك وعلينا، وعلى الثاني: أي اسم السلام عليك، كأنه برّك عليه بالاسم، ولا يقال أنه يلزم خطابه عليه السلام، وهو منهي عن الخطاب في الصلاة لأن ذلك مخصوص به، وخوطب به صلى الله عليه وسلم وأن كان المقام بالنسبة إلينا (ب هو مقام الغيبة، ففي حياته صلى الله عليه وسلم لمن علمهم الأمر ظاهر، بالنسبة (جـ) إلينا ب) من وجهة أن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حرم الحي الذي لا يموت، فقرت أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته، فالتفتوا فإذا الحبيب حاضر، فأقبلوا عليه قائلين: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (د) كما ذكره الطيبي.

وقد ورد في حديث ابن مسعود وفي "صحيح البخاري"(2) في باب

(أ - أ) في الأصل: قدم ما بينهما على جملة "أو أنه للإشارة" وقد أشار إلى أن حقه التأخير.

(ب - ب) بهامش هـ.

(جـ) في جـ: وفي النسبة.

(د) ساقطة من جـ.

_________

(1)

الآية 59 من سورة النمل.

(2)

البخاري 11/ 56 ح 6265.

ص: 145

الاستئذان بعد أن ساق حديث التشهد قال: "وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام يعني (أ) على النبي"، وأخرجه أبو عوانة وغيره (1) إلى أبي نعيم شيخ البخاري بلفظ:"فلما قُبض قلنا: السلام على النبي" وأخرج عبد الرزاق (2) أن الصحابة لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: السلام على النبي، وهو بإسناد صحيح.

وقد روي (ب) عن ابن مسعود (3) بإسناد ضعيف أنه لما قال له ابن عباس: إنما كنا نقول: السلام عليك أيها النبي إذا كان حيا، قال ابن مسعود:"هكذا عُلمنا، وهكذا نُعَلِّم" ولكن العمل على الأول.

وذكر هنا بلفظ النبي ليجمع له بين وصفي النبوة والرسالة في أول التشهد وآخره، وقدم وصف النبوة لأنها كذلك تقدمت في الخارج.

وقوله: "ورحمة الله": أي إحسانه (4)، "وبركاته" أي زيادته من كل خير.

وقوله: "السلام علينا": فيه دلالة على استحباب تقديم النفس في الدعاء، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه، وكذا

(أ) ساقطة من جـ.

(ب) في جـ: ورد.

_________

(1)

الفتح 1/ 314، وهو عند البيهقي 2/ 138.

(2)

المصنف 2/ 204 ح 3075.

(3)

الفتح 2/ 314 وقال: أخرجه سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم." قال: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه ضعيف.

(4)

تأويل لفظ (إن رَحْمَةَ الله) بالإحسان لا ينبغي، بل رحمة الله على ما يليق بجلاله وعظمته.

ص: 146

حكى (أ) الله تعالى عن نوح وإبراهيم عليهما السلام.

وقوله: "عباد الله الصالحين"(1): الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم (ب) بما يجب عليه من حقوق الله تعالى وحقوق عباده، وتتفاوت درجاته، وهذا لفظ شامل للملائكة والأنبياء ومن عداهم.

وقوله: "أشهد أن لا إِله إِلا الله": زاد ابن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة (2) عن أبيه: "وحده لا شريك له"(3) وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في (جـ) حديث أبي موسى عند مسلم (4)، وفي حديث عائشة الموقوف في "الموطأ"(5)، وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني (6)، "إلا (د أن سنده ضعيف وفي "سنن أبي داود" قال ابن عمر:"زدت فيها وحده لا شريك له" د)، وظاهره الوقف.

(أ) في هـ: حكاه.

(ب) في جـ: العالم.

(جـ) في جـ: من.

(د- د) بهامش هـ.

_________

(1)

قال الترمذي الحكيم: من أراد أن يخص بهذا السلام الذي يسامه الخلق في الصلاة فليكن عبدًا صالحًا وإلا حرم هذا الفضل العظيم، وقال الفاكهاني ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين والمعنى ليتوافق قصده مع لفظه، الفتح 2/ 314 - 315.

(2)

أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته، قيل: اسمه عامر، وقيل: اسمه كنيته، كوفي ثقة لم يسمع من أبيه على الراجح، التقريب 416، الكنى 1/ 588، الكاشف 2/ 56.

(3)

في مصنف ابن أبي شيبة رواية أبي عبيدة بدون الزيادة 1/ 292.

(4)

مسلم ولم أقف عليه عنده بالزيادة، وعند الدارقطني من حديث أبي موسى 1/ 351 - 352، وقال: زاد فيه أصحاب قتادة: "وحده لا شريك له"، وخالفه هشام وسعيد وأبان وأبو عوانة، وغيرهم عن قتادة، وهذا إسناد متصل حسن 1/ 352، وأبو داود 1/ 596 ح 973.

(5)

الموطأ 78 ح 58.

(6)

الدارقطني 1/ 351 وقال: هذا إسناد صحيح، وقد تابعه على رفعه ابن أبي عدي عن شعبة، ووقفه غيره، ورواه أبو داود بسند الدارقطني 1/ 593 ح 971، وقال ابن حجر في الفتح: وقد روي أبو داود من وجه آخر صحيح عن ابن عمر في التشهد "أشهد أن لا إله إلا الله" قال ابن عمر =

ص: 147

وقوله: (أ)"وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله": لم تختلف الطرق عن ابن مسعود في هذا اللفظ، وفي حديث ابن عباس عند مسلم:"وأشهد أن محمدًا رسول الله"، ومنهم من حذف (ب):"وأشهد"، ورواه ابن ماجه (1) بلفظ ابن مسعود.

وقوله: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إِليه": زاد أبو داود: "فيدعو به"(2) ونحوه. للنسائي (3) من وجه آخر بلفظ: "فليدع به"، ولإسحاق بن عيسى عن الأعمش "ثم ليتخير من الدعاء ما أحب"، وفي رواية منصور عند البخاري في الدعوات (4):"من الثناء ما شاء"، وفي مسلم:(5) من المسألة.

ويستدل به على جواز الدعاء في الصلاة (جـ لما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة بل ويدل على وجوب الدعاء، فإن التخيير بين أفراد المدعو به لا يقتضي عدم وجوب أصل الدعاء، وقد ذهب إلى هذا أبو هريرة فإنه أمر ابنه بإعادة الصلاة جـ) لما لم يتعوذ من الأربع التي سيأتي ذكرها (6)، وبه قال بعض أهل الظاهر، وقال ابن حزم (7): ويجب أيضًا في التشهد الأول،

(أ) ساقطة من جـ.

(ب) في هـ: يحذف.

(جـ- جـ) بهامش جـ.

_________

= زدت فيها "وحده لا شريك له" وهذا ظاهر الوقف. قلت: سند الدارقطني هو سند أبي داود وخالف بينهما في الحكم وظاهر سند الدارقطني الصحة، والله أعلم، الفتح 2/ 315.

(1)

ابن ماجه 1/ 291 ح 900.

(2)

أبو داود 1/ 591 ح 968.

(3)

النسائي بلفظ "ليتخير بعد من الدعاء أعجبه إليه ويدعو به" 1/ 43.

(4)

البخاري 11/ 131 ح 6338.

(5)

مسلم 1/ 301 ح 55 - 402.

(6)

سيأتي في ح 243.

(7)

المحلى 3/ 271.

ص: 148

وقال ابن المنذر: لولا قوله: "ليتخير" لقلتُ بوجوب الاستعاذة، وقد عرفت أنه لا مأخذ له.

وحَمَلَ من لم يقل بالوجوب الأمر على الندب (أ)، ويحتاج إلى دليل، وادعى بعضُهم الإجماع على عدم الوجوب، وقد عرفت ما فيه.

وقال ابن بطال: خالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقال: لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن (1)، وبعضهم روى الخلاف بأنه لا يدعو إلا بما كان مأثورًا.

وقال ابن سيرين: لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة.

وقال بعضُ الشافعية: لا يدعو بما يفتح من أمور الدنيا، وبعضهم (2) لا يخرج إلى أوصاف المسؤول، بأن يذكر مثلًا زوجة ويصفها بأوصافها.

وأخرج سعيد بن منصور من حديث ابن مسعود: "يعلمنا (ب) التشهد في الصلاة" يعني ابن مسعود ثم يقول: "إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل: اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما اعلمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبادك

(أ) في جـ: بالوجوب على الأمر بالندب.

(ب) في جـ: فعلمنا.

_________

(1)

قلت: يدعو بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة، ولا يدعو بما يشبه كلام الناس. الهداية 1/ 52.

(2)

حكاه إمام الحرمين عن والده، وقال النووي: والصواب أنه يجوز، المجموع 3/ 415.

ص: 149

الصالحون، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} .. الآية (1) قال: ويقول "ولم يدع نبي ولا صالح بشيء إلا دخل في هذا الدعاء".

فائدة: قال الرافعي: المنقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده: "أشهد أني رسول الله". قال في "المقاصد"(2): قال شيخنا في تلخيص تخريجه: ولا أصل لذلك كذلك، بل ألفاظ التشهد متواترة عنه صلى الله عليه وسلم وأنه كان يقول:"أشهد أن محمدًا رسول الله وعبده ورسوله"(أ). وللأربعة (3) من حديث ابن مسعود في خطبة الحاجة: "وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم (ب) في البخاري عن سلمة بن الأكوع: "لما جفت أزواد القوم" فذكر الحديث في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" (4) وله شاهد عند مسلم.

241 -

وعن فَضَالَة بن عُبيد رضي الله عنه قال: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته، لم يمجِّد الله تعالى، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عجل هذا، ثم دعاه فقال: إِذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء" رواه أحمد، والثلاثة. وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم (5).

(أ) في جـ: صلى الله عليه وسلم نعم في البخاري عن سلمة بن الأكوع فذكر "وعبده ورسوله".

(ب) في النسخ: هذا، وقد ورد في جـ: نعم، أثبتناها لأنه الموافق للمقاصد 61.

_________

(1)

مسند ابن أبي شيبة 1/ 296 وليس عنده "قال: ويقول".

(2)

المقاصد 61 ح 118.

(3)

أبو داود: النكاح 2: 591 ح 118، الترمذي 4/ 237، النسائي 6/ 89. ابن ماجه 1: 609 ح 1892.

(4)

البخاري 5/ 128 ح 2484

(5)

أحمد 6/ 18. أبو داود: الصلاة، باب الدعاء 2/ 162 ح 1481، الترمذي: الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات 5/ 517 ح 3477، النسائي: السهو، باب التمجيد والصلاة على =

ص: 150

هو أبو محمد فَضَالة (1) -بفتح الفاء وبالضاد المعجمة- وعبيد -بضم العين المهملة- ابن نافذ -بالنون والفاء والذال المعجمة- الأنصاري العمري الأوسي، أول مشاهده أحُد، ثم شهد ما بعدها، وبايع تحت الشجرة، ثم انتقل إلى الشام، وسكن دمشق، وقضى بها لمعاوية زمن (أ) خروجه إلى صِفِّيْن، ومات بها في عهد معاوية، وقيل مات سنة تسع وستين، وقيل سنة ثلاث وخمسين، وهو أصح: روي عنه ميسرة مولاة، وإسماعيل بن عبد الله وحنش السبائي.

الحديث فيه دلالة على وجوب ما ذكر من التمجيد (ب) والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء بما شاء، وهو موافق في المعنى لتشهد ابن مسعود وغيره. فإن ذلك متضمن للتمجيد (جـ) والثناء، وهذا مجمل، وذلك مبين للمراد.

وسيأتي الكلام في الصلاة فيما بعده.

وفي قوله: "عجل": دلالة على أن المسألة ينبغي أن تقدمها الوسيلة، وأن ذلك من حق السائل أن يتلطف في نيل ما أراده، ويقدم بين يدي مسألته ما يكون فيه استعطاف المسؤول ليكون أدخل في قضاء بغيته، لإدراك أمنيته.

(أ) في جـ: رأس.

(ب) في جـ: التحميد.

(جـ) في جـ: للتحميد.

_________

= النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة 3/ 38، ابن حبان، باب الدعاء في الصلاة 136 - 137 ح 510 (الموارد)، الحاكم، الصلاة 1/ 268، وقال: صحيح ووافقه الذهبي، قلت: وإسناده صحيح.

(1)

تهذيب الكمال 3/ 1093، سير أعلام النبلاء 3/ 113، الاستيعاب 9/ 119، الإصابة 8/ 97.

ص: 151

242 -

وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال بشير بن سعد يا رسول الله: "أمرنا الله أن نُصَلِّي عليك فكيف نصلي عليك؟ ".

فسكت، ثم قال:"قولوا: اللَّهُمَّ صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إِبراهيم [وعلى آل إِبراهيم] (أ) وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركتَ على آل إِبراهيم في العالمين إِنك حميد مجيد. والسلام كما علمتم" رواه مسلم (1).

وزاد ابن خزيمة فيه "فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ "(2).

هو أبو مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البدري النجاري شهد العقبة الثانية، وكان أصغر منْ شهدها، ولم يشهد بدرًا عند

(أ) في هامش الأصل.

_________

(1)

مسلم (وفيه قصة وزيادة): الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التشهد 1/ 305 ح 65 - 405.

ورواية مسلم "كما صليت على آل إبراهيم" فقط، أحمد (نحو مسلم) 5/ 273 - 274 "كما صليت على إبراهيم"، أبو داود: الصلاة، باب الصلاة على النبي بعد التشهد 1/ 600 ح 980، وروي بألفاظ الآل وبدونها، الترمذي: تفسير القرآن، باب ومن سورة الأحزاب 5/ 359 ح 3220 بلفظ "إبراهيم" النسائي: السهو، باب الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 3/ 38 بلفظ "آل"، الحاكم الصلاة 1/ 268.

(2)

ابن خزيمة، باب صفة الصلاة على النبي، في التشهد 1/ 35 - 352 ح 711، أحمد 4/ 19، وزاد "الصلاة على إبراهيم وآله"، الدارقطني، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد 1/ 354 - 355، ابن حبان المواقيت. باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 138 ح 515، والبيهقي: كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد 2/ 146 - 147.

ص: 152

جمهور العلماء بالسير وقيل: إنه شهدها، والأول أصح وإنما نسب إلى ماء بدر لأنه نزله فنسب إليه، سكن الكوفة، ومات في خلافة علي بن أبي طالب وقيل: في سنة إحدى أو اثنتين وأربعين. روى عنه ابنه بشير وعبد الله بن زيد الأنصاري ومحمد بن عبد الله بن زيد وعمرو بن ميمون وأبو وائل شقيق بن سلمة (1).

وبشير بن سعد (2) هو أبو النعمان (أ) بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، والد النعمان بن بشير، شهد العقبة وبدرًا والمشاهد بعدها، ويقال: إنه أول من بايع أبا بكر الصديق يوم السقيفة من الأنصار. روى عنه ابنه النعمان، وجابر بن عبد الله، عداده في أهل المدينة، قُتلَ مع خالد بن الوليد بعين التمر في خلافة أبي بكر.

والحديث أخرجه أبو داود والنسائي.

وزيادة ابن خزيمة أخرجها أيضًا ابن حبان والدارقطني والحاكم.

وفي الباب عن أبي سعيد رواه البخاري (3)، وعن طلحة رواه النسائي (4)، وعن سهل بن سعد رواه الطبراني (5)، وعن زيد بن خارجة رواه أحمد والنسائي (6) وعن كعب بن عجرة متفق عليه (7) وعن أبي حميد الساعدي متفق عليه أيضًا (8).

(أ) زاد في جـ: ابن.

_________

(1)

سير أعلام النبلاء 2/ 493، الإصابة 7/ 24.

(2)

الاستيعاب 2/ 12، الإصابة 1/ 252.

(3)

البخاري في التفسير 8/ 532 ح 4798.

(4)

النسائي 3/ 41.

(5)

لم أقف عليه في المعجم الكبير.

(6)

أحمد 1/ 199، والنسائي 3/ 41.

(7)

البخاري 11/ 152 ح 6357، مسلم 1/ 305 ح 66 - 406.

(8)

البخاري 6/ 407 ح 3369 مسلم 1/ 306 ح 69 - 407.

ص: 153

والحديث فيه دلالة على وجوب الصلاة عليه على جهة الإطلاق بصيغة الأمر وهو "قولوا"، وهي ظاهرة في الوجوب فقال الأكثر: إنها تجب في العمر مرة واحدة (1)، وقيل: تجب كلما ذكر، واختاره الطحاوي (2) من الحنفية، والحليمي من الشافعية، وقيل: تجب في الصلاة فقط وقد ذهب إلى هذا جماعة من السلف والأئمة والشافعي وإسحاق (3)، والقول بأن الشافعي مسبوق بالإجماع على عدم وجوبها غير صحيح (4)، ويحتج على وجوبها على جهة الإطلاق بقوله تعالى:{صَلُّوا عَلَيْهِ} (5) وهو أمر مطلق يقتضي الوجوب في الجملة ويحصل الامتثال بحصول فرد، والقائل بوجوبها على جهة التخصيص لا بد له من دليل خاص ينضم إلى ذلك، فالقائل بوجوبها كلما ذكر فهو لقوله صلى الله عليه وسلم: البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" (6) وقوله: "رغِمَ أنف من ذكرت عنده فلم يصل" (7)

(1) حكاه صاحب الهداية عن الكرخي 1/ 52.

(2)

الهداية 1/ 52.

(3)

قلت: اختلف العلماء في وجوب الصلاة على النبي عقب التشهد الأخير في الصلاة:

1 -

أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية وهو قول جماهير العلماء قال ابن المنذر: قول جل أهل العلم إلا الشافعي.

2 -

أحمد والشافعي واجبة ويروى عن عمر وابنه والشعبي. شرح مسلم 2/ 47، الكافي 1/ 205، المغني 1/ 541 - 542، المجموع 3/ 513، الهداية 1/ 52.

(4)

قال النووي: وقد نسب جماعة الشافعي رحمه الله تعالى في هذا إلى مخالفة الإجماع ولا يصح قولهم فإنه مذهب الشعبي، شرح مسلم 2/ 47.

(5)

الآية 56 من سورة الأحزاب.

(6)

الترمذي 5/ 551 ح 3546، أحمد 1/ 201 عمل اليوم والليلة لابن السني 147 ح 384، الحاكم 1/ 549 وقال: صحيح، ووافقه الذهبي من حديث الحسين بن علي. وفيه عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب مقبول، التقريب 182.

(7)

الترمذي 5/ 550 ح 3545، الحاكم 1/ 549، من حديث أبي هريرة بسند صحيح وله شاهد =

ص: 154

فوصفه بالبخيل يقتضي أنه ترك إخراج ما يجب إخراجه، والموجب لها في الصلاة يتم له ذلك بإنضمام الرواية الأخرى وهي قوله: "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا

" وقد أخرجها أبو حاتم وابن خزيمة في "صحيحيهما"، ومن لم يوجبها في الصلاة يحتج عليه بتعليم ابن مسعود وابن عباس التشهد وتعليم عمر الناس وهو على المنبر، وتعليم المسيء صلاته، ويجاب عن ذلك بأن هذا مثبت والمثبت مقدم.

ويدل الحديث أيضًا على وجوب الصلاة (1) على الآل، وقد قال به الهادي والقاسم وأحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعي، وذهب الناصر والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه إلي أنها سنة فقط، وادعى النووي (2) وغيره الإجماع على ذلك، قالوا: وهو قرينة على حمل الأمر على الندب دون الوجوب. وقال في "البحر"(3): قياسًا على الأذان [يعني أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر معه الآل](أ).

قلنا: لا قياس مع النص.

وأما تمام الصلاة فقوله: "كما صليت" إلى آخره فسنة لا حتم.

قال في "البحر"(4): إذ لا دليل على الوجوب، ويقال عليه: بل الدليل قائم، وهو ما احتج به على وجوبها على الآل وهو ذَكَرَ ذلك في هذا الحديث، وقد ذهب إلى وجوب ذلك بعض أصحاب الشافعي (5) في أحد احتمالين.

(أ) بهامش الأصل.

_________

= من حديث كعب بن عجرة عند الحاكم 4/ 153 ومن حديث الحسين بن علي.

(1)

المجموع 3/ 411، البحر 1/ 277.

(2)

شرح مسلم 2/ 47.

(3)

و (4) البحر 1/ 277.

(5)

المجموع 3/ 411، البحر 1/ 277.

ص: 155

والآل قيل: هم بنو هاشم، وذهب إليه الإمام يحيى، وذهب الشافعي إلى أنهم بنو هاشم وبنو المطلب (أ).

وذهب الأزهري وغيره من المحققين -[وذهب جماعة من أئمة أهل البيت إلى أنهم ذريته، وقد تقدم الكلام فيه](1)(ب) قال النووي: وهو أظهرها- أنهم أهل دينه لقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (2).

وقيل: إنه ذاته، ونسب إلى الحسن البصري لأنه كان يقول:"اللهم صل على محمد"، ولا يذكر آله ويتركه إلا والمراد به (جـ) ذاته.

وقد اشتهر سؤال وارد على هذا وهو أن قوله "كما صليت" للتشبيه، والمشبه دون المشبه به، ويجاب عن ذلك بأن التشبيه لا يقتضي ذلك لازمًا فإن الغرض منه قد يكون لبيان حال المُشَبِّه كما في تشبيه ثوب بآخر في السواد فإنه قد يكون المشبه في هذه الحال أقوى، وكذا في بيان المقدار فإن المشبه قد يكون مساويا للمشبه به، وهذا يكون من الأول، فإنه لما قد (د) علم وشاع عن جميع أهل الملل في الأعصار المتعاقبة والأوقات الحالية (هـ) ما اختص به إبراهيم وآله عليه أفضل الصلوات (و) والسلام من الخصائص

(أ) في جـ: والآل قيل: هم بنو هاشم وبنو المطلب وذهب جماعة من أهل البيت إلى أنهم ذريته.

(ب) في هامش الأصل وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ. وهي ساقطة من جـ إلا قوله "وقد .. إلخ".

(جـ) ساقطة من جـ.

(د) ساقطة من جـ.

(هـ) في هـ: الخالية.

(و) في جـ: الصلاة.

_________

(1)

راجع المقدمة.

(2)

آية 46 من سورة غافر.

ص: 156

الرحمانية والمقامات العالية، وتسليم ملائكة الرحمن وترحمهم عليه وعلى آله فقيل: هذه الصلاة على محمد وآله لها الحد العلي من التعظيم والترحم الذي قد عهد وسلف مع إبراهيم وآله، فهو غير منظور فيها إلى جانب زيادة أو نقص، وإنما المقصود أن لها من نوع الإجلال والتعظيم الحظ الأوفر كما فعل في حق إبراهيم، واشتهر من تقرر (أ) تعظيمه واختصاصه بشرائف التكريم (ب) هذا ما يظهر لي في الجواب عن السؤال، وقد أجيب (جـ) بخمسة أجوبة:

أولها: أن التشبيه وقع لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر.

الثاني: أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل لا على النبي صلى الله عليه وسلم.

الثالث: المشبه مجموع (د) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمجموع الصلاة على إبراهيم وآله وفي آل إبراهيم معظم الأنبياء.

الرابع: أن هذه الصلاة متكررة في حق النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى كل مصل، فباعتبار مجموع الأفراد هي أعظم وأوفر أضعافًا مضاعفة، وإن كان باعتبار الفرد هي مساوية أو ناقصة.

الخامس: أن السؤال في الصلاة إنما هو زائد على القدر الذي قد كان ثبت له صلى الله عليه وسلم، وانضم إليه ما سألناه من الصلاة المساوية أو ناقصة فبانضمامه (هـ) إلى ما قد ثبت في جانب (و) نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم قدرا وأوفر أفرادا.

والعالمين: جمع عالَم.

(أ) في جـ: تقرير.

(ب) زاد في هـ: ثم.

(جـ) في جـ: أجبت

(د) في هـ: مجموع المشبه.

(هـ) في جـ: فانضمامه.

(و) في جـ: ما في بجانب.

ص: 157

[وقوله (أ): "بارك"، البركة: الزيادة والنماء من الخير](ب)، وفي تحقيق معناه خلاف.

وقوله: "إِنك حميد": صيغة مبالغة فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، أي: محمود بمحامدك اللائقة بعظمتك بلسان المقال والحال والمعنى أنك مستحق لجميع المحامد، وهو تعليل لطلب الصلاة منه لأنك محمود ومن جملة محامدك إفاضتك أنواع العنايات ومزيد البركات على من فعل الحسنى وتقرب إليك بامتثال ما أمرته (جـ) وندبت إليه.

ويحتمل أن يكون "حميد" فَعِيل بمعنى فاعل أي أنك حامد لمن يستحق أن يحمد ومن حمدك لمحمد وآله إظهار شرفه والثناء عليه باستجابة دعاء من دعاك بإعطائه ذلك وهذا أنسب هنا.

ومجيد: مبالغة ماجد، والمجد الشرف.

وفي قوله: "والسلام كما عَلِمتم": بفتح العين وكسر اللام المخففة، ومنهم من رواه بضم العين وتشديد اللام والمفعول الثاني محذوف أي علمتموه، والمعنى أن صفة السلام كما علمتم في التشهد وهو السلام عليكم" (د).

243 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذَا تَشَهَّد أحدكم فَلْيَسْتَعِذْ بِالله من أرْبَع يقول: اللهمَّ إِني أعوذ بِكَ مِنْ عَذَاب جَهَنَّمَ، ومن عذاب القَبْرِ، ومن فَتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَات، ومن شرّ

(أ) زاد في هـ: و.

(ب) بهامش الأصل.

(جـ) في جـ: ما أمرت.

(د) في هـ عليك.

ص: 158

فِتْنةِ الْمَسِيح الدَّجَّال". متفق عليه (1).

وفي رواية مسلم: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير"(2).

الحديث فيه دلالة على شرعية الاستعاذة المذكورة بعد التشهد، وإطلاق الرواية الأولى يدل على (أ) "أنها في التشهدين (3)، وأفرط ابن حزم (4) فقال بوجوبها في التشهد الأول أيضًا، ولكن الرواية التي لمسلم مبينة لما أطلق في هذا بأن ذلك في التشهد الأخير وأن محلها بعد التشهد قبل الدعاء بدلالة التعقيب بالفاء للتشهد، فيكون الدعاء المتخير بعدها وقبل السلام، وهذه الاستعاذة ظاهر الأمر وجوبها، وقد ذهب إلى ذلك بعض أهل الظاهر، ويروى عن طاوس (5) ما يدل على ذلك فإن من رواية عبد الرزاق بإسناد صحيح أنه سأل ابنه (ب): هل قالها بعد التشهد؟ فقال: لا، فأمره أن يعيد الصلاة، وادعى بعضهم الإجماع على أن ذلك مندوب، ولا يصح مع ما قد عرفت.

(أ) في هـ: عليه.

(ب) في هـ: أبيه.

_________

(1)

مسلم. المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة 1/ 412 ح 128 - 588، البخاري (بغير تقييد التشهد): الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر 3/ 241 ح 1377، أبو داود، (بلفظ مسلم): الصلاة، باب ما يقول بعد التشهد 1/ 601 ح 983، النسائي، (بلفظ المصنف): السهو، باب التعوذ في الصلاة نوع آخر 3/ 48 - 49، ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقال بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (بلفظ مسلم (1/ 294 ح 909.

(2)

مسلم 1/ 412 ح 130 - 588.

(3)

في البخاري، بدون تقييد التشهد، وفي مسلم بروايتين مقيدة بالآخر، وبدون التقييد التلخيص 1/ 269.

(4)

المحلى 3/ 271.

(5)

المصنف 2/ 208 ح 3087، مسلم بلاغًا 1/ 413.

ص: 159

وفي قوله: "فليستعذ بالله" يدل على أنه يأتي من الألفاظ بما (ب) يفيد ذلك، وقد اقتصر على ذلك في رواية البخاري، ولكنه قد بين ذلك في رواية مسلم بقوله:"فليقل: اللهُم إنِّي أعوذُ بكَ من عذابِ جهنم" إلخ.

وقوله: "من عذاب القبر" فيه دلالة على ثبوت ذلك خلافا لمن أنكره من المعتزلة والأحاديث متضافرة على ثبوته (1). وقوله: "فتنة المحيا": قيل: أراد بفتنة المحيا: ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها -والعياذ بالله- أمر الخاتمة عند الموت، وقيل: هي الابتلاء مع زوال الصبر، وفتنة الممات قيل: أريد بها (جـ) الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه.

ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقيل: أراد بها السؤال مع الحيرة.

وقد أخرج البخاري من حديث أسماء (2)"إنكم تفتنون في قبوركم مثل -أو قريبًا من- فتنة الدجال" ولا يكون متكررًا على هذا من عذاب القبر لأن العذاب مرتب على ذلك. وقد أخرج الحكيم الترمذي في "نوادر

(أ) ساقطة من هـ.

(ب) في هـ: ما.

(جـ) في هـ: أراد.

_________

(1)

تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلًا وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به شرح العقيدة الطحاوية 450.

(2)

البخاري 3/ 232 ح 1373.

ص: 160

الأصول" (1) أن الميت إذا سئل: مَنْ رَبك؟ تراءى له الشيطان فيشير إلى نفسه، أي (أ) أنا ربك، فلهذا ورد سؤال التثبيت له حين يسأل.

ثم أخرج بسندٍ جيد إلى عمرو بن مرة: "كانوا يستحبون إذا وضع الميت في قبره أن يقولوا: اللهم أعذه من الشيطان".

وقوله: "فتنة المسيح الدجال": قال (ب) أهل اللغة: الفتنة: الامتحان والاختبار، وقد يطلق على القتل والإحراق والتهمة وغير ذلك، والمسيح: بفتح الميم وتخفيف السين المهملة (جـ) المكسورة وآخره حاء مهملة ويطلق (د) على الدجال وعلى عيسى لكن إذا أريد الدجال قيد، وقال أبو داود في "السنن": المَسِّيح مثقل الدجال، ومخفف عيسى (2).

وقد نقل الفربري (3) أن التشديد والتخفيف ثابت ويطلق على عيسى عليه السلام وعلى الدجال.

وقال الجوهري: من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض، وبالتشديد فلكونه ممسوح العين وهذا في الدجال، وقد حكي عن بعضهم أنه بالخاء المعجمة،

(أ) ساقطة من هـ.

(ب) في هـ: قالوا.

(جـ) في هـ: المهمة.

(د) زاد في هـ: المسيح.

_________

(1)

نوادر الأصول 323، وأخرجه عبد الرزاق، قال: كانوا يستحبون أن يقولوا على الميت بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله اللهم أجِرْهُ من عذاب النار وعذاب القبر وشر الشيطان 3/ 497 ح 6461.

(2)

انظر إصلاح غلط المحدثين للخطابي 36.

(3)

قال ابن حجر: وأما نقل الفربري في رواية المستملي وحده عنه عن خلف بن عامر وهو الهمداني أحد الحفاظ أن المسيح -بالتشديد والتخفيف- واحد يقال للدجال ويقال لعيسى وأنه لا فرق بينهما، بمعنى، لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين فهو رأي ثالث. الفتح 2/ 318.

ص: 161

ونسب إلى التصحيف.

وقيل في تلقيب الدجال بذلك لأنه ممسوح العين، وقيل: لأن أحد شِقَّي وجهه خلق (أ) ممسوحًا عين فيه، ولا حاجب، وقيل: لأنه يمسح الأرض إذا خرج، وأما عيسى فقيل: سُمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، وقيل: لأن زكريا مسحه وقيل: لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، وقيل: لأنه مسح الأرض بسياحته، وقيل: لأن رجله كانت لا أخمص لها، وقيل: هو بالعبرانية ماسحًا فعرب السيح وذكر الشيرازي صاحب "القاموس" أنه جمع في سبب تسميه عيسى بذلك خمسين قولا أوردها في "المشارق"(1) وقيل: المسيح الصديق (2).

244 -

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: عَلِّمنِي دُعَاءً أدْعُو بِه في صَلاتِي فقال: قُلْ اللَّهُمَّ إِنّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كثِيرًا ولا يَغْفر الذْنوب إلا أنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغفِرَةً مِنْ عِنْدَكَ، وارْحَمْنِي إِنَّكَ أنْتَ الغَفور الرًّحيم" متفق عليه (3).

الحديث فيه دلالة على شرعية هذا الدعاء في الصلاة على الإطلاق من دون تعيين محل له، ولعله يختار بعد التشهد لقوله صلى الله عليه وسلم: "فليتخير من

(أ) ساقطة من جـ.

_________

(1)

مشارق الأنوار 1/ 386 - 387.

(2)

الفتح 2/ 318.

(3)

البخاري، الأذان، باب الدعاء قبل السلام 2/ 317 ح 834، مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر 4/ 2078 ح 48 - 2705، الترمذي: الدعوات، باب 5/ 543 - ح 3531، النسائي: السهو، نوع آخر من الدعاء 3/ 45، ابن ماجه، الدعاء، باب دعاء رسول الله 2/ 1261 ح 3835، أحمد 1/ 7.

ص: 162

الدعاء" (1) وأشار البخاري (2) إلى هذا بإيراد باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد بعد ذكر هذا الحديث.

وقوله: "ظلمت نفسي"، أي بملابسته (أ) ما يوجب العقوبة أو ينقص الحظ، وفيه دلالة على أن الإنسان لا يعرى عن تقصير ولو كان صديقًا.

وقوله: "ولا يغفر الذنوب إِلا أنت": فيه إقرار بالوحدانية، واستجلاب للمغفرة كقوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} (3) .. الآية.

وقوله: "ولا يغفر الذنوب إِلا أنت": فيه إقرار بالوحدانية، واستجلاب للمغفرة كقوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} .. الآية.

وقوله: "مغفرة من عندك": تنكير "مغفرة" فيه إشعار بأنها مغفرة عظيمة لا يُدْرَك كنهها، ووصفها بأنها من عنده سبحانه لتعظيمها، لأن ما يكون من عند اللَّه لا يحيط به وصف، أو أن تنكيرها للنوعية، والمعنى مغفرة يتفضل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره.

وقوله: "إِنك أنت الغفور الرحيم": هما صفتان ذكرتا ختمًا للكلام على جهة المقابلة لما تقدم، فالغفور مقابل لقوله:"اغفر لي"، والرحيم مقابل لقوله "ارحمني".

وفي الحديث من الفوائد أيضًا استحباب طلب التعليم من العالم خصوصًا في الدعوات المطلوب فيها جوامع الكلم.

(أ) في جـ: بملامسة.

_________

(1)

مر في 139 ح 240.

(2)

البخاري 2/ 320.

(3)

الآية 135 من سورة آل عمران.

ص: 163

245 -

وعن وائل بن حجْر رضي الله عنه قال: "صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يُسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". رواه أبو داود بإسناد صحيح (1).

(أ) الحديث أخرجه أبو داود من رواية علقمة بن وائل عن أبيه، والمصنف رحمه الله نسبه في التلخيص (2)(ب) إلى عبد الجبار بن وائل، قال: ولم يسمع من أبيه، وليس كذلك كما عرفت.

وقد روى الحديث في التسليمتين جميعا خمسة عشر صحابيا هم: عبد اللَّه بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وسهل بن سعد الساعدي، ووائل بن حجر، وأبو موسى الأشعري، وحذيفة بن اليَمَان، وعمار بن ياسر، وعبد اللَّه بن عمر، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وأبو مالك الأشعري، وطلق بن علي، وأوس بن أوس (جـ)، وأبو رمثة، وعدي بن

(أ) زاد في جـ، وفي هامش هـ: هذا.

(ب) زاد في هـ: نسبه.

(جـ) في هـ: أويس.

_________

(1)

أبو داود، الصلاة، باب في السلام 1/ 607 ح 997. وعلقمة بن وائل بن حجر الحضرمي الكوفي: صدوق لم يسمع من أبيه، قاله يحيى بن معين. التقريب 343، الميزان 3/ 108، التهذيب 7/ 208 قلت: الحافظ جزم في "التقريب" أنه لم يسمع من أبيه، وفي "التهذيب" كأنه يميل إلى سماعه فإنه ذكر أن علقمة سمع من أبيه ثم قال بعد ذلك، وحكى العسكري عن يحيى أن روايته مرسلة. فلعل هذا هو السبب في تصحيح الإسناد أنه مال إلى سماع علقمة من أبيه، واللَّه أعلم.

(2)

التلخيص 1/ 271.

ص: 164

عميرة، والمغيرة بن شعبة، وواثلة بن الأسقع، ويعقوب بن الحصين (1) أخرجت أحاديثهم بأسانيد مختلفة، منها صحيح ومنها حسن ومنها ضعيف ومنها متروك ولكنها بدون زيادة:"وبركاته" إلا رواية ابن مسعود عند ابن ماجه (2).

وعند أبي داود من رواية وائل كما ذكره المصنف فلا يسمع قول ابن الصلاح (3) أن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث إلا في رواية وائل بن حُجْر.

الحديث فيه دلالة أنَّ التسليم كان عادة النبي (أ) صلى الله عليه وسلم في الصلاة، تسليمتين باللفظ المذكور، وظاهره يقتضي الوجوب، لقوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا كَمَا رأيتموني أصلي"(4)، ولقوله:"تحرِيمها التكبير وتحليلُهَا التسليم"(5).

(أ) في هـ: للنبي.

_________

(1)

التلخيص 1/ 271.

(2)

1/ 296 ح 914 وليس فيها زيادة، وقال الصنعاني في سبل السلام: قال ابن رسلان في "شرح السنن": لم نجدها في ابن ماجه، قلتُ: راجعنا سنن ابن ماجه من نسخة صحيحة مقروءة فوجدنا فيه ما لفظه: باب التسليم حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير، حدثنا عمر بن عبيد عن إسحاق عن الأحوص عن عبد الله:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته" انتهى بلفظه 1/ 381، قلت: وفي السنن المطبوعة إلا أنه قال: أبي إسحاق عن الأحوص وليس فيها الزيادة.

(3)

التلخيص 1/ 271.

(4)

سيأتي في حديث 252.

(5)

أبو داود، وأوله:"مفتاح الصلاة الطهور" من حديث علي 1/ 411 ح 618، الترمذي 1/ 8 ح 3، ابن ماجه 1/ 101 ح 275، البيهقي 2/ 379، أحمد 1/ 123، وفيه عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، صدوق في حديثه لين مر في ح 114، وللحديث شواهد من حديث أبي سعيد عند ابن ماجه 1/ 101 ح 276، الدارقطني 1/ 365، والترمذي 3/ 2 ح 238، والطبراني من حديث ابن عباس مجمع الزوائد 2/ 104، ونسبه إلى الطبراني الكبير والأوسط حديث عبد اللَّه بن زيد =

ص: 165

أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح، وقد ذهب إلى وجوبه أكثر العترة (1) والشافعي ونسبه النووي (2) إلى جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

وذهب أبو حنيفة (3) والناصر إلى أنه سنة، وتوقف البخاري في ذلك فبوب على ذلك في الصحيح بباب التسليم ولم يبين (أ) حكمه (4) وكأنه لم يقو له الدليل على وجوبه، وحجتهما على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمرو (ب)"إذا رفع الإمام رأسه من السجدة وقعد ثم أحدث قبل أن يسلّم فقد تمت صلاته"(5)، فدل (جـ) على أنَّ التسليم ليس بركن واجب، وإلا لوجب الإعادة مع الحَدَث قبل تأديته، كما أنه إذا أحدث قبل إكمال (د) السجود وجب عليه الإعادة، ولحديث تعليم المسيء صلاته، ولقوله:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (6) فلا يجب ما عداهما إلا بدليل موجب، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان للأكمل.

(أ) في جـ: ولم يبن.

(ب) في النسخ عمر والمثبت هو الصحيح انظر التخريج.

(جـ) ساقطة من هـ.

(د) في جـ: كمال.

_________

= في الطبراني الأوسط مجمع الزوائد 2/ 104، قلت: فالحديث صحيح لغيره.

(1)

البحر 1/ 280، المجموع 9/ 413، ولكن لا تصح الصلاة إلا به.

(2)

المجموع 3/ 424.

(3)

البحر 1/ 280، الهداية مع الشرح 1/ 321 وقال: واجب وليست بفرض بناء على أصلهم من التفريق بين الفرض والواجب.

(4)

البخاري 2/ 322.

(5)

في النسخ ابن عمر، والذي في الترمذي 2/ 261 ح 408، والدارقطني من حديث عبد اللَّه بن عمرو 1/ 379، والطيالسي 298، وفيه عبد الرحمن بن زياد قاضي إفريقية ضعيف باتفاق مر في ح 137، قال أبو عيسى: هذا حديث إسناده لبس بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده، قال ابن عبد البر هذا: الحديث لا يثبت من جهة النقل التمهيد 10/ 194.

(6)

آية 77 من سورة الحج.

ص: 166

ويجاب عنه بأن حديث ابن عمرو ضعيف باتفاق الحفاظ (1)، وحديث (أ) التعليم والآية الكريمة لا ينافيان الوجوب لغيرهما للزيادة، وهي مقبولة، وكون فعله بيانًا للأكمل غير مسلَّم لأن الظاهر الوجوب إلا فيما دل دليل خاص على عدم وجوبه لكون فعله بيانًا لما أجمل في آية الصلاة.

ودَلَّ الحديثُ على أن التسليم على اليمين واليسار، وقد ذهب إلى وجوب ذلك الهادي والقاسم وزيد بن علي وأحمد والحسن بن صالح لحديث الباب وغيره (2). وذهب الشافعي (3) إلى أن الواجب تسليمة واحدة والثانية مسنونة، قال النووي (4) أجمع العلماء (ب) الذين يُعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة، فإن سلَّم واحدة استحب له أن يسلمها تلقاء وجهه، وإن سلم تسليمتين جعل الأولي عن يمينه، والثانية عن يساره. ولعل حجة الشافعي في وجوب واحدة حديث عائشة:"كان يسلم تسليمة واحدة، السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا"(5)، وهو معلول (6). وأخرج ابن حبان في "صحيحه" من حديثها: "كان إذا أوتر أوتر بتسع

(أ) في هـ: والحديث.

(ب) زاد في جـ: على.

_________

(1)

المجموع 3/ 425.

(2)

البحر 1/ 280، المغني 1/ 553، وعند أحمد رواية أنها سنة.

(3)

المجموع 3/ 425، المغني 1/ 553.

(4)

شرح مسلم 2/ 229، وحكى الإجماع ابن المنذر. المغني 1/ 553.

(5)

الترمذي بمعناه 2/ 90 ح 296، ابن ماجه بمعناه 1/ 297 ح 919، المستدرك 1/ 230 - 231، الدارقطني بمعناه 1/ 357 - 358، البيهقي 2/ 179، ابن حبان 138 ح 518 (الموارد).

(6)

قال الدارقطني في "العلل" رفعه عن زهير بن محمد عن هشام عن أبيه عنها عمرو بن أبي سلمة وعبد الملك الصنعاني، وخالفهما الوليد فوقفه عليها، وقال عقبة: قال الوليد: قلت لزهير: أبلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء؟ قال: نعم، أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، .. فبين أن الرواية المرفوع وهم، وكذا رجح الوقف الترمذي والبزار وأبو حاتم وقال في المرفوع: إنه منكر، وقال ابن عبد البر: لا يصح مرفوعًا. التلخيص 1/ 270، الترمذي 2/ 91، علل الحديث 1/ 148 ح 413.

ص: 167

ركعات لم يقعد إلا في الثامنة، فيحمد اللَّه ويذكره ثم يدعو ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة فيجلس ويذكر اللَّه ويدعوه ثم يسلم تسليمة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس" (1)، وإسناده على شرط مسلم.

ويجاب عنه بأنه لا يُعَارضُ حجة القول الأول للزيادة، والقول بالإجماع غير صحيح مع ما عرفت من الخلاف.

وذهب مالك (2) إلى أنّ المسنون: تسليمة واحدة فقط لحديث عائشة المذكور وحديث سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يسلِّم في الصلاة تسليمة واحدة".

قال ابن عبد البر (3): وهو وهْم، فإن المحفوظ من حديث سعد (أ) قال:"رأيْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن شماله، حتى كأنِّي أَنْظُرُ إلى صفْحَة جهةِ خَدِّهِ"(4).

قال: وقد روي مثل هذا من حديثًا أنس (5) وهو التسليم مرة واحدة.

ولكنه من طريق أيوب السختياني عن أنس، وهو لم يسمع من أنس عندهم

(أ) في الأصل: سعيد.

_________

(1)

ابن حبان 173 ح 669 (الموارد).

(2)

الكافي 1/ 205.

(3)

لفظ ابن عبد البر (وهذا وهم عندهم غلط ..) الاستذكار 2/ 213.

(4)

مسلم 1/ 409 ح 119 - 582، ابن ماجه 1/ 297 ح 916، أحمد 1/ 172، النسائي 3/ 51 - 52.

(5)

رواية أيوب أخرجها ابن أبي شيبة 1/ 301، وأيوب السختياني أبو بكر البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد، لم يسمع من أنس رضي الله عنه. التهذيب 1/ 397 م. وللحديث طريق أخري عند البيهقي من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد عن أنس. وللحديث شاهد من حديث سهل بن سعد أخرجه ابن ماجه 1/ 297 ح 918 وفيه عبد المهيمن بن عباس وهو ضعيف. التقريب 221، وله شاهد عن حديث سلمة بن الأكوع عند ابن ماجه =

ص: 168

شيئًا، وقد روي مرسلا عن الحسن (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة.

قال: وليس مع القائلين بالتسليمة الواحدة غير عمل أهل المدينة، قالوا: وهو عمل (أ) قد توارثوه كابرا عن كابر، ومثله يصح الاحتجاج به لوقوعه في كل يوم مرارا، وأنت خبير بأن هذا لا يتم إلا على القول بحجية عمل أهل المدينة، وقد دل على بطلانه في علم الأصول (2).

وذهب عبد اللَّه بن موسى بن جعفر (3) إلى أنه يسلم ثلاث تسليمات: يمينًا وشمالًا وتلقاء وجهه جمعًا بين الروايات، وقيل: واحدة في المسجد الصغير مع قلة الأصوات، وإلا فاثنتان يمينا وشمالًا جمعًا بين الروايات.

وحديث الباب يدل على أنه تشرع زيادة: "بركاته"، ولم أر من قال بوجوب ذلك إلا ما روي عن الإمام يحيى أنه قال: فإن زاد وبركاته ورضوانه وكرامته أجزأ، إذ هو زيادة فضيلة، هذا قوله (4)، وقد عرفتَ أن هذه الزيادة لم ترد في رواية وإنما الوارد (ب)"وبركاته" فقط.

فالحديث (جـ) يدل على أن تلك من لفظ السلام المعتبر في الصلاة إن لم يقم إجماع بخلافه، واللَّه أعلم.

(أ) في هـ: زيادة: المالكية (مدرجة بين السطرين).

(ب) في هـ: الواردة.

(جـ) في جـ: والحديث.

_________

= 1/ 297 ح 920، وفيه يحيى بن راشد المازني أبو سعيد البصري البراء، ضعيف. التقريب 375، المغني في الضعفاء 2/ 734 فهذه الروايات يقوّي بعضها بعضا.

(1)

مصنف ابن أبي شيبة 1/ 300.

(2)

وهو حجة عند مالك، انظر كلام العلماء على هذه المسألة: التبصرة 365.

(3)

البحر 1/ 280 - 281.

(4)

البحر 1/ 281.

ص: 169

وفي قوله: "عن يمينه وعن شماله": إنه يقول ذلك منحرفًا إلى جهة اليمين والشمال وحد الانحراف أن يرى من خلفه بياض خده كما في حديث سعد: "حتى كأني أنظر إلى صفحة خده".

246 -

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دُبْرِ كُلِّ صَلاة مكتوبة: لا إِله إلا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ ولَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شيءٍ قَديرٌ. اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لمَا أعْطَيْتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ولا يَنْفَعُ ذَا الجدِّ مَنْكَ الَجَدُّ" متفق عليه (1).

قوله: "دُبُر" بضم الدال وهو المشهور في اللغة، والمعروف في الروايات، وقال أبو عمرو في كتابه "اليواقيت": دَبْر كل شيء بفتح الدال آخر أوقاته، من الصلاة وغيرها قال: هذا هو المعروف في اللغة، ويقال لجارحة بالضم.

وقال ابن الأعرابي: هو بضم الدال لآخر أوقات الشيء، ولم يذكر الجوهري وغيره غير الضم، وفي "القاموس" (2): الدُّبُرَ بالضم وبضمتين نقيض القبل، ومن كل شيء عقبه ومؤخره، وقال في الدّبَر: محركة الدال والباء بالفتح الصلاة في آخر وقتها، وتسكن الباء ولا تقل بضمتين فإنه من لَحْن المحدثين، انتهى. فهو يفهم أنه قد استعمل بالفتح في معنى آخر وقت الشيء، ولكنه غير مناسب في الحديث هنا.

(1) البخاري: الأذان، باب الذكر عقب الصلاة 2/ 325 ح 844. مسلم: المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته 1/ 414 ح 137 - 593، أبو داود، الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلم 2/ 172 ح 1505، النسائي، السهو، نوع آخر من القول عند انقضاء الصلاة 3/ 60، أحمد 4/ 250.

(2)

القاموس 2/ 27.

ص: 170

وقوله: "له الملك وله الحمد": زاد الطبراني (1) من طريق أُخْرَى عن المغيرة: "يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير" ورواته موثقون، وثبت مثله عن البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح (2) لكن في القول: إذا أصبح وإذا أمسى.

وقوله: "اللهم لا مانع لما أعطيت": يعني أن مَنْ قضيتَ له برزق فلا مانع من وصوله إليه، ولا معطي لما منعت من قضيت له بحرمان فلا معطي له.

وقوله: "و (أ) لا ينفع ذا الجَد منك الجد": وهو بفتح الجيم، قال الخطابي (3): الجد: الغنى، ويقال: الحظ، وقال البخاري (4) في تفسيره عن الحسن: الجد: الغنى، وقع في رواية كريمة: قال الحسن: الجد، غنَاؤه، [فالمعنى (ب): لا ينفعه ولا ينجيه حظه في الدنيا بالمال والولد أو (جـ) العظمة والسلطان، وإنما ينجيه فضلك ورحمتك] (د).

ومنك قال الخطابي: هي بمعنى بدل، قال الشاعر:

(أ) الواو ساقطة من جـ.

(ب) في هـ: والمعنى.

(جـ) في جـ، هـ: و.

(د) بهامش الأصل.

_________

(1)

مجمع الزوائد قال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح 10/ 103.

(2)

مسند البزار ل 305، قال البزار: لا نعلمه يروي عن عبد الرحمن بن عوف إلا بهذا الإسناد، ولا نعلم روى سهيل بن عبد الرحمن عن أبيه إلا هذا الحديث اهـ والحديث فيه أبو بكر بن عبد اللَّه بن محمد بن أبي عبرة بن أبي رهم ابن أبي عبد العزي القرشي العامري المدني، رمي بالوضع قال الهيثمي: متروك. التقريب 396، مجمع الزوائد 10/ 113، المغني 2/ 775.

(3)

غريب الحديث 2/ 157.

(4)

البخاري 2/ 325.

ص: 171

فليت لنا من ماء زمزم شربة

أي بدل ماء زمزم، وفي الصحاح (1)، بمعنى عند، أي لا ينفع ذا الغنى غناؤه، إنما ينفعه العمل الصالح.

وقال ابن دقيق العيد (2): ينفع مضمن معنى: يمنع، وما قاربه (أفيتعلق منك به أ).

وقال القرطبي (3): حكى عن أبي (ب) عمرو أنه روى الجدّ بالكسر وقال: لا ينفع ذا الاجتهاد اجتهاده، وأنكره الطبري، ووجه الإنكار أن الاجتهاد في العبادة نافع لأن اللَّه قد دعا إلى ذلك ووعد عليه الأجر، وقيل: إنه لا يكون نافعًا إلا إذا قرنه القبول، وهو فضل من اللَّه ورحمة على وفق قوله:"لَا يَدْخُل أحَدٌ مِنْكُم الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ"(4).

والحديث يدل على استحباب هذا الذِّكر عقيب الصلاة لا اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد، ونسبة الأمر كله إلى اللَّه تعالى والمنع والإعطاء وتمام القدرة.

فائدة: وقد ورد زيادة: "ولا راد لما قضيت"، وهي في مسند عبد ابن (جـ) حميد من رواية معمر عن عبد اللك بن عمير بهذا الإسناد لكن

(أ- أ) ما بينهما بهامش هـ.

(ب) في هـ: ابن.

(جـ) في نسخة الأصل: عبد الرحمن، وفي الهامش تعليقة لعلها سبق قلم، وفي الفتح عبد بن حميد فقط 2/ 233.

_________

(1)

الصحاح 2/ 452.

(2)

إحكام الأحكام 3/ 69.

(3)

المفهم ل 134.

(4)

البخاري 11/ 294 ح 6464.

ص: 172

حذف قوله: "ولا معطي لما منعت"، ووقع عند الطبراني تاما من وجه (1).

247 -

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة. اللهم إِني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إِلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر" رواه البخاري (2).

البُخْل: بضم الخاء الموحدة وإسكان المعجمة. والبُخُل بضمهما (أ)، وكَجَبَل ولَحْم وعُنُق ضد الكَرَم، ولعل المقصود منه هنا هو منع ما يجب إخراجه من المال شرعًا أو عادةً.

والجبن: بضم الجيم وسكون الباء ولضمها أيضًا: المهابة للأشياء والتأخر عن فعلها، يقال: منه جبان كسحاب لمن قام به المعنى، والمتعوذ منه هو التأخر عن الإقدام بالنفس إلى الجهاد الواجب، والرد إلى أرذل العمر هو أن يبلغ إلى الهرم والخرف حتى يعود كهيئته الأولى في أوان الطفولة ضعيف البنية، سخيف العقل، قليل الفهم.

وفتنة الدنيا: هي الافتتان بزخارفها وشهواتها حتى يلهى عن القيام بأداء ما خلق له العبد من العبادة، وهذا (ب) هو المطابق لقوله تعالى: {إِنَّمَا

(أ) في جـ: بضمها.

(ب) ساقطة من جـ.

_________

(1)

ووقع عند البزار من حديث جابر بإسناد حسن. مجمع الزوائد 1/ 103.

(2)

البخاري وليس بلفظه فأخرجه في كتاب الجهاد، باب ما يتعوذ من الجبن، ولم يذكر "اللهم إني أعوذ بك من البخل" 6/ 36 ح 2822، وأخرجه في الدعوات، باب التعوذ من فتنة الدنيا ولم يذكر "دبر كل صلاة" 11/ 192 ح 6390، الترمذي: الدعوات، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذه دبر كل صلاة 5/ 562 ح 3567 النسائي: بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهن ويقولهن" كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من الجبن 8/ 224 - 225.

ص: 173

أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (1) ويصح أن يُرَادَ بها ما تقدم في فتنة المحيا.

وأما عذاب القبر فقد تقدم الكلام فيه واختصاص هذه المذكورات بالاستعاذة منها إذ غالب الهلاك للإنسان بسببها، نعوذ باللَّه من ذلك.

248 -

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا انصرف من صلاته، استغفر الله ثلاثًا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". رواه مسلم (2).

قوله: "انصرف من صلاته" أي سَلَّمَ منها، وفي الاستغفار بعد الصلاة إشارة إلى ما يحصل للعبد فيها من الوسوسة والخواطر، وأنه لا يفي بالحق الواجب عليه فيشرع له الاستغفار عن التقصير، وأن الإنسان لما يقض ما أمره.

249 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ سَبَّح اللَّه دُبُر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد اللَّه ثلاثًا وثلاثين، وكَبَّر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسعٌ وتسعون، وقال تمام المائة: لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه ولو كانت مثل زَبَدِ البحر". رواه مسلم (3).

(1) الآية 15 من سورة التغابن.

(2)

مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته 1/ 414 ح 135 - 591. أبو داود بمعناه: الصلاة، باب التسبيح بالحصى 2/ 176 ح 1513، الترمذي: الصلاة، باب ما يقول إذا سلم من الصلاة 2/ 97 ح 300. النسائي، السهو، باب الاستغفار بعد التسليم 3/ 58. ابن ماجه، إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقال بعد التسليم 1/ 300 ح 928. أحمد 5/ 275.

(3)

مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته 1/ 418 ح 146 - 597، أحمد 2/ 373. مالك، القرآن، باب ما جاء في ذكر اللَّه تعالى 147 ح 22، =

ص: 174

وفي رواية لمسلم أخرى أن التكبير أربع وثلاثون (1).

وهي زيادة من ثقة فينبغي الجمع بين الروايات لينال الفضل.

250 -

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أوصيك يا مُعاذ: لا تدعنّ دُبر كلِّ صلاة أن تقول: اللهم أعنّي على ذكْرِكَ وشُكرِكَ وحُسنَ عِبَادَتِكَ".

رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند قوي (2).

قوله: "لا تدعن" نهي من ودع كوضع بمعنى ترك، وقد هجر استعمال ماضيه استغناء عنه بترك (3)، وقد استعمل في الشعر، وقرئ قوله تعالى شاذا:(ما وَدَعَك)(4) وهي قراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو نهي إرشاد، ويحتمل أن يكون للتحريم خصوطًا في حقه، وسؤاله لهذه الثلاث الخصال لشرفها، واستلزامها لجميع الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة ولا يكمل

= أبو عوانة، باب الترغيب في التسبيح والتحميد 2/ 447، البيهقي: الصلاة، باب الترغيب في مكث المصلي في مصلاه لإطالة ذكر اللَّه تعالى في نفسه 2/ 187.

(1)

رواية مسلم من حديث كعب بن عجرة وليس كما قال الصنعاني من حديث أبي هريرة فليس في مسلم التكبير أربع وثلاثون من حديث أبي هريرة بل من حديث كعب، مسلم 1/ 418 ح 596 - 144.

(2)

أحمد 5/ 245. أبو داود، الصلاة، باب في الاسنغفار 2/ 180 ح 1522. النسائي (نحوه) السهو نوع آخر من الدعاء 3/ 45 ابن حبان، الأذكار، باب الدعاء بعد الصلاة 583 ح 2345 (الموارد)، الحاكم، الصلاة 1/ 273. قلت: ورجال هذا السند ثقات.

(3)

قال المبرد: لا يكادون يقولون: وَدعَ ولا وَذَرَ لضعف الواو، وإذا قدمت، واستغنوا عنها بترك. تفسير القرطبي 20/ 94.

(4)

الآية 3 من سورة الضحى.

ص: 175

فعل ذلك إلا بإعانة اللَّه وتيسيره العبد للخير، كما أردف العبادة بالاستعانة في فاتحة الكتاب الكريم.

251 -

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي دُبرَ كل صَلاة مَكْتوبَةٍ لَمْ يَمْنَعَهُ مِن دخول الجَنَّةِ إلا الموتُ". رواه النسائي، وصححه ابن حبان.

وزاد فيه الطبراني: و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1).

هو أبو أمامة أياس بن ثعلبة الحارثي الأنصاري من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج، وقيل: اسمه ثعلبة، وقيل: سهل، وقيل: عبد اللَّه.

قال ابن عبد البر (2): و (أ) لا يصح فيه غير إياس بن ثعلبة ولم يسمه البخاري، ولا سماه مسلم في "كتاب الكنى"(3) لم يشهد بدرًا لأنه أقام يمرِّض أمه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه ابنه عبد اللَّه ومحمود بن لَبِيد، وعبد اللَّه بن كعب بن مالك (4).

الحديث قد ورد نحوه من حديث علي رضي الله عنه بزيادة: "ومن قرأها حين يأخذ مضجعه أمنه اللَّه على داره ودار جاره وأهل دويرات حوله". رواه البيهقي في "شعب الإيمان" وقال: إسناده ضعيف (5).

(أ) الواو ساقطة من هـ.

_________

(1)

النسائي، في عمل اليوم والليلة 182 - 183 ح 100، ولفظه:"إلا أن يموت" الطبراني 8/ 134 ح 7532.

(2)

الاستيعاب 11/ 129.

(3)

الكنى 1/ 103 قال: أبو أمامة الأنصاري الحارثي له صحبة.

(4)

الاستيعاب 11/ 128، الإصابة 11/ 18.

(5)

شعب الإيمان 1/ 361.

ص: 176

وقوله: "لم يمنعه من دخول الجنة إِلا الموت": هو على تقدير مضاف محذوف، والمعنى: عدم الموت حذف لانسياق المعنى إليه واختصت آية الكرسي بالفضيلة لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة هي أصول الأسماء والصفات، وقل هو اللَّه أحد متمحضة لذكر صفات الرب تبارك وتعالى.

252 -

وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري (1).

هذا الحديث أصل عظيم في بيان ما أجمل في الأمر بالصلاة في القرآن وفي السنة، وفيه دلالة على وجوب التأسي بفعله في الصلاة، فما حافظ عليه والأفعال والأذكار فالظاهر وجوب التأسي به، إلا لمخصص يخرجه، والكاف في قوله "كما" للتشبيه، و"ما" يحتمل أن تكون موصولة صفة الصلاة (أ) المقدرة، والمعنى: صلوا كالصلاة التي رأيتموني أصليها ولما كان مستند معرفة كيفية صلاته هي الرؤية صرح بها لكونها من الأفعال المرئية، ويحتمل أن تكون مصدرية داخلة على أصلي وبوسيط الرؤية، للدلالة على أن الطريق إلى معرفة الكيفية هي الرؤية، واللَّه أعلم.

(أ) في هـ وجـ: للصلاة.

_________

(1)

البخاري من حديث طويل، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة 2/ 111 ح 631. الدارقطني، باب في ذكر الأمر بالأذان والإقامة وأحقهما 1/ 272 - 273، البيهقي، الصلاة: باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك حتى يأتي بالصلاة على الترتيب 2/ 345، شرح السنة 2/ 296.

ص: 177

253 -

وعن عِمْرَان بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "صلِّ قَائِمًا، فإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلى جَنْبٍ وإِلَّا فأومِئ".

الحديث أخرجه البخاري والنسائي، وزاد:"فإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلقٍ لا يكلف اللَّه نفسًا إِلا وُسْعَهَا"(1)، واستدركه الحاكم فوهم، ولم يخرج البخاري قوله:"وإلا فأومِ"، ولكنه ترجم الباب بقوله:"باب صلاة القاعد بالإيماء"(2).

قال ابن رُشَيْد (3): مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن من صلى على جنب فقد احتاج إلى الإيماء، وليس ذلك بلازم، وقد روي الإيماء من حديث علي رضي الله عنه وأخرجه الدارقطني بلفظ: "فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع

(1) البخاري (وأوله: "كانت بي بواسير"): تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب 2/ 587 ح 1117، النسائي، كتاب قيام الليل، فضل صلاة القاعد على صلاة النائم 3/ 183، أبو داود، باب في صلاة القاعد 1/ 585 ح 952، الترمذي، الصلاة، باب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم 2/ 208 ح 372، ابن ماجه، إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة المريض 1/ 386 ح 1273، أحمد 4/ 426. قلت: وفي نسخة البلوغ الخطية "فإن لم تستطع فعلى جنب" أخرجه البخاري فقط وليس فيها "فأوم" ولم أقف على زيادة النسائي في الكبرى ولا الصغرى وإنما ذكر ذلك ابن حجر في التلخيص. بلوغ المرام ل 22، النسائي الصغرى 3/ 183، الكبرى 2/ 707 تحقيق الكليب، التلخيص 1/ 225، تحفة الأشراف 8/ 185، وقال الصنعاني: إن قوله: "فأوم" لم نجده في نسخ البلوغ منسوبًا 1/ 391، قلت: أخذه الشارح من التلخيص.

(2)

البخاري 2/ 586.

(3)

الفتح 2/ 586 والحديث الذي أورده للترجمة حديث عمران قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال:"من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد" قال أبو عبد اللَّه: نائما عندي مضطجًا.

ص: 178

يصلي قاعدًا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيًا، رجليه مما يلي القبلة (1)، وفي إسناده ضعيف ومتروك [والضعيف هو (أ) حسين بن زيد بن علي (2)، قال ابن عدي (3): وجدت في حديثه بعض النكرة، وأرجو أنه لا بأس به، قيل: وهو مجمع على إمامته عند العترة، والمتروك هو الحسن بن الحسين العرني](4)(ب).

وقال المصنف رحمه الله (5) - إنه لم يقع في الحديث ذكْر للإيمَاء وإنما أورده الرافعي (6) ولكنه ورد في حديث جابر: "إن استطعت وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك". أخرجه البزار (7) والبيهقي في "المعرفة"، وقال البزار: وقد سئل عنه أبو حاتم فقال: الصواب عن جابر موقوفًا، ورفعه خطأ (8)، وقد روي أيضًا من حديث ابن عمر (9) وابن

(أ) في جـ: وهو الضعيف.

(ب) بهامش الأصل.

_________

(1)

الدارقطني 2/ 42 - 43.

(2)

حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ، وضعفه ابن المديني، قال أبو حاتم: يعرف وينكر الميزان 1/ 535، التقريب 73.

(3)

الكامل 2/ 762.

(4)

الحسن بن الحسين العرني الكوفي، قال أبو حاتم: لم يكن بصدوق عندهم، وقال ابن عدي لا يشبه حديثه حديث الثقات. الميزان 1/ 483، المجروحين 1/ 238.

(5)

1/ 226.

(6)

فتح العزيز 3/ 290.

(7)

كشف الأستار 1/ 274 - 275 ح 568، ومجمع الزوائد، وعزاه إلى البزار وأبي يعلى وقال: رجال البزار رجال الصحيح، المجمع 2/ 148 وسيأتي في الحديث القادم.

(8)

علل ابن أبي حاتم 1/ 113.

(9)

مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني في الكبير وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه حفص بن سليمان المنقري وهو متروك واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه وتضعيفه، والصحيح أنه ضعفه. مجمع 2/ 148. وفي التقريب: ثقة 77.

ص: 179

عباس (1)، وفي إسنادهما ضعف.

والحديث يدل على أنه لا يصلي قاعدا إلا لعذر (2)، وهو عدم الاستطاعة، ويلحق به ما إذا خشي ضررا، ولقوله:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3)، وكذا قوله:"فإن لم تستطع فعلى جنب"[وقوله في حديث الطبراني: "فإن نالته مشقة فجالسا، فإن نالته مشقة فنائمًا"، أي مضطجعًا](أ)، وفي هذا حجة على من قال: إن العاجز عن القعود في الصلاة تسقط عنه، وقد حكاه الغزالي عن أبي حنيفة (4)، وهو لا يوجد في كتب الحنفية وعذر عمران بن حصين هو كما صرح به في البخاري أنه كان مبسورا (5) -بالباء الموحدة (ب) - في رواية وهو من به ورم في باطن المقعدة، وفي رواية بالنون وهو من به قرحة فاسدة، وأما التألم فلا يبيح ذلك عند الجمهور (6) خلافًا للمنصور باللَّه وقواه الإمام المهدي لدين اللَّه،

(أ) بهامش الأصل.

(ب) زاد في جـ: و.

_________

(1)

مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" وقال: لم يروه عن ابن جريج إلا حلس بن محمد الضبعي، ولم أجد من ترجمه، ولقية رجاله ثقات 2/ 149.

(2)

حكى النووي في المجموع الإجماع على فرضية القيام ولا نصح الصلاة من القادر عليه إلا به 3/ 218، ويجوز فعل النافلة قاعدا مع القدرة على القيام بالإجماع 3/ 221.

(3)

الآية 78 من سورة الحج.

(4)

الوسيط 2/ 605 وقال الرافعي في "فتح العزيز": روي المصنف في "الوسيط" أن أبا حنيفة -رحمة اللَّه عليه- قال: إذا عجز عن القعود سقطت الصلاة، لكن هذا النقل لا يكاد يُلقي في كتبهم ولا في كتب أصحابنا، إنما الثابت عن أبي حنيفة إسقاط الصلاة إذا عجز عن الإيماء بالرأس 3/ 295. وانظر رأي الحنفية: حاشية رد المختار 2/ 95 - 99، شرح فتح القدير 1/ 375 - 377.

(5)

البخاري 2/ 587 ح 1117 وبلفظ (النون) عند أبي داود 1/ 585 ح 952.

(6)

المجموع 4/ 182.

ص: 180

والتقييد بعدم الاستطاعة، وقوله:"وإِن نالته مشقة" يرد عليه، وعند الشافعية (1) المعتبر في عدم الاستطاعة وجود المشقة الشديدة، أو خوف زيادة المرض أو الهلاك، قالوا: ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة، وخوف الغَرَق لو صلى قائما، وفيمن يخاف على نفسه من عَدو لو صلى قائمًا فيه وجهان عندهم الأصح عذر (2)[واختار إمام الحرَمين (3) في ضبط العَجْز عن القيام أن تلحقه مشقة به تذهب خشوعه](أ).

وقوله: "فإِن لم يستطع فقاعدًا: لم يُبَيِّنْ في الحديث هيئة القعود [الذي هو بدل عن فرض القيام](ب)، فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي (4)، وهو مقتضى كلام الشافعي والبويطي، وذهب الهادي والمؤيد (5) والقاسم إلى أنه يتربع واضعا ليديه على ركبتيه، ومثله عن أبي حنيفة (6)، وعنه كقول الشافعي، وذهب زيد بن علي والناصر والمنصور إلى أنه مِثْل قعود التشهد، قيل: والخلاف إنما هو في الأفضل (7).

قَال المصنف -رحمه اللَّه تعالى- في "فتح الباري"(8): وقد اختلف في الأفضل، فعن الأئمة الثلاثة، يصلي متربعًا، وقيل: يجلس مفترشًا،

(أ) بهامش الأصل.

(ب) بهامش الأصل.

_________

(1)

الفتح 2/ 588، المجموع 4/ 182.

(2)

قال النووي: والمذهب الإعادة لندوره. المجموع 4/ 182.

(3)

المجموع 4/ 182.

(4)

الفتح 2/ 586، الوسيط 3/ 602 - 604. ولكن يكره الإقعاء.

(5)

البحر 1/ 175.

(6)

شرح فتح القدير 2/ 3 وما بعدها.

(7)

المجموع 4/ 182 - 183.

(8)

فتح الباري 2/ 586.

ص: 181

وهو موافق لقول الشافعي في "مختصر المزني"، وصححه الرافعي (1)، ومنْ تَبِعَهُ، وقيل: متوركا، وفي كلٍّ منها أحاديث.

وقَوله: "فَعَلَى جِنْبٍ": الكلام في الاستطاعة هنا كما مر خَلافًا لإمام الحرمين، والجنب وَردَ في هذه الرواية مطلقًا، وفي حديث علي رضي الله عنه عند الدارقطني (2) على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه وهو حجة للجمهور (أ) أنه يكون على هذه الصفة كتوجيه (ب) الميت في القبر المتفق عليه وذهب الهادي وبعض الشافعية، ورواية عن الحنفية (3) أنه يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة، وحجتهم على ذلك ما روي في إحدي روايات حديث (جـ) الأنصاري (4) الذي شبكته الريح حيث قال فيها:"إن استطعتم أنْ تُجلسوه فأجلسوه (د) وإلا فوجهوه إلى القبلة". قالوا: ولا توجيه كامل إلا إذا كان ذلك.

ووقع الخلاف أيضًا في توجيه المحتضر، وقد تقدم في رواية حديث علي أن هذا بعد تعذر الكون على الجنب.

ويؤخذ من الحديث أنه لا يجب شيء بعد تعذر الإيماء على الجنب. وعن الشافعي والمؤيد باللَّه: يجب الإيماء بالعينين والحاجبين (5)، وعن

(أ) زاد في جـ: و.

(ب) في جـ: كتوجه.

(جـ) ساقطة من جـ.

(د) في جـ: تجلسوا فاجلسوا.

_________

(1)

فتح العزيز 3/ 285 - 287.

(2)

الدارقطني 2/ 43.

(3)

المجموع 4/ 186، الهداية 1/ 77.

(4)

عزاه ابن بهران إلى أصول الأحكام عن علي رضي الله عنه 1/ 171.

(5)

المجموع 4/ 186 - 187، البحر 1/ 177.

ص: 182

زُفَر (1): الإيماء بالقلب، وقيل: يجب إمرار القرآن والذِّكْر على اللسان ثم على القلب، لكن جميع ذلك لم يذكر في الحديث، وكذا قوله تعالى:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} (2) ولكن عدم الذكر لا ينفي الوجوب بدليل آخر، وقد ثبت وجوب الصلاة على الإطلاق. قال صلى الله عليه وسلم "إذا أُمِرْتُمْ بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطعتم"(3)، فإن استطاع شيئًا مما يفعل في الصلاة فهو واجب عليه إذ هو مستطاعه من الصلاة.

254 -

وعن جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمريض صَلَّى على وِسَادَةٍ فرمى بها، وقال: صَلِّ على الأرض إِن استطعت، وإِلا فأومئ إِيماء واجعل سُجُودَكَ أخفضَ من رُكوعِكَ".

رواه البيهقي بسندٍ قوي، ولكن صح أبو حاتم وقفه (4).

الحديث أخرجه البيهقي في "المعرفة" من طريق سفيان الثوري، وفي الحديث بعد "فرمى بها": "فأخذ عودًا ليصلي عليه، فأخذه فرمي به، وقال

" إلخ.

وقال البزار (5): لا نعرفُ أحدا رواه عن الثوري غير أبي بكر الحنفي،

(1) الهداية وشرحها فتح القدير 2/ 5.

(2)

الآية 191 من سورة آل عمران.

(3)

البخاري: "إذا أمرتكم بشيء" 13/ 251 ح 7288، مسلم 2/ 975 ح 412 - 1337.

(4)

سنن البيهقي: الصلاة، باب الإيماء بالركوع والسجود إذا عجز عنهما 2/ 306 كشف الأستار، باب صلاة المريض 1/ 274 - 275 ح 568، المقصد العلي 358 ح 348.

(5)

قال البزار: لا نعلم أحدًا رواه عن الثوري إلا الحنفي. قلت: لكن تابعه عبد الوهاب عن عطاء عن الثوري. البيهقي 2/ 306.

ص: 183

وقد سُئل عنه أبو حاتم (1) فقال: الصواب عن جابر موقوفًا، ورفعه خطأ، قيل له: فإن أبا أسامة قد روى عن الثوري هذا الحديث مرفوعًا، فقال (أ): ليس بشيء، ولكنه قد روى الطبراني من حديث طارق بن شهاب عن ابن عمر قال: "عاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مريضا

" (2)، فذكره وفي إسناده ضعف.

والحديث يدل على أنه لا يصح منه أن يتخذ له ما يسجد عليه حيث لم يمكنه الوصول إلى الأرض.

وفي قوله: "واجعل سجودَك أخفض من ركوعك" ليتم الفصل فيما بينهما وذلك حيث استطاع ذلك، ولم يذكر في الحديث كَوْن الإيماء لهما منْ قعُود أو من قيام ولا بد من تفصيل في ذلك، وهو أنه إِنْ تعذر عليه القيام مع تعذر السجود أومأ للركوع والسجود من قعود، وزاد في خفض السجود، وإن أمكنه القيام والقعود، وتعذر عليه الركوع والسجود أو الركوع فقط فإنه يجب عليه أن يومئ للركوع من قيام ويسجد أو يومئ للسجود من قعود، وعند المؤيد باللَّه (3) أن يومئ لهما جميعا من قيام، ويقعد للتشهد، وعند أبي يوسف (4) ومحمد يومئ لهما كليهما من قعود ويقوم للقراءة وعند أبي حنيفة أنه يسقط عنه القيام ويصلي قاعدًا، فإن صلى قائمًا جاز، وإن تعذر عليه القعود أومأ لهما (ب) من قيام، وزاد في

(أ) في جـ: قال.

(ب) في جـ: بهما.

_________

(1)

علل ابن أبي حاتم 1/ 113 ح 307.

(2)

مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني وقال الهيثمي: فيه حفص بن سلمان المنقري اختلف قول أحمد فيه والصحيح أنه ضعفه 2/ 148.

(3)

البحر 1/ 177.

(4)

الهداية وشرحها فتح القدير 2/ 86.

ص: 184

خفض السجود، ويدل على هذه الأطراف قوله:"فأتوا منه ما استطعتم"، واللَّه أعلم.

[أحاديث الباب خمسة وأربعون حديثًا](أ).

(أ) بهامش الأصل.

ص: 185