الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجماعة والإمامة
301 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". متفق عليه (1).
ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: "بخمسة وعشرين جزءًا"(2).
وكذا للبخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه وقال: "درجة"(3).
قوله: "صلاة الفذ": هو بالفاء والذال المعجمة الفرد: يقال: فذ الرجل من أصحابه إذا بقي وحده (4).
وقوله: "سبع (أ) وعشرين درجة": إلخ، قال الترمذي (5): عامة مَنْ رواه قالوا: "خمسًا وعشرين" إلا ابن عمر فإنه قال: "سبعًا وعشرين"، وعنه
(أ) في جـ: بسبع.
_________
(1)
البخاري بلفظ (تفضل صلاة)، الأذان، باب فضل صلاة الجماعة 2/ 131 ح 645، مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها 1/ 450 ح 249 - 650، الترمذي، الصلاة، باب ما جاء في فضل الجماعة 1/ 425 ح 215، النسائي، كتاب الإمامة فضل الجماعة 2/ 80، أحمد 2/ 102، البيهقي، الصلاة، باب ما جاء في فضل صلاة الجماعة 3/ 59.
(2)
البخاري بمعناه 2/ 131 ح 2647، أحمد 2/ 486، مسلم بلفظ (صلاة أحدكم وحده) 1/ 449 ح 245 - 649، الترمذي 1/ 421 ح 216، أبو داود 1/ 378 ح 559، النسائي 2/ 80، البيهقي 3/ 59.
(3)
البخاري 2/ 131 ح 646، البيهقي 3/ 60، أبو داود 1/ 379 ح 560.
(4)
القاموس 1/ 370، النهاية 3/ 422.
(5)
السنن 1/ 420.
رواية كالباقين (1)، وهم: أبو سعيد وأبو هريرة وابن مسعود وأنس وعائشة وصهيب ومعاذ وعبد اللَّه بن زيد وزيد بن ثابت ولأُبي بن كعب: أربع أو خمس على الشك (2)، ولمسلم عن ابن عمر (3):"بضع وعشرين" فقيل الخمس أرجح لكثرة رواتها، وقيل: السبع لأنها زيادة من عدل حافظ، وقيل: يجمع بأنه (أ) أعلم أولًا بالخمس، ثم أخبر بزيادة الفضل، وتُعقِّب بأنه يحتاج إلى التاريخ وبأن دخول النَّسْخ في الفضائل مختلف فيه، وقد يقال: إن مفهوم العدد في قوله: "خمس" غير معمول به لظهور التصريح بالزيادة، فالخمس لا ينافي السبع لدخولها تحت مفهومها، وقيل: تحمل السبع على المصلي في المسجد والخمس على غيره، وقيل السبع على بعيد المسجد والخمس على قريبه، وقيل: السبع على الجهرية والخمس على السرية.
(أ) زاد في جـ: يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
_________
(1)
رواية الخمس عند عبد الرزاق 1/ 524 ح 2005، وهي من رواية عبيد اللَّه العمري مصغرًا وهو ثقة، وقال ابن حجر في "الفتح": إن العمري ضعيف وأراد المكبر؛ لأنه قال: عبد اللَّه العمري -مكبرًا- وعزاه إلى عبد الرزاق فلعل ذلك باختلاف النسخ فالتفريق بين العمرين واضح فإنه قال وأخرجها أبو عوانة في مستخرجه من رواية عبيد الله المصغر ثم قال وهي ثاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد اللَّه وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة قلت: وكذلك هذه الرواية التي في المصنف فإن كانت من رواية الثقة وهو العمري مصغرًا فهي شاذة مخالفة لرواية الثقات وإن كانت من رواية الكبير كما هو في نسخة الحافظ التي ساقها في "الفتح" فهي ضعيفة ولا تقوم بها حجة واللَّه أعلم. الفتح 2/ 132.
(2)
سعيد وأبو هريرة عند البخاري 1/ 131 ح 646 - 747، وابن مسعود عند أحمد 1/ 437، وابن خزيمة 2/ 363 ح 1470، وأنس وعائشة عند السراج. الفتح 2/ 132، وصهيب في الطبراني الكبير 8/ 41 ح 7305، ومعاذ عند الطبراني 2/ 139 ح 2830، عبد اللَّه بن زيد في الطبراني الكبير والأوسط وزيد بن ثابت عنها. الطبراني الكبير 5/ 177 ح 9436.
(3)
مسلم 1/ 450 ح 650 م.
قال المصنف (1) رحمه الله: وهذا أوجهها.
ثم الحكمة في هذا العدد الخاص لا تدرك حقيقتها، بل هي من علوم النبوة التي تقصر علوم الأولياء عن الوصول إليها وقد خاض الأئمة في إبداء مناسبات لذلك، ومن لطيفها قول البلقيني: لما كان أقل الجماعة غالبًا ثلاثة (أحتى تتحقق صلاة كل واحد في جماعة، وكل منهم أتي بحسنة والحسنة بعشرة، يحصل أ) من جميع ما أتوا به ثلاثون فاقتصر في الحديث على الفضل الزائد وهو سبعة وعشرون دون الثلاثة التي هي أصل ذلك.
وقال ابن الجوزي: خاض قومٌ في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة.
قال الحافظ المصنف رحمه الله: وقد نقحتها (ب)(2) وهذبتها، فأولها: إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، و (جـ التبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة (د)، ودخول المسجد داعيًا جـ)، وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنيّة الصلاة في الجماعة، وانتظار الجماعة، وصلاة الملائكة عليه، وشهادتهم له، وإجابة الإقامة، والسلامة من
(أ- أ) ما بين القوسين بهامش هـ.
(ب) في هـ: نفتحها.
(جـ- جـ) في هامش هـ
(د) زاد في هـ: والوقار.
_________
(1)
الفتح 3/ 133.
(2)
قال ابن حجر: وقد فصلها ابن بطال وتبعه جماعة من الشارحين وتعقب الزين ابن المنيّر بعض ما ذكره واختار تفصيلًا آخر أورده وقد نقحت ما وقفت عليه من ذلك وحذفت ما لا يختص بصلاة الجماعة. الفتح 2/ 133.
الشيطان حين يفر عند الإقامة، والوقوف منتظرًا إحرام الإمام، وإدراك تكبيرة الإحرام معه، وتسوية الصفوف، وسد فرجها، وجواب الإمام عند قوله:"سمع اللَّه لمن حمده"، والأمن من السهو غالبًا، وتنبيه الإمام إذا سها، وحصول الخشوع والسلامة مما يلهي غالبًا وتحسين الهيئة غالبًا، واحتفاف الملائكة به، والتدرب على تجويد القراءة، وتعلم الأركان والأبعاض، وإظهار شِعَار الإسلام، وإرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة، والتعاون على الطاعة، ونشاط المتكاسل، والسلامة من صفة النفاق، ومن إساءة الظن به أنه ترك الصلاة، ونية رد السلام على الإمام، والانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر، وعود بركة الكامل على الناقص، وقيام نظام الألفة بين الجيران، وحصول تعاهدهم في أوقات الصلاة، فهذه خمس (أ) وعشرون خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب، وبقي أمران يختصان (ب) بالجهرية وهما: الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها، والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة، وبهذا يترجح (جـ) أن رواية السبع تختص بالجهرية (1).
وقوله "درجة"، وفي رواية:"جزء"(2)، وقد ورد في رواية:"ضِعْفًا"(3)،
(أ) في جـ: خمسة.
(ب) في جـ: أثران مختصان.
(جـ) في جـ: يرجح.
_________
(1)
علق سماحة شيخنا أبو عبد اللَّه في الفتح على هذا بقوله: (في هذا الترجيح نظر، والأظهر عموم الحديث لجميع الصلوات الخمس، وذلك من زيادة فضل اللَّه سبحانه لمن يحضر الصلاة في الجماعة). الفتح 2/ 134.
(2)
جزء عند مسلم من حديث أبي هريرة 1/ 449 ح 245 - 649.
(3)
وضعفًا عند البخاري من حديث أبي هريرة 2/ 131 ح 647.
وفي رواية: "خمسًا وعشرين من صلاة الفذ"، وفي رواية:"أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده"، المراد من ذلك أنه يحصل له بالصلاة في جماعة مثل ثواب ما لو صلى تلك الصلاة بعينها منفرد، سبعًا وعشرين مرة، ويؤيد هذا أن في رواية أحمد:"أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده كلها مثل صلاته"(1)، وزاد أبو داود وابن حبان:"فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة"(2).
قال المصنف رحمه الله وكأن السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، واستشكل بأنه يلزم عليه زيادة ثواب المندوب على الواجب، ويجاب بأن الثواب مرتب على الفرض وصفته من (أ) صلاة الجماعة فلا يلزم من ذلك ما ذكر.
وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس (3) قال: "فضل صلاة (ب) الجماعة على صلاة المنفرد خمس وعشرون (جـ) درجة فإن كانوا أكثر فعلى عددهم في المسجد، فقال رجل: وإن كانوا عشرة آلاف، قال: نعم"، وهذا موقوف له حكم الرفع (د).
(أ) في جـ: في.
(ب) ساقطة في جـ.
(جـ) في هـ: بخمس وعشرين.
(د) في هامش جـ، هـ: وقد نظم بعضهم السبع والعشرين حيث قال: =
_________
(1)
أحمد 2/ 102 - 486.
(2)
أبو داود 1/ 379 ح 560، ابن حبان (موارد) 121 ح 431.
(3)
ابن أبي شيبة 2/ 481.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قد نقح القول في أسباب ما فضلت
…
به الجماعة بالتنصيص في السنن
منها إجابة تأذين بنيتها
…
ثم البكور إليها أول الزمن (أ)
ثم السكينة في مشي لمسجدها
…
ثم الدخول بدعوات على وهن
ثم التحية للناوي الدخول لها
…
والانتظار لها وقتًا من الزمن
وبعد ذاك صلاة من ملائكة
…
معًا شهادتهم للفعل ذا الحسن
ثم الإجابة للداعي المقيم لها
…
مع سلامة شيطان يفر عني (1)
ثم الوقوف لإحرام الإمام وإد
…
راكٍ لتكبيرة (ب) في صفة الحسن
كذا (جـ) مساواة صف لا ائتلام به
…
وحامدًا عند تسميع لذي المنن
ثم الأمان لسهو غالبًا معها
…
تنبيه من أمَّه للسهو من محن
وسالمًا غالبًا من لهوه معها
…
ثم الخشوع بها (د) كالواله الحزن
ثم الجماعة تقضي حسن هيئة
…
في غالب الحال لا تخلو عن الحسن
ثم الملائك إذ حفت بصاحبها
…
ثم التدرب للتجويد والسنن
بها التعلم للأركان جامعة
…
بها ظهور شعار الدين في علن
قد أرغم الرجس حين الاجتماع لها
…
تعاونًا في عبادات على قرن
ثم النشاط لكسلان سلامته
…
من وصفه بنفاق خاسر يهن
ومن إساءة ظن أن (هـ) يظن به
…
ترك الصلاة وما في ذاك من محن
ونية منه للرد السلام على
…
إمامه بعد تسليم على سنن
والانتفاع بجمع للدعاء معًا
…
والذكر في حالة ناهيك من حسن
وعود كاملهم في جبر ناقصهم
…
تبركا خيره قد فاض في الدمن
نظام ألفة جيران يقوم بها
…
معًا (و) تعاهدهم في وقتها الحسن (ز)
وزيد في الجهر إنصات لمستمع
…
والاستماع كما قد جاء في السنن
كذاك تأمين مؤتم موافقة
…
إمامه ولأملاك من المنن
عشرون من بعدها سبعة مفصلة
…
فالحمد لله منجينا من الحزن
_________
(أ) في هامش هـ: أي أول وقت الصلاة.
(ب) في جـ: لتكبير.
(جـ): مساويًا لا ارتصاف لا نثلام به.
(د) في هـ: لها.
(هـ) في هـ: إذ.
(و) في جـ: مع.
(ز) في هـ: يكن.
_________
(1)
البيت غير مستقيم الوزن ولعله يستقيم لو قلنا: بها سلامة شيطان يفرعني
وعنى بتخفيف النون بحذف نون الوقاية ليستقيم الوزن.
302 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لقد هَمَمْت أن آمرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطب، ثم آمرَ بالصلاة فَيُؤذَّن لها، ثم آمر رجلًا فيؤم النَّاس، ثم أخالف إِلى رجالٍ لا يشهدون الصلاة: فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدُهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا، أوْ مرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَين لَشَهِدَ العِشَاء". متفق عليه، واللفظ للبخاري (1).
[قوله "آمرَ": بالمد، أصله أأمر بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة فخففت الهمزة بقلبها ألفًا من جنس حركة ما قبلها](أ).
قوله: "أخالف": في الصحاح خالف إلى فلان أي أتاه إذا غاب عنه.
وقوله: "فأحرّق": هو بالتشديد للراء منصوب، هذه الرواية المشهورة، قال البرماوي: ويروى بالتخفيف وقال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي": التشديد هو الأكثر في الرواية؛ لأنه يدل على التكثير والمبالغة في الفعل، وزيادة:"عليهم" تدل على أن التحريق يكون لأبدانهم (2)، ولو كان المراد تحريق البيوت فقط لحذفها.
(أ) بهامش الأصل، وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.
_________
(1)
البخاري بدون "لا يشهدون الجماعة". الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة 2/ 125 ح 644 وتوجد في رواية أخرى عند البخاري بلفظ "قوم لا يشهدون الصلاة" 5/ 74 ح 2420، مسلم بمعناه، المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها 1/ 451 ح 251 - 651، أبو داود بمعناه، الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة 1/ 371 ح 548، الترمذي بمعناه ولم يذكر من قوله "والذي نفسي" الثانية، الصلاة، باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يُجِب 1/ 422 ح 217، النسائي بمعناه كتاب الجماعة، باب التشديد في التخلف عن الجماعة 2/ 83، ابن ماجه ح 791.
(2)
ويدل عليه رواية مسلم: "ثم تحرق بيوت على من فيها" 1/ 452 ح 253 - 651 م.
وقوله: "عرقا": بفتح (1) المهملة وسكون الراء ثم القاف، هو العظم إذا كان عليه لحم فإن لم يكن عليه لحم فعراق. قاله الخليل، وقال الأصمعي: العرق قطعة لحم، وقال الأزهري: هو واحد العُراق بالضم، وهي العظام الذي يؤخذ منها (أ) هبر اللحم، ويبقى عليها لحم رقيق فيكسر ويطبخ.
وقوله: "مرْماتيْن": تثنية مرْماة بكسر الميم بوزن منساة، وفتحها لغة، ما بين ضلعي الشاة من اللحم (2)، [وإنما وصف العرق بالسمن والمرماتين بالحُسْن ليكون ثَمَّ باعثٌ نفساني على تحصيلهما](ب)(جـ، وقيل: سهم يرمى (د به الرجل فيجوز سبقه، وهو بعيد هنا جـ)(3).
واعلم أنه قد قيل: إن هذه الصلاة المذكورة د) في الحديث هي صلاة الجمعة ونصر هذا الوجه الذهبيُّ (4)، ولكن في آخر هذا الحديث ما يدل على أنه العشاء، وفي رواية مسلم:"يعني العشاء"، وفي رواية لهما (5) ما يومئ إلى أنها العشاء والفجر، وقد ورد في رواية في صدر الحديث (6): أنه أخَّرَ العشاء ليلة فخرج فوجد الناس قليلًا فغضب"، فذكر الحديث، وفي
(أ) في جـ: فيها.
(ب) في هامش الأصل.
(جـ - جـ) تقدمت في جـ على قوله: "وإنما وصف العرق .. ".
(د- د) في هامش هـ.
_________
(1)
القاموس 3/ 271، الصحاح 4/ 1522.
(2)
و (3) النهاية 2/ 269 - 270.
(4)
في الفتح أن الذي نصره القرطبي 1/ 127، وانظر: الفهم ل 188 أ.
(5)
البخاري 1/ 141 ح 657، مسلم 1/ 451 ح 252 - 651، من رواية أبي صالح.
(6)
في الفتح عزاها إلى السراج 2/ 128.
رواية لابن حبان (1): "يعني الصلاتين العشاء والغداة"، وفي رواية عند أحمد (2) التصريح بتعيين العشاء، وهذا في رواية أبي هريرة، وفي سائر الروايات عن أبي هريرة (3) الإبهام إلا في رواية شاذة من طريق مَعْمَر عن جعفر بن برقان (أ) فقال:"الجمعة". أخرجه عبد الرزاق عنه والبيهقي (4) من طريقه وأشار إلى ضعفها وشذوذها فإن سائر الرواة عن جعفر بالإبهام، وإلا أنه قد روى مسلم (5) حديث ابن مسعود، وفيه الجزم بالجمعة، إلا أن مخرجه مغاير لحديث أبي هريرة، فيحمل على أنه في واقعة أخرى فلا تنافي بينهما، وقد أشار إلى هذا (ب) النووي (6) والمحب الطبري، وقد أخرج ابن خزيمة والحاكم وأحمد (7) عن ابن أم مكتوم:"أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال: لقد همَمْت أن آتي (جـ) هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم"، فقام ابن أم مكتوم فقال: يا رسول اللَّه قد علمت ما بي، وليس لي قائد، زاد أحمد: "إن بيني وبين
(أ) في النسخ: ثوبان، وفي البيهقي ومسلم: برقان.
(ب) في هـ: هذه.
(جـ) في جـ: أتاني.
_________
(1)
ابن حبان (الإحسان) 3/ 266.
(2)
أحمد 2/ 292 من رواية عجلان والمقبري.
(3)
سائر الروايات الإبهام إلا ما ذكره الشارح عن أبي صالح والمقبري وعجلان.
(4)
البيهقي 3/ 56 وقال: والذي يدل عليه سائر الروايات أنه عبر بالجمعة عن الجماعة وفي مصنف عبد الرزاق من حديث ابن مسعود 3/ 166 ح 5170.
(5)
مسلم 1/ 452 ح 254 - 652، أحمد 1/ 402.
(6)
شرح مسلم 2/ 297، الفتح 2/ 128.
(7)
أبو داود 1/ 374 ح 552، النسائي 2/ 85، ابن ماجه 1/ 260 ح 792، أحمد 3/ 423، ابن حزيمة 2/ 368 ح 1479، والحاكم 1/ 247.
المسجد شجرًا ونخلًا، ولا أقدر على قائد كل ساعة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتسمع الإقامة؟ قال: نعم، قال: فاحضرها، ولم يرخص له". ولابن حبان من حديث جابر قال: تسمع الأذان؟ قال: نعم. قال: فأْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا" (1) [(أ) زاد الطبراني (2) "على يديه ورجليه"، وفي رواية عن أحمد وأبي يعلى (3): "ولَوْ حبوًا أو زَحْفًا"] (ب).
والحديث فيه دلالة على تأكيد شرعية الجماعة، وأن التارك لها مستحق للعقوبة المتبالغة المنتهية إلى الإحراق بالنار.
واعلم أن العلماء يختلفون في حُكْم الجماعة، فذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وأبو العباس من أهل البيت والظاهرية إلى أنها فرض عين (4)، وبالغ داود (5) ومن معه فجعلها شرطا في صحة الصلاة، وهو مبني قوله على أن ما كان واجبًا في الصلاة فهو شرط فيها، وهو غير مسلم (جـ) لأن الشرطية حكم لا بد لها من دليل، ولذلك خالف أحمد (د) ومن تبعه، وقالوا: إنها واجبة غير شرط وذهب جمهور المتقدمين من أصحاب
(أ) زاد في هـ: و.
(ب) في هامش الأصل.
(جـ) في هـ: فهو مسلم.
(د) ساقطة من هـ.
_________
(1)
ابن حبان (موارد) 121 ح 428.
(2)
مجمع الزوائد وذكر رواية الطبراني في "الأوسط" ولم يذكر: "على يديه ورجليه" 2/ 42.
(3)
المقصد العلي في زوائد أبي يعلى 311 ح 245، أحمد 3/ 367.
(4)
المغني 2/ 176، وقال: واجبة، البحر 1/ 299، المحلى 4/ 188، المجموع 4/ 75.
(5)
المحلى 4/ 188، وكأن فحوى كلامه بالشرطية، ولم يصرح بذلك.
الشافعي وكثير من الحنفية والمالكية وهو تحصيل أبي العباس لمذهب الهادي، وهو ظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية (1)، وذهب المؤيد باللَّه وأبو حنيفة وصاحباه، وهو قول زيد بن علي والناصر وكثير من العلماء إلى أنها سنة مؤكدة (2).
احتج (أ) القائل بوجوبها بحديث الباب، فإن العقوبة المتبالغة إنما تكون على ترك الفرائض ولغيره (ب) من الأحاديث وهي كثيرة جدا، ولذلك أطلق البخاري الوجوب عليها، وبَوَّب به وقال:"باب وجوب صلاة الجماعة"(3) وهو أعمُّ من كونه فرض عين أو فرض كفاية، والحديث المذكور أظهر في كونها فرض عين لأنها لو كانت فرض كفاية لكان قد سقط وجوبها بفعْل النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه إنْ كان يجوز (جـ) أن يقال: يؤخذ من هذا أنه (د) يعَاقب تارك (5) فرض الكفاية، فإنْ كان على اعتياد تركه أو لأجل الاستخفاف به فهو قريب لكنه غير ظاهر من لفظ الحديث لأنه إن كان في حقهم، وقد عرفوا لم يكن لاستخلاف النبي صلى الله عليه وسلم لغيره ومخالفته إلى بيوتهم فائدة إذ يمكن معاقبتهم في غير ذلك الوقت.
وإن كان مطلق التَّرْك كما هو المفهوم من الحديث هو المقتضي للعقوبة
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في هـ: ولغيره.
(جـ) في هـ: لجواز.
(د) زاد في جـ: يجوز أن.
(هـ) زاد في هـ: الصلاة.
_________
(1)
المجموع 4/ 75، البحر 1/ 298 - 299، شرح العناية 1/ 345.
(2)
الوسيط حكى الاستحباب 2/ 695، المجموع 4/ 75، الهداية 1/ 55.
(3)
البخاري 2/ 125.
لم يفترق الحال بين فرض الكفاية وفرض العين حينئذ.
وأما الاعتراض بأن التحريق بالنار غير مشروع في العقوبة، وقد نهي عنه، فيجاب عنه بأن هذا خصوص وذاك عموم، فيجمع بينهما بأن هذا عقوبة تارك الجماعة مخصص من العموم كما خصص عقوبة الزاني المحصن بالرجم، وإن كان السيف أحسن، وقد قال:"فأحسنِوا القِتْلَة".
واحتج القائلون بالسنية أولًا: بما أخذ من ظاهر هذا الحديث من تركه صلى الله عليه وسلم الجماعة ومخالفته إلى بيوت المذكورين، وهو غير تام لجواز أن يقال: يجوز ترك واجب لأداء واجب أكمل منه، أو أنه يصليها (أ) جماعة بعد ذلك.
وثانيًا بما يظهر من قوله: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ" فقد اشتركا في الفضيلة وبقوله في الحديث الآتى: "إِذا صليتما في رحالكما"(1) فأثبت لهما إدراك الصلاة في الرحال وبما تقدم من تعليم المسيء صلاته (2).
وأجابوا عن الحديث المذكور وغيره بأجوبة منها: أنها لو كانت شرطًا في صحة الصلاة لبين (ب) ذلك عند الوعيد بالتحريق لأنه وقت البيان، كذا قاله ابن بطال (3).
(أ) في هـ: يصليهما.
(ب) في جـ: لنبين.
_________
(1)
سيأتي في ح 305.
(2)
مر في ح 205.
(3)
شرح ابن بطال ولفظه: ومما يدل أنها سنة أن النبي عليه السلام لم يَقُلْ لهم حين توعدهم بالإحراق عليهم أن من يخلف عن الجماعة فلا تجزئه صلاته، ولو كانت فرضًا لما سكت عن ذلك لأن البيان فه لأمته فرض عليه اهـ. باب وجوب صلاة الجماعة.
وقد يجاب عنه بأنه قد بين ذلك بالدلالة على وجوب الحضور وهو كاف في البيان.
ومظنها أن الخبر ورد مبالغة للزجر ولا تراد حقيقته، ويجاب عنه بأن هذا يحتاج إلى دليل، ويجاب عنه: التوسعة للبعض في ذلك.
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم إنما هَمَّ ولم يفعل ذلك، كذا قاله القاضي والنووي (1)، وأجاب ابن دقيق العيد (2) عن ذلك بأنه لا يهم إلا بما يجوز فعله له لو فعله، وتركه يجوز إما لأنهم انزجروا بذلك أو لغيره، كما ورد في حديث أحمد (3) عن أبي هريرة بلفظ:"لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت الصلاة وأمرت فتياني يحرّقون .. " الحديث.
ومنها: أن ذلك في حق قوم تركوا الصلاة رأسًا مطلقًا لا الجماعة، ويجاب عنه بأن في رواية مسلم (4):"لا يشهدون الصلاة"، أي لا يحضرون، وفي رواية أحمد (5):"لا يشهدون العشاء في الجمع"، أي: في الجماعة، وفي حديث ابن ماجه عن أسامة بن زيد مرفوعًا:"لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرِّقن بيوتهم"(6).
ومنها: أن الحديث ورد في الحث على مخالفة فعْل أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا لخصوص (أ) ترك الجماعة، ذكره الزين ابن المنيّر (7).
(أ) زاد في جـ: من.
_________
(1)
شرح مسلم 2/ 298.
(2)
شرح العمدة 2/ 131.
(3)
أحمد 2/ 367.
(4)
مسلم 1/ 451 ح 52 - 651 م.
(5)
أحمد 2/ 292.
(6)
ابن ماجه، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، كتاب المساجد والجماعات.
(7)
الفتح 2/ 126.
ومنها: أن الحديث ورد في حق المنافقين، ويُجَابُ عنه باستبعاد تأديب المنافقين على ترك الجماعة والعفو عنهم في أعظم من ذلك، وهو النفاق.
وقد يجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم كان مخيرًا في عقوبة المنافقين فيجوز أن يترك عقوبتهم على النفاق لما كان ذلك أمرًا خفيا لا يطلع عليه بحسب الأغلب، وترك الصلاة أمر ظاهر فَهَمَّ بعقوبتهم عليه لما فيه من إظهار مباينة المسلمين.
ومنها: أنه يجوز أن تكون الجماعة واجبة في صدر الإسلام، لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ، حكاه عياض عن بعضهم (1).
وقال الحافظ المصنف -رحمه اللَّه تعالى- (2): الأظهر أن ذلك لرد في حق المنافقين لقوله: "ليس صلاة فقل على المنافقين من العشاء والفجر" أخرجه البخاري (3)، لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق الاعتقاد، يدل عليه ما في رواية أبي داود (4):"ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليست بهم علة"، لأن الكافر لا يصلي في بيته، وإنما يصلى رياءً وسمعة فإذا خلا في بيته كان كما قال تعالى:{إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} (5) كذا أفاده القرطبي (6) انتهى.
(1) الفتح 2/ 127.
(2)
الفتح 2/ 127.
(3)
البخاري 2/ 141 ح 657.
(4)
أبو داود 1/ 372 ح 549.
(5)
الآية 14 من سورة البقرة بـ {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} .
(6)
الفتح 2/ 127.
وقال أيضًا: وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق نفاق الكفر لا يدل على عدم الوجوب أيضًا لأنه يتضمّن أن ترك الجماعة من صفات المنافقين، وقد نهينا عن التشبه بهم.
وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة البالغة في ذَمّ مَنْ تخلف عنها، قال الطيبي (1): خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة، بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم، بل هو من صفات المنافقين، ويدل عليه قول ابن مسعود:"ولقد رأيتنا ما يتخلف عن الجماعة إلا منافق" رواه مسلم (2). انتهى كلامه.
قال المصنف (3): فظهر (أ) من هذا أن المراد به (ب) نفاق المعصية، فعلى هذا الذي خرج من الوعيد هو المؤمن الكامل لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه مجازًا للجمع بين الروايات، واللَّه أعلم.
وفي الحديث من الفوائد: تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة، ومناسبة قولهم في الأمر بالمعروف ولا يخشى إن كفى اللين.
ومنها جواز العقوبة بالمال، وقد استدل به من قال بذلك من المالكية (4) وغيرهم، وقد يقال عليه: إنه يجوز أن يكون حيث كان لا يتمكن من
(أ) في: هـ وجـ: يظهر.
(ب) ساقطة من جـ.
_________
(1)
الفتح 2/ 127.
(2)
مسلم 1/ 453 ح 256 - 654.
(3)
الفتح 2/ 127.
(4)
شرح الزرقاني 1/ 239.
عقوبتهم لاختفائهم في البيوت إلا بذلك.
ومنها: أنه يجوز أخذ صاحب الجريمة على غرة منه لهمه صلى الله عليه وسلم بأن يبغتهم في وقت لا يظنون أنه يطرقهم فيه.
ومنها: أنه يجوز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك، وقد قيل: إنه منسوخ كما قيل في العقوبة بالمال.
وقد استدل به ابن العربي وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاونًا بها، وذلك لأنهم إذا استحقوا التحريق لترك صفة من صفاتها خارجة عنها سواء كانت واجبة أو مسنونة كان تاركها (أ) أصلا أولى بالعقوبة، وإن كان قد يقال عليه إنه لا يلزم من التهديد بالتحريق القتل لأنه يمكن الفرار عنه أو الإخماد له بعد حصول المقصود منه من الزجر والإرهاب (1).
303 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا". متفق عليه (2).
وعنه رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمَى فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إِلى المسجد، فرخص له (ب)، فلما ولى دعاه
(أ) في جـ: تركها.
(ب) في جـ: لي.
_________
(1)
وقد تكلم الحافظ على هذا الحديث وأطال النفس فيه، وقد أورد الشارح بعض نفائسه فارجع إليه فإنه نفيس جيد، الفتح 2/ 125 وما بعدها.
قلت: وأما مسألة صلاة الجماعة فللعلماء عليها كلام طويل تعرضت لها كتب الفقه وشروح الحديث. وما ساقه الشارح فيه الكفاية.
(2)
تقدم تخريجه في ح 302، واللفظ هنا لمسلم "إن أثقل" 1/ 451، 252 - 651 م.
فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال، نعم قال: فأجب (أ) ". رواه مسلم (1).
قوله: "أثقل الصلاة" .. إلخ: لعل وجه ثقلها (ب) عليهم هو أنه لما كانت هاتان الصلاتان مظنة اجتماع المؤمنين كاملي الإيمان لعدم ما يشغلهم عن الحضور من الاكتساب، وكان التخلف عنهما إنما هو لمحض الكسل وعدم الباعث على الحضور من رجاء الثواب، وخوف العقاب، فيخشى (جـ) من تخلف عنهما (د) أن لا يقام له عذر ويسجل عليه بمخالفة سره علانيته، ويظهر على ظلام نفاقه، فكانتا أثقل من سائر الصلوات اللاتي (هـ) يقام لها العذر في التخلف عنها لما فيها من الأشغال (و)، أما العصران فظاهر وأما المغرب فلأنها بحسب الأغلب وقت رجوع الحراثة والتجارة في الأغلب إلى بيوتهم لا سيما للصائم مع ضيق وقتها، وبهذا (ز) يظهر عدم صحة احتجاج موجبي الجماعة في الصلوات على الإطلاق.
(أ) في جـ: أحب.
(ب) في هـ: ثقلهما وله وجه أنه متعرف على الصلاتين.
(جـ) زاد في هـ: على.
(د) في جـ: عنها.
(هـ) في هـ: التي.
(و) في هـ: الاشتغال.
(ز) في جـ: ولهذا.
_________
(1)
مسلم بلفظ: إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته .. " 1/ 452 ح 255 - 653، النسائي، كتاب الجماعة، المحافظة على الصلاة، حيث ينادى بهن 2/ 84، البيهقي، الصلاة، باب ما جاء من التشديد في ترك الجماعة من غير عذر 2/ 57، أبو عوانة 2/ 6 - 7.
[أو لأنه لما كثر الداعي إلى تركهما (أ) لأن العشاء وقت السكون والراحة والإيواء إلى البيوت والاجتماع بالزوجة والولد.
وأما وقت الفجر فلأنه وقت لذة النوم، فإن (ب) كان في زمن (جـ) البرد ففي وقت شدة لبعد العهد بالشمس لطول الليل، وإن كان في زمن الحر فهو وقت البرد والراحة لبعد العهد بالشمس أيضًا] (د)، وأيضًا في الاجتماع في الوقتين انتظام الألفة بين المتجاورين في (هـ) طرفي النهار، وليختموا النهار بالاجتماع على الطاعة ويفتتحوه كذلك.
وقوله: "ولو (و) يعلمون ما فيهما" أي من الفضيلة والخير، ثم لم يستطعوا الإتيان إليهما إلا حبوا لأتوهما -[أي أتوا المسجد الذي يصليان فيه](ز)، والحبو (1) هو من حبو الصبي على يديه ورجليه، وقيل: هو الزحف على الرُّكب، وقيل: على الإست، وفيه حثٌّ بليغٌ على حضورهما.
وقوله في حديث مسلم: "أتى رجل أعمى": هو ابن أم مكتوم، وقد تقدم قريبًا (2).
(أ) في جـ: تركها.
(ب) في جـ: وإن.
(جـ) في جـ: وقت.
(د) بهامش الأصل.
(هـ) في جـ: من.
(و) في جـ: فلو.
(ز) بهامش الأصل، وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.
_________
(1)
القاموس المحيط 4/ 316.
(2)
ح 302.
وقوله: "فرخص له": وقوله بعد: "فأجب" يحتمل أن يكون الترخيص اجتهادًا منه صلى الله عليه وسلم ثم رجع عن اجتهاده فقال له: "أجِبْ"، ويحتمل أن يكون ذلك بوحي ثم نسخ ولكنه لا يصح على قول من يشترط إمكان العمل، ويحتمل أن يكون الترخيص الأول مطلقًا عن التقييد، ثم قيد الترخيص من بعد بمفهوم قوله: هل تسمع النداء؟ فإن مفهومه أنه إذا لم يسمع النداء كان ذلك له (أ) عذرًا، وإذا سمعه لم يكن له عذر عن الحضور.
ويمكن أن يعلل بأنه لو وسع العذر لمن يسمع (ب) النداء لتعلل الناس بالأعذار فبطل فائدة النداء للصلاة، وذهب شعار الإسلام.
ويمكن أن يدعي الوجوب أو تأكد السنية لمن كان بهذه المثابة، حيث لم يصادمه إجماع، وسيأتي (جـ في الحديث جـ) ما يؤيده قريبًا.
ويحتمل أن يكون الترخيص للعذر ثابتا وأمره بالإجابة أمر ندب حثا له على إحراز الفضل لعلمه صلى الله عليه وسلم بسبقه إلى الإيمان ورسوخ قدمه فيه وإن المشقة تغتفر بالنسبة إلى ما يجد في قلبه من الروح في الحضور.
304 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع النداء فلم يأت الصلاة، فلا صلاة له إِلا من عذر". رواه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم، وإسناده على شرط مسلم لكن رجع
(أ) ساقطة من هـ.
(ب) في هـ: سمع.
(جـ - جـ) ساقطة من هـ.
بعضهم وقفه (1).
الحديث أخرج من طريق شعبة (أموقوفًا ومرفوعًا، والوقوف منه بزيادة: "إلا مِنْ عُذْر (ب)" قال الحاكم: وقفه عند أكثر أصحاب شعبة أ)، وأخرج له شواهد من حديث أبي موسى الأشعري بلفظ: "من سمع النداء فارغًا صحيحًا فلم يجب فلا صلاة له" (2) أخرج له من ثلاث طرق بعضها موقوف، وبعضها مرفوع، قال البيهقي: الموقوف (جـ) أصح.
وروى العقيلي في الضعفاء من حديث جابر (3).
ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة وضعفه (4).
(أ- أ) بهامش هـ.
(ب) في جـ: لعذر.
(جـ) زاد في جـ: و.
_________
(1)
ابن ماجه ح 793، الدارقطني، باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه إلا من عذر 1/ 420، ابن حبان (موارد)، باب ما جاء في الصلاة في الجماعة 1/ 426، الحاكم 1/ 245، شرح السنة، باب التشديد على ترك الجماعة 3/ 348 ح 794 - 795، البيهقي، الصلاة باب ما جاء في التشديد في ترك الجماعة 3/ 57، تاريخ بغداد 6/ 285 قال لنا أبو بكر اليرقاني: تفرد به إسماعيل بن إسحاق عن سليمان بن حرب.
قلت: اختلف في وقفه ورفعه، فوقفه أكثر أصحاب شعبة، وصححه الحاكم وعبد الحق الإشبيلي كما في الإرواء، ووافقه ابن التركماني، وصححه ابن حزم 4/ 191، وقد حسنه سماحة شيخنا -متعنا اللَّه بوجوده ونفع به- في تعليقه على الفتح 1/ 439.
(2)
البيهقي 3/ 174.
(3)
الضعفاء 4/ 81، التاريخ الكبير 1/ 111 قال أبو عبد اللَّه: وفي إسناده نظر قال العقيلي: ويروي من وجه صالح.
(4)
الكامل لابن عدي 3/ 1126 لأن فيه سليمان بن داود اليمامي أبو الجمل ح 70 مجمع على ضعفه.
وأخرج حديث ابن عباس أبو داود بزيادة: "قالوا: وما العذر؟ قال: خَوْفٌ أو مرضٌ لم يقبل اللَّه منه الصلاة التي صلى"، بإسناد ضعيف (1).
الحديث فيه دلالة على تأكد الجماعة، وظاهره حجة لمن يقول إنها فرض عين، ويتأول من يقول بأنها سنة قوله:"فلا صلاة له": يعني (ألا صلاة أ) كاملة ولكنه نزل نفي الكمال منزلة نفي الذات مبالغة في ذلك.
وقوله: "إِلا مِنْ عُذْر": قد فسر العذر في رواية أبي داود بالخوف والمرض، وقد يلحق بذلك ما فيه مشقة من سائر الأعذار، وقد ورد الرخصة في المطر والريح الباردة، وفي حق من أكل من ذوات الروائح الكريهة، لقوله:"فلا يقربن مسجدنا"(2) وكان (ب) ذلك عذرًا له، وإن احتمل أن يكون نهيًا عن قربانها لما لزم من أكلها فوات الفريضة، واللَّه أعلم.
305 -
وعن يزيد بن الأسود رضي الله عنه "أنه صَلَّى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذا هو برجلين لم يصليا فدعا بهما، فجيء بهما ترْعَدُ فرائصهما، فقال لهما: ما منعكما أن تصليا معنا.
قالا: قد صلينا في رحالنا.
قال: فلا تفعلا، إِذا صليتما في رحالكما ثم أدركتم الإِمام ولم يصل،
(أ- أ) ساقطة من جـ.
(ب) في هـ: فكان.
_________
(1)
أبو داود 1/ 373 ح 551، والحاكم / 2451 - 246، البيهقي 3/ 57، الدارقطني 1/ 420 - 421. وإسناده ضعيف لأن فيه يحيى بن أبي حية الكلبي مر في ح 283.
(2)
مسلم 1/ 394 ح 72 - 564.
فصليا معه، فإِنه لكما نافلة".
رواه أحمد واللفظ له، والثلاثة، وصححه الترمذي، وابن حبان (1).
هو أبو جابر يزيد بن الأسود السوائي بضم السين المهملة وتخفيف الواو بالمد، ويقال: الخزاعي، ويقال: العامري، روى عنه ابنه جابر، وعداده في أهل الطائف، وحديثه في الكوفيين (2).
الحديث رووه من طريق يعلى بن عطاء بن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه، قال الشافعي في القديم (3): إسناده مجهول، قال البيهقي: لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه جابر، ولا لابنه جابر غير راو واحد، وهو يعلى.
قال الحافظ المصنف رحمه الله: يعلى (4) من رجال مسلم، وجابر (5) وثقه النسائي وغيره، وقد وجدنا لجابر راويًا غير يعلى (أ) أخرجه ابن منده، وهو عبد الملك بن عمير بن جابر.
(أ) زاد في جـ: و.
_________
(1)
أحمد بلفظ "صلاة الصبح بمنى وهو غلام شاب
…
" إذا صليتم في رحالكم" 4/ 161، أبو داود، الصلاة، باب في الجمع في المسجد مرتين 1/ 386 ح 575، الترمذي، الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة 1/ 424 - 425 ح 219، النسائي، كتاب الإمامة إعادة الفجر مع الجماعة لمن صلى وحده 2/ 87، ابن حبان (موارد) باب فيمن صلى في أهله ثم وجد الناس يصلون 122 ح 434، الحاكم، الصلاة 1/ 244 - 245، البيهقي، الصلاة، باب الرجل يصلي وحده ثم يدركها مع الإمام 2/ 300، الطيالسي 6/ 174 ح 1247، الدارقطني 1/ 413 والحديث مداره على جابر بن يزيد بن الأسود السوائي وسيأتي.
(2)
الاسيتعاب 11/ 60، الإصابة 10/ 339.
(3)
التلخيص 2/ 30.
(4)
يعلى بن عطاء العامري ويقال الليثي ثقة. التقريب 387.
(5)
جابر بن يزيد بن الأسود الخزاعي ولقال: السوائي، قال ابن حجر في التقريب: صدوق، ووثقه النسائي وابن حبان، الكاشف 1/ 177، التهذيب 2/ 46.
وفي الباب عن أبي ذر عند مسلم (1)، وعن يزيد بن عامر في "سنن أبي داود"(2)، وعن محجن رواه مالك والنسائي (3)، وهذا حديث يزيد بن الأسود وقع في مسجد الخيف في حجة الوداع.
وفيه دلالة على شرعية الصلاة مع الإمام إذا وجده يصلي وإن كان قد صلى، [وظاهره ولو صلى في رحله جماعة، لأنه صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر ولم يستفسر](أ) وتكون هذه الصلاة نافلة والأولى فريضة كما صرح به في الحديث.
وظاهره (ب) أنه لا يحتاج إلى نية رفض الأولى، وقد ذهب إلى هذا زيد بن علي والمؤيد وأبو حنيفة والناصر والمنصور، وهو قول الشافعي (4)، وذهب الهادي ومالك (5) وقول للشافعي (6) إلى أن (جـ) الثانية هي الفريضة والأولى تكون النافلة (د)، قالوا: لحديث يزيد بن عامر أخرجه أبو داود (7) قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جئت الصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم، وإن كنت
(أ) بهامش الأصل.
(ب) في جـ: وظاهر.
(جـ) في جـ: لأن.
(د) في جـ: نافلة.
_________
(1)
مسلم 1/ 448 ح 242 - 648 م.
(2)
أبو داود 1/ 388 ح 577.
(3)
الموطأ 102 ح 9، النسائي 2/ 87.
(4)
وهو قول الإمام أحمد والشافعي في الجديد. المغني 2/ 113، والمجموع 4/ 108، والبحر 1/ 304 - 305، والهداية 1/ 71.
(5)
قول سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي، المغني 2/ 113 - 114، البحر 1/ 304 - 305.
(6)
ذكر النووي أقوال المذهب في شرح مسلم ولم يذكر هذا 2/ 292.
(7)
أبو داود 1/ 388 ح 577.
قد صليت، تكن لك نافلة وهذه مكتوبة".
وأجيب بأن هذا الحديث فيه ضعف (1)، صرح بضعفه النووي. وقال البيهقي (2): هو مخالف لحديث (أ) يزيد بن الأسود وهو أصحّ، ورواه الدارقطني (3) بلفظ:"وليجعل التي صلى في بيته نافلة". قال الدارقطني: هي رواية ضعيفة شاذة.
وقول ثالث للشافعي (4) أنه يحتسب اللَّه بأيهما شاء لقول ابن عمر لمن سأله عن ذلك: "أوذلك إليك؟ إنما ذلك إلى اللَّه عز وجل، يجعل أيتهما شاء" .. أخرجه "الموطأ"(5)، وعلى القول الثاني: لا بد من نية الرفض للأولى بعد دخوله في الثانية، وقيل: بشرط (ب) فراغه من الثانية (جـ) صحيحة.
وظاهر الحديث شمول الإعادة للصلوات كلها ولو قد صليت جماعة، وقد ذهب إلى هذا الشافعي (6)، وقال أبو حنيفة (7): لا تعاد إلا الظهر والعشاء أما الصبح والعصر فلا، للنهي عن الصلاة بعدهما، وأما المغرب فلأنه وتر النهار فلو أعادها صارت شفعًا.
(أ) في جـ: حديث.
(ب) في جـ: يشترط.
(جـ) في جـ: والثانية.
_________
(1)
لأن فيه نوح بن صعصعة المكي، مستور التقربب 360.
(2)
سنن البيهقي 2/ 302.
(3)
سنن الدارقطني 1/ 414، وقال: خالفه أصحاب الثوري ومعهم أصحاب يعلى بن عطاء. الموطأ 102.
(4)
القول القديم للشافعي المجموع 4/ 108.
(5)
الموطأ 102 ح 10.
(6)
المجموع 4/ 109، وصححه النووي لمذهب الشافعي شرح مسلم 2/ 292.
(7)
الهداية 1/ 71.
قال مالك (1): إنْ كان قد صلاها في جماعة لم يعِدْهَا، وإن كان قد صلاها منفردًا (أ) أعادها في جماعة إلا المغرب.
وقال النخعي والأوزاعي: يعيد إلا المغرب والصبح (2)، والحديث كما قد عرفت لم يخص (ب) شيئًا من ذلك، وقد ورد الإعادة أيضًا في حق من صلى جماعة لقوله صلى الله عليه وسلم -في حق من دخل المسجد وقد صلوا-:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه" رواه الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي (3).
تنبيه: روى أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث سليمان بن يسار عن ابن عمر يرفعه "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين"(4). ظاهره يخالف هذا، وقد يجاب عنه بأن ذلك إذا صلى منفردًا ثم أعادها منفردًا، وهذا يختص بقيام الجماعة جمعًا بين الروايات (5).
وقوله: "ترْعَد فرائصهما"(جـ)[بضم أوله وفتح ثالثه وقوله](د)"فرائصهما"(6): جمع فريصة وهي اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها،
(أ) في جـ: منفردة.
(ب) في جـ: لم يحصر.
(جـ) ساقطة من جـ.
(د) في هامش الأصل.
_________
(1)
بداية المجتهد 1/ 142 - 143.
(2)
المغني 2/ 113، المجموع 4/ 109، وشرح السنة 3/ 431.
(3)
أبو داود 1/ 386 ح 574، الترمذي 1/ 427 ح 220، البيهقي 2/ 303، الحاكم 1/ 209، ابن حبان (موارد) 122 ح 436، أحمد 5/ 254، ولفظ الترمذي (أيكم يتجر على هذا).
(4)
أبو داود 1/ 389 ح 579، النسائي 2/ 88، ابن حبان (موارد) 121 ح 432، أحمد 5/ 41، وفيه عمرو بن شعيب وهو صدوق.
(5)
ويمكن أن يقال: إن رواية "ألا رجل يتصدق على هذا" أصح من رواية: "لا تصلوا صلاة" .. فإنها حسنة. واللَّه أعلم.
(6)
القاموس 2/ 322، النهاية 3/ 431 - 432.
والرعدة: الاضطراب، يقال للإنسان إذا دخله الرعب وأخذ منه الفزع: أرعدت فريصته، وهي منبض القلب، وفرائص العنق: أوداجه، [وسبب ارتعاد فرائصهما لما اجتمع في النبي صلى الله عليه وسلم من الهيبة العظيمة والحرمة الجسيمة لكل من رآه مع كثرة تواضعه](أ).
306 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنما جُعِلَ الإِمائم ليؤتم به، فإِذا كبَّر فكَبِّروا، ولا تُكَبِّروا حتى يُكَبِّرَ، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإِذا قال: سمع الله لمن حمده" فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين". رواه أبو داود (1)، وهذا لفظه، وأصله (ب) في الصحيحين.
قوله: "إِنما جُعِلَ الإِمام ليُؤتَمَّ به": يعني جُعل الإمام مقصورًا على الاتصاف بكونه مؤتمًا به. لا يتجاوزه إلى مخالفته. والائتمام هو الاقتداء والاتباع، والمعنى من هذا أنه جعل الإمام إمامًا ليقتدي به ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه، ولا يساويه، ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من
(أ) بهامش الأصل.
(ب) في جـ: وصله.
_________
(1)
أبو داود، الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود 1/ 404 ح 603، ابن ماجه ولم يذكر (وإذا سجد فاسجدوا ..) إقامة الصلاة، باب ما جاء في إنما جعل الإمام ليؤتم به 1/ 392 ح 1237، أحمد 2/ 341، النسائي واقتصر على الرفع من الركوع، التطبيق، باب ما يقول الإمام إذا رفع رأسه من الركوع 2/ 153، البخاري، الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة 2/ 208 ح 722، مسلم الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام 1/ 309 ح 86 - 414، وفي باب النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره 1/ 311 ح 89 - 417.
الأحوال.
وقد فصلها بقوله: "فإِذا كبر" .. إلخ، ويقاس ما لم يذكر مثل التسليم على ما ذكر، وهذه المذكورات (أ) وإن وجبت المتابعة للإمام فيها -فليس التقدم مطلقًا فيها (ب) مفْسِدٌ للصلاة، وذلك أنه ليس كل (جـ) واجب فتركه مفسد، إذ الفساد حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، وقد صرح صلى الله عليه وسلم باستحقاق العقوبة لمن رفع رأسه قبل الإمام أن يحول اللَّه رأسه رأس حمار. أخرجه البخاري (1)، ولم يأمر بالإعادة إلا التكبير فإنه لا يصح أن يدخل بها قبل الإمام إذ هي عنوان الدخول في الجماعة مع الإمام، والتسليم لأن الانفصال من الجماعة به، فيكون خارجًا قبل الإمام، والخلاف للحنفية (2) فقالوا: يكفي فيه المقارنة. وظاهر الحديث حجة للشافعية في أنَّ مخالفة المؤتم للإمام في غير ذلك لا تضر، وذلك كما إذا بان للمؤتم أن الإمام جنب أو محدث أو عليه نجاسة، أو اختلفت نيتهما أو فرضهما، وقيد الرافعي (3) في "المحرر" النجاسة بالخَفِيَّة، وفي النجاسة الظاهرة احتمال للإمام.
(أ) هـ: أوجبت.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
البخاري 2/ 182 ح 691، مسلم 1/ 320 ح 114 - 427.
(2)
الحنفية قالوا: يكفي المقارنة وتنعقد الصلاة بذلك، وقال الشافعي ومالك وأحمد: لا تنعقد الصلاة باتفاق. المجموع 3/ 116، الهداية وشرحها 1/ 281، أما التسليم فاللشافعية وجهان: تبطل كالمكبر ولا تبطل. وأما غير ذلك فالكراهة.
(3)
فتح العزيز 4/ 326 - 327.
وقال بعض أصحاب الشافعي (1): إنما يصح الاقتداء به إذا لم يعلم هو بحدث نفسه فإن عَلِمَ ففيه قولان، أما إذا علم المأموم بَحدَث الإمام ثم نسيه فاقتدي به فعليه الإعادة لتفريطه، وأما إذا ظهر أن الإمام كافر (2) أو امرأة أو خنثى (3) أو مجنون (4) فإنها تجب الإعادة خلافًا للمزني في الكافر، وصح البغوي وجماعة أنه إن كان يسرُّ الكفر لم تجب الإعادة، وهو قوي، وإلا تعذر الائتمام لعدم أمن ذلك. [وهَذا مروي عن علي وعمر وابن عباس وابن عمر، وذهب إليه أحمد وأبو ثور والبصري والنخعي (أ) والإمام يحيى، والخلاف فيه للفقهاء ولأبي حنيفة وأصحابه (ب) والشعبي وابن سيرين](جـ).
وقوله: "إِذا قال سمع اللَّه لمن حمده .. " إلخ: دلالة على جواب المؤتم بقوله: "اللهم ربنا لك الحمد"، وقع هكذا في رواية لأبي هريرة (5) بحذف الواو، وفي رواية أخرى الجمع بين اللهم وبين الواو لأبي هريرة (6)(د أيضًا، أخرجها البخاري، وفي رواية حذف "اللهم" وزيادة الواو في قوله: ولك الحمد (7)، ورواية حذفها (8) لأبي هريرة د)، وفي رواية عائشة وأنس (9) زيادة
(أ) لفظ هـ: وذهب الإمام يحيى وحماد والخلاف فيه للعترة ولأبي حنيفة وأصحابه والشعبي وابن سيرين.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) في هامش الأصل، وزاد في جـ: وحماد.
(د- د) في هامش جـ.
_________
(1)
فتح العزيز 3/ 324.
(2)
المجموع 4/ 132، المغني 2/ 198، قال المزني: لا إعادة على من صلى خلفه وهو لا يعلم لأنه ائتم بمن لا يعلم حاله فأشبه ما لو ائتم بمحدث. المغني 2/ 198 - 199.
(3)
المرأة لا تصح إمامتها وكذلك الخنثى. المغني 2/ 199، المجموع 4/ 135، البحر 1/ 311.
(4)
المجموع 4/ 140، البحر 1/ 314.
(5)
البخاري 2/ 283 ح 796.
(6)
البخاري 2/ 282 ح 795.
(7)
البخاري 2/ 216 ح 734.
(8)
البخاري 2/ 209 ح 722.
(9)
رواية أنس بإثبات الواو وحذفها. البخاري 2/ 216 ح 732 - 733.
الواو (أ)، أخرج الجميع البخاري في مواضع، وقد رجحت زيادة الواو (ب) بأن فيها معنى زائدًا لكونها عاطفة على محذوف تقديره، ربنا استجب لنا، أو ربنا أطعنا ولك الحمد، ورجح بعضهم حذفها لأن التقدير خلاف الظاهر، وقال النووي (1): قد ثبتت الرواية بالوجهين جميعًا فهما جائزان بغير ترجيح، وكذلك زيادة "اللهم" ثبت (جـ) الوجهان، وكلاهما جائزان، والزيادة أرجح لأن فيها ما لم يكن في حذفها وفي ثبوتها تكرير النداء كأنه قال: يا اللَّه يا ربنا.
وفي الحديث دلالة أن الإِمام يقول: "سمع اللَّه لمن حمده" والمؤتم: "اللهم ربنا لك الحمد".
واحتج به من قال: لا يجمع الإمام ولا المؤتم (د) بين اللفظين، وقد ذهب إلى هذا الهادي والقاسم وأبو حنيفة، ورواية (هـ) عن الناصر.
وفي حق المنفرد والإمام التسميع فقط، وذهب أبو يوسف ومحمد أنه يجمع بينهما الإمام والمنفرد، ويسمع (و) المؤتم لحديث أبي هريرة أنه كان يقول صلى الله عليه وسلم الأمرين جميعًا، وظاهره أنه يفعل ذلك في حال إمامته وفي حال انفراده، وصلاته مؤتمًا نادرة.
(أ، ب) زاد في هـ: و.
(جـ) في جـ: ثبتت.
(د) في جـ: المؤتم.
(هـ) في جـ: وفي رواية.
(و) في الأصل: ويسمعل، وفي هـ: وتسميع.
_________
(1)
شرح مسلم 2/ 45.
وذهب الإمام يحيى والنووي والأوزاعي بل يجمع الإمام والمنفرد ويحمد المؤتم لحديث أبي هريرة المذكور في الكتاب فإن مفهوم: "فقولوا: اللهم ربنا .. " ألا يقول المؤتم إلا ذلك.
وذهب الشافعي إلى أنه يجمع بينهما المصلي مطلقًا ويكمل: بـ: "ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد"، ويزيد المنفرد:"أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". دليله ما أخرجه مسلم (1) من حديث ابن أبي أوفى "أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمع اللَّه لمن حمده، اللهم ربنا ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد"، وإذا (أ) قد ثبت جمعه صلى الله عليه وسلم لذلك فالظاهر عموم الأحوال، وقد قال: "صلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي" (2)، ولا حجة في سائر الروايات على الاقتصار إذا عدم الذِّكْر في اللفظ لا يدل على عدم الشرعية، فقوله: "إِذا قال: سمع اللَّه لمن حمده" لا يدل على نفي قول الإمام: ربنا لك الحمد، وقوله: "فقولوا: "اللهم ربنا" لا يدل على نفي قول المؤتم: سمع اللَّه لمن حمده، وفي حكاية هذا الفعل زيادة وهي مقبولة لأن القول غير معارض لها، وقد روى ابن المنذر هذا القول في "الإشراف" عن عطاء وابن سيرين وغيرهما، فلا يثبت ما نقل عنه أن الشافعي انفرد بذلك فيكون قوله:"سمع اللَّه لمن حمده" عند رفع رأسه وقوله: "ربنا لك الحمد" عند انتصابه، ومعنى
(أ) كذا ولعل الصواب (وإذا).
_________
(1)
مسلم 1/ 346 ح 202 - 476.
(2)
مرَّ في ح 252.
سمع اللَّه لمن حمده، أن مَنْ حَمِدَهُ متعرضًا لثوابه (1) استجاب اللَّه له، وأعطاه ما تعرض له.
وقوله: "فصلوا قعودًا أجمعين": هكذا روي بالنصب في رواية أبي هريرة في "السنن"(2)، وهي أيضًا في رواية أبي ذر اللؤلؤي بالرفع، وفي "صحيح البخاري" أيضًا من رواية همام (3)، وسائر الروايات "أجمعون" على ما هو الأكثر في اللغة والرفع على التأكد لضمير الفاعل في قوله:"صَلُّوا"، والنصب على الحال.
وقد أجازه الشلوبين في المثنى، وهو جمعاوين، والفراء في الواحد المؤنث ولعله يقاس عليه الجمع، ويحتمل أن يكون تأكيد الضمير منصوب مقدر وهو أعينكم وهو بعيد.
وفي الحديث دلالة على أنه يصح أن يصلي من يطق القيام خلف من لا يطيقه ويتابع في القعود، وعلله في حديث جابر بالبعد عن فعْلَ الأعاجم، وهو قوله:"إِن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا"(4).
وقد ذهب إلى هذا أحمد بن حنبل (5) وإسحاق بن راهويه، وذهب
(1) التفسير بما يليق بجلاله وعظمته.
(2)
انظر تخريج الحديث.
(3)
البخاري 2/ 208 - 209 ح 722.
(4)
مسلم 1/ 309 ح 84 - 413.
(5)
قال ابن قدامة: المستحب للإمام إذا مرض وعجز عن القيام أن يستخلف لأن الناس اختلفوا في صحة إمامته فيخرج عن الخلاف .. 2/ 220، وبنحوه قال النووي. المجموع 4/ 145.
العترة ومالك ومحمد (1) إلى أنه لا يصح أن يصلي القائم خلف القاعد لقوله: "لا تختلفوا على إمامكم ولا تتابعوه في القعود"(2) لقدرتهم على القيام فلا عذر لهم.
وذهب الشافعي (3) وزفر إلى أنه يصح أن يصلي القائم خلف القاعد ولا يتابعه في القعود، قال: لصلاة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مرض مَوته قيامًا حين خرج وأبو بكر قد افتتح الصلاة فقعد يسار أبي بكر (4) فكان ذلك ناسخًا لأمره صلى الله عليه وسلم لهم بالجلوس في حديث أبي هريرة، فإن ذلك في صلاته قاعدًا لما سقط عن فرسه، وانفكت قدمه. وكذا حديث جابر وأنس (5) وغيرهم، وكان هذا آخر الأمرين فتعيّن العمل به، كذا قرره الشافعي ونقله جابر عن شيخه الحميدي (6) وهو تلميذ الشافعي.
(1) الهداية 1/ 58، الكافي 1/ 213، البحر 1/ 315، وحكاه العراقي عن الشافعية في طرح التثريب 2/ 335.
(2)
لفظ: "لا تختلفوا على إمامكم" فهي في الصحيح من حديث أبي هريرة: "إنما الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه"، وبقيته:"فإن صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" مسلم 1/ 309 - 310 ح 86 - 414، البخاري 2/ 208 ح 722، واللفظة الثانية "لا تتابعوه في القعود" لم أقف عليها إلا أن بقية الحديث الصحيح تعارضها. واللَّه أعلم.
(3)
المجموع 4/ 145.
(4)
البخاري 2/ 166 ح 683 - 2/ 172 ح 687.
(5)
حديث جابر في مسلم 1/ 309 ح 84 - 413 وحديث أنس في البخاري 2/ 173 ح 689، ومسلم 2/ 301 ح 77 - 411.
(6)
قال أبو عبد اللَّه: قال الحميدي: قوله: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" وهو في مرضه القديم ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا والناس خلفه قيامًا لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، البخاري 2/ 173.
وأجيب عن هذا بوجوه: منها: [أن هذا فيما قد كان افتتح في الصلاة قائمًا، وحديث أبي هريرة فيما كان الإمام قاعدًا من أول الصلاة](أ).
منها: أن الأحاديث التي وردت في أمرهم بالجلوس لم يختلف في صحتها، ولا في سياقها، وأما صلاته صلى الله عليه وسلم في مرضه، فقد اختلف فيها هل كان إمامًا أو مأمومًا، وهذا عن ابن خزيمة (1).
منها: أنه يُحْمَلُ الأمر بالجلوس على أنه للندب وتقرير القيام قرينة على ذلك، فيكون حينئذ هذا الجمع بين الروايتين خارجًا عن المذهبين جميعًا، لأنه يقتضي التخيير للمؤتم بين القيام والقعود.
منها: أن مثل هذا الحديث مروي عن جماعة من الصحابة، فروي عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن قَهد -بفتح القاف وسكون الهاء- الأنصاري أن إمامًا لهم اشتكى على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"وكان يؤمنا، وهو جالس، ونحن جلوس"(2).
وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير أنه كان يؤم قومه فاشتكى فخرج إليهم بعد شكواه فأمروه أن يصلي بهم، فقال: إني لا أستطيع أن أصلي قائمًا فاقعدوا فقعدوا، فصلى بهم قاعدًا، وهم قعود (3).
وروى أبو داود من وجهٍ آخر عن أسيد بن حضير أنه قال: يا رسول اللَّه إن
(أ) في هامش الأصل.
_________
(1)
ابن خزيمة 3/ 54 - 55، وأطال النفس في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهل كان إمامًا أو مأمومًا وأورد الروايات المختلفة في ذلك.
(2)
المصنف 2/ 462 ح 4084.
(3)
المصنف 2/ 462 ح 4085.
إمامنا مريض، قال صلى الله عليه وسلم:"إذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا"، وفي إسناده انقطاع (1).
وروى ابنُ أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى فحضرت الصلاة، فصلى بهم جالسًا وصلوا معه جلوسًا.
وعن أبي هريرة أنه أفتى بذلك، وإسناده أيضًا (أ) صحيح.
وقال ابن المنذر: ومما يزيد الحديث قوة عمل الصحابي بوفق ما روى، ثم قال: ولا نحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، ثم قال: ولا نسلم أن الصحابة في مرضه صلى الله عليه وسلم صلوا بعده (ب) قيامًا، إذ لم يكن في الرواية تصريح بذلك.
وأجيب عن هذا الأخير بما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" عن ابن جريج: أخبرني عطاء -فذكر الحديث ولفظه: "فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدًا وجعل أبا بكر وراءه بينه وبين الناس، وصلى الناس وراءه قيامًا"(2)، وهذا مرسل (3)، ووقع أيضًا في مرسل عطاء المذكور متصلًا به بعد قوله: وصلى الناس وراءه قيامًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعودًا، فصلوا صلاة إمامكم ما كان، إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا"(4).
(أ) ساقطة في جـ.
(ب) في جـ: خلفه.
_________
(1)
أبو داود 1/ 406 ح 607، لأن حصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصاري أبو محمد المدني، روى عن أسيد بن حضير ولم يدركه. التقريب 2/ 380 - 381، الميزان 1/ 552.
(2)
المصنف 2/ 458 ح 4074.
(3)
عطاء بن يسار الهلالي أبو محمد المدني مولى ميمونة ثقة فاضل صاحب عبادة ومواعظ، من صغار الثانية، التقريب 240.
(4)
المصنف 2/ 458 ح 4074.
وهذا السياق لا يناسب ما ذهب إليه الشافعي، وهو يناسب (أ) التخيير الذي قد سبق إشارة إليه، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والإمام (1) يحيى إلى مثل قول أحمد. قالوا: إلا أن مقتضى القياس خلافه، وهو المنع للنقصان، والاستحسان يرجحه لصحة الحديث.
قال الإمام المهدي رحمه الله في "البحر"(2) ردا (ب) على أحمد وغيره: قلتُ: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحَدكُمْ بَعْدي قاعدًا قَوْمًا قيَامًا". انتهى (3).
[وفي هذا دلالة على أنه كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم](ب)، ويتأيد أيضًا بفِعل الخلفاء وأنهم لم يؤم أحد منهم قاعدًا، وإن كان النسخ لا يمكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمثابرتهم على ذلك تشهد بصحة نهيه عن إمامة القاعد بعده.
ويُجَابُ عن الحديث بأنه ضعيف أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث جابر الجعفي عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مرسل، وجابر (4) ضعيف جدًّا، قال الشافعي (5): قد علم من احتج به أنه لا حجة فيه لأنه مرسل، ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه -يعني جابرًا الجعفي- والذي احتج به هو محمد بن الحسن، وروي أيضًا من رواية
(أ) في جـ: مناسب.
(ب) في جـ: زاد.
(جـ) بهامش الأصل.
_________
(1، 2) البحر 1/ 315، الهداية 1/ 58.
(3)
البيهقي 3/ 80، الدارقطني 1/ 398 ح 6. قال الدارقطني: لم يروه غير جابر الجعفي عن الشعبي وهو متروك، والحديث مرسل لا تقوم به حجة. وانظر مقالة الشافعي في الشرح عنه.
(4)
جابر مر في ح 228.
(5)
الرسالة 255 - 256.
عبد الملك بن حبيب عن من أخبره عن مجالد عن الشعبي، ومجالد ضعيف، وفيه من لمْ يُسمّ فلا يصح الاحتجاج به لا سيما مع معارضة الأحاديث الصحيحة (1).
307 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخُّرًا، فقال: تقدموا فائْتموا بي، وليأتم بكم مَنْ بعدكم". رواه مسلم (2).
قوله: "فائْتموا بي": أي اقتدوا بأفعالي، "وليأتم بكم مَنْ بعدكم": أي يقتدي من بعدكم مستدلين على أفعالي بأفعالكم.
فالحديث يدل على جواز اعتماد المأموم (أ) في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه، وفي الأمر بذلك دلالة على يد استحباب التقدم في الصف الأول وكراهة البُعْد عن تعرف أحوال الإمام، وفي تمام الحديث:"لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللَّه".
وفي الصف الأول أحاديث كثيرة، واللَّه أعلم.
308 -
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "احتجَرَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حُجْرَةً بخصفَة (ب)، فصلَّى فيها، فتتبع إِليه رجالٌ، وجاءوا يصلُّون
(أ) في جـ: المؤتم.
(ب) في جـ: مخصفة.
_________
(1)
أطال الحافظ العراقي في هذا المبحث وهو مبحث نفيس، فارجع إلى طرح التثريب 2/ 330 - 342.
(2)
مسلم: الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول 1/ 325 ح 130 - 438، أبو داود: الصلاة، باب قيام الصبيان من الصف 1/ 438 - 439 ح 680، النسائي: كتاب الإمامة الائتمام بمن يأتم بالإمام 2/ 65، ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب من يستحب أن يلي الإمام 1/ 313 ح 978.
بصَلاتِهِ
…
" الحديث. وفيه: "أفضل صلاة المرء في بيته إِلا المكتوبة". متفق عليه (1).
قوله: "احتجر": هو بالراء، أي اتخذ مثل الحجرة من الخصف، وهو الحصير وهي رواية الأكثر للبخاري، وبالزاي في رواية الكشميهني (2)، أي اتخذ حاجزًا بينه وبين غيره، وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم في المسجد موضعًا حوط (أ) عليه بالحصير ليستره ولا يمر بين يديه مار ليكون أوفر (ب) لخشوعه وفراغ قلبه.
وفيه دلالة على جواز مثل ذلك الفعل في المسجد إذا لم يكن فيه تضييق (جـ) على المصلين لأنه كان يفعله بالليل ويبسطه بالنهار وكما (د) في رواية مسلم (3)، ولم يتخذه دائمًا، ثم تركه بعد لهذا السبب دائمًا وصلى في بيته.
(أ) في هـ: حفظ.
(ب) في جـ: أوثر.
(جـ) في جـ: مضيق.
(د) في هـ: "كما" بدون الواو وهو المناسب للسياق.
_________
(1)
البخاري (نحوه): الأدب، باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر اللَّه 10/ 517 ح 6113، مسلم (نحوه): صلاة المسافرين وقصرها 1/ 539 - 540 ح 213 - 781، أبو داود (نحوه): الصلاة، باب في فضل التطوع في البيت 2/ 145 ح 1447، الترمذي بلفظ (أفضل ..): الصلاة، باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيوت 2/ 312 ح 450، النسائي: قيام الليل وتطوع النهار، باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك 3/ 161.
(2)
الفتح 2/ 215.
(3)
من حديث عائشة فالت: "كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حصير، وكان يحجره من الليل فيصلي فيه -فجعل الناس يصلون بصلاته- ويبسطه بالنهار
…
، مسلم 1/ 540 ح 215 - 782، والبخاري 2/ 214 ح 730.
وقوله: "فتتبع"(أ): من التتبع وهو الطلب، والمعنى: طلبوا موضعه فاجتمعوا إليه، وفي رواية البخاري:"فثار إليه"(1).
وقوله: "وجاءوا يصلون بصلاته": وفي رواية البخاري (2): "فصلى فيها ليالي"، فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم فقال:"قد عرفت الذي رأيت من صفكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". هذا لفظه، وفي مسلم ما يؤدي هذا المعنى وفيه أنهم حصبوا الباب (3) أي رموه بالحصباء وهي الجار (ب) الصغار تنبيهًا له، وظنا منهم أنه نام أو سها.
وقوله: "أفضل صلاة المرء" إِلخ: هذا عام في جميع النوافل شامل لرواتب الفرائض وغيرها، ويستثنى من هذا النوافل التي شرع فيها الجماعة كالكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح على الأصح لزوال المانع من خشية أن تفرض.
309 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: صلى معاذ بأصحابه العشاء فَطَوَّلَ عليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتريد أن تكون يا معاذ فتَّانًا؟ إِذا أمَمْتَ الناس فاقرأ: بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ باسم ربك، والليل إِذا يغشى". متفق عليه.
(أ) في جـ: وتتبع.
(ب) في هـ: بلفظ: بالحجارة.
_________
(1)
من حديث عائشة 2/ 214 ح 730، ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه بالنهار .. فثاب إليه الناس .. " وفي رواية السرخسي والكشميهني: "فثار إليه"، الفتح 2/ 215.
(2)
البخاري 2/ 214 ح 731.
(3)
مسلم 1/ 539 ح 213 - 781.
واللفظ لمسلم (1).
ولفظ الحديث في البخاري قال: "أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذًا يصلي فترك ناضحيه (2)، وأقبل إِلى معاذ فقرأ سورة البقرة والنساء، فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذًا نال منه، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إِليه (أ) مُعاذًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفتانٌ أنت؟ أو فَاتِنٌ أنت؟ -ثلاث مرات- فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإِنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة".
وفي رواية له للبخاري: "أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيؤم قومه"(3).
وفي رواية له: "فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل"(4).
الحديث فيه دلالة على كراهة تطويل الإمام في الصلاة، واستحباب التوسط والقراءة بنحو ما ذكر.
وقوله: "أفتان": مبالغة في الزجر له لما يلزم منه من ترك الناس السنن وتنفيرهم عن الانضمام في الجماعات، ولذلك صرح في قصة من شكا
(أ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
مسلم بلفظ: "لأصحابه .. أتريد أن تكون فتانًا يا معاذ
…
؟ "، الصلاة، باب القراءة في العشاء 1/ 340 ح 179 - 465 م.
البخاري: الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول 2/ 200 ح 705، أبو داود: في كتاب الصلاة، باب في تخفيف الصلاة 1/ 500 ح 790، النسائي: الإمامة، خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد 2/ 76، ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب من أم قومًا فليخفف 1/ 315 ح 986. أحمد 3/ 299.
(2)
لفظ البخاري (ناضحه) 2/ 200 ح 705.
(3)
البخاري 2/ 192 ح 700.
(4)
البخاري 2/ 192 ح 701.
منه تطويل صلاة الصبح بقوله: "إنَّ منكم منفرينَ"(1).
[ويدل عليه ما أخرجه البيهقي في "شُعَب الإيمان" من حديث عمر قال: "لا تُبَغِّضوا اللَّه تعالى إلى عباده، يكون أحدكم إمامًا فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض عليهم ما هم فيه".
وقال الداودي (2): يحتمل أن يريد بفتان أي معذب لهم (أبالتطويل] (ب)، وهذا محمول على كراهة المؤتمين للإطالة بدليل أنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أ) أنه قرأ الأعراف في المغرب (3) وغيرها، وكان مقدار قيامه في صلاة الظهر الستين الآية. وذلك يختلف باختلاف الأوقات والمأمومين (جـ) والإمام.
وفي ألفاظ (د) الحديث اختلاف، ولعله من تصرّف الناقلين اعتمادًا على جواز الرواية بالمعنى.
والرجل الذي كره صلاة معاذ في رواية أبي داود الطيالسى والبزار (4) هو حزم بن أُبيّ بن كعب، وكذا في "سنن أبي داود" (5) إلا أنه وقع عنده أنها صلاة المغرب وسماه ابن شاهين: خازمًا، أخرجه من طريق ابن لَهِيعَة،
(أ- أ) ساقطة من هـ.
(ب) في هامش الأصل.
(جـ) في جـ: أوقات المأمومين.
(د) في جـ، هـ: لفظ.
_________
(1)
البخاري 2/ 197 - 198 ح 702.
(2)
الفتح 2/ 195.
(3)
البخاري 2/ 246 ح 764، أبو داود 1/ 509 ح 812.
(4)
كشف الأستار 1/ 236 - 237 وقال: لا نعلم أحدًا ممن روى عن جابر سمى هذا الرجل إلا ابن جابر.
(5)
أبو داود 1/ 501 ح 791 بلفظ: حزم وكذا عند البخاري في التاريخ الكبير 3/ 110، وفي تنقيح فهوم أهل الأثر بالجيم جزم 636، وفي الاستيعاب 3/ 7.
وفي رواية أحمد والنسائي وأبي يعلى وابن السكن (1) بإسناد صحيح عن أنس أنه حرام براء بعدها ألف، وظن بعضُهم أنه حرام بن ملحان خال أنس، وبهذا جزم الخطيب في "المبهمات"(2)، ويحتمل أن يكون تصحف (أ) من حزم فلا مخالفة حينئذ، وابن عبد البر ذكر في "الصحابة" حرام بن أُبي بن كعب (3) وذكر له هذه القصة وعزا تسميته إلى هذه الرواية عن أنس.
قال المصنف رحمه الله (4) -: ولم أقف على تسمية أبيه في هذه الرواية وكأنه بنى على أن اسمه تصحف، والأب واحد سماه جابر، ولم يسمه أنس، ووقع في رواية لأحمد (5) أن اسمه: سليم من بني سلمة، ورواه البزار من وجهٍ آخر عن جابر وسماه:"سليمًا" أيضًا، ووقع عند ابن حزم (6) من هذه طريق البزار أن اسمه "سَلْم" بفتح أوله وسكون اللام، وكأنه تصحيف، وجمع بعضهم بأنهما واقعتان، وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل هي (ب) المغرب أو العشاء، والاختلاف في السورة هل هي
(أ) في جـ: صحف.
(ب) زاد في جـ: في.
_________
(1)
أحمد 3/ 124، والنسائي الكبرى في التفسير، تحفة الأشراف 1/ 272، وعند البزار 1/ 235 - 236.
(2)
الفتح 2/ 194، وقال النووي: لم يذكر الخطيب غيره 4/ 127.
(3)
الاستيعاب 3/ 7، ولم يذكر أنه خال أنس لأنه ترجم لخال أنس قبل هذه الترجمة.
(4)
الفتح 2/ 194.
(5)
أحمد 3/ 74، وهذه الرواية مرسلة لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه لأن في الرواية أنه استشهد بأحد، وأخرج البخاري في الكبير أن اسمه سليم 3/ 110، والذهبي في التجريد 1/ 236، وابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 7، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 409.
(6)
في المحلى اسمه سليم 1/ 230 وقال المصحح (في النسخة رقم 16) سلم وهو خطأ، ولعلها هي التي اعتمد عليها ابن حجر في الفتح لأن هذا الكلام كلامه.
البقرة؟ أو اقتربت؟ وفي الاختلاف في عُذْر الرجل، هل هو لأجل أنه جاء من عمل وهو تعبان، أو لكونه أراد أن يسقي نخله إذ ذاك، أو لكونه خاف علي الماء في النخل، وأورد على هذا أن معاذًا لو سبق له نهي لما عاد إلى ما نُهيَ عنه، وأجيب عنه بأنه نهي عن البقرة أولًا فقرأ بعد ذلك باقتربت، أو أنَّ النهي لما يخشى من التنفير لمن هو قريب العهد بالإسلام ثم لما اطمأنت نفوسهم ظن معاذ زوال المانع، ففعل مثل ذلك لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور.
وفي الحديث دلالة على صحة صلاة الفترض خلف المتنفل إذ يستبعد أن يصلي معاذ بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نافلة ويترك فرضه. [وأصرح منه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدارقطني وغيرهم (1) من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب، زاد: "هي له تطوع"، وهو حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح، والأصل أن ما كان موصولًا بالحديث فهو منه، والظاهر أن هذه الزيادة من قول جابر وكان أعلم باللَّه وأخشى أن يقول مثل هذا إلا بعلم (2)](أ).
وكذلك جواز الخروج من صلاة الجماعة للعذر كما وقع في رواية الشافعي عن ابن عيينة في هذا الحديث: "فتنحى رجلٌ من خلفه فصلى وحده"(3)، وإن كان هذا محتملًا، وقد جوز الخروج عن الائتمام من
(أ) ومن قوله: "والأصل" إلى النهاية ساقط من جـ، وممحو من الأصل. بهامش الأصل.
_________
(1)
الطحاوي 1/ 409، الأم 1/ 153، الدارقطني 1/ 274.
(2)
قال البيهقي في معرفة السنن والآثار: كذلك رواه بهذه الزيادة أبو عاصم النبيل وعبد الرزاق عن ابن جريج كرواية الشافعي عن ابن جريج بهذه الزيادة، وزيادة الثقة مقبولة. المجموع 4/ 152.
(3)
الأم 1/ 152.
دون قطع الصلاة المؤيد باللَّه والإمام يحيى والشافعي وغيرهم، وفي أكثر روايات الحديث أنه قطع الصلاة بتسليم، وصلى وحده (1).
فيدل (أ) أيضًا على أنه يجوز قطع الصلاة واستئنافها للعذر.
وقوله في لفظ البخاري: "إن معاذًا نال منه" قد فسره في رواية قال: "إنه منافق"(2)، وفي رواية قال:"أنافقت يا فلان؟ قال: لا واللَّه، ولآتين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلأخْبِرَنَّه"(3)، وفي هذه الرواية أن الرجل هو الذي اشتكى
(أ) في جـ: ويدل.
_________
(1)
لكن قال البيهقي: لا أدري هل حفظت هذه الزيادة التي في مسلم وهي قوله: "ثم سلم" لكثرة مَنْ روى هذا الحديث عن سفيان دون هذه الزيادة وإنما انفرد بها محمد بن عباد عن سفيان. وقال النووي: وهذا الجواب فيه نظر، لأنه قد تقرر وعُلِمَ أن المذهب الصحيح الذي عليه الجمهور من أصحاب الحديث والفقه والأصول قبول زيادة الثقة، لكن يعتضد قول البيهقي بما قررناه في علوم الحديث أن أكثر المحدثين يجعلون مثل هذه الزيادة شاذا ضعيفًا مردودًا، فالشاذ عندهم أن يروي ما لا يرويه سائر الثقات سواء خالفهم أم لا، ومذهب الشافعي وطائفة من علماء الحجاز أن الشاذ ما يخالف الثقات أما ما لا يخالفه فليس بشاذ بل يحتج به وهذا هو الصحيح. اهـ.
والمسألة في قطع الائتمام بالصلاة فهل يسلم ويستأنف أم يتم الصلاة؟
قال الرافعي في "شرح المسند" على رواية الشافعي: هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه لكنه غير محمول عليه لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه. اهـ.
واستدل الشافعية بهذه الرواية على قطع المتابعة والصلاة منفردًا، ونازع النووي وقال: الرواية في مسلم أنه سلم. اهـ.
وهو الأحوط أن يقطع صلاته ويستأنف لرواية مسلم من حديث معاذ "أنه انحرف رجل فسلم ثم صلى وحده"، وللإمام أحمد روايتان: المجموع 4/ 126 - 128 المغني 2/ 133، شرح مسلم 2/ 102 - 103، فتح الباري 2/ 194 - 195.
(2)
البخاري 1/ 515 ح 6106.
(3)
مسلم 1/ 339 ح 178 - 465.
من معاذ، وفي رواية النسائي (1) فقال معاذ:"لئن أصبحت لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل إليه فقال: ما حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول اللَّه عملت على ناضحٍ لي .. " فذكر الحديث، وكأن معاذًا سبقه بالشكوى، فلما أرسل له جاء فاشتكى من معاذ". واللَّه أعلم.
310 -
وعن عائشة رضي الله عنها في قصة صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالناس، وهو مريض قالت:"فَجَاء حتى جلس عن يسار أبي بكر، وكان يصلي بالناس جالسًا، وأبو بكر قائمًا يَقْتَدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقْتَدي الناس بصلاةِ أبي بكر". متفق عليه (2).
قوله "عن يسار أبي بكر": فيه دلالة على أنه يجوز أن يقف الواحد على يمين الإمام وإن حضر معه غيره، وإدارة ابن عباس (3) وجابر مع جناد (أ) بن صخر لا يدل على أن جنب الإمام لا يصح الوقوف فيه إذ ذاك لينضم مع غيره، فلا يبقى الثاني منفردًا، وهنا زال المانع، ويحمل على أنْ ثَمَّ مقتضيًا هنا: إما التبليغ، أو لكونه إمامًا في أول الصلاة، أو أن إمامته باقية، أو لكون الصف قد ضاق، أو لغير ذلك من المحتملات، ومع عدم الدليل على أنه فعل لواحد (ب) منها، فالظاهر الجواز على الإطلاق.
وقوله "وكان يصلي بالناس .. " إِلخ تقدم الكلام على ذلك [قريبًا في
(أ) في جـ: جبار.
(ب) في هـ: الواحد.
_________
(1)
النسائي 2/ 76.
(2)
البخاري: الأذان، باب من قام إلى جنب الإمام لعلة 2/ 166 ح 683، مسلم: الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما 1/ 313 - 314 ح 95 - 418، النسائي: باب الإمامة، الائتمام بالإمام يصلي قاعدًا 2/ 77، ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه 1/ 391 ح 1235.
(3)
البخاري 3/ 212 ح 117.
حديث "إنما جعل الإمام .. " إلى آخره] (أ).
وقوله "يقتدى أبو بكر .. " إِلخ فيه احتمال أن يكون ذلك الاقتداء على جهة الائتمام، فيكون أبو بكر إمامًا ومأمومًا، وفيه احتمال أن أبا بكر إنما كان مبلغًا وليس بإمام.
واعلم أنه وقع الاختلاف في حديث عائشة هذا وفي غيره هل كان النبي إمامًا أو مأمومًا؟ فأخرج أبو داود الطيالسي (1) كما أخرج عنه البخاري (2)(ب بعضه: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المُقَدَّم بين يدي أبي بكر"، وأخرج عنه ابن خزيمة في "صحيحه" (3) عن محمد بن بشار عند ب) أبي داود الطيالسي بسنده هذا عن عائشة قالت: "من الناس من يقول كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المُقَدَّم، ومن الناس منْ يقول كان أبو بكر المقَدَّم بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".
ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى خَلْفَ أبي بكر". أخرجه ابن المنذر، ووقع في رواية مسروق عنها اختلاف، فأخرجه ابن حبان من رواية عاصم عن شقيق (جـ بلفظ:"كان أبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر"(4)، وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق جـ)
(أ) بهامش الأصل وساقطة من هـ.
(ب - ب) بهامش هـ.
(جـ- جـ) ساقطة من هـ.
_________
(1)
رواية أبي داود هذه وصلها البزار.
(2)
البخاري 2/ 151 ح 644.
(3)
ابن خزيمة 3/ 54 ح 1617.
(4)
ابن حبان (موارد) 108 - 109 ح 367، ولفظه "فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي وهو جالس وأبو بكر قائم يصلي بصلاة رسول اللَّه والناس يصلون لصلاة أبي بكر".
عنه بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر"(1)، وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة، لكن تضافرت الروايات عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة، منها رواية موسى بن أبي عائشة:"فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر"(2)، وهذه رواية زائدة (أ) بن قدامة عن موسى، وخالفه شعبة فرواه بلفظ:"أن أبا بكر صلى بالناس ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه"(3) فمن العلماء من سلك الترجيح، فقدم الرواية التي فيها "أن أبا بكر كان مأمومًا" للجزم بها، ولأن أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره.
ومنهم من عكس ذلك ورجع أنه كان إمامًا وتمسك بقول أبي بكر: "ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ". أخرجه البخاري.
ومنهم من حمل القصة على التعدد، ويؤيده حديث ابن عباس (4)، وفيه:"أن أبا بكر كان مأمومًا". أخرجه البخاري، وحديث أنس فيه أن
(أ) في النسخ: زيد بن قدامة، والتصويب من "الصحيح".
_________
(1)
الترمذي 2/ 196 ح 362، النسائي 2/ 62، ابن خزيمة 3/ 55 ح 1620 عن أبي وائل وهو شقيق بن سلمة.
(2)
البخاري 2/ 172 ح 687.
(3)
البخاري بلفظ: "أن يصلي" 2/ 167 ح 684.
(4)
البخاري 2/ 172 ح 687 وأوله: حديث عائشة، وفي آخره قال عبيد اللَّه: فدخلت على عبد الله بن عباس فقلت له: ألا أعرض ..
أبا بكر كان إمامًا. أخرجه الترمذي وغيره بلفظ: "آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في ثوب"(1)، فهذا الاختلاف يقتضي تعدد القصة.
ثم اعلم أن الظاهر من تسويتها اقتداء أبي بكر، واقتداء الناس به هو الائتمام. وأن أبا بكر كان مأمومًا (أ) إمامًا، وقد بوب البخاري في "صحيحه" على ذلك فقال:(ب) باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم (2). قال ابن بطال (3): هذا يوافق قول مسروق والشعبي أن الصفوف يؤم بعضها بعضا خلافًا للجمهور.
(جـ) قال المصنف رحمه الله (4) -: وليس المراد أنهم يأتمون بهم في التبليغ فقط كما فهمه بعضهم، بل الخلاف معنوي لأن الشعبي قال فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رءوسهم من الركعة: إنه أدركها ولو كان الإمام رفع قبل ذلك، لأن بعضهم لبعض أئمة. انتهى.
فهذا يدل على أنه يرى أنهم يتحملون عن بعضهم بعضًا ما يتحمله
(أ) زاد في هـ: و.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) زاد في جـ، هـ: و.
_________
(1)
الترمذي 2/ 197 ح 363 ولفظه: "صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدًا في ثوب متوشحًا به".
(2)
البخاري 2/ 204.
(3)
قال ابن بطال: هذا الباب موافق لقول الشعبي ومسروق أن الإمام يؤم الصفوف والصفوف تؤم بعضها بعضًا قال الشعبي: فإذا كثرت الجماعة في المسجد فدخل رجل وهم يصلون فأحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رءوسهم من الركعة فإنه قد أدركها لأن بعضهم أئمة لبعض .. ابن بطال باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم.
(4)
الفتح 2/ 204.
الإمام، ويؤيد هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم:"تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم"(1).
وفي حديث أبي بكر أنه كان يسمعهم التكبير في رواية مسلم (2)، فيه دلالة على جواز رفع الصوت بالتكبير ليسمعه الناس ويتبعونه، وأنه يجوز للمقتدي اتباع صوت المكبر. وهذا مذهبنا (3) ومذهب الجمهور، ونقلوا فيه الإجماع، والإجماع غير صحيح. فقد نقل القاضي عياض عن مذهبهم أن منهم من يبطل صلاة المقتدي، ومنهم منْ لم يبطلها، ومنهم من قال: إن أذن الإمام في الإسماع صَحَّ الاقتداء به وإلا فلا، ومنهم من أبطل صلاة المسمِّع، ومنهم من صحَّحها، ومنهم من شرط إذن الإمام، ومنهم من قال: إن تكلف صوتًا بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته، وكل هذا ضعيف، والصحيح جواز ذلك كله، وصحة صلاة المسمع والسامع، ولا يعتبر إذن الإمام.
311 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا أمَّ أحدُكم النَّاسَ فلْيُخَفف، فإِن فيهم الصغير والكبير، والضعيف وذا الحاجة فإِذا صلَّى وحده فلْيُصل كيف شاء". متفق عليه (4).
(1) مسلم 1/ 325 ح 130 - 438.
(2)
مسلم 1/ 309 ح 85 - 413 م.
(3)
المجموع 3/ 335 - 336.
(4)
البخاري بلفظ: "السقيم والضعيف والكبير": الأذان، باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء 2/ 199 ح 703، مسلم، الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام 1/ 341 ح 183 - 467، وليس فيه "ذا الحاجة" وهي موجودة في رواية أخرى عن أبي هريرة عند مسلم 184، 185 - 467، أبو داود، بلفظ البخاري، الصلاة، باب في تخفيف الصلاة 1/ 502 ح 794 - 795 الترمذي بلفظ:"المريض" بدل "ذا الحاجة"، الصلاة، باب ما جاء إذا أم أحدكم الناس فليخفف 1/ 461 ح 236، النسائي بلفظ:"السقيم والضعيف والكبير" الإمامة، ما على الإمام من التخفيف 2/ 74، أحمد نحوه 2/ 486.
وقوله: "فليصل كيف شاء": أي مخففًا أو مطولًا، وفيه دلالة على جواز تطويل المنفرد بالصلاة في جميع الأركان من القيام والركوع والسجود والاعتدال، وظاهره: ولو خشي خروج الوقت، وقد صحح هذا بعض الشافعية، ولكنه يعارضه حينئذ قوله في حديث [أبي] (أ) قتادة:"إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى" أخرجه مسلم (1)، فإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولَى.
312 -
وعن عمرو بن سَلمة رضي الله عنه قال (ب): قال أبي: جئتكم من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حقًّا، قال:"فإِذا حضرت الصلاة فلْيؤذِّن أحدكم وليؤمكم أكثركم فرآنًا". قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني، فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين. رواه البخاري وأبو داود والنسائي (2).
هو أبو يزيد -من الزيادة، قاله البخاري (3)، وقال مسلم بن الحجاج وغيره (4): بُريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء تحتها نقطتان
(أ) في النسخ قتادة، والتصحيح من "مسلم".
(ب) ساقطة من هـ.
_________
(1)
مسلم من حديث طويل، وفيه "إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى" 1/ 472 - 473 ح 311 - 681.
(2)
البخاري، وفيه قصة المغازي 8/ 22 ح 4302، أبو داود: الصلاة، باب من أحق بالإمامة 1/ 393 - 394 ح 585، النسائي، الإمامة، إمامة الغلام قبل أن يحتلم 2/ 62 - 63، البيهقي الصلاة، باب إمامة الصبي الذي لم يبلغ 3/ 91، الحاكم، المغازي 3/ 47.
(3)
التاريخ الكبير 6/ 313، الإكمال 2/ 452.
(4)
الكنى 1/ 158، الإكمال 4/ 535، ويقال: يزيد، قال ابن حجر: واختلف في ضبطه فقيل: بموحدة ومهملة مصغرًا، وقيل بتحتانية وزاي بوزن عظيم. الإصابة 7/ 116، وذكر النووي الوجهين، المجموع 4/ 129.
وبالدال المهملة- عمرو بن سَلمة -بكسر اللام- بن نُقَيْع -بضم النون وفتح القاف وسكون الياء- الجرمي، (أقاله ابن منده، وقال ابن عبد البر (1): سلمة بن قيس الجرمي، وقال ابن ماكولا: عمرو بن سلمة بن لأي -بفتح اللام وسكون الهمزة وبالياء- الجرمي، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يؤم قومه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان أقرأهم للقرآن، وقيل: إنه قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع أبيه، ولم يُخْتَلَف في قدوم أبيه، نزل عمرو البصرة روي عنه أبو قلابة وعاصم (ب) الأحول وأبو الزبير المكي (2).
في الحديث دلالة على أن الأكثر قرآنًا أحق بالإمامة كما في الحديث الذي بعده.
[وفي الحديث دلالة على (جـ) أفضلية الإمامة على الأذان (3)، (د ومن قال د) بتفضيل الأذان (هـ) قال: إنما أطلق هنا، وقال: "أحدكم" لأن الأذان لا يحتاج إلى كثير علم، وأعظم مقصوده الإعلام بالوقت](و) فقط، وتقديمه وهو في ست أو سبع فيه دلالة لما ذهب (ز) إليه الحسن البصري والشافعي
(أ- أ) آخره في جـ بعد قوله: وسكون الهمزة وبالياء الجرمي.
(ب) في جـ: وعامر.
(جـ) زاد في هـ: أن.
(د- د) ساقط من هـ.
(هـ) زاد في هـ: ومن.
(و) بهامش الأصل.
(ز) في جـ: إلى ما ذهب.
_________
(1)
الاستيعاب 8/ 311.
(2)
الاستيعاب 8/ 311، الإصابة 7/ 116.
(3)
تكلمنا على المسألة في أول الأذان ص 532.
وإسحاق في أنه لا كراهة في إمامة المميز (1)، وكرهها مالك (2) والثوري [والشعبي والأوزاعي](أ)، وعن أبي حنيفة، وأحمد روايتان (3)، والمشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض (4)، ومنع من ذلك الهادي والناصر والمؤيد باللَّه (5). قالوا قياسًا على المجنون، ولا حجة في قصة عمرو لأنه لم يرو أن ذلك بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقرير، ويحتمل أن يكون أمهم في نافلة، وأجيب بأن وقوع مثل ذلك في زمن الوحي لا يكاد يقع لأحد من الصحابة التقرير على ما لا يجوز فعله، وبهذا استدل أبو سعيد وجابر على جواز العزل بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل (6)، والوفد الذين قَدَّمَوا عَمْرًا كانوا جماعة من الصحابة. قال ابن حزم (7): ولا يعلم لهم في ذلك مخالف، واحتمال أن تكون نافلة تبعده القصة بعد تعليمهم أوقات الصلاة وفي رواية لأبي داود: قال عمرو: "فما شهدت مشهدًا في جرم إلا كنت إمامهم"(8) وهذا يعم الفرائض والنوافل، وعلى القول بصحة إمامة المتنفل
(أ) بهامش الأصل، وساقطة من جـ.
_________
(1)
المجموع 4/ 129 - 130.
(2)
الكافي 1/ 213. وأجاز النافلة خلفه إذا كان يعقل الصلاة. وقيد الأوزاعي أنه لا يؤم في مكتوبة إلا أن لا يكون فيهم من يحفظ شيئًا من القرآن غيره: فيؤمهم المراهق. المجموع 4/ 130.
(3)
الهداية وشرحها. فتح القدير 1/ 357 - 358، المغني 2/ 228.
(4)
وفرق بين الفرض والنفل لأن النافلة يدخلها التخفيف، ولذلك تنحقد الجماعة به فيها إذا كان مأمومًا، وتصح جالسًا مع القدرة على القيام، وقاعدة الشافعية: كل صبي صحت صلاته صحت إمامته في غير الجمعة. ورواية عن مالك بالتفريق بين الفرض والنفل. المغني 2/ 228، المجموع 4/ 131، المحلى 4/ 218.
(5)
البحر 1/ 314.
(6)
البخاري 9/ 305 ح 5207 - 5210.
(7)
المحلى 4/ 218.
(8)
أبو داود 1/ 395 ح 587.
بالمفترض فإمامة (أ) الصبي جائزة إذ هي من هذا القبيل.
وقوله: "حقًّا": منصوب على صفة الصدر المحذوف أي إرسالًا حقا أو أنه مصدر مؤكد للجملة المتضمنة إذ هو في قوة: هو رسول اللَّه حقا، فهو مصدر مؤكد لغيره.
313 -
وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللَّه، فإِن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإِن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هِجْرَةً، فإِن كانوا في الهِجْرَةِ سواء فأقدمهم سلمًا، وفي رواية: "سنًّا، ولا يؤمن الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تَكْرِمَته إِلّا بإِذْنِهِ" رواه مسلم (1).
ولابن ماجه (2) من حديث جابر رضي الله عنه: "ولا تَؤمَّنَّ امرأةٌ رجلًا، ولا أعرابيٌّ مُهاجرًا، ولا فاجرٌ مؤمنًا". وإسناده واه.
(أ) في هـ: المفترض بإمامة.
_________
(1)
مسلم ولفظه "لا يؤمن الرجل الرجل" كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة 1/ 465 ح 290 - 673، أبو داود بنحوه، الصلاة، باب من أحق بالإمامة 1/ 390 ح 582، الترمذي، باب ما جاء من أحق بالإمامة 1/ 458 ح 235، النسائي، كتاب الإمامة من أحق بالإمامة 2/ 59، ابن ماجه، نحوه، إقامة الصلاة والسنة فيها، باب من أحق بالإمامة 1/ 313 ح 980 أحمد 5/ 272.
(2)
ابن ماجه من حديث طويل: "خطبنا رسول اللَّه .. " إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فرض الجمعة 1/ 343 ح 1081، البيهقي، الجمعة 3/ 171 الكامل في ترجمة عبد اللَّه بن محمد العدوي 4/ 1497.
والحديث سنده واه لأن فيه رجلين:
1 -
علي بن زيد بن جدعان ضعيف مر في ح 12.
2 -
عبد اللَّه بن محمد العدوي أبو الحباب التميمي.
قال البخاري: منكر الحديث، وقال بعضهم: متروك. التهذيب 6/ 20، الكامل 4/ 1497، التقريب 188.
قوله: "أقرؤهم": أي أكثرهم حفظًا للقرآن، ويحتمل أن يراد به أحسن (أ) تأدية، و (ب) كما في قوله "أقرأكم" إلخ، (جـ) فيه دلالة على تقديم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وبعض أصحاب الشافعي (1)، وقال مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول الهادوية (2): أنه (د) يقدم الأفقه على الأقرأ، لأن الذي (هـ) يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد تعرض في الصلاة أمور لا يقدر على مراعاة مقتضاها إلا كامل الفقه، قالوا: ولهذا قدَّم النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر على غيره مع قوله: "أقرؤكم أُبَيّ"(3).
والحديث خرج على ما كان عليه حال الصحابة من أن الأقرأ هو الأفقه، وقد قال ابن مسعود:"ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف حكمها وأمرها ونهيها"(4) ولكن قوله: "فإِن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة" يبعد هذا الجواب، فإنه دليل على تقديم الأقرأ مطلقًا،
(أ) في جـ: أحسنهم.
(ب) الواو ساقطة من هـ.
(جـ) زاد في جـ، وهـ: و.
(د) ساقطة من جـ.
(هـ) زاد في هـ: لا.
_________
(1)
في الهداية أن أعلمهم بالسنة هو الأولى، فإن كانوا سواء فأقرؤهم، وعن أبي يوسف أقرؤهم لأن القراءة لا بد منها 1/ 346، المغني 2/ 181، وهو وجه عند الشافعية. المجموع 4/ 159.
(2)
المجموع 4/ 159، بداية المجتهد 1/ 144، البحر 1/ 308.
(3)
الكامل بلفظ "وأن أقرأها لأبي" 6/ 2097، ابن ماجه 1/ 55 ح 154، أحمد 3/ 184.
(4)
تفسير الطبري ولفظه: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن" 1/ 35، وفي رواية "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من الحمل فتعلمنا القرآن والعمل معا
…
" 1/ 36.
[ولعله يقال: إن الأكثر حفظًا للقرآن هو القدم لكونه أفقه بما نزل به الوحي، فإن استويا قدم الأعلم بالسنة؛ لأنه انضم إلى فقه القرآن فقه السنة فقد صار أكثر فقهما، واللَّه أعلم.
وفي رواية الطبراني (1) عن مرثد الغَنَويّ: "إنْ سَرَّكُمْ أن تقْبَلَ صلاتُكم فلْيؤمُّكم عُلماؤكم فإنَّهم وفدُكم فيما بينكم وبيْن ربِّكم"] (أ).
(ب) قوله: "فأقدمهم هجرة": وهذا شامل لمن تقدمت هجرته سواء كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده كمن يهاجر من دار كفر إلى دار إسلام (جـ)، وأما قوله:"لا هجرة بعد الفتح"(2)، فالمقصود من مكة إلى المدينة، لاستوائهما في كونهما صارا داري إسلام (3) ولعله يقال: وكذا أولاد المهاجرين فلهم حكم سلفهم في التقديم.
وقوله: "فأقدمهم سلمًا": أي إسلامًا يعني من تقدم إسلامه مقدم على من تأخر عنه، وكذا رواية "سنا" أي الأكبر في السن [أي في الإسلام فمن تقدم إسلامه فهو أولى، وإن كان أصغر في السن ممن تأخر إسلامه، قال البغوي (4): وكذا مَنْ كان إسلام أحد آبائه قبل إسلام آباء الآخر يكون أولى، ومن أسلم بنفسه فهو أولى ممن أسلم بإسلام أحد أبويه إذا كان إسلام
(أ) بهامش الأصل.
(ب) زاد في هـ: و.
(جـ) في هـ: من دار الكفر إلى دار الإسلام.
_________
(1)
الحاكم 3/ 222، الطبراني 20/ 328 ح 777، وقال الهيثمي: فيه يحيى بن يعلى الأسلمي وهو ضعيف. المجمع 2/ 64، قال أبو حاتم: مضطرب الحديث. الميزان 4/ 415، التقريب 380.
(2)
مسلم 3/ 1488 ح 86 - 1864.
(3)
ويدل عليه رواية ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة: "لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا
…
" مسلم 3/ 1487 ح 85 - 1353.
(4)
شرح السنة 3/ 396.
المسلم بنفسه قبل بلوغ من أسلم بإسلام أحد أبويه، (أإذا كان إسلام المسلم بنفسه قبل بلوغ من أسلم بإسلام أحد أبويه أ)، وإنما كان من أسلم بنفسه أولى لأنه اكتسب الفضيلة بنفسه] (ب).
وقوله: "ولا يؤم المرء في سلطانه": فيه دلالة على تقديم ذي الولاية على غيره، وظاهره وإن كان غيره أفقه منه ونحوه، وهذا خاص، وأول الحديث عام فالبناء صحيح، ويلحق بالسلطان (ب) صاحب البيت وإمام المسجد المعتاد، لأنه متصرف (د) في ذلك، فهو لاحق بالسلطان المتصرف، قال أصحاب الشافعي (1): ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه.
وقوله: "على تَكْرمته": هو بفتح التاء وكسر الراء، الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويختص به.
وحديث ابن ماجه إسناده واه بأنه من رواية عبد الملك بن حبيب وهو متهم بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد (2).
(أ - أ) بهامش هـ.
(ب) بهامش الأصل.
(جـ) في جـ: السلطان.
(د) في جـ: يتصرف.
_________
(1)
شرح مسلم 2/ 317.
(2)
سند ابن ماجه والبيهقي وابن عدي ليس فيه عبد الملك بن حبيب، إنما ضعفه أتى من العدوي وابن جدعان كما بيناه إلا أن ابن حجر في التلخيص 2/ 34 قال: ورواه عبد الملك بن حبيب في الواضحة من وجه آخر، حدثنا أسد بن موسى وعلي بن معبد قالا ثنا فضيل بن عياض عن علي بن زيد، وعبد الملك متهم بسرقة الأحاديث وتخليط الأسانيد، قاله ابن الفرضي: قال عبد الحق في الأحكام: رأيته في كتاب عبد الملك، قال ابن عبد البر: أفسد عبد الملك بن حبيب إسناده، وإنما رواه أسد بن موسى عن الفضيل بن مروزق عن الوليد بن بكير عن عبد الله بن محمد العدوي عن علي بن زيد فجعل عبد الملك فضيل بن عياض بدل فضيل بن مرزوق وأسقط من الإسناد رجلين. اهـ. =
وفيه دلالة على أن المرأة لا تؤم الرجل (1). وقد ذهب إلى هذا العترة والحنفية والشافعية وغيرهم، وأجاز المزني وأبو ثور إمامة المرأة (2)، وظاهر الرواية الإطلاق في الفرائض والنوافل، والطبري (3) أجاز إمامتها في التراويح إذا لم يحضر من يحفظ القرآن، ولعل حجتهم ما سيأتي من حديث أم ورقة (4)، ويحمل النهي على التنزيه ضد الاستحباب.
وقوله: "ولا أعرابي مهاجرًا"(5): ظاهره أنها لا تصح صلاة المهاجر مؤتمًا بالأعرابي الذي لم يهاجر، على فرض صحة الحديث، إلا أن يمنع إجماع حمل النهي على الكراهة ضد الاستحباب.
وقوله: "ولا فاجر مؤمنًا": كذلك فيه دلالة على أنه لا تصح إمامة الفاسق، وقد ذهب إلى هذا العترة ومالك وجعفر بن ميسر (أ)(6) وجعفر بن حرب، وذهب الحنفية (7) والشافعية والمعتزلة (ب) وغيرهم إلى صحة إمامة
(أ) هـ: ميسرة.
(ب) قدم في جـ: المعتزلة على الشافعية.
_________
= قلت: نقل المؤلف من التلخيص ولم يجود النقل فإن ابن حجر تكلم علي إسناد ابن ماجه وقال: العدوي اتهمه وكيع بوضع الحديث وشيخه ضعيف وهو المطلوب واللَّه أعلم.
(1)
مر في ح 301، وفصَّلها هنا أكثر.
(2)
المجموع 4/ 136.
(3)
في بدابة المجتهد: وشذ أبو ثور والطبري فأجازا إمامتها على الإطلاق 1/ 145.
(4)
سيأتي في ح 322.
(5)
لا تكره إمامة الأعرابي إذا كان بصلح لها وله قال أغلب الفقهاء، وقال أبو مجلز ومالك بالكراهة. المغني 2/ 230، المجموع 4/ 157.
(6)
المجموع 1/ 134، البحر 1/ 311 - 312.
(7)
المجموع 4/ 134، وفَرّق الحنابلة بين المعلن بدعته فعليه الإعادة ومن لم يعلنها فيه روايتان. وفصل الأحناف بين الجمعة وغيرها وبين أهل الأهواء كالجهمية والقدرية فلا تجوز الصلاة خلفهم وبين المبتدع الذي لا يكفر ببدعته. شرح فتح القدير 1/ 350.
الفاسق ودليلهم ما سيأتي من حديث ابن عمر (1)، وكذلك حديث أبي هريرة:"والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرًا وإن عمل الكبائر" رواه أبو داود، والدارقطني (2) وهو (أ) منقطع من حديث (ب) مكحول، وله طريق أخرى (3) عند ابن حبان (جـ) في "الضعفاء" من حديث عبد اللَّه بن محمد، وعبد اللَّه متروك، ورواه الدارقطني (4) من حديث الحارث عن علي، ومن حديث علقمة (5) والأسود عن عبد اللَّه، ومن حديث مكحول أيضًا عن واثلة (6)، ومن حديث أبي الدرداء (7) من طرق كلها واهية جدا، قال العقيلي (8): ليس في هذا المتن إسناد يثبت، ونقل
(أ) في جـ: وهذا.
(ب) بهامش جـ.
(جـ) في هـ: ابن ماجه.
_________
(1)
سيأتي في ح 324.
(2)
أبو داود 1/ 398 ح 594، الدارقطني 2/ 56، البيهقي 3/ 121، ومكحول الشامي مرّ في ح 275 وهو لم يسمع من أبي هريرة وإنما أرسل. التهذيب 10/ 290 - 292، الدارقطني 2/ 57.
(3)
الدارقطني 2/ 55، وليس في ضعفاء ابن حبان طريق لهذا الحديث انظر 2/ 10 وفيه عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير المدني يلقب بزاذان تركه أبو حاتم وقال ابن حبان: لا يحل كتابة حديثه. مرّ في ح 45.
(4)
الدارقطني 2/ 57، وفيه الحارث بن عبد اللَّه الأعور الهمداني كذبه الشعبي في رأيه مرّ في المقدمة، وفيه أبو إسحاق القنسريني مجهول. الميزان 4/ 489.
(5)
الدارقطني 2/ 57، وفيه عمر بن صبح الخراساني ليس بثقة ولا مأمون قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث، الميزان 3/ 206.
(6)
الدارقطني 2/ 57، وفيه أبو سعيد الشامي عبد القدوس بن حبيب الكلاعي الشامي الدمشقي، ذاهب الحديث، قال الفلاس: أجمعوا على ترك حديثه. لسان الميزان 4/ 45، الكنى 1/ 367.
(7)
الدارقطني 2/ 55 - 56 وقال الدارقطني: ولا يثبت إسناده، من بين عباد وأبي الدرداء ضعفاء. 2/ 56.
(8)
التلخيص 2/ 37.
ابن الجوزي (1) عن أحمد أنه سئل عنه فقال: ما سمعنا بهذا. قال الدارقطني (2): ليس فيها شيء يثبت وللبيهقي في هذا الباب أحاديث ضعيفة غاية الضعف، وأصح ما فيه حديث مكحول عن أبي هريرة على إرساله، وقال أبو أحمد الحاكم: هذا حديث منكر (3)، ولكن الحديث المانع من الصلاة هو أيضًا غير صحيح، وقد عارضته (أ) هذه الأحاديث وهي متأيدة بالكثرة وأنها مقررة للأصل وهو الصحة، وعموم أحاديث الأمر بالجماعة، والمأمور بها الجميع من البر والفاجر، وقد أخرج البخاري صلاة ابن عمر خلف الحجاج (4)، وكذا أخرج البخاري في "تاريخه" (5) عن عبد الكريم البكاء أنه قال:"أدركتُ عشرة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يصلي خلف أئمة الجور"، ويؤيده أيضًا حديث مسلم: "كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟.
قال: قلتُ: فما تأمرني؟ قال: الصلاة لوقتها، فإنْ أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة (6) " فإنَّ الظاهر من حال من اعتاد إمامة الصلاة وأخرها عن وقتها الخروج عن الحق والتنكب عن سنن الشريعة ويحمل
(أ) في جـ: عارضة.
_________
(1)
العلل المتناهية 1/ 428.
(2)
سنن الدارقطني 2/ 57.
(3)
التلخيص 2/ 37.
(4)
البخاري - كتاب الحج - باب التهجير بالرواح يوم عرفة: 3: 511 ح 1660.
(5)
التاريخ 6/ 90، البيهقي 3/ 117.
(6)
مسلم 1/ 448 ح 238 - 648.
حديث النهي على الكراهة ضد الاستحباب كما في المعطوف عليه القريب، وإنْ كان في ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز كما في إمامة المرأة بالرجل. واللَّه أعلم.
314 -
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رُصُّوا صفوفكم، وقَارِبُوا بينها، وحَاذُوا بالأعْنَاق" رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان.
تمام الحديث "فوالذي نفسي بيده إِني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف"(1).
ورص الصف مأخوذ من رص البناء. [والمراد المبالغة في الازدحام حتى لا تبقى فرجة يدخل الشيطان منها (أ) وفي رواية الطبراني (2) عن علي رضي الله عنه: "استووا وتماسوا" (ب قال شريح: تماسوا ب) يعني ازدحموا في الصلاة](ب)، والمقاربة بين الصفوف هو ألا يبعد الصف الثاني عن الصف الذي قبله، [والحكمة في الأمر بالمقاربة ليشاهد كل صف أفعال (د) إمامه من الانتفالات وغيرها وليكونوا أقرب إلى الإمام ليسمعوا قراءته](هـ).
(أ) في هـ: فيها.
(ب - ب) ساقطة من جـ.
(جـ) بهامش الأصل وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.
(د) في جـ: انقتال.
(هـ) بهامش الأصل.
_________
(1)
أبو داود، الصلاة، باب تسوية الصفوف 1/ 434 ح 667، النسائي، الإمامة، حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها 2/ 72، ابن حبان (موارد) باب ما جاء في الصف للصلاة 113 ح 387، البيهقي، الصلاة، باب إقامة الصفوف وتسويتها 3/ 100، ابن خزيمة، باب الأمر بالمحاذاة بين المناكب والأعناق في الصف 3/ 22 ح 1545 قلت: وإسناده صحيح.
(2)
مجمع الزوائد 2/ 90 قال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه الحارث وهو ضعيف مرّ في المقدمة 11.
والمراد بمحاذاة الأعناق أن لا يقف أحدهم في مكان أرفع من غيره ولا عبرة بالأعناق أنفسها إذ ليس للطويل أن يوطئ عنقه ليحاذي عنق غيره.
وقوله في: تمام الحديث: "كانها الحَذَف" بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة هي صغار الغنم السود، الضمير في "كأنها" راجع إلى نفس مضاف إلى الشيطان أي جعل نفسه شاة أو ماعزة كأنها الحذف، أو أنث باعتبار الخبر.
315 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "خيرُ صفوف الرجال أوَّلُهَا، وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها" رواه مسلم (1).
فيه دلالة على (أ) فضيلة الصف الأول، وفيه أحاديث كثيرة، وإنما كان شرها آخرها لما فيه من النكص عن إحراز الفضائل، ولأنه "لا يزال العبد يتأخر حتى يؤخره اللَّه"(2) كما في حديث مسلم، وإنما كان خير صفوف النساء آخرها لأنهن إذا كانت صلاتهن مع الرجال بعدن عن
(أ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
مسلم: الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها 1/ 326 ح 132 - 440، أبو داود، الصلاة، باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول 1/ 438 ح 678، الترمذي، الصلاة، باب ما جاء في فضل الصف الأول 1/ 435 ح 224، النسائي، الإمامة، ذكر خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال 2/ 73، ابن ماجه، إقامة الصلاة والسنة فيها، باب صفوف النساء 9/ 311 ح 1000، أحمد 2/ 247، ابن خزيمة، باب ذكر خير صفوف الرجال وخير صفوف النساء 3/ 28 ح 1562، البيهقي، الصلاة، باب لا يأتم رجل بامرأة 3/ 90، الدارمي، باب أي صفوف النساء أفضل 1/ 291، حلية الأولياء 7/ 91، ابن حبان (الموارد) وطرفه "أحسنوا إقامة الصف" باب ما جاء في الصف للصلاة 112 ح 384.
(2)
ولفظه: "لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللَّه" مسلم 1/ 325 ح 130 - 438.
مخالطة الرجال ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم، ونحو ذلك، فذم صفهن الأول لذلك، وفيه دلالة على جواز اصطفاف النساء صفوفًا، وظاهره وسواء كانت صلاتهن مع الرجال أو مع امرأة، إلا أن التعليل ينتفي فيما إذا كانت إمامتهن امرأة، والشرية والخيرية باعتبار كثرة الثواب وقلته.
وقد قيل: في تأويل الصف الأول أنه الذي يتقدم من أول الصلاة، وهو قول باطل.
316 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة، فقمت عن يساره، فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي، فجعلني عن يمينه" متفق عليه (1).
قيام ابن عباس وصلاته مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو في صلاة الليل.
وقوله: "فقمت (أ) عن يساره" إِلخ، فيه دلالة على صحة صلاة المتنفل بالمتنفل، [وعلى أن الجماعة تنعقد بصبي مميز، وعلى أنه يصح الائتمام بمن لم ينو الإمامة، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة عند دخوله معه (2)،
(أ) في جـ: قمت.
_________
(1)
البخاري، الأذان، باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه 2/ 211 ح 726 بلفظ (مع النبي صلى الله عليه وسلم)، مسلم (نحوه، صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/ 531 ح 193 - 763، أبو داود (نحوه)، الصلاة، باب في صلاة الليل 2/ 96 ح 1357 أحمد (نحوه) 2/ 341، ابن خزيمة، باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوتر هذه الليلة التي بات ابن عباس بها عنده بعد طلوع الفجر الأول
…
إلخ 2/ 150 ح 1094.
(2)
قال صاحب المغني: لو أحرم منفردًا ثم جاء آخر فصلى معه فنوى إمامته صح في النفل لحديث ابن عباس، وأما الفريضة إن كان ينتظر أحدًا كإمام المسجد يحرم وحده وينتظر من يأتي فيصلي معه يجوز ذلك وإن لم يكن كذلك فقد روي عن أحمد أنه لا يصح وهو الأولى إن شاء اللَّه 2/ 231 - 232.
ففيه دلالة على صحة النية المتوسطة في الصلاة] (أ) وعلى أن موقف الواحد مع الإمام على اليمين بدليل الإدارة، إذ لو كان موقفًا للمؤتم لما فعل ذلك الفعل في الصلاة، وقد ذهب إلى هذا الجمهور من العلماء (1)، والخلاف في ذلك للنخعي فقال:"إذا كان الإمام وواحد قام الواحد خلف الإمام، فإن ركع الإمام قبل أن يجيء أحد قام عن يمينه"(2) أخرجه سعيد ابن منصور ووجه بأن الإمامة مظنة الاجتماع، فاعتبرت في موقف المأموم حتى يظهر خلاف ذلك، وهو حَسَن، لكنه مخالف للنص، وقد رَوَى سعيد بن منصور عنه قال:"ربما قمت خلف الأسود وحدي حتى يجيء المؤذن"(3)، ففيه دلالة على أنه إذا ظنا قويا انضمام الغير.
ولكنه لا دلالة في الحديث أنها تفسد صلاة من كان على اليسار بل قد يستدل (ب) على الصحة، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قرره على أول صلاته وقد ذهب إلى هذا الجمهور، والخلاف لأحمد بن حنبل (4) والهادوية، ولهم أن يقولوا: الوقوف علي اليسار جائز للعذر، والجهل عذر.
وذهب سعيد بن السيب (5)(جـ) أن موقف المأموم الواحد يكون عن يسار
(أ) في هامش الأصل.
(ب) هـ: يستدل بها.
(جـ) زاد في هـ: إلى.
_________
(1)
المغني 2/ 214، المجموع 4/ 166 - 168.
(2)
المصنف 2/ 410 ح 3890.
(3)
المصنف 2/ 410 ح 3891.
(4)
المغني 2/ 212، قلت: وقد فصل الحنابلة في هذا ففرقوا بين إذا كان عن يمين الإمام أحد أم لا؟ فصحوا هذه الصورة، ولين إذا كاد خلف الإمام صف فصححوها كما في قصة أبي بكر مع الرسول مأمومًا والأولى رأي الجمهور.
(5)
المغني 2/ 212، المجموع 4/ 168.
الإمام ولم يتابع على ذلك، وفي إدارته من ورائه دلالة على أنه لا يتقدم المؤتم على الإمام خلافًا لمالك (1)، فجوز تقدمه [وفيه دلالة على أن الإمام إذا اطلع على مخالفةٍ من المأموم يرشده إليها، وأن العمل اليسير لا تبطل الصلاة به ولا يوجب سجود السهو](أ).
وقوله: "فجعلني عن يمينه": يحتمل المساواة ويحتمل التقدم (ب) قليلًا والتأخر إلا أن في بعض ألفاظ الحديث: "فقمت إلى جنبه"(2)، وظاهره المساواة، وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه؟ قال: إلى شِقِّه، قلتُ: أيحاذيه حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر؟ قال: نعم. قلت: أيجب (جـ) أن لا يبعد حتى لا تكون بينهما فرجة؟ قال: نعم (3).
وفي "الموطأ" عن عبيد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: "دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالهاجرة، فوجدته يسبح فقمت وراءه، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه"(4).
(أ) في هامش الأصل.
(ب) في هـ: التقديم.
(جـ) في جـ: تحب.
_________
(1)
قوانين الأحكام الشرعية 84.
(2)
مسلم 1/ 528 - 529 ح 187 - 763 م.
(3)
المصنف 2/ 406 ح 3870، البيهقي 3/ 96.
(4)
الموطأ 114 ح 35، المصنف 2/ 410 ح 3889، البيهقي 6/ 93 ولفظ الموطأ: عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة دخلت، وفي المصنف أن أباه دخل على عمر، والبيهقي عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن أبيه، والصحيح أنه والد عبيد اللَّه. لأن عبيد اللَّه ولد في خلافة عمر أو بعيدها، سير أعلام النبلاء 4/ 475.
وعن بعض أصحاب الشافعي: يستحب أن يقف المأموم دونه قليلًا.
317 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: "صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقُمت ويَتِيمٌ خلْفَهُ، وأمُّ سُليْمٍ خلفنا" متفق عليه، واللفظ للبخاري (1).
قوله: "فقمت ويتيم"(أ): اليتيم هو ضميره بن أبي ضميرة (2)(ب) جد حسين بن عبد اللَّه بن ضميرة (جـ)، وقد وقع (3) عند ابن فتحون (د) فيما رواه عن ابن السكن بسنده: صليت أنا وسليم بسين مهملة ولام مصغرًا، ووقع في "ذيل الاستيعاب" لابن فتحون (5) سَليْم مكبرًا ولعله تصحف عليه يتيم، وأم سليم (4) هي أم أنس بن مالك واسمها مليكة مصغرًا.
[قوله: "ويتيم": معطوف على التاء ضمير الفاعل من دون تأكيده
(أ) زاد في جـ: قال: في عمدة الأحكام: قلت: وفي العمدة كذلك. العمدة بشرحها مع تيسير العلام 1/ 169.
(ب) في هـ: ضمرة بن أبي ضمرة.
(جـ) في هـ: بن ضمرة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
(د) في جـ، هـ حيحون.
(هـ) بهامش الأصل وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.
_________
(1)
البخاري: الأذان، باب صلاة النساء خلف الرجال 2/ 352 ح 874، مسلم بمعناه: المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير 1/ 457 ح 266 - 658، النسائي (نحوه): الإمامة إذا كانوا ثلاثة وامرأة 2/ 67، أبو داود (نحوه): الصلاة، باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون 1/ 407 ح 612، الترمذي: الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء 1/ 454 ح 234.
(2)
ضميرة بن أبي ضميرة وقيل: ابن سعيد الحميري. الإصابة 5/ 200.
(3)
الفتح 2/ 212.
(4)
وقد اختلف هل هي أم أنس أو جدته. انظر تهذيب الأسماء 2/ 308، الفتح 1/ 489، الإصابة 13/ 226، طبقات ابن سعد 8/ 310.
بضمير منفصل، كما هو مذهب الكوفيين] (1)(أ).
وفيه دلالة على أن صلاة المتنفل بمتنفل صحيحة.
وأن فِعْل الصلاة للتعليم أو التبرك كما هو ظاهر القصة مشروع.
وأن صف الاثنين خلف الإمام، وهو قول الجمهور (2) خلافًا لمن قال من الكوفيين (3): إنهما يقفان عن يمينه ويساره محتجين بفعل ابن مسعود كما أخرجه عنه أبو داود وغيره: أنه أقام علقمة عن يمينه والأسود عن يساره (4). وأجاب عنه ابن سيرين أن ذلك قد كان لضيق المكان، رواه الطحاوي (5).
وأن الصغير المميز معتَدّ بوقوفه مع المصلي داخل في حكم الجماعة والاصطفاف [إذ الظاهر من لفظه: "يتيم" هو الصغير قال في "البحر" (6): قلتُ يحتمل بلوغ اليتيم فاستصحب الاسم](ب).
(أ) بهامش الأصل وفيه محو استدركته من نسخة هـ.
(ب) بهامش الأصل.
_________
(1)
وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز إلا على قبح في ضرورة الشعر، ووافقهم الناظر ابن مالك على ذلك فقال:
وإن على ضمير رفع متصل
…
عطفت فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد
…
في النظم فاشيا ................
والصحيح جوازه من غير ضعف لثبوته عن أفصح العرب، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. الإنصاف 2/ 374، مسألة 66، التوضيح والتكميل 2/ 184.
(2)
المجموع 4/ 167.
(3)
أبو يوسف، الهداية 1/ 56.
(4)
مسلم 1/ 378 - 379 ح 534، أبو داود 1/ 408 ح 613، النسائي 2/ 66، الطحاوي 6/ 301.
(5)
الطحاوي 1/ 307.
(6)
البحر 1/ 315 - 316.
وأن المرأة لا تُصَفُّ مع الرجل (أ)، ولعل المناسبة في ذلك لما (ب) يخشى بحسب الأغلب من الافتتان، وأن انفرادها في صف خير لها فلو صفت مع الرجال (جـ) أجزأت صلاتها عند الجمهور (1)، وعند الهادوية (2) أنها تفسد عليها وعلى منْ خلفها وفي صفها، إن علموا، قالوا: والوجه في ذلك أنه لما أخرها صلى الله عليه وسلم في هذه القصة دل على أنه (د) ليس موقفها مع الرجال فهو منهي عن ذلك الموقف، ولقول ابن مسعود:"أخروهن من حيث أخرهن اللَّه"(3)، والأمر يقتضي الوجوب، وقوله:"من حيثُ" معناه ظرف المكان، ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة، وذهب أبو حنيفة إلى فساد صلاة الرجل دون المرأة وهو عجيب.
وأنت خبير بأن في هذه القصة تعريف مقام المرأة وهو محتمل لوجوبه أو لكونه أولى، ولا دليل على الفساد بوجه.
[وفيه دليل (هـ) على أن المرأة لا تؤمّ الرجل، فإنه إذا كان مقامها متأخرًا في الجماعة امتنع تقدمها إمامة للرجال](و)، واللَّه أعلم.
(أ) في هـ: الرجال.
(ب) في جـ: بما.
(جـ) في جـ: الرجل.
(د) زادت هـ: شرع.
(هـ) في هـ: دلالة.
(و) في هامش الأصل وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.
_________
(1)
المغني 2/ 204، قال أبو حنيفة: تبطل صلاة من يليها ومن خلفها دونها المغني 2/ 204، المجموع 4/ 172.
(2)
البحر 1/ 315 - 316.
(3)
عبد الرزاق في المصنف. قال الزركشي: عزوه للصحيحين غلط، وفي اللآلئ: رأيت من عزاه للصحيحين وهو غلط. في مصنف عبد الرزاق من قوله، كشف الخفا 1/ 69.
318 -
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إِلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يَصِلَ إِلى الصفّ، فقال له (أ) النبي صلى الله عليه وسلم:"زَادَكَ الله حِرْصًا، ولا تَعُدْ". رواه البخاري، وزاد أبو داود:"فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف"(1).
في الحديث دلالة على أن اللاحق إذا خشى فوات بعض الجماعة قبل أن ينضم أن له الدخول في الجماعة ثم ينضم بحسب إمكانه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة الصلاة، بل قال له:"زادَكَ اللَّه حرصًا"، والمراد بالحرص المحافظة على استكمال الطاعات وعدم المسامحة بترك بعضها -وإن قل- بل ولو حصل معه ترك مندوب.
وبقي الكلام في قوله: "ولا تَعُدْ": فقيل: إنه نهاه عن العوْد إلى الإحرام خارج الصف، فإن حمل النهي على التحريم ناقضه صدر الحديث، وإن حمل النهي على الكراهة بقرينة أوله استقام معناه، ولكن ابن حبان أنكر أن يكون هذا معنى الحديث وقال: أراد لا تعد في إبطاء المجيء إلى الصلاة. وقال ابن القطان الفاسي تبعًا للمهلب بن أبي صفرة: (2) معناه: لا تعد إلى دخولك في الصف وأنت راكع، فإنها (ب)
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في هـ: فإنه.
_________
(1)
البخاري ولفظه (إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ..): الأذان، باب إذا ركع دون الصف 2/ 267 ح 783، أبو داود (نحوه): الصلاة، باب الرجل يركع دون الصف 1/ 440 ح 683، النسائي، الإمامة، الركوع دون الصف 2/ 91، أحمد 5/ 46، المصنف، باب من دخل والإمام راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف 2/ 282 ح 3376، البيهقي: الصلاة، باب من ركع دون الصف 2/ 90.
(2)
التلخيص 1/ 285.
كمِشْية البهائم، ويؤيده رواية حماد بن سلمة في "مصنفه" (1) عن الأعلم عنَ الحسن عن ابن أبي بكرة:"أنه دخل المسجد ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي، وقد ركع، فركع ثم دخل الصف وهو راكع، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيكم دخل في الصف، وهو راكع؟ فقال له أبو بكرة: أنا، فقال: زادك اللَّه حرصًا ولا تعد".
[وما رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة بإسناد صحيح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم إلى الصف، فلا يركع دون الصف، ولا يكبّر حتى يأخذ مقامه (أ) من الصف](ب).
ولكنه يعارض هذا ما أخرجه الطبراني (2) عن عطاء: أنه سمع ابن الزبير على المنبر يقول: "إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع، فليركع حين يدخل ثم يدب راكعًا حتى يدخل في الصف"، قال:"ذلك السنة"، قال عطاء:"وقد رأيته يصنع ذلك".
وقال الطبراني: تفرد به ابن وهب، [وقد روي عن زيد بن ثابت وابن
(أ) في جـ: ولا تكبر حتى تأخذ مقامك.
(ب) بهامش الأصل وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.
_________
(1)
كذا في التلخيص، وهي عند أبي داود عن حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة 1/ 441 ح 684.
(2)
مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح 2/ 96. قال الحافظ في التلخيص: تفرد به ابن وهب ولم يروه عنه غير حرملة ولا يروي عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد 1/ 285، وعند البيهقي 2/ 91 - والمصنف 2/ 284 ح 3383.
مسعود وأبي لُبَابَة وسعيد بن جبير (1) أنهم فعلوا ذلك] (أ).
وقيل معناه: ولا تَعُدْ إلى إتيان الصلاة مسرعًا، واحتج له بما رواه ابن السكن في "صحيحه" بلفظ:"أقيمت الصلاة فانطلقتُ أسعى حتى دخلت في الصفّ، فلما قضى الصلاة قال: مَن الساعى آنفًا؟ قال أبو بكرة: فقلت: أنا، فقال: زادك اللَّه حرصًا، ولا تعد"، وهذا قريب.
319 -
وعن وابِصَة بن معبد رضي الله عنه "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يُصلي خلفَ الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة". رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه، وصححه ابن حبان (2).
وله عن طلق: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف"(3).
وزاد الطبراني في حديث وابصة: "ألا دخلت معهم، أو (ب) اجتررت رجلا"(4).
(أ) بهامش الأصل.
(ب) في جـ: و.
_________
(1)
أخرج حديث زيد عبد الرزاق 2/ 283 ح 3380، البيهقي 4/ 90، والطحاوي 1/ 232، ومن حديث ابن مسعود عبد الرزاق 2/ 283 ح 3381، مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني في الكبير وقال: رجاله ثقات 2/ 77، ومن حديث سعيد بن جبير عند عبد الرزاق 2/ 284 ح 3385.
(2)
أحمد 1/ 228، أبو داود: الصلاة، باب الرجل يصلي وحده خلف الصف 1/ 439 ح 682، الترمذي: الصلاة، باب ما جاء في الصلاة خلف الصف، ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها 1/ 321 ح 1004، ابن حبان (الموارد)، باب فيمن يصلي خلف الصف وحده 116 ح 403، البيهقي: الصلاة، باب كراهية الوقوف خلف الصف وحده 3/ 104 - 105.
(3)
ابن حبان (موارد) 116 ح 401، البيهقي 3/ 105، أحمد 4/ 23، ابن ماجه 1/ 320 ح 1003.
(4)
الطبراني 22/ 145 - 146 ح 394.
هو أبو شداد وابصة -بكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة- وقيل: أبو قِرْصَافة -بالقاف المكسورة والصاد المهملة والفاء- وقيل: أبو سالم بن معبد بن مالك من بني أسد بن خزيمة الأسدي. [وَفَد على النبيّ صلى الله عليه وسلم في عشرة من بني أسد سنة تسع فأسلموا، ورده إلى بلاده. فقال أبو راشد: ما أتيته إلا وجدت الصحف بين يديه، ثم](أ) نزل الكوفة ثم تحول إلى الجزيرة، ومات بالرقة، روى عنه زياد بن أبي الجعد (1).
في الحديث دلالة على (ب) بطلان صلاة من صلى (جـ) خلف الصف وحده لغير عذر. وقد قال ببطلانها النخعي وحماد بن أبي سليمان وابن أبي ليلى ووكيع وأحمد. (2) وكان الشافعي يضعف هذا الحديث. ويقول في القديم: لو ثبت لقلتُ به (د)، وقال البيهقي: الاختيار أن يتوقى ذلك لثبوت الخبر المذكور، وقال: من قال بعدم البطلان عارضه حديث أبي بكرة، ولم يأمره بالإعادة، مع أنه أتى ببعض الصلاة خلف الصف، فيحمل الأمر بالإعادة على جهة الندب مبالغة في المحافظة على الأولى كما تقدم في أمر من بقي فيه لعة في رجله بغير وضوء، أمره بإعادة الوضوء كاملًا والأولى الجمع بين الحديثيْن، بأنَّ حديث أبي بكرة فيما فعل لعذر، وهو خشية الفوات مع انضمامه بقدر الإمكان، وهذا لغير عذر وفي جميع الصلاة، واللَّه أعلم.
(أ) في هامش الأصل. وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.
(ب) زادت هـ: أن.
(جـ) في هـ: يصلي.
_________
(1)
الاستيعاب 11/ 46، الإصابة 10/ 89.
(2)
المجموع 4/ 171، المغني 2/ 211.
وحديث طلق ظاهر في عدم الصحة، ويحتمل أن يتوجه النفي إلى نفي الكمال والفضيلة، وحديث الطبراني فيه السري بن إسماعيل (1)، وهو متروك، وأخرجه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(2) من طريق أخرى في ترجمة ابن عبد ربه (أ) البغدادى، وفيه قيس بن الربيع (3)، وهو ضعيف، وأخرج أبو داود في "المراسيل" (4) من رواية مقاتل بن حيان مرفوعًا:"إن جاء رجل فلم يجد أحد، فليختلج إليه رجلًا من الصف، فليقم معه، فما أعظم أجر المختلج". وأخرج الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الآتي وقد تمت الصفوف بأن يجتذب إليه رجلًا يقيمه إلى جنبه" وإسناده واه (5).
320 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا سمعتم الإِقامة فامشوا إِلى الصلاة، وعليكم السكينة والوقار، ولا تسْرِعُوا
(أ) في هـ: ابن عبدويه.
_________
(1)
السري بن إسماعيل الكوفي، قال القطان: استبان لي كذبه في مجلس. قال النسائي: متروك، الميزان 2/ 117، التقريب 117.
(2)
ولفظه: أن رجلا صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم وحده فلما قضى صلاته قال: "ألا دخلت الصف أو جذبت إليك رجلا، أعد الصلاة" قال الشيخ: أراه يحيى بن عبدوبه البغدادي لأن هذا الحديث معروف به 2/ 364.
(3)
مر في ح 235.
(4)
المراسيل 130 ح 72.
(5)
مجمع الزوائد 2/ 96 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه بشر بن إبراهيم الأنصاري المفلوج أبو عمرو قال ابن عدي: هو عندي ممن يضع الحدبث، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات. الميزان 1/ 311، الكامل 2/ 446، المجروحين 1/ 189.
فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتموا". متفق عليه، واللفظ للبخاري (1).
قوله: "إِذا سمعتم الإِقامة": وقع في حديث [أبي](أ) قتادة: "إذا أتيتم الصلاة"(2)، ولا مخالفة بين الروايتين في المعنى؛ لأنه إذا كان مأمورًا بالمشي مع سماع الإقامة وخشية الفوات فبالأولى أن يؤمر به مع الإتيان إلى الصلاة قبل سماع الإقامة وتجويز الإدراك.
وقوله: "وعليكم السكينة": بحذف الباء كذا في رواية الأكثر للبخاري، وفي رواية (3) أبي ذر بزيادة الباء، وعلى حذف الباء فقد (ب) ضبط القرطبي (4) رواية مسلم بالنصب مفعولًا لعليكم، وضبطها النووي (5) بالرفع على أنها مبتدأ، "وعليكم" خبره، وهي جملة حالية.
واستشكل بعضُهم دخول الباء لأن "عليكم" يتعدي بنفسه، إذ هو بمعنى خُذْ أو ألزم. ولكنها قد ثبتت زيادة الباء في أحاديث صحيحة
(أ) في النسخ: قتادة، والتصحيح من مسلم.
(ب) في هـ: فقط.
_________
(1)
البخاري: الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوتار 2/ 117 ح 636، مسلم (نحوه): المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة 1/ 420 ح 151 - 602، أبو داود (نحوه): الصلاة، باب السعى إلى الصلاة 1/ 384 ح 572، الترمذي بمعناه: الصلاة، باب ما جاء في المشي إلى المسجد 2/ 148 جـ 327، النسائي بلفظ (فاقضوا)، السعي إلى الصلاة 2/ 88، ابن ماجه: المساجد والجماعات، باب المشي إلى الصلاة 1/ 255 ح 775، أحمد 2/ 238.
(2)
مسلم 1/ 421 ح 155 - 603.
(3)
الفتح 2/ 117.
(4)
المفهم ل 134 أ.
(5)
شرح مسلم بلفظ 2/ 247.
كحديث: "عليكم برخصة اللَّه"(1)، "وعليه بالصوم"(2)، و"عليك بالمرأة"(3)، وغير ذلك، ولها محمل صحيح في العربية وهي الحمل على الزيادة في مفعول "عليكم"، وهو وإن كان يتعدى بنفسه لكنه لضعفه في العمل فيعمد (أ) بحرف عادته إيصال الفعل اللازم إلى مفعوله.
"والسكينة والوقار": قال القاضي عياض: (4) هما بمعنى واحد، وذكر الثاني تأكيدًا للأول، وقال النووي (5): الظاهر أن بينهما فرقًا وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العَبَث، والوَقَار في الهيئة كغض الطرف وخفض الصوت، وعدم الالتفات.
[وقيل: السكينة في القلب، والوقار في الأفعال (ب)](جـ).
وقوله: "ولا تسرعوا": فيه زيادة تأكيد للأمر بالمشي وما تبعه، وفي عدم الإسراع أيضًا فضيلة تكثير الخطا، وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند مسلم (6):"إن بكل خطوة درجة"، ولأبي داود (7) من طريق سعيد بن المسيب مرفوعًا: "وإذا توضأ أحدكم فأحسن
(أ) في هـ: فَيُعْمَل.
(ب) في جـ: القلب.
(جـ) في هامش الأصل وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.
_________
(1)
مسلم 2/ 786 ح 92 - 1115 م.
(2)
البخاري 9/ 106 ح 5065.
(3)
البخاري 4/ 93.
(4)
مشارق الأنوار 2/ 216.
(5)
شرح مسلم 2/ 247.
(6)
مسلم 1/ 461 ح 279 - 664.
(7)
أبو داود 1/ 380 ح 563.
الوضوء ثم خرج إلى المسجد، لم يرفع قدمه اليُمْنَى إلا كتب اللَّه له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط عنه سيئة، فإن أتى السجد فصلى في جماعة غُفِرَ له، فإن أتى وقد صلوا بعضًا وبقي بعضٌ، فصلى ما أدرك، وأتم ما بقي، كان كذلك، وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة، كان كذلك".
ويؤخذ من الحديث أنه ينبغي ترك فضيلة إذا كان يحصل في تركها إدراك فضيلة غيرها، وقد نبه في رواية مسلم على الحكمة في شرعية هذا الأدب، قال في آخر حديث أبي هريرة:"فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة"(1)، أي أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده، واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه.
وقوله: "فما أدركتم": جواب شرط محذوف، أي إذا فعلتم ما أمرتم به مِنْ ترك الإسراع ونحوه فما أدركتم فصلوا: فيه دلالة على أنه يدرك فضيلة الجماعة إذا دخل مع الإمام في أي جزء من جزاء الصلاة، ولو دون ركعة، وهو قول الجمهور (2)، وذهب جماعة إلى أنه لا يدرك الجماعة بأقل من ركعة، لقوله:"مَنْ أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها"، وفي الجمعة أيضًا كما سيأتي اشتراط إدراك ركعة، فيقاس سائر الصلوات عليها.
وقد يجاب عنه بأن ذلك في الأوقات لا في الجماعة، والجمعة مخصوصة، وهذا دليل الخصوص، وهو محتمل.
(1) مسلم 1/ 421 ح 152 - 602 م.
(2)
المجموع 4/ 104، الفتح 2/ 118.
واستدل بهذا الحديث على صحة الدخول مع الإمام في أي حالة وجده عليها، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن رجل من الأنصار مرفوعًا:"من وجدني راكعًا أو قائمًا أو ساجدًا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها"(1).
وقوله: "وما فاتكم فأتموا": أكثر الروايات بـ "أتموا" فإنها الصحيحة في رواية الزهري لحديث أبي هريرة، وكذا في رواية مسلم عن (أ) طريق عبد الرزاق وأقل الروايات بلفظ:"فاقضوا"، فأخرج أحمد (2) من حديث أبي هريرة:"فاقضوا"، وأخرج أبو داود كذلك (3) قال (4): ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة قال: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة: "وليقض"، وقد روي من حديث أبي قتادة، كذلك رواية الجمهور:"فأتموا"، ووقع لمعاوية بن هشام عن شيبان:"فاقضوا"(5)، وفي رواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ:"صل ما أدْرَكْتَ واقْضِ ما سبقك"(6) والمعنى من الإتمام: الإكمال، وأما القضاء فقد يطلق على معنى أدى الشيء كقوله:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} (7) فإذا حمل على هذا المعنى فلا مغايرة بين الروايتين، وقد يطلق على أداء (ب الفائت وهو ب) الغالب، ويرد
(أ) في جـ، هـ: من
(ب - ب) ساقطة من هـ.
_________
(1)
ابن أبي شيبة 1/ 253، وفي سنن سعيد بن منصور، كما أشار ابن حجر في الفتح 2/ 269. وسيأتي للحديث زيادة في ح 325.
(2)
أحمد 2/ 238.
(3)
قال أبو داود: قال ابن عيينة: عن الزهري وحده فاقضوا 1/ 384 - 385.
(4)
أبو داود 1/ 386.
(5)
ابن أبي شيبة 2/ 258.
(6)
مسلم 1/ 421 ح 154 - 602.
(7)
الآية 10 من سورة الجمعة.
أيضًا لمعان أُخَر، والأولى جَعْلهما (أ) بمعنى واحد، لأن مخرج الحديث واحد، فإذا اختلف في بعض ألفاظه وأمكن ردها إلى معنى واحد كان أولى.
وقد استدل به من قال: إن ما أدركه مع الإمام آخر صلاته، وهو أبو حنيفة ومالك (1) وزيد بن علي وغيرهم، وذهب الجمهور (2) إلى أن (ب) ما أدركه أول صلاته، بدليل أن تكبيرة الإحرام إنما تكون في أول الصلاة، وأنه في آخر صلاته يتشهد التشهد الأخير قبل التسليم اتفاقًا، وقول ابن بطال (3): إنه ما تشهد إلا لأجل السلام، لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد، ليس بالجواب الناهض.
وقال الجمهور من العلماء القائلين بأن ما أدرك هي أول صلاته: إنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية، لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين، والحجة على ذلك ما أخرجه البيهقي:"ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن"(4)، وعن إسحق والمزني: لا تقرأ إلا أم القرآن فقط. وهو القياس.
واستدل بالحديث على أن مَنْ أدرَكَ الإمامَ رَاكعًا لم تُحْسَب تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته لأنه فاته القيام والقراءة فيه، وهو قول أبي هريرة
(أ) في جـ: جعلها.
(ب) في هـ: أنه.
_________
(1)
المدونة 1/ 96.
(2)
الأئمة الثلاثة أن ما أدركه آخر صلاته وما يتداركه أول صلاته (أي يصليه منفردًا) أما الشافعي وبعض السلف فهم الذين جعلهم المؤلف جمهورًا تبعًا للحافظ ابن حجر، فليتنبه.
(3)
شرح ابن بطال، باب ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا.
(4)
البيهقي 2/ 298 من حديث الحارث عن علي وهو ضعيف.
وجماعة، بل حكاه البخاري في "القراءة خلف الإمام"(1)، عن كلِّ من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، واختاره ابن خزيمة والصبيعي وغيرهما من محدثي الشافعية، وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين (2)، وحُجة الجمهور حديث أبي بكرة حيث ركع دون الصف ولم يأمره بقضاء قراءة ولا غيرها (3). واللَّه أعلم.
321 -
وعن أُبَي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل مع الرجل أزْكى من صَلاتِهِ وَحْدَهُ، وصلاته مع الرَجُلَيْنِ أزْكَى من صلاته مع الرجك، وما كان أكثر فهو أحب إِلى اللَّه عز وجل". رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان.
وأخرجه أيضًا ابن ماجه، وصححه ابن السكن والعقيلي والحاكم (4)، وذكر الاختلاف فيه، وبسط ذلك، وقال النووي (5): أشار ابن المديني إلى
(1) القراءة خلف الإمام للبخاري 56.
(2)
المجموع 4/ 100.
(3)
وقد ضعف الإمام النووي القول الأول وقال: إنه ضعيف مزيف .. وأن الذي أطبق عليه جماهير الأصحاب وجماهير العلماء أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة. وقال صاحب التتمة: هذا ليس بصحبح لأن أهل الأعصار اتفقوا على هذا فلا يعتد بخلاف من بعدهم. المجموع 4/ 100.
(4)
أبو داود وأوله (صلى بنا رسول اللَّه الصبح): الصلاة، باب في فضل صلاة الجماعة 1/ 375 ح 554، النسائي: الإمامة، الجماعة إذا كانوا اثنين 2/ 81، ابن ماجه: إقامة الصلاة، باب فضل الصلاة في جماعة 1/ 259 ح 790، ابن حبان (موارد)، باب ما جاء في الصلاة في الجماعة 121 ح 429 - 430، البيهقي: الصلاة، باب الاثنين فما فوقهما جماعة 3/ 67، الطيالسي 75 ح 554، ابن خزيمة، باب ذكر البيان أن ما كثر من العدد في الصلاة جماعة كانت الصلاة أفضل 2/ 336 ح 1476، أحمد 5/ 140، الحاكم 1/ 247 - 248، وقال: حكم أئمة الحديث يحيى بن معين وعلي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي وغيرهم لهذا الحديث بالصحة 1/ 249.
(5)
المجموع 4/ 82.
صحته، وعبد اللَّه بن أبي بصير (1) راويه عن أبي العبدي قيل: لا يُعرف لأنه ما روى عنه غير أبي إسحاق السبيعي، لكن أخرجه الحاكم (2) من رواية العيزار بن حريث عنه، فارتفعت جهالة عينه.
وأخرجه البزار والطبراني (3) ولفظه: "صلاة الرجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند اللَّه من صلاة أربعة تترى، وصلاة أربعة يؤم أحدهم هو أزكى عند اللَّه من صلاة ثمانية تترى، وصلاة ثمانية يؤم أحدهم أزكى عند اللَّه من صلاة مائة تترى".
قوله "أزكى": أي أفضل، وقد وقع في رواية بلفظ:"أفضل" فهي مفسرة.
وفي الحديث دلالة على أن أقل عدد صلاة الجماعة إمام ومأموم، وهو موافق لما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي موسى:"اثنان فما فوقهما جماعة"(4)، ورواه البيهقي (5) أيضًا من حديث أنس وفيهما ضعيف،
(1) عبد اللَّه بن أبي بصير العبدي الكوفي وثقه العجلي. ثقات العجلي 251، تهذيب التهذيب 5/ 161، الكاشف 2/ 57، أبو بصير العبدي الكوفي الأعمى، يقال: اسمه حفص، مقبول، التهذيب 395.
(2)
الحاكم 1/ 248.
(3)
قال الحافظ في التلخيص: وأخرج له الحاكم شاهدًا من حديث قباث بن أشيم وفي إسناده نظر 3/ 625، وأخرجه البزار والطبراني مجمع الزوائد 2/ 39. قال الهيثمي: ورجال البزار موثقون.
(4)
ابن ماجه 1/ 312 ح 972، الدارقطني 1/ 280، البيهقي 3/ 69، وفيه الربيع ووالده بدر بن عمرو بن جراد السعدي، لقبه عليلة، مجهول، المغني 1/ 101، ابنه الربيع بن بدر السعدي أبو العلاء البصري متروك، التقريب 100.
(5)
البيهقي 3/ 69، وفيه سعيد بن زربي، منكر الحديث، مرَّ في ح 146.
وبَوَّبَ عليه البخاري: باب الاثنين فما فوقهما جماعة (1)، واستدل له بحديث مالك بن الحويرث:"إذا حضرت الصلاةُ فأذِّنَا، ثم أقيما ثم ليؤمَّكما أكبركما"(2).
قال النووي في "الخلاصة": ويستدل فيه أيضًا بالإجماع، وفي دعواه الإجماع نظر، فقد حكى ابن الرفعة في "الكفاية" خلافًا في أن أقل الجماعة ثلاثة هو ضعيف، وحكاه ابن بطال في "شرح البخاري"(3) عن الحسن البصري.
322 -
وعن أم وَرَقة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَهَا أن تؤمَّ أهْلَ دَارِهَا" رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة (4).
هي: أم ورقة بنت نوفل الأنصارية، وقيل: بنت عبد اللَّه بن الحارث بن عويمر، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يزورها، ويسميها "الشهيدة"، وكانت قد جمعت القرآن وكانت تؤم أهل دارها، روى عنها عبد الرحمن بن خلاد، لها ذكر في صلاة الجماعة (5).
(1) البخاري 2/ 142.
(2)
البخاري 2/ 142 ح 658.
(3)
شرح ابن بطال، باب اثنان فما فوقهما جماعة.
(4)
أبو داود: الصلاة، باب إمامة النساء 1/ 397 ح 592، ابن خزيمة، باب إمامة المرأة في النساء، وطرفه "انطلقوا بنا نزور الشهيدة" 3/ 89 ح 1676، الدارقطني، باب في ذكر الجماعة وأهلها وصفة الإمام 1/ 279، والحاكم، الصلاة 1/ 232، أحمد 6/ 45.
الحديث فيه عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري، مجهول الحال. التقريب 201 وفي رواية الحاكم روى الوليد بن جميع عن عبد الرحمن وليلى بنت مالك، فاعتضد الحديث بليلى بنت مالك فانتفت جهالة الحال. وفيه الوليد بن عبد اللَّه بن جميع الزهري المكي، صدوق يهم. التقريب 370.
(5)
الاستيعاب 13/ 307، الإصابة 13/ 304.
وأخرج الحديث الدارقطني والحاكم، وأصل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرًا قالت: يا رسول اللَّه: "أتأذن لي في الغزو معك؟ .. " الحديث وأمرها أن تؤم أهل دارها، وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها وكان لها غلام وجارية دبرتهما، قال عبد الرحمن:(أفأنا رأيتُ أ) مؤذنها شيخًا كبيرًا، وفي الحديث، أن الغلام والجارية قاما إليها بالليل، فعماها بقطيفة لها حتى ماتت، وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس فقال: مَنْ عنده منْ عِلْمِ هَذين؟ أو: من رآهما فليجئ بهما، فأمر بهما فصُلِبَا، فكانا أوَل مصلوب بالمدينة.
وظاهر الحديث أن المرأة كانت تؤم بالمؤذن والغلام والجارية، فإنهم أهل دارها، ولم يذهب إلى صحة ذلك إلا أبو ثور والمزني والطبري (1). واللَّه أعلم.
[وقال الدارقطني: إنما أذِنَ لها تؤم نساء أهل دارها](ب).
323 -
وعن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم استَخْلَفَ ابن أمِّ
(أ - أ) فأريت.
(ب) بهامش الأصل.
_________
(1)
المرأة لا يصح أن يأتم بها الرجل بحال في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء، وقال أبو ثور: لا إعادة على من صلى خلفها، وهر قياس قول المزني، وقال بعض الحنابلة: يجوز أن تؤم الرجال في التراويح، وتكون وراءهم لحديث أم ورقة.
وقال النووي بالمنع لفقهاء السلف والخلف والأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وغيرهم.
قلتُ: فلو صلى خلف امرأة بطلت صلاته ولزمه الإعادة.
المجموع 4/ 135 - 136، المغني 2/ 199.
مكْتومٍ يَؤمّ النَّاس، وهو أعْمَى". رواه أحمد وأبو داود (1)، ونحوه لابن حبان عن عائشة (2) رضي الله عنها استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم، في رواية لأبي داود: "مرتين" (3).
واستخلافه في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها، قيل: إلا القضاء، والظاهر العموم، فإن الإمارة خصوصًا في عصر الصحابة شاملة للقضاء، [ويدل عليه ما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة وغيرها (4) "، وإسناده حسن] (أ)، وقد عد مرات الاستخلاف له فانتهت إلى ثلاثة عشرة. ذكره في "الخلاصة"(5).
وفي الحديث دلالة على صحة الصلاة خلف الأعمى، وأن (ب) لا كراهة في ذلك.
324 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه
(أ) بهامش الأصل وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.
(ب) في جـ، هـ: وأنه.
_________
(1)
أبو داود: الصلاة، باب إمامة الأعمى 1/ 398 ح 595، أحمد 3/ 192، المنتقى، باب الجماعة والإمامة 115 ح 310، البيهقي: الصلاة، باب إمامة الأعمى 3/ 88.
(2)
ابن حبان (موارد): باب الإمام يخلف إذا غاب 109 ح 370.
(3)
أبو داود 3/ 344 ح 2931، أحمد 3/ 192.
(4)
بقية الحديث "من أمر المدينة" الطبراني الكبير 11/ 183 ح 11435 وفيه عبد المجيد بن أبي رواد، صدوق يخطئ قال ابن حبان: متروك، التقريب 217 - 218، المجروحين 2/ 160 - 161.
(5)
في طبقات ابن سعد عن الشعبي قال: "غزا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة ما فيها غزوة إلا يستخلف ابن أم مكتوم على المدينة" وذكر قتادة أن استخلافه مرتان، الطبقات 4/ 205، السير 1/ 361.
- صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا على مَنْ قال: لا إِله إلا اللَّه، وصلُّوا خلف من قال: لا إِله إِلا اللَّه". رواه الدارقطني بإسناد ضعيف (1).
الحديث في إسناده عثمان بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عمر (2)، كذبه يحيى بن معين، وطريق أخرى عن نافع عن ابن عمر (3)، وفي إسناده خالد بن إسماعيل عن العمري به، وخالد متروك، وأخرج أيضًا من طريقين ضعيفين (4). قال في "البدر المنير" (5): هذا الحديث من جميع طرقه لا يثبت.
في الحديث دلالة على أنه تجب الصلاة على مَنْ قال لا إله إلا اللَّه، وظاهره عموم كل قائل وإن لم يأتِ بالواجبات ويجتنب الفواحش، وقد ذهب إلى هذا زيد بن علي وأحمد بن عيسى، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، إلا أن أبا حنيفة وصاحبيه استثنوا الباغي وقاطع الطريق،
(1) الدارقطني، باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه 2/ 56، الخطيب في التاريخ في ترجمة عثمان بن نصر العاني 10/ 293، حلية الأولياء في ترجمة نصر الصامت 10/ 320.
ذكر أخبار أصبهان 2/ 317، الطبراني في الكبير 12/ 447 ح 13622. قال الهيثمي: وفيه محمد بن الفضل بن عطية، كذاب، المجمع 2/ 67.
(2)
عند الدارقطني وأبي نعيم، وفيه عثمان بن عبد الرحمن القرشي الزهري الوقاصي المالكي أبو عمرو، قال البخاري: تركوه. وقال النسائي والدارقطني: متروك، الميزان 3/ 43، المجروحين 2/ 98 - 99.
(3)
عند الدارقطني والخطيب، وفي إسناده خالد بن إسماعيل أبو الوليد المحزومي المدني، قال ابن عدي: يضع الحديث، المغني في الضعفاء 1/ 201، الكامل 2/ 913، الميزان 2/ 372.
(4)
أ) من طريق مجاهد، وهي عند الدارقطني وفيه محمد بن الفضل بن عطية بن عمر العبدي الكوفي مولاهم نزيل بخاري، كذبوه. التقريب 315.
ب) من طريق سعيد بن جبير، وهي عند أبي نعيم في "الحلية"، وفيه نصر بن الحرشي الصامت، قال الدارقطني: ضعيف. الإرواء 2/ 307.
(5)
البدر المنير 4/ 141 - 142.
وللشافعي أقوال أحدها الموافقة في قاطعِ الطريق إذا صُلبَ، ودليل وجوب الصلاة عموم هذا الحديث وحديث:"منْ قَتَلَ نفسه بَمشاقص"(1)، فإنه قال:"أمَّا أنا فلا أصلي عليه"، ولم ينههم عن الصلاة عليه، وعموم دليل (أ) وجوب صلاة الجنازة، فالمخصص يحتاج إلى دليل، ولعل وجه تخصيص أبي حنيفة والشافعي لمن ذكر. أما أبو حنيفة فيقول: إنهما غير محقوني الدم، فلا حرمة لهما، والصلاة إنما هي لرعاية حرمة الإسلام، فأشبها الكافي الحربي، وبقي ما عداهما على العموم، وأما الشافعي فلعله يقول: شرعت الصلاةُ لحُرمة الذات التي تواري بالدفن إكرامًا لها، ولما كان ذلك مصلوبًا غير مكرم بالدفن خصص من عموم الصلاة.
وذهب الهادي وغيره من أتباعه وغيرهم إلى أنه لا يصلى على الفاسق، قالوا: قياسا على الكافر، وتد منع من الصلاة عليه بقوله:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أحَدٍ منْهُمْ} (ب)(2)، والحديث ضعيف، وقد يُجَابُ بأن القياس غير معتبر مع ورود حديث صاحب المشاقص.
والحديث المذكور -وإن كان ضعيفًا- فهو متأيد بعموم دليل (جـ) شرعية صلاة الجنازة، ومثل هذا كاف في الشرعية.
وقوله: "صلوا خلف من قال لا إله إلا الله": تقدم الكلام عليه (3).
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) زاد في هـ: مات.
(جـ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
مسلم 2/ 673 ح 107 - 978.
(2)
الآية 84 من سورة التوبة.
(3)
ح 313.
325 -
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِذَا أتَى أحدُكم الصَّلاةَ، والإمامُ عَلَى حَالٍ، فَلْيَصْنَعْ كما يصنعُ الإِمام". رواه الترمذي بإسنادٍ ضعيف (1).
أخرجه الترمذي من حديث على ومعاذ، وفيه ضعف وانقطاع (2)، وقال: لا نعلم أحدًا أسنده إلا من هذا الوجه، وأخرجه أيضًا أبو داود وأحمد (3) من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ، وفي آخره. فقال: -يعني معاذًا- "لا أجده، -يعني النبي صلى الله عليه وسلم على حالٍ أبدًا إلا كنت عليها، ثم قضيتُ ما سبقني"، قال: فجاء وقد سبقه (أ) النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها، قال: فقمت معه، قال: فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، قام (ب) يقضي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد سَنَّ لكم معاذ فهكذا فاصنعوا". وعبد الرحمن لم يسمع من معاذ (4) لأن معاذًا قديم الوفاة، ولكن أبو داود أخرجه من وجه آخر (5)
(أ) في جـ: سبق.
(ب) في جـ: فقام.
_________
(1)
الترمذي: الصلاة، باب ما ذكر في الرجل يدرك الإمام وهو ساجد كيف يصنع 2/ 485 ح 591، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحدًا أسنده إلا ما روي من هذا الوجه.
(2)
فيه ضعف لأن فيه حجاج بن أرطاة -مرّ في ح 112 وهو مدلس وقد عنعنه، والانقطاع بيّنه المصنف.
(3)
أبو داود 1/ 347 - 348 ح 507، أحمد 5/ 246.
(4)
التقريب 209، تذكرة الحفاظ 1/ 55.
(5)
أبو داود 1/ 344 - 345 - 346، ح 506.
قلت: وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا".
أبو داود 1/ 553 ح 893 البيهقي 2/ 89، الدارقطني 1/ 347، الحاكم 1/ 216، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وروى البيهقي شاهدًا آخر عن عبد العزيز بن رفيع عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 89، وابن أبي شيبة 1/ 253.
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: حدثنا أصحابنا: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر الحديث، وفيه: فقال معاذ: "لا أراه على حالٍ إلا كنتُ عليها .. " الحديث .. وبهذا يندفع توهم الانقطاع، إذ الظاهر أن الراوي لعبد الرحمن غيرِ معاذ من سائر الصحابة، وحكى عبد الرحمن ما قاله معاذ كما روى له مَنْ شَهِدَ القصة.
وفي الحديث دلالة على صحة دخول اللاحق مع الإمام في أي جُزْءٍ من أجزاء الصلاة، بل على شرعية ذلك، إذ الأمر أقل مراتبه الندب، والظاهر أنه متفق على ذلك إذا كان الإمام قائمًا أو راكعًا. [وأنه يعتد به إلا ما روي عن أبي هريرة وهو موقوف عليه أنه لا يعتد بالركوع، ومن قال بقوله كما تقدم قريبًا (1)](أ)، وإنْ (ب) كان ساجدًا أو قاعدًا (جـ) فذهب إلى هذا أبو حنيفة والشافعي (2). ويقعد بقعود الإمام، ويسجد بسجوده، ولا يعتد بذلك.
وذهب المؤيد بالله (3) إلى أنه يكبر مِنْ قيَامٍ وينتظر الإمام قائمًا، ولا يقرأ، وقال المنصور بالله (4): وإن قرأ جاز، وقال الحقيني (5): ذكر المؤيد بالله الجائز والأفضل أن يقعد معه كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وفي معنى هذا الحديث ما تقدم قريبًا من حديث ابن أبي شيبة:"مَنْ وجدني راكعًا أو قائمًا أو ساجدًا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها"(6)، وأخرج ابن
(أ) في هاش الأصل، وفي جـ: تقديم وتأخير.
(ب) في جـ، هـ: فإن.
(جـ) زاد في هـ: أو قائمًا.
_________
(1)
ح 320.
(2)
المجموع 4/ 100، الهداية 1/ 72.
(3)
و (4) و (5) البحر 1/ 328.
(6)
ابن أبي شيبة 1/ 253.
خزيمة مرفوعًا من حديث أبي هريرة: "إذا جئتم ونحن سجود، فاسجدوا، ولا تَعُدُّوها شيئًا، ومَنْ أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة"(1). وأخرج أيضًا في "صحيحه" مرفوعًا عن أبي هريرة: "مَنْ أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه"(2)، وترجم له: ذِكْر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدْرِكًا للركعة إذا ركع إمامه، فعرفتَ منْ هذا أنه لا وجه لما ذهب إليه المؤيد، وذهب الهادوية إلى أنه إذا أدركه ساجدًا أو قاعدًا نُدبَ له المتابعة ولا يُحْرِمُ بالصلاة، ومتى قام الإمام ابتدأ معه الصلاة بالتكبير، قالوا: لقوله لمن أدرك السجدة: "ولا تعدوها شيئًا"، ويجاب عن ذلك بأن الحديث إنما يدل على عدم الاعتداد، وأما الدخول بالتكبير وعدم إعادته فصريح في ذلك فلا وجه له، والله أعلم.
[اشتمل (أ) الباب على ثلاثة وثلاثين حديثًا](ب).
(أ) زاد في جـ: هذا.
(ب) بهامش الأصل.
_________
(1)
أبو داود 1/ 553 ح 893، البيهقي 2/ 89، الدارقطني 1/ 347، الحاكم 1/ 216، ابن خزيمة 3/ 57 - 58 ح 1622، وقد أطال الكلام حول الحديث.
(2)
ابن خزيمة 3/ 45 ح 1595، الدارقطني 1/ 346، والبيهقي 2/ 89، ضعفاء العقيلي 4/ 398، قال العقيلي: ولم يذكر أحد منهم هذا اللفظ: "قبل أنْ يُقِيمَ الإمامُ صلبه"، ولعل هذا من كلام الزهري فأدخله يحيى بن حميد في الحديث، ولم يبينه.