المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة المسافر والمريض - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٣

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌باب صلاة المسافر والمريض

‌باب صلاة المسافر والمريض

326 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما فُرِضَت الصلاةُ ركعتَيْن، فأقرت صلاةُ السَّفَر، وأتمت صلاةُ الحَضَر". متفق عليه (1).

وللبخاري: "ثم هاجر ففرضت أربعًا وأقرّت صلاة السفر على الأول"(2). زاد أحمد: "إِلا المغرب، فإِنها وِتْر النهار، وإِلا الصبح، فإنها تطول فيها القراءة".

قوله: "أول ما فُرِضَت .. ". إلخ: فرضت ظاهر في أنَّ المعنى بالفرض هو الإيجاب أي أوجبت، فيكون فيه دلالة على وجوب القَصْر على المسافر، كما ذهب إليه الهادوية والحنفية (3). ومن السلف على وعمر رضي الله عنهما (أ) وغيرهم من الأئمة، ويحتمل أن معناه: قدرت، فلا دلالة حينئذ، وقد ذهب إلى عدم الوجوب عائشة وعثمان ورواية عن ابن عباس والشافعي (ب وغيرهم من الأئمة وقالوا: ب) إن القصر رُخصة والتمام كذلك مستويان، وقول للشافعي أن القصر رخصة والتمام أفضل، وهو مذهب

(أ) في الأصل: على رضي الله عنه وعمر.

(ب- ب) ساقطة من جـ.

_________

(1)

البخاري: تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه 2/ 569 ح، 1090، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين 1/ 478 ح 1/ 685، أبو داود: الصلاة، باب صلاة المسافر 2/ 5 ح 1598، النسائي: الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة 1/ 183.

(2)

البخاري ط / 267 ح 3935.

(3)

الهداية وشرحها 2/ 31، وحكى عن ابن عمر وابن عباس وجابر وعمر بن عبد العزيز. البحر 2/ 41، ورواية عن مالك وأحمد. المجموع 4/ 198 - 199، وفي المغني: القصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلماء، وقد كره جماعة منهم الإتمام.

ص: 367

الناصر، وقول ثالث (أ) للشافعي (1) أن القصر أفضل، وهو الصحيح عند الشافعية (2) ويتأولون حديث عائشة بما تقدم، أو أن المراد أنه فرض لمن أراد القَصْر، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما ثبت في "صحيح مسلم"(3) وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم القاصر، ومنهم المُتِمُّ، ومنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب بعضهم على بعض، وبأنَّ عَثمان كان يتم، وكذلك عائشة، وغيرها (4)، وهو ظاهر قول الله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (5).

وفي زيادة أحمد: "إِلا المغرب" دلالة على أن المغرب على أصل شرعيتها لا تتغير، وكونها وتر النهار يعني أن صلاة النهار كانت شفعًا، والمغرب آخرها لوقوعها عقيب آخر جزء من النهار، فهي وتر لصلاة النهار، كما أنه شرع لصلاة الليل الوتر، والوتر محبوب لله تعالى كما تقدم في الحديث:"إن الله وتر يحب الوتر".

وقوله: "وإِلا الصبح فإِنها تطول فيها القراءة": يعني أنه لا تغيير لصلاة الفجر، بل هي في الحَضَر والسفر ركعتان مشروع فيها تطويل

(أ) سقط من جـ لفظ: ثالث.

_________

(1)

المجموع 4/ 197، وربطوا الحكم بأكثر من ثلاثة أيام خروجًا من الخلاف.

(2)

شرح مسلم 2/ 336.

(3)

في مسلم الفطر والصيام فقط. مسلم 2/ 787 ح 95 - 1116 م، أما القصر والإتمام فلم أقف عليه، وسيأتي في ح 327.

(4)

البخاري 2/ 569 ح 1090.

(5)

الآيه 101 من سورة النساء.

ص: 368

القراءة، ولذلك عبر عنها بقرآن الفجر لما كانت القراءة فعظم أركانها لطول زمنها فيها (أ). فعمر عنها بها من إطلاق الجزء الأعظم على جميع الشيء. والله أعلم.

فائدة: قال الدميري: رُخَصُ السَّفَر أربع يختص بالطويل، وهي المسح على الخف، والقصر، والجمع، والفطر (1)، وأربع تجوز في القصير والطويل: أكل الميْتَة، والتنفل على الراحلة، وإسقاط الصلاة بالتيمم، وترك الجمعة.

وفي المهمات زيادة على ذلك، والأصل في مطلق الرخصة ما روى مسلم عن عائشة (2) قال:"رَخَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر فَنَفَرَ عنه ناس، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب حتى بان الغضبُ في وجهه ثم قال: مَا بَالُ أقْوامٍ يرغَبون عما رُخِّص لهم، فوالله لأنا أعلمُهم بالله، وأشدُّهم له خشية". انتهى.

327 -

وعن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويصوم ويفطر". رواه الدارقطني (3) ورواته ثقات إلا أنه معلول.

(أ) ساقطة من جـ.

_________

(1)

المغني 2/ 261.

(2)

مسلم 4/ 1829 ح 128 - 2356 م.

(3)

الدارقطني، باب القبلة للصائم 2/ 189 ح 44، الحديث رواه الدارقطني بإسناد صحيح، ورواه عن طلحة بن عمر، ودلهم بن صالح، والمغيرة بن زياد وثلاثتهم ضعفاء عن عائشة، قال: والصحيح عن عائشة موقوف.

ص: 369

والمحفوظ عن عائشة رضي الله عنها من فعلها وقالت (أ): "إنه لا يشق عليّ" أخرجه البيهقي (1)[يعني فعلها ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كما في رواية عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة](ب).

و (جـ) أخرجه الدارقطني من حديث عطاء عن عائشة، ولفظه:"تتم وتصوم" بالمثناة من فَوْق، وقد استنكره أحمد، فإن عروة ذكر أنها كانت تتم، وأنها تأولت ما تأول عثمان. [وتأويلها أنها قالت لعروة: يا ابن أختي (د) إنه لا يشق علي] (5)، كما في "الصحيح" فلو كان (و) عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواية لم يَقلْ عروة عنها تأولت (ز)، وقد ثبت في الصحيحين خلاف ذلك، وأخرج أيضًا الدارقطني والنسائي والبيهقي من حديث العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة:"أنها اعْتَمَرَت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت: "يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أتممت وقصرت، وأفطرت وصمت، فقال: أحسنتِ يا عائشة"، وما عاب عَلَيّ"(2).

(أ) في جـ: وقال.

(ب) بهامش الأصل، ساقطة من هـ.

(جـ) الواو ساقطة من جـ.

(د) في جـ، هـ: أخي، والمعروف أنه ابن أختها.

(هـ) في هامش الأصل.

(و) في جـ: كانت.

(ز) زادت هـ: قلت.

_________

(1)

البيهقي 3/ 143.

(2)

الدارقطني 2/ 188 ح 39، البيهقي 3/ 142، النسائي 3/ 100 - 101.

قلت: الحديث من رواية النسائي ليس به علة في سنده لأن عبد الرحمن بن الأسود أدرك =

ص: 370

وفي رواية الدارقطني: "في عمرة في رمضان" واستنكر ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان، وفيه اختلاف في اتصاله. قال الدارقطني (1): عبد الرحمن أدرك عائشة ودخل عليها، وهو مراهق.

قال المصنف (2) رحمه الله وهو كما قال ففي "تاريخ البخاري"(3) وغيره ما يشهد لذلك، وقال أبو حاتم (4): أدخل عليها وهو صغير، ولم يسمع منها، قلتُ: ادعى ابن أبي شيبة والطحاوي ثبوت سماعه منها، وفي رواية الدارقطني عن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة. قال أبو بكر

= عائشة ودخل عليها وهو مراهق، قال شيخ الإسلام: عبد الرحمن إنما دخل على عائشة وهو صبي، ولم يضبط ما قالته. الفتاوى 24/ 147 ولكن فيه العلاء بن زهير الأزدي تكلم عليه الشارح. قلت: وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الحديث فقال: ونفس الحديث المروي في فعلها باطل، ولم تكن عائشة ولا أحد غيرها ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلا كصلاته، ولم يصل معه أحد أربعًا قط لا يعرفة، ولا بمزدلفة. الفتاوى المصرية 2/ 9 - 10، وقال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام يقول: هو كذب على رسول الله. الهدى 1/ 464، وقال صاحب التنقيح: إن هذا المتن منكر. نصب الراية 2/ 191، وقال ابن حجر: وقد استنكره، أحمد وصحته بعيدة فإن عائشة كانت تتم، وذكر عروة أنها تأولت ولو كان عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية لم يقل إنها تأولت وقد ثبت في الصحيح خلاف ذلك. التلخيص 2/ 46 - 47. وقد عقب ابن القيم على كلام شيخ الإسلام بأن عائشة أتمت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: إنها تأولت كما تأول عثمان، ولأن النبي كان يقصر دائمًا. فركب بعض الرواة بين الحديثين حديثًا وقال: فكان رسول الله يقصر وتتم هي، فغلط بعض الرواة فقال: كان يقصر ويتم: أي هو.

(1)

السنن 2/ 188 وقال: وسمع منها.

(2)

التلخيص 2/ 46.

(3)

التاريخ الكبير 5/ 815.

(4)

الجرح والتعديل، وليس فيه (ولم يسمع منها) 5/ 209.

ص: 371

النيسابوري: من قال فيه عن أبيه فقد أخطأ، واختلف قول الدارقطني فيه، فقال في "السنن" (1): إسناده حسن، وقال في "العلل": المُرْسَلُ أشبه. والعلاء بن زهير، قال الذهبي في "الميزان":(2) وثقه ابن معين، وقال ابن حبان (3): كان ممن يروي عن الثقات ما لا يشبهه حديث الأثبات (أ) انتهى. فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الأثبات (أ)، وبطل بهذا ادعاء ابن حزم، جهالة العلاء، فقد عرف عينًا وحالًا.

الحديث فيه دلالة على استواء الأمرين، من قصر الصلاة وإتمامها، والإفطار والصوم كما هو (ب) أحد أقوال الشافعي، وقد مر.

328 -

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن الله يحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُه، كما يكره أن تُؤتَى معصيته" رواه أحمد، وصححه ابن خزيمة وابن حبان (4).

(أ)(انتهى مثبتة في هـ بعد قوله (فيما لم يوافق الأثبات).

(ب) ساقطة من هـ.

_________

(1)

قال: (وهو إسناد حسن) 2/ 188.

(2)

الميزان 3/ 100.

(3)

المجروحين 2/ 183.

(4)

أحمد 2/ 108، ابن خزيمة، باب استحباب قصر الصلاة في السفر بقبول الرخصة التي رخص الله، إلخ 2/ 73 ح 950، ابن حبان (الموارد) بلفظ:(معاصيه)، باب صلاة السفر 144 - 145 ح 545، البيهقي: الصلاة، باب كراهية التقصير والمسح على الخفين، وما يكون رخصة رغبة عن السنة 3/ 140، مجمع الزوائد: وقال: رواه أحمد -ورجاله رجال الصحيح- والبزار، والطبراني في الأوسط وإسناده حسن 3/ 162. تاريخ بغداد في ترجمة عبيد الله بن عثمان العثماني 10/ 347.

ص: 372

وفي رواية: "كما يحب أن تؤتى عزائمه"(1).

قوله: "إِن الله يحب": المحبة من الله (2) يُرادُ بها رضاه بفعل العبد، والكراهة عدم ذللك، والرخصة، مراد بها ما سهله لعباده ووسعه عند الشدة من ترك بعض الواجبات، أو (أ) إباحة بعض المحرمات، وفي اصطلاح أهل الأصول: ما شرع من الأحكام لعذر، والعزيمة، مقابل بالمعنيين، وجمع بين الرخصة والمعصية هنا لما كان في كل واحد منهما تَرْك طاعة.

329 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا خرج مسيرة ثلاثة أميال -أو فراسخ- صلى ركعتيْن". رواه مسلم (3).

وعنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إِلى مكة، وكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إِلى المدينة". متفق عليه، واللفظ للبخاري (4).

(أ) في جـ: و.

_________

(1)

البيهقي 3/ 140، ابن حبان 228 ح 914 (موارد).

قلت: ورويت من حديث ابن عباس عند الطبراني والبزار ورجالهما ثقات، مجمع الزوائد 3/ 161، وأبو نعيم في الحلية 6/ 276، وابن حبان 228 ح 913 (موارد)، وعن ابن مسعود في الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه راو لا يتابع على رفع حديثه.

(2)

الحب والكره لا يصح أن يراد رضاه بفعل العبد بل حبٌّ يليق بجلال الله وعظمته.

(3)

مسلم: صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها 1/ 481 ح 12 - 691 أبو داود: الصلاة، باب، متى يقصر المسافر 2/ 8 ح 1201، أحمد 3/ 129، البيهقي: الصلاة، باب إتمام المغرب في السفر والقصر وأن لا قصر فيها 3/ 146.

(4)

مسلم 1/ 481 ح 15 - 693، البخاري بلفظ (مع النبي صلى الله عليه وسلم .. فكان)، تقصير الصلاة باب ما جاء في كم يقصر الصلاة 2/ 431، ح 548، النسائي، كتاب تقصير الصلاة في السفر، باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة 3/ 100، ابن ماجه، إقامة الصلاة، باب كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة 1/ 342 ح 1077.

ص: 373

قوله: "إِذا خرج": ظاهره في أنه إذا كان قصده مسافرة، هذا القدر، لا أنه إذا أراد السفر الطويل، فلا يقصر إلا بعد هذه المسافة.

وقوله: "ثلاثة أميال أو فراسخ": الشك من شعبة وليس التخيير في أصل الحديث، والمِيل (1): هو المحل المتسع من الأرض، مأخوذ من ميل النظر لأنه يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبهذا حده الجوهري، وقيل: حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مستويه فلا يدري أهو رجل أم امرأة أو غير ذلك، وقال النووي: هو ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضة متعادلة، والإصبع ست شعيرات معترضة متعادلة، وتيل: هو اثنا عشر ألف قَدَم بقدم الإنسان، وقيل: هو أربعة آلاف ذراع، وقيل: بل ثلاثة آلاف ذراع، وقيل: وخمسمائة، وبنى على هذا ابن عبد البر، وقيل: هو ألفا ذراع، وقيل: ألف خطوة للجَمل، وقيل: ثلاثة آلاف ذراع بالذراع الهاشمي (2)، وهو اثنان وثلاثون إصبعًا وهو ذراع الهادي، وهو الذراع العمري المعمول عليه في صنعاء وبلادها في تاريخ سنة تسعين وألف سنة.

والفرسخ: ثلاثة أميال، وهو فارسي معرّب، وقد ذهب إلي العمل بظاهر هذا الحديث أهلُ الظاهر فقالوا: يقصر في ثلاثة أميال، ورُد عليهم بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به وهو مستقيم في أنه لا يحتج به في الثلاثة الأميال،

(1) الميل بالكسر عند العرب، مقدار مدى البصر من الأرض، قاله الأزهري، وعند القدماء من أهل الهيئة: ثلاثة آلاف ذراع، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع، والخلاف لفظي لأنهم اتفقوا على أن مقداره ست وتسعون ألف إصبع، والإصبع ست شعيرات بطن كل واحدة إلى الأخرى، القاموس 4/ 54، المجموع 4/ 190، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 146.

(2)

الفتح 2/ 576.

ص: 374

وأما الثلاثة الفراسخ فيصح العمل به فيها، والظاهر أنه لم يذهب إلى ذلك أحد، إذ الأميال داخلة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا إذ هو المتيقن، وهذا الحديث أصرح شيء في التحديد، [وأصرح منه (أ) ما روى سعيد بن منصور عن أبي سعيد قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخًا يقصر الصلاة"(1)] (ب).

واعم أنه انتشر الخلاف بين العلماء في السافة التي يجوز القَصْر فيها، فحكى ابن المنذر وغيره نحوًا من عشرين قولًا، وأقلّ ما قيل في ذلك [ما روى ابنُ أبي شيبة (2) عن محارب يقول: سمعت ابن عمر يقول: "لو خرجتُ ميلًا لقصرتُ الصلاة"، وإسناده صحيح، وقد روى هذا في "البحر"، (3) عن داود، ويلحق به] (جـ) ما ذهب إليه أهلُ الظاهر، ويلحق به ما ذهب إليه الباقر والصادق وأحمد بن عيسى والهادي والقاسم (4) أنه يقصر في مسافة برِيْد فصاعدًا، قالوا: لقوله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة: "لا يحل لامرأة تسافر بريدًا إلا ومعها محرم" أخرجه أبو داود (5)، وفي رواية

(أ) ساقطة من جـ.

(ب) بهامش الأصل.

(جـ) بهامش الأصل.

_________

(1)

مصنف ابن أبي شيبة 2/ 442 - 443.

(2)

في مسند ابن أبي شيبة عن محارب بن دثار قال: صمحت ابن عمر يقول: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر 2/ 44.

(3)

و (4) البحر 2/ 42.

(5)

أبو داود 2/ 347 ح 1725.

ص: 375

البخاري "يومًا وليلة"(1) فسمى البريد سفرًا.

قال في "البحر"(2): ولقصره صلى الله عليه وسلم إذا خرج من مكة إلى عرفات وهو بريد، وهذا فيه نظر، إذ مكة ليس (أ) ابتداء سفره فلا حجة فيه.

وقال أبو حنيفة (3): أربعة وعشرون فرسخًا، لقوله صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر فوق ثلاثة أيام إلا مع مَحْرَم" أخرجه البخاري (4)، وسير الإبل في كل يوم ثمانية فراسخ، وقال الشافعي (5): ستة وأربعون ميلًا، وقدرها أربعة بُرُد لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة بُرد من مكة إلى عسفان" وسيأتي (6).

وأخرج البيهقي (7) بإسناد صحيح أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويُفْطِران في أربعة بُرد فما فوق، وروى الشافعي (8) بإسناد صحيح عن ابن عباس، أنه سُئِلَ أتقصر الصلاة إلى عرفة؟ يعني: من مكة،

(أ) في هـ: ليست.

_________

(1)

البخاري 2/ 566 ح 1088.

(2)

2/ 42.

(3)

الهداية 2/ 30، المجموع 4/ 191.

(4)

البخاري 2/ 565 ح 1086.

(5)

الأم 1/ 162، وذكر في المجموع سبعة أقوال تنسب للإمام الشافعي وقال: إن الذي تطابقت عليه نصوص الشافعي والأصحاب ثمانية وأربعون ميلًا هاشميًّا 4/ 190.

(6)

سيأتي في ح 333.

(7)

البيهقي 3/ 136 - 137.

(8)

الأم 1/ 162.

ص: 376

فقال (أ): "لا ولكن إلى عسفان، وإلى جدة وإلى الطائف"، وهذه الأمكنة كل واحد منها بينه وبين مكة أربعة بُرُد فما فوقها، وذكر هذا البخاري (1) في "صحيحه" تعليقا بصيغة الجَزْم، والظاهر أنه توقيف.

وذهب زيد بن علي (2) والناصر والنفس الزكية والداعي والمؤيد وأبو طالب والثوري والنخعي أنَّ القَصْرَ لا يكون إلا في مسافة ثلاثة أيام بسَيْر (ب) الإبل والأقدام، لقوله:"لا يحل .. " الحديث المتقدم، وهو موافق لقول أبي حنيفة، وذهب البخاري على ما تعطيه عبارته في "الصحيح" أنَّ أقلَّ السفر يوم وليلة، قال: وسمى (جـ) النبيُّ صلى الله عليه وسلم السفر يومًا وليلة (3)، وهذا إشارة منه إلى ما رواه من حديث أبي هريرة (4) في ذلك، ولكنه قد روب في حديث أبي هريرة ثلاثة أيام (5)، كما رواه أيضًا من حديث ابن عمر.

وقوله: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم": هو في حجة الوداع، ولم يَرِدْ عنه صلى الله عليه وسلم فيها (د) ما يخالف ذلك.

(أ) في جـ: قال.

(ب) في هـ: سير.

(جـ) في جـ: وسماه.

(د) ساقطة من جـ.

_________

(1)

البخاري، تقصير الصلاة 2/ 565، ووصلها الدارقطني في السنن 1/ 387.

(2)

البحر 2/ 43.

(3)

البخاري 2/ 565.

(4)

البخاري 2/ 566 ح 1088.

(5)

أشار الحافظ ابن حجر أن في بعض طرقه ثلاثة أيام 2/ 156 وحديث ابن عمر في الباب نفسه يشهد لذلك 2/ 565، 66 ح 1086 واعلم أن العلماء اختلفوا في المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر ولا يسوغ له في أقل منها.

اختلفوا في هل هو زمن معين أو مرحلة معينة. قال شيخ الإسلام: ولم يحد النبي صلى الله عليه وسلم =

ص: 377

وقوله: "ركعتين ركعتين": الثاني منهما تأكيد لفظي، ولكنه تأكيد لازم عند قصد (أ) قسمة شيء على عدد أو نحوه يؤتى (ب) بالمقسوم عليه متكررًا.

[تنيبه: اختُلف في معنى الفرسخ: فقيل السكون (1) ذكره ابن سيده، وقيل: السعة، وقيل: المكان الذي لا فرجة فيه، وقيل: الشيء الطويل](جـ).

330 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أقام النبي صلى الله عليه وسلم، تسعة عشر يوما يقصر"، (د) وفي لفظ بمكة تسعة عشر يوما" (د) رواه البخاري (2).

(أ) في جـ: قسط.

(ب) في جـ: ليؤتى.

(جـ) بهامش الأصل.

(د- د) ساقطة من جـ، ولفظ هـ: سبعة.

_________

= مسافة القصر بحد زماني ولا مكاني، والأقوال المذكورة في ذلك متعارضة ليس على شيء منها حجة وهي متناقضة ولا يمكن أن يحد ذلك بحد صحيح، فإن الأرض لا تذرع بذرع مضبوط في عامة الأسفار وحركة المسافر تختلف، والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم ويقيد ما قيده، فيقصر المسافر الصلاة في كل سفر، وكذلك جمع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة والمسح على الخفين اهـ. الفتاوى 24/ 12 - 13.

وهي قاعدة كبرى في ضبط السفر لا سيما مع تقدم حركة السفر وسرعتها، وبالله التوفيق.

(1)

السكون: سمي الفرسخ بذلك، لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك كأنه سكن. اللسان 4/ 13.

في النسخ: المسكون، وفي اللسان: السكون.

قلتُ: البريد أربع فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال، المطلع 104، المجموع 4/ 189 - 190.

(2)

البخاري تقصير الصلاة، باب ما جاء في المصير وكم يقيم حتى يقصر 2/ 561 ح 1080 ولفظ "مكة" 80/ 21 ح 4298، أبو داود الصلاة، باب متى يتم المسافر 2/ 24 ح 1230. من رواية عباد بن منصور عن عكرمة، الترمذي الصلاة، باب ما جاء في كم تقصر الصلاة 1/ 434 ح 549. ابن ماجه، إقامة الصلاة والسنة فيها، باب كم يقصر المسافر إذا أقام ببلدة 1/ 341 ح 1075.

ص: 378

وفي رواية لأبي داود: "سبع عشرة"، وفي أخرى:"خمس عشرة"(1).

وله عن عمران بن حُصَين (2): "ثماني عشرة"، وله عن جابر (3):"أقام بتبوك عشرين يوما يقصر".

ورواته ثقات، إلا أنه اختلف في وصله.

قوله: "تسعة عشر يوما"، وقع في لفظ البخاري:"سبعة عشر" بتقديم السين على الباء، وأكثر الرواة بتقديم التاء المنقوطة باثنتين من أعلى، وفي رواية أبي داود:"سبعة عشر" بتقديم السين أيضًا، وقد جمع البيهقي (4) بين هذا الاختلاف بأن قال: تسع عشرة عدا يومي الدخول والخروج، ومن قال:"سبع عشرة" حذفهما، ومن قال:"ثماني عشرة" عد أحدهما وأسقط الآخر، ورواية "خمس عشرة" تُحمل على أن

(1) وعند أبي داود 2/ 240 ح 1230. ولفظ "خمس عشرة" أبو داود 2/ 25 ح 1231، النسائي 3/ 100، ابن ماجه 1/ 342 ح 1076، أبن أبي شيبة 2/ 453.

(2)

عمران بن حصين، أبو داود 2/ 23 ح 1229، الترمذي 2/ 430 ح 545، والحديث فيه عليّ بن زيد بن جدعان، ضعيف مر في ح 62. قال ابن حجر: وإنما حسن الترمذي حديثه بشواهده، ولم يعتبر الاختلاف في المدة كما عرفت من عادة المحدثين من اعتبارهم الاتفاق على الأسانيد دون السياق 2/ 48.

(3)

أبو داود 2/ 27 ح 1235، قال أبو داود: غير معمر يرسله لا يسنده. ابن حبان (موارد) 145 ح 546، الحديث أعله الدارقطني بالإرسال والانقطاع وذلك لأن عليّ بن المبارك، وغيره من الحفاظ رووه عن يحيى بن أبي كثير عن ابن ثوبان مرسلًا.

(4)

السنن 3/ 151 - وليس فيه رواية "خمس عشرة". لكن الحافظ ابن حجر تكلم عليها في الفتح قال: ضعفها النووي في الخلاصة، وليس بجيد لأن رواتها ثقات. وهو كما قال: الفتح 2/ 562، وقال في التلخيص: وتبقى رواية خمسة عشر شاذة لمخالفتها، ورواية عشرين وهي صحيحة الإسناد إلا أنها شاذة أيضًا اللهم إلا أن يحمل على جبر الكسر، التلخيص 2/ 48.

ص: 379

الراوي ظن أن الأصل سبعة عشر وأسقط يوم الدخول والخروج، ولكن رواية "تسعة عشر" بالتاء المنقوطة باثنتين من أعلى أرجح الروايات، وبها أخذ إسحاق بن راهويه (1)، وهي أكثر ما وردت به الروايات، وأخذ الثوري (أ) وأهل الكوفة برواية "خمس عشرة" لكونها أقل ما ورد، وأخذ الشافعي برواية عمران بن حصين، فما زاد على العدد المذكور عنده في حق من لم يعزم على الإقامة، فإنه يتم فيه الصلاة، ومن عزم على الإقامة فأربعة أيام يجب فيها التمام عنده، قال لنهيه صلى الله عليه وسلم المهاجر من الإقامة في مكة زائدًا على ثلاثة أيام، فما ذاك إلا أنه يسمي مقيمًا فيما زاد عليها، ورجح رواية عمران بن حصين، لسلامتها عن الاختلاف عليه، فإنه لم يرو عنه إلا بلفظ (ب):"ثماني عشرة" وهي وإن كانت من رواية علي بن زيد بن جُدْعان، وهو ضعيف، ولكن الترمذي حسن حديثه هذا لشواهده، ولفظ حديث عمران قال:"غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدتُ معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة لا يصلي إلا ركعتين، يقول: يا أهل البلد صلُّو أربعا فإنا قوم سفر"، [وقع في رواية أبي داود:"ثمان عشرة" قال في "شرح ابن رسلان"، بفتح النون والتاء، آخره للتركيب] (جـ).

واعلم أن الأئمة اختلفوا في قَدْر مدة الإقامة التي يتم المسافر الصلاة إذا عزم عليها، فذهب ابن عباس والعترة والإمامية (2) إلى أن أقل مدة الإقامة

(أ) في هـ: النووي.

(ب) في جـ: لفظ.

(جـ) بهامش الأصل وفيه بعض المحو واستدركته من نسخة هـ.

_________

(1)

المجموع 4/ 220.

(2)

البحر 2/ 45.

ص: 380

عشرة أيام، قالوا: لقول علي رضي الله عنه: "إذا أقمت عشرًا فأتم الصلاة"(1)[وهو توقيف، وذهب أبو حنيفة (2) إلى أنَّ أقلها خمسة عشر يوما لما](أ) روى عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا: "إذا قدمت بلدة، وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة"(3).

وذهب عثمان بن عفان رضي الله عنه والشافعي (4) ومالك وأبو ثور إلى أن أقلها أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج، قالوا: لمنعه صلى الله عليه وسلم المهاجرين بعد قضاء النسك أن يزيدوا على ثلاثة أيام في مكة (5)، فدل على أن الأربعة الأيام يصير بها مقيمًا، وذهب النخعي إلى أن أقلها اثنا عشر يومًا، وربيعة زاد ليلة على اليوم، والبصري قال: يصير مقيمًا بدخول البلد، وعائشة بوضع الرحل، وهذه الأقوال الأخيرة لا مستند لها (6).

وهذا الكلام في حق من عزم على الإقامة، وأما منْ لم يعزم على

(أ) بهامش الأصل.

_________

(1)

ابن أبي شيبة 2/ 455.

(2)

الهداية 2/ 34.

(3)

ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: "كان ابن عمر إذا أجمع على إقامة خمس عشرة سرح ظهره وصلى أربعًا" 2/ 455، الطحاوي وفي ابن أبي شيبة عن ابن عباس ما يخالف الأثر قال:"إن أقمت في بلد خمسة عشر فأقصر الصلاة" 2/ 453 وما في صحيح البخاري عن ابن عباس" أقام النبي تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسحة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا". البخاري 2/ 561 ح 1080.

(4)

المجموع 4/ 219، الكافي 1/ 245.

(5)

صحيح مسلم 2/ 985 ح 441 - 1352.

(6)

المجموع 4/ 220.

ص: 381

الإقامة وتردد، ففيه الأقوال المتقدمة، وهي مختلفة على حسب اختلاف الروايات في مدة قصره صلى الله عليه وسلم، في مكة، وقد عرفت اختلاف الروايات فيها.

وذهب الهادي والقاسم والإمامية إلى أنَّ مَنْ لم يعزم علي السفر لا يزال يقصر إلى شهر، قالوا: لقول علي رضي الله عنه في رواية جعفر الصادق عنه. أنه قال في الذي يقول: "اليوم أخرج، غدًا أخرج" أنه يقصر الصلاة شهرًا (1).

وذهب الإمام يحيى (2) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه و (أ) قول للشافعي: يقصر أبدًا إذ الأصل السفر، ولِفِعْل (ب) ابن عمر فإنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة مع التردد (3)، وروي عن أنس بن مالك أنه أقام بنيسابور سنة أو سنتين يقصر الصلاة (4)، وعن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا في "رَامَهُرْمُز"(5)(جـ) تسعة أشهر يقصرون الصلاة.

وللشافعي قول: إنه يتم بعد أربع، وعنه سبعة عشر يومًا وقد تقدم قول له في ثمانية عشر كما في حديث عمران بن حصين، ويرد على كثير من هذه الأقوال إقامته صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر، ولا دليل في المدة

(أ) زاد في جـ: هو.

(ب) في هـ: ولفظ.

(جـ) في جـ: برام هرمز.

_________

(1)

البحر 2/ 46.

(2)

البحر 2/ 46.

(3)

سنن البيهقي 3/ 152.

(4)

ابن أبي شيبة 2/ 104.

(5)

سنن البيهقي 3/ 152 من طريق يحيى بن أبي كثير عن أنس، وهو لم يسمع منه.

ص: 382

التي قصر فيها على نفي القصر فيما زاد عليها، فيظهر رُجحان ما ذهب إليه الإمام يحيى، فإنه لا يسمى مقيما في المدة وإن طالت، وما روى من الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم فللاجتهاد منها مسرح فلا يحمل على التوقيف إذ يمكن النظر، واختلاف الآراء في أنه مع المدة، هل يسمى في العرف مسافرًا فيجري عليه حكمه أو لا يسمى فيجري عليه حكم المقيم [ويؤيد هذا ما أخرجه البيهقي في "السنن" (1) عن ابن عباس:"أن النبي، أقام بخيْبر أربعين يوما يقصر (أ)، ثم قال: تفرد به الحسن بن عمارة (2) وهو غير محتج به] (ب)، وحديث جابر وَصَله معمر، فرواه عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر، قال أبو داود (3): غير معمر لا يسنده، وأعله الدارقطني في "العلل" بالإرسال والانقطاع، فإن عليّ بن المبارك وغيره من الحفاظ رووه عن يحيى بن أبي كثير عن ابن ثوبان مرسلًا، ورواه الأوزاعي (4) عن يحيى عن أنس فقال: بضع عشرة.

قال المصنف (5) رحمه الله: وقد أخرجه البيهقي (6) من حديث جابر بلفظ: "بضع عشرة"، والله أعلم (7).

(أ) زاد في هـ: الصلاة.

(ب) بهامش الأصل.

_________

(1)

سنن البيهقي ولفظه: "يصلي ركعتين ركعتين" 1/ 152.

(2)

الحسن بن عمارة الكوفي الفقيه، متروك. مر في ح 112.

(3)

أبو داود 2/ 27.

(4)

سنن البيهقي 3/ 152.

(5)

التلخيص 2/ 47.

(6)

البيهقي 3/ 152.

(7)

قال شيخ الإسلام: من جعل للمقام حدًّا إما ثلاثة وإما أربعة وإما عشرة وإما اثنى عشر وإما خمسة عشر، فإنه قال قولا لا دليل عليه من جهة الشرع وهي تقديرات متقابلة، الفتاوى 24/ 137.

ص: 383

331 -

وعن أنس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا ارتحل قبل أن تزيغَ الشمسُ أخَّرَ الظُّهر إِلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإِن زاغت الشمسُ قبل أنْ يرتحل صلى الظُّهر ثم ركب" متفق عليه (1).

وفي رواية الحاكم في "الأربعين" بإسناد الصحيح: "على الظهر والعصر ثم ركب".

ولأبي نعيم في "مستخرج مسلم": "كان إِذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم ارتحل".

قوله: "إِذا ارتحل": أي سافر، وقوله:"تزيغ": بزاي معجمة وغين معجمة، أي تميل، وذلك بعد أن قام الفيء، وقوله:"ثم نزل فجمع بينهما": فيه دلالة على جواز جمع التأخير للمسافر وفي قوله: "صلى الظهر" هكذا الحديث المتفق عليه: أن الصلاة إنما هي الظهر فقط، وأنه لا يصلي العصر في وقت الظهر، وفي زيادة الحاكم وأبي نعيم ورواية مسلم:"أنه كان يجمع بينهما تقديمًا".

واعلم أنه ورد في جمع التقديم عن ابن عباس عند أحمد والدارقطني والبيهقي (2) إلا أن في إسناده ضعيفًا (3)، والترمذي حسَّنه بكثرة المتابعة،

(1) البخاري، تقصير الصلاة، باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب 2/ 582 ح 1112، مسلم، صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر 1/ 489 ح 46 - 704، أبو داود الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين 2/ 17 ح 1218، النسائي، الصلاة، الوقت الذي يجمع المسافر فيه بين الظهر والعصر 1/ 229.

(2)

أحمد 1/ 367 - 368، الدارقطني 1/ 388، البيهقي 3/ 163.

(3)

لأن فيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني، ضعيف، التقريب 74.

قلت: وذكر ابن حجر في "التلخيص" للحديث طرقًا أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده، وإسماعيل القاضي في الأحكام. التلخيص 2/ 51.

ص: 384

وعن معاذ (1) عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي في غزوة تبوك في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال الترمذي: حسنٌ غريب (2)، تفرد به قتيبة، والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ، ليس فيه جمع التقديم (3).

وقال أبو سعيد بن يونس: لم يُحَدِّث بهذا الحديث إلا قتيبة، ويُقال: إنه غلط فيه، فغيَّر بعض الأسماء، وإن موضع يزيد بن أبي حبيب، أبو الزبير.

وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(4) عن أبيه: لا أعرفه من حديث يزيد، والذي عندي: أنه دخل له حديث في حديث، وأطنب الحاكم في "علوم الحديث" (5) في بيان علة هذا بما حاصله أن البخاري سأل قتيبة: مع مَنْ كتبته؟ فقال: مع (أ) خالد المدائني، قال البخاري: كان خالد

(أ) ساقطة من هـ.

_________

(1)

أحمد 5/ 241 - 242، أبو داود 2/ 18 ح 1220، الترمذي 2/ 438 ح 553، ابن حبان (موارد) 145 ح 549، الدارقطني 1/ 392 - 393، البيهقي 3/ 163.

(2)

قلت: في نسخة الترمذي المطبوعة إن الترمذي قال: "حسن صحيح" وأشار المحقق إلى أن في بعض النسخ حسن فقط، فلعله لم يطلع على ذلك، والله أعلم.

(3)

قلت: عبارة التلخيص: المعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ وليس فيه جمع التقديم الذي أخرجه مسلم. وقال أبو داود: هذا حديث منكر وليس في جميع التقديم حديث قائم 2/ 52.

(4)

1/ 91 ح 245.

(5)

قال الحاكم: هذا حديث رواته أئمة ثقات وهو شاذ الإسناد والمتن، لا نعرف له علة نعلله بها، ولو كان الحديث عند الليث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل لعللنا به الحديث، فلما لم نجد له العلتين خرج عن أن يكون معلولا ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية، ولا وجدنا بهذا المتن بهذا السياق عند أحد من أصحاب أبي الطفيل، ولا عند أحد ممن رواه عن معاذ بن جبل عن أبي الطفيل فقلنا: الحديث شاذ .. معرفة علوم الحديث 119.

ص: 385

المدائني يُدْخِل على الشيوخ، يعني يُدْخِلُ في روايتهم ما ليس منه-.

وله طريق أخرى عند أبي داود (1) وفيها هشام بن سعد (أ)، وهو لين الحديث، وقد خالف أوثق الناس وهو الليث بن سعد.

وعن علي رضي الله عنه عند الدارقطني (2) عن ابن عقدة بسند له من حديث علي بن الحسن عن آبائه، وفي إسناده المنذر القابوسي (3)، وهو ضعيف.

وروى عبد الله بن أحمد (4) في "زيادات المسند" بإسناد آخر عن علي رضي الله عنه أنه كان يفعل ذلك.

وعن أنس رضي الله عنه عند الإسماعيلي والبيهقي (5) من حديث إسحاق بن راهويه، وإسناده صحيح قاله النووي (6).

قال المصنف (7) رحمه الله: وفي ذهني أن أبا داود أنكره على إسحاق، ولكن له متابع رواه الحاكم في "الأربعين" له بإسناد الصحيحين وزاد عليهما بتقديم العصر، قال:"فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر"، قال المصنف: وهي زيادة غريبة صحيحة

(أ) في هـ: سعيد.

_________

(1)

أبو داود 2/ 12 ح 1208.

(2)

الدارقطني 1/ 391 ح 10.

(3)

منذر بن محمد القابوسي قال الدارقطني: مجهول. الميزان 4/ 182.

(4)

الفتح الرباني 5/ 123، وفيه عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب مقبول، التقريب 188.

(5)

البيهقي 3/ 162.

(6)

المجموع 4/ 227.

(7)

التلخيص 2/ 52 ، 53.

ص: 386

الإسناد، وقد صححه المنذري من هذا الوجه، والعلائي، وتعجب من الحاكم كونه لم يورده في "المستدرك"(1).

وله طريق أخرى رواها الطبراني (2) في "الأوسط".

وقال بجواز جمع التقديم في السفر: العترة وابن عباس وابن عمر وجمع من الصحابة ومالك وأحمد والشافعي (3)، وسواء في ذلك الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء وسواء كان مجدا له السير أو نازلًا، وقيل: إنه مختصّ بالسائر دون النازل، وهو قول ابن حبيب.

ويرد عليه ما في "الموطأ"(4) من حديث معاذ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم آخَّر الصلاة في غزوة تبوك، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج".

ومثل هذا لا يكون إلا وهو نازل. وإنْ كان قد تأوله بعضهم أنه دخل، أي الطريق مسافرًا، ثم خرج أي عن الطريق للصلاة.

وعن الشافعية (5): أن ترك الجمع أفضل وعن مالك في رواية أنه مكروه، وقيل: يختص بمن له عذر. حُكي عن الأوزاعي، وقيل: يجوز جمع التأخير دون التقديم، وهو مرويّ عن مالك (6) وأحمد واختاره ابن حزم، وذهب النخعي والحسن وأبو حنيفة وصاحباه والناصر وأحد قولي ابن سيرين

(1) التلخيص 2/ 53.

(2)

مجمع الزوائد 2/ 160.

(3)

المجموع 4/ 226، المغني 2/ 271، ونسبه إلى أكثر أهل العلم، بداية المجتهد 1/ 170 - 171، البحر 1/ 169.

(4)

الموطأ 108 ح 2، مسلم 4/ 1784 ح 10/ 706. قلت: وفي المدونة نص مالك على أنه لا يجمع إلا إذا جد به السير 1/ 111.

(5)

المجموع 4/ 232.

(6)

بداية المجتهد 1/ 172.

ص: 387

إلى أنه لا يجوز الجمع للسفر (1)، وأجابوا في الأحاديث الواردة في ذلك بأن المراد بالجمع الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم -هو الجمعُ الصُّوريّ، وهو أنه أخَّرَ المغرب مثلًا إلى آخر وقتها وقَدَّمَ العشاء إلى أول وقتها، وكذلك الظهر والعصر، وهذا وإن تمشى لهم في تأويل جمع التأخير لم يتمشى في تأويل جمع التقديم كما عرفت من ثبوته (2).

واعلم أنه قد ورد في الجمع في [الحَضَر](أ) مطلقًا ما أخرجه الشيخان (3) من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بالمدينة من غير خوف ولا سفر" قال مالك (4): أري ذلك في مطر، ولمسلم:"جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر"، وقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته"، وفي رواية للطبراني (5): جمع بالمدينة من غير عِلَّة، قيل له: ما أراد بذلك؟ قال: التوسيع على أمته.

(أ) بهامش الأصل.

_________

(1)

شرح فتح القدير 2/ 48.

(2)

قال ابن قدامة: هذا فاسد لوجهين:

أحدهما: أنه جاء الخبر صريحًا في أنه كان يجمعهما في وقت إحداهما كقول أنس "أخر الظهر إلى وقت العصر .. ".

الثاني: أن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقًا وأعظم حرجًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن الإتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقي من وقت الأولى إلا قدر فعلها .. المغني 2/ 272.

(3)

البخاري 2/ 23 ح 543، مسلم 1/ 490 ح 54 - 705. قلت: وليس في رواية البخاري "من غير خوف ولا سفر".

(4)

الموطأ 109.

(5)

الطبراني الكبير 10/ 397 ح 10803.

ص: 388

وقد أخذ بهذا الظاهر وجَوّزَ (أ) الجمع بين الصلاتين في الحضر تقديمًا وتأخيرًا لغير عذر الإمامية وأحد قولي الناصر وأحد قولي المنصور بالله والمهدي والمتوكل (1)، وهو مرويّ عن علي رضي الله عنه وعن زيد وعن الهادي لم إلا أن المنصوص للهادي في "الأحكام": أنه إنما يجوز الجمع تقديمًا وتأخيرًا لمن كان مسافرًا أو معذورًا أو مشغولًا بطاعة أو بشيء (ب) من أمر الله، أو مرض أو خوف، قال: فله أن يجمع بين الظهر والعصر بعد زوال الشمس إلى غروبها، وبين المغرب والعشاء بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وحكي الهادي هذا عن جده القاسم، وخرج له السيد أبو طالب أن المشغول ببعض المباحات له الجمع أيضًا قياسا على المسافر، فإنَّ السفر قد يكون مباحا، وجاز معه الجمع، قال: وكذلك المستحاضة ونحوها [وجوَّزَ أحمد بن حنبل وإسحاق الجمع للمريض (2) مطلقًا، واختاره بعض الشافعية، والمشهور عند الشافعي وأصحابه المنع (3) وعند الشافعية يجوز الجمع للمطر في وقت الأولى (4)، ولا يجوز في وقت الثانية على الأصح لعدم الوثوق بالبقاء بشرط (أ) وجوده (د) عند الإحرام بالأولى،

(أ) في هـ: وجواز.

(ب) في هـ: شيء.

(جـ) في الأصل، جـ: شرط.

(د) زاد في هـ: عند الإمام.

_________

(1)

البحر 1/ 169.

(2)

المرض المبيح للجمع هو ما يلحقه بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف، وجوزه مالك وعطاء، المغني 2/ 276.

(3)

المجموع 4/ 235.

(4)

المطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب وتلحقه المشقة بالخروج منه، وأما الطل والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب فلا يبيح والثلج كالمطر، المغني 2/ 275.

ص: 389

والفراغ منها، وافتتاح الثانية، ويجوز ذلك لمن يمشي إلى الجماعة في غير كن بحيث يلحقه بلل المطر.

وقال به الجمهور في الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وخصه مالك بالمغرب والعشاء ذكره النووي (1)] (أ).

واحتج الهادي على ذلك بأدلة منها حديث ابن عباس في جَمْع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، لروي عن ابن عمر مثل ذلك إذا جَدَّ به السَّير، ورواه عن فعْل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا كلامه في "الأحكام"، وفي "المنتخب" احتج بقوله تعالى:{قم الليل إِلا قليلا ..} (2) إلى آخر الآيات، وذكر أن هذه الآيات في صلاة الفريضة، قال: بقرينة اقترانها بالزكاة، وأخرج عن عبد الرزاق (3) عن ابن جريج عن عطاء قال: لا تفوت صلاة النهار: الظهر والعصر حتى الليل، ولا تفوت صلاة (ب) المغرب والعشاء حتى النهار، ولا يفوت الصبح حتى تطلع الشمس.

قال: وروى عبد الرزاق (4) عن ابن جريج قال: كان يقول: لا يفوت وقت الظهر والعصر حتى الليل، ولا يفوت المغرب والعشاء حتى الفجر، ولا يفوت الصبح حتى تطلع الشمس. إلى أن قال: فهذه أخبار صحيحة موافقة لكتاب الله، ثم قال: وهذا قول ثابت وهو قول جدي القاسم، قال: والدليل على ثباته: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء الآخرة بالمدينة، من غير سفرٍ ولا خوف ولا مطرٍ"، ثم

(أ) بهامش الأصل.

(ب) زاد في هامش هـ: الليل.

_________

(1)

المجموع 4/ 235.

(2)

الآية 2 من سورة المزمل.

(3)

و (4) المصنف 1/ 582 ح 2219.

ص: 390

روى حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من أربع طرُقٍ (1)، ورواه (أ) عن ابن عمر من طريق عمرو بن شُعيب عن ابن عمر، وروي من فعل ابن عباس، ومن فعل أهل المدينة الجمع بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة لا يغير ذلك عليهم.

وظاهر هذا الاحتجاج جواز الجمع من غير عذر واحتجاج القاسم قريب من هذا إلا أنه قال: إن هذه الأوقات لمن صلى وحده، أو كانت به علة أو شُغل من الأمور والأمراض مشغلة، قال: وأما أوقات المساجد لعامريها واجتماع أهلها فيها فآخره فيما ذُكِرَ للظهر مِنْ أن يصير ظل كل شيء مثله، وللعصر من أن يصير ظل كل شيء مثليه، ذكر هذا في كتاب "صلاة يوم وليلة"، وروي عنه في "الوافي" أنه قال: صلوا كما تصلي العامة في المساجد، فإن أوقاتها مثل ما يصلون وكلما عُجل فهو أفضل، وذكر في الفرائض والسنن ما لفظه: ليس للناس تأخيرها متعمدين، ولسنا لمن فعل ذلك إذا لم يكن معتلًا بحامدين. انتهى.

وروي عن الهادي مثل هذا وأنه لما بلغه أن أهل طبرستان لا يصلون العشاءين إلا قرب الصبح أنكر عليهم ولم يرخص في ذلك إلا لِعُذرٍ أو علة، وروي هذا عن جده القاسم، ولا يخفى عليك خصوص الدعوى وعموم الاحتجاج من وجهٍ [وأنَّ جمع التقديم لم يكن في شيء من ذلك له مستروح، وغاية الأمر التأخير، ويحتمل أن يكون ذلك مسقطًا للقضاء

(أ) في هـ: وروي.

_________

(1)

مسلم 1/ 489 ح 49 - 705.

ص: 391

لخروج الوقت وإن أثم المؤخر] وقريب مما ذهب إليه الهادي ما ذهب إليه ابن سيرين وربيعة وابن المنذر (1) والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، إلا أنهم قالوا: يجوزُ الجَمَع في الحَضر للحاجة مطلقا. لكن بشرط أن لا يتخذه عادة، وهو أقرب إلى ظاهر حديث ابن عباس فإنه إنما رواه في صلاة يوم واحد ثمانيا جميعا وسبعا جميعا، وذهب أكثر الأمة إلى أنه لا يجوز الجمع في الحضر لما تقدم من الأحاديث المبينة لأوقات الصلاة، ولما تواتر من محافظة النبي صلى الله عليه وسلم على أوقاتها حتى قال ابن مسعود: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلي صلاةً لغير ميقاتها إلا صلاتين، وجمع بين المغرب والعشاء، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها (2)، وحديث ابن عباس لا يصح الاحتجاج به، إذ الجمع محتمل لثلاثة معان: إما جمع تقديم، أو تأخير، أو صوري، لا يصح حمله على جميعها، إذ هو في صلاة يوم واحد كما هو ظاهر في رواية مسلم، وتعيين واحد منها تحكم فوجب العدول عنه إلى ما هو الواجب من البقاء على عموم حديث الأوقات في حق (أ) المعذور وغيره، وتخصيص المسافر لثبوت المخصص

(أ) في هـ: حديث.

_________

(1)

معالم السنن 2/ 55، المجموع 3/ 227 - 228.

(2)

مصنف عبد الرزاق 2/ 551 ح 4420.

ص: 392

بجمع، وهذا هو الجواب الحاسم، وأما ما روي من الآثار عن التابعين والصحابة فغير حجة، إذ للاجتهاد في ذلك مسرح.

وقد ذهب العلماء إلى تأويل حديث ابن عباس، فبعضهم قال: يجوز أن يكون ذلك لأجل المرض، وهو مدفوع بأنه لو كان كذلك لما صلى معه، إلا مَنْ كان كذلك، وسياق الرواية أنهم صلوا جميعًا، وقد يجاب عنه بأن ذلك يجوز إذا كان الإمام معذورًا أن يصلي معه مَنْ لا عذر له كما ورد في صلاتهم قعودًا بعده مع عدم العذر.

وبعضهم: أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلًا فبان أن وقت العصر دخل فصلاها، وكذلك في المغرب والعشاء إذا كان وقت المغرب ممتدًا كما هو الصحيح.

وبعضهم تأوله بالجمع الصوري بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجَّل العصر في أول وقتها، وكذلك المغرب والعشاء، واستحسن هذا القرطبي (1) ورجحه، وجزم به ابن الماجشون (2) والطحاوي، وقواه ابن سيد الناس (3) بما أخرجه الشيخان عن عمرو بن دينار، فذكر الحديث. قال: فقلتُ: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر، وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل

(1) قال القرطبي: إن هذا الجمع يمكن أن يكون المراد به تأخير الأولى إلى أن يفرغ منها في آخر وقتها ثم يبدأ بالثانية في أول وقتها وإلى هذا يشير تأويل أبي الشعثاء ويدل على صحة هذا أنه قد نفى فيه الأعذار المبيحة للجمع التي هي الخوف والسفر والمطر. وإخراج الصلاة عن وقتها المحدد لها بغير عذر لا يجوز باتفاق، فتعين ما ذكرناه ل 150 ب، 151 أ.

(2)

و (3) الفتح 2/ 24.

ص: 393

العشاء قال: "وأنا أظنه"(1)، قال ابن سيد الناس: وراوي هذا الحديث أدري بالمراد من غيره، وإن كان أبو الشعثاء لم يجزم بذلك، فقد روى عنه أن ذلك لعذر المطر، وأقول: إنه يتعين هذا التأويل، فإنه صَرَّحَ به النسائي (2) في أصل حديث ابن عباس ولفظه: قال: "صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانيا جميعًا، وسبعًا جميعًا، وأخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء.

والعجب من النووي كيف ضَعَّفَ (3) هذا التأويل وغفل عن متن الحديث المروي، والمطلق في رواية يحمل (أ) على المقيد إذا كان في قصة واحدة، [والقول بأن قوله: أراد أن لا يحرج أمته يضعف الجمع الصوري لوجود الحرج فيه مدفوع بأن في ذلك تيسير أمر التوقيت، إذ يكفي للصلاتين تأهُّب واحد، وقصْد واحد إلى المسجد، ووضوء واحد، بحسب الأغلب بخلاف الوقتين، فالحرج لا شك فيه أخف (4)] (ب).

وأما قياس الحاضر على المسافر كما تقدم عن أبي طالب فيخدش فيه

(أ) تقدمت في هـ: على قوله "في رواية".

(ب) بهامش الأصل.

_________

(1)

البخاري 3/ 51 ح 1174، مسلم 1/ 491 ح 55 - 705 م.

(2)

النسائي 1/ 234، وليس عده أخر الظهر .. إلخ، إنما عند البخاري من كلام عمرو وتأييد جابر راوي الحديث 3/ 51 ح 1174.

(3)

شرح مسلم 2/ 359.

(4)

قلت: أراد الشارح أن يثبت الجمع الصوري وقبله رجحّه الحافظ في "الفتح" وغيره. قال شيخنا عبد العزيز بن باز: والصواب حمل الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم من مرض غالب أو برد شديد أو وصل، ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل قال:"لئلا يحرج أمته". وهو جواب عظيم سديد شاف. حاشية الفتح 2/ 24.

ص: 394

أن العلة في الأصل هو السفر وهو غير موجود في الفرع. وإلا لزم مثله في القصر والفطر.

واعلم أن هذا الذي أوردناه هو معظم ما في الباب، فجمع التقديم فيه خطر عظيم كمن صلى الصلاة قبل دخول وقتهِا، فيكون حاله (أ) كما قال الله سبحانه:{وهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّهُمْ يُحْسنُونَ صُنْعًا ..} الآية (1) من ابتدائها، وهذه المتقدمة لا دلالة لها عليه بمنطوق، ولا مفهوم عموم، ولا خصوص، ولها دلالة على جواز جمع التأخير، والخطر فيه أهون إذ المصلي فيه إما مؤدٍّ أو قاضٍ فقد سقط عنه الطلب (ب) وإنْ عصى بالتأخير.

332 -

وعن معاذ قال: ""خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكان يصلي الظُّهر والعصرَ جميعا، والمغرب والعشاء جميعًا". رواه مسلم (2).

أخرجه مسلم عن معاذ، وأخرج مثله (3) عن ابن عباس، وقال فيه: قال سعيد بن جبير فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته".

(أ) في هـ: حال الفاعل، وفي الأصل: جعل، فالفاعل فوق كلمة "كما قال".

(ب) ساقطة من هـ.

_________

(1)

الآية 104 سورة الكهف.

(2)

مسلم، صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر 1/ 490 ح 52 - 706، أبو داود، الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين 2/ 10 ح 1206، النسائي، المواقيت، باب الوقت الذي جمع فيه المسافر بين الظهر والعصر 1/ 229، ابن ماجه، إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الجمع بين الصلاتين في السفر 1/ 340 ح 1070، أحمد 5/ 229.

(3)

مسلم 1/ 490 ح 54 - 705 وليس فيه غزوة تبوك إنما كان بالمدينة، أبو داود 2/ 14 ح 1211، أحمد 1/ 283، البيهقي 3/ 166، ابن خزيمة 2/ 85 ح 971.

ص: 395

وهذا الحديث حمل فيه الجمع على [جَمْع](أ) التأخير، وأما رواية جمع التقديم فيه، فقد سبق ما عليه، والله أعلم.

333 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقصروا الصلاة في أقل من أربعة بُرُد، من مكة إِلى عسفان". رواه الدارقطني (1) بإسناد ضعيف، والصحيح أنه موقوف، كذا أخرجه ابن خزيمة.

وأخرجه الطبراني أيضًا وهو من رواية عبد الوهاب بن مجاهد (2)، وهو متروك، نسبه الثوري إلى الكذب، وقال الأزدي: لا تحل الرواية عنه، وهو منقطع أيضًا، لأنه لم يسمع من أبيه، ورواه أيضًا عنه إسماعيل بن عياش (3) وروايته عن الحجازيين ضعيفه.

وأما من قول ابن عباس فإسناده صحيح، وقد تقدم، وهذا المذكور في الحديث ذهب إليه الشافعي كما تقدم (4).

(أ) بهامش الأصل.

_________

(1)

الدارقطني، باب قدر المسافة التي تقصر في مثلها صلاة وقدر المدة 1/ 387، الطبراني الكبير من رواية ابن مجاهد عن أبيه وعطاء. مجمع الزوائد 3/ 157. الشافعي في الأم، السفر الذي تقصر في مثله الصلاة بلا خوف 1/ 162. أخرجه مالك في الموطأ بلاغًا 1/ 110 ح 17.

(2)

عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر روى عنه العراقيون وأهل الحجاز كان يروي عن أبيه ولم يره ويجيب في كل ما يسأل وإن لم يحفظ فاستحق الترك، قال ابن معين: ليس بشيء، وكان الثوري يرميه بالكذب. المغني في الضعفاء 2/ 413، المجروحين 2/ 146.

(3)

إسماعيل بن عياش مرّ في ح 8.

(4)

انظر 386 وما بعدها.

ص: 396

334 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ أمَّتي الذين إِذا أساءوا استغفروا، وإِذا سافروا قَصَرُوا وأفْطروا". أخرجه الطبراني في "الأوسط" بإسناد ضعيف، وهو في مرسل سعيد بن المسيب عند البيهقي مختصرًا (1).

في الحديث دلالة على أنَّ المعصية التي لم يصر عليها العبد لا تخرجه عن الخير وأنَّ القصر والإفطار غير واجبين وأنهما أفضل للمسافر، ولعله يحمل ذلك على امتثال ما شرع وتلقيه بالتسليم والانقياد من دون تعمق وتشديد، والله أعلم.

335 -

(أ) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مُتَرَبِّعًا". رواه النسائي، وصححه الحاكم (2).

الحديث محله في باب صفة الصلاة، ولكن المصنف رحمه الله أعاد من ذلك الباب حديث عمران بن حصين وحديث جابر وهما في آخر باب صفة الصلاة، وأتبعهما هذا الحديث ولم يتقدم، والحديث وارد في صفة قُعُود المصلي إذا كان له عُذْر عن القيام.

وفيه الخلاف الذي مرَّ في ذلك الباب، فارجع إليه، والله أعلم.

[اشتمل (ب) الباب على اثنين وعشرين حديثًا].

(أ) في هـ: أورد حديث عمران بن حصين فقط.

(ب) زاد في جـ: هذا.

_________

(1)

الطبراني في الأوسط. مجمع الزوائد 2/ 157، وفيه ابن لهيعة ضعيف، مر في ح 28.

(2)

النسائي، قيام الليل، باب كيف صلاة القاعد 3/ 183، انظر تخريج الحديث في ح 232.

ص: 397